شرح الشّواهد الشعريّة في أمّات الكتب النحويّة - ج ٣

محمّد محمّد حسن شرّاب

شرح الشّواهد الشعريّة في أمّات الكتب النحويّة - ج ٣

المؤلف:

محمّد محمّد حسن شرّاب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١٦

(٢٥) ما بال همّ عميد بات يطرقني

بالواد من هند إذ تعدو عواديها

البيت للشاعر ، هبيرة بن وهب ، أو كعب بن مالك. والعميد : والمعمود : الذي بلغ الحبّ منه ، شبه بالسنام الذي انشدخ انشداخا ، والواد : بدون الياء ، هو الوادي ، بالياء ، ولكنهم قد يكتفون بالكسرة الدالة على الياء. [الإنصاف ص ٣٨٩ والسيرة ص ٦١٢].

(٢٦) إنّا ـ بني منقر ـ قوم ذوو حسب

فينا سراة بني سعد وناديها

البيت للشاعر عمرو بن الأهتم. وسراة القوم : أشرافهم. والنادي : المجلس. والشاهد ـ بني منقر ـ «بني» منصوب بفعل محذوف ، تقدير أذكر أو أمدح ، وإنّا : إنّ واسمها وقوم : خبرها. ولو رفع «بني» على الخبرية لجاز لغة ونحوا ، ولكنه يكون أقلّ بلاغة. [سيبويه ج ١ / ٣٢٧ ، والنحاس ٢٢٧ ، والهمع ج ١ / ١٧١].

(٢٧) وأشرب الماء ما بي نحوه عطش

إلّا لأنّ عيونه سيل واديها

البيت مجهول.

والشاهد «عيونه» بتسكين الهاء دون مدّ. وهذا كان يغتفر في الوقف ، أما هذا ، فقد أسكن في الوصل. وقالوا : إنها لغة لأزد السراة.

وقوله واديها : قد يفهم من عود الضمير المؤنث ، أنه يقصد المحبوبة. ولكن الذي ذاق مرارة الغربة عن الوطن ، وأحس بالظمأ إلى ربوعه ، يفسر هاء التأنيث ، أنها راجعة إلى الأرض ، أو الربوع ، أو الجبال. [الخزانة ج ٥ / ٢٧٠ ، وج ٦ / ٤٥٠ ، والخصائص / ج ١ / ٣٧١ ، وج ٢ / ١٨ ، والهمع ج ١ / ٥٩ واللسان (ها)] ويروى أيضا «عيونه اسم واديها)].

(٢٨) إنّي لأكني بأجبال عن اجبلها

وباسم أودية عن ذكر واديها

مجهول. وفيه أنه حرك نون «عن» ووصل همزة القطع في «أجبل» وأضاف «اسم» إلى الأودية ، فاستعمل المفرد مكان الجمع ، والأصل «بأسماء أودية». [الخصائص ج ٣ / ٥٩ ، والأغاني ج ٥ / ١٩٧٦ ، ١٩٧٨].

(٢٩) يا دار هند عفت إلا أثافيها

بين الطّويّ فصارات فواديها

٣٢١

البيت للحطيئة : الأثافي : جمع أثفية ، وهي الحجارة التي توضع عليها القدر. والطويّ بتشديد الياء ، وصارات : اسمان للمكانين. والاستثناء في إلا أثافيها : تام موجب ـ وحقه أن ينصب بتحريك الياء في أثافيها ، لأن الياء تظهر عليها الفتحة ولكن الشاعر سكّن الياء وقدّر النصب ، ضرورة. ويحتمل أن تكون «أثافيها» مرفوعة من قبيل الحمل على المعنى ، لأن «عفت» بمعنى انمحت ، وكأنه قال : لم يتبق إلا أثافيها ، وهذان التأويلان على تقدير أن الأثافي ، مخففة الياء المنقوصة (أثافي) بدون تشديد وإلا فهناك لغة أقوى بتشديد الياء (أثافيّها) ولكنها لا تصلح للقراءة هنا ، مع صحة الوزن بها ، لأن البيت مصرّع ، فإذا قرأنا بالتحريك ، والتشديد اختلفت موسيقا العروض عن الضرب. [ديوان الحطيئة ، وسيبويه ج ٢ / ٥٥ ، وشرح المفصّل ج ١٠ / ١٠٢].

(٣٠) قبيلة ألأم الأحياء أكرمها

وأغدر الناس بالجيران وافيها

لحسان بن ثابت. أنشده السيوطي شاهدا على جواز تقديم الخبر على المبتدأ إذا تساوى المبتدأ والخبر في التعريف. وهنا : أكرمها مبتدأ ، وألأم خبر ، أي : أكرمها ألأم الأحياء ، وسوّغ التقديم وجود قرينة مانعة من التوهم بابتدائية الخبر ، إذ المراد الإخبار عن «أكرمها» بأنه ألأم الأحياء. وعن «وافيها بأنه أغدر الناس». [الهمع / ١ / ١٠٢ ، والدرر برقم (٣٢٨).

(٣١) أليس عجيبا بأنّ الفتى

يصاب ببعض الذي في يديه

البيت لمحمود الورّاق بن الحسن ـ متوفى في خلافة المعتصم في حدود سنة ٢٣٠ ه‍ وأكثر شعره في الوعظ.

والبيت شاهد على أنّ الباء قد زيدت في اسم ليس المؤخر. وترتيب الكلام : أليس مصاب الفتى. عجيبا.

والبيت مع بيتين بعده ، هما :

فمن بين باك له موجع

وبين معزّ مغذّ إليه

ويسلبه الشّيب شرخ الشباب

فليس يعزّيه خلق عليه

[شرح أبيات المغني ج ٢ / ٣٨٥ ، والمغني ، وحاشية الأمير ١ / ١٠٢].

(٣٢) لو لا تعوجين يا سلمى على دنف

فتخمدي نار وجد كاد يفنيه

٣٢٢

مجهول : ولولا : للتحضيض ، والحث. وتعوجين : مضارع مرفوع بثبوت النون فتخمدي : الفاء سببية ، وتخمدي مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء ، في جواب الطلب الذي هو التحضيض بـ «لولا» هنا. [الأشموني ج ٣ / ٣٠٣ ، والهمع ج ٢ / ١٢].

(٣٣) إذا سدته سدت مطواعة

ومهما وكلت إليه كفاه

البيت للمتنخّل الهذلي من قطعة يرثي بها أباه.

