جامع المقدّمات

جمع من العلماء

جامع المقدّمات

المؤلف:

جمع من العلماء


المحقق: الشيخ جليل الجراثيمي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-470-030-9
الصفحات: ٦٣٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الهمزة منقلبة عن الالف المنقلبة ، وفي بحث الإعلال : إنّها منقلبة عن الواو والياء ، فكأنّه قصّر المسافة في بحث الإعلال لما علم ذلك من بحث الإبدال ، ولفظ المصنف يصحّ أن يُحمل على كلّ من الوجهين ، ويكتب الهمزة بصورة الياء لأنّ الهمزة المتحرّكة الساكن ما قبلها تكتب بحرف حركتها ، وقد جاء في الشّواذ حذف هذه الألف دون قلبها همزة ، كقولهم : شاك ، والاصل : شاوك قلبت الواو الفاً وحذفت الالف ووزنه ، قال : وليس المحذوف الف فاعل ؛ لانّ حروف العلّة كثيراً ما تحذف بخلاف العلامة.

قال صاحب الكشّاف : في قوله تعالى : «شَفَا جُرُفٍ هَارٍ» (١) وزنه فعل قصّر عن فاعل ، ونظيره شاك في شاوك وألفه ليست بالف فاعل وإنّما هو عينه وأصله هور وشوك ، وقال في المفصّل : وربّما يحذف العين فيقال شاك والصواب هذا.

ومنهم من يقلب أي يضع العين موضع اللام ، واللام موضع العين ويقول : شاكِوٌ ، ثمّ يعلّه إعلال قاض ٍوجاءٍ كما يذكر ويقول : الشاكي ووزنه فالع ، فعلىٰ هذا تقول : جاءني شاك ، ومررت بشاكٍ بالكسر وحذف الياء فيهما ، ورأيت شاكيا باثبات الياء لخفّة الفتحة ، وعلى الحذف تقول جاءني شاك ، ورأيت شاكاً ، ومررت بشاك بالكسر.

[ و ] اسم الفاعل [ من ] الثلاثي [ المزيد فيه يعتلّ بما أعتلّ به المضارع كمجيب ] والأصل مُجوِب [ ومُسْتَقيمٌ ] والأصل مُسْتَقْوِمٌ [ ومُنْقادٌ ] والأصل منقود [ ومختار ] والأصل مختير ، وإن لم يكن من الأبنية الأربعة لا يعتلّ كما تقدّم [ واسم المفعول من الثلاثي المجرّد يعتلّ بالنقل والحذف : كمصون ومبيع ، والمحذوف واو مفعول عند سيبويه ] لأنّها زائدة والزائد بالحذف أولىٰ ، والأصل : مَصْوُونٌ ومَبْيُوعٌ نقلت حَرَكة

____________________________

(١) التوبة : ١٠٩.

٢٤١

العين الى ما قبلها فحذفت واو المفعول لإلتقاء السّاكنين ، ثم كسر ما قبل الياء فى مبيع لئلّا ينقلب الياء واواً فيلتبس بالواويّ فمصون مَفْعُل ومَبيعٌ مَفْعِل.

والمحذوف [ عين الفعل عند أبي الحسن الأخفش ] لانّ العين كثيراً ما يعرض له الحذف في غير هذا الموضع فحذفه أولىٰ ، فأصل مبيع مبيُوع نقلت ضمّة الياء الى ما قبلها وحذفت الياء ثمّ قلبت الضّمّة كسرة ليقلب الواو ياء لئلّا يلتبس بالواوي.

ومذهب سيبويه أولىٰ لانّ التقاء السّاكنين انّما يحصل عند الثاني فحذفه أولىٰ ولأنّ قلب الضمة الى الكسرة خلاف قياسهم ولا علّة له ولو قيل العلّة دفع الإلتباس ، فالجواب أنّه لو قيل بما قال سيبويه لدفع الإلتباس عنه أيضاً ، فإن قيل : الواو علامة والعلامة لا تحذف ، قلنا لا نسلّم أنّها علامة بل هي من اشباع الضمّة لرفضهم مفعلاً فى كلامهم إلّا مَكرُماً ومعوناً ، والعلامة إنّما هي الميم يدلّ على ذلك كونها علامة للمفعول في المزيد فيه من غير واو ، فإن قيل : إذا اجتمع الزائد مع الأصليّ فالمحذوف وهو الأصلي كالياء من غاز مع وجود التّنوين.

وإذا التقى السّاكنان والأوّل حرف مدّ يحذف الأوّل كما في : قُلْ وبِعْ وخَفْ ، قلنا : كلّ من ذلك إنّما يكون إذا كان الثاني من السّاكنين حرفاً صحيحاً ، وأمّا هاهنا فليس كذلك بل هما حرفا علّة ، وأمّا قولهم : مَشيبٌ في الواويّ من الشّوب وهو الخلط ، ومَهُوبٌ في اليائىّ من الهيبة فمن الشواذّ والقياس مشوب ومَهيبٌ.

[ وبنو تميم يثبتون الياء ] وفي بعض النسخ : يتّممون الياء دون الواو لانّها أخفّ من الواو [ فيقولون : مَبْيُوعٌ ] كما يقولون : مضروبٌ وذلك القياس مطّرد عندهم وقال الشاعر :

٢٤٢

حتّى تَذَكَّر بيضاتٍ وهَيَّجَه

يوم رذاذٌ عليه الدّجْنُ مَغْيُومٌ

وقال أيضاً :

قَدْ كانَ قَوْمُكَ يَحْسَبُونَكَ سَيِّداً

واِخالُ اَنَّكَ سَيِّدُ مَعْيُونٌ

ولم يجيء ذلك في الواويّ قال سيبويه : لأنّ الواوات أثقل من الياءات ، وروى ثَوْبٌ مَصْوُونٌ ، ومِسْك مَدوُوق أي مبلول ، وضعف قول مَقْوول ، وفرس مقوُود.

واسم المفعول [ من ] الثلاثي [ المزيد فيه يعتلّ بالقلب ] أي قلب العين الفاً كما في المبنيّ للمفعول من المضارع [ إن أعتلّ فعله ] أي فعل إسم المفعولَ وهو المبنيّ للمفعول من المضارع بأن يكون الأبنية من الأربعة [ كمُجاب ومُسْتَقام ومُنْقادٌ ومختارٌ ] والأصل : مُجْوَبٌ ومُسْتَقْوَمٌ ومُنْقَوَدٌ ومُخْتَيَر ، وإنّما قال هاهنا بالقلب ، وفي إسم الفاعل بما اعتلّ به المضارع لأنّ القلب هاهنا لازم كفعله بخلاف إسم الفاعل ، فإنّه قد يكون فيه وقد لا يكون كمبيع من أباع فإنّه لا قلب فيه.

