جامع المقدّمات

جمع من العلماء

جامع المقدّمات

المؤلف:

جمع من العلماء


المحقق: الشيخ جليل الجراثيمي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-470-030-9
الصفحات: ٦٣٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

زَيدٌ قائمٌ ، أي : كان الشأن زيد قائم.

وصارَ : للانتقال من حال إلى حال ، إمّا باعتبار العوارض ، نحو : صارَ الْبِشْرُ أميراً ، وإمّا باعتبار الحقائق ، نحو : صارَ الماءُ هَواءً ، وقد تكون تامّة إذا كانت بمعنى ذَهَبَ نحو : صارَ زيدٌ إلى عَمروٍ ، أي : ذَهَبَ إليه.

وأصْبَحَ ، نحو : أصْبَحَ زَيْدٌ غَنِيّاً ، وقد تكون تامّة ، نحو : أصْبَحَ زَيْدٌ ، أي : دخل في وقت الصباح ، وقد تكون بمعنى صار ، نحو : أصْبَحَ زَيْدٌ فَقيراً.

وأمْسىٰ ، نحو : أمْسىٰ زَيْدٌ عابداً.

وأضْحىٰ ، نحو : أضْحىٰ زيدٌ راكباً.

واعلم : انّ هذه الأفعال الثلاثة الأخيرة تجيء على ثلاثة معان :

أحدها : اقتران مضمون الجملة بأوقاتها الخاصّة الّتي هي الصباح والمساء والضّحى ، كما قرنت غنى زيد بالصباح ، وعبادة زيد بالمساء وركوبه بالضّحى. واثنتان بقيّتان ذكرتا في بيان أصْبَحَ.

وظَلَّ : لِلاستمرار في النهار ، نحو : ظَلَّ زَيْدٌ عابِداً.

وباتَ : للاستمرار في اللّيل ، نحو : باتَ زَيْدٌ مُصَلِّياً ، وقد تكونان بمعنى صار ، نحو : «ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا» (١) ، فإنّه لا يختصّ زماناً دون زمانٍ ، وبات زيدٌ فقيراً ، أي : صار.

وما زال ، نحو : ما زال زَيدٌ أميراً.

وما فَتئَ ، نحو : ما فَتئَ زَيْدٌ عالِماً.

وما بَرحَ ، نحو : ما برحَ زَيْدٌ عاقِلاً.

____________________________

(١) النحل : ٥٨ ، والزخرف : ١٧.

٣٢١

وما انْفَكَ ، نحو : ما انْفَكَ زَيْدٌ عالِماً.

واعلم : انّ هذه الأفعال الأربعة للدلالة على استمرار خبرها لاسمها مُذْ كان قَبِلَهُ ، أي في زمان يمكن قبول الخبر في المعتاد ، مثل : ما زال زَيدٌ أميراً ، أي : مذ كانَ قابلاً للإمارة ، لا في حال كونه طفلاً فيلزمها النفي ليدلّ على استمرار خبرها لفاعلها ، فيكون هذه الأفعال حينئذٍ بمنزلة كان ، لكون هذه الأفعال للنفي ودخول حرف النفي على النفي مستلزم للإثبات ، لأنّ حرف النفي إذا دخلت على النفي أفادت الإثبات ولهذا لم يجز أن يقال : ما زال زيدٌ إلّا قائماً ، كما لم يجز أن يقال : كان زيدٌ إلّا عالماً.

وما دام : لتوقيت أمر بمدة ثبوت خبرها لاسمها ، نحو : اجْلِسْ ما دام زيد جالساً ، ومن ثمّ احتاجَت إلى كلام فيما قبلها لأنّها ظرف والظرف يحتاج إلى كلام لأنّه فضلة والفضلة لا تجيء إلّا بعد المسند والمسند إليه.

وليس : لنفي مضمون الجملة حالاً عند أكثرهم لاستعمال العرب كذلك ، نحو : لَيْسَ زَيْدٌ قائماً ، الآن ، ولا تقول : غداً ، وقيل مطلقاً أي : حالاً كان ، أو غيره كما قال الله تعالى : «أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ» (١) ، أي : الْعَذاب فهذه لنفي المستقبل لكون العذاب غير مصروف عنهم يوم القيامة.

واعلم : أنّه يجوز تقديم أخبارها كلّها على اسمها نحو : كانَ قائماً زَيْدٌ ، لكونها أفعالاً ، وجواز تقديم المنصوب على المرفوع لقوّتها ، وفي تقديم الأخبار على الأفعال ثلاثة أقسام : قسم يجوز وهو من كان إلى

____________________________

(١) هود : ٨.

٣٢٢

بات ، نحو : قائماً كانَ زيد ، وقسم لا يجوز وهو ما أوّله ( ما ) فإنّه لا يتقدّم عليه معموله ولكن يتقدّم على اسمه فَحَسْبُ ، خلافاً لابن كيسان وأتباعه ، فإنّه يُجَوِّزُ تقديم أخبار هذا القسم على نفسه غير ما دام ، وقسم مختلف فيه وهو لَيْسَ.

النوع الحادي عشر : أفعال المقاربة ، وإنّما سمّيت هذه الأفعال ، أفعال المقاربة لأنّها وضعت لدنوّ الخبر إلى فاعلها رجاءً أو حصُولاً أو أخذاً فيه وهي أربعة أفعال :

الأوّل : عَسىٰ ، والثاني : كادَ ، والثالث : كَرَبَ ، والرابع : أوشك.

