شرح الشّواهد الشعريّة في أمّات الكتب النحويّة - ج ٣

محمّد محمّد حسن شرّاب

شرح الشّواهد الشعريّة في أمّات الكتب النحويّة - ج ٣

المؤلف:

محمّد محمّد حسن شرّاب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٦

تقول حليلتي لما قلتني

شرائج بين كدريّ وجون

وقلتني : كرهتني. وشرائج ، جمع شريج ، وهو الضّرب والنوع أو كل لونين مختلفين.

وقوله شرائج : خبر مبتدأ محذوف ، أي : شعرك شرائج والكدريّ : الأغبر. والجون : جمع جونة بالفتح ، وهو مصدر الجون بالفتح وهو من الأضداد ، يقال للأبيض والأسود. تريد أن بعض شعره كدري ، وبعضه جون.

وقوله : تراه : الفاعل يعود إلى الحليلة ، بمعنى الزوجة. وتراه : أي الشعر. والثغام : نبت له نور أبيض يشبه به الشيب. ويعلّ مسكا : يكثر فيه المسك. والفاليات : جمع الفالية ، وهي التي تفلي الشعر ، أي : تخرج القمل منه.

والشاهد : فليني : على أنه قد جاء حذف نون الوقاية مع نون الضمير للضرورة والأصل : فلينني ، بنونين. إحداهما نون النسوة.

قلت : والدليل على أن هذه المرأة كانت زوجا لأبيه قوله في آخر الأبيات :

فلو لا إخوتي وبنيّ منها

ملأت لها بذي شطب يميني

وذو شطب : هو السيف. يريد لو لا إخواني منها وأبنائي لقتلتها بالسيف. [سيبويه ج ٢ / ١٥٤ ، وشرح المفصل ج ٣ / ١٩ ، والهمع ج ١ / ٩٥ ، واللسان (فلا) والخزانة ج ٥ / ٣٧١].

(٢٦٩) لا تلمني عتيق حسبي الذي بي

إنّ بي يا عتيق ما قد كفاني

البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه.

والشاهد : عتيق. أراد : يا ابن أبي عتيق. حيث حذف المضاف ، وخلفه المضاف إليه في إعرابه. [شرح التصريح / ٢ / ٥٥].

(٢٧٠) يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع

بواديه من قرع القسيّ الكنائن

هذا البيت للطرمّاح بن حكيم. وهو في وصف بقر الوحش. وتطفن : أي : تدرن حوله. تقول : طاف الرجل بالقوم وطاف عليهم ، وأطاف أيضا : أي : استدار ، وأطاف بالأمر : إذا أحاط به. وأصل الحوزي : المتوحد المتفرد وأراد به فحل البقر الوحشي ،

٣٠١

الذي يصفه. والمراتع : جمع مرتع ، مكان الرتع. يريد أنه منفرد بهذه الأماكن يرتع فيها ما شاء. ولم يرع : لم يخف والقرع : الضرب ، والقسي : جمع قوس. والكنائن : جمع كنانة ، وهي جراب توضع فيه السهام. ومحل الاستشهاد بالبيت «قرع القسيّ الكنائن» فإن الرواية بنصب القسي وجرّ الكنائن ، فيكون تخريجه على أن قوله : قرع مصدر مضاف إلى قوله «الكنائن» الذي هو فاعل مصدر ، وقد فصل بين المضاف والمضاف إليه بقوله «القسي» الذي هو مفعول المصدر. وهذا مثل قوله تعالى في قراءة ابن عامر (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) [الأنعام ١٣٧] بنصب «أولادهم» وجرّ (شركائهم) على أن «قتل» مصدر مضاف إلى فاعله وهو قوله «شركائهم» وقد فصل بينهما بمفعول المصدر. وقد استشهد به الكوفيون على جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه ، بغير الظرف وحرف الخفض. [الإنصاف ٤٢٩ ، واللسان (حوز) والخصائص ج ٢ / ٤٠٦ والعيني ج ٣ / ٤٦٢].

(٢٧١) ذعرت به القطا ونفيت عنه

مقام الذئب كالرّجل اللّعين

البيت للشماخ بن ضرار من قصيدة مدح بها عرابة بن أوس.

وقبل البيت :

وماء قد وردت لوصل أروى

عليه الطير كالورق اللّجين

والورق اللجين ، الورق المبلول الذي تلبد بعضه فوق بعض.

وقوله : ذعرت به القطا : يريد أنه جاء إلى الماء متنكرا. وذعرته : خوفته. ولقيت : أي طردت. وخص القطا ، والذئب. لأن القطا أهدى الطير ، والذئب أهدى السباع ، وهما السابقان إلى الماء. واللعين : المطرود ، المنفي المقصى. ويظهر أنه يريد أن يقول : إنني طردت عن هذا الماء إقامة الذئب ، مشبها الرجل اللعين المطرود من قومه. وقد استشهد بهذا البيت على أن لفظ «مقام» مقحم. وليس كما قالوا ، وإنما يريد طردت الذئب عن هذا الماء ، فلا مقام له إما أنه شبهه في حال وجوده على الماء كالرجل اللعين ، أو شبههه في حال طرد ، يعني أنه طرده كما يطرد الرجل اللعين. [الخزانة ج ٤ / ٣٤٧ ، وشرح المفصل ج ٣ / ١٣].

(٢٧٢) ولا يجزون من حسن بسوءى

ولا يجزون من غلظ بلين

٣٠٢

لأبي الغول الطّهويّ من شعراء الدولة المروانية. وهو يصف فوارس ذكرهم في أبيات سابقة. يقول : إنهم يعرفون مجاري الأمور ومقادير الأحوال فيوازنون الخشن بالخشن واللين باللين. وقد أنشد بعضهم البيت على أن «سوءى» مصدر ، كالرجعى والبشرى وليس مؤنث أسوأ. ذلك أن اسم التفضيل إذا كان معرى من ال يجب اقترانه بـ (من) فأراد أن يعتذر عن ذلك ، بأن اسم التفضيل هنا لا يراد به التفضيل ، وإنما يراد به المصدر ، ولكن هذا اللفظ يروى بصور أخرى. ففي الحماسة (بسيء) يعني بسيّئ ، فخفف ، كما قالوا : هيّن ، وهين وروي «بسوء» وفي كتاب الشعر والشعراء «ولا يجزون من خير بشرّ». [الخزانة ج ٨ / ٣١٤ ، وشرح المفصل ج ٦ / ١٠٠ ، ٢٠٠ ، والحماسة بشرح المرزوقي ص ٤٠].

