جامع المقدّمات

جمع من العلماء

جامع المقدّمات

المؤلف:

جمع من العلماء


المحقق: الشيخ جليل الجراثيمي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-470-030-9
الصفحات: ٦٣٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

التعجب وهما : فعلان موضوعان لإنشاء التعجب أحدهما على مثال «ما أفعله» نحو : ما أحْسَنَ زيداً ، والثاني على مثال «أفعل به» نحو : أحْسِن بزيد ، ومعناهما أنّ زيداً أحْسَنُ جدّاً. وإنّما لا يبنيان إلّا من الثلاثي المجرّد لأنّ هذين البناءين لا يمكن من غيره وإنّما يجب أن لا يكون بمعنى افعلّ وافعالّ أي لا يكون من الألوان والعيوب لأنّ أفعل التعجب يشبه أفعل التفضيل في المبالغة وقد عرفت أنّ أفعل التفضيل لا يبنى من الألوان والعيوب.

قال : ويتوصّل إلى التعجب فيما وراء ذلك بأشدّ ونحو ذلك فيقال : ما أشَدَّ دَحْرَجَتَهُ ، وما أكثر استخراجه ، وما أبلغ سواده ، وما أقْبَحَ عِوَرَهُ.

أقول : إذا اُريد بناء التعجب فيما وراء ذلك أي الثلاثي المجرّد الّذي ليس بمعنى افعلّ وافعالّ أي في الثلاثي المزيد أو في غير الثلاثي أو في الثلاثي المجرّد اللونيّ والعيبيّ يتوصّل «بأشدّ» ونحوه ، أي يجعل ذلك وسيلة إليه بأن يبني التعجب منه ويجعل ذلك المزيد أو اللون أو غيرهما مفعولاً له فإنّه يفيد حينئذٍ ما كان يفيده التعجب المبنيّ من نفس ذلك المزيد أو اللونيّ أو غيرهما فيقال في غير الثلاثي : ما أشَدَّ دَحْرَجَتَه ، وفي اللونيّ : ما أبْلَغَ سَوادَهُ ، وفي العيبيّ : ما أقبح عِوَرَهُ ، وفي المزيد : ما أكثر استخراجه ، وإن شئت قلت : أشدد بدحرجته ، وأبلغ بسواده ، وأقبح بعوره ، وأكثر باستخراجه ، والمعنى على ما كان في ما أحْسَنَ زيداً ونحو : أشدّ ، أبلغ وأقبح وأتمّ وأكثر وأكمل.

قال : و «ما» في ما أفعل زيداً مبتدأ وأفعل خبره.

أقول : هذا مذهب سيبويه وعند الأخفش «ما» مبتدأ بمعنى الّذي وأفعل

٥٤١

صلة والخبر محذوف والتقدير الّذي أحْسَنَ زيداً شيء ، وأمّا أحْسِنْ بزيد فعند سيبويه أصله أحسن زيد أي صار ذا حُسْنٍ ، فأحْسَنَ فعل ماض ، وزيد فاعله نقل عن صيغة الإخبار إلى الإنشاء وزيدت الباء في فاعله كما في «كَفَىٰ بِاللَّـهِ» (١) وعند الأخفش أمر وفاعله مستتر والمأمور كلّ واحد بأن يجعل زيد أحْسَنَ والباء زائدة في المفعول كما في قوله تعالى : «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» (٢).

باب الحرف

قال : باب الحرف وهو ما دلّ على معنى في غيره وأصنافه :

حروف الإضافة ، الحروف المشبّهة بالفعل ، حروف العطف ، حروف النفي ، حروف التنبيه ، حروف النداء ، حروف التصديق ، حروف الاستثناء ، حرفا الخطاب ، حروف الصلة ، حرفا التفسير ، الحرفان المصدريّان ، حروف التحضيض ، حرف التقريب ، حروف الاستقبال ، حرفا الاستفهام ، حرفا الشرط ، حرف التعليل ، حرف الردع ، اللامات ، تاء التأنيث الساكنة ، النون المؤكّدة ، هاء السكت.

أقول : لمّا فرغ من القسم الثاني من أقسام الكلمة ـ وهو الفعل ـ شرع في القسم الثالث أعني الحرف ، وهو ما دلّ على معنى في غيره أي كلمة تدلّ على معناها بواسطة الغير كما سيجيء بعد هذا ، ولمّا كان هذا القسم أيضاً ذا أصناف أراد أن يبيّن أصنافه كما بيّن أصناف أخويه فعدّها مجملة ثمّ ابتدأ في بحث كلّ واحد منها مفصّلة بالترتيب ، وأصناف الحروف

____________________________

(١) الرّعد : ٤٣.

(٢) البقرة : ١٩٥.

٥٤٢

المذكورة في هذا الكتاب ثلاثة وعشرون وستعرف كلّ واحد في موضعه.

قال : حروف الإضافة وهي : الحروف الجارّة ، فمِنْ للابتداء ، وإلىٰ وحتّى للانتهاء ، وفي للوعاء ، والباء للإلصاق ، واللام للاختصاص ، وربّ للتقليل ويختصّ بالنكرات ، وواو القسم وباؤه وتاؤه وعلى للاستعلاء ، وعن للمجاوزة ، والكاف للتشبيه ، ومذ ومنذ للابتداء في الزمان ، وحاشا وعدا وخلا للاستثناء.

