جامع المقدّمات

جمع من العلماء

جامع المقدّمات

المؤلف:

جمع من العلماء


المحقق: الشيخ جليل الجراثيمي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-470-030-9
الصفحات: ٦٣٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

كتاب شرح الاُنموذج

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لِلّٰهِ الّذي جعل العربيّة مفتاح البيان وصيّرها آلة يحترز بها عن الخطأ في اللسان ، وقوّم بسببها المنطق الّذي هو مميّز الانسان ، وهيّئها سُلّما يرتقى بها إلى ذروة حقائق القرآن.

والصلاة على خير الأنام محمّد الفرقان وعلى آله وأصحابه رؤساء أهل الإيمان.

أمّا بعد : فيقول الإمام العالم العابد الفاضل الكامل أفضل الفاضلين أشرف المحقّقين المولى المعظّم الإمام الأعظم الجامع بين المعقول والمنقول الحاوي بين الأُصول والفروع مبيّن الحلال والحرام المصون بعناية ربّ العالمين ملك القضاة والحكّام جمالُ الملّة والدين محمّد بن عبد الغنيّ الأردبيلي متّع الله المسلمين بطول بقائه وأدام دولته بحقّ خالقه : لمّا رأيت مختصر الإمام الهمام علّامة العالم اُستاذ أئمّة بني آدم جار الله قدّس الله روحه ، ونوّر ضريحه أعني اُنموذجه في النحو قليل اللفظ كثير المعنى صغير الحجم غريز الفحوى مرغوباً للمبتدئين وغيرهم مطلوباً للسالك سبيل خيره ولم يكن له شرح يليق قاصده ويلقى إليه مقاصده وقد كنت اُريد تلميذه للمبتدئين من أصحابنا المنخرطين في

٤٤١

سلك أحبابنا لا سيّما قرّة عيني الرّمدة ، وسرور نفسي الكَمِدَةِ علاء الملّة والدّين أحمد بن الصدر الإمام رئيس الأنام أقضى القضاة والحكّام مظهر الحقّ في الأحكام عماد الملّة والدين مفضّل الكاشي بلّغهما الله آمالهما وضاعف في العالمين إقبالهما أردت أن أشرحه شرحاً يفيد طالبه ويفيض إليه مطالبه بحيث لا أتخطّى من تحليل لفظه خُطاً كثيرة ولا أتجاوز عن تنقيح معناه إلّا مسافة يسيرة ، والتزمت أن أكتب ألفاظ المتن بتمامها من أوّل كتبة الشرح إلى تمامها حتّى يكون كالزيادة للمتعلّمين على التعريف ويغنيهم عن النسخ الّتي لعبت بها أيدي الجهلة بالتحريف وأرجو من الله تعالى أن يعينني على الإتمام ويجعله قائدي إلى دار السلام فإنّه المستعان وعليه التكلان.

قال المصنّف : الكلمة مفرد

أقول : قبل الشروع في المقصود لا بدّ من تقديم مقدّمة وهي هذه :

اعلم أنّ طالب كلّ شيء ينبغي أن يتصوّر أوّلاً ذلك الشيء بوجهٍ مّا لأنّ المجهول من جميع الوجوه لا يمكن طلبه وينبغي أيضاً أن يتصوّر الغرض من مطلوبه لأنّه إن لم يتصوّره يكون سعيه عبثاً ، فطالب النحو بتعلّمه ينبغي أن يتصوّره أوّلاً ويتصوّر الغرض منه قبل تعلّمه حتّى يكون في طلبه على بصيرة.

فنقول : النحو في اللغة القصد ، وفي عرف النّحاة علم باُصول تعرف بها أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً ، والغرض منه معرفة الإعراب ، والإعراب لا يوجد إلّا فيما يقع في التركيب الإسناديّ الّذي لا يوجد إلّا في الكلام ، والكلام إنّما يتركّب من كلمتين فلذلك جرت عادتهم في ترتيب الكتب النحويّة بتقديم الكلمة والكلام على سائر الأشياء وبتقديم

٤٤٢

الكلمة على الكلام لأنّها جزؤه كما عرفت ، والشيء إنّما يعرف بعد معرفة أجزائه.

فقوله : «الكلمة مفرد» تقديره الكلمة لفظ موضوع مفرد فيخرج باللفظ غيره كالخطّ والعقد والنُصب والإشارة وبالموضوع المهمل ، كديز وبيز ، وبالمفرد المركّب كخمسة عشر ، وإنّما قلنا أنّ المهمل يخرج بقيد الموضوع لأنّ الموضوع لا يكون إلّا لمعنى والمهمل لا معنى له وإنّما حذف قولنا لفظ موضوع لدلالة قوله مفرد عليه لأنّ المفرد لا يوصف به في اصطلاح النحويّين إلّا اللفظ الموضوع.

قال : وهي إمّا «اسم» كرجل ، وإمّا «فعل» كَضَرَبَ وإمّا «حرف» كقَدْ.

أقول : يعني أنّ أقسام الكلمة منحصرة في هذه الثلاثة لأنّها إن دلّت بنفسها على معنى غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أعني الماضي والحال والاستقبال فهي الاسم كرجل ، فإنّه يدلّ بنفسه على ذات غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة وإن دلّت بنفسها على معنى مقترن به فهي الفعل مثل : ضَرَبَ فإنّه يدلّ بنفسه على ضرْب مقترن بزمان الماضي وإن لم تدلّ بنفسها على معنى فهي الحرف كقَدْ ، فإنّه لا يدلّ على معنى بنفسه بل بواسطة غيره نحو : قد قام.

