شرح الشّواهد الشعريّة في أمّات الكتب النحويّة - ج ٣

محمّد محمّد حسن شرّاب

شرح الشّواهد الشعريّة في أمّات الكتب النحويّة - ج ٣

المؤلف:

محمّد محمّد حسن شرّاب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٦

١
٢

٣

٤

قافية الميم

(١) فما ترك الصّنع الذي قد صنعته

ولا الغيظ منّي ليس جلدا وأعظما

البيت للأحوص الأنصاري من قصيدة أرسلها إلى عمر بن عبد العزيز وهو منفي بجزيرة دهلك ، والبيت شاهد على أن «ليس ولا يكون ، وخلا ، وعدا» ، لا يستعملن في الاستثناء المفرّغ. وقد جاء التفريغ في ليس كما في البيت ، فإن المستثنى منه محذوف ، أي : ما ترك الصّنع شيئا إلا جلدا وأعظما ، فالمنصوب بعد ليس خبرها. [الخزانة / ٣ / ٣٣٧].

(٢) فهل لكم فيها إليّ فإنني

طبيب بما أعيا النّطاسيّ حذيما

البيت لأوس بن حجر. والتقدير : فهل لكم ميل فيها.. يعود الضمير إلى المعزى المذكورة في الأبيات السابقة. والبيت شاهد على حذف مضاف ، أي : ابن حذيما ، فحذف المضاف. وابن حذيم : طبيب مشهور عند العرب في الجاهلية. [الخزانة / ٤ / ٣٧٠ ، وشرح المفصل / ٣ / ٢٥ ، والخصائص / ٢ / ٤٥٣].

(٣) فذلك إن يلق الكريهة يلقها

حميدا وإن يستغن يوما فربّما

.. فذلك.. الإشارة إلى الصعلوك في بيت أول المقطوعة :

لحا الله صعلوكا مناه وهمّه

من الدهر أن يلقى لبوسا ومطعما

أي : ذلك الصعلوك الذي يساور همه ولا يثنيه شيء عن الغزو للغنائم ، إن أدركته المنيّة قبل بلوغ الأمنية لقيها محمودا إذ كان قد فعل ما وجب عليه. وإن نال الغنى يوما ، فكثيرا ما يحمد أمره. والبيت الأول شاهد على أن الفعل قد يحذف بعد ربّما ، والتقدير : يحمد أمره. والبيت الشاهد منسوب إلى عروة بن الورد ـ ومنسوب إلى حاتم ، وعند حاتم أبيات ميميّة فيها بعض ألفاظ البيت... ولعروة بن الورد قصيدة رائية ، وفيها البيت بألفاظه ما عدا القافية وهو :

٥

فذلك إن يلق المنيّة يلقها

حميدا وإن يستغن يوما فأجدر

[الخزانة / ١٠ / ٩ ، وشرح التصريح / ٢ / ٩٠ ، والمرزوقي / ٤٢٤ ، والأشموني / ٣ / ٢٠ ، وابن عقيل / ٢ / ٢٢٦].

(٤) تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد

لنفسي حياة مثل أن أتقدّما

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

ولكن على أقدامنا تقطر الدّما

... البيتان للحصين بن الحمام المريّ ، من شعراء الجاهلية. يقول في البيت الأول : نكصت على عقبي رغبة في الحياة ، فرأيت الحياة في التقدم مثل قولهم : «الشجاع موقّى» أي : تتهيبه الأقران ، فيتحامونه فيكون ذلك وقاية له.

ويقول في البيت الثاني : نتوجه نحو الأعداء في الحرب ، ولا نعرض عنهم ، فإذا جرحنا كانت الجراحات في مقدّمنا ، لا في مؤخرنا ، وسالت الدماء على أقدامنا لا على أعقابنا.

والشاهد في قوله : «تقطر الدما» ويروى :

يقطر الدّما : الدّما : بفتح الدال : فاعل مرفوع ، والضمة مقدرة لأنه اسم مقصور.

وتقطر الدّما : أي : تقطر كلومنا الدم. فالدم مفعول به للفعل تقطر.

ونقطر الدّما : أي : نقطر دما من جراحنا. فالفعل بنون المتكلمين.

وتقطر الدّما : أي : الدماء ، فقصر الممدود. فإن كان الفعل لازما ، فالدما : فاعل وإن كان متعديا ، فإنه مفعول به ، والفاعل ضمير «كلومنا». [الخزانة / ٧ / ٤٩٠ ، والمرزوقي / ١٩٨ ، والشعر والشعراء / ٢ / ٦٤٨].

(٥) أما والدّماء المائرات تخالها

على قنّة العزّى وبالنّسر عندما

البيت للشاعر الجاهلي عمرو بن عبد الجنّ. وهو شاهد على أن لام التعريف قد تزاد في العلم. كما في قوله «النّسر» فقد ورد في القرآن ، بدون الألف واللام. [الخزانة / ٧ / ٢١٤].

(٦) لأورث بعدي سنّة يقتدى بها

وأجلو عمى ذي شبهة إن توهّما

٦

البيت للمتلمس ، واسمه جرير بن عبد المسيح.. والبيت شاهد على أن اللام الداخلة على المضارع ، لام الابتداء ، دخلت على المضارع للتوكيد وليست في جواب القسم.