وعملها كعَمَلِ كان لأنّها من أخوات كان ، لكونها أيضاً لتقرير الفاعل على صفة بسبيل المقاربة رجاءً أو حصولاً أو أخذاً فيه ، إلّا أنّه أفردها بالذّكْر لاختصاص خبرها بالفعل المضارع ، وامتناع تقديم خبرها عليها ، وجواز تقديم خبر كان عليها.

أمّا عسى ، فهي غير متصرّفة وخبرها فعل المضارع مع أنْ ، نحو : عسى زَيْدٌ أن يَخْرُجَ ، وقد تحذف أن ، تشبيهاً بكاد ، نحو : عسىٰ زيد يَخْرجُ ، وقد تقع أن مَعَ الفعل المضارع فاعلاً لها ، ويقتصر عليه وحينئذٍ تكون تامّة ، نحو : عسىٰ أن يخرج زيد.

وكاد ، نحو : كاد زَيْدٌ يخرجُ ، وخبر كاد الفعل المضارع بغير أنْ ، وقد تدخل أنْ على خبر كادَ تشبيهاً بعسى ، نحو : كاد زيدٌ أن يخرجَ.

وأوْشَكَ ، نحو : أوشَك زَيْدٌ يَخْرُجُ ، ويستعمل استعمال عسىٰ وكادَ ، نحو : أوْشَكَ زيدٌ أنْ يَخْرُجَ ، وأوْشَك زيدٌ يَخْرُجُ.

وكَرَبَ يستعمل استعمال كاد ، نحو : كَرَبَ زيدٌ يَخْرُجُ.

ثمّ اعْلم : أنّ معنى عسى مقاربة الأمر على سبيل الرجاء والطمع ،

٣٢٣

تقول : عسى الله أن يَشفى الْمَريضَ ، تريد أنّ قُرُب شفائه مرجوّ من عند الله.

ومعنى كاد مقاربة الأمر على سبيل الحصول ، نحو : كادت الشَمْس تَغْرُب ، تريد أنّ قربها من الغروب قد حَصَل. وأمّا أوشك ، فمعناه معنى كادَ في إثبات قرب الحصول وليس معناه معنى عَسىٰ ، لأنّه ليس فيه معنى الرجاء والطمع وإنّما استعمل أوشك في اللفظ استعمال عسىٰ وكاد لمشاركته لهما في أصل باب المقاربة ، وكان القياس أن يستعمل استعمال كاد لموافقته بكاد في المعنى ، وهو إثبات قرب الحصول.

وأمّا كَرَبَ فمعناه دنوّ الخبر على معنى الأخذ والشروع في الخبر ، فكَرَبَ مخالف لعسى لانتفاء معنى الرجاء والطمع فيه ، ومخالف لكاد أيضاً لحصُول الشروع في خبر كَرَبَ بخلاف كاد فلم يستعمل كَرَبَ إلّا بالفعل المضارع ، مجرداً عن أنْ لأنّ أنْ للاستقبال ، وخبر كَرَبَ محقّق في الحال فتحقّق خبر كَرَبَ في الحال أكثر من تحقّق خبر كاد في الحال ، لأنّ الخبر في كاد يصحّ تقديره مستقبلاً على وجه يصحّ دخول أنْ لذلك ، وهاهنا لا وجه لتقديره مستقبلاً لكونه مشروعاً فيه ، فقد تحقّق فيه معنى الحال ، فلم يكن لدخول أنْ في خبرها وجه لأنّ أنْ للاستقبال.

وقيل أفعال المقاربة سبعة ، فاُلحق بها جَعَل ، وطَفِق ، وأَخَذَ ، وهي مثل كاد ، لقرب معناها من معنى كاد ، تقول : طَفِقَ زَيْدٌ يَفْعَلُ ، وجَعَلَ زَيْدٌ يقول وأخذ بكر ينصُرُ.

وإذا دخل النفي على كاد فهو كالأفعال على الأصحّ فكما أنّ الأفعال المثبتة إذا دخل عليها النفي كانت للنفّي ، فكذلك تكون كاد ، وقيل : تكون للاثبات ماضياً كان أو مستقبلاً ، وقيل : تكون في

٣٢٤

الماضى للإثبات وفي المضارع كالأفعال تمسّكاً بقوله تعالى : «فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ» (١) ، وقد ذبحوا فالذبح يدلّ على الفعل ، فيكون ، وما كادوا للأثبات ، ويقول ذي الرِمّة :

إذا غَيَّرَ الهَجْرُ المُحِبّينَ لَمْ يَكَدْ

رَسيسُ الْهَوىٰ مِنْ حُبِّ مَيَّة يَبْرَحُ (٢)

النوع الثاني عشر : أفعال المدْح والذمّ وهي ما وضع لإنشاء مدح أو ذمّ وهي أربعة أفعال ، فمنها نِعْمَ وبئسَ ، يدخلان على اسمين مرفوعين. أحدهما ، يسمّى الفاعل ، والثاني المخصوص بالمدح والذمّ ، نحو : نِعْمَ الرَجُلُ زَيدٌ ، وبئسَ الرَجُل بَكْرٌ وشرطهما أن يكون معرّفاً باللام كما مرّ أو مضافاً إلى المعرّف بها ، نحو نِعْمَ غلام الرجل زيدٌ ، أو مضمراً مميّزاً بنكرة منصوبة ، نحو : نِعْمَ رجلاً زيدٌ ، أو مميّزاً بما ، نحو : «فَنِعِمَّا هِيَ» (٣) ، فما هنا نكرة بمعنى شيء موضعها النصب على التمييز ، وهو مميّز لفاعل نِعْمَ ، أي فَنِعْمَ شيئاً هي ، وهي ضمير الصّدقات وهي المخصوصة بالمدح ، وبعد ذكر الفاعل على أيّ وجه يذكر المخصوص ، لأنّ ذكر الشيء مبهماً ثمّ مفسّراً أوقع في النفوس.