وقوله : سدته : ذكروا معنيين : الأول : إذا ساررته ، من المساودة ، التي هي المساررة. والثاني : سدت من السيادة. يعني إذا كنت فوقه سيدا له ، طاوعك ولم يحسدك ، وإن وكلت إليه شيئا كفاك ولعلّ الذي جاء بالمعنى الأول ، نظر إلى طبيعة العرب وحبّها السيادة ، وكون الشاعر يرثي أباه ، ويذكر له من محامد العرب ما يرفع شأنه.

والبيت شاهد على أن «مهما» اسم ، بدليل رجوع الضمير إليه ، وهو الهاء من كفاه ، والضمير لا يرجع إلا إلى اسم وأما الضمير في إليه ، فراجع إلى الممدوح. وكون «مهما» اسما ، ظاهر في كل ما تعبر بها عنه ، فلا داعي للخصام أو الخصومة ، أو المخاصمة. [الخزانة ج ٤ / ١٤٧ ، وج ٩ / ٧٦ ، وشرح المفصل ج ٧ / ٤٣].

(٣٤) يا با المغيرة ربّ أمر معضل

فرجته بالمكر منّي والدّها

البيت لأبي الأسود الدؤلي ، في أمالي ابن الشجري ٢ / ١٦ ، والمقرّب ٢ / ١٩٩ وقد يروى من باب الألف اللينة.

(٣٥) مبارك هو ومن سمّاه

على اسمك اللهمّ يا الله

رجز غير منسوب ، في الإنصاف / ٣٣٩ ، واللسان «أله».

(٣٦) عدا سليمى وعدا أباها

رجز غير منسوب. واستشهد به السيوطي في «الهمع» على أنّ «عدا» إذا نصب ما بعدها ، فهي فعل ، وما بعدها منصوب به على المفعولية. [الهمع / ٢٣٢ ، والدرر / ١ / ١٩٦].

(٣٧) طاروا علاهنّ فطر علاها

واشدد بمثنى حقب حقواها

٣٢٣

هذا رجز غير منسوب. وطار القوم : أي : نفروا مسرعين. والمراد : ارتفعوا على إبلهم ، فارتفع عليها. والحقب : حبل يشدّ به الرحل إلى بطن البعير. وحقواها مثنى حقو ، هو الخصر ومشدّ الإزار.

والشاهد : علاهنّ ، وعلاها : وهي لغة قوم من العرب لا يقلبون الألف ياء من «على» مع المضمر ، في «علاهنّ» ، وعلاها. والأصل : عليهنّ ، وعليها. وكذلك في المثنى ، فقال : «حقواها» بالألف ، والأصل «حقويها» لأنه مثنى مفعول به. [الخزانة / ٧ / ١١٣ ، وشرح المفصل / ٣ / ٣٤ ، ونوادر أبي زيد / ٥٨ ، ١٦٤ ، والخصائص ج ٢ / ٢٦٩].

(٣٨) تمدّ بالأعناق أو تلويها

وتشتكي لو أنّنا نشكيها

رجز غير منسوب. يصف إبلا قد أتعبها ، فهي تمدّ أعناقها ، والإبل إذا أعيت ذلّت ومدّت أعناقها أو لوتها.

وقوله : تشتكي. يقول : قد ظهر بهذه الإبل من الكلال ما لو كانت ناطقة لشكته وذكرته ، فظهور مثل ذلك بها يقوم مقام شكوى اللسان. ونشكيها : بضم النون ، مضارع أشكيته ، إذا نزعت عنه شكاتيه. والرجز شاهد على أن مجيء المضارع خبر أنّ الواقعة بعد «لو» قليل. والكثير ، الماضي. [الخزانة / ١١ / ٣١٦ ، والخصائص / ٣ / ٧٧ ، واللسان «شكا»].

(٣٩) في كلّ يوم ما وكلّ ليلاه

حتّى يقول من رآه إذ راه

يا ويحه من جمل ما أشقاه

رجز غير منسوب. واستشهدوا به على أن «ليلاه» قد استعملت قليلا ، فلذلك جعلوا الليالي مجموعة عليها. وقال ابن جنّي في باب «الاستغناء بالشيء عن الشيء» ومن ذلك استغناؤهم بليلة عن «ليلاة» بالهاء المنقوطة ، وعليها جاءت «ليال» و «راه» بحذف عين الفعل ، وهي الهمزة. [شرح أبيات المغني / ١ / ٢٨٠ ، والخصائص / ١ / ٢٦٧ ، وشرح المفصل / ٥ / ٧٣ واللسان «ليل»].

٣٢٤

قافية الواو ، والياء ، والألف اللينة

(١) وكم موطن لولايّ طحت كما هوى

بأجرامه من قلّة النّيق منهوي

البيت من قصيدة ليزيد بن الحكم الثقفي ، المتوفى سنة ١٠٥ ه‍ عاتب فيها ابن عمّه. وكم ، لإنشاء التكثير ، خبرها ، تقديره «لي» والموطن : الموقف من مواقف الحرب. وطاح : هلك والجملة وصف لموطن. وقد سدت مسدّ جواب لو لا عند من يجعلها على بابها أو الجملة الشرطية كلها في موضع الصفة. وهوى : سقط. والأجرام : جمع جرم بالكسر ، وهو الجسد. والقلّة : ما استدار من رأس الجبل. والنيق : أعلى الجبل.

والشاهد : الإتيان بضمير الخفض بعد لولا ، وهي من حروف الابتداء ، ووجه ذلك أنّ المبتدأ بعد لو لا لا يذكر خبره فأشبه المجرور في انفراده ، والأكثر أن يقال ، لو لا أنت. واختلفوا في موضع الياء والكاف بعد لو لا فقال سيبويه ، موضعه جرّ ، وحكاه عن الخليل ويونس وقال الأخفش الكاف والياء في : لولاك ولولاي في موضع رفع. [الخزانة / ٥ / ٣٣٦ ، وسيبويه / ١ / ٣٨٨ ، والخصائص / ٢ / ٢٥٩ ، والانصاف / ٦٩١ ، وشرح المفصل / ٣ / ١١٨ ، والهمع / ٢ / ٣٣ ، والأشموني / ٢ / ٢٠٦ وحاشية ياسين / ١ / ٣١٠].