وقوله «لأورث» : مضارع أورث ، يتعدى لمفعولين بالهمزة. الأول محذوف والتقدير لأورث الناس. وسنّة : المفعول الثاني. وجملة يقتدى بها : صفة لسنّة. وأجلو : معطوف على «أورث». والعمى : مستعار للضلالة. والشبهة : الظنّ المشتبه بالعلم ، أو مشابهة الحق للباطل والباطل للحق من وجه ، إذا حقق النظر فيه ذهب. والبيت من قصيدة مطلعها :

يعيّرني أمّي رجال ولا أرى

أخا كرم إلا بأن يتكرّما

ومن كان ذا عرض كريم فلم يصن

له حسبا كان اللئيم المذمّما

[الأصمعيات / ٢٤٦ ، والخزانة / ١٠ / ٥٨].

(٧) هما إبلان فيهما ما علمتم

فأدّوهما إن شئتم أن نسالما

البيت للشاعر الجاهلي عوف بن عطية بن الخرع ، وهو شاهد على أنه يجوز تثنية اسم الجمع على تأويل فرقتين وجماعتين. ولذلك ثنى «إبل». [الخزانة / ٧ / ٥٦٩].

(٨) خليليّ هبّا طالما قد رقدتما

أجدّكما لا تقضيان كراكما

هذا البيت من شعر قسّ بن ساعدة ، أو عيسى بن قدامة الأسدي ، أو الحسن بن الحارث ، وقالوا : إن «جدّكما» منصوب بنزع الخافض ، أو حال ، أو مصدر حذف عامله وجوبا. [الخزانة / ٢ / ٧٧ ، والمرزوقي / ٨٧٥ ، وشرح المفصل / ١ / ١١٦].

(٩) نودي قم واركبن بأهلك إنّ

الله موف للناس ما زعما

البيت للنابغة الجعدي يذكر قصة نوح عليه‌السلام.

وهو شاهد على أن «زعم» قد يستعمل في التحقيق ، فقوله «زعم» فعل ماض ، والألف للإطلاق. ومعناه : القول ، أو الضمان ، أو الوعد. [الخزانة / ٩ / ١٣١].

(١٠) رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع

فقلت ـ وأنكرت الوجوه ـ هم هم

.. البيت لأبي خراش الهذلي ، واسمه خويلد ، ذكره ابن حجر ممن أسلموا ، ولم يرد

٧

في خبر أنهم اجتمعوا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والبيت من قصيدة ذكر فيها تفلّته من أعدائه حين صادفهم في الطريق كامنين له وسرعة عدوه حتى نجا منهم. ورفوني : من رفوت الرجل : إذا سكّنته.

والشاهد : في البيت «هم هم» على أنّ عدم مغايرة الخبر للمبتدأ إنما هو للدلالة على الشهرة ، أي : هم الذين يطرونني ويطلبون دمي. ومثله قول أبي النجم العجلي : (أنا أبو النجم وشعري شعري). [الخصائص / ١ / ٢٤٧ ، والخزانة / ١ / ٤٤٠].

(١١) عليك بأوساط الأمور فإنّها

طريق إلى نهج الصّواب قويم

ولا تك فيها مفرطا أو مفرّطا

كلا طرفي قصد الأمور ذميم

... ليس لهما قائل معروف ، وهما نظم للحديث «الجاهل إمّا مفرط أو مفرّط» ، وفيهما شاهد على أن «القصد» في الأمر خلاف القصور والإفراط ، فإنه يقال : قصد في الأمر قصدا : توسط ، وطلب الأشدّ ولم يجاوز الحدّ. [الخزانة / ٢ / ١٢٢].

(١٢) للفتى عقل يعيش به

حيث تهدي ساقه قدمه

... البيت لطرفة بن العبد. ويرى الأخفش أنّ «حيث» تأتي بمعنى «الحين» أي : ظرف زمان كما في البيت. وردّ عليه بأن المعنى في البيت «أين مشى» فجاءت مكانية على الأصل. [الخزانة / ٧ / ٢٠].

(١٣) إنّ الخليفة إنّ الله سربله

لباس ملك به تزجى الخواتيم

.. هذا البيت لجرير.. وقوله : به تزجى الخواتيم : الخواتيم : جمع خاتام لغة في الخاتم. يريد أن سلاطين الآفاق يرسلون إليه خواتمهم خوفا منه فيضاف ملكهم إلى ملكه ، ويروى «ترجى» بالراء.

والبيت شاهد على أنّ (إنّ) المكسورة يجوز أن تقع خبرا للأحرف الستة ، ومنه قوله تعالى في سورة الحج آية (١٧) : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) ، (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ..) الآية ، وفي الموضوع جدل طويل مع أن رواية أخرى للبيت :

«يكفي الخليفة أنّ الله سربله...» وعليه ، لا شاهد فيه لما يريدون. [الخزانة / ١٠ / ٣٦٤ ، واللسان «ختم»].

