دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٣

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٣

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٠

مريم لا تحيض ، ورابعها : طهرها من الأفعال الذميمة والعادات القبيحة ، وخامسها : طهرها من مقالة اليهود وتهمتهم وكذبهم ، وأما الاصطفاء الثاني : فالمراد أنه تعالى وهب لها عيسى عليه‌السلام من غير أب ، وأنطق عيسى حال انفصاله منها حتى شهد بما يدل على براءتها عن التهمة ، وجعلها وابنها آية للعالمين ، فهذا هو المراد من هذه الألفاظ الثلاثة.

هذا وقد ناقش العلامة الألوسي في تفسيره : «روح المعاني» قضية اصطفاء مريم على نساء العالمين (١) ، وقيل على جميع النساء في سائر الأعصر ، واستدل به على أفضليتها على السيدة فاطمة الزهراء ، وأمها السيدة خديجة ، والسيدة عائشة رضي الله تعالى عنهن ، وأن ذلك بما أخرجه ابن عساكر في أحد الطرق عن ابن عباس أنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سيدة نساء أهل الجنة : مريم بنت عمران ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية امرأة فرعون» ، وبما أخرجه ابن جرير عن فاطمة ، صلى الله تعالى على أبيها وعليها وسلم ، أنها قالت : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم البتول».

وأما القول الثاني : فالمراد عالمها ، فلا يلزم منه أفضليتها على فاطمة رضي الله تعالى عنها (٢) ، ويقول ابن كثير : يحتمل أن يكون عالمي زمانها ، كقوله تعالى لموسى : (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) ، وكقوله عن بني إسرائيل : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) ، ومعلوم أن إبراهيم عليه‌السلام أفضل من موسى وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل منهما ، وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها وأكثر عددا وأفضل علما وأزكى عملا من بني إسرائيل وغيرهم (٣).

__________________

(١) روى الطبري وابن كثير عدة أحاديث شريفة في فضل السيدة مريم (تفسير الطبري ١ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، تفسير ابن كثير ١ / ٥٤٢ ـ ٥٤٤ ، البداية والنهاية ٢ / ٥٩ ـ ٦٣).

(٢) تفسير روح المعاني ٣ / ١٥٥.

(٣) ابن كثير : البداية والنهاية ٢ / ٥٩.

٢٨١

ويؤيد الألوسي قوله بأن اصطفاء مريم على نساء عالمها ، ولا يلزم منه أفضليتها على الزهراء ، بضعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بما أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : أربع نسوة سادات عالمهن : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأفضلهن عالما فاطمة» ، وما رواه الحرث بن أسامة في مسنده بسند صحيح ، لكنه مرسل «مريم خير نساء عالمها» ، وإلى هذا ذهب أبو جعفر رضي الله تعالى عنه (أي الإمام محمد الباقر) ، وهو المشهور عن أئمة أهل البيت ، والذي أميل إليه (أي العلامة الألوسي) : أن فاطمة البتول أفضل النساء المتقدمات والمتأخرات من حيث أنها بضعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بل ومن حيثيات أخرى أيضا ، ولا يعكر على ذلك الأخبار السابقة لجواز أن يراد بها أفضلية غيرها عليها من بعض الجهات وبحيثية من الحيثيات ، وبه يجمع بين الآثار ، وهذا شائع على القول بنبوة مريم أيضا ، إذ البضعية من روح الوجود وسيد كل موجود صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا أرها تقابل بشيء ، وأين الثريا من يد المتناول ، ومن هنا يعلم أفضليتها على عائشة ، رضي الله تعالى عنها ، الذاهب إلى خلافها الكثير ، محتجين بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام» ، وبأن عائشة يوم القيامة في الجنة مع زوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفاطمة يومئذ فيها مع زوجها علي ، كرم الله تعالى وجهه في الجنة ، وفرق عظيم بين مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومقام علي كرم الله وجهه.

وأنت تعلم ما في هذا الاستدلال ، وأنه ليس بنص على أفضلية الحميراء على الزهراء ، أما (أولا) فلأن قصارى ما في الحديث الأول ، على تقدير ثبوته ، إثبات أنها عالمة إلى حيث يؤخذ منها ثلثا الدين ، وهذا لا يدل على نفي العلم المماثل لعلمها عن بضعته الزهراء صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولعلمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها لا تبقى بعده زمنا معتدا به يمكن أخذ الدين منها فيه لم يقل فيها ذلك ، ولو علم لربما

٢٨٢

قال : خذوا كل دينكم عن الزهراء ، وعدم هذا القول في حق من دل العقل والنقل على علمه ، لا يدل على مفضوليته ، وإلا لكانت عائشة أفضل من أبيها ، رضي الله تعالى عنه ، لأنه لم يرو عنه في الدين إلا قليل ، لقلة لبثه وكثرة غائلته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني تركت فيكم الثقلين ، كتاب الله تعالى وعترتي ، لا يفترقان حتى يردا على الحوض» ، يقام مقام ذلك الخبر وزيادة ، كما لا يخفي ، كيف لا ، وفاطمة ، رضي الله تعالى عنها ، سيدة تلك العترة؟.

وأما (ثانيا) فلأن الحديث الثاني معارض بما يدل على أفضلية غيرها ، رضي الله تعالى عليها ، فقد أخرج ابن جرير عن عمار بن سعد أنه قال ، قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فضلت خديجة على نساء أمتي ، كما فضلت مريم على نساء العالمين» بل هذا الحديث أظهر في الأفضلية وأكمل في المدح ، عند من انجاب عن عين بصيرته عين التعصب والتعسف ، لأن ذلك الخبر ، وإن كان ظاهرا في الأفضلية ، لكنه قيل ، ولو على بعد ، إن «أل» في النساء فيه للعهد ، والمراد بها الأزواج الطاهرات الموجودات حين الإخبار ، ولم يقل مثل ذلك في هذا الحديث ، وأما (ثالثا) فلأن الدليل الثالث يستدعى أن يكون سائر زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين ، عليهم الصلاة والسلام ، لأن مقامهم بلا ريب ، ليس كمقام المحمود صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلو كانت الشركة في المنزل مستدعية للأفضلية ، لزم ذلك قطعا ، ولا قائل به.