أقول : سمّيت هذه الحروف حروف الإضافة والجارّة لأنّها تضيف أي تنسب معنى الفعل أو شبهه وتجرّه إلى مدخولها نحو : مررت بزيدٍ ، فإنّ الباء تنسب معنى المرور وتجرّه إلى مدخولها وهي سبعة عشر حرفاً :

الأوّل : مِنْ وهي في الأصل لابتداء الغاية أي تفيد معنى الابتداء ويعرف باستقامة تقدير «إلى» فيما بعدها نحو : سِرْتُ مِنَ البصرةِ ، يعني ابتداء سيري من البصرة.

وقد تستعمل للتبيين أي يجوز أن يجعل مكانها الّذي هو كقوله تعالى : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ» (١) يعني الّذي هو الوثن.

وقد تكون للتبعيض أي يجوز أن يجعل مكانها بعض نحو : أخذت من الدراهم ، يعني بعض الدراهم.

وقد تكون زائدة أي يجوز حذفها نحو : ما جاءني من أحد يعني أحد.

والثاني ، والثالث : إلى وحتّى وهما للانتهاء أي تفيدان معناه والفرق بينهما أنّ ما بعد إلى لا يجب أن يدخل في حكم ما قبلها بخلاف حتّى فإنّه يجب ذلك فيها فإذا قلت : أكلت السمَكةَ إلى رأسها ، يكون المعنى

____________________________

(١) الحجّ : ٣٠.

٥٤٣

انتهاء أكلى عند الرأس ، ولا يجب أن يكون الرأس مأكولاً أيضاً بخلاف ما إذا قلت : أكَلْتُ السَّمَكَةَ حتّىٰ رأسها ، فالمعنى يكون انتهاء أكلي بالرأس فيجب أن يكون الرأس مأكولاً أيضاً.

والرابع : في وهي للوعاءِ أي للظرفيّة نحو اَلمالُ فِي الكيس.

والخامس : الباء وهي للإلصاق في الأصل نحو : مررت بزيد أي التصق مروري بمكان قريب من مكانِ زيد. وباء القَسم في نحو أقْسَمْتُ باللهِ من هذا القبيل إذ المعنى التصق قَسَمي بلفظ الله.

وقد تستعمل للاستعانة نحو : كَتَبْتُ بالقَلَمِ أي باستعانة القلم.

وللمصاحبة أي بمعنى مع نحو : اشَتَريْتُ الْفَرَسَ بسرجه ولجامِهِ أي معهما.

وللتعدية نحو : ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ أي أذْهَبْتُهُ.

وللظرفيّة نحو : جَلَسْتُ بالمسجد أي في المسجد.

وقد تكون زائدة نحو : «كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا» (١) أي كفى الله.

والسادس : اللام وهي للاختصاص نحو : الجلّ للفَرَس أي مختّص به.

وقد تكون للتعليل أي بمعنى « كي » نحو : جئتك لتكرمني يعني كي تكرمني.

وقد تكون زائدة كما في قوله تعالى : «رَدِفَ لَكُم» (٢) أي ردفكم.

والسابع : رُبّ وهي للتقليل أي تدلّ على تقليل نوع من جنس نحو : رُبَّ رجلٍ كريم لقيته ، المعنى أنّ الرجال الكرام الّذين لقيتهم وإن كانوا كثيرين لكنّهم بالقياس إلى الّذين ما لقيتهم قليلُون.

ويختصّ رُبَّ بالنكرات أي لا تدخل على المعارف لأنّ ما هو الغرض

____________________________

(١) الرّعد : ٤٣.

(٢) النمل : ٧٢.

٥٤٤

منها أعني الدلالة على تقليل نوع من جنس يحصل بدون التعريف فلو عرّف مدخولها لكان التعريف ضائعاً ، ويجب أن تكون النكرة الّتي دخلت عليها ربّ موصوفة كما ذكرناه ليجعل الوصف ذلك الجنس النكرة نوعاً فيحصل الغرض ، وقد تلحق «ما» بربّ فتمنعها عن العمل وتسمّى ما الكافّة وحينئذٍ يجوز أن يدخل على الأفعال نحو : ربّما قام زيد.

والثامن ، والتاسع : واو القسم وتاؤه نحو : وَاللهِ وتَاللهِ لَأفْعَلَنَّ كذا.

واعلم أنّ الأصل في القَسَم الباء والواو تبدل منها عند حذف الفعل فقولنا : واللهِ في معنى أقسمت بالله والتاء تبدل من الواو في تالله خاصّة فالباء لأصالتها تدخل على المظهر والمضمر نحو : بالله وبك لأفعلنّ ، والواو لا تدخل إلّا على المظهر لنقصانها عن الباء فلا يقال : وَكَ لأفعلنّ كذا ، والتاء لا تدخل على المظهر إلّا على لفظ الله لنقصانها عن الواو.

والعاشر : على وهي للاستعلاء نحو : زيد على السطح أي مُستَعْلٍ عليه.

والحادي عشر : عن وهي للمجاوزة نحو : رميت السَّهمَ عن القوسِ أي جعلته مجاوزاً عنه.

والثاني عشر : الكاف وهي للتشبيه نحو : الّذي كزيد أخوك أي الّذي شبّه بزيدٍ أخوك.

وقد تكون زائدة كقوله تعالى : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» (١) أي ليس شيء مثله.

والثالث عشر ، والرابع عشر : مُذْ ومُنْذ وهما للابتداء في الزمان ، وقد عرفت معنى الابتداء نحو : ما رأيتُهُ مُذْ يومِ الجمعةِ أي ابتداء زمان انتفاء رؤيتي يوم الجمعة.