قال : الكلام مؤلّف إمّا من اسمين اُسند أحدهما إلى الآخر نحو : زيد قائم ، وإمّا من فعل واسم نحو : ضرب زيد ، ويسمّى كلاماً وجملة.

أقول : لمّا بيّن الكلمة أراد أن يبيّن الكلام فقوله : «مؤلّف» احتراز عن

٤٤٣

المفرد نحو : زيد.

وقوله : «إمّا من اسمين وإمّا من فعل واسم» احتراز عن المؤلّف من فعلين نحو : ضَرَبَ ضَرَبَ أو من فعل وحرف نحو : قَدْ ضَرَبَ ، أو من حرفين نحو : قَدْ قَدْ ، أو من حرف واسم نحو : ما زيد.

وقوله : «اُسند أحدهما إلى الآخر» احتراز عن المؤلّف من اسمين لم يسند أحدهما إلى الآخر نحو : غلامُ زيدٍ ، وخمسة عشر ، فإنّ كلّ ذلك لا يكون كلاماً.

وقوله : «إمّا من فعل واسم» تقديره وإمّا من فعل واسم اُسند ذلك الفعل إلى ذلك الاسم وإنّما لم يذكره صريحاً لأنّ قوله اُسند أحدهما إلى الآخر يدلّ على وجوب الإسناد بينهما والإسناد نسبة أحَد الجزءين الى الآخر ليفيد المخاطب فادّةً تامّة يصحّ السكوت عليها.

وقوله : بُعَيْد هذا ، الاسم هو ما صحّ الحديث عنه يدلّ على أنّ الإسناد إنّما يكون من الفعل إلى الاسم فقوله : زيد قائم مؤلّف من اسمين اُسند أحدهما وهو قائم إلى الآخر وهو زيد ، وقوله : ضَرَبَ زيد ، مؤلّف من فعل واسم اُسند الفعل الى الاسم وكلّ واحد منهما يسمّى كلاماً وجملة.

قال : باب الاسم ، هو ما صَحّ الحديث عنه ، ودخله حرف الجرّ ، واُضيف ، وعرّف ، ونوّن.

أقول : لمّا فرغ من تقسيم الكلمة شرع في مباحث أقسامها وقدّم الاسم على الفعل والحرف لأنّه أصل وهما فرعان إذ هو لا يحتاج إليهما في تأليف الكلام وهما يحتاجان إليه.

وقوله : «باب الاسم» تقديره ، هذا باب الاسم ، والاسم في اللغة

٤٤٤

ظاهر ، وفي الاصطلاح هو ما صحّ الحديث عنه يعني يجوز أن يخبر عنه نحو : خَرَجَ موسى ، فإنّ موسى اسم قد اُخبر عنه بالخروج. «ودخله حرف الجرّ» يعني يجوز أن يدخله حرف الجرّ نحو : مررت بعيسى فإنّ عيسىٰ اسم قد دخله الباء وهو حرف الجرّ. «واُضيف» يعني يجوز أن يضاف إلى غيره نحو : غلامك ، فلأنّ الغلام اسم اُضيف إلى الكاف. «وعرّف» يعني يجوز أن يدخله الألف واللام نحو : الرجل. «ونُوِّن» يعني يجوز أن يدخله التنوين نحو : زيدٌ. فجميع هذه من خواصّ الاسم لا يوجد شيء منها في الفعل ولا في الحرف.

أمّا الإخبار عنه فلأنّ الفعل خبر دائماً ، فلا يخبر عنه ، والحرف لا يكون خبراً ولا مخبراً عنه.

وأمّا حرف الجرّ فلأنّ الجرّ علامة المخبر عنه ، وقد قلنا إنّ الفعل والحرف لا يخبر عنهما.

وأمّا الإضافة فلأنّ الغرض منها إمّا التعريف أو التخصيص أو التخفيف كما سيجيء والفعل والحرف لا يصلحان شيئاً من ذلك.

وأمّا الألف واللام فلأنّ الغرض من دخولهما تعريف المخبر عنه وقد ذكرنا أنّهما لا يخبر عنهما.

وأمّا التنوين فلأنّها علامة تمام مدخولها والفعل والحرف لا يتمّان إلّا بالغير أمّا الفعل فبالفاعل وأمّا الحرف فبمتعلّقه.

قال : وأصنافه : «اسم الجنس ، والعلم ، والمعرب وتوابعه ، والمبنيّ ، والمثنّى ، والمجموع ، والمعرفة ، والنكرة ، والمذكّر ، والمؤنّث ، والمصغّر ، والمنسوب ، وأسماء العدد ، والأسماء المتّصلة بالأفعال».

أقول : الأصناف بمعنى الأقسام ، يعنى أنّ أقسام الاسم المذكورة في هذا

٤٤٥

الكتاب منحصرة في خمسة عشر قسماً :

الأوّل : اسم الجنس ، وهو ما يدلّ على شيء غير معيّن وما أشبهه كرجل.

والثاني : العلم ، وهو ما يدلّ على شيء معيّن ولا يتناول غيره بوضع واحد كزيد.

والثالث : المعرب ، وهو ما اختلف آخره باختلاف العوامل لفظاً كزيد أو تقديراً كسعدى.

والرابع : توابع المعرب ، وهي كلّ اسم ثان معرب بإعراب سابقه من جهة واحدة كالعالم في زيد العالم قائم.