النوع [ الثالث ] من الأنواع السبعة [ المعتلّ اللام ] وهو ما يكون لامه حرف علّة ويقال له الناقص لنقصان آخره من بعض الحركات [ ويقال له ذو الاربعة ] أيضاً [ لكون ماضيه على أربعة أحرف إذا اخبرت عن نفسك نحو : غَزَوْتُ ورَمَيْتُ ] فإن قلت : هذه العلّة موجودة في كلّ ما هو غير الأجوف من المجرّدات ، قلت : هو في غير ذلك على الأصل بخلاف الناقص ، فإنّ كونه على ثلاثة أحرف هاهنا أولىٰ منه في الأجوف لكون حروف العلّة هاهنا في الآخر الّذي هو محلّ التغيير فلمّا خالف ذلك وبقي على الاربعة سمّي بذلك.

وايضاً تسمية الشيء بالشيء لا يقتضي إختصاصه به.

٢٤٣

[ فالمجرّد تقلب الواو والياء منه ] اللّتان هما لام الفعل من الناقص [ الفاً إذا تحرّكتا وانفتح ما قبلهما كغَزىٰ ورمىٰ ] في الفعل والأصل غَزَوَ ورَمَيَ [ أو عصاً ورَحىٰ ] في الأسم والأصل : عَصَوٌ ورَحَيٌ قلبتا الفاً وحذفت الألف لإلتقاء السّاكنين بين الألف والتنوين والالف المنقلبة من الياء تكتب بصورة الياء فرقاً بينها وبين المنقلبة من الواو وقوله : إذا تحرّكتا احتراز عن نحو : غزوت ورميت ، وقوله : وانفتح ما قبلهما احتراز عن نحو : الغزو والرمي ، ونحو : لن يَغْزُوَ ، ولن يَرْمِيَ.

وكان عليه أن يقول : إذا تحرّكتا وانفتح ما قبلهما ولم يكن ما بعدهما ما يوجب فتح ما قبله احترازاً عن نحو : غَزَوا ورَميا وعَصَوان ورَحَيان ويرضيان وارضيا ويغزوان ويرميان مبنيّين للمفعول ، فإنّ ألف التثنية يقتضي فتح ما قبلها فلا يقلب اللام في هذه الأمثلة الفاً لئلّا تزول الفتحة ، ولو قلبتا الفاً وتحذف الالف لأدّىٰ الى الإلتباس ولو في صورة فتدبّر ، وأمّا نحو : ارضيّن واخشيّن من الواحد المؤكّد بالنون فلم تقلب يائه الفاً لأنّه مثل : ارضيا واخشيا لما مرّ من أنّ النون مع المستتر كألف التثنية ، والمصنف ترك هذا القيد إعتماداً على الأمثلة على ما سيأتى.

[ وكذلك الفعل الذي زاد على ثلاثة أحرف ] تقلب لامه الفاً عند وجود العلّة المذكورة [ وكذلك إسم المفعول ] من المزيد فيه فإنّ ما قبل لامه يكون مفتوحاً البتّة ، ثمّ أشار الى أمثلة الفعل وإسم المفعول على طريق اللّفّ والنّشر بقوله : [ كأعطىٰ ] والأصل : أعطو [ واشترىٰ ] والأصل : اشْتَرَيَ [ واِسْتَقْصىٰ ] والأصل : استقصو قلبت الواو من أعطو واستقصو ياء كما سيجيء.

ثمّ قلبت الياء من الجميع الفاً ، وهذا هو السّرّ في فصل ذلك وما يليه عمّا قبله بقوله وكذلك فافهم ، فإنّه رمز خفيّ فالواو إنّما ينقلب الفاً

٢٤٤

بمرتبتين [ والمُعطى والمُشْترى والمُسْتَقصى ] ايضاً كذلك ولمّا ذكرنا من أنّ الألف في الجميع منقلبة عن الياء يكتبونها بصورة الياء ومثّل بثلاثة أمثلة لأنّ الزّائد إمّا واحد أو اثنان أو ثلاثة وذكر اسم المفعول مع اللام ليبقى الألف فيتحقّق ما ذكرناه إذ لولا اللام لحذفت الألف بالتقاء السّاكنين بينها وبين التّنوين وكان الأولى فيما تقدّم أن يقول كالعصىٰ والرحىٰ.

[ وكذلك ] تقلبان الفاً ولو كان في الواو بمرتبتين [ إذ لم يسمّ فاعله ] أي في المبنيّ للمفعول [ من المضارع ] مجرّدا كان أو مزيداً فيه لأنّ ما قبل لامه مفتوح البتّة [ كقولك : يُعطىٰ ويغزىٰ ] والأصل : يعطو ويغزو قلبت الواو ياء [ ويُرمىٰ ] أصله يُرْمَيُ قلبت الياء من الجميع الفاً وكذا يكتب بصورة الياء ، وإنّما قال من المضارع لأنّ المبنيّ للمفعول من الماضي سنذكر حكمه.

[ وأمّا الماضي فيحذف اللام منه في مثال فعلوا مطلقاً ] أي إذا اتّصل به واو ضمير جماعة الذّكور سواء كان ما قبل اللام مفتوحاً أو مضموماً أو مكسوراً ، واواً كان اللام أو ياءً ، مجرّداً كان الفعل أو مزيداً فيه ، لأنّ اللام وما قبله متحرّكان في هذا المثال البتّة وحركة اللام الضمّة لاجل الواو : كَنَصَرُوا وضَرَبُوا ، فحركة ما قبلها إن كانت فتحة تقلب اللام الفاً ويحذف الالف لإلتقاء السّاكنين ، وان كانت ضمّة أو كسرة فتسقطان أو تنقلان كما سنذكره مفصّلا لثقلهما على اللام فيسقط اللام لإلتقاء السّاكنين ففي الكلّ وجب حذف اللام.

[ و ] يحذف اللام [ في مثال : فَعَلَتْ وفَعَلَتا ] أي إذا اتّصلت بالماضي تاء التانيث [ إذا انفتح ما قبلها ] أي ما قبل اللام : كَغَزَتْ غَزَتا ، ورَمَتْ رَمَتا ، واَعْطَتْ اَعْطَتا ، واشْتَرَتْ اشْتَرَتا ، واسْتَقْصَتْ اسْتَقْصَتا والأصل : غَزَوَتْ

٢٤٥

غَزَوَتا ورَمَيَتْ رَمَيَتا ... الخ قلبت الواو والياء الفاً لتحرّكهما وانفتاح ما قبلهما ثمّ حذفت الالف لإلتقاء السّاكنين وهو في فعل الإثنين تقديريّ لأنّ التاء ساكنة تقديراً لأنّ المتحرّكة من خواصّ الاسم فعرضت الحركة هاهنا لأجل ألف التّثنية فلا عبرة بحركته ومنهم من لا يلمح هذا ويقول : غزاتا ورماتا وليس بالوجه.