والمخصوص مبتدأ ، ما قبله خبره ، أو خبر مبتدأ محذوف ، فعلى الأوّل جملة واحدة ، وعلى الثاني جملتان ، وشرط المخصوص أن يكون مطابقاً للفاعل في الجنس ، والإفراد والتّثنية والجمع والتذكير والتأنيث ،

____________________________

(١) البقرة : ٧١.

(٢) هرگاه تغيير دهد دورى ، دوستى دوستان را چنين نيست كه رشته ثابت هوى و عشق ميّته با دورى زايل شود ، شاهد در دخول حرف نفى است بر مضارع كاد و مفيد نفى است ، جامع الشواهد.

(٣) البقرة : ٢٧١.

٣٢٥

تقول : نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ ، ونِعْمَ الرَّجُلانِ الزَيْدان ، ونِعْمَ الرِّجالُ الزيْدُونَ ، ونِعْمَتِ المرأة هِنْدٌ ، ونِعْمَتِ الْمَرْأتانِ الْهِندانِ ، ونِعْمَتِ النساء الْهِنْدات ، وقد يحذف المخصوص ، إذا عُلِم ، نحو : «نِّعْمَ الْعَبْدُ» (١) و «فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ» (٢).

وساءَ : يجرى مجرى بِئسَ ، نحو : ساءَ الرَّجُلُ زَيْدٌ ، وساءَ رَجُلاً بَكْرٌ. وقد يستعمل في الإخبار أيضاً ، نحو : ساءني هذا الأمر ، وهو نقيض سَرَّني وساءت الْمَرأة هِنْدٌ ، كما تقول : بئْسَتِ المرأة هِندٌ.

ومنها حَبَّذا : وهو مركّب من حَبّ وذا ، وفاعله ذا ، ويراد به المشار إليه في الذهن ، كما يراد بالرجل في نِعْمَ الرجلُ زيدٌ ، ولا يتغيّر لفظه سواء كان المخصوص مفرداً أو مثنّى أو مجموعاً أو مُذكّراً أو مؤنّثاً ، نحو : حَبَّذا زيدٌ والزّيدان والزيدون ، وحَبّذا هند والهندان والهندات ، وبعده المخصوص بالمدح وإعرابه كإعراب مخصوص نِعْمَ ، في جواز كون المخصوص مبتدأ وما قبله خبره ، أو خبر مبتدأ محذوف.

النوع الثالث عشر : أفعال القلوب ، وهي سبعة : ظَنَنْتُ ، وحَسبتُ ، وخِلْتُ ، وزَعَمْتُ ، وعَلِمْتُ ، ورَأَيْتُ ، وَوَجَدْتُ.

وإنّما سمّيت أفعال القلوب لأنّها لا تحتاج في صدورها إلى الجوارح والأعضاء الظاهرة ، بل يكفي فيها القوّة العقليّة.

وتدخل الجميع على المبتدأ والخبر فتنصبهما على المفعوليّة ، نحو : ظَنَتْتُ زَيْداً قائماً ، وحَسِبْتُ زَيْداً عالِماً ، وخِلْتُ زَيْداً كَريماً ، وزَعَمْتُ بَكْراً فاضِلاً ، وعَلِمْتُ عَمْراً بَخيلاً ، ورَأَيتُ عَمْراً فاسِقاً ، ووَجَدْتُ عَمْراً

____________________________

(١) ص : ٤٤.

(٢) الذاريات : ٤٨.

٣٢٦

لَئيماً ، والثلاثة الاُول للظنّ وتسمّى أفعال الشكّ والثلاثة الأخيرة للعلم ، وتسمى أفعال اليقين ، وزعمت للدّعوى والاعتقاد فتكون للعلم والظنّ.

واعْلم : إنّ حَسِبْتُ وخِلْتُ لا زِمان لدخولهما على المبتدأ والخبر ، دون الخمسة الباقية فإنّ لكلّ واحد منهما معنىً آخر ، لا يقتضي إلّا مفعولاً واحداً إذا كان بذلك المعنى ، فإنّك تقول : ظَنَنْتُهُ أي : اتَّهَمتُهُ ، وزعمته أي : قلته ، وعلمته أي : عَرَفْتُهُ ، ورأيته أي : أبْصَرْتُهُ ، ووَجَدْتُ الضالَّةَ أي : صادفتها.

ومن خصائصها ، جواز إلغاء العمل وهو إبطال العمل لفظاً ومعنىً متوسّطة أو متأخّرة لاستقلال الجزءين كلاماً بخلاف باب أعطيت ، نحو : زَيْدٌ ظَنَنْتُ قائمٌ ، وزَيدٌ عالِمٌ ظَنَنْتُ.

ومنها : إذا ذكر أحدهما ذكر الآخر بخلاف باب أعطيت أيضاً فلا يجوز أن يقتصر على أحَدِ مفعوليها ، وإن جاز أن لا يذكرا معاً كقوله تعالى : «وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ» (١) أي زَعَمْتُموهُمْ مِثلي ، لكون هذه الأفعال داخلة على المبتدأ والخَبَر فكما أنّه لا بدّ للمبتدأ من الخبر وبالعكس لا بدّ لأحد المفعولين من الآخر.