(٢٧٣) كأنّ حمولهم لما استقلّت

ثلاثة أكلب يتطاردان

البيت غير منسوب ، وأنشده الرضي على أن بعضهم أجاز وصف البعض دون البعض فهذا الشاعر ، قال : يتطاردان. فوصف اثنين ، وترك الثالث. وهذا لا يحتمله القياس. وفي البيت مبالغة في الهجو ، لأن الإبل التي يعدونها عندهم كثيرة ، عدتها ثلاثة لا غير وأنها صغيرة في الجثة جدا حتى أنها مع ما عليها في مقدار جرم الكلاب وأنها ليس عليها ما يثقلها من الأثاث ولذلك تطارد لخفة ما عليها. وأن بعضها هزيل جدا لا يقدر على الطراد ، وهو الثالث الذي لم يصفه. [الخزانة ـ ج ٥ / ٣٩].

(٢٧٤) سقى العلم الفرد الذي في ظلاله

غزالان مكحولان مختضبان

البيت بلا نسبة في أمالي ابن الشجري ج ١ / ١٦٠ ، والمخّصص ١٦ / ١٨٨.

(٢٧٥) أنا ابن أباة الضيم من آل مالك

وإن مالك كانت كرام المنازل

البيت للطرماح بن حكيم.

والشاهد : وإن مالك. فقد ألغيت (إنّ) بعد تسكينها ولم تقترن باللام الفارقة بينها وبين (إن) النافية والذي سوّغ ذلك القرينة المعنوية ، فالشاعر يفخر بقبيلته. فذكر «مالك» في الشطر الأول وأراد جدّ القبيلة وذكره ثانيا وأراد القبيلة نفسها. [الأشموني ج ١ / ٢٨٩ والهمع ج ١ / ١٤١ والدرر ج ١ / ١١٨].

(٢٧٦) بثين الزمي ، لا ، إنّ ، لا ، إن لزمته

على كثرة الواشين أيّ معون

٣٠٣

البيت لجميل. يقول : نعم العون قولك «لا» في ردّ الوشاة ، وإن كثروا.

والشاهد : (معون) وأصلها «معونة» فحذف الهاء. [اللسان «عون» والخصائص ج ٣ / ٢١٢].

(٢٧٧) لو لا فوارس تغلب ابنة وائل

ورد العدوّ عليك كلّ مكان

البيت للفرزدق. وتغلب أبو قبيلة وإنما يقولون : ابنة وائل ، إنما يذهبون بالتأنيث إلى القبيلة. وعلى هذا تمنع تغلب من الصرف لثلاث علل. إما العلمية والتأنيث. إذا أردنا القبيلة. وإما العلمية ووزن الفعل ، حتى لو أردنا الأب. [اللسان ـ غلب ، والمقتضب ج ٣ / ٣٦٠ ، وديوان الشاعر].

(٢٧٨) ونحن منعنا البحر أن تشربوا به

وقد كان منكم ماؤه بمكان

البيت غير منسوب.

وقوله : تشربوا به. والأصل : تشربوا منه. لأن الفعل شرب يتعدى بمن ، ولكن الشاعر عدى الفعل بالباء ، لأن شرب هنا بمعنى «روي» وروي تتعدى بالباء ، فضمن شرب معنى روي ، وعداه بالباء كما قال أبو ذؤيب :

شربن بماء البحر ثم ترفّعت

متى حبشيّات لهنّ نئيج

يصف سحابا شرب ماء البحر ثم صعد فأمطر ، وروّين. وهذا يدلّ على أن العرب كانوا يعرفون أن السحاب يتكون من تبخّر ماء البحر إلا إذا أراد المبالغة في وصف كثرة ماء السحاب. [اللسان شرب والعيني. ٣ / ١٧٣].

(٢٧٩) ألا يا ديار الحيّ بالسّبعان

أملّ عليها بالبلى الملوان

(٢٨٠) ألا يا ديار الحيّ بالسبعان

عفت حججا بعدي وهنّ ثماني

الأول ورد في شعر لتميم بن مقبل ، وهو شاعر إسلامي والثاني ورد في شعر لشاعر جاهلي من بني عقيل. والاستشهاد بالشعر الأول على أن «السّبعان» أعرب بالحركة على النون مع لزوم الألف واذا نسب إليه قيل سبعاني. وهو اسم مكان. وهو في الأصل تثنية سبع ، ولو أجراه مجرى المثنى لقال : بالسبعين ، ولكنه أجراه مجرى عثمان وسلمان

٣٠٤

وعمران ولعلّ الذي سوغ هذا ، كونه أصبح علما مفردا.

وقوله : ألا : حرف تنبيه ، يتأسف على ديار قومه بهذا المكان ، ويخبر أن الملوين وهما الليل والنهار ، أبلياها ودرساها. والحيّ : القبيلة.

وقوله : بالسبعان ، متعلق بمحذوف ، على أنه حال من ديار.

وقوله : أملّ عليها : فيه التفات ، لأنه لم يقل عليك. وأملّ ، من أمللت الكتاب أملّه. أو من أمللت الرجل ، إذا أضجرته وأكثرت عليه ما يؤذيه ، كأن الليل والنهار أملاها من كثرة ما فعلا بها من البلى والأول أقوى ، فأملّ عليها ، بمعنى أملى عليها بمعنى أجبراها على البلى ، فقد يقال : أملى عليه بأن يفعل كذا ، أي أكرهه. والملوان : الليل والنهار ، ولا مفرد له. والباء في «بالبلى». زائدة ، والمراد أملّ عليها أسباب البلى. [كتاب سيبويه ج ٢ / ٣٢٢ والخصائص ج ٣ / ٢٠٣ ، وشرح المفصل ج ٥ / ١٤٤ ، والخزانة ج ٧ / ٣٠٢ والأشموني ج ٤ / ٣٠٩ ، وزهر الآداب ٩٢٦].

(٢٨١) أيها السائل عنهم وعني

لست من قيس ولا قيس مني

البيت غير منسوب ، وقالوا إنه لأحد النحويين.

والشاهد فيه حذف النون من (عنّي ومنّي) فجاء باللفظين مخففين ، فالأول (عن والياء) والثاني من ـ والباء وإذا جرت الياء بمن وعن وجبت النون حفظا للسكون ، لأنها الأصل فيما يبنى. وقيس جاءت ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث باعتبارها قبيلة. ومن قيس الأول خبر ليس. وقيس الثانية : مبتدأ لأن «لا» لا تعمل في المعارف ، والبيت من بحر الرمل ولا يتأتى تشديد النون من عنّى ومني. [الخزانة ج ٥ / ٣٨٠ ، والأشموني ج ١ / ١٢٤ ، وشرح المفصل ج ٣ / ١٢٥ ، والهمع ج ١ / ٦٤].

