جامع المقدّمات

جمع من العلماء

جامع المقدّمات

المؤلف:

جمع من العلماء


المحقق: الشيخ جليل الجراثيمي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-470-030-9
الصفحات: ٦٣٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

موضع الحال أو على المفعول له وهذا أولى.

[ واعلم انّه ] الضّمير للشّأن [ اذا اجتمع تاءان في أوّل مضارع تفعّل وتفاعل وتفعلل ] وذلك حال كونه فعل المخاطب أو المخاطبة مطلقاً أو الغائبة المفردة أو المثنّاة إحداهما حرف المضارعة والثّانية التّاء الّتى كانت في أوّل الماضي [ فيجوز اثباتهما ] أي إثبات التّائين لأنّ الإثبات هو الأصل [ نحو : تَتَحَبَّبْ وتَتَدَحْرَجْ وتَتَقاتَل ويجوز حذف إحداهما ] أي إحدى التّائين تخفيفاً لانّه لمّا اجتمع مثلان ولم يمكن الإدغام لرفضهم الابتداء بالساكن حذفوا احدى التائين ليحصل التّخفيف كما تقول انت تَحَبَّبُ وتَقاتَلُ وتَدَحْرَجُ كما ورد [ وفي التّنزيل : «فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ» (١) ] والأصل تتصدّى أي تتعرّض ، ولو كان ماضياً لوجَبَ أن يقال تَصَدّيت لأنّه خطاب [ وناراً تَلَظّىٰ ] أي تَتَلهّبَ والأصل تَتَلظّىٰ ، ولو كان فعل الماضي لوجب ان يقال تلظّت لانّه مؤنّث [ وتَنَزَّلُ الملائكة ] والأصل تتنزّل واختلف في المحذوف ، فذهب البصريّون : الى أنّه هو الثّانية لأنّ الاُولى حرف المضارعة وحذفها مخلّ ، وقيل : الاُولى لأنّ الثانية للمطاوعة وحذفها مخلّ ، والوجه هو الأوّل لأنّ رعاية كونه مضارعاً أولى ، ولأنّ الثقل إنّما يحصل عند الثانية ، وانّما قال مضارع : تفعّل وتفاعل وتَفَعْلل بلفظ المبنيّ للفاعل للتّنبيه على انّ الحذف لا يجوز في المبنيّ للمفعول أصلاً لأنّه خلاف الاصل فلا يرتكب إلّا في الأقوىٰ وهو المبنيّ للفاعل ، ولانّه من هذه الأبواب اكثر استعمالاً من المبنيّ للمفعول فالتّخفيف به أوْلىٰ ، ولانّه لو حذفت التّاء الاُولى المضمومة لالتبس بالمبنيّ للفاعل المحذوف عنه التّاء لأنّ الفارق هو التّاء المضمومة ، ولو حذفت الثّانية لالتبس بالمبنيّ للمفعول من المضارع فعّل وفاعل وفعلل [ واعلم ] أنّه [ متىٰ كان فاء

____________________________

(١) عبس : ٦.

٢٠١

افتعل صاداً أو ضاداً أو طاءً أو ظاءً قلبت تاؤه ] أي تاء افتعل [ طاءً ] لتعسّر النطق بالتاء بعد هذه الحروف واختير الطاء لقربها من التّاء مخرجاً والحاصل عندنا يرجع الى السّماع ، وعند العرب الى التّخفيف [ فتقول في افتعل من الصّلح اصطلح ] والأصل اصتلح [ وفي ] افتعل [ من الضّرب اِضْطَرَب ] والاصل اضْتَرَب ، والاضطراب الحركة والموج يقال : البحر يَضْطرِبُ أي يموج بعضها بعضاً وفي افتعل [ من الطّرد اطّرد ] والاصل اطْتَرَدَ [ وفي ] افتعل [ من الظّلم اضطلم ] والأصل اظْتَلَمَ.

واعلم : انّ الوجه في نحو : اصطلح واضطرب عدم الادغام لأنَّ حروف الصّفير وهي الزّاء المعجمة والسين والصّاد المهملتان لا تدغم في غيرها وحروف ضوي مشفر بالضّاد والشّين المعجمتين والرّاء المهملة لا تدغم فيما يقاربها وقليلاً ما جاء اصَّلَحَ واِضّرَبَ بقلب الثّاني الى الأوّل ثمّ الادغام ، وهذا عكس قياس الإدغام ، وانّما فعلوه رعاية لصفير الصّاد واستطالة الضّاد ، وضعف اِطَّجَعَ في اِضْطَجَعَ أي نام على الجنب ، وقرئ بعض شأنهم ، ونَخْسِفْ بِهِمْ ، ويَغْفِر لَكُمْ ، وذى العَرشِ سبيلاً بالإدغام ، وأمّا في نحو : اطّرد فلا يجوز إلّا الإدغام لاجتماع المثلين مع عدم المانع من الادغام ، وامّا فى نحو : اِضْطَلَم فثلاثة أوجه : الأوّل : اضطَلَمَ بلا إدغام ، والثّاني : اطّلَمَ بالطّاء المهملة بقلب المعجمة اليها كما هو القياس ، والثالث : اظَّلَم بالظّاء المعجمة بقلب المهملة اليها ورويت الوجوه الثّلاثة في قول زهير :

هو الْجَوادُ الّذي يُعْطيك نائِلَهُ

عفواً ويُظْلَمُ أحياناً فَيَظْطَلِمُ

[ وكذلك جميع متصرّفاته ] أي متصرّفات كلّ واحد منها فإنّها يجرىٰ فيها ذلك [ نحو : اِصْطَلَحَ يَصْطَلِحُ فهو مُصطَلِحٌ وذاك مُصْطَلَحٌ ] عليه والأمر [ اِصْطَلِحْ ] والنهي [ لا يَصْطَلِحْ ] وكذلك اضْطَرَبَ يَضْطَرِبُ فهو مُضْطَرِبٌ وذاك مُضْطَرَبٌ ويَطَّرِدُ فهو مُطَّرِدٌ ويظْطَلِمُ فهو مُظْطَلِمٌ ، وكذا باقي الامثلة بأسرها.