ومنها : التّعليق ، وهو وجوب إبطال العمل لفظاً دون معنىً ، قبل لام الابتداء والنفي والاستفهام ، نحو : عَلِمْتُ لَزَيْدٌ عالِمٌ ، وعَلِمْتُ ما زَيْدٌ في الدّار ، وعَلِمْتُ أزَيْدٌ عِنْدَكَ ، أم عَمْروٌ ، لاقتضاء كلّ واحد من هذه الثلاثة صدر الكلام ، فلو عملت لم يكن هذه الأشياء في صدر الكلام.

ومنها : أنّه يجوز أن يكون فاعلها ومفعولها ضميرين لشيء واحد ، نحو : عَلِمْتُنى مُنْطَلِقاً ، وعَلِمتَك مُنْطَلِقاً ، أي علمت نفسي مُنْطَلِقاً وعَلِمْتَ

____________________________

(١) الكهف : ٥٢.

٣٢٧

نَفْسَكَ منطلقاً ، ولم يجز في سائر الأفعال فلا يقال : ضَرَبْتُنى ولا ضَرَبْتَكَ لأنَّ الغالب في سائر الأفعال تعلّق فعل الفاعل بغيره ، وهذه السماعيّة أحَد وتسعون عاملاً.

والقياسِيّة منها سبعة عوامل :

الأوّل الفعْل : على الإطلاق أي سواء كان متعدّياً أو غير متعدٍّ فإنّه يرفع فاعله ، نحو : ضَرَبَ زَيْدٌ ، وذَهَبَ عَمْروٌ.

والمتعدّى : ما كان له مفعول به ، ويتعدّى إلى مفعول واحد ، نحو : ضَرَبْتُ زَيْداً ، أو إلى اثنين ، نحو : أعْطَيْتُ زَيْداً درهماً ، وعَلِمْتُ زيداً عالماً ، وإلى ثلاثة ، نحو : أعْلَمْتُ زَيْداً عَمْراً جاهِلاً.

والأفعال المتعدّية إلى ثلاثة مفاعيل حكم مفعولها الأوّل ، كمفعولَي باب أعطيت ، بمعنى أنّه يجوز أن تذكره منفرداً من غير ذكر المفعولين الآخرين ، كما أنّه يجوز أن تذكر المفعول الأوّل لأعطيت منفرداً عن الثاني ، ومفعولها الثاني والثالث كمفعولي علمت ، بمعنى أنّه يجوز ترك مفعولها الثاني والثالث معاً ولا يقتصر على أحدهما كما لا يقتصر على أحَدِ مفعولي علمت.

وغير المتعدّي : ما يختصّ بالفاعل ، نحو : حَسُنَ زَيْدٌ ، ولتعديته ثلاثة أسباب : الهمزة ، وتثقيل الحشو ، وحرف الجر ، نحو : أذْهَبْتُهُ وفَرَّحْتُهُ وخَرَجْتُ بِهِ.

والفعل المجهول يرفع المفعول القائم مقام الفاعل ، نحو : نُصِرَ زَيْدٌ ، وإنّما حذف فاعله للتعظيم ، نحو : «خُلِقَ الْإِنسَانُ» (١) ، أو للتحقير ،

____________________________

(١) النساء : ٢٨.

٣٢٨

نحو : شُتِمَ الأميرُ ، أو للجهل ، نحو : سُرِقَ المالُ ، أو للإبهام ، نحو : قُتِلَ زَيْدٌ ، أو غيرها.

ويسند المبنيّ للمفعول إلى مفعول به ، إلّا إذا كان الثاني من باب علمت ، والثالث من باب أعلمت فإنّهما لا يقعان مقام الفاعل ولا يقال : عُلِمَ قائمٌ زَيْداً لأنَّ المفعول الثاني منه ، مسند إلى المفعول الأوّل دائماً لكونهما مبتدأ وخبراً في الاصل ، فلو وقع مقام الفاعل لكان مسنداً ومسنداً إليه في حالة واحدة وهو غير جائز ، وكذا لا يقال : أعلِمَ فاضِلٌ زَيْداً عمراً ، بأن يقع الثالث مقام الفاعل. والأوّل من باب أعْطَيْتُ ، أولى من الثاني لأنّ مناسبة المفعول الأوّل للفاعل أكثر من مناسبة المفعول الثاني ، لأنّ الأوّل آخِذ والثاني مأخوذ فالأولى أن يقال : اُعْطِيَ زَيْدٌ درْهماً وإن جاز اُعْطِيَ دِرْهَمٌ زَيداً.

الثاني : المصدر ، وهو الاسم الذي اشتقّ منه الفعل ، ويعمل عمل فعله لازماً ، نحو : أعْجَبَني ذهابُ زَيْدٍ ، ومتعدّياً ، نحو : عَجِبْتُ من ضَرْبِ زَيْدٍ عمراً ، كما تقول : أعْجَبَني أن ذَهَبَ زَيْدٌ ، وعَجِبْتُ من أنْ ضَرَبَ زَيْدٌ عمراً ، ويجوز إضافته إلى الفاعل ، فيبقى المفعول منصوباً ، نحو : عَجِبْتُ مِنْ ضرب زَيْدٍ عمراً. وقد يضاف إلى المفعول فيبقى الفاعل مرفوعاً ، نحو : عَجِبْتُ من ضَرْبِ عمروٍ زَيْدٌ ، ولا يتقدّم عليه معموله ، فلا يقال في مثل أعجبني ضَرْبُ زيد عمراً ، أعْجَبَنى عمراً ضَرب زيْد ، لأنّ المصدر في تقدير أن مع الفعل ، ولا يتقدّم معمول أن عَليها وإعماله باللام قليل ، كقول الشاعر :

ضَعيفُ النِكايَةِ أعْداءه

يَخالُ الْفِرارَ يُراخي الْأجَل (١)