٨

(١٤) لا ينعش الطرف إلا ما تخوّنه

داع يناديه باسم الماء مبغوم

البيت من قصيدة لذي الرّمة ، تغزل فيها بمحبوبته خرقاء ، ومطلعها :

أأن توهمت من خرقاء منزلة

ماء الصبابة من عينيك مسجوم

... وفي البيت الشاهد يصف غزالا ، ويقول : إنه ناعس لا يرفع طرفه إلا أن تجيء أمه ، وهي المتعهدة له ، وقوله : ينعش ، أي : يرفع ، و «ما» مصدرية وقبلها «وقت» محذوف ، أي : لا يرفع طرفه إلا وقت تعهدها إياه ، بلفظة «ماء ماء» وحكى صوتها ، ومبغوم : أي صوت مبغوم.

والشاهد في البيت أن لفظ «اسم» مقحم. [الخزانة / ٤ / ٣٤٤].

(١٥) فإنّ الكثر أعياني قديما

ولم أقتر لدن أنّي غلام

البيت منسوب لعمرو بن حسان من بني الحارث بن همام.. وقوله : فإن الكثر أعياني : أي : طلب الغنى في أول أمري وحين شبابي ، فلم أبلغ ما في نفسي منه ، ومع ذلك فلم أكن فقيرا : فلا تأمرني بطلب المال وجمعه ، وترك تفريقه فإني لا أبلغ نهاية الغنى بالمنع ، ولا أفتقر بالبذل.

والبيت شاهد على أن الجملة بعد «لدن» يجوز تصديرها بحرف مصدري. [الخزانة / ٧ / ١١٢].

(١٦) العاطفون تحين ما من عاطف

والمسبغون يدا إذا ما أنعموا

البيت لأبي وجزة السعدي (يزيد بن عبيد) توفي سنة ١٣٠ ه‍ ، من قصيدة مدح بها آل الزبير بن العوام ، والإشكال في قوله «تحين» وفيه تخريجات :

الأول : أنّ التاء من «تحين» بقية «لات» حذفت «لا» وبقيت التاء.

والثاني : أنّ التاء أصلها هاء السكت ، لا حقه لقوله «العاطفون» والأصل (العاطفونه).

الثالث : أن «تحين» لغة في «حين» وأن قوله تعالى : (لاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣] التاء من تمذام حين ، و «لا» نافية للجنس. [الخزانة / ٤ / ١٧٥].

(١٧) باكرت حاجتها الدجاج بسحرة

لأعلّ منها حين هبّ نيامها

٩

البيت من معلقة لبيد بن ربيعة. يتحدث عن الخمرة. يقول : بادرت بحاجتي إلى شربها وقت أصوات الديكة لأشرب منها مرة بعد مرّة ، والبيت شاهد على أن «الدجاج» منصوب على الظرف بتقدير مضافين ، أي : وقت صياح الدجاج ، إذا كانت (باكرت) بمعنى «بكرت» لا ، غالبت البكور. [الخزانة / ٣ / ١٠٤].

(١٨) أقضي اللّبانة لا أفرّط ريبة

أو أن يلوم بحاجة لوّامها

البيت للشاعر لبيد بن ربيعة : يقول : أقضي وطري ولا أفرط في طلب بغيتي ولا أدع ريبة إلا أن يلومني لائم. والمعنى : أنه لا يقصر ، لكنه لا يمكنه الاحتراز عن لوم اللوام. والبيت شاهد على أنّ (أن) قد ظهرت بعد (أو) التي بمعنى (إلا أن). [الخزانة / ٨ / ٥٧٦].

(١٩) فإنّا رأينا العرض أحوج ساعة

إلى الصّون من ريط يمان مسهّم

البيت من قصيدة لأوس بن حجر ، والعرض : بكسر العين ، هو موضع المدح والذم من الإنسان ، ويدخل فيه الرجل نفسه وآباءه وأجداده ، لأنّ كلّ ذلك مما يمدح به ويذمّ. والمعنى : أنّ العرض يصان عند ترك السّفه في أقل من ساعة ، إذا ملك نفسه ، فكيف لا يصان إذا داوم عليه. والعرض أكثر احتياجا إلى الصّون من الثياب النفيسة ، فإن عرض الرجل أحوج إلى الصيانة عن الدنس من الثوب الموشّى ، وعنى بالساعة : ساعة الغضب والأنفة فإنه كثيرا ما أهلك الحلم وأتلفه وفي المثل «الغضب غول الحلم».

والبيت شاهد على أنه يجب أن يلي أفعل التفضيل إمّا «من» التفضيلية كما في قولهم : زيد أفضل من عمرو ، وإما معموله كما في البيت ، فإنّ ساعة ، ظرف لأحوج. [شرح المفصل / ٢ / ٦١ ، والشذور / ٤١٥ ، والخزانة / ٨ / ٢٦٣].

(٢٠) تمشّي بها الدّرماء تسحب قصبها

كأن بطن حبلى ذات أونين متئم

وقبله :

وخيفاء ألقى الليث فيها ذراعه

فسرّت وساءت كلّ ماش ومصرم

.. والخيفاء : الروضة... وألقى الليث.. الخ ، أي : مطرت بنوء ذارع الأسد. والماشي : صاحب الماشية ، والمصرم : الذي لا مال له ، لأن الماشي ، يرعيها ماشيته ،

١٠

والمصرم : يتلهف على ما يرى من حسنها وليس له ما يرعيها.. والدّرماء : الأرنب ، سميت لتقارب خطوها ، وقصبها : الأصل : المعى ويريد بطنها. يقول : فالأرنب كبر بطنها من أكل الكلأ وسمنت فكأنها حبلى. والأونان : العدلان. يقول : كأنّ عليها عدلين لخروج جنبيها وانتفاخهما.