[ وتثبت ] اللام [ في غيرها ] أي في غير مثال فعلوا مطلقاً وفي مثال : فَعَلَتْ وفَعَلَتا مفتوحي ما قبل اللام وهو ما لا يكون على هذه الأمثلة أو يكون على فعلت وفعلتا لكن لا يكون مفتوح ما قبل الآخر نحو : رَضِيَتْ ورَضِيَتا وسَرُوَتْ وسَرُوَتا لعدم موجب الحذف واذا تقرّر هذا فتقول في فعل مفتوح العين واويّاً [ غَزا غَزَوا غَزَوْا غَزَتْ غَزَتا غَزَوْنَ الخ ] وفيه يائياً [ رَمى رَمَيا رَمَوْا ... الخ ] وفي فَعِلَ مكسور العين [ رَضِيَ رَضِيا رَضُوا ... الخ ] وهو سواء كان واوّياً أو يائيّاً لامه ياء لأنّ الواو تقلب ياء لتطرّفها وانكسار ما قبلها كرَضِيَ أصله رَضِوَ بدليل رضوان وبهذا صرّح في الصحاح ، واليائي كخَشِيَ ، ولذا لم يذكر المصنّف إلّا مثالاً واحداً.

[ وكذلك ] تقول : [ سَرا ] أي صار سيّداً [ سَرُوَا سَرُوا سَرُوَتْ سَرُوَتا سَرُوْنَ ... الخ ] وإنّما قال وكذلك لانّه لم يذكر جميع تصاريفه فأشار الى أنّ تصاريفه كالمذكور وذكر مثالاً واحداً لأنّه لا يكون يائياً [ وانّما فَتَحْتَ ] أنت [ ما قبل واو الضمير في غَزَوْا ورَمَوْا ] وهو الزاء والميم [ وضَمَمْتَ ] ما قبلها [ في رَضُوا وسَروا ] وهو الضاد والراء [ لأنّ واو الضمير إذا اتّصلت بالفعل الناقص بعد حذف اللام فإن انفتح ما قبلها ] أي ما قبل واو الضمير [ أبقى ] ما قبلها [ على الفتح ] إذ لا منع منها.

[ وإن انضمّ ] ما قبلها [ أو كسر ضمّ ] لمناسبة الواو الضّمّة ففتح في غزوا ورموا لأنّ ما قبل الواو بعد حذف اللام مفتوح لانّهما مفتوح العين

٢٤٦

فابقى الفتحة وضمّ في سَرُوا لأنّه مضموم العين ، وكذا في رضوا لأنّه مكسور العين بعد حذف اللام فقلبت الكسرة ضمّة لتبقى الواو وفي هذا الكلام نظر من وجوه : الأوّل : إنّ قوله وإنّ انضمّ أو كسر ضمّ لا يخلو عن حزازة.

فإنّه إن انضمّ فكيف يضمّ فالعبارة الصحيحة أن يقال : إن انفتح أو انضمّ ابقى وان كسر ضمّ. الثاني : إنّ كلامه هذا يدلّ على أنّه لم ينقل ضمّة الياء الى الضاد بل حذفت ، ثمّ قلبت الكسرة ضمّة حيث قال : وإن كسر ضمّ وقوله [ والأصل : رَضُوا رَضِيُوا ] يعني بعد قلب الواو ياءً إذ الأصل رضووا [ نقلت حركة الياء الى الضاد وحذفت الياء لإلتقاء السّاكنين ] وهما الواو والياء هو صريح في أنّ الضمة نقلت من الياء الى ما قبلها فبين الكلامين تباين. والثالث : إنّ قوله بعد حذف اللام ، الظاهر أنّه متعلّق بقوله اتّصل إذ لا يجوز تعلّقه بقوله إن انفتح ؛ لأنّ معمول الشرط لا يتقدّم عليه.

وكذا معمول ما بعد فاء الجزاء ، ولا يصحّ تعلّقه بقوله اتّصل ؛ لأنّ الإتّصال ليس بعد حذف اللام وإلّا لم يبق لحذفها علّة ، فإنّ علة الحذف إجتماع السّاكنين ، وأحدهما الواو فكيف يكون الإتّصال بعد حذفها وهذا ظاهر ، فالتوجيه أن يقال تقديره : إذا اتّصل إتّصالاً وباقيا بعد حذف اللام.

وهذا التوجيه لو صحّ لاندفع الإعتراض الثاني بأن يقال : المراد بقوله إن انكسر ضمّ أن ينقل ضمّ اللام اليه إذ لا منافاة ، فإنّه إذا نقلت الضمّة اليه صدق أنّه ضمّ ، وكذا الإعتراض الأوّل بأن يقال : إنّه لم يقل وإن ضمّ أبقى تنبيهاً على أنّ هذا الضمّ ليس هو الضمّ الّذي كان في الأصل لأنّه أسكن ، ثمّ نقل ضمّ اللام اليه كما ذكر في رضُوا فنقول أصل : سَرُوا سَرُووا نقلت ضمّة الواو الى ما قبلها فصحّ أنّه ضمّ فاندفع الإعتراضات

٢٤٧

الثلاث وهذا موضع تامّل.

[ وأمّا المضارع فتسكن الواو والياء والألف ] أي اللام [ منه في الرفع ] نحو : يَغْزُوُ ويَرْمى ويَخْشى ، والاصل : يَغْزُوُ ويَرْمىُ ويَخْشَىُ [ ويحذف في الجزم ] لأنّها قائمة مقام الإعراب كالحركة فكما يحذف الحركة فكذا هذه الحروف وقد شذّ قوله :

هَجَوْتَ زَبّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِراً

مِنْ هَجْوِ زَبّان لَم تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ

حيث اثبت الواو وقوله :

ألَمْ يَأتيكَ والأنْباءُ تَنْمي

بِما لاقَتْ لَبُونُ بَني زِيادٍ

حيث أثبت الياء وقوله :

وتَضْحَكُ مِنّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ

كَأَنْ لَمْ تَرىٰ قَبْلي أسيراً يَمانِيا

حيث أثبت الألف [ وتفتح الواو والياء في النّصب ] لخفّة الفتحة [ وتثبت الألف ] في الواحد بحالها لأنّها لا تقبل الحركة ولا موجب للحذف وقد جاء إثبات الواو والياء ساكنين في النّصب مثلهما في الرفع كقوله :

فما سَوَّدَتْني عامِرٌ عن وراثَة

أبَى اللهُ اَنْ اَسْمُو بِاُمٍّ ولا أبٍ

والقياس أن أسْمُوَ بالفتح ويحتمل أن يكون أن غير عاملة تشبيهاً لها بماء المصدريّة كما في قراءة مجاهدان يتمّ الرضاعة بالرفع.