والخامس : المبنيّ ، وهو الّذي سكون آخره وحركته لا بعامل كَمَنْ ، وأين ، وحيث ، وهؤلاء.

والسادس : المثنّى ، وهو ما زيد في آخره ألف أو ياء مفتوح ما قبلها ونون مكسورة عوضاً عن الحركة والتنوين نحو : جاءني مُسلمَانِ ، ورأيت مُسْلِمَيْنِ ، ومررت بمسلمَينِ.

والسابع : المجموع ، وهو ما دلّ على آحاد يدلّ على أحدها واحده كزَيْدين ورجال وهندات.

والثامن : المعرفة ، وهي ما دلّ على شيء معيّن نحو : أنا وأنت.

والتاسع : النكرة ، وهي ما يدلّ على شيء غير معيّن كغلام.

والعاشر : المذكّر ، وهو ما خلا آخره من تاء التأنيث وألفي المقصورة والممدودة كرجل.

والحادي عشر : المؤنّث ، وهو ما في آخره احديٰهنّ كمرأة وحبلى وحمراء.

والثاني عشر : المصغّر ، وهو ما ضمّ أوّله وفتح ثانيه وزيد قبل ثالثه ياء

٤٤٦

ساكنة كرُجَيْل.

والثالث عشر : المنسوب ، وهو ما لحق آخره ياء مشدّدة تدلّ على نسبة شيء إليه كبغداديّ.

والرابع عشر : أسماء العدد ، وهي أسماء تعدّ بها الأشياء كواحد واثنين وثلاثة.

والخامس عشر : الأسماء المتّصلة بالأفعال ، وهي أسماء فيها معنى الفعل كعَليم وعِلْم وعالم ومَعْلُوم واعْلَم.

فهذه الخمسة عشر أصناف الاسم الّتي يذكر كلّ واحد من هذه المذكورة مَعَ ما يتعلّق به في هذا الكتاب بالترتيب في موضعه.

قال : اسم الجنس ، وهو على ضربين : اسم عين كرجل وراكب ، واسم معنى كعلم ومفهوم.

أقول : لمّا فرغ من تعداد أصناف الاسم مجملة شرع في تعدادها مفصّلة ورعى في التفصيل ترتيبه كما رعى في الإجمال ، فلا جرم ابتدأ هاهنا بما ابتدأ به هناك ، أعني اسم الجنس الّذي هو أوّل الأصناف الخمسة عشر وقسّمه على قسمين : اسم عين : كرجل وهو ما يقوم بنفسه ، واسم معنى : كعلم وهو ما يقوم بغيره ، ثمّ مثّل لكلّ قسم بمثالين مشتقّ وغير مشتق ، فحصل لك أربعة أقسام :

الأوّل : اسم عين غير مشتّق كرجل.

والثاني : اسم عين مشتّق كراكب.

والثالث : اسم معنى غير مشتّق كعلم.

والرابع : اسم معنى مشتقّ كمفهوم.

* * *

٤٤٧

قال : العَلَم ، الغالب عليه أن ينقل عن اسم جنس كجعفر ، وقد ينقل عن فعل كيزيد ، وقد يرتجل كغطفان.

أقول : لمّا فرغ من الصنف الأوّل شرع في الصنف الثاني أعني العَلَم فقال : «الغالب على العلم ان ينقل عن اسم جنس كجعفر» فإنّه وضع أوّلاً للنهر الصغير ثمّ نقل منه وجعل عَلَماً لرجُل. «وقد ينقل العلم عن فعل كيزيد» فإنّه في الأصل مضارع زاد فنقل منه وجعل علماً لرجل. «وقد يرتجل العلم» أي يجعل في أوّل وضعه علماً من غير أن ينقل عن شيء كغطفان فإنّه وضع أوّلاً عَلَماً لقبيلة.

فالعلم إمّا منقول كجعفر ويزيد ، وإمّا مرتجل كغطفان.

والمنقول إمّا من مفرد أو من مركّب ، والمفرد إمّا من اسم جنس وهو الغالب كجعفر ، وإمّا من فعل ماض كشمّر فإنّه في الأصل بمعنى جدّ ثمّ جعل عَلَماً لفرس أو من مضارع كيزيد أو من أمر كاصْمِت بكسر الهمزة فإنّه في الأصل أمر من تَصْمُتُ على وزن تَنْصُرُ بمعنى تسكت فجعل عَلَماً للبريّة ، فإنّ أحداً سمع صوتاً فقال لصاحبه فيها : اصْمِت فغيّر ضمّته إلى الكسرة كما غيّر بناؤه إلى الإعراب.

والمركّب إمّا إسناديّ كتأبطّ شرّاً فإنّ معناه في الأصل أخذ تحت إبطه شرّا فجعل عَلَماً لرُجل أخذ تحت إبطه حيّة أو سيفاً.

أو إضافيّ كعبد الله أو غيرهما كبعلبكّ فإنّ بعلاً اسم لصنم والبكّ مصدر بمعنى الدقّ فجعل علماً لبلدة.

وللعلم قسمة اُخرى وهي أنّه إن كان فيه مدح أو ذمّ فهو اللقب كمحمود وبطّة ، وإلّا فإن كان أوّله أباً أو اُمّاً فهو الكنية كأبي عمرو واُمّ كلثوم ، وإلّا فهو الاسم كجعفر.

٤٤٨

قال : المعرب ، وهو ضربين : منصرف ، وهو ما يدخله الرفع والنصب والجرّ والتنوين كزيد.