والبيت الأول شاهد على أنّ (كأن) المخففة إذا وقع بعدها مفرد فاسمها يكون غير ضمير الشأن ، والتقدير : كأن بطنها بطن حبلى. وإنما عدل عن ضمير الشأن ، لأنّ خبره لا يكون إلا جملة. [الخزانة / ١٠ / ٤٠٨].

(٢١) فكلّا أراهم أصبحوا يعقلونه

صحيحات مال طالعات بمخرم

هذا البيت من معلقة زهير ، يحكي ما كان بين عبس وذبيان في حرب داحس والغبراء. وهو شاهد على أنه مما اشتغل الفعل فيه بنفس الضمير ، إذ التقدير (يعقلون كلا). [الخزانة / ٣ / ٣].

(٢٢) وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم

وما هو عنها بالحديث المرجّم

.. البيت من معلقة زهير. وهو شاهد على أنّ الظرف والجار والمجرور يعمل فيهما ما هو في غاية البعد من العمل ، كحرف النفي والضّمير ، كما في هذا البيت ، فإن قوله (عنها) متعلق بـ (هو) أي : ما حديثي عنها. فقد جعل الضمير كناية عن الحديث الذي هو قول. وقال قوم : إنّ الضمير راجع إلى العلم ، أي : ما العلم عنها بالحديث.. أي : ما الخبر عنها بحديث يرجّم فيه بالظن ، فقوله (هو) كناية عن العلم. [الخزانة / ٨ / ١١٩].

(٢٣) يمينا لنعم السيدان وجدتما

على كلّ حال من سحيل ومبرم

البيت لزهير من معلقته ، وهو شاهد على أنه قد يدخل الفعل الناسخ على المخصوص بالمدح أو الذم ، كما في هذا البيت ، وأصله «لنعم السيدان أنتما» فدخل عليه الناسخ (وجد) فصار وجدتما فضمير التثنية نائب الفاعل لوجد ، وهو المفعول الأول له ، وقوله «لنعم السيدان» جواب القسم. والقسم وجوابه في موضع المفعول الثاني لوجد. [الخزانة / ٩ / ٣٨٧] ، والسحيل والمبرم ، كنايتان عن الأمر السهل والشديد.

(٢٤) وكان طوى كشحا على مستكنّة

فلا هو أبداها ولم يتقدّم

١١

هذا البيت لزهير بن أبي سلمى ، من معلقته ، وقبله :

لعمري لنعم الحيّ جرّ عليهم

بما لا يؤاتيهم حصين بن ضمضم

وجناية الحصين ، أنه لما اصطلحت قبيلة ذبيان مع عبس امتنع حصين بن ضمضم من الصلح واستتر منها ثم عدا على رجل من عبس فقتله ، وإنما مدح بني ذبيان لتحملهم الديات إصلاحا لذات البين.

وضمير كان وطوى ، لحصين. والكشح : الخاصرة ، وطوى كشحه عن فعلة ، إذا أضمرها في نفسه. والمستكنة : المستترة. أي : أضمر على غدرة مستترة.

وقوله : فلا هو أبداها : المعنى ، فلم يظهرها ، ولم يتقدم فيها قبل مكانها.

والبيت شاهد على أنّ خبر (كان) يجوز أن يأتي ماضيا بدون تقدير (قد). [الخزانة / ٤ / ٣].

(٢٥) ومسكنها بين الفرات إلى اللّوى

إلى شعب ترعى بهنّ فعيهم

البيت للنابغة الجعدي الصحابي ، وهو شاهد على جواز حذف حرف العطف ، حيث حذف الواو من (إلى شعب).. وسمع أبو زيد من العرب من يقول : أكلت خبزا ، لحما ، تمرا. [الخزانة / ١١ / ٢٥].

(٢٦) وإلا فمن آل المرار فإنّهم

ملوك عظام من كرام أعاظم

... وقبله :

توسّمته لما رأيت مهابة

عليه وقلت : المرء من آل هاشم

... والبيتان من قطعة لأعرابي نزل عنده عبيد الله بن العباس ، على غير معرفة فذبح الأعرابيّ شاته الوحيدة ، وأكرم ضيفه ، وقال فيه أبياتا.

والبيت الأول شاهد على أن أعاظم بمعنى عظام ، وهو جمع «أعظم» بمعنى عظيم غير مراد به التفضيل ، ولو كان مرادا به التفضيل للزم الإفراد والتذكير. [الخزانة / ٨ / ٢٨٢].

(٢٧) ثلاث مئين للملوك وفى بها

ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم

١٢

... البيت للفرزدق... وله قصة تقول : إنّ الفرزدق رهن رداءه بوفاء بني تميم ، لثلاث ديات... وكل دية مائة من الإبل.