____________________________

(١) الشّورى : ١١.

٥٤٥

والخامس عشر ، والسادس عشر ، والسابع عشر : حاشا وعدا وخلا ، وهي للاستثناء أي بمعنى إلّا نحو : جاءني القوم حاشا زيدٍ أي إلّا زيداً. وقد مرّ ذلك في المستثنى.

واعلم أنّ حروف الجرّ قد تحذف وينصب مدخولها ويقال إنّه منصوب على نزع الخافض أو على المفعوليّة كقوله تعالى : «وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ» (١) أي من قومه.

قال : الحروف المشبّهة بالفعل إنَّ وأنَّ للتحقيق ، ولكنّ للاستدراك ، وكَأنَّ للتشبيه ولَيْتَ للتمنّي ولَعَلَّ للترجّي.

أقول : لمّا فرغ من الصنف الأوّل من أصناف الحروف شرع في الصنف الثاني أعني الحروف المشبّهة بالفعل ، ووجه شبهها بالفعل : لفظيّ ومعنويّ.

أمّا اللفظيّ فلكونها ثلاثيّة ورباعيّة مفتوح الآخر كالماضي.

وأمّا المعنويّ فلكون كلّ واحد منها بمعنى الفعل فإنّ معنى إنَّ وأنَّ حَقّقْتُ ، ومعنى لكنّ استدركتُ ، ومعنى كَأنَّ شبّهتُ ، ومعنى لَيْتَ تمنّيتُ ، ومعنى لَعَلّ تَرَجَّيْتُ ، وقد تقدّم كيفيّة عمل هذه الحروف والغرض هاهنا بيان أحوالها كما سيجيء بُعَيْد هذا.

قال : وإنّ المكسورة مع ما بعدها جملة ، وأنّ المفتوحة مع ما بعدها مفردة فاكسر في مظانّ الجمل وافتح في مظانّ المفرد نحو : إنَّ زيداً مُنْطَلِقٌ ، وعَلِمْتُ أنّك خارِجٌ.

____________________________

(١) الأعراف : ١٥٥.

٥٤٦

أقول : إنّ المكسورة وأنّ المفتوحة كلاهما تدخلان على الجملة الاسميّة أعني المبتدأ والخبر ، والفرق بينهما أنّ مدخول المكسورة باق كما كان جملة قبل دخولها ، ومدخول المفتوحة يصير بدخولها في تأويل المفرد ، فاكسر الهمزة في مظانّ الجمل يعني في كلّ موضع يكون مظنّة للجمل أي يظنّ أن يقع فيه الجملة نحو : إنّ زيداً منطلقٌ ، فإنّه كلامٌ ابتدائيّ فيكون زيدٌ منطلقٌ في موضع الجملة ، وافتحها في مظانّ المفرد نحو : علمت أنّك خارج ، فإنّ أنك خارج في تأويل المفرد لأنّه مفعول علمت وموضع المفعول موضع المفرد وهنا بحث ذكره يورث التطويل.

واعلم أنّ المظانّ جمع المظنّة ومظنّة الشيء الموضع الّذي يظنّ كونه فيه.

قال : وإذا عطفت على اسم إنّ المكسورة بعد ذكر الخبر جاز في المعطوف الرفع والنصب نحو : إنّ زيداً منطلقٌ وبشراً أو بشرٌ على اللفظ أو المحلّ وكذلك لكن إذا عطفت دون غيرهما.

أقول : وإنّما جاز الحمل على المحلّ لأنّ إنّ المكسورة لا يغيّر معنى الجملة عمّا كان عليه كما عرفت فالاسم فيها مرفوع المحلّ على الابتدائيّة كما كان قبل دخولها بخلاف المفتوحة فإنّها تغيّر معنى الجملة ولذلك قيّد العطف بالمكسورة ، وإنّما اشترط بعد ذكر الخبر لأنّه لا يجوز أن يقال : إنّ زيداً وبشرٌ منطلقان ، لأنّه يلزم منه توارد العاملين أعني إنّ والتجرّد على معمول واحد وهو منطلقان ، لأنّه من حيث كونه خبراً لإنّ يكون العامل فيه إنّ ومن حيث كونه خبراً لبشر يكون العامل فيه التجرّد ولكنّ مثل إنّ في العطف دون غيرها لأنّها لا تغيّر معنى الجملة كأنّ بخلاف سائر أخواتها.

قال : ويبطل عملها الكفّ والتخفيف ويُهيّئها للدخول على القبيلتين نحو :

٥٤٧

إنّما زيد منطلق ، وإنّما ذَهَبَ عمرو ، وإنْ زيدٌ لكريمٌ ، وإنْ كان زيدٌ لكريماً ، وبلغني أنّما زيد مُنْطَلِقٌ ، وإنّما ذَهَبَ عَمْرو ، وبلغني أنّ زيداً أخوك ، وبلغني أن قد ضَرَبَ زيد ، ولكن أخوك قائم ، ولكن خَرَجَ بكر ، وكَأنْ ثَدْياهُ حُقّانِ ، وكَأن قد كانَ كذا.