وغير منصرف ، وهو الّذي منع منه الجرّ والتنوين ويفتح في موضع الجرّ نحو : مررت بأحمدَ إلّا إذا اُضيف أو عرّف باللام نحو مررت بأحمدِكم وبالأحمرِ.

أقول : لمّا فرغ من الصنّف الثاني شرع في الصنّف الثالث أعني المعرب فنوّعه على نوعين : منصرف ، وغير منصرف.

والمنصرف : ما يدخله الرفع والنصب والجرّ والتنوين كزيد في قولنا : جاءني زيدٌ ، ورأيت زيداً ، ومررت بزيدٍ.

وغير المنصرف : وهو الّذي منع منه الجرّ والتنوين ، ويفتح في موضع الجرّ لأنّ الجرّ والفتح أخوان كأحمد في قوله : مررت بأحمدَ بفتح الدال ، وإنّما يمنع من الجرّ والتنوين لما سيجيء من بعد وهو أنّ غير المنصرف ما فيه سببان أو سبب واحد مكرّر من الأسباب التسعة الآتية ، وكلّ واحد من تلك الأسباب فرع لأصل كما سيتحقّق إن شاء الله تعالى. فيكون في كلّ غير منصرف فرعيّتان ، ويشبه الفعل من حيث أنّ فيه أيضاً فرعيّتين إحداهما : احتياجه في تأليف الكلام إلى الاسم كما عرفت ، والثانية : إنّه مشتقّ من الاسم والمشتقّ فرع المشتقّ منه فلمّا شابه الفعل من هاتين الجهتين ناسَبَ أن يمنع منه أقوى خواصّ الاسم وهو الجرّ والتنوين إلّا إذا اُضيف غير المنصرف إلى شيء أو عرّف باللام فإنّ الجرّ لا يمنع منه حينئذٍ لأنّ الإضافة واللام من خواصّ الاسم فيقوى بسببهما الاسميّة فيه وتضعف بهما مشابهة الفعل فيه فيدخله ما منع منه بسبب قوّة تلك المشابهة نحو : مررت بأحمدِكم ، فإنّ الأحمد لمّا اُضيف إلى «كُمْ» كُسِر داله ، ونحو : مررت بالأحمرِ ، فإنّ الأحمر لمّا دخله اللام كُسِر راؤه.

٤٤٩

قال : والإعراب هو اختلاف آخر الكلمة باختلاف العوامل لفظاً أو تقديراً ، واختلاف آخر الكلمة إمّا بالحركات نحو : جاءني زيدٌ ، ورأيت زيداً ، ومررت بزيدٍ ، وإمّا بالحروف وذلك في الأسماء الستّة مضافة إلى غير ياء المتكلّم وهي : «أبوه وأخوه وهنوه وحموها وفوه وذو مال» ، تقول : جاءني أبوه ، ورأيت أباه ، ومررت بأبيه ، وكذلك البواقي.

أقول : لمّا بيّن المعرب أراد أن يبيّن ما بسببه يصير المعرب معرباً أعني الإعراب ، وهو اختلاف آخر الكلمة ـ اسماً كانت أو فعلاً ـ باختلاف العوامل في أوّلها ، فاحترز بالآخر عن الأوّل والوسط فإنّ اختلافهما لا يسمّى إعراباً كرجل ورُجَيْل ورجال وباختلاف العوامل احترز عن اختلاف آخر لا بالعامل نحو : مَنْ ضَرَبَ ، ومَنْ الضارب ، ومَنْ ابنُك.

وإنّما اختصّ الإعراب باختلاف آخر الكلمة لأنّ اختلاف الأوّل والوسط دليل على وزن الكلمة ، فلا يصير دليلاً لشيء آخر ، واختلاف آخر الكلمة إمّا بالحركات كاختلاف زيد في نحو : جاءني زيدٌ ، ورأيت زيداً ، ومررت بزيد ، وأمّا بالحروف وذلك في أربعة مواضع :

الموضع الأوّل : في ستّة أسماء سَمّتها العرب بالأسماء الستّة إذا كانت مضافة إلى غير ياء المتكلّم ، وتلك الأسماء : «أبوه وأخوه وهنوه وحموها وفوه وذو مال» فتقول في بيان اختلافها بالحروف نحو : جاءني أبوه ، ورأيت أباه ، ومررت بأبيه فآخر الأب يختلف لكن لا بالحركات بل بالحروف أعني الواو في الرفع ، والألف في النصب ، والياء في الجرّ ، وكذلك تقول في البواقي نحو : أخوه أخاه أخيه ، وحموها حماها حميها ، وهنوه هناه هنيه ، وفوه فاه فيه ، وذو مال ذا مال ذي مال وإنّما أُعربت هذه الأسماء بالحروف لأنّها ثقيلة بسبب تعدّد يقتضيه تحقّق معانيها إذ الأب ـ مثلاً ـ إنّما يتصوّر بعد تصوّر من له الإبن مَعَ أنّ أواخرها حروف تصلح أن تكون

٤٥٠

علامة الإعراب فلم يزيدوا عليها الحركة لئلّا يزداد الثقل على الثقل.

وإنّما قال مضافة لأنّها إن كانت غير مضافة يكون إعرابها بالحركات لفظاً نحو : جاءني أبٌ ، ورأيت أباً ومررت بأبٍ.