____________________________

(١) يعنى آن كه ناتوان است از جنگ كردن و كشتن دشمنان خود گمان مى كند كه فرار از

٣٢٩

الثالث : اسْمُ الفاعل ، وهو ما اشتقّ من فعل لمن قام به الفعل بمعنى الحدوث ، ويعمل عَمَلَ يَفْعَلُ مِنْ فِعْلِهِ ، سواء كان لازماً ، أو متعدّياً ، بشرط معنى الحال والاستقبال ، نحو : زيد ذاهب أخوهُ الآن ، أوْ غداً ، وزَيْدٌ ضارِبٌ غلامُهُ عمراً ، الآن ، وغداً. ولو قلت فيهما أمْسِ لم يجز خلافا للكسائي فإنّه قال : يَعمل اسم الفاعل مطلقاً ، سواء كان بمعنى الماضي ، أو الحال ، أو الاستقبال ، بل يجب أن يضاف إذا كان بمعنى الماضي ، نحو : غُلامُ زَيْدٍ ضاربُ عَمْرو أمْسِ ، إلّا إذا اُريد به حكاية حالٍ ماضية ، نحو : «وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ» (١) ، فإنّه عمل ولم يضف.

وإن كان لاسم الفاعل الّذي بمعنى الماضي معمول آخر ، غير الّذي اُضيف إليه نُصِبَ بفعل مقدّر دلّ عليه اسم الفاعل ، نحو : زَيْدٌ مُعْطي عَمْرو دِرْهَماً أمس.

ويشترط أيضاً أن يعتمد اسم الفاعل على المبتدأ ، أو ذي الحال ، أو الموصوف ، أو الموصول ، أو الهمزة ، أو ما ، نحو : زَيْدٌ قائمٌ أبُوهُ ، وجاءَ زَيْدٌ عادِياً فَرَسَهُ ، ومَرَرْتُ بِرَجُلٍ قائم غُلامُهُ ، وجاءَ زَيْدٌ الضارِبُ أبُوه عَمْراً ، وأقائمُ الزَيْدانِ ، وما قائمُ الزَيدان.

واعلم : انّه إذا دخلت اللام على اسم الفاعل استوى الجميع من الماضي والحال والاستقبال ، تقول : مَرَرْتُ بالضارب أبُوهُ زَيْداً الآنَ ، أوْ غداً ، أوْ أمس.

____________________________

جنگ اجل و مرگ او را به تأخير مى اندازد ، شاهد در عمل مصدر با الف ولام است. (النِكاية اَعْدائه) جامع الشواهد.

(١) الكهف : ١٨.

٣٣٠

وما وضع منه للمبالغة ، نحو : ضَرّابٌ ، وضَروبٌ ، وصَديقٌ ، وعَليمٌ ، وحَذيرٌ ، مثل ما ليس للمبالغة في العَمَل والشرايط المذكورة ، تقول : زَيْدٌ ضَرّابٌ أبُوهُ عمراً الآنَ ، أو غَداً ، وزَيْدٌ الضَرّابُ أبُوهُ عمراً الآنَ ، أو غَداً أو اَمْسِ.

وحُكم المثنّى والمجموع منه ، مثل مفرده في العمل والشرايط المذكورة ، تقول : الزيدان ضاربان عمرواً ، والزَيْدُونَ ضارِبُونَ عَمْرواً الآن ، أو غداً ، وتقول الزيدان هما الضاربانِ عَمراً ، والزَيْدونَ هُمُ الضارِبُونَ عمراً ، الآن ، أوْ غَداً ، أوْ أمْسِ. ويجوز حذف نوني تثنية اسم الفاعل وجمعه السالم المعرّفَيْن بلام التعريف مع العَمَل ، أي مَعَ نصب ما بعدهما تخفيفاً ، أو استطالة بالصلة لكون اللام ، بمعنى الموصول ، نحو : قوله تعالى : «وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ» (١).

الرابع : اسم المفعول ، وهو ما اشتقّ من فعل لمن وقع عليه الفعل ويعمل عمل يُفْعَلُ من فعله متعدياً الى مفعول واحد أو أكثر ، نحو : زَيْدٌ مَضْرُوبٌ غُلامُهُ.

ويشترط في عمله ما اشترط في عمل اسم الفاعل من كونه بمعنى الحال ، أو الاستقبال ، لا بمعنى الماضي بل يجب أن يضاف اسم المفعول الى ما بعده إذا كان بمعنى الماضي إلّا إذا كان مع الألف واللام فإنّه يعمل مطلقاً ، نحو : زَيْدٌ الْمَضْرُوبُ غُلامُه الآن ، أو غداً ، أو أمْسِ.

ويشترط أيضاً أن يعتمد على ما اعتمد عليه اسم الفاعل من المبتدأ

____________________________

(١) الحجّ : ٣٥ واين بنابر بعضى از قراءات است.

٣٣١

وغيره ، نحو : زَيْدٌ مُعْطىً غُلامُهُ دِرْهماً.

الخامس : الصفة المشبّهة ، وهو ما اشتقّ من فعل لازم ، لمن قام به الفعل بمعنى الثبوت وصيغتها مخالفة لصيغة اسم الفاعل على حَسَبِ السماع ، نحو : حَسَن وكَريمٌ وصَعْبٌ وشديدٌ ، وتعمل عمل فعلها مطلقاً ، أي من غير اشتراط الزمان ، لعدم اعتبار الزمان في مدلولها لأنّ المراد من قولنا ، زيدٌ حَسَنٌ وَجْهُهُ ، استمرار ثبوت الحُسن له ، لا حدوثه ، لكن يشترط اعتمادها على ما اعتمد عليه اسم الفاعل واسم المفعول ، كما ذكرناه في اسم الفاعل وإنّما سمّيت مشبّهة ، لأنّها تشبه اسم الفاعل في الإفراد ، والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، نحو : حَسَنٌ حَسَنانِ حَسَنُونَ حَسَنَة حَسَنَتانِ حَسَناتٌ ، نحو : زَيْدٌ كَرْيمٌ حَسَبُهُ ، وزيد حَسَنٌ وَجْهُهُ ، وهِنْدٌ حَسَنٌ وَجْهُها.