والشاهد : أنه جاء ثلاث مئين في ضرورة الشعر ، وهو الأصل في القياس ولكن العرب لم تجمع (مائة) مع الأعداد من ٣ ـ ١٠ ، كما هو معهود في تمييز هذه الأعداد. ولكن البيت يروى :

فدى لسيوف من تميم وفى بها

ردائي وجلّت... [الخزانة / ٧ / ٣٧٠].

(٢٨) تداعين باسم الشّيب في متثلّم

جوانبه من بصرة وسلام

البيت لذي الرّمة (غيلان بن عقبة).

وقوله : تداعين : دعا بعض القلص بعضا ، والشيب : حكاية أصوات مشافر الإبل عند الشرب ، والصوت «شيب شيب» ، جعل هذا الصوت مما يدعوهنّ إلى الشرب ، والمتثلم : ـ المتهدم : أراد : الحوض. والبصرة : بفتح الباء ، حجارة رخوة فيها بياض ، وبه سميت «البصرة» والسّلام بكسر المهملة ، جمع سلمة ، بفتح السين وكسر اللام ، وهي الحجارة.

والبيت شاهد على أنّ اسم الصوت (الشيب) إنما أعرب في هذا للتركيب ، وإن كان بناؤها أصليا. بشرط إرادة اللفظ لا المعنى ، كما يجوز إعراب الحروف إذا قصد ألفاظها ، والإعراب مع اللام أكثر من البناء لكونه علامة الاسم الذي أصله الإعراب ، لكنه لا توجبه بدليل (الآن) و (الذي) و (الخمسة عشر). [الخزانة / ١ / ١٠٤].

(٢٩) ندمت على لسان كان منّي

فليت بأنّه في جوف عكم

... البيت للحطيئة... واللسان : الكلام ، وكان : هنا تامة ، بمعنى حدث وجرى. والعكم : بكسر العين المهملة : العدل ، وهو مثل الجوالق.

.. والبيت شاهد على أن الباء قد تزاد بعد ليت كما في البيت ، وتكون أنّ مع الجار في موضع نصب ، ويكون ما جرى في صلة أنّ قد سدّ مسدّ خبر ليت ، كما أنها في «ظننت أنّ زيدا منطلق» ، كذلك. [الخزانة / ٤ / ١٥٢].

(٣٠) وساغ لي الشراب وكنت قبلا

أغصّ بنقطة الماء الحميم

١٣

هذا البيت من قطعة ليزيد بن الصّعق ـ من أهل الجاهلية.. ولها قصة. والحميم : الماء الحار ، والماء البارد. من الأضداد. ويريد هنا : البارد. يريد أنه قبل أن يأخذ بثأره كان يغصّ بالماء البارد ، ويريد (يشرق) لأن الغصة من الطعام. وهو شاهد على أنّ «قبلا» أصله «قبل هذا» فحذف المضاف إليه ، ولم ينو لفظه ولا معناه ، ولهذا نكّر ، فنوّن. [الخزانة / ١ / ٤٢٦].

(٣١) نبئت عمرا غير شاكر نعمتي

والكفر مخبثة لنفس المنعم

.. البيت من معلقة عنترة. والكفر : الجحد. يقول : من أنعمت عليه نعمة فلم ينشرها ولم يشكرها فإنّ ذلك سبب لتغيّر نفس المنعم من الإنعام على كل أحد.

والبيت شاهد على أن «أعلم» وأخواتها مما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ، ومنها نبئت : التاء ، نائب فاعل ، وهو المفعول الأول. وعمرا : الثاني ، وغير الثالث. [الخزانة / ١ / ٣٣٦].

(٣٢) غادرته جزر السباع ينشنه

ما بين قلّة رأسه والمعصم

قوله : قلة الرأس : أعلاه ، والمعصم : موضع السوار من الذراع ، وكان الوجه أن يقول : ما بين قلة رأسه والقدم ، فاستعار المعصم ، لما فوق القدم من الساق ، ربما لأنه محلّ الخلخال ، كما أن المعصم محلّ السوار. والبيت شاهد على أنّ «غادر» ملحق بصيّر في العمل والمعنى ، إذا كان ثاني المنصوبين معرفة كما في البيت ، ويروى «وتركته جزر السباع» ، والمعنى والعمل واحد. [الخزانة / ٩ / ١٦٥].

(٣٣) ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى

والعيش بعد أولئك الأيام

.. البيت لجرير ، من قصيدة هجا بها الفرزدق.

والبيت شاهد على أن (أولاء) يشار به إلى جمع ، عاقلا كان أو غيره كما في البيت فإن أولاء أشير به إلى الأيام وهو جمع لغير من يعقل ، كقوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [الاسراء : ٣٦] ، ويروى البيت (بعد أولئك الأقوام) ، فلا شاهد فيه. [شرح المفصل / ٣ / ١٢٦ ، والأشموني ج ١ / ١٣٩].

(٣٤) في لجّة غمرت أباك بحورها

في الجاهليّة كان والإسلام

١٤

البيت من قصيدة للفرزدق هجا بها جريرا.. وهو شاهد على أنّ (كان) زائدة بين المتعاطفين ، لا عمل لها ، ولا دلالة على مضيّ. [الأشموني / ١ / ٢٤٠ ، والخزانة / ٩ / ٢١١].