وبعد هذا كله ، الذي يدور في خلدي : أن أفضل النساء قاطبة : فاطمة ثم أمها (خديجة) ثم عائشة ، بل لو قال قائل إن سائر بنات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من عائشة ، لا أرى عليه بأسا ، وعندي بين مريم وفاطمة توقف نظرا للأفضلية المطلقة ، وأما بالنظر إلى الحيثية ، فقد علمت ما أميل إليه ، وقد سئل الإمام السبكي ، عن هذه المسألة فقال : الذي نختاره وندين الله تعالى به ، أن فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل ، ثم أمها ثم عائشة ، ووافقه في ذلك البلقيني ،

٢٨٣

وقد صحح ابن العماد أن خديجة أيضا أفضل من عائشة ، لما ثبت أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعائشة ، حين قالت : قد رزقك الله خيرا منها ، فقال لها : لا والله ما رزقني الله تعالى خيرا منها ، آمنت بي حين كذبني الناس ، وأعطتني مالها حين حرمني الناس ، وأيد هذا بأن عائشة أقرأها السلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جبريل ، وخديجة أقرأها السلام جبريل من ربها ، وبعضهم لما رأى تعارض الأدلة في هذه المسألة توقف فيها ، وإلى التوقف مال القاضي أبو جعفر الأسروشني منا ، وذهب ابن جماعة إلى أنه المذهب الأسلم ، وأشكل ما في هذا الباب حديث الثريد ، ولعل كثرة الأخبار الناطقة بخلافه تهون تأويله ، وتأويل واحد لكثير أهون من تأويل كثير لواحد ، والله تعالى هو الهادي إلى سواء السبيل (١).

__________________

(١) تفسير روح المعاني ٣ / ١٥٥ ـ ١٥٦ (دار الفكر ـ بيروت ١٩٧٨).

٢٨٤

الفصل الثّاني

مولد المسيح عليه‌السلام

السيد المسيح عيسى بن مريم : اسمه عيسى ، ولقبه المسيح ، ويكنى ابن مريم ، نسبة إلى أمه مريم بنت عمران ، وأما سبب تقديم اللقب على الاسم ، فذلك ، فيما يرى الفخر الرازي ، لأن المسيح كاللقب الذي يفيد كونه شريفا رفيع الدرجة مثل الصديق والفاروق ، فذكره الله تعالى أولا بلقبه ليفيد علو درجته ، ثم ذكره باسمه الخاص ، وأما نسبه لأمه ، فلأن الأنبياء إنما ينسبون إلى الآباء ، لا إلى الأمهات ، فلما نسبه الله تعالى إلى الأم ، دون الأب ، كان ذلك إعلاما لها بأنه محدث بغير الأب ، فكان ذلك سببا لزيادة فضله وعلو درجته (١).

وكلمة المسيح عند أهل الكتاب تعني المخلص المنتظر الذي يتم على يديه خلاص الشعب المختار ، ومن ثم فقد أطلق على أتباع المسيح لفظ «المسيحيين» تمييزا لهم عن اليهود (٢) ، وربما تعني كلمة المسيح ، الممسوح بزيت البركة ، كما كان اليهود يفعلون عند تنصيب ملك جديد (٣) ، وأما كلمة «يسوع» التي استعملت في الأناجيل فهي الصيغة الهيلينية لكلمة «يشوع» ،

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٥٠.

(٢) جواد علي : المرجع السابق ٦ / ٥٨٥.

(٣) صموئيل أول ١٠ / ١.

٢٨٥

وهو بالعربية تعني «يهوه هو الخلاص» (١) ، على أنه من الجدير بالملاحظة أن هذه اللفظة اليونانية لم تستعمل في القرآن الكريم ، وكذا المؤلفات العربية القديمة ، فضلا عن الشعر الجاهلي ، فالكلمة على ما يبدو من الكلمات المتأخرة (٢) ، وإن ذهب بعض علماء المسلمين إلى أن عيسى معرب يشوع ومعناه «السيد» (٣).

وأما كلمة المسيح عند المسلمين فهي : لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق ، وأصله مشيحا بالعبرية ومعناه المبارك ، وقيل بمعنى مسحه الله فطهره من الذنوب ، وقيل لأنه مسح بالبركة ، وعن إبراهيم النخعي بمعنى الصديق ، وعن أبي عمرو بن العلاء بمعنى الملك ، وعن كثير من السلف أن المسيح مشتق من المسح ، واختلفوا في وجه إطلاقه على عيسى عليه‌السلام ، فقيل لأنه مسح بالبركة واليمن ، وقد روى ذلك عن الحسن البصري وسعيد بن جبير ، وعن ابن عباس لأنه كان لا يمسح ذا عاهة بيده إلا برئ ، وعن الكلبي لأنه كان يمسح عين الأكمة فيبصر ، وعن الجبائي لأنه كان يمسح بدهن زيت بورك فيه ، وكانت الأنبياء تتمسح به ، ولا يمسح به غيرهم ، وأن هذا الدهن يجوز أن يكون الله تعالى جعله علامة حتى تعرف الملائكة أن كل من مسح به وقت الولادة فإنه يكون نبيّا ، وقيل لأن جبريل مسحه بجناحيه وقت الولادة ليكون عوذه من الشيطان الرجيم ، وقيل لأنه حين مسح الله تعالى ظهر آدم عليه‌السلام ، فاستخرج منه ذرات ذريته لم يرده (أي المسيح) إلى مقامه كما فعل بباقي الذرات بل حفظه عنده حتى ألقاه إلى مريم قد بقي عليه اسم المسيح أي الممسوح ، وقيل لأنه كان مسيح القدمين لا أخمص لهما ، وقيل لكثرة سياحته ، فقد كان يمسح الأرض بالسياحة لا

__________________

(١) فيلب حتى : المرجع السابق ص ٣٦٣.