السادس : كلّ اسم اُضيف إلى اسم آخر ، نحو : غلامُ زيدٍ ، ويسمّى الأوّل مضافاً ، والثاني مضافاً إليه ، وعمل المضاف أن يجر المضاف إليه.

والإضافة على ضربين : معنويّة ولفظيّة.

والمعنويّة : أن يكون المضاف غير صفة مضافة إلى معمولها ، والمراد ، بالصفة اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبّهة وذلك بأن لا يكون المضاف صفة ، نحو : غلامُ زيدٍ ، أو يكون صفة مضافة إلى غير معمُولها ، نحو : مصارِعُ مِصْرٍ ، فإنّ مصارع صفة لكن غير مضافة الى معمولها ، لأنّ مصر ليس بمعمول المصارع ، وإنّما معمولها أهل مصر ، وتفيد تعريفاً مع المعرفة ، نحو : غلام زيد ، وتخصيصاً مع النكرة ، نحو :

٣٣٢

غُلامُ رَجُلٍ.

واللفظيّة : أن يكون المضاف صفة مضافة إلى معمولها ، نحو : ضارِبُ زَيْدٍ ، وحَسَنُ الوجه ، ولا تفيد إلّا تخفيفاً في اللفظ ، ومن ثَمَّ جازَ : مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسَنِ الْوَجْهِ ، لأنّه لو أفادت هذه الإضافة تعريفاً لكانَ حَسَنِ الوَجْهِ معرفة فلم يجز جعله صفة لرجل ، لامتناع وقوع المعرفة صفة للنكرة ، وَامتنع : مَرَرْتُ بِزَيْدٍ حَسَنِ الوَجْهِ ، لأنّ زيداً معرفة وحَسَن الوجه نكرة ، وامتنع وقوع النكرة صفة للمعرفة ، وجاز : الضاربا زيدٍ ، والضارِبُوا زيدٍ ، لإفادة التخفيف وهو حذف النون ، وامْتَنَع : الضارِبُ زَيْدٍ ، لعدم وجود التخفيف خلافاً للفرّاء ، فإنّه جوّزه بناء على أنّ الإضافة سابقة على الألف واللام.

السابع : كلّ اسم تمّ فينصب اسماً على التمييز لرفع الإبهام. وتمام الاسم إمّا بالتنوين ، نحو : عندي رِطْلٌ زَيْتاً ، أو بنون التثنية ، نحو : مَنَوانِ سَمْناً ، أو بنون شبه الجمع ، نحو : عشرون درهماً ، أو بالإضافة ، نحو : عندي مِلؤُه عَسَلاً. وما تمّ بالتنوين ، أو بنون التثنية جاز إضافته ، نحو : رِطْلُ زَيْتٍ وَمَنوا سَمْنٍ ، وكذا إذا تمّ بنون الجمع ، نحو : أكْرَمينَ أفْعالاً ، واكْرَمي أفْعالٍ.

وأمّا المعنويّة : فعددان :

الأوّل : العامل في المبتدأ والخبر ، أعني تجرّدهما عن العوامل اللفظيّة لأجل الإسناد وهذا يرفع المبتدأ والخبر.

والمبتدأ : هو الاسم المجرّد عن العوامل اللفظية المذكورة مسنداً إليه ، أو الصّفة الواقعة بعد حرف النفي ، أو ألف الاستفهام رافعة

٣٣٣

لظاهر ، نحو : زَيْدٌ قائم ، وما قائمٌ الزيدان وأقائم الزيدانِ.

وإنّما قلنا رافعة لظاهر احترازاً به عن الصفة الواقعة بعدهما رافعة لمُضْمَر ، نحو : أقائمانِ الزيدان ، وما قائمُونَ الزيدُونَ ، فإنّها لا تكون مبتدأ ، بل خبر مبتدأ ، والزيدانِ ، والزيدون ، مبتدأ لأنّها لو كانت مبتدأ والزيدان والزيدون فاعلاً لها سادّاً مَسَدّ الخَبَر ، لم تثنّ ولم تجمع ، لأنّ الفعل وشبهه إذا اُسند إلى الظاهر لم يُثَنّ ولم يجمع كما هو المقرر مِنْ قاعدتهم ، فإن طابقت الصفة مفرداً ، جاز أن تكون الصفة مبتدأ والاسم المفرد الواقع بعدها خبره ، وأن تكون الصفة خبراً ، والاسم الواقع بعدها مبتدأ ، نحو : أقائمٌ زَيْدٌ ، وما قائمٌ زَيْدٌ.

والخبر ، هو المجرّد عن العوامل اللفظية مُسند به مغاير للصفة المذكورة والخبر قد يكون مفرداً ، وقد يكون جملة. والثاني ، على أربعة أضرب :

جملة اسميّة ، نحو : زَيْدٌ أبوهُ قائمٌ.

وجملة فعليّة ، نحو : زَيْدٌ قامَ أبوهُ.

وجملة شرطيّة ، نحو : زَيْدٌ إنْ تُكْرِمْهُ يُكْرِمْك.