٢٠٢

[ و ] اعلم : انّه [ متى كان فاء افتعل دالاً أو ذالاً أو زاء ] معجمتين [ قلبت تاؤه ] أي تاء افتعل [ دالاً ] مهملة تخفيفاً [ فتقول في افتعل من الدّرء ] وهو الدفع [ والذّكر ] وهو خلاف النّسيان [ والزّجر ] وهو المنع والنّهى [ اِدَّرَأَ ] والأصل اِدْتَرَأَ ولا يجوز فيه إلّا الإدغام [ واذّكَرَ ] والاصل اِذْتَكَرَ ، وفيه ثلاثة أوجه : اِذْ ذَكَرَ بلا إدغام ، واذَّكَرَ بالذّال المعجمة بقلب المهملة اليها ، وادَّكَرَ بالدّال المهملة بقلب المعجمة اليها قال الشاعر :

تنحىٰ عَلَى الشَّوْك جِرازاً مِقْضَباً

وَالْهَرْمُ تَذريهِ إدّراءً عَجَباً

وفي التنزيل : «وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» (١) [ واِزْدَجَرَ ] والأصل اِذْتَجَرَ وفيه وجهان : البيان : وهو اِزْدَجَرَ ، وفي التنزيل : «قَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ» (٢) والأصل اُزْتُجِرَ ، والإدغام : بقلب الدّال زاءً نحو : اِزَّجَرَ دون العكس لفوات صفير الزّاء ، وأما قلب تاء افتعل مع الجيم دالاً كما في قوله :

فَقُلْتُ لِصاحِبي لا تَحْبِسانا

بِنَزْعِ اُصوله واجْدَزَّ شيحا

والأصل : إجتزّ أي اقتطع فشاذّ لا يقاس عليه غيره ، والقلبان المتقدّمان على سبيل الوجوب.

[ ويلحق الفعل ] حال كون ذلك الفعل [ غير الماضي والحال نونان للتّأكيد ] ولا تلحقان الماضي والحال لإستدعائهما الطّلب اذا الطّالب إنّما يطلب في العادة ما هو المراد له فكان ذلك مقتضياً للتّأكيد لأنّ غرضه في تحصيله والطّلب انّما يتوجّه الى المستقبل الغير الموجود ، وقيل : لانّ الحاصل في زمان الماضي لا يحتمل التّأكيد ، وامّا الحاصل في زمان الحال فهو وإن كان محتملاً للتّأكيد بأن يخبر المتكلّم بأنّ الحاصل في الحال متّصف بالمبالغة والتّأكيد لكنّه لمّا كان موجوداً وأمكَنَ للمخاطب في الأغلب الاطّلاع على ضعفه وقوّته اختصّ نون التّأكيد بغير الموجود

____________________________

(١) يوسف : ٤٥.

(٢) القمر : ٩.

٢٠٣

فهو أولى بالتّأكيد أى الإستقبال ولا يتوهّم جواز الحاقهما بالمستقبل الصّرف نحو : سَيَضْرِبَنَّ وسوف يَضْرِبَنْ فانّهما لا تلحقان بالمستقبل الصّرف في السّعة إلّا بما فيه معنى الطّلب أو ما اشبهه وعليه جميع المحقّقين حيث قالوا : ولا تلحقان إلّا مستقبلاً فيه معنى الطّلب كالأمر والنهي والاستفهام والتّمنّي والعَرْض والقَسَم لكونه غالباً على ما هو المطلوب ويشبه بالقَسَم نحو : إمّا تَفْعَلَنَّ في أنَّ ما للتّأكيد كلام القسم ولانّه لمّا اكّد حرف الشّرط بما كان تأكيد الشّرط أولى وقد تلحق بالنّفي تشبيهاً له بالنّهي وهو قليل ومنه قول الشّاعر :

يَحْسَبُهُ الجاهِلُ ما لم يَعْلَما

شيخاً على كُرسيّهِ مُعَمَّما

أي ما لم يَعْلَمَنْ قلبت النّون الفاً للوقف ، قال الله تعالى : «لَنَسْفَعًا» (١) أصله لَنَسْفَعَنْ ، فإن قلت : لِمَ الحق بالمستقبل الصّرف فى قوله : رُبَما أوفيْتُ في عَلَمٍ تَرفَعَنْ ثَوْبيّ شَمالات ؟ قلت : لأنّه مشبّه بالنّفي من حيث انّ ربّما للقلّة والقلّة تناسب النّفي والعدم والنّفي مشبه بالنّهي وهو مع ذلك خلاف الأصل والقياس لا يعتدّ به.

وقال سيبويه : يجوز في الضّرورة اَنْتَ تَفْعَلَنْ ، وهاتان النّونان إحداهما [ خفيفة ساكنة ] كقولك : اذْهَبَنْ والاُخرى [ ثقيلة مفتوحة ] نحو : اِذْهَبَنَّ وفي بعض النّسخ بالنّصب أي حال كون إحداهما خفيفة ساكنة والاُخرى ثقيلة مفتوحة في جميع الاحوال [ إلّا فيما ] أي في الفعل الّذي [ تختصّ ] النّون [ الثقيلة به ] أي بذلك الفعل يعني من بين النّونين يختصّ الثّقيلة به أي بذلك الفعل أي تتفرّد بلحوق هذا الفعل كما يقال : نَخُصُّكَ بالعبادة أي لا نعبد غيرك ، وبهذا ظهر فساد ما قيل إنّه كان من حقّ العبارة أن يقول إلّا فى الفعل الّذي يختصّ بالثّقيلة أي لا يعمّ

____________________________

(١) العلق : ١٥.

٢٠٤

الثقيلة والخفيفة لأنّ الثقيلة لا تختصّ بفعل الاثنين وجماعة النّساء بل يعمّ الجميع [ وهو ] أي ما يختصّ به [ فعل الاثنين ] وفعل [ جماعة النّساء فهي ] أي النّون الثقيلة [ مكسورة فيه ابداً ] أي في فعل الاثنين وجماعة النّساء فالضمير عائد الى الفعل ويجوز أن يكون عائداً الى ما [ فتقول : اِذهبانِّ للاثنين واذهبْنانِّ للنسوة ] بكسر النون فيهما تشبيهاً لها بنون التثنية لانّها واقعة بعد الالف مثل نون التثنية.

وامّا ما أجازه يونس والكوفيّون من دخول الخفيفة في فعل الاثنين وجماعة النساء باقية على السكون عند يونس ، ومتحرّكة بالكسر عند بعض وقد حمل عليه قوله تعالى : «وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (١) بتخفيف النون فلا يصلح للتّعويل لمخالفة القياس واستعمال الفصحاءِ ، وهي ليست في تتّبِعان للتّأكيد [ فتدخل ] انت [ الفا بعد نون جمع المؤنث ] كما تقول : اِذْهَبْنانِّ والاصل اِذْهَبْنَنَّ ، فادخلت الفاً بعد نون جمع المؤنّث وقبل النّون الثقيلة [ لتفصل ] تلك الألف [ بين النّونات ] الثلاث نون جمع المؤنث والمدغمة والمدغم فيها واختصّوا الألف لِخفّتها [ ولا تدخلهما ] أي فعل الاثنين وجماعة النساء [ النّون الخفيفة ] لا يقال : اِضْرِبان ولا اضْرِبْنان بالسّكون [ لانّه يلزم ] من دخولهما فيهما [ التقاء السّاكنين على غير حدّه ] وهما الالف والنون وحينئذٍ لو حرّكتها لأخرجتها عن وضعها ولانّها لا تقبل الحركة بدليل حذفها في نحو : اِضْرِب القَوْم والاصل اِضْرِبَنْ دون تحريكها كقول الشاعر :

لا تُهينَ الفقير علّك اَنْ تَر

كَعَ يَوْما والدهر قَدْ رفَعَه

أي لاتهينن والا لوجب ان يقال : لا تهن لأنّه نهي فحذفت النّون لالتقاء الساكنين ولم تتحرّك كما مرّ ولو حذفت الالف من فعل الاثنين لالتبس بفعل

____________________________

(١) الاعراف : ١٤٢.