(٢) Hughes ,Dictionary of Islam ,P. ٤٣١.

(٣) تفسير روح المعاني ٣ / ١٦١.

٢٨٦

يستوطن مكانا ، أو لأنه كان يمسح رأس اليتامى لله تعالى ، أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن (١).

وأما أتباع المسيح فيسمون «النصارى» ، والنصارى جمع واحدهم «نصراني» ، بإسقاط الياء فيما يرى «سيبويه» ، والأنثى «نصرانية» وهي نكرة يعرف بالألف واللام ، وذهب الخليل إلى أن واحد النصارى «نصري» هذا وقد سمع في جمعهم أنصار ، والكلمة ليست عربية أصلية ، وإنما معربة عن السريانية من كلمة «نصريو أو نصرايا» على رأي (٢) ، ومن التسمية العبرية «الناصريين» أو «النذيريين» حيث أطلقها اليهود على أتباع السيد المسيح ، على رأي آخر (٣) ، على أن البعض إنما يرى أن للكلمة صلة بالناصرة ، بلد المسيح عليه‌السلام ، فعن ابن عباس : إنما سميت النصارى نصارى ، لأن قرية عيسى بن مريم كانت تسمى «الناصرة» ، وكان أصحابها يسمون «الناصريين» وكان يقال لعيسى «الناصري» ، أو نسبة إلى الناصريين إحدى الفرق اليهودية القديمة المنتصرة ، أو أنهم سموا النصارى لتناصرهم فيما بينهم ، وقد يقال لهم أنصار أيضا ، كما قال عيسى عليه‌السلام : «من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله» (٤) ، وقد بقي اليهود يطلقون كلمة النصارى على من اتبع دين المسيح ، وبهذا المعنى وردت الكلمة في

__________________

(١) تفسير الطبري ٣ / ٢٧٠ تفسير ابن كثير ١ / ٥٤٥ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٦١ ، تفسير الكشاف ١ / ٢٧٨ ، صفوة التفاسير ١ / ٢٠١ ، لسان العرب ٢ / ٥٩٤ ، تفسير النسفي ١ / ١٥٨ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ٤٩ ـ ٥٠ ، تفسير المنار ٣ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٢) لسان العرب ٧ / ٦٨ ، تفسير الطبري ١ / ٣١٨ ، تفسير القرطبي ص ٣٦٩ ، تفسير ابن كثير ١ / ١٥٦ ، تفسير البحر المحيط ١ / ٢٣٨ ، معاني القرآن للفراء ١ / ٤٤ ، أمالي ابن الشجري ١ / ٧٩ ، ٣٧١ ، غرائب اللغة ص ٢٠٧ ، وكذا.EI ,III ,P.٨٤٨.

(٣) أعمال الرسل ٢٤ / ٥ ، وكذا.J.Hastings ,ERE , ٥٧٤.p ، ٣.

(٤) تفسير الطبري ١ / ٣١٨ ، تفسير ابن كثير ١ / ١٥٦.

٢٨٧

القرآن الكريم ، ومن ثم فقد أصبحت النصرانية علما على ديانة المسيح عند المسلمين (١).

وأما النصارى أنفسهم فقد كان القدامى منهم ينظرون إلى السيد المسيح نظرتهم إلى «المعلم» ، ومن ثم فقد كانوا يسمون أنفسهم «التلاميذ» و «تلاميذ المسيح» (٢) ، والأمر كذلك بالنسبة إلى نظرتهم إلى «الحواريين» (وهي لفظة أرامية على رأي ، وعربية على رأي آخر ، وحبشية على رأي ثالث) (٣) ، كما دعوا أنفسهم «الأخوة» و «الأخوة في الله» ، على أساس أن العقيدة الدينية قد آخت بينهم (٤) ، ثم سرعان ما أصبحت الكلمة مقصورة على رجال الدين الذين دعوا أنفسهم «القديسيين» و «الأخوة المؤمنين في المسيح» و «المقدسين في المسيح يسوع المدعوين قديسيين» (٥) ، هذا وقد عرف النصارى كذلك «بالمسيحيين» ، ونقرأ في أعمال الرسل أن «برنابا» قد خرج إلى طرطوس ، وهناك التقى بشاؤل حيث جاء به إلى أنطاكية وبقيا هناك عاما يعلمان جمعا غفيرا من الكنيسة ودعي التلاميذ «مسيحيين» في أنطاكية أولا (٦) ، كما نقرأ أيضا «فقال أغريباس لبولس بقليل تقنعني أن أصير مسيحيا» (٧) ، وربما كانت الكلمة نسبة إلى السيد المسيح ، هذا وقد أطلق

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٦٢ ، المائدة : آية ١٨ ، ٥١ ، ٦٩ ، ٨٢ ، التوبة : آية ٣٠ ، الحج : آية ١٧ ، وانظر : محمد بيومي مهران : الديانة العربية القديمة الإسكندرية ١٩٧٨ ص ٥٩ ـ ٧٠ ، ١٠٣ ـ ١٠٧.

(٢) J.Hastings ,Dictionary of the Bible , ١٩٢.p ، ١٩٣٦.

(٣) الأب لويس شيخو : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية ـ بيروت ١٩٣٣ ص ١٨٩ ، المشرق ـ السنة السابقة ١٩٠٤ م ص ٦٢٠.

(٤) J.Hastings ,op ـ cit ,P. ١٠٤.

(٥) أعمال الرسل ١ / ١٥ ـ ١٦ ، رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس ١ / ٢ ، ١٠.

(٦) أعمال الرسل ١١ / ٢٥ ـ ٢٦.

(٧) أعمال الرسل ١١ / ٢٦ ، ٢٦ / ٢٨ ، رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس ٤ / ١٦ ، وكذا.J.Hastings ,op ـ cit ,P. ١٢٧.

٢٨٨

القرآن الكريم على النصارى «أهل الإنجيل» في قوله تعالى : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١).