منه قول الشاعر :

أنْ تَقْرَءانِ على أسْماءَ وَيحْكُما

مِنّي السّلامَ وَأنْ لا تشعرا أحَداً

حيث أثبت النون في تقرءان وكلاهما من الشواذ وقوله :

فَاليْتُ لها أرْثي لها مِنْ كَلالَةٍ

ولا من حفيً حتّى نُلاقي محمّداً

حيث لم يقل نلاقيَ بالفتح [ ويسقط الجازم والنّاصب النونات سوى نون جمع المؤنّث ] هذا لا طائل تحته إذا تقرّر هذا.

٢٤٨

[ فتقول : لم يَغْزُ ] بحذف الواو و [ لم يَغْزُوا ] بحذف النون و [ لم يَرْم ] بحذف الياء [ لم يَرْميا ] بحذف النون [ لَم يَرْضَ ] بحذف الألف [ لم يَرْضَيا ] بحذف النون و [ لن يَغْزُوَ ] بفتح الواو و [ لن يَرْمِيَ ] بفتح الياء و [لن يَرْضىٰ ] باثبات الالف [ وتثبت لام الفعل ] واواً كان أو ياءً [ في فعل الإثنين ] متحرّكة مفتوحة نحو : يغزوان ويرميان ويرضيان بقلب الألف ياءً.

أمّا في يغزوان ويرميان فلعدم موجب الحذف ، وأمّا في يرضيان فلأنّ الألف يقتضي فتح ما قبله فلم تقلب الياء ألفاً إذ لو قلبت وحذف لأدّىٰ الى الإلتباس حال النّصب.

[ وتثبت لام الفعل فى فعل جماعة الإناث ] أيضاً ساكنة نحو : يَغْزُونَ ويَرْمينَ ويرضَيْنَ لعدم مقتضى الحذف ويحذف لام الفعل من فعل جماعة الذّكور مخاطبين كانوا أو غائبين نحو : يغزون ويرمون ويرضون ، والأصل : يغزوون ويرميون ويرضيون ، فحذفت حركات اللام ثم اللام ، وإن شئت قل في يغزون ويرمون نقلت حركة اللام الى ما قبلها ، وفي يرضون قلبت اللام الفاً ثمّ حذفت.

[ و ] يحذف أيضاً [ من فعل الواحدة المخاطبة ] نحو : تغزين وترمين وترضين ، والأصل : تغزوين وترميين وترضيين فأعلّت كما مرّ آنفاً ، وقد عرفت في بحث نون التأكيد السر في أنّ المحذوف لام الفعل دون واو الضمير وياؤه إذا تقرّر ذلك ، فتقول في يفعُل بالضم : [ يَغْزُو يَغْزُوان يَغْزُوُنَ ... الخ ويستوى فيه ] أي في مضارع نحو : غَزا [ لفظ جماعة الذّكور والإناث في الخطاب والغيبة ] جميعاً أمّا في الخطاب فلأنّك تقول : انتم تَغْزُونَ وانتنّ تَغْزوُنَ بالتاء الفوقانيّة فيهما ، وأمّا فى الغيبة فلأنّك تقول : هم يَغْزون وهنّ يَغْزون بالياء التحتانيّة فيهما.

٢٤٩

[ لكن التقدير مختلف فوزن جمع المذكر يفعُونَ ] فى الغيبة ، و [ تَفعُون ] في الخطاب بحذف اللام فيهما لما ذكرنا من أنّ الأصل : يغزوون وتغزوون حذف اللام دون واو الضمير.

و [ وزن ] جمع [ المؤنّث يَفْعُلْنَ ] في الغيبة [ وتَفْعُلْنَ ] في الخطاب لما تقدّم من انّ اللام تثبت في فعل جماعة الإناث [ وتقول ] في يَفْعِلُ بالكسر [ يَرْمي يَرْمِيان يَرْمُونَ ، تَرمي تَرْمِيانِ يَرْمينَ ، تَرمي تَرْمِيان تَرْمُونَ تَرْمينَ تَرْمِيان تَرْمينَ ، أرْمي نَرْمى أصل : يَرْمُونَ يَرْميون ففعل به ما فعل برَضُوا ] يعني نقلت ضمّة الياء الى الميم وحذفت الياء لإلتقاء السّاكنين وخصّصه بالذكر لأنّه خالف يَغْزُونَ ويَرْمُونَ في عدم بقاء عينه على حركته الأصليّة فنبّه على كيفيّة ضمّ العين وانتفاء الكسر.

[ وهكذا ] أي مثل يرمي [ حكم كلّ ما كان قبل لامه مكسوراً ] في جميع ما مرّ [ كيهْدي ويَرتَجي ويُناجي ويَنْبَري ] أي يعترض [ ويستدعي ] فأجرِ عليها أحكام يرمي فَصَرّفها تصريفه فإن كنت ذكيّاً كفاك هذا وإلّا فالبليد لا يفيده التّطويل ولو تليت عليه التّوراة والأنجيل [ ويَرْعوي ] أي يكفّ : يَرْعَوِيان يَرْعَوُونَ تَرْعَوي تَرْعَوِيانِ يَرْعَوينَ تَرْعَوي تَرْعَوِيانِ تَرْعَوُونَ تَرْعَوينَ تَرْعَوِيانِ تَرْعَوينَ اَرْعَوي نَرْعَوي هذا من باب الاِفْعِلال ، والأصل : إرْعَوَ وَيَرْعَوِوُ ولم يدغم للثّقل ولأنّهم إنّما يدغمون بعد إعطاء الكلمة ما تستحقّه من الإعلال كما يشهد به كثير من اُصولهم ، فلمّا اعلّوا فات إجتماع المثلين ولما يلزم في المضارع من يرعوّ مضموم الواو وهو مرفوض ولم يَقْلَبوا الواو الاُولى ألفاً بل قلبوا الثانية ياءً لوقوعها خامسة مَعَ عدم إنضمام ما قبلها ، ثمّ قلبت الياء الفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.

وإنّما يقال في فعل جماعة الذّكور والواحدة المخاطبة يرعوون وترعوين ، ولم يحذف هذه الواو كما فى يرضون وترضين ؛ لأنّه قد حذفت

٢٥٠

لام الفعل إذ الأصل يَرْعَوون وتَرْعَوِوينَ فلو حذفت هذه الواو ايضاً لكان اجحافا بالكلمة والتباساً بالثلاثى المجرّد ولم تقلب هذه الواو ياء مع وقوعها رابعة.