(٢٨٢) ألم تر أنّ البغّل يتبع إلفه

كما عامر واللؤم مؤتلفان

البيت غير منسوب. وذكره السيوطي شاهدا على أن «ما» كفت «الكاف» عن العمل ، فدخلت على الجملة. قلت : إذا كان قوله «مؤتلفان» هي التي جعلتهم يقولون إن «ما» كفت الكاف ، فإننا يمكن أن نقرأها «يأتلفان». [الهمع ج ٢ / ٣٨].

(٢٨٣) ما سدّ حيّ ولا ميت مسدّهما

إلا الخلائف من بعد النبيّين

٣٠٥

وقبل البيت :

إني لباك على ابني يوسف جزعا

ومثل فقدهما للدّين يبكيني

والبيتان نسبهما المبرد في الكامل إلى الفرزدق ، في رثاء محمد أخي الحجاج ابن يوسف ومحمد ابن الحجاج بن يوسف ، فإنه جاءه نعي أخيه يوم مات ابنه ولا أعلم سبب الموت ، فإن كانا قد ماتا في معركة جهادية ، أو ماتا مرابطين في جيش على الثغور ، فإننا نقول : يرحمهما‌الله ، مع المبالغة في تفضيلهما على الناس بعد الخلفاء. أما إذا ماتا حتف أنفهما ، فإننا نقول للشاعر كذبت ، لأننا لا نعلم للرجلين سوابق محمودة. وللحجاج ، على ما ذكروا من سفكه الدماء أعمال محمودة في الفتح ، ولعلّ الله يغفر له بسببها ما اقترف من الذنوب وقد ذكر النحوّيون البيت الشاهد ، لأنّ الشاعر كسر نون النبيين ، فجره بالكسرة على النون مع أنه جمع مذكر سالم ، ويعرب بالواو والياء ، فقال قائل : إنها ضرورة ، وقال قائل إنهم يجرّون كل الجموع بالحركات ، وقد جاءت أمثلة كثيرة لهذا الشاهد ، يجرّون جمع المذكر السالم بالكسرة. وقد لاحظت أن أغلب الأمثلة جاءت في حال الجرّ ولم أجد مثالا في حال الرفع ، فلم يقل واحد مثل «من المسلمون» ولذلك يمكن القول : لعلها لغة في هذا الجمع أن يجر بالكسرة حين يكون مجرورا بالياء. والله أعلم. [الخزانة ج ٨ / ٦٠ ، ٦٦ ، وشرح المفصل ج ٥ / ١٤ ، والهمع ج ١ / ٤٩ ، والشعر ليس في ديوان الفرزدق].

(٢٨٤) وأهجو من هجاني من سواهم

وأعرض منهم عمّن هجاني

البيت غير منسوب ، وأنشده السيوطي شاهدا لتقديم متعلق الصلة على الاسم الموصول. وذلك في الشطر الثاني. قوله : منهم عمن هجاني. وأصل الكلام وأعرض عمن هجاني منهم. [الهمع ج ١ / ٨٨].

(٢٨٥) ربّه امرأ بك نال أمنع عزّة

وغنى بعيد خصاصة وهوان

البيت غير منسوب. وأنشده السيوطي شاهدا على أن «ربّ» تجرّ ضميرا ويجب كون هذا الضمير مفردا مذكرا ، وإن كان المميز مثنى أو جمعا أو مؤنثا. وكونه يفسره نكرة منصوبة ، مطابقة للمعنى الذي يقصده المتكلم ، وتليه النكرة غير مفصولة عنه ، فيقال : ربّه رجلا ورجالا ، وربّه امرأة ورّبّه امرأتين.. وأنشد البيت.

٣٠٦

والشاهد فيه : ربّه امرأ. [الهمع ج ٢ / ٢٧].

(٢٨٦) جيء ثمّ حالف وقف بالقوم إنّهم

لمن أجاروا ذوو عزّ بلا هون

البيت غير منسوب ، وأورده الأشموني شاهدا لإعمال الفعل الثالث عند التنازع والشاهد قوله : جيء ثم حالف وقف بالقوم. فأعمل «قف» وعدّاه بالحرف وحذف الضمير من ، جيء ، وحالف. [الأشموني ج ٢ / ١٠٢].

(٢٨٧) أألخير الذي أنا أبتغيه

أم الشّرّ الذي هو يبتغيني

البيت للمثقّب العبدي من قصيدة في المفضليات. وهو شاعر جاهلي قديم. وقبل البيت :

وما أدري إذا يمّمت أمرا

أريد الخير أيّهما يليني

وقوله : وما أدري : ما نافيه. وأدري : أعلم. وجملة : أيهما يليني : في محل المفعولين لأدري ، لأنه معلق عن العمل باسم الاستفهام. ويممت أمرا : قصدت وجها وجملة يممت : حال من فاعل يممت.

وقوله : أألخير : بدل من أيّ في البيت السابق ، ولهذا قرن بحرف الاستفهام. والهمزة الثانية من أألخير : همزة وصل دخلت عليها همزة الاستفهام ، وكان القياس أن يستغني عنها ، لكنها لم تحذف وخففت بتسهيلها بين بين ، إذ لو لا ذلك لم يتزن البيت (من الوافر). [الخزانة ج ١١ / ٨٠ ، والمرزوقي ١٥٨٧ ، والعيني ج ١ / ١٩٢ ـ وشرح أبيات مغني اللبيب. ج ٢ / ١٣].

(٢٨٨) ومن حسد يجور عليّ قومي

وأيّ الدّهر ذو لم يحسدوني

البيت لحاتم الطائي.

وقوله : من حسد : من للتعليل. أي : لأجل الحسد يجور عليّ قومي وقوله : وأي الدهر : أي استفهامية أضيفت إلى الدهر وذووا : الطائية اسم موصول. وجملة لم يحسدوني : صلتها والعائد محذوف ، تقديره : لم يحسدوني في الطعام ، كرم النفس ، ولو جمع بينهما ، لاستولى على قلوب قومه ولم يحسدوه. [الأشموني ج ١ / ١٧٤ ، ومعه العيني].

٣٠٧

(٢٨٩) ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا

وعائذا بك أن يعلوا فيطغوني

البيت لعبد الله بن الحارث السهمي.

وقوله : عائذا : قال سيبويه وقالوا : عائذا بالله من شرها ، فوضعوا الاسم موضع المصدر ، كأنه قال أعوذ بالله عائذا ، وعياذا ، وقال النحاس : هذا حجة لنصب (عائذ) كأنه قال : أعوذ عياذا. وعبد الله بن الحارث من الصحابة. ويعني بالذين طغوا ، المشركين ، الذين كانوا يضطهدون مسلمي مكة ، واضطروهم للهجرة إلى الحبشة ، يقول : أعوذ بك يا رب أن يعلوا المسلمين ويظهروا عليهم ، فيطغوني وإياهم [سيبويه / ١ / ٣٤٢ ، هارون ، والحماسة بشرح المرزوقي / ٤٧٥ ، واللسان «عوذ» والروض الأنف / ١ / ٢٠٨].