أقول : يبطل عمل الحروف المشبّهة الكفّ أي اتصال ما الكافّة بها ، وذلك عامّ في الجميع وكذلك يبطل عملها التخفيف وذلك فيما يخفّف منها أعني الأربعة الّتي في أواخرها النون ويهيّئ الكفّ والتخفيف هذه الحروف للدخول على القبيلتين أي الأسماء والأفعال لأنّ اختصاصها بالأسماء إنّما كان لأجل العَمَل فإنّ العامل يجب أن يكون مختصّاً بقبيلة ما يعمل فيه والأمثلة ظاهرة وقوله كَأنْ ثَدْياهُ حُقّانِ ، أوّله :

وَنَحْرٍ مُشْرِقِ اللَّوْنِ

كَأن ثَدْياهُ حُقّانِ (١)

قال : والفعل الّذي يدخل عليه إن المخفّفة يجب أن يكون ممّا يدخل على المبتدأ والخبر نحو : إن كان زيدٌ لكريماً ، وإن ظننته لقائماً ، واللام لازمة لخبرها.

أقول : إنّما وجب أن يكون ذلك الفعل من دواخل المبتدأ والخبر كالأفعال الناقصة وأفعال القلوب لأنّ أصل هذه الحروف أن تدخل على المبتدأ والخبر فلمّا عرض لها «ما» أزال اختصاصها بالأسماء وهيّئها للدخول على الأفعال وجب أن يكون ذلك الفعل من دواخل المبتدأ والخبر ليوفي عليها مقتضاها ولئلّا يلزم العدول عن الأصل من كل وجه وإنّما لزمت الّلام في

____________________________

(١) يعنى زير گلويى كه داراى رنگى درخشنده است كه گويا دو پستان آن مانند دو حقّه است در گردى وكوچكى ، شاهد در عمل نكردن كانّ است كه مخفّف شده است ، جامع الشواهد.

٥٤٨

خبرها للفرق بينها وبين إنْ النافية.

قال : ولا بدّ لأنْ المخفّفة من أحد الحروف الأربعة وهي : قد ، وسوف ، والسين ، وحرف النفي نحو : عَلِمْتُ أنْ قد خَرَجَ زيد ، وأنْ سَوفَ يخرج ، وأنْ سَيَخْرُج ، وأنْ لَمْ يَخْرُجْ زيد.

أقول : إنّما لا بدّ للمخفّفة من أحد الحروف الأربعة إذا كانت داخلة على الأفعال وذلك للفرق بينها وبين أنْ الناصبة ولم يعكس لأنّ الزيادة بالمحذوف أولى.

قال : حروف العطف الواو للجمع بلا ترتيب ، والفاء ، وثمّ له مع الترتيب ، وفي ثمّ تراخ دون الفاء ، وحتّى بمعنى الغاية.

أقول : هذه الحروف ثالثة أصناف الحرف وهي عشرة أحرف :

أوّلها : الواو وهي للجمع بلا ترتيب أي يدلّ على ثبوت الحكم للمعطوف والمعطوف عليه مطلقاً لا مع الإشعار بالترتيب أو عدمه نحو : جاءني زيد وعمرو أي اجتمعا في المجيء مطلقاً.

وثانيها ، وثالثها : الفاء وثمّ ، وهما للجمع أيضاً لكنّهما مع الترتيب نحو : جاءني زيد فعمروٌ أو ثمّ عمروٌ أي اجتمعا في المجيء ولكن كان مجيء عمرو بعد مجيء زيد ، والفرق بينهما أنّ في ثمّ تراخيا دون الفاء.

ورابعها : حتّى وهي أيضاً للجمع مع معنى الغاية أي يجب أن يكون معطوفها جزء من المعطوف عليه نحو : أكلت السمكة حتّى رأسها وذلك ليفيد قوّة نحو : مات الناس حتّى الأنبياء ، فإنّ الأنبياء أقوى من غيرهم ، أو ضعفاً نحو : قدم الحاجّ حتّى المشاة فإنّ المشاة أضعف من غيرهم فلا يجوز أن يقال : جاءني زيد حتّى عمرو ، أو جاءني القوم حتّى

٥٤٩

البغال لانتفاء الجزئيّة.

قال : وأوْ وإمّا لأحد الشيئين أو الأشياء وهما تقعان في الخبر والأمر والاستفهام.

أقول : خامس حروف العطف وسادسها : أو وإمّا وهما للدلالة على ثبوت الحكم لواحد من الشيئين إذا كان المعطوف متّحداً نحو : جاءني زيدٌ أو عمروٌ وجاءني إمّا زيد وإمّا عمرو أي جاءَ أحدهما أو لواحدٍ من الأشياء إذا كان متكثّراً نحو : جاءني زيدٌ أو عمروٌ أو بكرٌ أو خالدٌ ، وجاءني إمّا زيدٌ وإمّا عمروٌ وإمّا بكرٌ أي جاء أحدهم.

ويقع أو وإمّا في الخبر كما مرّ وفي الأمر نحو : جالس الحَسَن أو ابن سيرينَ ، وخُذْ إمّا درهماً وإمّا ديناراً ، وفي الاستفهام نحو : ألَقيْتَ عبد اللهِ أو أخاه ؟ وأضَرَبْتَ إمّا عبد الله وإمّا أخاهُ ؟

قال : وأم نحوهما غير أنّها لا تقع إلّا في الاستفهام متّصلة وتقع فيه وفي الخبر منقطعة نحو : أزَيْدٌ عندك أمْ عَمرو ؟ وإنّها لإبل أمْ شاة.

أقول : سابع حروف العطف : أمْ وهِيَ مثل أو وإمّا في الدلالة على ثبوت الحكم لأحد الشيئين أو الأشياء لكنّها لا تقع إلّا في الاستفهام حال كونها متّصلة وتقع فيه وفي الخبر حال كونها منقطعة يعني أنّ أمْ على ضَرْبين : متّصلة ، ومنقطعة.