وعلى أي حال ، فالمسيح عيسى بن مريم هو عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول العذراء ، الطاهرة العفيفة التي أحصنت فرجها وصدقت بكلمات ربها وكتبه ، وكانت من القانتين ، ويمثل المسيح عليه‌السلام آخر طور من أطوار الديانة الإسرائيلية ، فهو آخر أنبياء بني إسرائيل ، وقد جعله الله عزوجل ، هو وأمه ، آية في ولادتهما ونشأتهما ، قال تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) (٢) ، يقول الرازي : وأما مريم فآياتها كثيرة ، أحدها : ظهور الحبل فيها ، لا من ذكر ، فصار ذلك آية ومعجزة خارقة عن العادة ، وثانيها : أن رزقها كان يأتيها به الملائكة من الجنة ، وهو قوله تعالى : (أَنَّى لَكِ هذا ، قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، وثالثها ورابعها : قال الحسن البصري : إنها لم تلتقم ثديا يوما قط ، وتكلمت هي أيضا في صباها ، كما تكلم عيسى عليه‌السلام (٣) ، وأما آيات عيسى عليه‌السلام ، فسوف نتحدث عنها بالتفصيل في مكانها من هذه الدراسة ، ويقول تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ، وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) (٤) ، أما الآية فهي آية غير مسبوقة ولا ملحوقة (أعني ولادة مريم للمسيح من غير مسيس) ، آية فذة واحدة في تاريخ البشرية جميعا ، ذلك أن المثل الواحد من هذا النوع يكفي لتتأمله البشرية في أجيالها

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٤٧.

(٢) سورة الأنبياء : آية ٩١.

(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.

(٤) سورة المؤمنون : آية ٥٠.

٢٨٩

جميعا ، وتدرك يد القدرة الطليقة التي تخلق النواميس ، ولكنها لا تحتبس داخل النواميس (١).

وأما الربوة المشار إليها في الآية الكريمة ، فقد اختلفت الروايات في تحديدها ، بين مصر ودمشق وبيت المقدس (٢) ، ورغم أنه ليس المهم تحديد موضعها ، وإنما المقصود هو الإشارة إلى إيواء لمريم وابنها في مكان طيب ، ينضر فيه النبت ، ويسيل فيه الماء ، ويجدان فيه الرعاية والإيواء (٣) ، وعلى آية حال ، فلقد ذهبت رواية الإنجيل إلى أنها مصر (٤) ، وإلى هذا ذهب الطبري في التاريخ (٥) ، وكذا ابن خلدون الذي يرى أنهما أقاما بمصر اثنى عشر سنة (٦) ، وكذا ابن كثير الذي يروي عن وهب بن منبه أن عيسى لما بلغ ثلاث عشرة سنة أمره الله أن يرجع من بلاد مصر إلى بيت إيليا (بيت المقدس) فقدم عليه يوسف ابن خال أمه ، فحملها على حمار حتى جاء بهما إلى إيليا ، وأقام بها حتى أحدث الله له الإنجيل وعلمه التوراة وأعطاه إحياء الموتى وإبراء الأسقام والعلم بالغيوب مما يدخرون في بيوتهم ، وتحدث الناس بقدومه وفزعوا لما كان يأتي من العجائب فجعلوا يعجبون منه ، فدعاهم إلى الله ففشا فيهم أمره (٧) ، وكذا ذهب اليعقوبي وابن الأثير في تاريخهما ، والألوسي في تفسيره ، إلى أنها مصر (٨).

__________________

(١) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٩٥.

(٢) أنظر : تفسير الطبري ١٨ / ٢٦ ـ ٢٨ ، تفسير روح المعاني ١٨ / ٣٧ ـ ٣٩ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ، تفسير النسفي ٣ / ١٢١ ، تفسير الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٣) في ظلال القرآن ٤ / ٢٤٦٩.

(٤) إنجيل متى ٢ / ١٣ ـ ١٥.

(٥) تاريخ الطبري ١ / ٥٩٧.

(٦) تاريخ ابن خلدون ٢ / ١٧٢.

(٧) ابن كثير : البداية والنهاية ٢ / ٧٧.

(٨) تاريخ اليعقوبي ١ / ٦٩ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٧٨ ، تفسير روح المعاني ١٨ / ٣٨ ـ ٣٩.

٢٩٠

وأيا كان مكان هذه الربوة ، فما يهمنا الآن الإشارة إلى أن الشعب الإسرائيلي في ذلك الوقت إنما كان قد فقد الروح الديني الصحيح ، وجمد على الطقوس والمراسيم وأشكال العبادة ، وارتكب الجرائم المروعة التي أشار القرآن الكريم إلى بعضها (١) ، فأراد الله أن يهز في هذا الشعب ما جمد من عواطفه ، ويحرك فيه المعاني الروحية التي نسيها ، فأجرى له ثلاث آيات كبار ، جاءت متتابعة متقاربة ، الأولى في ولادة مريم ، والثانية في ولادة يحيى ، وأما الثالثة فكانت في ولادة المسيح ، وذلك أن مريم البتول ما أن بلغت مبلغ النساء ، حتى أراد الله أن يجعل لها من الكرامة ما لم يتيسر لغيرها من نساء العالمين ، فهيأ لها الحمل دون تتوافر لها أسبابه ، وذلك بأن جاءها جبريل ، في أرجح الآراء ، في صورة فتى غض الشباب فتملكها الرعب والخوف ، وظنت أنه يريد بها السوء ، ومن ثم فهي تنتفض منه انتفاضة العذراء يفجؤها رجل في خلوتها ، فتلجأ إلى الله تستعيذ به وتستنجد وتستثير مشاعر التقوى في نفس الرجل ، والخوف من الله والتحرج من رقابته في هذا المكان الخالي «قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا» ، فالتقى ينتفض وجدانه عند ذكر الرحمن ، ويرجع عن دفعة الشهوة ونزغ الشيطان (٢).

وروى عن ابن عباس : جاءها في صورة شاب أبيض الوجه جعد الشعر مستوى الخلقة (٣) ، قال المفسرون : إنما تمثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ، ولو بدا لها في الصورة الملكية لنفرت ولم تقدر على السماع لكلامه ، ودل على عفافها وورعها أنها تعوذت بالله من تلك الصورة الجملية الفائقة في الحسن (٤) ، ويقول الفخر الرازي إن في

__________________

(١) أنظر : سورة آل عمران : آية ٣٦ ، النساء : آية ١٦٠ ـ ١٦١.