وإنّما قال إلى غير ياء المتكلّم لأنّها إذا اُضيفت إلى ياء المتكلّم يكون اعرابها بالحركات تقديراً نحو : جاءني أبي ، ورأيت أبي ، ومررت بأبي ، وفيها قيدان آخران :

الأوّل : أن تكون مكبرّة لأنّها إن كانت مصغّرة يكون إعرابها بالحركات لفظاً نحو : جاءني اُبَيُّه ، ورأيت اُبَيَّه ، ومررت باُبِيِّهِ.

والثاني : أن تكون مفردة لأنّها إن كانت تثنية يكون إعرابها بالحروف لكن لا بجميعها بل ببعضها نحو : جاءني أبوان ، ورأيت أبوين ، ومررت بأبوين ، وإذا كانت جمعاً يكون إعرابها إمّا ببعض الحروف وذلك إذا كانت جمع المصحّح نحو : جاءني أبون ، ورأيت أبين ، ومررت بأبين وإمّا بتمام الحركات وذلك إذا كانت جمع مكسّر نحو : جاءني آباء ، ورأيت آباءً ومررت بآباءٍ.

قال : وفي «كلا» مضافاً إلى مضمر نحو جاءني كلاهما ، ورأيت كليهما ، ومررتُ بكليهما.

أقول : لمّا ذكر الموضع الأوّل من المواضع الأربعة الّتي يكون فيها الإعراب بالحروف أراد أن يذكر الموضع الثاني وهو كلا للمذكّر وكذلك كلتا للمؤنّث فإنّهما إذا كانا مضافين إلى مضمر يكون إعرابهما ببعض الحروف أعني بالألف في حالة الرفع ، وبالياء في حالتي النصب والجرّ نحو : جاءني الرجلان كلاهما والمرأتان كلتاهما ، ورأيت الرجلين كليهما والمرأتين كلتيهما ، ومررت بالرجلين كليهما وبالمرأتين كلتيهما.

٤٥١

وإنّما أعرب كلا وكلتا بالحروف لأنّهما يشابهان التثنية من حيث المعنى واللفظ ، أمّا المعنى فظاهر ، وأمّا اللفظ فكما أنّ في آخر التثنية ألفا ونونا في حالة الرفع ، وياء ونوناً في حالتي النصب والجرّ فكذلك كلا وكلتا إلّا أنّهما لمّا كانا دائمي الإضافة لم يظهر قطّ نونهما.

وإنّما قال مضافاً إلى مضمر لأنّهما إذا اُضيفا إلى المظهر يكون إعرابهما بالحركات تقديراً نحو : جاءني كلا الرجلين وكلتا المرأتين ورأيت كلا الرجلين وكلتا المرأتين ومررت بكلا الرجلين وبكلتا المرأتين.

قال : وفي التثنية والجمع المصحّح نحو : جاءني مسلمان ومسلمون ، ورأيت مسلمَينِ ومسلمِينَ ، ومررت بمسلمَينِ ومسلمِينَ.

أقول : لمّا بيّن الموضع الثاني من المواضع الأربعة شرع في بيان الموضع الثالث والرابع وهما التثنية ، والجمع المصحّح ، فإنّ إعرابهما أيضاً بالحروف ، ولكن ببعضها أعني بالألف في رفع التثنية ، وبالواو في رفع الجمع ، وبالياء في نصبهما وجرّهما نحو : جاءني مسلمان ومسلمون ، ورأيت مسلِمَيْنِ ومسلِمِيْنَ ، ومررت بمسلمَينِ ومسلمِينَ.

وإنّما اُعرب التثنية والجمع المصحّح بالحروف لأنّهما فرعان للمفرد والإعراب بالحروف فرع الإعراب بالحركات وقد اُعرب بعض المفردات بالحروف كالأسماء الستّة فلو لم يعربا بها للزم للفرع مزيّة على الأصل.

وإنّما جعل إعرابهما ببعض الحروف لأنّ حروف الإعراب ثلاثة الألف ، والواو ، والياء ، ومواضعها في التثنية والجمع ستّة رفعهما ونصبهما وجرّهما فيلزم التوزيع بالضرورة وإنّما اختصّ الألف برفع التثنية ، والواو برفع الجمع لأنّ الألف في تثنية الأفعال والواو في جمعها علامتان للمرفوع أعني الفاعل نحو : ضَرَبا ويضربان واضربا وضربوا ويضربون واضربوا

٤٥٢

فجعلتا في تثنية الأسماء وجمعها علامتين للرفع أيضاً كما في الأفعال ليناسب الأسماء الأفعال وجعل الجرّ بالياء فيهما لأنّهما اُختان ، وحمل النصب على الجرّ لأنّهما أخوان ، ثمّ فتح ما قبل الياء وكسر النون في التثنية ، وعكس في الجمع للفرق بينهما.

وإنّما قيّد الجمع بالمصحّح احترازاً عن الجمع المكسّر فإنّ إعرابه لا يكون بالحروف وسنبيّن معنى المصحّح والمكسّر وقت بيانهما إن شاء الله تعالى.

قال : وما لا يظهر الإعراب في لفظه قدّر في محله كعصاً وسُعدى والقاضي في حالتي الرفع والجرّ.

أقول : المعرب قسمان : قسم يظهر الإعراب في اللفظ ، وقسم لا يظهر.