والمتّصلة : هي الّتي تقع بعد استفهام يليه مثل ما يلي أم من المفرد نحو : أزَيْد عِنْدك أم عمرو ؟ أو الجملة نحو : أضَرَبْتَ زيداً أمْ ضَرَبْتَ عَمْراً ؟

والمُنقطعة : هي الّتي تقع إمّا بعد غير الاستفهام نحو : إنّها لإبل أم

٥٥٠

شاة ، أو بعد استفهام لا يليه مثل ما يلي أمْ نحو : أرَأيتَ زيداً أمْ عَمْراً ؟ وهي في معنى بل والهمزة ، فإنّ قولنا : أم شاة وأم عمرو ومعناه بل أهي شاة ؟ وبل أرأيت عمراً. والهاء في إنّها للجثّة كَأنّ القائل رأى جثّة وظنّها إبلاً فأخبر على ما ظنّه ثمّ تيقّنَ أنّها ليست بإبل وتردّد في أنّها شاة أمْ لا فاسْتانف سُؤالاً فقال أم شاة أي بل أهِيَ شاة. والفرق بين أمْ وأو أنّ السؤال بأو إنّما يكون إذا لم يتحقّق ثبوت الحكم لواحد من المعطوف والمعطوف عليه نحو : أزيد عندك أو عمرو ؟ فإنّه إنّما يصحّ إذا لم يعلم كون ثبوت أحدهما عند المخاطب معلوماً وأمّا أم فإنّ السؤال بها إنّما يكون إذا كان ثبوت الحكم معلوماً لأحدهما عند المخاطب ويكون الغرض عن السؤال التعيين نحو : أزَيْد عندَك أم عمرو ؟ فإنّه إنّما يصحّ إذا كان كون أحدهما عند المخاطب معلوماً لا بعينه ، ويكون الغرض من السؤال التعيين ، ولذلك يكون جواب أو «بلا أو بنعم» لحصول الغرض بذلك ، ولا يكون جواب أمْ إلّا بالتعيين ، والفرق بينهما وبين إمّا أنّ إمّا يجب أن يتقدّمها إمّا اُخرى نحو : جاءني إمّا زيد وإمّا عمرو بخلافهما.

قال : ولا لنفي ما وَجَبَ للأوّل عن الثاني نحو : جاءني زيدٌ لا عمروٌ. وبَلْ للإضراب عن الأوّل منفيّا كان أو مُوجباً نحو : جاءني زيد بل عمرو ، وما جاءني بكر بل خالد. ولكن للاستدراك وهي في عطف الجمل نظيرة بل ، وفي عطف المفردات نقيضة لا.

أقول : ثامن حروف العطف وتاسعها وعاشرها : لا ، وبَلْ ، ولكِنْ ، وهذه الثلاثة مشتركة في الدلالة على ثبوت الحكم لواحد من المعطوف والمعطوف عليه على التعيين ، ويفترق كلّ واحد من الآخرين بخاصّة.

فلا تدلّ على نفي ما وجب للأوّل عن الثاني نحو : جاءني زيد

٥٥١

لا عمرو ، فقد نفيت المجيء الثابت لزيد عن عمرو.

وبلْ للإضراب أي لِلْإعراض عن الكلام الأوّل منفيّاً كان ذلك الكلام أو موجباً أمّا الموجب نحو : جاءني زيد بل عمرو ، والمعني بل جاءني عمرو وما جاءني زيد فأعرضت عن الكلام الأوّل لكونه غلطاً. وأمّا المنفي نحو : ما جاءني بكر بل خالد وهذا يحتمل الوجهين :

الأوّل : أن يكون المعنى بل ما جاءني خالد وجاءني بكر ، وحينئذٍ يكون الإضراب عن الفعل مع حرف النفي.

والثاني : أن يكون معنى بل جاءني خالد وما جاءني بكر ، وحينئذٍ يكون الإضراب عن الفعل دون الحرف النفي فقول المصنّف : وبل للإضراب يكون صحيحاً.

ولكِنْ للاستدراك ، والاستدراك دفع توهّم نشأ من كلام تقدّم على لكن وهي في عطف الجمل نظيرة بل في الاستدراك فقط فإنّ بَلْ مع أنّها تفيد الإضراب تفيد الاستدراك أيضاً نحو : ما جاءني زيد لكن عمرو جاء ، وجاءني زيد لكن عمرو لم يجيء ، وفي عطف المفردات نقيضة لا ، يعني لا يعطف بها مفرد على مفرد إلّا إذا كان قبلها نفي فحينئذٍ تكون نقيضة لا نحو : ما جاءني زيد لكن بكر أي لكن بكر جاءني فقد أثبتّ للثاني ما نفيتَ عن الأوّل على عكس لا وإنّما لا يعطف بها المفرد على المفرد إلّا فيما كان قبلها نفي ليعلم المغايرة بين ما قبلها وما بعدها فإنّها يجب أن تقع بين الكلامين المتغايرين.

قال : حروف النفي : ما لنفي الحال والماضي القريب منها نحو : ما يفعل الآنَ ، وما فعل ، وإنْ نظيرتها في نفي الحال.