وعدم إنضمام ما قبلها لما سنذكره في هذا البحث وقيل لئلّا يلزم إجتماع الاعلالين أعني إعلال حرفين من كلمة واحدة بنوع واحد وهو مرفوض وفيه نظر لأنّه ينتقض بنحو : يَقُونَ وتَقينَ ، ونحو : إيقاء والأصل : إوْقاياً وما أشبه ذلك ممّا قلب أو حذف منه حرفان فافهم ، فإنّ إمتناع إجتماع الاعلالين وإن اشتهر فيما بينهم لكنّه كلام من غير رويّة اللّهمّ إلّا أن يخصّص على ما قيل المراد بإجتماع الاعلالين تقاربهما بأن لا يكون بينهما فاصل وحينئذٍ لا يلزم الإنتقاض بما ذكر [ يَعْرَوْري ] يَعْروْرِيانِ يَعْرَوْرُونَ تَعْرَوْري تَعْرَوْرِيانِ يَعْرَوْرينَ تَعْرَوْري تَعْرَوْرِيانِ تَعْرَوْرُونَ تَعْرُوْرينَ تَعْروْرِيانِ تَعْرَوْرينَ أعْرَوْري نَعْرَوْري وهو اِفْعَوْعَلَ مثل اِعْشَوْشَبَ يقال : اِعْرَوْرَيْتُ الفَرَس أي ركبته عُرْياناً والأصل إعْرَوْرَ وَيَعْرَوْرِ وُقلبت الواو ياء والأصل يَعْرَوْرُونَ يَعْرَوْرِيونَ وأصل تَعْرَوْرينَ تَعْرَوْرِيينَ أعلّ إعلال يرمون وترمين وذلك بعد قلب الواو ياء.

[ وتقول ] في يفعل بالفتح [ يَرْضىٰ يَرْضَيان يَرْضَوْنَ تَرْضىٰ تَرْضَيانِ يَرْضَيْنَ ] بالياء دون الألف لأنّ الأصل الياء والألف منقلبة عنه وهاهنا ليست متحرّكة فلا تقلب [ تَرْضىٰ تَرْضَيانِ تَرْضَوْنَ تَرْضَيْنَ تَرْضَيانِ تَرْضَيْنَ اَرْضىٰ نَرْضىٰ وهكذا قياس كلّ ما كان قبل لامه مفتوحاً نحو : يَتَمَطّىٰ ] والأصل يَتَمطّو مصدره التمطّى أصله التمطّو ، لأنّه من المطو وهو المدّ قلبت الواو ياء والضمّة كسرة لرفضهم الواو المتطرّفة المضموم ما قبلها [ ويتصابى ] أصله يتصابو فمصدره التصابي أصله التصابو لأنّه من الصّبوة فأعلّ بإعلال المذكور و [ يَتَقَلْسىٰ ] أصله يتقلسو مصدره التقلسي أصله التقلسو كتدحرج.

٢٥١

ولا يخفى عليك تصاريف هذه الأفعال وأحكامها إن أحطت علماً بيرضىٰ فلا أذكر خوف الإعلال [ ولفظ الواحدة المؤنّث في الخطاب كلفظ الجمع ] أي لفظ جمع المؤنّث في الخطاب [ في بابي يَرْمى ويَرْضىٰ ] أي في كلّ ما كان قبل لامه مكسوراً أو مفتوحاً فإنّه يقال في الواحدة والجمع تَرْمينَ وتَهْدينَ تَرتَجينَ وتناجين ... الخ وكذا ترضين وتتمطّين وتتصابين وتتقلسين فيهما جميعاً والتقدير مختلف.

[ فوزن الواحدة ] من ترمي [ تَفْعينَ ] بكسر العين ومن ترضي [ تَفْعَيْنَ ] بالفتح واللام محذوفة كما تقدّم [ ووزن الجمع ] من ترمي [ تَفْعِلْنَ ] بالكسر [ و ] من ترضي [ تَفْعَلْنَ ] بالفتح بإثبات اللام لأنّها تثبت في فعل جماعة الأناث وعلى هذا القياس تفاعين وتفاعِلْن وتَتَفَعّيْنَ وتَتَفَعَّلْنَ الى الآخر.

[ والأمر ] يعني تقول في الأمر [ منها ] أي من هذه الثلاثة المذكورة وهي يغزُو ويرمي ويرضىٰ [ اُغْزُ اُغْزُوا اُغْزي اُغْزُوا اُغْزُوْنَ وإرْمِ إرْمِيا إرْمُوا إرْمى إرْميا إرْمينَ إرْضَ إرْضَيا إرْضوا إرْضي إرْضَيا إرْضَيْنَ ] وليس في ذلك بحث.

[ وإذا دخلت عليه نون التأكيد ] أي على نحو : أغز وارم وارض خفيفة كان النون أو ثقيلة [ اُعيدت اللّام المحذوفة فقلت [ اُغْزُوَنَّ ] بإعادة الواو [ واِرْمِيَنَّ ] باعادة الياء [ واِرْضَيَنَّ ] بإعادة الألف وردّها الى الأصل وهو الياء ضرورة تحرّكها وذلك لانّ هذه الحروف أعني الياء والواو والألف في الأمثلة الثلاثة بمنزلة الحركة في الصحيح وأنت تعيد الحركة ثمّة فكذا هاهنا تعيد اللّام ولا يعاد في فعل جماعة الذكور.

والواحدة المخاطبة أمّا من إرْضَ فلانّ إلتقاء السّاكنين لم يرتفع حقيقة لعروض حركة الواو والياء الضميرين وامّا من أغز وأرم فلأن سبب الحذف باق أعني التقاء السّاكنين لو اُعيدت اللام ولغة طيّ على ما

٢٥٢

حكىٰ عنهم القرّاء حذف الياء الّذي هو لام الفعل في الواحد المذكّر بعد الكسر والفتح نحو : والله ليرمنّ ، وارمنّ يا زيد ، وارضنَّ ، وليخشنّ زيد ، ويا زيد اخشنّ.

[ واسم الفاعل منها ] أي من هذه الثلاثة المذكورة [ غازٍ ] أصله : غازِوٌ [ غازيان ] أصله : غازوان [ غازُونَ ] أصله : غازوُونَ [ غازيةٌ ] أصله : غازِوَة [ غازيتان ] أصله : غازوتانِ [ غازياتٌ ] أصله : غازواتٌ [ وغواز ] أصله : غَوازِوُ [ وكذلك رامٍ ] راميانِ رامُونَ رامِيَةٌ رامِيتان رامِياتٌ ورَوام [ وراضٍ ] راضيان راضَوَن راضِيَةٌ راضِيَتان راضِياتٌ ورَواضٍ واصل [ غازٍ غازِوُ ] كناصر كما مرّ [ قلبت الواو ياء لتطرفها وانكسار ما قبلها ].