(٣٥) سيّان كسر رغيفه

أو كسر عظم من عظامه

.. البيت لأبي محمد اليزيدي ، وهو يحيى بن المبارك بن المغيرة ، كان مؤدّب المأمون ابن الرشيد ، والبيت من قطعة يهجو بها بعض أهل عصره. وهو شاهد على أنّ (أو) فيه بمعنى «الواو». [الخزانة / ١١ / ٧١].

(٣٦) كانت فريضة ما تقول كما

أنّ الزّناء فريضة الرّجم

نسبه ابن منظور إلى النابغة الجعدي.. ومحل الشاهد «أن الزناء فريضة الرجم». فإن هذه العبارة مقلوبة ، وأصلها «الرجم فريضة الزنا [الخزانة / ٤ / ٢٦٣ ، و ٩ / ٢٠٣ ، واللسان «زنا»].

(٣٧) كفّاك كفّ لا تليق درهما

جودا وأخرى تعط بالسيف الدّما

أنشده ابن منظور ولم ينسبه ، وفلان ما يليق بكفه درهم : من مثال : باع يبيع ، أي : ما يحتبس ، وما يبقى في كفه ، ويقال : ما يليق : مثال أنال ينيل ، أي : ما يحبس وما يبقى درهما أيضا..

والشاهد : «تعط» أراد «تعطي» بالياء لأن الفعل مرفوع لا مجزوم فحذف الياء مجتزئا بالكسرة التي قبلها. [الإنصاف / ٣٨٧ ، واللسان «ليق»].

(٣٨) فأصبحت بعد (خطّ) بهجتها

كأنّ قفرا رسومها قلما

أنشده ابن منظور ولم ينسبه. وما أظنّ عربيا قاله. يصف الشاعر الديار بالخلاء وارتحال الأنيس وذهاب المعالم وأصل نظام البيت : فأصبحت بعد بهجتها قفرا كأنّ قلما خطّ رسومها ، ففصل بين أصبح وخبرها : وبين المضاف والمضاف إليه ، وبين الفعل ومفعوله. وبين كأنّ واسمها ، وقدّم خبر كأنّ عليها وعلى اسمها.. فصار البيت أحجية وإليك تفكيك تركيبه :

١ ـ فأصبحت قفرا : قفرا خبر أصبح واسمها مستتر.

١٥

٢ ـ بعد بهجتها : بعد : ظرف بهجتها مضاف إليه (وفصل الفعل خط بين المتضايفين).

٣ ـ خطّ رسومها : خطّ : فعل ماض ، رسومها : مفعول به ، وجملة خط خبر كأنّ مقدم ، وفاعله مستتر يعود إلى القلم.

٤ ـ كأنّ قلما خط رسومها : كأنّ حرف مشبه بالفعل ، قلما : اسمه وجملة خطّ خبره. [الخصائص / ١ / ٣٣٠ ، والإنصاف / ٤٣١ ، واللسان «خطط»].

(٣٩) كلا أخوينا ذو رجال كأنّهم

أسود الشّرى من كلّ أغلب ضيغم

الشرى : موضع تنسب إليه الأسود ، والأغلب ، والضيغم : من أسماء الأسد ، أو من صفاته.

والشاهد : كلا أخوينا ذو ، أخبر عن «كلا» بالمفرد. فدلّ على أن «كلا» له جهة إفراد في اللفظ. [الإنصاف / ٤٢٢].

(٤٠) كلا يومي أمامة يوم صدّ

وإن لم نأتها إلّا لماما

البيت لجرير بن عطية ، وفلانا لا يزورنا إلا لماما. تريد أنه يزور في بعض الأحيان على غير مواظبة. ومحل الشاهد : كلا يومي أمامة يوم صد. فأخبر بيوم وهو مفرد عن «كلا». [الإنصاف / ٤٤٤ ، وشرح المفصل / ١ / ٥٤].

(٤١) إلى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة في المزدحم

وذا الرأي حين تغمّ الأمور

بذات الصّليل وذات اللّجم

... القرم : أصله الجمل المكرم الذي أعدّ للضراب ثم أطلقوه على الرجل العظيم ، وذات الصليل ، وذات اللجم : معارك الحرب التي يسمع فيها صوت السيوف ، وتقاد فيها الخيول ، وفي البيت الأول شاهد على تتابع الصفات لموصوف واحد.

وفي البيت الثاني «ذا» حيث قطعه عما قبله إلى النصب بفعل محذوف تقديره «أمدح» أو أذكر ، أو أعني. [الإنصاف / ٤٦٩ ، والخزانة / ١ / ٤٥١ ، و ٥ / ١٠٧].

(٤٢) عرضنا نزال فلم ينزلوا

وكانت نزال عليهم أطم

قاله جريبة الفقعسي (اللسان ـ نزل) وقوله : أطم : أفعل تفضيل من قولهم «طمّ الأمر ،

١٦

أي : تفاقم» ، وأصله : طمّ الماء ، أي : غمر.

والشاهد : نزال : المشتق من الفعل الثلاثي التام المتصرف على وزن (فعال) اسم فعل أمر ولكن «نزال» هنا أريد لفظها فجاءت في الشطر الأول مفعولا به ، وجاءت في الشطر الثاني اسما لكان ، وبقيت مبنيّة على الكسر للحكاية. [الإنصاف / ٥٣٥ ، والحماسة / ٧٧٦ ، واللسان «نزل»].