والمصنّف لمّا ذكر القسم الأوّل أراد أن يذكر الثاني ، فقال : وما لا يظهر الإعراب في لفظه ، إلى آخره أي المعرب الّذي لا يظهر الإعراب في لفظه قدّر في محلّه أي يحكم بأنّ فيه إعراباً مقدّراً سواء كان آخره ألفاً منقلبة عن لام الفعل كعصاً فإنّ أصله عَصَوٌ قلبت الواو ألفا فصار عصا ، أو ألف التأنيث كسُعدى ، أو ياء ما قبلها مكسور كالقاضي فتقول : هذه عصاً ( بالتنوين ) وسُعدى والقاضي بالسكون ، ورأيت عصاً وسُعدى والقاضِيَ ( بالفتح ) ، ومررت بعصاً وسعدى والقاضي بسكون الياء فلا يظهر الاعراب في لفظ عصاً وسُعدى في حالة النصب والرفع والجرّ لانّ آخرهما ألف وهي لا تقبل الحركة ، وأمّا القاضي فلا يظهر إعرابه لفظاً في الرفع والجرّ لثقل الضمّة والكسرة على الياء ، وأمّا النصب فيظهر لخفّته ولذلك قال في حالتي الرفع والجرّ.

والحاصل أنّ المعرب إمّا أن يدخله الحركات الثلاث لفظاً كزيد أو تقديراً كعصا ، وإمّا أن يدخله بعض الحركات الثلاث لفظاً كأحمد أو

٤٥٣

تقديراً كسُعدى ، وإمّا أن يدخله الحركات الثلاث بعضها لفظاً وبعضها تقديراً كالقاضي ، وإمّا أن يدخله الحروف الثلاثة لفظاً كالأسماء الستّة أو تقديراً وهو غير موجود.

وأمّا أن يدخله بعض الحروف الثلاثة لفظاً كالتثنية والجمع المصحّح وكلا أو تقديراً وهو غير موجود أيضاً.

وإمّا أن يدخله بعض الحروف الثلاثة بعضها لفظاً وبعضها تقديراً كالجمع المصحّح المضاف إلى ياء المتكلّم نحو : مُسْلِميّ فإنّ أصله مسلمون ثم اُضيف إلى ياء المتكلّم واجتمع الواو والياء واُدغمت الواو في الياء وكسر ما قبل الياء فصار مسلمِيّ فهذه عشرة أقسام قسمان منها منتفيان في كلام العرب والباقية قد عرفت أمثلتها.

قال : وأسباب منع الصرف تسعة : العلميّة ، والتأنيث ، ووزن الفعل ، والوصف ، والعدل ، والجمع ، والتركيب ، والعجمة ، والألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث.

أقول : الأصل في الأسماء أن تكون منصرفة معربة بتمام الحركات اللفظية حتّى يدلّ كلّ حركة منها على ما هي دليل عليه ، أعني الرفع على الفاعليّة والنصب على المفعوليّة والجرّ على الإضافة.

والمصنّف لمّا ذكر ما يقتضي العدول عن الإعراب بالحركات اللفظية إلى الاعراب بالحركات التقديريّة أو بالحروف وذلك في الأسماء الستّة وكلا والتثنية والجمع المصحّح أراد أن يذكر ما يقتضي العدول عن الانصراف إلى عدم الانصراف ، أعني أسباب منع الصرف وهي تسعة :

العلميّة كزينب ، والتأنيث كطلحة ، ووزن الفعل كأحمد ، والوصف

٤٥٤

كأحمر ، والعدل كعُمَر ، والجمع كمساجد ، والتركيب كبعلبك ، والعجمة كإبراهيم ، والالف والنون المضارعتان أي المشبّهتان لألفي التأنيث ، أعني المقصُورة والممدودة نحو : حُبلى وحمراء كعِمْران.

قال : متى اجتمع في الاسم سببان منها أو تكرّر واحد لم ينصرف إلّا ما كان على ثلاثة أحرف ساكن الوَسَط كنوح ولوط ، فإنّ فيه أي في ذلك الاسم الّذي كان على ثلاثة أحرف ساكن الوسط مذهبين ، الصرف لخفّته ، وعدم الصرف لحصول السببين فيه.

أقول : لمّا عدّ أسباب منع الصرف أراد أن يذكر شرائطها فقال متى اجتمع في الاسم سببان منها أي من الأسباب التسعة أو تكرّر واحد كالجمع وألفي التأنيث فإنّ كلّ واحد منها مكرّر بالحقيقة لم ينصرف ذلك الاسم أي يكون غير منصرف فيمنع من الجرّ والتنوين إلّا ما كان على ثلاثة أحرف ساكن الوَسَط كنوح ولوط ، فإنّ في ذلك الاسم مذهبين.

أحدهما : الصرف لخفّته لأنّ الاسم إنّما يصير غير منصرف بسبب الثقل الحاصل من السببين والثلاثي الساكن الوسط في غاية الخفّة فلا يؤثّر فيه ثقل السببين.

والمذهب الثاني : عدم الصرف لحصول السببين فيه وإنّما صارت الأسباب التسعة مانعة من الصرف لأنّ الاسم بسببها يشبه الفعل في الفرعيّة كما ذكرنا فإنّ كلا من هذه الأسباب فرع للأصل ، ( العلميّة فرع للتنكير ) و ( التأنيث للتذكير ) و ( وزن الفعل لوزن الاسم ) و ( الوصف للموصوف ) و ( العدل للمعدول عنه ) و ( الجمع للواحد ) و ( التركيب للمفرد ) و ( العجمة للعربيّة ) و ( الألف والنون لمدخولهما ) وإنّما احتيج في منع الصرف إلى السببين أو تكرّر واحد منها لئلّا يلزم منع الصرف

٤٥٥

المخالف للأصل في أكثر الأسماء فإنّ أكثر الأسماء مشابهة للفعل في سبب واحد من تلك الأسباب ، وإنّما مثّل للثلاثي الّذي فيه مذهبان بنوح ولوط احترازاً من الثلاثي الساكن الوَسَط الّذي يكون فيه ثلاثة من الأسباب فإنّه لا ينصرف البتّة ك‍ ( ماه ) و ( جُور ) إذ هما علمان لبلدتين وفيهما العجمة والتأنيث المعنوي.