(٢) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٥.

(٣) زاد المسير ٥ / ٢١٧.

(٤) تفسير البحر المحيط ٦ / ١٨٠ ، تفسير النسفي ٣ / ٣١.

٢٩١

قوله تعالى : (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) وجوه ، أحدها : أرادت إن كان يرجى منك أن تتقي الله ويحصل ذلك بالاستعاذة بالله ، فإني عائذة به منك ، وهذا في نهاية الحسن لأنها علمت أنه لا تؤثر الاستعاذة إلا في التقي ، وهو كقوله : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، أي أن شرط الإيمان يوجب هذا ، لا أن الله يخشى في حال دون حال ، وثانيها : أن معناه ما كنت تقيا حين استحللت النظر إلي وخلوت بي ، وثالثها : أنه كان في ذلك الزمان إنسان فاجر اسمه «تقي» يتبع النساء فظنت مريم أن ذلك الشخص المشاهد هو ذلك التقي ، والأول هو الوجه (١) ، ومن ثم ذهب الألوسي إلى أن من قال إن «تقيا» اسم رجل صالح أو حتى طالح ، ليس بسديد (٢).

وعلى أية حال ، فلقد أخبرها جبريل عليه‌السلام أن الله تعالى أرسله إليها ليهب لها غلاما زكيا ، يكون له شأن عجيب ، ويهبه الله النبوة والحكمة وحينئذ تملكها العجب ، وأدركتها شجاعة الأنثى المهددة في عرضها ، فتسأل في صراحة (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) ، ويبدو من سؤالها أنها لم تكن تتصور حتى اللحظة وسيلة أخرى لأن يهبها غلاما ، إلا الوسيلة المعهودة بين الذكر والأنثى ، وهذا هو الطبيعي بحكم التصور البشري ، (قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا) (٣). وفي سورة آل عمران تفصيل أكثر عن الغلام المبشر به (قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٤) ، وهكذا بشرت الملائكة مريم بكلمة من الله اسمه المسيح

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ١٩٧ ـ ١٩٨.

(٢) تفسير روح المعاني ١٦ / ٧٧.

(٣) سورة مريم : آية ٢٠ ـ ٢١ ، في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٦.

(٤) سورة آل عمران : آية ٤٥ ـ ٤٦ ، وانظر : تفسير الطبري ٣ / ٢٦٩ ـ ٢٧٣ ، تفسير ابن كثير ١ / ـ

٢٩٢

عيسى ابن مريم ، فتضمنت البشارة نوعه ، وتضمنت اسمه ونسبه ، وظهر من هذا النسب أن مرجعه لأمه ، ثم تضمنت البشارة كذلك صفته ومكانه من ربه (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) ، كما تضمنت ظاهرة معجزة تصاحب مولده (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) ، ولمحة من مستقبله «وكهلا» ، وسمته والموكب الذي ينتسب إليه «ومن الصالحين» ، فأما مريم الفتاة الطاهرة العذراء المقيدة بما لوف البشر في الحياة ، فقد تلقت البشارة كما يمكن أن تتلقاها فتاة ، واتجهت إلى ربها تناجيه وتتطلع إلى كشف هذا اللغز الذي يحيّر عقل الإنسان : (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ، قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، وحين يرد الأمر إلى هذه الحقيقة الأولية يذهب العجب وتزول الحيرة ويطمئن القلب ، وهكذا كان القرآن يجلو الشبهات التي تعقدها الفلسفات المعقدة ، ويقر الأمر في القلوب وفي العقول سواء (١).

وعلى أية حال ، فليس هناك من ريب في أن ولادة المسيح عيسى بن مريم ، على هذا الوضع العجيب آية بالغة على كمال قدرة الله على أنواع الخلق ، فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق بقية الخلق من ذكر وأنثى ، يقول ابن كثير : فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه ، فلا إله غيره ولا رب سواه (٢) ، وعلى هذا المنوال الأخير من الخلق (أي من ذكر وأنثى) جرت سنة الله التي وضعها لامتداد الحياة بالتناسل من ذكر وأنثى في

__________________

ـ ٥٤٥ ، تفسير النسفي ١ / ١٥٨ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٥٩ ـ ١٦٤ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ٤٦ ـ ٥٢ ، تفسير الكشاف ١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، تفسير القرطبي ص ١٣٣٠ ـ ١٣٣١ ، تفسير المنار ٣ / ٢٤٩ ـ ٢٥٥ ، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ١ / ١٨٢ ـ ١٨٣.

(١) في ظلال القرآن ١ / ٣٩٨.

(٢) تفسير ابن كثير ٣ / ١٨٧.

٢٩٣

جميع الفصائل والأنواع بلا استثناء ، حتى المخلوقات التي لا يوجد فيها ذكر وأنثى متميزان ، تتجمع في الفرد الواحد منها خلايا التذكير والتأنيث ، جرت هذه السنة أحقابا طويلة حتى استقر في تصور البشر أن هذه هي الطريقة الوحيدة ، ونسوا الحادث الأول ، حادث وجود الإنسان لأنه خارج عن القياس ، فأراد الله أن يضرب لهم مثل عيسى بن مريم عليه‌السلام ، ليذكرهم بحرية القدرة وطلاقة الإرادة ، وأنها لا تحتبس داخل النواميس التي تختارها ، ولم يتكرر حادث عيسى ، لأن الأصل هو أن تجري السنة التي وضعها الله ، وأن ينفذ الناموس الذي اختاره ، وهذه الحادثة الواحدة تكفي لتبقى أمام أنظار البشرية معلما بارزا على حرية المشيئة ، وعدم احتباسها داخل حدود النواميس (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) ، ونظرا لغرابة الحادث وضخامته ، فقد عزّ على فرق من الناس أن تتصوره على طبيعته وأن تدرك الحكمة في إبرازه ، فجعلت تضفي على عيسى بن مريم عليه‌السلام ، صفات الألوهية ، وتصوغ حول مولده الخرافات والأساطير ، وتعكس الحكمة من خلقه على هذا النحو العجيب ، وهي إثبات القدرة الإلهية التي لا نتقيد ، تعكسها فتشوه عقيدة التوحيد (١) ، بينما تدنت آراء أخرى إلى الحضيض ، فاتهمت الطاهرة البتول بما هي منه براء.