(٢٩٠) تخذت غراز إثرهم دليلا

وفرّوا في الحجاز ليعجزوني

قاله أبو جندب بن مرّة الهذلي. وتخذت : أي : اتخذت. نصب مفعولين أولهما : غراز ، والثاني : دليلا. وغراز : اسم واد ، أو مكان ومنع من الصرف للعلمية وتأنيث المكان. وربما كان المانع العلمية والعدل. وقيل : غراز : اسم رجل ، والذي يوحي بهذا ، أنه اتخذ غراز دليلا. فإن لم يكن رجلا. يكون بمعنى وجهة واتجاها أي : عرفت مكانهم ويممت نحو غراز ، فكانت المعرفة كالدليل. وإثرهم : ظرف وفي الحجاز : بمعنى إلى الحجاز ، ويعجزوني : منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون ، والنون الموجودة للوقاية. [الأشموني ج ٢ / ٢٥ وعليه العيني].

(٢٩١) تمنّوا لي الموت الذي يشعب الفتى

وكلّ امرئ والموت يجتمعان

البيت للفرزدق.

وقوله : يشعب : أي : يفرق ، وكلّ : مبتدأ. والموت عطف عليه يلتقيان : خبره.

وفيه الشاهد : حيث أثبت فيه ذكر خبر المبتدأ المعطوف عليه بالواو ، لأنها ليست صريحة في المعية ، فلم يجب الحذف. وإذا كانت الواو صريحة في المعية ، فلا يجوز إظهار الخبر نحو «كلّ ثوب وقيمته» لأن الواو وما بعدها قاما مقام (مع) وسدا مسدّ الخبر. [الأشموني ج ١ / ٢١٧ ، وفيه حاشية العيني ، وشرح التصريح ج ١ / ١٨٠].

(٢٩٢) محيّاه يلقى ينال السّؤال راجيه ريثما ينثني

٣٠٨

ليس له قائل. وأورده السيوطي شاهدا للفصل بين الفعل ، وريث بـ (ما) وريث ظرف زمان يضاف إلى الفعل المبني ، فيبنى. و «ما» التي فصلت بين الفعل وريث ، قيل : زائدة ، وقيل : مصدرية. [الهمع ج ١ / ٢١٣].

(٢٩٣) وظلّ لنسوة النعمان منّا

على سفوان يوم أروناني

البيت للنابغة الجعدي ، من قصيدة هجا بها الأخطل وبني سعد بن زيد مناة ، ومدح بها كعب بن جعيل ، وبعد البيت.

فأعتقنا حليلته وجئنا

بما قد كان جمّع من هجان

وسفوان : اسم ماء. وأروناني : شديد. والحليلة : الزوجة. والهجان : كرائم الأموال وأشرفها.

[الخزانة ج ١٠ / ٢٧٩].

(٢٩٤) وأنبئت قيسا ولم أبله

كما زعموا خير أهل اليمن

البيت من قصيدة للأعشى يمدح بها قيس بن معدي كرب.

والشاهد : أنبئت حيث نصب ثلاثة مفاعيل. التاء ، وقيسا ، وخير أهل اليمن.

وقوله : ولم أبله حال ، أي : لم أختبره ، من بلوته ، إذا جربته واختبرته.

وقوله : كما زعموا ، صفة لمصدر محذوف ، أي : لم أبله بلوا مثل الذي زعموا. و «ما» موصولة والعائد محذوف ، أي : كما زعموا فيه ، ويجوز أن تكون مصدرية ، أي : كزعمهم فيه أنّه من خير أهل اليمن. [الأشموني ج ٢ / ٤١ ، والعيني].

(٢٩٥) لها ثنايا أربع حسان

وأربع فثغرها ثمان

رجز غير منسوب. وهو شاهد على أنّه قد تحذف الياء من «ثماني» ويجعل الإعراب على النون ، واستشهد به الزمخشري على قراءة (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ) [الرحمن : ٢٤]. بحذف الياء من الجوار» ورفع الراء كما في «ثمان» وفي الحديث الذي رواه مسلم «صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات». يريد : ركع ثمان مرات. والثنايا : جمع ثنيّة ، وهي أربع من مقدم الأسنان ، ثنتان من فوق وثنتان من

٣٠٩

تحت. وأراد بالأربع الثاني «الرّباعيات» بفتح الراء وتخفيف الياء ، جمع رباعية ، على وزن ثمانية ، والرباعيات : أربع أسنان ، ثنتان من يمين الثنيّة وواحدة من فوق وواحدة من تحت ، وثنتان من شمالها. [الخزانة / ٧ / ٣٦٧ ، وشرح التصريح / ٢ / ٢٧٤].

(٢٩٦) وصاني العجّاج فيما وصّني..

لرؤبة بن العجاج.

والشاهد حذف الألف من وصاني ، واكتفى عنها بالفتحة. [الخزانة / ١ / ١٣١ ، والإنصاف / ٤٤٩].

(٢٩٧) ألا ليت اللحى كانت حشيشا

فترعاها خيول المسلمينا

البيت للشاعر يزيد بن ربيعة بن مفرّغ يقوله في هجاء عباد بن زياد. والشاهد : فترعاها. فالفعل منصوب بأن مضمرة بعد الفاء. ويروى «فنعلفها». [الخزانة / ٤ / ٣٢٦].

٣١٠

قافية الهاء

(١) واها لسلمى ثمّ واها واها

يا ليت عيناها لنا وفاها

منسوب إلى رؤبة بن العجاج ، ولأبي النجم العجلي ، ولأبي الغول الطهوي من أهل اليمن.

والبيت شاهد أن «واها» في المواضع الثلاثة ، اسم فعل مضارع بمعنى أعجب مثل «وي» ومثل «وا» وقد رفع ضميرا مستترا فيه وجوبا تقديره «أنا» وفي البيت «عيناها» يروى بالألف ، على لغة قوم من العرب يلزمون المثنى الألف في الأحوال كلها ، وهو بهذا اللفظ ، منصوب بفتحة مقدرة على الألف. ولو نصبه بالياء لصح شعرا ولغة ، ولكنهم يروونه بالألف. [شرح أبيات المغني / ٦ / ١٤٤ ، والأشموني / ٣ / ١٧ ، وشرح التصريح / ٣ / ١٩٧].