(٢) فليت كفافا كان خيرك كلّه

وشرّك عني ما ارتوى الماء مرتوي

من قصيدة البيت السابق ، ليزيد بن الحكم الثقفي ، ومطلعها :

تكاشرني كرها كأنّك ناصح

وعينك تبدي أنّ صدرك لي دوي

وقوله : دوي. أي : انطوى على حقد. قال ابن هشام : من مشكل باب «ليت» قول الشاعر. وإشكاله من أوجه :

١ ـ عدم ارتباط خبر ليت باسمها ، إذ الظاهر أن «كفافا» اسم ليت وأن كان تامة وأنها وفاعلها الخبر. ولا ضمير في هذه الجملة.

٣٢٥

٢ ـ تعليقه (عن) بمرتوي.

٣ ـ إيقاعه الماء فاعلا بارتوى ، وإنما يقال : ارتوى الشارب.

والجواب : عن الأول : أن «كفافا» خبر لـ «كان» مقدم عليها وهو بمعنى «كاف» واسم ليت محذوف للضرورة أي : فليتك أو : فليته أي : فليت الشأن ، ومثله قول الشاعر : عدي بن زيد.

فليت دفعت الهمّ عني ساعة

فبتنا على ما خيّلت ناعمي بال

[وقوله : على ما خيّلت : أي : على كل حال].

وخيرك : اسم كان. وكله توكيد له. والجملة : خبر ليت. وأما وشرّك : فيروى بالرفع ، عطفا على «خيرك» فخبره إما محذوف تقديره «كفافا» فمرتو فاعل بارتوى. وإما مرتو ، على أنه سكن للضرورة.

وروي بالنصب : (أي : وشرّك) إمّا على أنه اسم لـ : ليت ، محذوفة وسهل حذفها تقدم ذكرها. وإمّا على العطف على اسم ليت المذكورة إن قدّر ضمير المخاطب ، فأما ضمير الشأن فلا يعطف عليه لو ذكر : فكيف وهو محذوف. ومرتو على الوجهين : مرفوع ، إمّا لأنه خبر «ليت» المحذوفة ، أو لأنه عطف على خبر «ليت» المذكورة والجواب عن الإشكال الثاني : بأنه ضمّن «مرتو» معنى (كافّ) لأنّ المرتوي يكفّ عن الشرب.

والجواب عن الإشكال الثالث : أنه إمّا على حذف مضاف ، أي : شارب الماء وإمّا على جعل «الماء» مرتويا مجازا. ويروى «الماء» بالنصب على تقدير (من) كما في قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الأعراف : ١٥٥]. ففاعل ارتوى على هذا «مرتو» كما تقول : ما شرب الماء شارب [الخزانة / ١٠ / ٤٧٢ ، والإنصاف / ١٨٤ ، وشرح أبيات المغني ج ٥ / ١٨٠].

(٣) جمعت وفحشا غيبة ونميمة

ثلاث خلال لست منها بمرعوي

هذا البيت من قصيدة ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي ، عاتب فيها ابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص. ـ وقيل : في عتاب أخيه عبد ربّه ابن الحكم.

٣٢٦

والبيت شاهد على جواز تقدم المفعول معه على المعمول المصاحب. والأصل : جمعت غيبة وفحشا. وهذا في ضرورة الشعر. [الخزانة / ٣ / ١٣٠ ، والخصائص / ٢ / ٣٨٣ ، والهمع / ١ / ٢٢٠ ، والأشموني / ٢ / ١٣٧].

(٤) يطالبني عمّي ثمانين ناقة

ومالي يا عفراء إلا ثمانيا

هذا البيت من قصيدة لعروة بن حزام العذري. وذكروه على أنّ الفرّاء يجيز النصب على الاستثناء المفرّغ ، فإن المستثنى منه محذوف تقديره ، ومالي نوق إلا ثمانيا.

ولكن هذا البيت من قصيدة نونية مكسورة النون ، أولها :

خليليّ من عليا هلال بن عامر

بصنعاء عوجا اليوم وانتظراني

ورواية البيت :

يكلّفني عمي ثمانين بكرة

ومالي يا عفراء غير ثمان

وعلى هذا فالاستثناء على الطريقة المألوفة ، وعروة بن حزام من عذرة أحد عشاق العرب المشهورين ، كان في مدّة معاوية بن أبي سفيان أحب ابنة عمّه عفراء ، ثم كانت لغيره ، فقال في الحنين إليها شعرا رقيقا يعدّ. مع الشعر العذريّ. من أعذب وأرق الشعر الذي قالته العرب. وأنت إن جعلت الأسماء في هذا الشعر رمزا ، فإنك تجده ممثلا حالة كل من أحبّ. أحبّ وطنا فحرم منه وأحبّ أهلا فاغترب عنهم ، وحنّ إليهم ، وتشوّق إلى الأحضان الحانية. كلّ محبّ يصاب بما أصيب به عروة بن حزام ، ويسليه من يسليه لعله ينسى ، أو يصحّ فما إلى ذلك سبيل ، وما يكون الدواء إلا باللقاء ، وما أكثر ما ننشد مع عروة :

جعلت لعرّاف اليمامة حكمه

وعرّاف حجر إن هما شفياني

فما تركا من حيلة يعلمانها

ولا سلوة إلا بها سقياني

فقالا : شفاك الله والله ما لنا

بما حمّلت منك الضلوع يدان

وأنشد :

وعينان : ما أوفيت نشزا فتنظرا

بمأقيهما إلا هما تكفان

كأن قطاة علّقت بجناحها

على كبدي من شدّة الخفقان

٣٢٧

(٥) وإنّك إذ ما تأت ما أنت آمر

به تلف من إيّاه تأمر آتيا

والمعنى : إذا كنت تفعل ما تأمر الناس بفعله فإنهم يتأثرون بأوامرك فيفعلون ما تأمرهم به يريد : إنه ينبغي للإنسان أن لا يأمر بشيء إلا بعد أن يكون هو آتيا به.

والشاهد : إذما تأت. حيث جزم. بإذما فعلين ، أولهما «تأت» وثانيهما «تلف». [الأشموني / ٤ / ١١].

(٦) تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا

ولا وزر مما قضى الله واقيا

الشاهد : قوله : لا شيء باقيا و «لا وزر واقيا» حيث أعمل ، لا النافية في الموضعين عمل ليس. [الشذور ، والهمع / ١ / ١٢٥ ، والأشموني / ١ / ٢٥٣ ، وشرح أبيات المغني / ٤ / ٣٧٧].