٢٠٥

الواحدة ولو حذفتها من فعل جماعة النساء لادّىٰ الى حذف ما زيدَ لغرض هكذا ذكروه ، ولقائل أن يقول لا نسلم انّه يلزم من دخولها في فعل جماعة النساء التقاء الساكنين وهو ظاهر ؛ لانّك تقول : اِضْرِبْنَ فلو ادخلتها الخفيفة ، وقلت : اِضْرِبْنَنْ لا يكون من التقاء السّاكنين في شيء ، وأشار ابن الحاجب الى جوابه : بأنّ الثقيلة هي الأصل ، والخفيفة فرعها واذا دخلت الالف مع الثقيلة فيلزم مع الخفيفة وإن لم يجتمع النّونات لئلّا يلزم مزيّة الفرع على الاصل ألّا ترىٰ انّ يونس اذا ادخلها فى فعل الاثنين وجماعة النساء ادخل الالف ، وقال : اِضْرِبانْ واِضْرِبْنان دون اِضْرِبْنَنْ.

وفيه نظر لأنّ أصالة الثقيلة إنّما هي عند الكوفيّين على ما نقل مع أنّ الفرع لا يجب أن يجري مجرىٰ الأصل في جميع الأحكام ، ثمّ المناسبة المعلومة من قوانينهم تقتضي بينهما أصالة الخفيفة لأنّ التّأكيد في الثقيلة اكثر منه في الخفيفة ، فالمناسب ان يقال : إنّه يعدل من الخفيفة اليها ، ولمّا قال لأنّه يلزم التقاء الساكنين على غير حدّه كانّه قيل ما حدّه ، ومتى يجوز فقال : [ فإنّ التقاء الساكنين انّما يجوز ] أي لا يجوز إلّا [ اذا كان الاوّل ] من الساكنين [ حرف مدّ ] وهو الواو والالف والياء السواكن [ و ] كان [ الثاني ] منهما [ مدغماً فيه ] أي في حرف آخر [ نحو : دابّة ] فأن الالف والياء ساكنان ، والالف حرف مدّ ، والباء مدغم فجاز ؛ لانّ اللسان يرتفع عنهما دفعة واحدة من غير كلفة ، والمدغم فيه متحرّك فيصير الثاني من الساكنين كلا ساكن فلا يتحقّق إلتقاء الساكنين الخالص السكون ، وكان الأولى أن يقول حرف لين ليدخل فيه نحو : خُوَيْصَّة ودُوَيّبة ؛ لأنّ حرف اللّين أعمّ من حروف المدّ كما سنذكره لكنّ المصنّف لا يفرق بينهما ، وفي عبارته نظر لأنّ لفظة إنّما تفيد الحصر كما بيّناه آنفاً وهذا غير مستقيم على ما لا يخفى ، فإنّ التقاء الساكنين جائز في الوقف

٢٠٦

مطلقاً لانّه محلّ التخفيف نحو : زيد وعمرو وبكر سلّمنا إنّه أراد غير الوقف لكن يجوز في غير الوقف في الاسم المعرّف باللام الداخلة عليه همزة الإستفهام ، نحو : الحسن عندك بسكون الالف واللام ، وهذا قياس مطّرد لئلّا يلتبس بالخبر.

وفي التّنزيل : الآن بسكون اللام والالف ، وفي بعض القراءات من بعد ذلك ، وفي لبعض شأنهم وذي العرش سَبيلاً واللامي ومحيايَ ومَماتي ونحو ذلك فلا وجه للحصر ، ويمكن الجواب عنه بأن كلّ ذلك من الشواذ ومراده غير الشاذّ ، فإن قلت : فَلِمَ لا يجوز في عُقبَىٰ الدار ، وفي الدار قالوا : ادّارانا مع انَّ الاوّل حرف مدّ والثانى مدغم ، فقلت : جوازه مشروط بذلك ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط كما تقدّم في دَخَلَ يدخل ويحذف من الفعل معهما أي مع إلحاق النونين النون التي في الامثلة الخمسة ، وهي : يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين لما سبق من أنّ النون في هذه الامثلة علامة الإعراب ، والفعل مع نون التأكيد يصير مبنيّا كما ذكرنا في نون جماعة النساء.

واعلم : إنّ قوله معهما هذا يوهم منه جواز دخول كلّ من النونين في الأمثلة الخمسة واثنان منها ، وهما : يفعلان وتفعلان قد تقرّر أنّ الخفيفة لا تدخلهما ، فأجاب بعضهم : بانّه تنبيه على انّ النون يحذف معهما على مذهب يونس حيث أجاز دخولها في يَفعلان وتفعلان وفساده يظهر بأدنىٰ تامّل إذ لا أثر في الكتاب من مذهب يونس لكن يمكن أن يجاب عنه بأن يقال : إنّ النون في الامثلة الخمسة يحذف مع النون الثقيلة والخفيفة وهذا انّما يكون عند ثبوت المعيّة ، وأمّا ما لا يثبت معه المعيّة كيفعلان وتفعلان فلا يكون الحذف ثمّة ، وقد تقدّم أنّه لا معيّة بين الخفيفة وفعل الاثنين فلا يكون فيه ذلك فافهم فإنّه لطيف.

٢٠٧

[ ويحذف ] مع حذف النون واو يَفْعَلُون وتفعلون أي فعل جماعة الذكور الغائب والمخاطب وياء تَفْعلين أي فعل المخاطبة الواحدة لانّ التقاء الساكنين وان كان على حدّه على ما ذكره المصنّف لكنه ثقلت الكلمة واستطالت وكانت الضمة والكسرة تدلّان على الواو والياء فحذفتا هذا مع الثّقيلة وامّا مع الخفيفة فانّ التقاء الساكنين على غير حدّه ولم يحذف الالف من يفعَلان وتفعَلان لئلّا يلتبسا بالواحد والقياس يقتضي أن لا تحذف الواو والياء ايضاً كما هو مذهب بعضهم اذ كلّ منهما في هذه الامثلة ضمير الفاعل والتقاء الساكنين على حدّه ولكن قد ذكرنا انّه لا يجب ان يحذف بل يجوز وان كان على حدّه ، وقيل : حدّ التقاء الساكنين أن يكون الاوّل حرف لين والثاني مدغماً ويكونان في كلمة واحدة فهو هاهنا ليس على حدّه لانّه في كلمتين الفعل ونون التأكيد لكن اغتفر في الالف وإن لم يكن على حدّه لدفع الإلتباس ولكونها أخفّ.