أقول : من أصناف الحروف حروف النفي وهي ستّة ما لنفي الحال في

٥٥٢

المضارع نحو : ما يفعل الآن أو الجملة الاسميّة نحو : ما زيد منطلقاً ، أو لنفي الماضي القريب من الحال نحو : ما فعل زيدٌ. وإنْ ( بكسر الهمزة وسكون النون ) نظيرة ما في نفي الحال فقط وتدخل في الماضي والمضارع والجملة الاسميّة نحو : إنْ قام زيدٌ ، وإن يقوم زيدٌ ، وإنْ زيدٌ منطلقٌ.

قال : ولا لنفي المستقبل والماضي بشرط التكرير ونفي الأمر والدعاء نحو : لا يَفعل زيد ، وقوله تعالى : «فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ» (١) وقد لا يتكرّر نحو : لا فَعَلَ ، ولا تَفْعَل ، ويسمّى النهي ، ولا رعاك الله ويسمّى الدعاء.

أقول : قوله : ويسمّى النهي ، معناه أنّ المثال المذكور أعني لا تفعل يسمّى نهياً إذ نفي الأمر نهي ، وقوله : لا فَعَلَ ، مثال لنفي الماضي بلا تكرير ، وقد جاء في الشعر أيضاً نحو : أيُّ أمر سَيّئٍ لا فَعَلَه ، والباقي ظاهر.

قال : ولا لنفي العامّ نحو : لا رَجُلَ في الدار ولا امرأة ولغير العامّ نحو : لا رجلَ فيها ولا امرأة ، ولا زيد فيها ولا عمرو.

أقول : وقد يجيء لا لنفي العامّ أي لتدلّ على نفي جنس مدخولها وهي التي تسمّى لا لنفي الجنس ولا تدخل إلّا على النكرة ، وقد يجيء لا لنفي غير العامّ أي لتدلّ على نفي فرد من أفراد جنس مدخولها ، وقد تدخل على المعرفة والنكرة والأمثلة ظاهرة.

قال : ولَمْ ولمّا لنفي المضارع ، وقلب معناه إلى معنى الماضي ، وفي لمّا توقّع وانتظار.

____________________________

(١) القيامة : ٣١.

٥٥٣

أقول : إذا قلت لَمْ يَضْرِبْ زَيْدٌ ، ولمّا يَضْرِبْ زَيْد كان معناهما : ما ضَرَبَ زيدٌ ، والفرق بينهما أنّ في لَمّا توقّعا وانتظاراً أي أنّها إنّما تنفي فعلاً يتوقّع وقوعه وينتظر بخلاف لم.

قال : ولَنْ نظيرة لا في نفي المستقبل ولكن على التأكيد.

أقول : إذا أردت نفي المستقبل مطلقاً قلت لا أضرب مثلاً ، وإذا أردت نفيه مع التأكيد قلت : لَنْ أضْرِبَ مثلاً ، وفي بعض النسخ التأبيد بدل قوله والتأكيد.

واعلم أنّ مذهب الخليل أنّ أصل لَنْ لا أنْ فَخُفّفت بحذف الهمزة والألف ، ومذهب الفرّاء أنّ نونها مبدلة من الألف وأصلها عنده لا فأبدلت الألف نوناً فصار لَنْ ، ومذهب سيبويه وهو الأصحّ أنّها حرف برأسها.

قال : حروف التنبيه : ها نحو : ها إنّ عمراً بالباب. وأكثر دخولها على أسماء الإشارة والضمائر نحو : هذا ، هاتا ، وها أنا ، وها أنت ، وأما وألا مخفّفين نحو : أما أنّك خارج ، وألا أنّ زيداً قائم.

أقول : سمّى هذه الحروف حروف التنبيه لأنّ الغرض من الإتيان بها أوّل الكلام تنبيه المخاطب على الإصغاء إلى ما قاله المتكلّم لئلّا يفوت غرضه ، وإنّما كثر دخولها على أسماء الإشارة والضمائر لضعف دلالتها على مدلولها.

قال : حروف النداء : يا ، وأيا ، وَهَيا للبعيد ، وأيْ والهمزة للقريب ، ووا للمندوب.

أقول : المراد بالبعيد هو البعيد حقيقة أو المنزّل بمنزلته كالنائم والساهي.

٥٥٤

وإنّما اختصّت الثلاث بالبعيد لأنّ المنادى البعيد والمنزّل بمنزلته يحتاج إلى تصويت أبلغ ممّا يحتاج إليه القريب والتصويت في هذه الثلاث أبلغ منه في الأخيرتين. وخصّت أي والهمزة للقريب كمن بين يديك لأنّ رفع الصوت في ندائه لا يكون مطلوباً وهما خاليتان عن رفع الصوت. وبعض يثلّث القسمة فيقول : يا أعمّ الحروف ويستعمل للبعيد والمتوسّط والقريب ، وأيا وهَيا للبعيد ، وأيْ والهمزة للقريب ، ووا للمندوب خاصّة وقد تقدّم معنى المندوب ، وإنّما ذكر المصنّف وافي حروف النداء لاشتراكهما في افادة التخصيص ، ولهذا ذكر المندوب في باب المنادى.

قال : حروف التصديق : نعم لتصديق الكلام المثبت والمنفي في الخبر والاستفهام كقولك لمن قال : قام زيدٌ أو لم يقم زيدٌ ، نعم ، وكذلك إذا قال : أقامَ زَيْد ؟ أو أَلَم يَقُمْ ؟ نعم.

أقول : سمّيت هذه الحروف حروف التصديق لأنّ المتكلّم بها يصدّق المخبر فيما أخبره وتسمّى حروف الإيجاب أيضاً.

قال : وبَلىٰ تختّص بالمنفي خبراً أو استفهاماً.