(٢) ألقى الصحيفة كي يخفّف رحله

والزاد حتى نعله ألقاها

منسوب إلى أبي مروان النحوي ، يقوله في قصة المتلمس وفراره من عمرو بن هند وكان عمرو بن هند قد كتب له كتابا إلى عامله يأمره فيه بقتل المتلمس ، وأوهم المتلمس أنه أمر له بعطاء عظيم ، ففتحه ، فلما علم ما فيه رمى به في النهر. وبعد البيت :

ومضى يظنّ بريد عمرو خلفه

خوفا وفارق أرضه وقلاها

والشاهد : «حتى نعله ألقاها» فمن شرط العطف بحتّى أن يكون المعطوف بها جزءا من المعطوف عليه ، إما تحقيقا مثل «أكلت السمكة حتى رأسها» أو تقديرا ، كما في البيت. على رواية النصب. فإنّ النعل وإن لم تكن جزءا من الذي قبلها على وجه الحقيقة فهي جزء منه بسبب التأويل فيما قبلها ، لأن معنى الكلام : ألقى كلّ شيء يثقله حتى نعله ، ولا شك أن النعل بعض ما يثقله. ويجوز في البيت «رفع نعله» وتكون حتى ابتدائيه وما بعدها

٣١١

مبتدأ وخبر. [سيبويه / ١ / ٥٠ ، وشرح التصريح / ٢ / ١٤١ ، والأشموني / ٢ / ٢١٤ ، والهمع ٢ / ٢٤ ، وشرح المفصل ٨ / ١٩].

(٣) علفتها تبنا وماء باردا

حتى غدت همّالة عيناها

الشاهد : وماء : فإنه لا يمكن عطفه على ما قبله لكون العامل في المعطوف عليه لا يصح تسليطه على المعطوف مع بقاء معنى هذا العامل في حاله. وخرّجوه على أنه مفعول لفعل محذوف يناسبه. وقيل : مفعول معه. أو معطوف على ما سبقه عطف مفرد على مفرد ، مع تضمين الفعل معنى ، يصح أن يتسلط على المعطوف والمعطوف عليه جميعا. وهو «أنلتها» أو قدّمت لها. والحق أنه لا يحتاج إلى تأويل ، لأن العلف لا يكون بغير ماء ، والماء لا يكون بغير علف. فالماء أيضا من العلف ، وبخاصة إذا كان المأكول تبنا أو حبا. أما لو قال : علفتها العشب ، أو الربيع. فإنه قد يستغني الراعي عن الماء. والله أعلم. [شرح أبيات المغني / ٧ / ٣٢٣ وابن عقيل / ٢ / ٤٤ ، والخصائص / ٢ / ٤٣١ ، والشذور / ٢٤٠ ، والأشموني / ٢ / ١٤٠ والمرزوقي / ١١٤٧ ، وشرح التصريح / ١ / ٣٤٦ ، والهمع / ٢ / ١٣٠].

(٤) إذا رضيت عليّ بنو قشير

لعمر الله أعجبني رضاها

البيت ـ للقحيف العقيلي من أبيات يمدح فيها حكيم بن المسيّب القشيري.

والشاهد : رضيت عليّ. فإنّ «على» فيه بمعنى «عن» لأن رضي يتعدى بـ «عن». لقوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المائدة : ١١٩] وقد حمل الشاعر (رضي) على ضده ، وهو سخط فعّداه بالحرف الذي يتعدى به ضده ، وهو «على» والعرب تحمل الشيء على ضده كما تحمله على نظيره. [شرح أبيات المغني / ٧ / ١٩٥ ، وشرح التصريح / ٢ / ١٤ ، وابن عقيل / ٢ / ١٢٦ ، والهمع / ٢ / ٢٨].

(٥) تقول عرسي وهي لي في عومره

بئس امرأ وإنني بئس المره

لا يعرف قائل هذا الرجز. والعومرة : الصياح والصخب.

والشاهد : بئس امرأ. حيث رفع بئس ضميرا مستترا ، وقد فسّر التمييز بعده ـ امرأ ـ هذا الضمير. وخبر إنني ـ إما جملة بئس ، وهو شاذ ، لأنه جملة إنشائية أو مؤول على تقدير قول محذوف يقع خبرا لإنّ ، وتقع هذه الجملة مقولة له. [الأشموني / ٣ / ٣٢ ،

٣١٢

وقد مرّ في حرف الراء].

(٦) أحجّاج لا تعطي العصاة مناهم

ولا الله يعطي للعصاة مناها

تقوله ليلى الأخيلية في مدح الحجاج بن يوسف.

والبيت شاهد على أنّ اللام زيدت شذوذا مع أحد المفعولين المتأخرين عن الفعل المتعدي. ويروى البيت (ولا الله لا يعطي العصاة مناها» ولا شاهد فيه. [شرح أبيات المغني / ٤ / ٣١٨ ، والهمع / ٢ / ٣٣ ، وشرح التصريح / ٢ / ١١].

(٧) بربّك هل ضممت إليك ليلى

قبيل الصّبح أو قبّلت فاها

وهل مالت عليك ذؤابتاها

كمثل الأقحوانة في نداها

للمجنون العامري ، وقد مرّ ذات يوم بزوج ليلى.

والبيت الأول شاهد على أن القسم الاستعطافي يجب أن يكون جوابه جملة إنشائية كما في البيت... فإن جملة «هل ضممت» جواب قوله : بربك.. وهو قسم استعطافي. [شرح أبيات المغني / ٤ / ٣١٨ ، والهمع / ٢ / ٣٣ ، وشرح التصريح / ٢ / ١١].

(٨) عهدت سعاد ذات هوى معنّى

فزدت وعاد سلوانا هواها

.. ذات هوى ـ بالنصب ، حال من مفعول عهدت ، وهو سعاد. ومعنّى : حال من فاعل عهدت ، وهو التاء. والمراد بالمعنّى : العاشق. يقول : كنت وسعاد متحابين فأما أنا ، فصرت إلى ازدياد ، وأما هي فصارت إلى السلو والنسيان. [شرح أبيات المغنى / ٧ / ١٩٥ ، والأشموني / ١ / ٨٦٣ ، والعيني / ٣ / ١٨٠].

(٩) فما رجعت بخائبة ركاب

حكيم بن المسيّب منتهاها

قاله القحيف العقيلي في مدح حكيم بن المسيب القشيري. والقحيف شاعر إسلامي والبيت شاهد على أن الباء زيدت في الحال المنفية (بخائبة). [شرح أبيات المغني / ٢ / ٣٩١ ، والهمع / ١ / ١٢٧ ، والخزانة / ١٠ / ١٣٧].

(١٠) إنّ أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها

منسوب إلى أبي النجم ، وقيل لغيره.