قال : وكلّ علم لا ينصرف ينصرف عند التنكير في الغالب.

أقول : لمّا فرغ من ذكر الأسباب الّتي تمنع الصرف وما يتعلّق بها أراد أن يشير إلى قاعدة تفيدك فائدة تامّة وهي أنّ غير العلميّة من الأسباب التسعة لا يزول عن الاسم بالكلّيّة ألبتة ، وأمّا العلميّة فقد تزول بقصد التنكير ، أعني العموم في ذلك الاسم نحو : ربّ أحمد كريم لقيته ، وحينئذٍ ينظر فيه فإن لم يكن العلميّة في ذلك الاسم سبباً لمنع الصرف لا يصير منصرفاً بزوالها كمساجد إذا جعل علماً ثمّ نكّر وإن كانت العلميّة سبباً لمنع الصرف ينصرف ذلك الاسم بالتنكير في الغالب نحو : أحمد ، لأنّ الاسم كما أنّه لا ينصرف بعروض العلميّة ينصرف بزوالها ، وإنّما قال في الغالب احترازاً عن نحو : أحمر فإنّه غير منصرف لوزن الفعل والوصف فإن جعل علماً لا ينصرف أيضاً لوزن الفعل والعلميّة ، وحينئذٍ لا تعتبر وصفيّته لأنّها تضادّ العلميّة فإذا نكّر لا يصير منصرفاً بل يبقى غير منصرف لأنّ الوصفيّة الزائلة بالعلميّة قد تعود بزوالها وهذا عند سيبويه وعند الأخفش ينصرف لأنّ الزائل لا يعود.

قال : المرفوعات على ضربين : أصل ، وملحقٌ به.

فالأصل هو الفاعل وهو على نوعين مظهر كضَرَبَ زيد ، ومضمر نحو

٤٥٦

ضربت زيداً وزيد ضَرَبَ.

أقول : لمّا كان الصنف الثالث من أصناف الاسم وهو المعرب على ثلاثة أقسام ، أعني مرفوعاً ومنصوباً ومجروراً ، وكان لكلّ قسم منها أفراد متعدّدة أراد المصنّف أن يذكر تلك الأفراد على وجه يقتضيه الوضع ، فقدّم المرفوعات على المنصوبات والمجرورات لأنّ المرفوعات أصل وهما فرعان إذ الكلام إنّما يتمّ بالمرفوع وحده دون المنصوب والمجرور ، فيقال : قام زيدٌ ، وزيدٌ قائم ، ولا يقال : زيداً ، أو بزيدٍ ، أو غلامُ زيدٍ.

والمرفوعات على ضربين : أصل ، وملحق به.

والأصل هو الفاعل لأنّ عامله فعل حقيقيّ غالباً وعامل باقي المرفوعات ليس كذلك ، والفعل الحقيقي أصل في العمل فمعموله أيضاً يكون أصلاً بالقياس إلى معمول غيره ، وإنّما جعل الفاعل مرفوعاً والمفعول منصوباً والمضاف إليه مجروراً لأنّ الرفع أعني الضم أثقل الحركات والفاعل أقلّ المعمولات فأعطى الثقيل القليل ، والنصب أعني الفتحة أخفّ الحركات والمفعول أكثر المعمولات فأعطى الخفيف الكثير ، فبقى الجرّ أعني الكسرة للمضاف إليه ، أو تقول الكسرة لمّا لم تبلغ مرتبة الضمّة في الثقل ، ولا مرتبة الفتحة في الخفّة والمضاف إليه لا يبلغ أيضاً مرتبة الفاعل في القلّة ولا مرتبة المفعول في الكثرة فتناسبا فأعطى الكسرة إيّاه ، والفاعل عند المصنّف اسم اُسند إليه ما تقدّمه من فعل أو شبهه وهو على نوعين :

مظهر ، كضَرَبَ زيد ، فإنّ زيداً اسم اُسند إليه فعل مقدّم عليه وهو ضَرَبَ.

ومضمر ، وهو على نوعين : بارز كضربتُ زيداً ، فإنّ التاء ضمير بارز اُسند إليه ضَرَبَ ، ومستتر كزيد ضَرَبَ ، فإنّ في ضَرَبَ ضميراً مستتراً اُسند إليه ضرب.

٤٥٧

والمراد بشبه الفعل الأسماء المتّصلة بالأفعال ، أعني المصدر واسم الفاعل والمفعول والصفة المشبّهة وأفعل التفضيل نحو : زيد ضارب غلامه عمراً ، فإنّ غلاماً اسم اُسند إليه شبه الفعل وهو ضارب مقدّم عليه وسيجيء مباحث كلّ ذلك من قريب.

قال : والملحق به خمسة أضرب : المبتدأ وخبره

أقول : لمّا ذكر الأصل في المرفوعات أراد أن يذكر الملحق بالأصل وما يتعلّق به.