(٤٣) أولئك قومي إن هجوني هجوتهم

وأعبد أن تهجى تميم بدارم

... البيت منسوب للفرزدق... والشاهد «أعبد» فإنه فعل مضارع ، ماضيه (عبد) من باب (فرح) ومعناه أنف وغضب قال الإمام علي «عبدت فصمتّ» أي : أنفت فسكتّ ، وقد جاء البصريون بهذا البيت للاستشهاد به على أن «العابدين» بمعنى الآنفين ، في قوله تعالى : (قُلْ : إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزخرف : ٨١] ، وأنّ (إن) في الآية شرطية. ردا على الكوفيين القائلين بأنّ «إن» هنا ، بمعنى (ما) النافية. [الإنصاف / ٦٣٧ ، واللسان ـ عبد].

(٤٤) تمخّضت المنون له بيوم

أنى ولكلّ حاملة تمام

نسبه ابن منظور إلى عمرو بن حسان ، وإلى خالد بن حقّ. وتمخض : أصل معناها : تحرك. تمخض اللبن : تحرك. وتمخض الولد : تحرك في بطن أمه... وقوله : أنى : بالنون ، أي : أدرك وبلغ مداه ، وقوله : لكل حاملة تمام : تذييل.

والشاهد : حاملة : جاء بالوصف مؤنثا بالتاء مع أنه خاص بالمؤنث ، لأنه جعله جاريا على الفعل ، أي : حاملة شيئا ، أي : يريد به الحدوث لا أنه قائم بصاحبه ومنسوب إليه... فإذا أريد به الثبوت والنسبة فلا تلحق به التاء. فإن أردت بالحائض : الدم الذي يقطر منها أو أردت بمرضع أن ثديها في فم ولدها ، لا بدّ أن تلحقها التاء ، وعلى هذا صح أن تقول : حامل ، وحاملة ، ومرضع ومرضعة ، وحائض وحائضة حسب المعنى الجاري فيه الكلام. [الخزانة / ٧ / ١١٢] بقافية «ولكل حاملة غلام».

(٤٥) ينباع من ذفرى غضوب جسرة

زيّافة مثل الفنيق المكدم

لعنترة بن شداد من معلقته. وقوله : ينباع : معناه : ينبع ، تقول : نبع الماء والعرق ، ينبع ، من باب فتح ، ومن باب نصر ، وضرب.

١٧

والذفرى : بكسر الذال وسكون الفاء : العظم الذي خلف الأذن. وغضوب : هي الناقة.

وجسرة : الطويلة العظيمة الجسم. وزيّافة : السريعة السير. والفنيق : الفحل المكرم الذي لا يؤذى لكرامته على أهله. والمكدم : الفحل القوي.

والشاهد : ينباع : فإن أصله «ينبع» فلما اضطر لإقامة الوزن أشبع فتحة الباء فنشأت عن هذا الإشباع ألفا ووزنه «يفعال» وقيل إن «انباع» بمعنى سال ، ومضارعه «ينباع» ولا شاهد فيه حينئذ «الخزانة / ١ / ١٢٢».

(٤٦) ولكنّ نصفا لو سببت وسبّني

بنو عبد شمس من مناف وهاشم

البيت للفرزدق ، وقبله في الديوان :

وليس بعدل أن سببت مقاعسا

بآبائي الشّمّ الكرام الخضارم

والنصف ، بالكسر والفتح : العدل. يقول : ليس من الإنصاف أن أسابّ مقاعسا بآبائي. وذلك لضعتهم وشرفي ، فلا أذم عرضي ، بذم أعراضهم ولكن الإنصاف أن أسبّ أشراف قريش وتسبني. وبنو عبد شمس من أشراف قريش ، أبوهم عبد مناف بن قصيّ ، وهاشم وعبد شمس أخوان توأمان. فهاشم في البيت معطوف على عبد شمس ، لا على مناف.

والشاهد : سببت وسبّني بنو عبد شمس «فإنّ هذه العبارة من باب الاشتغال حيث تقدم عاملان وهما قوله : سببت ، وقوله : سبّني. وتأخر عنهما معمول واحد هو «بنو عبد شمس» والأول يطلبه مفعولا والثاني يطلبه فاعلا. وقد أعمل فيه الثاني. ولو أعمل الأول لقال : سببت وسبوني بني عبد شمس. وهذا يدل على أن إعمال العامل الثاني في باب التنازع جائز ولكنه ليس أولى من إعمال الأول. فقد يتكافأ العاملان في جواز الإعمال [سيبويه / ١ / ٧٩ ، والإنصاف / ٨٧ ، وشرح المفصّل / ١ / ٧٨.].

(٤٧) قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه

وعزّة ممطول معنّى غريمها

البيت لكثيرّ عزّة ، كثير بن عبد الرحمن.