وذلك قياس مستمرّ وكذا راضٍ أصله : راضِوٌ جعل راضيٌ وأصل رامٍ رامِيٌ فحذفت ضمّة الياء من الجميع استثقالاً فاجتمع ساكنان الياء والتّنوين فحذفت الياء لإلتقاء السّاكنين دون التّنوين لانّها حرف علّة والتّنوين حرف صحيح فحذفها اولى فإن زالت التّنوين اُعيدت الياء نحو : الغازي والرامي والراضي ، وإنّما لم يذكر المصنّف هذا الإعلال لأنّه قد تقدّم في كلامه مثله أعنى حذف الضمّة ثمّ اللام بخلاف قلب الواو المتطرّفة المكسور ما قبلها ياء [ كما قلبت ] الواو ياء [ في ] المبنيّ للمفعول من الماضي نحو : [ غُزِيَ ] والأصل : غُزِوَ ، وقبيلة طيّ يقلبون الكسرة من المبنيّ للمفعول من المعتلّ اللام فتحة واللام ألفاً ويقولون : غُزىٰ ورُمىٰ ورُضىٰ ونحو ذلك ، قال قائلهم :

نَسْتَوْقِدُ النَّبْلَ بالحضيض ونَصْطاد

نُفوساً بُنَتْ على الْكَرَمِ

والأصل بُنِيَتْ قلبت الكسرة فتحة والياء الفاً وحذفت الالف لإلتقاء السّاكنين [ ثمّ قالوا : غازِيَة ] بقلب الواو ياءً مع عدم تطرّفها [ لانّ المؤنّث فرع المذكّر ] لكون المؤنّث غالباً على زيادة لا سيّما فيمن يقول رجل

٢٥٣

ورجلة ، وغلام وغلامة ونحو ذلك ، فلمّا قلبوها في الأصل قلبوها في الفرع فقالوا : غازية وراضية ، وفي التنزيل «فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ» (١).

[ والتاء طارئة ] على أصل الكلمة وليست منها فكأن الواو متطرّفة حقيقة فإن قلت : إنّهم يقلبون الواو المكسور ما قبلها ياء طرفا أو غير طرف فقلبت في غازية ، كذلك كما ذكره العلّامة في المفصّل ، قلت : قول المصنّف أقرب الى الصواب ، لأنّ قلب غير المتطرّفة بسبب حملها على الفعل كما في المصادر أو على المفرد كما فى المجموع ، فمجرّد كسر ما قبلها لا يقتضي القلب ، فإن قلت : التاء معتبرة بدليل قولهم : قلنسوة وقمحدوة فلو لم تعتبر التاء لوجوب قلب الواو ياء والضمّة كسرة كما مرّ في التمطي وحينئذ لا يكون الواو كالمتطرّفة ، قلت الأصل في : قلنسوة وقَمَحْدُوة وهو المفرد على التاء والحذف طارٍ بخلاف ما نحن فيه فإنّ الأصل بدون التاء نحو : غازٍ والتاء طارئة ولا يبعد عندي أن يقال في مثل ذلك قلبت الواو ياء لكونها رابعة معِ عدم إنضمام ما قبلها هذا كلّه ظاهر وإنّما الإشكال في إعلال نحو : غَوازٍ وَروامٍ ورَواضٍ وليس علينا إلّا أن نقول : إنّ الأصل غوازي بالتنوين أعلّ بإعلال قاضٍ ولا بحث لنا عن أنّه منصرفَ أو غيره وأنّ تنوينه أيّ تنوين.

واعلم : إنّ هذا الإعلال إنّما هو حال الرفع والجرّ وأمّا حال النصب فتقول : رَاَيْتُ غازياً ورامياً وغوازي وروامِي كالصّحيح.

[ وتقول في المفعول من الواويّ ] أي في اسم المفعول من الثلاثيّ المجرّد الواويّ [ مغزوّ ] اصله مَغْزُوٌ وادغمت الواو بالواو [ ومن اليائيّ مَرْمِيٌّ بقلب الواو ياء ويكسر ما قبلها ] أي ما قبل الياء يعني أنّ أصله مَرْمُويٌ قلبت الواو ياءً واُدغمت الياء في الياء وكسرت ما قبل الياء

____________________________

(١) الحاقة : ٢١.

٢٥٤

لتسلم الياء وإنّما قلبت الواو ياءً [ لأنّ الواو والياء إذا اجتمعتا في كلمة واحدة والاُولى منهما ساكنة ] سواء كانت واواً أو ياءً [ قلبت الواو ياءً واُدغمت الياء في الياء ] وذلك قياس مطّرد عندهم طلباً للخفّة واشترط سكون الاُولى لتدغم واختير الياء لخفّتها وفي كلام المصنّف نظر ، لأنّه ترك شرائط لا بدّ منها وهي : أنّه يجب في الواو إذا كانت الاُولى أن لا يكون بدلاً ليتحرّز به من نحو : سوير تسوير كما تقدّم ، وإن تكونا في الكلمة الواحدة أو ما هو في حكمها كمُسْلميّ والأصل مسلمويَ ليتحرّز عمّا إذا كانتا في كلمتين مستقلّتين نحو : يَغْزُوُ يوماً ، ويَقْضي وَطَراً ، وفي بعض النسخ إذا اجتمعتا في كلمة واحدة وهو الصواب ، وإن لا تكونا في صيغة افعل نحو : اَيوم ، ولا في الأعلام نحو : حياة ، وان لا تكون الياء إذا كانت الاُولى بدلاً من حرف آخر ليتحرّز من نحو : ديوان أصله : دِوْوان فإنّ الواو لا تقلب في مثل هذه الصور ياءً ، وايضاً يجب أن لا تكون الياء للتّصغير إذا لم تكن الواو طرفاً حتّى لا ينتقض بنحو : اُسَيْود وجُدَيْول فإنّه لا يجب القلب بل يجوز لا يقال : إنّ قوله إذا اجتمعتا مهملة وهي لا يجب أن تصدق كليّةً لأنّا نقول : قواعد العلوم يجب أن يكون على وجه تصدق كليّةً وأمّا قولهم : هذا أمر ممضوّ عليه فشاذّ ، والقياس ممضيّ لأنّه من اليائي ، ومنهم من يقول : فى الواويّ ايضاً مغزيّ ومعديّ ومرضيّ بقلب الواوين ياءً لكراهة اجتماع الواوين وعليه قول الشاعر :

لقد عَلِمَتْ عِرْسي مَليكَةُ أنَّني

أنَا اللَّيْثُ مَعْدِيّاً عَلَيْهِ وَعادياً

[ والقياس الواو لكنّ الياء أيضاً كثير فصيح وإن كان مخالفاً للقياس تشبيهاً بنحو : عِتِيّ وجِثِيّ ، وفي مرضيّ أمر آخر وهو اجراؤه مجرى فعله الأصلى أعني رضي فإنّ أصله رضو.