ولعلّه مراد المصنّف ولم يصرّح به إكتفاء بتمثيله بكلمة واحدة أعني دابّة وكذا فعل جار الله العلامة وهنا موضع تأمّل ففي الامثلة الثلاثة يحذف الواو والياء إلّا اذا انفتح ما قبلها فانّهما لا يحذفان حينئذٍ لعدم ما يدل عليهما أعني الضم والكسر بل تحرّك الواو بالضم والياء بالكسر لدفع التقاء الساكنين [ نحو : لا تخشَونّ ] اصله تَخْشَيُونَ حذفت ضمّة الياء للثقل ثمَّ الياء لالتقاء الساكنين ، وقيل : تَخْشَوْن وادخل لاء الناهية فحذفت النون فقيل : لا تَخْشَوْا فلَمّا الحَقَ نون التأكيد التقىٰ الساكنان الواو والنون المدغمة ولم تحذف الواو لعدم ما يدلّ عليه بل حرّك بما يناسبه وهو الضمة لكونها اُخته فقيل : لا تخشونَّ وهي نهي المخاطب لجماعة الذكور.

[ ولا تَخْشَيِنَّ ] اصله تَخْشَيينَ حذفت كسرة الياء ثمّ الياء واُدْخِلَ لا وحذفت النون فقيل : لا تَخْشَىٰ فلمّا الحق نون التأكيد التقىٰ الساكنان

٢٠٨

الياء والنون فلم يحذف الياء لما مرّ بل حرّك الياء بالكسر لكونه مناسباً له وهي نهي المخاطبة.

[ ولَتُبْلَوُنَّ ] أصله لَتُبْلَوونَ فَاَعلّ إعلال تخشون فقيل : لَتُبْلَوْنَ واُدخل نون التأكيد وحذفت نون الاعراب وضُمّت الواو كما في لا تَخْشَوُنَّ وهو فعل جماعة الذكور المخاطبين مبنيّاً للمفعول من البلاء وهو التجربة [ وامّا تَرَيِنَّ ] اصله تَراَيينَ على وزن تَفْعَلِينَ حذفت همزته كما سيجيء فقيل : تريينَ ثمّ حذفت كسرة الياء ثمّ الياء لالتقاء الساكنين ولك ان تقول في الجميع قلبت الواو والياء الفاً لتحرّكهما وانفتاح ما قبلهما ثمّ حذفت الالف وهذا أولى وايّاك أن تظنّ المحذوف واو الضمير وياؤه كما ظنّ صاحب الكواشى في تفسيره ، فإنّه من بعض الظّن بل المحذوف لام الفعل لأنّه أولى بالحذف من ضمير الفاعل وهو ظاهر وقيل : تَرينَ فادخل عليه إمّا وهي من حروف الشرط فحذفت النون علامة للجزم فالحق نون التأكيد وكُسِرَ الياء ، ولم يحذف لما ذكر في لا تخشيّن فصار إمّا ترين وقد أخطأَ من قال : حذفت النون لأجل نون التأكيد لانّه لا يلحقه قبل دخول إمّا لما تقدّم في اوّل البحث ، وكذا لا تخشونّ ولا تخشينّ بخلاف لَتُبْلُونّ ، فإنّه لحقه لكونه جواب القسم وعلى هذا الخفيفة نحو : لا تَخْشَوُنْ ولا تَخْشَيِنْ ولم يقلب الواو والياء من هذه الامثلة الفاً لانّ حركتهما عارضة لا اعتداد بها وهذا هو السر في عدم إعادة اللام المحذوفة حيث لم يقل لا تخشاوُن.

وقال المالكي : حذف ياء الضمير بعد الفتحة لغة طائفة نحو : اِرْضَنَّ في اِرْضَى ، وكذا لا تَخْشَنَّ في لا تخشى [ ويفتح مع النونين آخر الفعل إذا كان ] الفعل [ فعل الواحد ] والواحدة الغائبة لانّه أصل لخفّته فالعدول عنه إنّما يكون لغرض [ ويضمّ ] آخر الفعل [ اذا كان ] الفعل [ فعل جماعة

٢٠٩

الذكور ] ليدلّ الضمّ على الواو المحذوفة [ ويكسر آخر ] الفعل [ اذا كان ] الفعل [ فعل الواحدة المخاطبة ] ليدلّ الكسرة على الياء المحذوفة وقيل : كان الأولى أن يقول ما قبل النون بدل آخر الفعل ليشمل نحو : لا تخشون ولا تخشين ، فإنّ الواو والياء فيهما ليسا آخر الفعل بل كلّ واحدة منهما اسم برأسه ؛ لانّ الفعل تخشىٰ وهما ضمير الفاعل فالجواب انّ هذا الضمير كجزء من الفعل فكأنّه آخر الفعل وقيل : الغرض بيان آخر الفعل غير النّاقص لانّ الناقص قد علم حكمه في لا تخشونّ ولا تخشينّ.

[ فتقول : في أمر الغائب مؤكّدا بالنون الثّقيلة ليَنْصُرَنَّ ] بالفتح لكونه فعل الواحد [ لِيَنْصُرانِّ لِيَنْصُرُنَّ ] بالضم لكونه فعل جماعة الذكور اصله لينصُرُونّ حذفت الواو لالتقاء الساكنين [ لِتَنْصُرَنَّ ] بالفتح ايضاً لانّه فعل الواحدة الغائبة [ لِتَنْصُرانِّ لِيَنْصُرْنانِّ وبالخفيفة ليَنْصُرَنْ ] بالفتح [ لِيَنْصُرُنْ ] بالضمّ [ لتَنْصُرَنْ ] بالفتح لما علم وترك البواقى لانّ الخفيفة لا تدخلها [ وتقول : في امر الحاضر مؤكّدا بالنون الثّقيلة اُنْصُرَنَّ اُنْصُرانِّ اُنْصُرُنَّ اُنْصُرِنَّ ] بالكسر لانّه فعل الواحدة المخاطبة [ اُنْصُرانِّ اُنْصُرْنانِّ وبالخفيفة اُنْصُرَنْ اُنْصُرُنْ اُنْصُرِنْ ، وقس على هذا نظائره ] أي نظائر كلّ واحد من لِيَنْصُرَنَّ واُنْصُرَنَ ... الخ من نحو : اِضربنَّ واعْلَمنَّ وليَضَّربَنَّ وليَعْلَمَنَّ وغير ذلك الى سائر الافعال والامثلة.