والشاهد : قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه».. فالعبارة من باب التنازع حيث تقدم «قضى ـ وفّى ـ وهما يطلبان «غريمه» مفعولا. وقد أعمل الشاعر العامل الثاني في لفظ المفعول ، لأنه لو أعمل الأول لوجب أن يقول : قضى كل ذي دين فوفاه غريمه ـ على

١٨

أن يكون التقدير : قضى كلّ ذي دين غريمه فوفاه. [الإنصاف / ٩٠ ـ وشرح المفصل / ١ / ٨٠. والشذور / ٤٢١ والهمع / ٢ / ١١١ ، والأشموني / ٢ / ١٠١.].

(٤٨) فلو لا المزعجات من الليالي

لما ترك القطا طيب المنام

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

نسب البيتان للشاعر ديسم بن طارق أحد شعراء الجاهلية ، ونسبهما ابن منظور إلى لجيم بن صعب ، زوج حذام ، وفيها يقولهما.

والقطا : طائر يشبه الحمام.. والمنام : النوم. والمعنى : هذه المرأة صادقة في كلّ ما تذكره من قول.

والشاهد : في البيت الثاني «حذام» فإن الرواية فيها بكسر الميم بدليل القوافي ، وهي فاعل في الموضعين ، مبني على الكسر في محل جرّ ـ وهذه لغة أهل الحجاز ، في بناء كلّ ما كان على هذا الوزن على الكسر ، وفي لغة تميم تفصيل آخر.

[الخصائص / ٢ / ١٧٨ ـ وشرح المفصل / ٤ / ٦٤ ، والشذور : ٩٥ ، والأشموني / ٣ / ٢٦٨ وشرح أبيات المغنى / ٤ / ٣٢٩.].

(٤٩) ومهما تكن عند امرئ من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس ـ تعلم

هذا البيت لزهير بن أبي سلمى من معلقته. وفي هذا البيت خلاف حول «مهما» أهي حرف ، أم اسم.

١ ـ فقال قوم إنها (حرف) وتكن فعل ناقص فعل الشرط. و «عند» ظرف متعلق بمحذوف خبرها. (من خليقة) من : حرف جر زائد ، خليقة : اسم تكن. وإن خالها : إن شرطية خالها : فعل الشرط. والهاء مفعولها الأول ، وتخفى : الجملة مفعوله الثاني. وجواب الشرط محذوف ـ وتعلم : جواب شرط مهما.

٢ ـ وقال آخرون : مهما : اسم شرط.. مبتدأ. وتكن : فعل الشرط ، ناقص ، واسمه مستتر يعود على مهما. (عند) الظرف خبر تكن. و (من خليقة) بيان لمهما ، متعلقان بمحذوف حال منها.

٣ ـ وقال آخرون : مهما : اسم شرط ، خبر تكن مقدم. وتكن : فعل الشرط.. ومن

١٩

خليقة : من : زائدة. وخليقة : اسم تكن. والظرف «عند» متعلق بتكن.

(٥٠) أقول لهم بالشّعب إذ يأسرونني

ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم

منسوب إلى سحيم بن وثيل اليربوعي ، أو بعض أولاده ، لأن فارس زهدم هو سحيم (وزهدم اسم فرس).

يقول : إنني حين وقعت في أيدي هؤلاء القوم أسيرا وصرت معهم في الشّعب ، قلت لهم : ألم تعلموا أني ابن ذلك الرجل الفارس المشهور ، يخوّفهم بأبيه ، ويتهددهم بأنه لا يمكن أن يبقيه في أيديهم أسيرا..

والشاهد في البيت : «تيأسوا» فإن هذه الكلمة بمعنى «تعلموا» ويؤيد ذلك. أنه روي في مكانه «ألم تعلموا» والأصل أن تكون الروايات المختلفة لفظا بمعنى واحد. وقد استشهد به النحاة على أن «ييأس» في قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) [الرعد : ٣١]. بمعنى يعلم وبالتالي يدل هذا البيت على أن «أن» في الآية مخففة من الثقيلة لأنها مسبوقة بما يدل على العلم.. و «يئس» بمعنى «علم» لغة النّخع ، وهوازن. [الكشاف ، سورة الرعد].

(٥١) وكنت إذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها أو تستقيما

قاله زياد الأعجم.. غمزت : الغمز : الجسّ. والكعوب : جمع كعب ، وهو طرف الأنبوبة الناشز. أراد : أنه إذا هجا قوما وقال فيهم شعرا لم يترك لهم أديما صحيحا حتى يرجعوا عن معاداته ، وضرب لذلك مثلا : حالة من يثقف الرماح فيجسها بيده ، وما يزال بها حتى تعتدل أو يكسرها.

والشاهد : تستقيما : حيث نصب الفعل المضارع ـ وهو قوله «تستقيم ، بأن المضمرة وجوبا بعد «أو» التي بمعنى «إلّا». ـ ولكن هذا البيت يروى مرفوع القافية مع مجموعة من الأبيات رواها صاحب الأغاني ، حيث ينقض بها زياد الأعجم قصيدة للمغيرة بن حبناء مرفوعة القوافي.. والأصل في روايته بالنصب عن سيبويه وقد رواه سيبويه عمن يثق به منصوبا.. واعتذروا عن سيبويه باعتذارات تبعده عن الوهم.. وقصيدة المغيرة بن حبناء ، مطلعها :

أزياد إنّك والذي أنا عبده

ما دون آدم من أب لك يعلم

٢٠