[ وتقول في فعول من الواويّ عَدُوٌّ ] والأصل عَدو و [ ومن اليائي بَغِيّ ]

٢٥٥

وأصله بغوي اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما الاُخرى بالسّكون قلبت الواو ياءً واُدغمت الياء في الياء وكسر ما قبلها فقيل : بغيّ ، وفي التنزيل : «وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا» (١) ولم اكُ بَغيّاً أي فاجرة ، وقال ابن جنّي : هو فعيل ولو كان فعولاً لقيل بغوّ كما قيل فلان نهوّ عن المنكر.

كذا ذكر صاحب الكشّاف منه ، وهذا عجيب من مثل الإمام ابن جنّى ، وأظنّ إنّه سهو منه ، لأنّه لو كان فعيلا لوجب أن يقال : بغية ، لانّ فعيلاً بمعنى الفاعل لا يستوى فيه المذكّر والمؤنّث اللّهمّ إلّا أن يقال شبّه بما هو بمعنى المفعول كما في قوله تعالى : «إِنَّ رَحْمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ» (٢) وهو تكلّف ولأنّ قوله لو كان فعولاً لقيل بَغوّ غير مستقيم بلا خفاء لأنّه يائيّ وأمّا نهوّ فشاذّ والقياس نهيّ فإن قلت : الواو في عدوّ رابعة ، وما قبلها غير مضمومة فَلِمَ لم يقلب ياءً قلت : لأنّ المدّة لا اعتداد بها فكان ما قبلها مضموماً ولأنّ الواو السّاكنة كالضمّة ولأنّ الغرض هو التخفيف وهو يحصل بالإدغام.

وكذا الكلام في اسم المفعول الواوي نحو : مغزوّ ، فإن قلت : ما السرّ في جواز مدعيّ ومغزيّ بقلبها ياءً مَعَ الكسرة والإطّراد ولا سيّما في مرضيّ وامتناع ذلك في عدوّ ، قلت : السرّ أنّ نحو : مغز وطال فثقل والياء أخفّ فعدل اليه بخلاف فعول أو أنّه محمول على فعله فافهم.

[ وتقول في فعيل من الواويّ صبيّ ] والأصل : صبيو قلبت الواو ياء واُدغمت الياء في الياء وهو من الصّبوة [ ومن اليائي شريّ ] اصله شرييٌ اُدغمت الياء في الياء والفرس الشّريّ هو الّذي يشري في سيره أي يلج.

[ والثلاثي المزيد فيه تقلب واوه ياءً لأنّ كلّ واو وقعت رابعة فصاعداً ولم يكن ما قبلها مضموماً قلبت ] الواو [ ياءً ] تخفيفاً لثقل

____________________________

(١) مريم : ٢٨.

(٢) الاعراف : ٥٦.

٢٥٦

الكلمة بالطول والمزيد فيه كذلك لا محالة فتقلب فيه الواو ياءً وقوله : رابعة احتراز من نحو : غزو ، وقوله : فصاعداً ليدخل فيه نحو : اعتدى واسترشى وقوله : ولم يكن ما قبلها مضموماً احتراز من نحو : يغزو [فتقول] اَعْطى يُعْطي أصله : اعطو يعطو [واعْتَدىٰ يعتدي] والأصل : اعتدو يعتدو [واسْتَرْشىٰ يَسْتَرشي] والأصل : استرشو يسترشو ومثّل بثلاثة أمثلة لأنّها إمّا رابعة أو خامسة أو سادسة ، وتقول مع الضمير : اعطيت واعتديت واسترشيت وكذلك : تعازينا وتراجينا بقلب الواو ياءً من الجميع كما ذكرنا فاحفظ هذه الضّابطة.

ولكن اعلم : إنّ المصنّف وغيره اطلقوا الحكم في هذا القلب على سبيل الكلّية ، وقالوا : كلّ واو .. الخ ولي فيه نظر ؛ لأنّ هذا القلب إنّما هو في لام الفعل فقط لأنّ وقوعه رابعاً أكثر فهو أليق بالتخفيف بدليل أنّهم لا يقلبونه من نحو : استقوم ، وفي التنزيل : «اسْتَحْوَذَ» (١) وكذا اعشوشب واجتور وتجاوَرَ وما أشبه ذلك ، وفي نحو : افعلّ وافعالّ لا تقلب اللام الاُولى لأنّ الاخيرة منقلبة لا محالة فلو انقلبت الاُولى أيضاً لوقع الثّقل المهروب عنه لا سيّما في المضارع بدليل : ارعوى يَرْعوي واحواوى يحواوي وما أشبه ذلك ، ولانّه ينتقض بنحو : مدعوّ وعدوّ وكانّهم اعتمدوا على ايراد هذا البحث في المعتلّ اللام وعلى انّه لا اعتداد بالمدّة أو أنّ المدّة قائمة مقام الضّمّة هذا آخر الكلام فيما يكون حرف العلّة فيه واحداً فلنشرع فيما تعدّد فيه حرف العلّة فنقول.

[ النوع الرابع ] من الأنواع السبعة [ المعتلّ العين واللّام ] وهو ما يكون عينه ولامه حرفي علّة وقدّمه لكثرة ابحاثه بالنّسبة الى ما يليه [ ويقال له : اللّفيف المقرون ].

____________________________

(١) المجادلة : ١٩.

٢٥٧

أمّا اللّفيف فلاجتماع حَرفَي العلّة فيه ، ويقال للمجتمعين من قبائل شتّى : لفيف ، وأمّا المقرون فلمقارنة الحرفين وعدم الفاصل بينهما بخلاف ما سيجيء بعده والقسمة تقتضي أن يكون هذا النوع أربعة أقسام لكن لم يجيء ما يكون عينه ياءً ولامه واواً فبقي ثلاثة ولا يكون إلّا من باب : ضَرَبَ يَضْرِبُ ، وعَلَمَ يَعْلمُ ، والتزموا فيما يكون الحرفان فيه واوين كسر العين في الماضي نحو : قَوِيَ يقوى ليقلب الواو الأخيرة ياءً دفعاً للثقل وانّما جاز في هذا النوع يفعِل بالكسر حال كون العين واواً لانّ العبرة في هذا الباب باللام ولذا لا يعلّ العين.