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه من البشارات التي جاءت في الإنجيل عن سيدنا محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قول المسيح عليه‌السلام : «ذاك يمجدني» (٢) ، والقرآن الكريم ، كما رأينا من قبل ، حافل بآيات الدفاع عن السيد المسيح وأمه الطاهرة البتول ، ودفع الشبهات عنه بالحجة البالغة ، والاعتراف به عبدا لله تعالى ، ورسولا إلى بني إسرائيل ، وقد أيده الله تعالى بالإنجيل والروح القدس ، ومن البدهي أنه ليس هناك من تمجيد ، أرفع ، ولا

__________________

(١) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٤ ـ ٢٣٠٥.

(٢) إنجيل يوحنا ١٦ / ١٤.

٢٩٤

دفاع أقوى وأشرف ، مما جاء في كتاب الله الكريم ـ القرآن الكريم (١) ـ من ثناء وتقدير وتكريم للسيد المسيح عليه‌السلام ، وتبرئه لعرضه ، وعرض أمه مريم الطاهرة البتول العذراء مما اتهمها به اليهود (٢) ، من ذلك قوله تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ

__________________

(١) أنظر مثلا : سورة آل عمران : آية ٣٥ ـ ٣٧ ، ٤٢ ـ ٥١ ، سورة مريم : آية ١٦ ـ ٣٥.

(٢) يروى التلمود أن يسوع الناصري (وحاشاه أن يكون كما وصفه اليهود كذبا وافتراء) ارتد عن ديانة اليهود وعبد الأوثان ، وكل مسيحي لم يتهود فهو وثني عدو لليهود ، كما يسمى التلمود السيد المسيح «ابن البخار» (ربما يقصد اليهود يوسف البخار خطيب السيدة مريم الذي لم يدخل بها كما تذكر الأناجيل) على نحو ما كان اليهود يطلقون عليه أثناء حياته ، ويصفه بأنه كان ساحرا ووثنيا ومجنونا وكافرا لا يعرف الله ، ومن ثم فإن المسيحيين إنما هم كفرة مثله ، وأن الطقوس الدينية المسيحية نوع من عبادة الأصنام ، وأن أمه مريم قد أتت به من العسكري الروماني «باندارا» بمباشرة الزنا.

ويشير اليهود إلى «يوسف باندارا» الذي عاش في الجليل ، وعرف بالفسق والفجور ، إلى جانب شكله الحسن ، ثم أقدم على التغرير بالفتاة «ميريام» (مريم) ابنة الأرملة ، وهناك كتاب يهودي يحكي القصة بأكملها ، ويرجع تاريخه إلى القرن الثاني أو الثالث الميلادي ، استخدمه اليهود في الهجوم على المسيحية وتحقيرها ويسمى «سفر حياة يشوع» (Sepher Toldot : Book of the Generation of Jesus, The Jewish Life of Christ) ويبدو أن الكتاب قد وقع في أيدي الكنيسة في أواسط القرن الثالث عشر الميلادي ، وقد نشر الراهب الدومينيكي «ريموند مارتن» (١٢٢٥ ـ ١٢٨٤ م) بعض من مقتطفات من «سفر حياة يسوع» دون ذكر اسمه في مقدمة كتابه «خنجر الإيمان أو سيف الدين» (Raymund Martin, Pugio Fidei Adversus Mauros et Judaeos ، ١٢٧٨) الذي نشره للدفاع عن الدين المسيحي ضد تحديات اليهود وأكاذيبهم المفتراة ، ثم قام «مارتن لوثر» (١٤٨٣ ـ ١٥٤٦ م) زعيم الإصلاح البروتستاني ، بترجمة «سفر حياة يسوع» إلى الألمانية ، كما نشره المستشرق الألماني «يوحنا كريستوني فاجنزايل» ، فوضع النص اللاتيني مقابل النص العبري في مجموعته الشهيرة التي ضمت العديد من النصوص والكتابات اليهودية التي تضمر العداء للمسيحية ، ثم عكف على دحض كل ما فيها من تهجمات وافتراءات ، (Johsnn Christoph Wegenseil, Tela Ignea Satanae Altdorf, ١٦٨١) وانظر : محمد بيومي مهران : إسرائيل ـ الكتاب الثالث ـ التوراة والتلمود ـ الاسكندرية ١٩٧٩ ص ٤٤٥ ـ ٤٥١.

٢٩٥

الْعالَمِينَ) (١) ، وهنا يجب أن نلاحظ أمرين : أحدهما : أن القرآن الكريم لم يذكر اسم أية امرأة ، إلا مريم بنت عمران ، أم المسيح عليهما‌السلام ، والهدف واضح هو ألا يكون في براءتها وطهرها أية ريبة لمستريب ، وثانيهما : أن القرآن الكريم قد أطلق اسمها على سورة من سوره ، الأمر الذي لم يحدث لغيرها من النساء ، وفي حاشية الصاوي على الجلالين : قال بعض العلماء : إن الحكمة في أن الله لم يذكر في القرآن امرأة باسمها ، إلا «مريم» هي الإشارة من طرف خفي إلى رد ما قاله النصارى من أنها زوجته ، فإن العظيم يأنف من ذكر اسم زوجته بين الناس ولينسب إليها عيسى باعتبار عدم وجود أب له ، ولهذا قال تعالى : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) (٢).