(٧) إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى

فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا

لأبي الطيب المتنبي. والتمثيل به في قوله : لا الحمد مكسوبا ـ ولا المال باقيا فإنه أعمل «لا» عمل ليس في الموضعين ، مع كون اسمها في الموضعين معرفة وقد ذكر النحويون بيت المتنبي ، لبيان خروجه على القاعدة ، وأن جعل اسم «لا» العاملة عمل ليس معرفة خطأ. ولكن بعضهم أجازه مستدلا بقول النابغة الجعدي :

وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا

سواها ، ولا عن حبّها متراخيا

وقول الآخر :

أنكرتها بعد أعوام مضين لها

لا الدار دارا ولا الجيران جيرانا

فلا محلّ بعد ذلك لتغليط المتنبي ، لأنه على درجة من العلم بكلام العرب وأساليبهم. بحيث لا يقدم على الكلام إلا محتذيا بعض أساليبهم. [شرح أبيات المغني / ٤ / ٣٨٢].

(٨) فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغا

نداماي من نجران أن لا تلاقيا

هذا البيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي من قصيدة يقولها وقد أسر في إحدى الحروب. وهي من شعر المفضليات.

٣٢٨

وقوله : عرضت : أتيت العروض ، وهو مكة والمدينة وما حولهما ، وقيل : هي جبال نجد ويروى : أيا.. وتكون حرف نداء.

والشاهد : أيا راكبا حيث جاء بالمنادى منصوبا لفظا ، لكونه نكرة غير مقصودة فهو لا يريد راكبا بعينه. [سيبويه / ١ / ٣١٢ ، والشذور ، والمفضليات / ١٥٦ ، والخزانة / ٢ / ١٩٤].

(٩) عميرة ودّع إن تجهزت غازيا

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

من مطلع قصيدة لسحيم عبد بني الحسحاس. وعميرة : اسم امرأة والمعنى : اترك مواصلة الغواني إذا كنت قد عزمت على أن تقطع ما بينك وبين شواغل الدنيا ، ثم بيّن أن الإسلام والشيخوخة يردعان من لا يرتدع. ويروى أن عمر بن الخطاب سمعه فقال : لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك.

وهو قول لا يصحّ ، لأن عمر بن الخطاب يعرف أن الشاعر لا يقدم أحد الرادعين حيث عطف بالواو ، وهي لمطلق الجمع ، ويعلم أيضا أن لفظ الإسلام لا يقدم على الشيب من حيث وزن البيت.

والشاهد : كفى الشيب ناهيا.. كفى : فعل ماض ـ والشيب : فاعل. ناهيا : حال من الشيب. وهو محل الشاهد : فإن الشاعر قد أتى بفاعل كفى غير مجرور بالباء الزائدة كما في قوله تعالى (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الفتح : ٢٨] فدل البيت على أن الباء غير لازمة في فاعل كفى ، وهذا وجه مفارقة هذه الباء ، للباء في فاعل «أفعل به» في التعجب فإن باء التعجب لا يجوز إسقاطها من الكلام [الخزانة / ١ / ٢٦٧ ، وسيبويه ١ / ٢٣٠ ، والإنصاف / ١٦٨ ، وشرح المفصل ٢ / ١١٥].

(١٠) لتقعدنّ مقعد القصيّ

منّي ذي القاذورة المقليّ

أو تحلفي بربّك العليّ

أني أبو ذيّالك الصّبيّ

هذا الرجز منسوب إلى رؤبة بن العجاج ، وينسب إلى أعرابي قدم من سفر فوجد امرأته وضعت ولدا فأنكره.

والقصيّ : البعيد النائي. ذي القاذورة : المراد به ، الذي لا يصاحبه الناس لسوء خلقه ويقال : هذا رجل قاذورة ، وهذا رجل ذو قاذورة ، إذا كان الناس يتحامون صحبته لسوء

٣٢٩

أخلاقه ، ودنيء طباعه. المقليّ : المكروه ، من قولهم : قلاه ، يقليه. إذا أبغضه ، ويأتي من قلاه يقلوه ، فهو واوي ويائي. ولكن اسم المفعول هنا من اليائي ، وإلا لقال : مقلوّ.

لتقعدن : اللام في جواب قسم محذوف ـ تقعدن : مضارع مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال ـ وياء المؤنثة المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين : فاعل.

مقعد : مفعول فيه ، ظرف مكان. ذي : نعت للقصي مجرورة بالياء.

أو : حرف عطف بمعنى إلا. تحلفي : مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد أو. ذيّالك : اسم إشارة ، واللام للبعد ، والكاف : حرف خطاب. والصبي : بدل منه.

والشاهد : أنّي : حيث يجوز في همزة (أن) الكسر والفتح ، لكونها واقعة بعد فعل قسم ، لا لام بعده.

أما الفتح : فعلى تأويل أنّ مع اسمها وخبرها بمصدر مجرور بحرف جرّ محذوف والتقدير : أو تحلفي على كوني أبا لهذا الصبي.

وأما الكسر : فعلى اعتبار إنّ واسمها وخبرها جملة لا محل لها ، جواب القسم ووجه جواز الوجهين في هذا الموضع : أنّ القسم يستدعي جوابا. لا بدّ أن يكون جملة ، ويستدعي محلوفا ، عليه يكون مفردا ، ويتعدى له فعل القسم بعلى ، فإن قدرت (أنّ) بمصدر ، كان هو المحلوف عليه وكان مفردا مجرورا بعلى محذوفة. وإن قدرت (إنّ) جملة فهي جواب القسم [الأشموني / ١ / ٢٧٦ ، والخزانة / ١١ / ٢٧٥].

(١١) ما حمّ من موت حمى واقيا

ولا ترى من أحد باقيا

لراجز مجهول : وحمّ : مبني للمجهول ، أي : قدّر وتقول : أحمّ الله هذا الأمر وحمّه ، إذا قدّر وقوعه. والمعنى : إن الله تعالى لم يقدر شيئا يحمي من الموت ولم يكتب الله لأحد الخلود.

ما : نافية : حمّ : مبني للمجهول. من موت : متعلقان بـ واقيا بعده. حمى : نائب فاعل. واقيا حال من «حمى» من أحد : من زائدة. أحد : مفعول به لترى. باقيا حال من أحد. وهذا مبني على أنّ «ترى» بصرية فإذا عددت «ترى» قلبية كان قوله «باقيا» مفعولا ثانيا.