[ وامّا اسم الفاعل والمفعول من الثلاثي المجرّد فالاكثر ان يجيء اسم الفاعل منه أي من الثلاثي المجرّد على وزن فاعل تقول : ناصر ] للواحد [ ناصران ] للاثنين حال الرفع ناصرين حال النّصب والجرّ [ ناصِرُونَ ] لجماعة الذكور في الرفع وناصرين في النصب والجرّ وذلك لانّهم لمّا جعلوا اعرابهما بالحروف وكانت الحروف ثلاثة اعني الواو والياء والالف جعلوا رفع المثنّى بالالف لخفّتها والمثنّى مقدّم فاخذها

٢١٠

ورفع الجمع بالواو لمناسبة الضمّة ثُمَّ جعلوا جرّ المثنّى والمجموع بالياء وفتحوا ما قبل الياء في المثنّى وكسروه في الجمع فرقاً بينهما ولمّا رأَوا انّه يفتح في بعض الصور في الجمع ايضاً نحو مصطفين فتحوا النّون في الجمع وكسروه في المثنّى ثُمّ جعلوا النصب فيهما تابعاً للجرّ [ ناصِرَة ] للواحدة [ ناصِرَتانِ ] للمثنّى [ ناصرات ] لجماعة الاناث [ ونواصِرُ ] ايضاً لها والاكثران [ يجيء اسم المفعول منه على مفعُول تقول : مَنْصُورٌ مَنْصُورانِ مَنْصُورونَ الى آخره ].

وانّما قال : فالأكثر لأنّهما قد يكونان على غير فاعل ومفعول نحو : ضَرَّابٌ وضَروبٌ ومِضْرابٌ وعَليمٌ ، وحَذِر في اسم الفاعل ونحو : قَتيلٌ وحَلُوبٌ في اسم المفعول وهذا الصفة المشبّهة اسم فاعل عند أهل هذه الصناعة [ وتقول : ] رجُلٌ [ ممرورٌ به ] ورجلان [ مَمرورٌ بهما ] ورجال [ ممرورٌ بهم ] وامرأة [ ممرورٌ بها ] وامرأتان [ ممرورٌ بهما ] ونساء [ ممرورٌ بهنّ ] أي لا يبنى اسم المفعول من اللازم إلّا بعد أن تُعَدّيه إذ ليس له مفعول [ فتثنّى ] انت [ وتجمع وتذكر وتؤنث الضمير فيما ] أي في اسم المفعول الّذي [ يتعدّى بحرف الجرّ لا اسم المفعول ] فلا تقول ممروران بهما ولا ممرورون بهم ولا ممرورة بها ونحو ذلك ؛ لانّ القائم مقام الفاعل لفظاً اعني الجارّ والمجرور من حيث هو هو ليس بمؤنّث ولا مثنّى ولا مجموع.

فلا وجه لتأنيث العامل وتثنيته وجمعه وظاهر كلام صاحب الكشّاف انّ مثل هذا الفاعل يجوز ان يقدّم فيقال : زَيْدٌ بِه ممرور لانّه ذكر في قوله تعالى : «أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا» (١) انّ عنه فاعل مسؤولا قدّم عليه [ وفعيل قد يجيء بمعنى الفاعل كالرحيم بمعنى الراحم ] مع المبالغة [ وبمعنى المفعول كالقتيل بمعنى المقتول ] وامثلتهما في التثنية والجمع والتذكير

____________________________

(١) الاسراء : ٣٦.

٢١١

والتأنيث كامثلة اسم الفاعل والمفعول إلّا انّه يستوي لفظ المذكّر والمؤنّث في الفعيل الذي بمعنى المفعول إذا ذكر الموصوف نحو : رجل قتيل ، وامرأة قتيل بخلاف مررت بقتيل فلان وقتيلة فلانة ، فإنّهما لا يستويان لخوف اللبس هذا في الثلاثي المجرّد.

[ وامّا ما زاد على الثلاثة ] ثلاثيّاً كان أو رباعيّاً [ فالضابط فيه ] أي في بناء اسم الفاعل والمفعول منه والمراد بالضابط الأمر الكلّي الذي ينطبق على جميع الجزئيّات [ أن تضع في مضارعه الميم المضمومة موضع حرف المضارعة وتكسر ما قبل آخره ] أي آخر المضارع [ في الفاعل ] أي في اسم الفاعل كما فعلت في أكثر فعله وهو المبنيّ للفاعل [ وتفتح ما ] قبل الآخر [ في اسم المفعول ] كما فتحت فعله أعني المبنيّ للمفعول [ نحو : مُكْرِم ] بالكسر اسم الفاعل [ ومُكرَم ] بالفتح اسم المفعول [ ومُدَحْرِجٌ ومُدَحْرَجٌ ومُتَدَحْرِجٌ ومُتَدَحْرَجٌ ومُسْتَخْرِجٌ ومُسْتَخْرَجٌ ].

وكذا قياس بواقي الأمثلة إلّا ما شذّ من نحو : اسْهَبَ أى اطْنَبَ واكثر في الكلام فهو مُسْهَبٌ ، واحصن فهو مُحْصَنٌ ، والْفَجَ أي افْلَسَ فهو مُلفَجٌ بفتح ما قبل الآخر فى الثلاثة اسم فاعل ، وكذا اعْشَبَ المكان فهو عاشب ، وأورس فهو وارسٌ ، وايفع الغلام أي ارتفع فهو يافع ، ولا يقال : معشب ولا مورسٌ ولا موفع.

[ وقد يستوي لفظ ] اسم [ الفاعل و ] اسم [ المفعول في بعض المواضع كمحابّ ومتحابّ ومختار ومعتدّ ومضطرّ ومنصبّ فى الاسم الفاعل [ ومنصبّ فيه ] في اسم المفعول ومنجاب أي منقطع ومنكشف في اسم الفاعل [ ومُنجابٌ عَنْه ] في المفعول فانّ لفظي اسم الفاعل واسم المفعول في هذه الامثلة مستويان لسكون ما قبل الآخر بالادغام في

٢١٢

بعض وبالقلب في بعض والفرق انّما كان بحركته فلمّا ازال الحركة استويا [ ويختلف في التقدير ] لانّه يقدّر كسر ما قبل الآخر فى اسم الفاعل وفتحه في الاسم المفعول ، ويفرق في الآخرين بانّه يلزم مع اسم المفعول ذكر الجارّ والمجرور لكونهما لازمين بخلاف اسم الفاعل لا يقال لا نسلّم استوائهما في الآخرين لانّا نقول اسم الفاعل والمفعول فيهما لفظاً مُنْصَبٌّ ومُنْجابٌ ، والجارّ والمجرور شرط لا شطر واذ قد فرغنا من السالم فقد حان أن نشرع في غيره فنقول قد تبيّن من تعريف السالم انّ غير السالم ثلاثة وهي : المضاعف والمعتلّ والمهموز والمصنف يذكرها في ثلاثة فصول مقدّماً المضاعف فانّه وان كان ملحقاً بالمعتلات فناسب ان يذكر عقيبها لكن قدّمه لمشابهة السالم في قلّة التغيير وكون حروفه حروف الصحيح قائلاً :