٣١٣

والبيت شاهد على استخدام المثنى بالألف دائما وهو «غايتاها» وحقه «غايتيها» واستخدام الأسماء الخمسة بالألف في قوله «وأبا أباها» وهو في الأصل ، وأبا أبيها. وكان الظاهر أن يقول «بلغا في المجد غايتيه» بضمير المذكر الراجع إلى المجد ، لكنه أنث الضمير لتأويل المجد بالأصالة ، والمراد بالغايتين : الطرفان من شرف الأبوين ، كما يقال : أصيل الطرفين. [شرح أبيات المغني / ١ / ١٩٣ ، وشرح التصريح / ١ / ٦٥ ، وابن عقيل / ١ / ٤٦ ، والهمع / ١ / ٣٩ ، والأشموني / ١ / ٧٠ ، والشذور / ٤٨ ، وشرح المفصل / ١ / ٥٣].

(١١) وكلّ قوم أطاعوا أمر مرشدهم

إلا نميرا أطاعت أمر غاويها

الظاعنين ولمّا يظعنوا أحدا

والقائلون ، لمن دار نخلّيها

لابن حماط العكلي... ونمير : قبيلة. والغاوي : المغوي... أي يخافون عدوهم لقلتهم وذلتهم فيحملهم ذلك على الظعن والهجرة ، ولما يظعنوا أحدا أي : لا يخافهم عدّوهم فيظعن عن داره خوفا.

وقوله : لمن دار نخليها : أي : إذا رحلوا عن دار لم يعرفوا من يحلها بعدهم ، لخوفهم من القبائل طرّا.

والشاهد : نصب الظاعنين ، بإضمار فعل ، ورفع «القائلون» على إضمار مبتدأ ، لما قصد من معنى الذم فيهما ، ولو أراد الوصف لأجراه على ما قبله نعتا له. [سيبويه / ١ / ٢٤٩ ، والإنصاف / ٤٨٠ ، والخزانة / ٥ / ٤٢].

(١٢) فأيّي ما وأيّك كان شرّا

فسيق إلى المقامة لا يراها

للعباس بن مرداس. والمقامة : بالضم : المجلس وجماعة الناس : والمراد : أعماه الله حتى صار يقاد إلى مجلسه ـ وجيء بالفاء في قوله : فسيق ؛ لأنه دعاء ، فهو كالأمر في وجوب الفاء.

والشاهد : إفراد (أي) لكل واحد من الاسمين وإخلاصهما له توكيدا والمستعمل إضافتها إليهما معا فيقال : أيّنا ، و «ما» زائدة للتوكيد. وأيّي : مبتدأ ، وأيّك : معطوف عليه ، واسم كان ضمير ، أي : أيّنا ، وشرا : خبره. والجملة خبر المبتدأ. وجملة : لا يراها ، حال من ضمير «سيق» ويروى «فقيد». يدعو على الشرّ منهما ، أي : من كان منّا

٣١٤

شرا أعماه الله في الدنيا ، فلا يبصر حتى يقاد إلى مجلسه [الخزانة / ٤ / ٣٦٧ ، وسيبويه / ١ / ٣٩٩ ، وشرح المفصل / ٢ / ٢٣١].

(١٣) لعمرك ما إن أبو مالك

بوان ولا بضعيف قواه

هذا البيت ، للشاعر المتنّخل الهذلي (مالك بن عويمر) شاعر جاهلي.

وقوله : لعمرك : اللام ، لام الابتداء لتوكيد مضمون الجملة. وعمرك : بفتح العين : بمعنى حياتك : مبتدأ خبره محذوف. وأبو مالك : هو أبو الشاعر واسمه عويمر. وان : اسم فاعل من ونى في الأمر ، بمعنى ضعف ، وفتر. يريد : أن أباه كان جلدا شهما لا يكل أمره إلى أحد.

والبيت شاهد على أن الباء تزاد بعد ما النافية المكفوفة بإن اتفاقا وهذا يدل على أنه لا اختصاص لزيادة الباء في خبر ما الحجازية.

والبيت من قطعة يرثي بها أباه ، ومنها بعد البيت الشاهد :

ولكنّه هيّن ليّن

كعالية الرّمح عرد نساه

إذا سدته سدت مطواعة

ومهما وكلت إليه كفاه

ألا من ينادي أبا مالك

أفي أمرنا هو أم في سواه

أبو مالك قاصر فقره

على نفسه ومشيع غناه

ومعنى كونه لينا كعالية الرمح ، أنه إذا دعي أجاب كعالية الرمح ، فإنه إذا هزّ الرمح اضطرب ، وانهزّ للينه ، وعرد شديد : والنّسا : عرق في الفخد ، والضمير يعود لأبي مالك. [الخزانة / ٤ / ١٤٦ ، والهمع / ١ / ١٢٧ ، والأشموني / ١ / ٢٥٢ والشعر والشعراء / ٥٥٣ ، وقال : إن الشاعر يرثي أخاه].

(١٤) إذا ما ترعرع فينا الغلام

فما إن يقال له : من هوه؟

والشاهد : هوه : فإذا وقفت على «هو ، وهي» قلت : هو ، وهي ، بإسكان الواو والياء ، و «هوه ، وهيه» بزيادة هاء السكت. وفي القرآن : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) [القارعة : ١٠] وهذا في لغة من فتح الواو والياء في «هو وهي» في الوصل. أما من سكّنها في درج الكلام ، فلا يقف بهاء السكت ، بل بالواو والياء ساكنين ، كما ينّطق بهما كذلك في الدّرج.

٣١٥

والبيت منسوب لحسان بن ثابت في قصة غريبة. فقد نقل البغدادي في خزانة الأدب (ج ٢ / ٤٢٨) أنّ السعلاة لقيت حسان بن ثابت في بعض طرقات المدينة ، وهو غلام قبل أن يقول الشعر ، فبركت على صدره ، وقالت : أنت الذي يرجو قومك أن تكون شاعرهم؟ قال : نعم. قالت : فأنشدني ثلاثة أبيات على رويّ واحد ، وإلا قتلتك ، فقال :

إذا ما ترعرع فينا الغلام.. البيت.

إذا لم يسد قبل شدّ الإزار

فذلك فينا الذي لا هوه

ولي صاحب من بني الشيصبان

فحينا أقول وحينا هوه

فخلّت سبيله.

والسعلاة : ساحرة الجن ، أو أنثى الغيلان. والشيصبان : ابن جنّي ، من الجن.