٣٣٠

والشاهد : واقيا ، وباقيا : حيث وقع كل منهما حالا من النكرة وهي «حمى» بالنسبة إلى «واقيا» و «أحد» بالنسبة لـ «باقيا» والذي سوغ ذلك أن النكرة مسبوقة بالنفي في الموضعين [الأشموني / ٢ / ١٧٥ ، وابن عقيل / ٢ / ٧٨].

(١٢) تقول ابنتي : إنّ انطلاقك واحدا

إلى الرّوع يوما تاركي لا أبا ليا

لمالك بن الريب من قصيدته التي يقول منها :

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا

فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه

وليت الغضى ماشى الركاب لياليا

ومعنى الشاهد : أنّ ابنتي تقول لي : إن ذهابك إلى القتال منفردا يصيرني لا محالة بلا أب ، لأنك تقتحم لظاها فتموت.

إن انطلاقك.. تاركي.. إن واسمها وخبرها. واحدا حال من الكاف التي هي ضمير المخاطب في «انطلاقك» لا أباليا : لا : نافية للجنس. أبا : اسمها ، ليا : جار ومجرور خبر «لا» والجملة مفعول ثان لتارك. ويجوز أن يكون «أبا» اسم لا منصوبا بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم. واللام في «ليا» زائدة. وياء المتكلم مضاف إليه. : وخبر «لا» محذوف وكأنه قال : لا أبي موجود.

والشاهد : «واحدا» حيث وقع حالا من المضاف إليه وهو الكاف في (انطلاقك) والذي سوّغ هذا أنّ المضاف إلى الكاف مصدر يعمل عمل الفعل ، فهو يتطلب فاعلا وهذه الكاف هي الفاعل ، فكان المضاف عاملا في المضاف إليه ويصحّ أن يعمل في الحال لأنّه مصدر.

ويروى البيت :

تقول ابنتي لمّا رأت طول رحلتي

سفارك هذا تاركي لا أبا ليا

وعليه ، فلا شاهد فيه ، إذا كان الشاهد كلمة «واحدا». هذا وقصيدة البيت عدتها ثمانية وخمسون بيتا مطلعها :

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة

بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا

وقالوا : إن مالك بن الريب ، كان لصا يقطع الطريق ، وعند ما ولّى معاوية ، سعيد ابن

٣٣١

عثمان بن عفّان على خراسان لقيه في الطريق ، فعرض عليه أن يغنيه ويستصحبه ويكف عما يفعل ، فقبل مالك ، فأجرى عليه سعيد خمسمائة دينار في كلّ شهر. ولذلك يقول في القصيدة :

ألم ترني بعت الضلالة بالهدى

وأصبحت في جيش ابن عفّان غازيا

[ولكن لماذا قال «ابن عفان» ولم يقل «ابن عثمان» والوزن واحد ، والأب عثمان أشهر من الجدّ «عفّان» وقد نسبوا أحفاد عثمان إليه فقالوا «العثماني»].

وذكروا في سبب قول القصيدة أقوالا :

قالوا : مكث مالك بخراسان فمات هناك ، فقال يذكر مرضه وغربته.

وقالوا : بل مات في غزو سعيد ، طعن ، فسقط وهو بآخر رمق.

وقالوا : بل مات في «خان» فرثته الجنّ لما رأت من غربته ووحدته ، ووضعت الجنّ الصحيفة التي فيها القصيدة تحت رأسه.

قلت : وهذه أول مرّة أسمع فيها أن الجنّ تكتب.. نعم : لقد زعموا أنّ الجنّ قالت شعرا وأنشدته وسمعه من سمعه. ولكني لم أعرف أنهم كتبوا!!

ولعبد يغوث بن وقّاص ، أحد فرسان الجاهلية وشعرائها ، قصيدة ، تتّحد مع قصيدة مالك بن الريب في الوزن والقافية والرويّ ، مطلعها :

ألا لا تلوماني كفى اللّوم مابيا

وما لكما في اللّوم خير ولا ليا

ويتشابه في القصيدتين بيتان ، حيث قال عبد يغوث :

فياراكبا إمّا عرضت فبلّغن

نداماي من نجران أن لا تلاقيا

وقال مالك بن الريب :

فيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن

بني مالك والرّيب أن لا تلاقيا

وتتشابه المناسبتان ، ذلك أن عبد يغوث ، قال القصيدة ، وهو في الأسر ينتظر الموت [الخزانة / ٢ / ٢٠٣ ، والمفضليات / ١٥٦ ، والأشموني / ٢ / ١٧٩ ، وابن عقيل / ٢ / ٨٥].

٣٣٢

(١٣) ومستبدل من بعد غضيا صريمة

فأحر به من طول فقر وأحريا

البيت غير منسوب. وغضيا : اسم للمئة من الإبل ، ويروى «غضبى» بالباء ، والأول أصح. والصّريمة : تصغير : صرمة ، بكسر أوله ، القطعة من الإبل ما بين العشرين والثلاثين وقد تقرأ بفتح الصاد ، بمعنى القطعة من الإبل ، والنخل ومن الأول قول عمر لحارس الحمى : «أدخل ربّ الصريمة والغنيمة» يريد صاحب الإبل القليلة. والغنم القليلة.

ومستبدل : مجرور بواو ربّ ـ وهو مبتدأ. وصريمة : مفعول به لمستبدل. فأحر : فعل ماض جاء على صيغة الأمر به : الباء زائدة والضمير فاعل أحر. ومن طول : من ، بمعنى الباء ، ويروى (لطول فقر). وأحريا : فعل ماض جاء على صورة الأمر والألف منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة وهو الشاهد. حيث أكد صيغة التعجب بالنون الخفيفة ، وهو دليل على فعليتها ، لأن التوكيد بالنون من خصائص الأفعال. وقد روعي في توكيده الصورة فقط ، لأن الماضي لا يؤكد بالنون. [شرح أبيات المغني / ٦ / ٣٩ ، والهمع / ٢ / ٧٨ والأشموني / ٣ / ٢٢١].

(١٤) ألا حبّذا أهل الملا غير أنّه

إذا ذكرت ميّ فلا حبّذا هيا

البيت لكنزة أمّ شملة بن برد المنقري من أبيات تهجو فيها «ميّة» صاحبة ذي الرمة. كذا قال أبو تمام في الحماسة. والملا : بالقصر : الفضاء الواسع. حبذا : فعل وفاعل والجملة خبر مقدم ، وأهل : مبتدأ مؤخر. غير : نصب على الاستثناء. أنه : أنّ ، وضمير القصة اسمها. ـ وجملة الشرط وجوابه خبر أنّ. لا حبذا : فعل وفاعل : خبر مقدم. هي : مبتدأ مؤخر. والجملة جواب (إذا).