وَجُملة ظرفيّة ، نحو : زيد أمامك. وقد يتقدّم الخبر على المبتدأ ، نحو : قائمٌ زيدٌ.

الثاني : العامل في الفعل المضارع ، وهو ما أشبه الاسم بأحد الحروف الزوائد في أوّله لوقوعه مشتركاً بين الحال والاستقبال ، وتخصيصهُ بالسين وسَوْفَ ، كما أنّ رجُلاً مشترك بين سائر رجال بني آدم وتخصيصه باللام ، نحو : الرجل. ولا يعرب من الفعل غيره ، إذا لم يتّصل به نون التأكيد ، ولا نون جمع المؤنّث.

٣٣٤

والمختار عند الكوفيّين في عامل رفع المضارع أنّ العامل تجرده عن الجوازم والنواصب ، وعند البصريّين وقوعه موقع الاسم ، نحو : زَيْدٌ يَضْرِبُ ، في موقع زَيْدٌ ضارِبٌ مع خلوّه عن الجازِم ، والناصب فإنّ هذا المعنى يرفع المضارع.

واعلم : انّ العوامل المعنويّة ثلاثة عند الأخفش ، فاثنان ما ذكر في الكتاب.

وأمّا الثالث : فهو ما يوجب إعراب الصفة ، نحو : جاءني رَجُلٌ كَريمٌ ، رَأَيْتُ رَجُلاً كَريماً ، ومَرَرْتُ بِرَجُلٍ كَريمٍ ، وعنده أن الصفة تُرفع لكونها صفة لمرفوع ، وتُنصب لكونها صفة لمنصوب ، وتُجرّ لكونها صفة لمجرور ، وهذا المعنى ليس بلفظ.

فتكون العوامل على هذا القول مائة وواحدة ، لكن الجمهور اتّفقوا على أنّ العوامل مائة لا أزيد ، لأنّ الصفة من التوابع ، والتابع مُعْرب بإعراب المتبوع فما يكون عاملاً في المتبوع ، فهو عامل في التابع البتّة ، فهذه مائة ، ولا يستغنى الكبير والصغير ، والرفيع والوضيع عن معرفتها ، ومن حفظها يحصل له بَصيرة في النحو.

٣٣٥
٣٣٦

كتاب العوامل لملّا محسن

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمدك يا من يرفع إليه صالح العمل ، واُصلّي على نبيّك محمّد وآله المبنىّ لهم كرامة المحلّ.

أمّا بعد : النحو علم باُصول تعرف بها أحوال أواخر الكلمة إعراباً وبناءً ، والكلمة : اسم ، وفعل ، وحرف ، وهي إمّا : تَعْمل وتُعْمل ، أو تَعْملُ ولا تُعْمل ، أو تُعْمَل ولا تَعْملَ ، أو لا تَعْمل ولا تُعْمل.

والعوامل منها ، تتنوّع على عشرين نوعاً ، سماعيّة وقياسيّة ، فالسماعيّة منها : ثلاثة عشر نوعاً ، والقياسيّة منها : سبعة أنواع ، ونحن نذكر العوامل ونشير إلى أصناف معمولاتها بعون الله تعالى ، وحُسن توفيقه ومشيئَته.

النوع الأوّل : من العوامل السماعيّة ، حروف تجرّ الاسم فقط ، وهي على المشهور سبعة عشر حرفاً. نظمتها بالفارسيّة :

با وتا وكاف ولام وواو ومُنذ ومُذ خَلا

رُبّ حاشا مِن عَدا فى عَنْ عَلى حَتّى اِلى

٣٣٧

وهي الظرف (١) حكماً فلا بدّ لها من متعلّق مثله ، فعلاً كان ، أو شبهه ، أو معناه. فإن كان عامّاً مقدّرا فمستقرّ وإلّا فلغو.

فَمِنْ : لابتداء الغاية مكانا ، نحو سِرْتُ مِنَ البَصْرَة إلىَ الكُوفَةِ ، أو زماناً ، نحو : صُمْتُ من يومِ الجمعة ، أو غيرهما ، نحو : قرأتُ مِن آيةِ كَذا. وللتّبيين ، نحو : قوله تعالىٰ «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ» (٢) وعِنْدي عِشْروُن من الدراهم. وللتبعيض ، نحو : أخذت من الدراهم. وللبدل ، نحو : قوله تعالى «وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً» (٣). وللتعليل ، كقول الشاعر :

يُغْضي حَياءً ويُغْضىٰ مِن مَهابَتِهِ

فَلا يُكَلَّمُ إلّا حين يَبْتَسِمُ

وللظرفية ، كقوله تعالى : «مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ» (٤). وتكُون زائدة ، في غير الموجب أي المنفيّ ، نحو : «مَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا اللَّـهُ» (٥) و «هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّـهِ» (٦) وَلا تؤْذِ مِنْ اَحَدٍ.

وإلى : لانتهاء الغاية ، مكاناً ، نحو : سرتُ مِنَ الْبَصرَةِ إلى الْكُوفَةِ ، أو زماناً ، نحو : «أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» (٧) ، أو غيرهما ، نحو : قلبي

____________________________

(١) واعلم أنّ متعلّق الظرف والجارّ والمجرور على أربعة أقسام : لانّه إمّا أن يكون من الأفعال الخاصّة أو من الأفعال العامّة ، وعلى كلّ تقدير إمّا أن يكون مذكوراً ، أو محذوفاً ، فإذا كان من الأفعال العامّة وكان محذوفاً ، فالظرف مُستقرٌّ لاستقرار ضمير الفعل فيه (ظرف) للرّبط ، وإلّا فلَغو ، لخلوّ الظرف من هذا الضمير ، والتوضيح مع الاستاذ ، والأفعال العامّة أو العموم ، هِيَ : كان ، ثبت ، حصل ، استقرّ ، ووُجِدَ مجهولاً ... ، والشبيه بالفعل في حكم الفعل.