وقد ذكرت قصة الأبيات التي منها الشاهد ، لغرابتها ، وتطلية القواعد النحوية وتسلية القارئ. وليس اعتقادا بصحتها. ولو أردنا أن نحقق صحة نسبة الأخبار الأدبية إلى أصحابها ، لنفينا أكثر ما ورد في كتب الأدب. ومع ذلك فإننا نستمتع بقراءته ، ولا نفكّر في صدقه أو كذبه ، لأن الإمتاع الفني يتأثر بالنصّ ولا يبحث عن القائل. ولكننا عند ما نريد استنباط أحكام تاريخية من النصّ نحرص على تحقيق سنده ومتنه. وتاريخ اللغة من التواريخ التي يجب أن نحقق نصوصها. [شرح المفصل / ٩ / ٨٤ ، واللسان «شصب].

(١٥) ولقد أرى تغنى به سيفانة

تصبي الحليم ومثلها أصباه

البيت لرجل من باهلة. وصف منزلا خلا من أهله. تغنى به : تقيم. والسيفانة : المرأة الممشوقة الشبيهة بالسيف في إرهافه ، وتصبي الحليم : تدعو إلى الصبا. أراد : لقد أرى سيفانة ، تغنى به سيفانة. فالفعل الأول معمل في المعنى فقط ، والآخر معمل في اللفظ والمعنى. [سيبويه / ١ / ٧٧ هارون].

(١٦) أيا من لست أقلاه

ولا في البعد أنساه

لك الله على ذاك

لك الله لك الله

لا يعرف قائل هذا الهزج المرقص ، وأنشدوه شاهدا على التوكيد اللفظي بتكرير الجملة. «لك الله ، لك الله» ويروى الشطر الأول : أيا من لست ألقاه. وعلى الرواية

٣١٦

المثبتة «أقلاه» بمعنى أبغضه ، قال العيني : يقلاه : لغة طيّئ ، والبيت على لغتهم. [الأشموني / ج ٣ / ٨٠ ، والعيني في حاشيته. والهمع ج ٢ / ١٧٥].

(١٧) فلا تصحب أخا الجهل

وإيّاك وإيّاه

لا يعرف قائل هذا الهزج وأنشده السيوطي في باب التحذير ، وقال : ولا يكون المحذور ظاهرا ولا ضمير غائب ، إلا وهو معطوف ، وأنشد البيت شاهدا لضمير الغائب. وأوّله بقوله «أي : باعد منه ، وباعده منك». [الهمع ج ١ / ١٧٠ ، والدرر ج ١ / ١٤٥].

(١٨) إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه

لم يذكروا الشاعر الذي قاله. ويبدو أنه كلام قديم ، فقد استشهد ابن منظور ، بما يشبه البيت ، ولم ينسبه ، وهو قوله :

إنما يصطنع المعروف في الناس ذووه

قال ابن يعيش ، يرحمه‌الله ، في مبحث الأسماء الخمسة : وأما «ذو» فلا تستعمل إلا مضافة ولا تضاف إلا إلى اسم جنس من نحو «مال ، وعقل» ونحوهما ، ولا تضاف إلى صفة ولا مضمر فلا يقال : ذو صالح ، ولا طالح ، ولا يجوز «ذوه» و «ذوك» لأنها لم تدخل إلا وصلة إلى وصف الأسماء بالأجناس ، كما دخلت «الذي» وصلة إلى وصف المعطوف بالجمل وكما أتي بأي ، وصلة إلى نداء ما فيه ال ، في قولك «أيها الرجل».

قال : وقد جاء مضافا إلى المضمر (وأنشد البيت) قال : والذي جسّر على ذلك كون الضمير عائدا إلى اسم الجنس ، وأضعف من ذلك ، قول من يقول : اللهم صل على محمد وذويه» لأن الضمير لا يعود إلى جنس ، والذي حسنه قليلا : أنها ليست بصفة موجودة الموصوف ، فجرت مجرى ما ليس بصفة ونقل ابن منظور عن ابن بري. قوله : إذا خرجت (ذو) عن أن تكون وصلة إلى الوصف بأسماء الأجناس ، لم يمتنع أن تدخل على الأعلام والمضمرات. ومن أمثلة الأعلام قولهم : ذو الخلصة. والخلصة ، اسم علم لصنم ، وذو كناية عن بيته ، ومثله «ذو رعين ، وذو جدن ، وذو يزن» وهذه كلها أعلام. [اللسان ـ ذو ، وشرح المفصّل ج ١ / ٥٣ ، ج ٣ / ٣٨ ، والهمع ج ٢ / ٥٠].

(١٩) ألا يا عمرو عمراه

وعمرو بن الزّبيراه

٣١٧

غير منسوب. ويظهر أنه كلام قديم ، إن كان المنادى المندوب عمرو بن الزبير ابن العوّام. قال الأشموني : إنّ الهاء التي في آخر الاسم المندوب لا تثبت وصلا ، وربما ثبتت في الضرورة ، مضمومة ومكسورة ، وأجاز الفرّاء إثباتها في الوصل ، بالوجهين ، ومنه قوله (وأنشد البيت). قال الصبّان : الشاهد في «عمراه» في نهاية الشطر الأول لأن محل الوصل العروض ، وأما الضرب فمحل وقف (الزبيراه) وفي الوقف تزاد الهاء قال : وقد يقال : العروض هنا مصرّعة ، فهي في حكم الضرب ، فتكون أيضا محل وقف فلا شاهد فيه ، وعمرو الأول منادى ، وعمراه ، تأكيد للمنادى ومندوب. [الأشموني ج ٣ / ١٧١ ، والعيني].

(٢٠) لها أشارير من لحم تتمّره

من الثّعالي ووخز من أرانيها

البيت للنمر بن تولب. يذكر راحلته ، ويشبهها بعقاب. وقبل البيت :

كأنّ رحلي على شغواء حادرة

ظمياء قد بلّ من طلّ خوافيها

والشغواء : العقاب ، سميت بذلك لاعوجاج منقارها. والشّغاء : العوج والحادرة : الغليظة. والظمياء ، فسرها ابن منظور مرة : المائلة إلى السواد. ومرة : العطشى الى الدّم. والخوافي : قصار ريش جناحها.

وأشارير : جمع إشرارة ، وهي القطعة من القديد. تتمّره ، تيّبسه. والتتمير : أن يقطع اللحم صغارا ويجفف. والثعالي : الثعالب. والأراني : الأرانب. والوخز : شيء ليس بالكثير ، قال ابن منظور : يقول : إن هذه العقاب تصيد الأرانب والثعالب. قلت : لكن قوله «من أرانيها» : يعني أرانبها ، كأن الهاء تعود إلى الثعالي.