ويستمر السياق القرآني فيذكر مشهدا جديدا من القصة ، يقول تعالى : (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا ، فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) (٣) ، ولا يذكر السياق القرآني كيف حملت مريم وليدها المبارك ، ولا كم حملته ، وهل كان حملا عاديا كما تحمل النساء ، وتكون النفخة قد بعثت الحياة والنشاط في البويضة فإذا هي علقة فمضغة فعظام ثم تكسى باللحم ويستكمل الجنين أيامه المعهودة؟ إن هذا جائز ، فبويضة المرأة تبدأ بعد التلقيح في النشاط والنمو حتى تستكمل تسعة أشهر قمرية ، والنفخة تكون قد أدت دور التلقيح فصارت البويضة سيرتها الطبيعية ، كما أنه من الجائز في مثل هذه الحالة الخاصة ألا تسير البويضة بعد النفخة سيرة عادية ، فتنحصر المراحل اختصارا ، ويعقبها تكوين

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ٤٢ ، وانظر : تفسير الفخر الرازي ٨ / ٤٢ ـ ٤٤ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٦٢ ـ ٢٦٤ ، تفسير ابن كثير ١ / ٥٤٢ ـ ٥٤٤ ، تفسير النسفي ١ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٥٤ ـ ١٥٦ ، تفسير القرطبي ص ١٣٢٤ ـ ١٣٢٦ ، تيسير الكريم الرحمن ١ / ١٨٢ ، تفسير المنار ٣ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٢) صفوة التفاسير ١ / ٢٠٤.

(٣) سورة مريم : آية ٢٢ ـ ٢٣.

٢٩٦

الجنين ونموه واكتماله في فترة وجيزة ، ليس في النص ما يدل على إحدى الحالتين (١) ، ومن ثم فقد اختلف العلماء في مدة حمل مريم بعيسى على وجوه ، الأول : قول ابن عباس أنها كانت تسعة أشهر ، كما في سائر النساء بدليل أن الله تعالى ذكر مدائحها في هذا الموضع ، فلو كانت عادتها في مدة حملها بخلاف عادات النساء لكان ذلك أولى بالذكر ، والثاني : أنها كانت ثمانية أشهر ، ولم يعش مولود وضع لثمانية ، إلا عيسى بن مريم عليه‌السلام ، والثالث : قول عطاء وأبي العالية والضحاك سبعة أشهر ، والرابع : أنها كانت ستة أشهر ، والخامس : ثلاث ساعات ، حملته في ساعة ، وصور في ساعة ، ووضعته في ساعة ، والسادس : قول آخر لابن عباس كانت مدة الحمل ساعة واحدة ، ما هي إلا أن حملت فوضعت ، واستدل عليه من وجهين ، أولهما : قوله تعالى : (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ فَناداها مِنْ تَحْتِها) ، والفاء للتعقيب فدلت هذه الفاءات على أن كل واحدة من هذه الأحوال حصل عقيب الآخر من غير فصل ، وذلك يوجب كون مدة الحمل ساعة واحدة ، لا يقال انتباذها مكانا قصيا كيف يحصل في ساعة واحدة ، لأن السّدى فسرها بأنها ذهبت إلى أقصى موضع في جانب محرابها ، وثانيهما : أن الله تعالى قال في وصف عيسى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، فثبت أن عيسى كما قاله الله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) ، وهذا مما لا يتصور فيه مدة الحمل ، وإنما تعقل المدة في حق من يتولد من النطفة (٢) ، وأخيرا فإن «إليان» وأشياعه من النصارى إنما يذهبون إلى أن مريم لم تحبل بعيسى تسعة أشهر ، وإنما مرّ في بطنها كما يمر الماء في الميزاب ، لأن الكلمة دخلت في أذنها ، وخرجت من حيث يخرج الولد من

__________________

(١) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٦.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٠٢ ، تفسير روح المعاني ١٦ / ٧٩ ـ ٨٠ وانظر : تفسير الطبري ١٦ / ٦٥ ، تفسير النسفي ٣ / ٣٢ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، البداية والنهاية ٢ / ٦٥ ـ ٦٦ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٧٦.

٢٩٧

ساعتها (١) ، هذا واختلفوا كذلك في سن مريم يوم حملت بالسيد المسيح ، بين أن تكون بنت عشر سنين أو خمس عشرة أو سبع عشرة أو عشرين ، وقيل أنها كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل ، وليس في القرآن ما يدل على شيء من هذه الأحوال (٢).

وأيا ما كان الأمر ، فلقد حملت مريم الطاهرة البتول بالمسيح ، كلمة الله وروحه ، ثم انتبذت به مكانا قصيا ، وقد اختلف المفسرون في المكان الذي انتبذت مريم بعيسى لوضعه ، وأجاءها إليه المخاض ، فقال بعضهم : كان ذلك في أدنى أرض مصر ، وآخر أرض الشام ، وذلك أنها هربت من قومها لما حملت ، فتوجهت نحو مصر هاربة منهم (٣) ، على أن هناك رواية أخرى ، وهي الأرجح ، أنها ولدته في «بيت لحم» (٤) ، ويؤكده أن أحاديث الإسراء من رواية النسائي عن أنس ، والبيهقي عن شداد بن أنس ، أن ذلك كان في بيت لحم ، وهو المشهور ، ولا يشك النصارى أن المسيح ولد في بيت لحم (٥) ، وفي مروج الذهب يقول المسعودي أن مولد المسيح كان في يوم الأربعاء (الثلاثاء عند اليعقوبي) لأربع وعشرين ليلة خلت من كانون الأول (ديسمبر) (٦) ، وقال ابن العميد ، مؤرخ النصارى ، فيما يروي عنه ابن

__________________

(١) في ظلال القرآن ٢ / ٨٦٤.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٠١ ، تفسير النسفي ٣ / ٣٢ مروج الذهب للمسعودي ١ / ٧٦ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٧٥.

(٣) تفسير الطبري ١٦ / ٦٤ (بيروت ١٩٨٤).