والشاهد : «حبذا أهل..» ولا حبذا هيا ـ حيث استعمل حبذا للمدح مثل نعم و «لا حبذا» للذم استعمال «بئس». [الحماسة / ١٥٤٢ ، والهمع / ٢ / ٨٩ ، والأشموني / ٣ / ٤].

(١٥) مررت على وادي السّباع ولا أرى

كوادي السباع ـ حين يظلم ـ واديا

أقلّ به ركب أتوه تئيّة

وأخوف ـ إلا ما وقى الله ـ ساريا

البيتان لسحيم بن وثيل الرياحي. وادي السباع : موضع بطريق البصرة إلى المدينة وهو

٣٣٣

الذي قتل فيه الزبير رضي‌الله‌عنه. تئيّة : بفتح التاء وكسر الهمزة وتشديد الياء ، مصدر تأيّا بالمكان أي : توقف وتأنى.

يقول : مررت على وادي السباع فإذا هو واد قد أقبل ظلامه واشتد حندسه فلا تضاهيه أودية ، ولا تماثله في تمهل من يرده من الركبان ، ولا في ذعر المسافرين أو خوف القادمين عليه في أي وقت ، إلا في الوقت الذي يقي الله السارين ويؤمن فزعمهم.

وقوله : ولا أرى. الواو للحال ، والجملة حالية. وأرى : إما بصرية ـ فيكون ـ كوادي. متعلقان بمحذوف حال من «واديا» الآتي. وإذا قدرتها قلبية : يكون الجار والمجرور : المفعول الثاني ـ واديا : مفعول أول.

أقلّ : اسم تفضيل ـ على وزن أفعل نعت لقوله : واديا. (به) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من «ركب» بعده. ركب : فاعل لأقلّ.

وجملة أتوه : صفة لركب تئيّة : تمييز لأفعل التفضيل. وأخوف : معطوف على أقلّ. ساريا : تمييز لأفعل التفضيل «أخوف».

إلا ما وقى الله : إلا : ملغاة. ما : مصدرية ظرفية. وهي وما دخلت على مصدر منصوب على الظرفية الزمانية. وفيها رائحة ـ الاسم الموصول. والمستثنى منه محذوف.

والشاهد : أقلّ به ركب. حيث رفع أفعل التفضيل اسما ظاهرا.

والتمثيل بهذا الشعر لعمل اسم التفضيل في الظاهر أجمل من التمثيل بمسألة الكحل المصنوعة. [سيبويه / ١ / ٢٣٣ ، والخزانة / ٨ / ٣٢٧].

(١٦) ألا طال كتماني بثينة حاجة

من الحاج ما تدري بثينة ما هيا

أحاذر أن تعلم بها فتردّها

فتتركها ثقلا عليّ كما هيا

من قصيدة لجميل العذري صاحب بثينة. وروى النحويون البيت الثاني بقوله : «أن تعلم» بجزم «تعلم» بعد «أن» للقول إنّ بعض العرب يجزمون بها. ولكن البيت مروي أيضا.

أخاف إذا أنبأتها أن تضيعها.. البيت..

وبهذا لا شاهد فيه. [الهمع / ٢ / ٣ ، والأشموني / ٣ / ٣٨٥ ، وشرح أبيات المغني / ١ / ١٢١].

٣٣٤

(١٧) تقول عجوز مدرجي متروّحا

على بابها من عند رحلي وغاديا

أذو زوجة بالمصر أم ذو خصومة

أراك لها بالبصرة العام ثاويا

فقلت لها : لا ، إنّ أهلي لجيرة

لأكثبة الدّهنا جميعا وماليا

وما كنت مذ أبصرتني في خصومة

أراجع فيها يا ابنة العمّ قاضيا

هذه الأبيات للشاعر ذي الرّمة من قصيدة يمدح بها بلال بن أبي بردة.

وقوله : مدرجي. أي : ممرّي. ومدرجي : مبتدأ. ومتروحا : حال من ياء المتكلم في «مدرجي» وصح مجيء الحال من المضاف إليه لأن المضاف مصدر عامل في صاحب الحال والحال. وغاديا : معطوف على «متروحا». وخبر المبتدأ «على بابها» أو «من عند أهلي» ويجوز أن يكون محذوفا ، لئلا نعطف على معمولات المصدر قبل أن يستكمل معمولاته.

وقوله : أذو زوجة. ذو خبر لمبتدأ محذوف تقديره : أذو زوجة أنت.

وقوله : بالمصر. صفة لزوجة. وثاويا : حال من الكاف إن كانت الرؤية بصرية ومفعول ثان! إن كانت الرؤية علمية وفي البيت دليل على صحة القول «زوجة الرجل» بتاء التأنيث وإن كان التذكير أقوى لوروده في القرآن. ويقال : زوجات الرسول عليه‌السلام. وهو جمع زوجة. أما زوج. فجمعها أزواج.

وقوله : فقلت لها : أي : فقلت للعجوز. إني لا زوجة لي هنا ولم أجئ في خصومة إنّ أهلي ومالي بأكثبة الدهناء.

قال ابن هشام في «المغني» أم المتصلة التي تستحق الجواب ، إنما تجاب بالتعيين لأنها سؤال عنه ، فإذا قيل : أزيد عندك أم عمرو ، قيل في الجواب : زيد أو قيل : عمرو ولا يقال : «لا» ولا «نعم». فإن قلت : فقد قال ذو الرمة. «الأبيات».

قلت : ليس قوله : «لا» جوابا لسؤالها ، بل ردّ لما توهمته من وقوع أحد الأمرين ، كونه ذا زوجة ، وكونه ذا خصومة ، ولهذا لم يكتف بقوله «لا» إذ كان ردّ ما لم تلفظ به إنما يكون بالكلام التام فلهذا قال : «إنّ أهلي جيرة» و «ما كنت مذ أبصرتني» البيت. [شرح أبيات المغني / ١ / ٢١٩].