[ فصل المضاعف ] : وهو اسم مفعول من ضاعف ، قال الخليل : التضعيف ان يزاد على الشيء مثله فيجعل اثنين أو اكثر وكذلك الاضعاف والمضاعفة [ ويقال له ] أي للمضاعف [ الاصمّ ] لتحقّق الشدّة فيه بواسطة الادغام يقال : حَجَرٌ اصمّ أي صلب ، وكان اهل الجاهليّة يسمّون رجباً بشهر الله الاصمّ ، قال الخليل : انّما سمّي بذلك لانّه لا يسمع فيه صوت مستغيث ؛ لانّه من الاشهُر الحُرُم ولا يسمع فيه ايضاً حركة قتال ولا قعقعة سلاح. ولمّا كان المضاعف في الثلاثي غيره في الرباعي لم يجمعهما في تعريف واحد بل ذكر أوّلاً مضاعف الثلاثي.

وقال : [ هو ] أي المضاعف [ من الثلاثي المجرّد ، والمزيد فيه ما كان عينه ولامه من جنس واحد ] يعني إن كان العين ياء كان اللام ايضاً ياء ، وان كان دالّاً كان ايضاً دالّاً وهكذا [ كَرَدَّ ] في الثلاثي المجرّد [ واَعَدَّ ] الشيء أي هَيَّأه في المزيد فيه فبيّن كون عينهما ولا مهما من

٢١٣

جنس واحد بقوله : [ فإنّ اصلهما رَدَدَ واَعْدَدَ ] فالعين واللام دالان كما ترى فاسكنت الاُولى وادغمت في الثانية ، فقوله : المضاعف مبتدأ وهو مبتدأ ثان خبره ما كان ، والجملة خبر المبتدأ الاوّل ، وقوله : من الثلاثي حال ، ويقال له : الاصمّ جملة معترضة.

ويجوز أن يكون فصل المضاعف بالاضافة [ وهو ] اعنى المضاعف [ من الرباعي ] مجرّداً كان أو مزيداً فيه [ ما كان فاؤه ولامه الاولى من جنس واحد وكذلك عينه ولامه الثانية ] ايضاً من جنس واحد [ ويقال له ] أي للمضاعف من الرباعي [ المطابق ايضاً ] بالفتح اسم مفعول من المطابقة أي الموافقة تقول طابقت بين الشيئين اذا جعلتهما على حدّ واحد وقد طوبق فيه الفاء واللام الاُولى والعين واللام الثانية نحو : زَلْزَلَ الشيء [ زَلْزَلَةً وزِلْزالاً ] أي حرّكه ويجوز في مصدره فتح الفاء وكسرها بخلاف الصحيح فانّه بالكسر لا غير نحو : دَحْرَجَ دحراجاً.

وقوله أيضاً اشارة الى انّه يسمّى الأصمّ أيضاً ، لأنّه وإن لم يكن فيه إدغام ليتحقّق شدّته لكنّه حمل على الثلاثي ، ولانّ علّة الإدغام اجتماع المثلين فإذا كان مرتين كان ادعى الى الإدغام لكن لم يدغم لمانع وهو وقوع الفاصلة بين المثلين فكان مثل ما امتنع فيه الإدغام من الثلاثي نحو : مَدَدْن ، فإنّه يسمّى بذلك حملاً على الاصل ولمّا كان هاهنا مظنّة السؤال وهو انّه لم الحق المضاعف بالمعتلات وجعل من غير السالم مثلها مع انّ حروفه حروف الصحيح اشار الى جوابه بقوله : [ وانّما الحق المضاعف بالمعتلّات لانّ حروف التضعيف يلحقه الإبدال ] وهو أن تجعل حرفاً موضع حرف آخر ، والحروف الّتى تجعلها موضع آخر حروف انصت يَوْمَ جَدّ طأزلّ ، وكلّ واحد منها يبدل من عدّة حروف لا يليق بيان ذلك هاهنا وذلك الابدال [ كقولهم : امليت بمعنى املَلْت ] يعنى أنّ

٢١٤

اصله امللت قلبت اللام الاخيرة ياء لثقل اجتماع المثلين مع تعذّر الادغام بسكون الثاني ، وامثال ذلك كثيرة في الكلام نحو : تَقَضَّى البازي أى تقضّض ، وحَسَيْت بالخير أي حَسَست به ، وتَلَعّيتُ به أي تلعّعت.

وكذا الرباعي نحو : مهمهت أي معمعت ، ودَهْدَيْت أي دَهْدَهْت ، وصَهْصَيْت أي صهصهت وامثال ذلك [ و ] لانّه يلحقه [ الحذف كقولهم : مِـَسْتُ وظِـَلْتُ] بفتح الفاء وكسرها [ واحست أي مسست ، وظللت واحسست ] يعني إنّ اصل مست مَسِسْت بالكسر فحذفت السين الاُولى لتعذّر الإدغام مع اجتماع المثلين والتخفيف مطلوب واختص الاُولى بالحذف لانّها تدغم ، وقيل : حذفت الثانية لأنّ الثقل إنّما يحصل عندها وأمّا فتح الفاء فلانّه حذفت السين مع حركتها فبقى الباقي مفتوحة بحالها وامّا الكسر فلانّه نقل حركة السين الى الميم بعد اسكانها وحذفت السين فقيل : مِسْتُ بكسر الميم ، وكذلك ظلت بلا فرق واصل احَسْت احْسَست نقلت فتحة السين الى الحاء وحذفت احدى السينين فقيل احست ، وانشد الاخفش :

مِسْنَا السماء فَنِلْناها ودامَ لَنا

حَتّىٰ نَرىٰ احَداً يَمشى وَشهلانا

وفي التنزيل : فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (١) ، وروى أبو عبيدة قول أبي زبيد : خَلا انَّ الْعِتاقَ من المَطايا اَحَسْنَ به فَهُنَّ الَيْهِ شوسٌ وهذا من الشواذ للتخفيف ، قال في الصحاح : مِسْتُ الشيء بالكسر امَسهُ بالفتح مَسّاً فهذه اللغة الفصيحة.

وحكىٰ ابو عبيدة : مَسْتُ الشيء بالفتح اَمُسُّه بالضم اَمِسّه بالكسر ، ويقال : ظِلْتُ افْعَل كذا بالكسر ظَلُولاً إذا عملته بالنهار دون الليل ، واحَسْتُ بالخير واحْسَسْتُ أي ايْقَنْتُ به ، وربّما قالوا : اَحْسَسْتُ بالخير وحسيت يبدّلون من السين ياء ، قال ابو زبيد : حَسَيْنَ به فَهُنَّ الَيْه شُوسٌ ، فلمّا

____________________________

(١) الواقعة : ٦٥.