والملحق بالأصل خمسة أضرب :

الأوّل : المبتدأ وخبره ، وهما عند المصنّف اسمان مجرّدان عن العوامل اللفظية للإسناد كزيد قائم ، فإنّهما اسمان مجرّدان عن العوامل اللفظيّة واُسند أحدهما وهو قائم إلى الآخر وهو زيد ، والمسند إليه أعني زيداً يسمّى مبتدأ ، والمسند أعني قائماً يسمّى خبراً.

قال : وحق المبتدأ أن يكون معرفة وقد يجيء نكرة نحو : شَرٌّ أهَرَّ ذا نابٍ.

أقول : وحقّ المبتدأ أن يكون معرفة لأنّه محكوم عليه والشيء لا يحكم عليه إلّا بعد معرفته ، وقد يجيء المبتدأ نكرة قريبة من المعرفة نحو : شَرٌّ أهَرَّ ذا نابٍ ، فإنّ شرّاً نكرة قريبة من المعرفة لأنّه في المعنى ما أهَرَّ ذا نابٍ إلّا شرّ ، فالشرّ في الحقيقة فاعل والفاعل النكرة يقرب من المعرفة بتقديم الفعل عليه.

قال : وحقّ الخبر أن يكون نكرة وقد يجيئان معرفتين نحو : الله إلٰهنا ومحمّد نبيّنا.

٤٥٨

أقول : وحقّ الخبر أن يكون نكرة لأنّه محكوم به ، والمحكوم به ينبغي أن يكون نكرة لأنّه إن كان معرفة كان معلوماً للمخاطب فلا يكون في الحكم فائدة ، وقد يجيئان يعني المبتدأ وخبره معرفتين نحو : الله إلٰهنا ومحمّد نبيّنا ، فالمقدّم من الاسمين في المثالين يكون مبتدأ والمؤخّر خبراً.

قال : والخبر على نوعين : مفرد نحو : زيد غلامك ، وجملة وهي على أربعة أضرب : فعليّة نحو : زيد ذهب أبوه ، واسميّة نحو : عمرو أخوه ذاهب ، وشرطيّة نحو : زيد إن تكرمه يكرمك ، وظرفيّة نحو : خالد أمامَكَ وبِشر من الكرام.

أقول : الخبر على نوعين :

الأوّل : مفرد أي غير جملة سواء كان مشتقّاً غير مضاف نحو : زيد ضارب ، أو مشتقّاً مضافاً نحو : زيد ضاربك ، أو كان جامداً غير مضاف نحو : زيد غلام ، أو كان جامداً مضافاً نحو : زيد غلامك.

والثاني جملة ، والجملة على أربعة أضرب :

فعليّة أي يكون جزؤها الأوّل فعلاً نحو : زيد ذهب أبوه ، فإنّ ذهب أبوه جملة فعليّة خبر لزيد.

واسميّة أي يكون جزؤها الأوّل اسماً نحو : عمرو أخوه ذاهب ، فإنّ أخوه ذاهب جملة اسميّة خبر لعمرو.

وشرطيّة أي يكون أوّلها حرف شرط نحو : زيدٌ إن تكرمه يكرمك ، فإنّ إن تكرمه يكرمك جملة شرطيّة خبر لزيد.

وظرفيّة أي يكون أوّلها ظرفاً أو بمنزلة الظرف لفعل مقدّر نحو : خالدٌ أمامَكَ ، فإنّ أمامَكَ ظرف لفعل مقدّر وهو حصل ، والجملة خبر لخالد على سبيل الحقيقة وظرف على سبيل المجاز ، ونحو : بشر من الكرام ، فإنّ

٤٥٩

من الكرام بمنزلة الظرف لفعل مقدّر وهو حَصَلَ أيضاً والجملة خبر لبشر.

قال : ولا بدّ في الجملة من ضمير يرجع إلى المبتدأ إلّا إذا كان معلوماً نحو : البرّ الكرّ بستّين درهماً.

أقول : ولا بدّ في الجملة الواقعة خبراً للمبتدأ من ضمير يرجع إلى المبتدأ كما مرّ في الأمثلة المذكورة لأنّ الجملة مستقلّة بنفسها فلو لم يكن فيها ضمير يربطها إلى المبتدأ لكانت أجنبيّة عنه إلّا إذا كان هذا الضمير معلوماً من سياق الكلام فإنّه حينئذٍ يحذف من اللفظ ويقدّر في النيّة نحو : البرّ الكرّ بستّين درهماً ، فإنّ الكرّ بستّين درهماً جملة من المبتدأ والخبر وهي خبر للبرّ والضمير محذوف والتقدير البرّ الكرّ منه بستّين درهماً ، وإنّما حذف منه لدلالة سوق الكلام عليه فإنّ تقديم البرّ على الكرّ يدلّ على أنّ الكرّ يكون من البرّ فيستغنى عن ذكره والكرّ نوع من المكيال.

قال : وقد يقدّم الخبر على المبتدأ نحو : منطلقٌ زيدٌ.

أقول : حقّ المبتدأ أن يكون مقدّماً على الخبر لأنّه محكوم عليه ، وحقّ المحكوم عليه التقديم ، لكن قد يقدّم الخبر على المبتدأ نحو : منطلقٌ زيدٌ ، فإنّ زيداً مبتدأ. ومنطلق خبره مقدّم عليه ، وإنّما جاز ذلك للتوسّع في الكلام فإنّه ربّما يحتاج في الوزن والقافية والسجع إلى تقديم بعض أجزاء الكلام على بعض.

قال : ويجوز حذف أحدهما عند الدلالة قال الله تعالى : «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ» (١).

____________________________

(١) يوسف : ٨٣.

٤٦٠