أقول : مثاله أن يقال : ما قام زيدٌ ، أو لم يقم ، فيقال : بَلىٰ أي بَلى قامَ زيدٌ ، ومثال الاستفهام قوله تعالى : «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ» (١) أي بَلىٰ أنْتَ رَبُّنا. وهاهنا لو قيل : نعم لكان كفراً إذ كان معناه لست بربّنا.

قال : وأجل وجير تختصّان بالخبر نفياً أو إثباتاً.

____________________________

(١) الأعراف : ١٧٢.

٥٥٥

أقول : مثاله أن يقال : ما قام زيدٌ ، أو قام زيدٌ ، فيقال : أجل أو جير.

قال : وإي مختصّة بالقسم فيقال : اي والله.

أقول : معناه أنّ إي لا تستعمل إلّا مع القسم مثل أن يقال : أقام زيد ؟ فيقال : إي والله.

قال : حروف الاستثناء : إلّا ، وحاشا ، وخلا ، وعَدا.

أقول : قد تقدّم بيان ذلك فإن قلت : كيف جعل هذه الحروف مرّة من حروف الإضافة واُخرى صنفاً برأسها ؟ قلت : ذلك لتعدّد الاعتبارين فيها.

قال : حرفا الخطاب : الكاف ، والتاء في ذاك وأنت ، ويلحقهما التثنية والجمع والتذكير والتأنيث كما يلحق الضمائر.

أقول : قد عرفت ذلك في أسماء الإشارة والمضمرات.

قال : حروف الصلة : إنْ في ما إنْ رأيت زيداً ، وأنْ في لمّا أنْ جاء البشير ، وما في حيثما ، ومَهْما ، وأينما ، و «فَبِمَا رَحْمَةٍ» (١) ولا في «لِّئَلَّا يَعْلَمَ» (٢) و «لَا أُقْسِمُ» (٣) ، ومِنْ في ما جاءني من أحد ، والباء في ما زيد بقائم.

أقول : هذه الحروف حروف الزيادة ويعرف زيادتها بأنّ إسقاطها لا يخلّ بالمعنى الأصلي وتسمّى حروف الصلة لأنّه ربّما يتوصّل بها إلى استقامة الوزن أو القافية أو المقابلة في النظم والسجع وفائدتها تأكيد معنى المقصود

____________________________

(١) آل عمران : ١٥٩.

(٢) الحديد : ٢٩.

(٣) البلد : ١.

٥٥٦

من الكلام الداخلة هي عليه.

قال : حرفا التفسير : أي ، نحو : رَقِيَ أي صَعِدَ ، وأنْ في نحو : نادَيْتُه أنْ قُمْ. ولا يجيء أنْ إلّا بعد فعل في معنى القول.

أقول : سمّيتا حرفي التفسير لأنّهما وسيلتان إلى تفسير مبهم سبقهما كما فسّر بواسطة أي رَقِيَ بصعد وبواسطة أنْ ناديتَ بقم. والمراد من الفعل الّذي في المعنى القول مثل المناداة.

قال : الحرفان المصدريّتان : أنْ وما ، كقولك : أعجبني أنْ خَرَجَ زَيْدٌ ، واُريد أنْ تخرج ، أي خروجه وخروجك ، وما في قوله تعالى : «ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ» (١) أي برحبها.

أقول : سمّيتا مصدريّتين لأنّهما تجعلان ما بعدهما في تأويل المصدر كما في الكتاب. وإنّ أنّ المفتوحة المثقّلة من الحروف المصدريّة أيضاً لأنّها تجعل ما بعدها في تأويل المصدر كغيرها. وقد أهمل المصنّف ذكرها فكأنّها نظر إلى أنّها مختصّة بالجملة الاسميّة ، والمصدريّة في الفعل أظهر.

قال : حروف التحضيض لَولا ، ولَوما ، وهَلّا ، وألّا. تدخل على الماضي والمستقبل نحو : هَلّا فَعَلْتَ وألّا تَفْعَل.

أقول : هذه الحروف إذا دخلت على الماضي تكون للّوم على تركه فإذا قلت هَلّا أكْرَمْتَ زيداً ؟ فقد أردت اللوم والتوبيخ للمخاطب على ترك إكرام زيد. وإذا دخلت على المستقبل يكون للتحضيض أي الحثّ عليه ، فإذا

____________________________

(١) التوبة : ١١٨.

٥٥٧

قلت هلّا تقرأ القرآن ؟ يكون المراد حثّ المخاطب على القراءة ، وسبب التسمية بحروف التحضيض ظاهرٌ.

قال : ولولا ولو ما تكونان أيضاً لامتناع الشيء لوجود غيره فتختصّان بالاسم نحو : لولا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَر.

أقول : معناه لكن ما هلك عمر لأنّ عَليّاً ( عليه الصلاة والسلام ) كان موجوداً فلولا هنا لامتناع هلاك عمر لوجود عليّ ( عليه السلام ).

قيل : سبب هذا القول أنّ عمر أمَر برجم الحامل فقال له عليّ ( عليه السلام ) : إن كانت الاُمّ أذْنَبَتْ فما ذنب الجنين ؟ فقال عمر هذا ، وقيل : إنّ سائلاً دخل على النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأنشد بَيْتاً فقال النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) لعمر : اقطع لسانه فأذهبه عمر ليقطع لسانه فلقيه عليّ ( عليه السلام ) فقال له : ما تريد بهذا الرجل ؟ فقال : أقطع لسانه ، فقال عليّ ( عليه السلام ) : أحْسِنْ إليه فإنّ الإحسان يقطع اللسان ، فرجعا إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) فقالا له : أيّ شيء تعني بالقطع يا رسول الله ؟ فقال : الإحسان ، فقال عمر ذلك.