٢١٥

الحق الابدال والحذف حرف التّضعيف كما يلحقان حرف العلّة كما سنذكره فى بابه الحق المضاعف بالمتعلّات وجعل من غير السالم مثلها.

وفيه نظر لأنّ الابدال والحذف كما يلحقان المضاعف يلحقان الصحيح ايضاً ، امّا الحذف ففي نحو : تجنّب وتقاتل وتدحرج كما مرّ ، وامّا الإبدال فاكثر من أن يحصىٰ ، ويمكن أن يجاب بانّهما يلحقان المضاعف في الحروف الاصليّة كالمعتلّ بخلاف الصحيح ، فانّهما لا يلحقان الحروف الاصليّة بل الإبدال يلحقهما دون الحذف وقوله كقولهم امْلَيْتُ رمز خفيّ الى ذلك وكان الأولى ان يقول : لأنّ حرف التضعيف يصير حرف علّة كما في امليْتَ اَحْسَيت.

[ والمضاعف يلحقه الإدغام ] وهو في اللغة الاخفاء والادخال يقال : اَدْغَمْتُ اللجام في فم الفرس أي ادخلت في فيهِ ، وادغمت الثوب في الوعاءِ ، والادغام افعال من عبارات الكوفيّين ، والادغام افتعال من عبارات البصريّين ، وقد ظنّ أنّ الادّغام بالتشديد افتعال غير متعدّ ، وهو سهو لما قال في الصحاح : يقال أدغمت الحرف وأدغمته على افتعلته [ وهو ] أي الادغام في الاصطلاح [ أن تُسكّنَ ] الحرف [ الاوّل ] من المتجانسين [ وتدرج في الثاني ] أي في الحرف الثانى نحو : مدّ ، فإنّ اصله مَدَدَ اسكنت الدال الاُولى ، وادرجتها في الثانية ، وإنّما سكِّن الاوّل ليتّصل بالثاني إذ لو حرّك لم يتّصل به لحصول الفاصل وهو الحركة ، والثانى لا يكون إلّا متحرّكا لانّ الساكن كالميّت لا يظهر نفسه فكيف يظهر غيره.

[ ويسمّىٰ ] الحرف [ الاوّل ] من المتجانسين إذا ادغمته [ مُدْغَما ] اسم مفعول لادغامك ايّاه [ و ] يسمّىٰ الحرف [ الثانى مدغماً فيه ] لادغامك الاوّل فيه والغرض من الادغام التّخفيف ، فإنّ التلفّظ بالمثلين في غاية الثّقل حسّا لا يقال انّ قوله ان تسكن الأوّل غير شامل لنحو : مدٌّ

٢١٦

مصدراً لانّ الاوّل ساكن فلا يسكن لأنّا نقول انّه لمّا ذكر انّ المتحرّك يسكن عند ادغامه علم منه أنّ بقاء الساكن بحاله بالطريق الأولى [ وذلك ] أي الإدغام [ واجب في ] الماضي والمضارع من الثلاثي المجرّد مطلقاً ومن المزيد فيه من الابواب الّتى يذكرها ما لم يتّصل بها الضمائر البارزة المرفوعة المتحرّكة ، فأن اتّصلت ففيه تفصيل يذكر فعبّر عمّا ذكرنا بقوله [ نحو : مَدَّ يَمدُّ وأعدَّ يعدُّ وانْقَدَّ ينقدّ واعْتَدّ يَعْتَدّ ] ولمّا كان هاهنا افعال يجب فيها الإدغام مثل المضاعف وإن لم تكن مضاعفا ذكرها استطراداً بين ذلك لكنّه خلطها وكان الأولى أن يميّزها.

فقال : [ واسْوَدَّ يَسْوَدُّ ] من باب الاِفْعِلال [ واسْوادّ يَسْوادُّ ] من باب الافعيلال وليسا من باب المضاعف لانّ عينهما ولامهما ليسا من جنس واحد ، فإنّ عينهما الواو ولامهما الدال [ واسْتَعَدَّ يَسْتَعِدُّ ] مضاعف من باب الاستفعال [ واطْمَاَنَّ يَطْمَئنُّ ] أي سكن اطميناناً وطُمانينَةً ليس من باب المضاعف ، لانّ عينه الميم ولامه النون وهو من باب الافعللال كالإقشعرار [ وتَمادَّ يَتَمادُّ ] مضاعف من باب التّفاعل فيجب في هذه الصور الإدغام لاجتماع المثلين مع عدم مانع من الإدغام وكذا إذا لحقها تاء التأنيث نحو : مدَّتْ واعَدَّتْ وانْقَدَّتْ الخ.

[ وكذا هذه الافعال ] الّتى يجب فيها الإدغام إذا بنيتها للفاعل يجب فيها الادغام ايضاً [ اذا بنيتها للمفعول ] ماضياً كان أو مضارعاً [ نحو : مُدُّ ] والاصل مُدِدَ [ ويُمَدُّ ] والاصل يُمْدَدُ وكذا تُمَدُّ واُمَدُّ ونُمَدُّ و [ كذا نظائره ] أي نظائر : مُدَّ يَمُدُّ كَاُعدَّ يُعَدُّ وانْقُدَّ يُنْقَدُّ فيه ، واعْتُدَّ يُعْتَدُّ بِهِ واسْتُعِدَّ يُسْتَعَدُّ وتُمُودَّ يُتَمادُّ بالتقاء الساكنين على حدّه وكذا البواقي فهذه هي الابواب الّتي يدخل فيها الإدغام وما بقي فبعضه لم يجيء منه المضاعف وبعضه جاء ولكن ليس للإدغام اليه سبيل نحو : مَدَّدَ يُمَدِّدُ في التفعيل وتَمَدَّدَ

٢١٧

يَتَمَدَّدُ فى التفعل وذلك لانَّ العين وهو الّذى يدغم متحرك ابداً لإدغام حرف آخر فيه فهو لا يدغم في حرف آخر لامتناع اسكانه. [ وفي نحو : مدٍّ ] أعني [ مصدراً ] أي وكذلك الإدغام واجب في كلّ مصدر مضاعف لم يقع بين حرفي التضعيف حرف فاصل ، ويكون الثاني متحرّكا وعقّب نحو : مدّ بقوله مصدراً دفعاً لتوهّم انّه ماضٍ أو أمر.