(١٨) كأني وقد خلّفت تسعين حجّة

خلعت بها عن منكبيّ ردائيا

٣٣٥

بدا لي أني لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا

لزهير بن أبي سلمى : يقول : في البيت الثاني ـ وهو محلّ الشاهد ـ اعتبرت حال الزمان ، فبدا لي أني لست أدرك ما فات منه ولا أسبق ما لم يجئ بعد فيه قبل وقته. والمعنى أنّ الإنسان مدبّر لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. والبيت الثاني شاهد ـ عند ابن هشام ـ على إبطال قول من قال : إنّ ناصب «إذا» ما في جوابها من فعل وشبهه ، لأن تقدير الجواب في البيت : إذا كان جائيا فلا أسبقه ، ولا يصح أن يقال : لأسبق شيئا وقت مجيئه. ويرى ابن هشام أن ناصب «إذا» شرطها ، وهو قول المحققين. واستشهد سيبويه بهذا البيت على جرّ سابق ، بالعطف على «مدرك» على توهم الباء فيه. [سيبويه / ١ / ٨٣ ، والخصائص / ٢ / ٣٥٣ ، والإنصاف / ١٩١ ، و ٣٩٥ ، وشرح المفصل / ٢ / ٥٢ وشرح أبيات المغني / ٢ / ٢٤٢. والهمع / ٢ / ١٤١].

(١٩) أراني إذا أصبحت أصبحت ذا هوى

فثمّ إذا أمسيت أمسيت غاديا

لزهير بن أبي سلمى ، مع أخويه السابقين في قصيدة واحدة. والشاهد أنّ الفاء في قوله «فثم» زائدة ، لما بين الفاء وثم من التنافي ، فالفاء تدل على الاتّصال. وثمّ تدلّ على الانفصال. [شرح أبيات المغني / ٣ / ٣٦ ، وشرح المفصل / ٨ / ٦٩].

(٢٠) وآس سراة الحيّ حيث لقيتهم

ولا تك عن حمل الرّباعة وانيا

للأعشى ، ميمون. والرباعة : ما ناب من نائبة. وهو شاهد على أن «عن» فيه بمعنى «في.. لقوله تعالى (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) [طه : ٤٢]. والبيت من قصيدة للأعشى تشتمل على نصائح وأمر بمكارم الأخلاق ، وأولها :

ذريني لك الويلات آتي الغوانيا

متى كنت زرّاعا أسوق السّوانيا

وفي القصيدة أبيات ذات معان إسلامية خالصة ، مع أن الشاعر جاهلي ، يقال : إنه همّ بالإسلام فردّته قريش فمات كافرا ، ولم يسمع القرآن. وجاء في القصيدة.

وإياك والميتات لا تقربنّها

كفى بكلام الله عن ذاك ناهيا

[انظر شرح أبيات مغني اللبيب ج ٣ / ٢٩٨].

(٢١) أتانا فلم نعدل سواه بغيره

نبيّ بدا في ظلمة الليل هاديا

٣٣٦

نسبته كتب النحو ، والمعاني لحسان بن ثابت. وجعلوه من مشكل الشعر ، وانبروا لإيجاد التأويلات له ، لأنه قال : «فلم نعدل سواه بغيره» وسواه ، هو غيره فأيّ مدح في هذا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال قوم : (سواه) مقحمة زائدة وقال آخرون ، (سوى) بمعنى نفس ، فيكون المعنى : فلم نعدل نفسه بغيره فيختلف عود الضمير ، ويصح المعنى ، وأحسن ما في هذه المعارك المفتعلة ، أنها تجبر العلماء على التعمق في البحث ، والإتيان بالمعاني الجديدة ، والشواهد الجديدة ومما استحضروه من الشواهد على أنّ (سوى) بمعنى «نفس ، قول الحطيئة :

أبى لك أقوام ، أبى لك مجدهم

سوى المجد ، فانظر صاغرا من تفاخره

وقول الآخر :

وكنت إذا مولاك خاف ظلامة

أتاك فلم يعدل سواك بناصر

ولكن تبيّن للباحثين فيما بعد ، أن المعركة أثارها أهل الفتنة اللغوية وكانت فتنا مستحبّة ـ لأن البيت ليس لحسان بن ثابت ، وإنما هو لعبد الله بن رواحة أو لكعب بن مالك من قصيدة رواها ابن هشام في السيرة : ورواية البيت هكذا :

أطعناه لم نعدله فينا بغيره.. البيت.

وفي رواية :

أطعنا ولم نعدله فينا بغيره.

ومعنى «لم نعدله» لم نسوّه. [شرح أبيات المغني / ٤ / ١٣].

(٢٢) وقائلة خولان فانكح فتاتهم

وأكرومة الحيّين خلو كما هيا

خولان : حيّ باليمن. وجملتا : هذه خولان ، فانكح فتاتهم : مقول القول. وعمل «قائلة» عمل اسم الفاعل لأنه معتمد على موصوف محذوف ، أي : رب جماعة قائلة وربّ : للتكثير ، وجوابها محذوف ، أي : أدركتها. والأكرومة : فعل الكرم ، مصدر بمعنى اسم المفعول ، أي : ومكرمة الحيّين ، وأراد بالحيّين : حيّ أبيها وحيّ أمها. والخلو : بالكسر : الخالية من الزوج.

٣٣٧

وقوله : كما هيا : صفة لخلو ، أي : كعهدها من بكارتها؟ فحذف المضاف إلى الهاء ، ولما كانت الكاف لا تدخل على المضمر المتصل ، جعل مكانه المنفصل ، فصار : كهي ، ثم زادوا «ما» عوضا عن المحذوف.

والشاهد : أن الفاء «فانكح ، زائدة في خبر المبتدأ ، وهو فانكح. ويرى سيبويه أنها غير زائدة والأصل : هذه خولان ، فانكح فتاتهم. ومن جعل الفاء زائدة أجاز في خولان النصب والرفع. كقولك : زيدا فاضربه ، وعلى قول سيبويه. الفاء إما لعطف الإنشاء على الخبر ، وهو جائز فيما له محل من الإعراب ، وإما لربط جواب شرط محذوف ، أي : إذا كان كذلك فانكح. وقال السيرافي الجمل كلها يجوز أن تكون أجوبتها بالفاء ، نحو «زيد أبوك فقم إليه». فإن كونه أباه سبب وعلة للقيام إليه. وكذلك الفاء في «فانكح» يدل على أن وجود هذه القبيلة علة لأن يتزوج منهم ويتقرب إليهم. [شرح أبيات المغني / ٤ / ٣٧ ، وسيبويه / ١ / ٧٠].