(٢) الحجّ : ٣٠.

(٣) الزخرف : ٦٠.

(٤) فاطر : ٤٠.

(٥) آل عمران : ٦٢.

(٦) فاطر : ٣.

(٧) بقره ، ١٨٧.

٣٣٨

إلَيْك ، وتكون بمعنى مع ، قليلاً ، نحو : «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ» (١).

والباء : للاستعانة ، نحو : بِسْمِ اللهِ الرحْمٰنِ الرَّحيمْ ، ولِلْمُصاحبة ، نحو : دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِثِيابِ السَّفَرِ ، ومنه ، سُبْحان رَبِّيَ الْعَظيمِ وبِحَمْدِه. وللإلصاقِ ، إمّا حقيقة ، نحو : بِهِ داءٌ ، أو مجازاً ، نحو : مَرَرْتُ بِزَيْدٍ ، أي قَرُبَ مروري منه. وللمقابلة ، نحو : بِعْتُ هذا بِهذا. وللتعدية ، نحو : ذَهَبْتُ بزيدٍ أي صيّرته ذاهباً. وللقَسَمِ ، نحو : بِالله لَاَفْعَلَنَّ كَذا. وللسببيّة ، نحو : ضَرَبْتُ بِسُوءِ أدَبه. وللبدل ، نحو :

فَلَيْتَ لي بِهِم قَوْماً إذا رَكِبُوا

شَنّوا الاِغارَة فُرْساناً وَرُكْباناً (٢)

وللتفدية ، نحو : بأبي أنْتَ وَاُمّي. وبمعنى عن ، نحو : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ» (٣). وبمعنى في ، نحو : «بِيَدِكَ الْخَيْرُ» (٤) ، وبمعنى اللام ، نحو : «وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ» (٥). وبمعنى من ، نحو : «عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ» (٦). وتكُونُ زائدةً قياساً في ثلاثة أخبار : الأوّل : خبر ليس ، نحو : ليس زيد بقائم. والثاني : خبر ما النافية ، نحو : ما زيد بقائم. والثالث : خبر مبتدأ مقرون بهَلْ ، نحو : هل زيد بقائم.

وسماعاً إمّا في غير الخبر ، نحو : بحَسْبِك زيد ، «وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ

____________________________

(١) النساء : ٢.

(٢) اى كاش بدل از آن قوم ، براى من قومى ، بود كه هرگاه سوار مى شدند ، متفرّق مى ساختند غارتگران را ، در حالى كه اسب سوار وشترسوار بودند ، شاهد در باء بِهِمْ است كه براى بدل است ، جامع الشواهد.

(٣) المعارج : ١.

(٤) آل عمران : ٢٦.

(٥) البقرة : ٥٠.

(٦) الانسان : ٦.

٣٣٩

شَهِيدًا» (١) ، وألقى بِيَدِه ، وإمّا في الخبر غير ما ذكر ، نحو : حَسْبك بِزَيْدٍ.

وفي : للظرفيّة ، حقيقة ، نحو : الماءُ في الكُوزِ ، ومجازاً ، نحو : النجاة في الصدقِ ، كما أنّ الهلاك فى الكِذْبِ. وبمعنى عَلى قليلاً ، نحو : «وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» (٢). وبمعنى اللام ، نحو : إنّ امرأة دَخَلت النارَ في هِرَّة حَبَسَتْها. وتكون فِعْلاً ، نحو : فِي بِعَهْدِك.

وعَلى : للاستعلاء ، إمّا حسّاً وهُوَ ما يُشاهَدُ ، نحو : زَيْدٌ عَلَى السَّطْحِ ، أو حكماً وهو ما لا يُشاهَدُ ، نحو : عليه دَيْن. وبمعنى في ، نحو : دَخَلَ الْمَدينَةَ عَلىٰ حين غَفْلَة مِنْ اَهْلها (٣). وتكون اسماً. ويلزمها مِن ، لا غير ، نحو : رَكبت مِنْ عَلَيْه ، أي من فوقِه وقد تكون فعْلاً ، نحو : «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ» (٤).

واللام : للاختصاص الملكيّ ، نحو : المالُ لِزيْدٍ. ولغير الملكيّ ، نحو : «الْحَمْدُ لِلَّـهِ» (٥). وللتعليل ، نحو : ضَرَبْتهُ للتأديبِ. وللقسم ، فى التعجب كقول الشاعر :

لِلّٰهِ يَبْقى عَلَى الْأَيّام ذوُحِيَدِ

بِمُشمَخَرٍّ بِهِ الظّيّانُ وَاْلآسُ (٦)

____________________________

(١) النساء : ٧٩.

(٢) طه : ٧١.

(٣) القصص : ١٥.

(٤) القصص : ٤.

(٥) الفاتحه : ١.

(٦) والباء فى به بمعنى فى والظيان بالظاء المعجمة والياء المشددة والنون كشدّاد ، الياسمين الصحرائى والأس بالمدّ والسين المهملة ، شجر معروف. يعنى قسم بخداوند وتعجب مى كنم كه باقى نمى ماند در روزگار صاحب شاخى كه در شاخ او گرههائى بوده باشد در كوه بلندى كه در آن كوه است ياسمن صحرائى و درخت مُورِد ، و اين كنايه از اين است كه

٣٤٠