قال : حروف التقريب : قد لتقريب الماضي من الحال نحو : قد قامت الصلاة وتقليل المضارع نحو : إنّ الكذوب قد يصدق ، وفيها توقّع وانتظار.

أقول : معنى قد يصدق ، أنّ صدقه قليل ، وقوله : فيها توقّع وانتظار ، معناه أنّها إنّما تدخل في خبر من يخبر المنتظر بخبره ويتوقّعه ، فإنّ القائل قد قامت الصلاة إنّما يخبر به المنتظرين للصلاة والمتوقّعين إخباره بذلك.

قال : حروف الاستقبال : سوف ، والسين ، وأنْ ، ولَنْ.

٥٥٨

أقول : سمّيت حروف الاستقبال لأنّها تخصّ المضارع المشترك بين الحال والاستقبال ، بالاستقبال.

قال : حرفا الاستفهام : الهمزة وهَلْ ، والهمزة أعمّ تصرّفاً منه ، وتحذف عند الدلالة نحو : زَيْدٌ عندك أم عمرو ؟ وللاستفهام صدر الكلام.

أقول : الهمزة أعمّ من جهة التصرف من هل ، إذ كلّ موضع يقع فيه هل يقع فيه الهمزة من غير عكس ، فإنّ الهمزة تستعمل مَعَ أم المتّصلة نحو : أزيدٌ عندك أم عمرو؟ دون هل.

وتدخل على اسم منصوب بفعل مضمر نحو : أزيداً ضَرَبْتهُ ؟ دون هل.

وعلى المضارع إذا كانَ بمعنى اللوم والتوبيخ نحو : أتضرب زيداً وهو أخوك ؟ دون هل.

وعلى الواو العاطفة وفائها وثمّ ، كقوله تعالى : «أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا» (١) «أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا» (٢) «أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ آلْآنَ» (٣) دون هل والدليل في زيد عندَك أم عمروٌ على حذف الهمزة وجود أمْ ، فإنّ أم المتّصلة لا تستعمل إلّا مَعَ الهمزة وإنّما يكون للاستفهام صدر الكلام لأنّه يدلّ على نوع من أنواع الكلام وكلّ ما كان كذلك يكون له صدر الكلام.

قال : حرفا الشرط : إنْ للاستقبال وإن دخلت على الماضي. ولو للماضي وإن دخلت على المستقبل.

أقول : مثال إنْ نحو : إن ذَهَبَ زيدٌ ذَهَبْتُ مَعَهُ ، فإنّ المعنى إن يَذْهَب هو

____________________________

(١) البقرة : ١٠٠.

(٢) السجدة : ١٨.

(٣) يونس : ٥١.

٥٥٩

أذْهَبُ أنَا مَعَهُ. ومثال لو نحو : لَو خَرَجَ زَيْدٌ أخْرُج مَعَهُ ، فإنّ المعنى لو خَرَجَ هو خَرَجْتُ أنَا مَعَهُ.

قال : ويجيء فعلا الشرط والجزاء مضارعين أو ماضيين أو أحدهما ماضياً والآخر مضارعاً فإن كان الأوّل ماضياً والآخر مضارعاً جاز رفعه وجزمه نحو : إن ضَرَبْتَني أضْرِبْكَ.

أقول : للشرط والجزاء أربعة أحوال لأنّهما إمّا أن يكونا مضارعين نحو : إنْ تَضْرِبْ أضْرِبْكَ فالجزم واجب فيهما.

وإمّا أن يكونا ماضيين نحو : إنْ ضَرَبْتَ ضَرَبْتُ ولا جزم فيهما.

وإمّا أن يكون الجزاء ماضياً والشرط مضارعاً نحو : إنْ تضربْ ضَرَبْتُ وحينئذٍ يجب الجزم في الشرط ويمتنع في الجزاء.

وإمّا أن يكونا بالعكس نحو : إنْ ضَرَبْتَني أضْرِبْكَ ويمتنع حينئذٍ الجزم في الشرط ويجوز في الجزاء الجزم على القياس والرفع لأنّ حرف الشرط لمّا لم يعمل في الشرط مع قربه منه ففي الجزاء مَعَ البعد بالطريق الأولى.

قال : وتدخل الفاء في الجزاء إذا لم يكن مستقبلاً أو ماضياً في معناه نحو : إنْ جئْتَني فَأنْتَ مُكْرَمٌ ، وإنْ تُكْرِمْني اليَوْمَ فَقَدْ أكْرَمْتُكَ أمْسِ.

أقول : قوله : وتدخل الفاء في الجزاء معناه أنّه يجب أن تدخل الفاء في الجزاء بشرطين ، وذلك مثل الجملة الاسميّة والماضي الصريح ، وكذا حكم الأمر والنهي نحو : إنْ أتاكَ زَيْدٌ فَأكْرِمْهُ ، وإنْ ضَرَبَكَ عَمرو فلا تكرمه ، وإنّما يجب دخول الفاء في هذه المواضع لامتناع تأثير حرف الشرط في الجزاء إذا كان واحداً من هذه الأربعة فيجب دخول الفاء ليربطه بالشرط وإنّما قال : إذا لم يكن مستقبلاً أو ماضياً في معناه ، لأنّه

٥٦٠