وكذلك الإدغام واجب [ إذا اتّصل بالفعل ] المضاعف أو ما شاكله ممّا مرّ [ الف ضمير أو واوه أو ياؤه ] سواء كان ماضياً أو مضارعاً أو أمراً مجرّداً أو مزيداً فيه مجهولاً أو معلوماً ، ولذا قال بالفعل ولم يقل بهذه الافعال وذلك لانّ ما قبل هذه الضمائر وهو الثاني من المتجانسين يجب ان يكون متحرّكا لئلّا يلزم التقاء الساكنين وحينئذٍ الاوّل ان كان ساكناً يدرج وإلّا يسكن ويدرج في الثانى فالالف نحو : [ مُدّا ] بفتح الميم أو ضمّه فعل الاثنين من الماضي أو الامر والواو نحو : مدّوا بفتح الميم أو ضمّه فعل جماعة الذكور من الماضي أو الامر والياء نحو : [ مُدّى ] بضمّ الميم وهو فعل الامر من المؤنّث من تمدّين ، فإن المحقّقين على انّ هذا الياء ياء الضمير كالف يفعلان وواو يفعلون وخالفهم الأخفش.

وقس على هذا البواقي من المزيد فيه والمضارع وغير ذلك والضابط   انّه يجب في كلّ فعل اجتمع فيه متجانسان ولم يقع بينهما فاصل   ويكون الثاني متحرّكاً ، وأمّا نحو قولهم : قطط شعره إذا اشتدّت جعودته وضبب البلد اذا اكثر ضبابها بفكّ الإدغام فشاذّ جيء به لبيان الاصل وضننوا فى قوله :

مَهْلاً اعاذِلُ قَدْ جَرَبْتُ من خُلْقي

إنّى أجُودُ لأَقْوام وانْ ضَنِنُوا

محمول على الضرورة والشائع الكثير ضنّوا أى بخلوا والإدغام [ ممتنع في ] كلّ فعل اتّصل به الضمير البارز المرفوع المتحرّك كتاء الخطاب

٢١٨

وتاء المتكلّم ونونه في الماضي ونون جماعة النساء مطلقا ماضيا كان أو غيره مجرداً أو مزيداً فيه مبنيّاً للفاعل أو المفعول لانّ هذه الضمائر تقتضي ان يكون ما قبلها ساكنا وهو الثاني من المتجانسين فلا يمكن الإدغام.

وعبّر عن جميع ذلك بقوله [نحو : مَدَدْتُ مَدَدْنا ومَدَدن الى مَدَدْتُنَّ] يعني : مَدَدْتَ مَدَدْتُما مَدَدْتُم مَدَدْتِ مَدَدْتُما مَدَدْتُنَّ [ويَمْدُدْنَ وتَمْدُدْنَ وامْدُدْنَ ولا تَمْدُدنَ] فهذه امثلة نون جماعة النساء.

والإدغام [ جائز إذا دخل الجازم على فعل الواحد ] أيّ جازم كان فيجوز عدم الإدغام نظراً الى انّ شرط الإدغام تحرّك الحرف الثاني وهو ساكن هنا فلا يدغم ، ويقال : لم يَمْدُدْ وهو لغة الحجازيّين ، قال الشاعر :

ومَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ فَيَبْخَل بِفَضْلِهِ

عَلىٰ قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ ويُذْمَم

فإنّ قوله : ويذمم مجزوم لكونه عطفاً على قوله : يستغن وهو جواب الشرط اعنى مَنْ يك.

ويجوز الادغام نظراً الى انّ السكون عارض لا اعتداد به فيحرّك الساكن الثاني ويدغم فيه الاوّل فيقال : لَمْ يُمَدّ بضَمِّ الدال او الكسر أو الفتح لما سياتي وهو لغة بنى تميم ، والاوّل هو الاقرب الى القياس وفي التنزيل : «وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ» (١) ، فإن قلت : إنّ السكون في مددت ونحوه ايضاً عارض فلم لا يجوز فيه الإدغام ، قلت : لأنّ هذه الضمائر كجزء من الكلمة ويسكن ما قبلها دلالة على ذلك فلو حرّك لزال ذلك الغرض ؛ ولانّ الإدغام موقوف على تحرّك الثاني وهو موقوف على الإدغام لئلّا يتوالى الحركات الاربع فيلزم الدور.

وفي هذا نظر إذ تحرّك الثاني لا يتوقف على الإدغام بل على اسكان الاوّل وهو جزء الإدغام لا نفسه وانّما قال : علىٰ فعل الواحد لأنّ

____________________________

(١) المدثر : ٦.

٢١٩

الادغام واجب في فعل الاثنين وفعل جماعة الذكور وفعل الواحدة المخاطبة كما مرّ ، وممتنع في فعل جماعة النساء فالجائز في فعل الواحد غائباً كان أو مخاطباً أو متكلّماً ، وكذا في الواحدة الغائبة ولفظ المصنف لا يشعر بذلك إذ لا يندرج في فعل الواحد الواحدة ولا يصحّ أن يقال : المراد فعل الشخص الواحد مذكّرا كان أم مؤنّثاً ؛ لأنّه يندرج فيه حينئذٍ فعل الواحدة المخاطبة والإدغام فيه واجب لا جائز اللّهمّ إلّا أن يقال : قد علم حكمه من قبل فهو في حكم المثنّى ولا يخلُو عن تعسّف فهذا المضارع المجزوم لا يخلو من أن يكون مكسور العين أو مفتوحه أو مضمومه [ فإن كان مكسور العين كيَفِرّ ] أي يهرب [ أو مفتوحه كَيَعَضُّ ] الشيء ويعضّ عليه أي يأخذه بالسنّ [ فتقول : لَمْ يَفِرَِّ ولَمْ يَعَضَِّ بكسر اللام وفتحها ] أمّا الكسر فلأنّ الساكن إذا حرّك حرّك بالكسر لما بين الكسر والسكون من التآخّى ولأنّ الجزم قد جعِل عوضاً عن الجرّ عند تعذّر الجرّ أعني في الافعال فكذا جعل الكسر عوضاً عن السكون عند تعذّر السكون.

وامّا الفتح فلكونه أخفّ ولك أن تقول الكسر في نحو : لم يفرّ لمتابعة العين ، وكذا الفتح في لم يعضّ [ و ] تقول : [ لم يَفْرِرْ ] ولَمْ يَعْضَضْ بفكّ الإدغام ] كما هو لغة الحجازيّين [ وهكذا حكم يقشعرّ ويحمارّ ويحمرّ ] يعنى تقول : لم يَقْشَعرّ ولم يَحْمرّ ولم يحمارّ بكسر اللام وفتحها كما مرّ ولم يَقْشَعْرِرْ ولم يحمرِرْ ولم يحماررْ بفكّ الإدغام وكسر ما قبل الآخر لانّا نقول الأصل في يحمرّ ويحمارّ ويقشعرّ يَحْمَرِرُ يَحْمارِرُ يقشَعْرِرُ بكسر ما قبل الآخر في المضارع ، وفي الماضي مفتوحاً حملاً على الاخوات نحو : اجتمع يجتمع واستخرج يستخرج ، وقولهم : إرْعَوى يَرْعَوي وإحواوى يحواوي يدلّ عليه. و [ إن كان العين منه ] أي من المضارع [ مضموماً فيجوز ] عند

٢٢٠