ولعله يريد : أن هذه العقاب تتمّر اللحم مما تأخذه مما تصيده الثعالب من الحيوانات الكبيرة التي لا تستطيع أكلها فيبقى منه شيء تأخذه العقاب. أما الأرانب لصغرها فإنها تأكلها ، ولا يبقى منها إلّا «وخز» أي : قليل. و (من) قبل الثعالي للابتداء ، كما تقول : أخذت القلم من أحمد. أو تكون على حذف مضاف تقديره من لحم تتركه الثعالي ، فتكون للتبعبض. وأما «من» الأخيره ، فهي للتبعيض والله أعلم.

والشاهد في البيت : الثعالي ، والأراني : أبدل من الباء ـ موحدة ـ (ياء) مثناة ، قال بعضهم : يجوز في جمع ثعلب وأرنب : ثعال ، وأران وقال سيبويه ، لا يجوز إلا في

٣١٨

الشعر. [اللسان رنب ، وثعلب ، وتمر وسيبويه ج ١ / ٣٤٤ ، وشرح المفصل / ج ١٠ / ٢٤ ، والأشموني ج ٤ / ٢٨٤ والهمع ج ١ / ١٨١].

(٢١) يا باري القوس بريا لست تحسنها

لا تفسدنها وأعط القوس باريها

لم يعرف قائله. وآخره المثل المشهور «أعط القوس باريها» أي : استعن على عملك بأهل المعرفة والحذق فيه. وأوردوه ، أو أوردوا المثل على أنه قد يقدّر النصب على الياء في السعة. فأعط : أمر ، من أعطى الذي ينصب مفعولين. والقوس أولها ، وباريها : الثاني ، وآخره ياء (باري) وحقّ الفتحة أن تظهر على الياء ولكن سكن الياء ، وقدّر الفتحة. وهذا له أمثلة كثيرة في الشعر. ولكن سبب التقدير في البيت ، لأنه مثل مروي على هذه الصورة. ولو قرأته بإظهار الفتحة لا يفسد البيت. ولكن يظهر أن البيت ركّب على المثل ، ولم يكن المثل جزءا من البيت في الأصل. لأنه يروى في كتب الأمثال : «أعط القوس باريها».

قال أبو أحمد : الأمثال العربية تمثل حال المجتمع ، وكانت العرب أمّة حرب في جاهليتها وأمّة جهاد في إسلامها ، فجاء هذا المثل واصفا جوانب من حياتها. وفي العصر الحديث ، صارهمّ العرب لقمة الخبز فجاءت أمثلتهم في اتقان الصنعة تمثل اهتماماتهم ، فقالوا في معنى «أعط القوس باريها» : «أعط الخبز لخبّازه ولو أكل نصفه». أرأيت الدّرك الأسفل الذي انحططنا إليه. أقول هذا في أواخر سنة ١٤١٣ ه‍ ، وأقول : لعلها سياسة فرضت علينا ، لاستئصال روح الجهاد من نفوسنا ، وإشغالنا بالطعام ، دون أن نصل إلى الطعام إلا بشقّ الأنفس ومما يدلك على هذا ، أنه عند ما تحركت الروح الجهادية في نفوس الشباب وصفوها ، بالتطرف ، وهم يذكرون التطرف في الدين ، ولكنهم يريدون حماسة الجهاد للدفاع عن... [الخزانة ج ٨ / ٣٤٩ ، وشرح شواهد الشافية ٤١١] والبيت منسوب إلى الحطيئة وليس في ديوانه.

(٢٢) بآية الخال منها عند برقعها

وقول ركبتها قض حين تثنيها

لمزاحم بن عمرو السّلولي. والآية : العلامة. والخال : شامة سوداء في البدن وقيل : هي نكتة سوداء في البدن ويقال لما لا شخص له شامة ، وما له شخص (خال) ولا فعل له. وأحسن ما يكون في الوجه ، أو في الوجنة. فقال بعضهم يشبب بأسود أو سوداء :

٣١٩

الناس تعشق من خال بوجنته

فكيف إن كان حبّي كلّه خال

وقض : بكسر القاف ، حكاية صوت الركبة إذا صاتت. والبيت أنشده السيوطي ، شاهدا لإضافة «آية» بمعنى علامة ، إلى الجملة ، الاسمية.

فقوله : الخال : مبتدأ و «عند» خبره. [الهمع ج ٢ / ٥٠ ، واللسان (قضض)].

(٢٣) صبحنا الخزرجيّة مرهفات

أبار ذوي أرومتها ذووها

البيت لكعب بن زهير.

وقوله : صبحنا : معناه أتيناهم وقت الصبح. والمرهفات السيوف القواطع. وأبار : أفنى وأباد. والأرومة : الأصل.

والشاهد فيه «ذووها» فقد أضافها الشاعر إلى الضمير. ويعدون هذا شاذا لأن الأكثر ، أن تضاف «ذو» إلى اسم جنس. كقولنا : فلان ذو مال ، وذو عيال. وانظر في حرف الهاء الشاهد (إنما يعرف.. ذووه). فقد بسطنا القول في حكم «ذو». [شرح المفصل ج ١ / ٥٣ ، وج ٣ / ٣٦ ، والهمع ج ٢ / ٥٠ ، وديوان الشاعر].

(٢٤) أشدّ على الكتيبة لا أبالي

أحتفي كان فيها أم سواها

البيت للعباس بن مرداس. وقد احتج الكوفيون بالبيت على أن «سوى» تكون ظرفا وتكون اسما ، واحتجوا على أنها تكون اسما بمنزلة «غير» ولا تلزم الظرفية أنهم يدخلون عليها حرف الجرّ. والتقدير في البيت : أحتفي كان فيها أم في سواها. ويرى البصريون أنها لا تكون إلا ظرفا ، وأجابوا عن شواهد الكوفيين أنها من ضرورة الشعر. والحقّ في المسألة مع الكوفيين ، لأنهم جاءوا بأربعة شواهد شعرية لشعراء فحول. وأربعة شهداء يثبت بهم حدّ الرّجم ، فهي كافية لإثبات صحة كلام الكوفيين. أما قولهم : ضرورة شعرية فهذه مماحكة باطلة ، لطخوا بها جبهة الشعر العربي الناصعة ، حتى أصبح المرء يظنّ أن الشعر العربي ، لا يساير لغة العرب ، أو أن الشعراء يجهلون لغتهم ، مع أن الشاعر لا يستعمل الكلمة إلا إذا مزجها بدمه وقلبه ، وعرف أنها تكون ذات أثر في السامعين. فالشاعر لا يقول لنفسه فقط وإنما يقول للناس ، وبخاصة شعر الفخر والحرب ، والغزل. فإذا استخدم لفظة مما لا يألفه الناس ، فكيف يصل أثر كلامه إلى الناس. [الخزانة ، ج ٣ / ٤٣٨ ، والإنصاف ص ٢٩٦].

٣٢٠