(٢٣) كلانا غنيّ عن أخيه حياته

ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا

لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. ووجد البيت في شعر لحارثة بن بدر وفي قصيدة : لسيّار بن هبيرة. انظر (شرح أبيات المغني ، للبغدادي).

والبيت شاهد على أنّ مراعاة لفظ «كلا» هنا متعين. لأن معناها ، كلّ منا غني عن أخيه ، والضابط : أنه متى نسب إلى كل منهما حكم الآخر بالنسبة إليه ، لا إلى ثالث ، تعيّن الإفراد. [الأشموني / ٢ / ٢٦٠ ، واللسان «غنا» وشرح أبيات المغني / ٤ / ٢٦٦].

(٢٤) لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا

أصم في نهار القيظ ، للشمس باديا

وهو شاهد على أنّ اللام في «لئن» زائدة. والجواب للشرط ، وقال الفرّاء إنّ الشرط قد يجاب مع تقدم القسم عليه.

وقوله «ما» حدثته : ما : اسم موصول. أي : الكلام الذي حدثته : بالبناء للمجهول. والهاء : عائدة على «ما» وصادقا خبر كان. وأصم : جواب الشرط. وباديا : حال من فاعل : أصم. والجار والمجرور متعلقان بقوله : باديا. [شرح أبيات المغني / ٤ / ٣٧١].

(٢٥) وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا

سواها ولا في حبّها متراخيا

٣٣٨

للنابغة الجعدي حسان بن قيس. صحابي من المعمرين ، وفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنشده وقال له : لا فضّ فوك. والبيت شاهد على أن «لا» النافية العاملة عمل ليس ، عملت في المعرفة. ويروى البيت :

وحلت سواد القلب لا أنا مبتغ.. البيت :

والقافية منصوبة ولا شك. لأنه مسبوق ، وملحوق بقواف منصوبة. وعلى الرواية الثانية ، فإن كانت «لا» عاملة ، فإن «مبتغ» خبرها ، وكان حقه أن ينصب ، ولكن أسكن الياء في موضع النصب ـ وإذا كان كذلك فالنصب في قوله «متراخيا» : بالعطف على «مبتغ» لأنه منصوب الموضع.

فإن جعلت «لا» الأولى ملغاة ، كان قوله : أنا مبتغ : مبتدأ وخبر ، ولزم إعمال الثانية ، ويكون اسمها محذوفا تقديره «ولا أنا عن حبها متراخيا» وحسن حذفه لتقدم ذكره. [شرح أبيات المغني / ٤ / ٣٧٨ ، والهمع / ١ / ١٢٥ ، والأشموني ج ٢ / ٢٥٣].

(٢٦) لقيت المرورى والشناخيب دونه

وجبت هجيرا يترك الماء صاديا

للمتنبي من قصيدة يمدح فيها كافورا الأخشيدي. والمرورى : جمع المروراة وهي الفلاة الواسعة. والشناخيب : جمع شنخوب ، وهي ناحية الجبل المشرفة وفيها حجارة ناتئة. والصادي : العطشان. يذكر ما لقي من التعب في الطريق إليه وما قاسى من حر الهواجر التي تيبّس الماء ، والماء لا يكون صاديا ، ولكنه مبالغة.

(٢٧) يقولون لا تبعد وهم يدفنونني

وأين مكان البعد إلا مكانيا

لمالك بن الريب ، من قصيدة رثى بها نفسه ، وكان لصا ثم تاب وغزا ، فاستشهد. والبيت شاهد على أن «لا» فيه للدعاء. وقولهم للميت «لا تبعد : تنبيه على شدة الحاجة إليه ، وتناهي الجزع وغلبة التحسّر عليه.

(٢٨) وتضحك منّي شيخة عبشمية

كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا

من قصيدة لعبد يغوث الحارثي ، مطلعها :

ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا

فما لكما في اللوم خير ولا ليا

ألم تعلما أن الملامة نفعها

قليل وما لومي أخي من شماليا

٣٣٩

أيا راكبا.... البيت سبق في هذا الباب. والقصيدة في «المفضليات». وكان الشاعر فارسا جاهليا. قال الجاحظ «ليس في الأرض أعجب من طرفة بن العبد ، وعبد يغوث فإن ناقشنا جودة أشعارهما في وقت موتهما ، فلم تكن دون سائر أشعارهما في حال الأمن والرفاهية» وكان عبد يغوث قد أسر يوم الكلاب الثاني ، وأسره فتى من بني عبد شمس ، فقالت أمه : من هذا ، فقال عبد يغوث : أنا سيد القوم ، فضحكت ، وقالت : قبّحك الله من سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج وإليه أشار بقوله في البيت الشاهد. وتضحك مني.

والشاهد : «لم ترى» يروى بالألف ، على الإخبار ، ولم يجزم ـ بحذف الألف ـ ضرورة ويروى : «لم تري» بالياء حيث رجع من الإخبار إلى الخطاب. وبذلك يكون مجزوما وعلامة جزمه حذف النون. [شرح المفصّل / ٥ / ٩٧ ، وشرح أبيات المغني / ٥ / ١٣٧ ، والمفضليات].

(٢٩) ولو أنّ واش باليمامة داره

وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا

البيت من شعر مجنون ليلى. واليمامة : في نواحي مدينة الرياض بالسعودية. وحضرموت : معروفة في اليمن الجنوبي.

وقوله : اهتدى ليا : اللام بمعنى إلى.

والشاهد : أنّ واش : أصله «أن واشيا» فسكّن الياء لضرورة الشعر ، ثم حذفها لالتقاء الساكنين ، بسبب التنوين ويروى : «فلو كان واش» فلا شاهد فيه. [شرح أبيات المغني / ٥ / ١٨٩ ، والهمع / ١ / ٥٣ ، والأشموني / ١ / ١٠٠].

(٣٠) لما نافع يسعى اللبيب فلا تكن

لشيء بعيد نفعه الدّهر ساعيا

البيت شاهد على أن «ما» نكرة موصوفة «بنافع» في قوله «لما نافع» و «بعيد» بالجر صفة جرت على غير من هي له (نعت سببي) ، ونفعه : فاعل بعيد. والدهر : ظرف لما بعده. [شرح أبيات المغني / ٥ / ٢١٢ ، والأشموني / ١ / ١٥٤].

(٣١) فإمّا كرام موسرون لقيتهم

فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا

البيت لمنظور بن سحيم الفقعسي ، شاعر إسلامي مخضرم. وقبل البيت :

٣٤٠