(٤) بيت لحم : مدينة على مبعدة خمسة أميال جنوب القدس ، وقد بنت الامبراطور «هيلانة» حوالي عام ٣٣٠ م كنيسة هناك فوق المغارة التي يظن النصارى أن المسيح ولد فيها ، وهي أقدم كنيسة مسيحية في العالم (قاموس الكتاب المقدس ١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ وكذا (M.F.Unger ,op ـ cit ,P. ١٤٠ ولكن القرآن الكريم يذكر أنه ولد عند جذع نخلة (مريم آية ٢٣) ومن ثم فالصحيح أنه ولد عند جذع نخلة أو عند بيت لحم ، وليس في مغارة.

(٥) تفسير ابن كثير ٣ / ١٨٩ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ١٧١ ، وانظر : إنجيل متى ٢ / ١ ـ ٦ ، لوقا ٢ / ٤ ـ ٦.

(٦) مروج الذهب للمسعودي ١ / ٧٦ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٦٨.

٢٩٨

خلدون ، ولد المسيح لثلاثة أشهر من ولادة يحيى بن زكريا ، عليهم‌السلام ، ولإحدى وثلاثين من دولة هيرودوس الأكبر ، ولاثنتين وأربعين من ملك أو غسطس قيصر (١).

على أن المؤرخين المحدثين إنما يختلفون في تاريخ مولد السيد المسيح ، وإن كان الخلاف محصورا في سنوات قلائل ، فلقد كان مولد المسيح على أيام أول قياصرة روما «أوغسطس» (٢٧ ق. م ـ ١٤ م) ، وعلى أيام «هيرودوس الكبير» (٣٧ ـ ٤ ق. م) حاكم اليهودية من قبل الحاكم الروماني «بيلاطس النبطي» ، وعلى أيام «الحارث الرابع» (٩ ق. م ـ ٤٠ م) ملك الأنباط ، هذا ويذهب البعض إلى أن السيد المسيح إنما قد ولد فيما بين عامي ٦ ، ٢ قبل الميلاد ، بينما يذهب فريق ثان إلى أنه ولد عام ٥ قبل الميلاد أو أوائل عام ٤ قبل الميلاد ، أما الاحتفال بمولده في ٢٥ ديسمبر ، فقد بدأ في القرن الرابع الميلادي ، ومن ثم فربما كان مولده في ٢٥ ديسمبر عام ٥ ق. م ، وهذا يجعله سابقا للتاريخ الذي وضعه «ديونيسيوس» في ٢٥ ديسمبر عام ١ م ، بخمس سنوات ، على أن هناك فريقا رابعا يرى أن مولد المسيح كان في عام ٤ م ، وأنه رفع إلى السماء في عام ٢٧ م ، وربما في ٢٣ مارس عام ٢٩ م ، وهذا يجعله وكأنه عاش ٢٣ سنة أو ٢٥ سنة ، مع أن المشهور أنه عاش ثلاثا وثلاثين سنة ، وأخيرا فهناك من يرى أن المسيح عليه‌السلام إنما بدأ دعوته ، وقد ناهز الثلاثين من عمره في عهد الامبراطور «تيبريوس» (١٤ ـ ٣٧ م) ، وكان حاكم اليهودية من قبل الرومان «هيرودوس أنتيباس» (٦ ـ ٣٩ م) الابن الثاني لهيرودوس الكبير (٢)

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ٢ / ١٧١.

(٢) ه. ج. ويلز : تاريخ العالم ـ القاهرة ١٩٦٧ ص ١٧٢ ـ ٤١٦ (مترجم) ، فيلب حتى : المرجع السابق ١ / ٣١١ ـ ٣١٢ ، ٢٦٣ ، محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٣٥٩ ، ٢ / ١١٤٥ ، وكذا.Josephus ,Antiquities ,XIV , ٤ ، ٦ ، VX ، ٥ ، ٣ ، ٨ ، The Jewish War ,I ,XIII ,٨.

٢٩٩

هذا وقد يحدثنا العهد الجديد أن هيرودوس علم أن مجوسا من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم يسألون عن المولود ملك اليهود ، ومن ثم فقد جمع رؤساء الكهنة وسألهم أين يولد المسيح ، فأخبروه أنه يولد في بيت لحم ، ومن ثم فقد أسرع الطاغية فأمر بقتل جميع الأطفال في بيت لحم وفي كل تخومها ، من ابن سنتين فما دونها ، وهنا رأي يوسف النجار ، فيما يرى النائم ، من يأمره بأن يأخذ الصبي وأمه (المسيح ومريم البتول) وأن يلجأ بهم إلى أرض الكنانة ، حيث بقوا هناك إلى مات هيرودوس ، ثم عادوا من مصر إلى اليهودية ، ولكنهم لم يقيموا في بيت لحم وإنما أقاموا في الناصرة بأرض الجليل ، خوفا على السيد المسيح من «أرخيلاوس» ابن هيرودوس وخليفته (١).

وأما مكان الولادة فكان ، كما جاء في القرآن الكريم ، عند جذع نخلة ، قال تعالى : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) (٢) ، وقال الزمخشري في الكشاف : كان جذع نخلة يابسة في الصحراء ، ليس لها رأس ولا ثمر ولا خضرة ، وكان الوقت شتاء ، والتعريف إما أن يكون من تعريف الأسماء الغالبة كتعريف النجم والصعق ، كأن تلك الصحراء كان فيها جذع نخلة مشهور عند الناس ، فإذا قيل جذع النخلة فهم منه ذلك دون سائره ، وإما أن يكون تعريف الجنس ، أي إلى جذع هذه الشجرة خاصة ، كان الله قد أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب الذي هو أشد الأشياء موافقة للنفساء ، ولأن النخلة أقل الأشياء صبرا على البرد ، ولا تثمر إلا عند اللقاح ، وإذا قطعت رأسها تثمر ، فكأنه تعالى قال : كما أن الأنثى لا تلد إلا مع الذكر ، فكذا النخلة لا تثمر إلا مع اللقاح ، ثم إني أظهر الرطب من غير لقاح ، ليدل ذلك

__________________

(١) متى ٢ / ١ ـ ٢٣ وكذاM.Unger ,op ـ cit ,P. ٤٧١. وكذاC.Roth ,op ـ cit ,P. ١٠٩.

(٢) سورة مريم : آية ٢٣.

٣٠٠