[ فتقول : شوى يشوي شيّاً ، مثل : رَمى يَرمي رَمْياً ] فجميع ما عرفته في رَمىٰ يرمي فَاعرفه هاهنا بعينه ، والأصل : شَوَيَ يَشْوِيُ أعلّ إعلال رَمى يَرْمي وأصل : شيّاً شوياً اجتمعت الواو والياء وسبقت احداهما بالسّكون فقلبت الواو ياءً واُدغمت الياء في الياء ولا يجوز قلب الواو الفاً لئلّا يلزم حذف إحدى الألفين فيختّل الكلمة فإن قيل : إذا كان الأصل شوى فَلِمَ أعلّ اللام دون العين مع أنّ العلّة موجودة فيهما قلت : لأنّ آخر الكلمة أولى بالتّغيير والتّصرّف فيه فلا يعلّ العين في صيغة من الصيغ ، لانّه لم يعلّ في الأصل الّذي هو شوى فلا يقال في اسم الفاعل شاءٍ بالهمزة بل شاو بالواو ويقال في اسم المفعول مَشْوِيّ لا مَشْيِيّ.

فالحاصل أنّه يجعل مثل الناقص بعينه لا مثل الأجوف [ و ] تقول [ قويَ يقوى قوّة ] والأصل : قَوِوَ يَقْوَوُ فأعلَّ إعلال رضى يرضي ولم يدغم لأنَّ الإعلال في مثل هذه الصورة واجب فلا يجوز أن يقال رَضِوَ مثلاً بلا إعلال بخلاف الإدغام فإنّه لا يجب إذ يجوز أن يقال حَييَ بلا إدغام فقدّم الواجب فلم يبق سبب الإدغام ولأنَّ قَوِيَ أخفّ من قوّ بالإدغام واغتفر اجتماع الواوين في القوّة للادغام فإنّه موجب للخفّة ونظيره الجوّ أو

٢٥٨

البوّ ولم يعلّ العين لئلّا يلزم في المضارع يقاي كيخاف بياء مضمومة وهو مرفوض وقيل لئلّا يلزم اجتماع الإعلالين.

[ ورَوِيَ يَرْوىٰ ريّا ] وأصله رويا ولم تقلب العين من روى ألفا وإن لم يلزم اجتماع إعلالين لئلّا يلزم في المضارع أن يقال يَرايُ كيخاف بياء مضمومة وهم رفضوا ذلك ولأنّ فَعِل مكسور العين فرع فَعَل مفتوح العين ولم يقلب في المفتوح فلم يقلب في المكسور فقوي يقوىٰ وروي يَرْوىٰ [ مثل رضي يَرْضىٰ رضياً ] في جميع أحكامه بلا مخالفة.

وعليك أن لا تعلّ العين أصلاً ولمّا لم يكن اسم الفاعل من رَويَ مثل اسم الفاعل من رَضِيَ يَرْضىٰ ومن شَوِيَ يشوى أشار اليه بقوله [ فهو ريّان ، وامرأة ريّا ، مثل عطشان وعطشى ] يعني لا يقال : راوٍ ولا راوية بل يبني الصفة المشبهة لأنّ المعنى لا يستقيم إلّا عليها لأنّ صيغة فاعل تدلّ على الحدوث ، والصفة المشبّهة على الثبوت والمعنى في هذا على الثبوت لا على الحدوث ، فتأمّل.

وأصل ريّان رَويان فأعلّ إعلال شَيّاً تقول : ريّانٌ ريّانانِ رَواء رَيّا رَيَّيانِ رَواءٌ ايضاً ، وتقول في التثنية المؤنّث حال النصب والخفض مضافة الى ياء المتكلّم رَيَّييَّ بخمس ياءات الأوّل منقلبة عن الواو الّتي هي عين الفعل ، والثاني لام الفعل ، الثالث المنقلبة عن الف التّأنيث ، الرابع علامة التثنية ، الخامس ياء المتكلّم.

[ واَرْوى كاَعطىٰ ] يعني انّ المزيد فيه من هذا النوع مثل الناقص بعينه وقد عرفته فوازن هذا عليه ولا تفرق ولا تعتلّ العين أصلاً فإنّى لو اشتغل بتفصيل ذلك ليطول الكتاب من غير طائل وتقول في فَعِل مكسور العين ممّا الحرفان فيه ياءان حَيِيَ كَرَضِيَ بلا إعلال العين لما تقدّم وجاز عدم الإدغام نظراً الى أنّ قياس ما يدغم في الماضي أنّ يدغم في المضارع.

٢٥٩

وهاهنا لا يجوز الإدغام في المضارع لئلّا يلزم ما تقدّم من يحيّ مضموم الياء وهو مرفوض [ و ] يجوز [ حيّ ] بالإدغام لاجتماع المثلين وهذا هو الكثير الشائع ، وقال تعالى : «وَيَحْيَىٰ» مَنْ حيّ عن بيّنَةٍ ويجوز في الحاء الفتح على الأصل والكسر بنقل حركة الياء اليه ، وتقول في مضارع : حيّ [ يَحْيىٰ ] بلا إدغام لئلّا يلزم الياء المضمومة وتقلب اللّام الفاً لتحرّكها وانفتاح ما قبلها وتقول : [ حياةً ] في المصدر بقلب الياء الفاً وتكتب بصورة الواو على لغة من يميل الألف الى الواو وكذلك الصّلاة والزّكاة والرّبا كذا ذكره صاحب الكشّاف فيه ، والحقّ أنّ امثال ذلك تكتب في المصحف بالواو اقتداء بنقل عثمان ، وفى غيره بالألف كحياة لأنّها وإن كانت منقلبة عن الياء لكن الألف المنقلبة عن الياء إذا كان ما قبلها ياء تكتب بصورة الألف إلّا في يحيى وريّى إذا كانا علمين [ فهو حيّ ] في النعت ولم يقل حايّ لما ذكر في روى من انّ المعنى على الثبوت دون الحدوث ولم يجز حَيَيٌ بلا إدغام حملاً على الفعل لأنّ اسم الفاعل فرع على الفعل في الإعلال دون الإدغام وعلى تقدير حمله عليه فالحمل على ما هو الأكثر أعني الإدغام أولى [ وَحَيّا ] في فعل الاثنين من حيّ بالإدغام [ وحَيِيا ] فيه بلا إدغام [ فهما حَيّان ] في تثنية حيّ وحيّوا في فعل جماعة الذكور من حيّ بالإدغام قال الشاعر : عَيُّوا بِأمْرِهِمْ كما عَيَّت بِبَيْضَتَها الحمامة.

حَيِيُوا [ وحَيّؤوا فهم أحياء ] في جمع حيّ [ ويجوز ] في فعل جماعة الذّكور [ حَيُوا كرَضُوا بالتخفيف ] من حَيِيَ بلا إدغام والأصل حَيِيُوا كرضِيُوا نقلت ضمّة الياء الى ما قبلها وحذفت لإلتقاء السّاكنين ووزنه فعوا قال الشاعر :

وكُنّا حَسِبْناهم فَوارِسَ كَهْمَسٍ

حَيُوا بَعْدَ ما ماتوا مِنَ الدهر اَعْصُر

٢٦٠