موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ١

محمّد علي التهانوي

موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ١

المؤلف:

محمّد علي التهانوي


المحقق: الدكتور علي دحروج
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

الحكمة : [في الانكليزية] Wisdom ، philosophy ـ [في الفرنسية] Sagee ، philosophie

بالكسر في الأصل هي إتقان الفعل والقول وأحكامهما. وفي اصطلاح العلماء تطلق على معان. منها علم الحكمة وقد سبق في المقدمة مع بيان الحكمة العملية من الحكمة الخلقية والحكمة المنزلية والحكمة السياسية والمدنية وبيان الحكمة النظرية. ومنها معرفة الحقّ لذاته والخير لأجل العمل به وهو التكاليف الشرعية ، هكذا في التفسير الكبير في تفسير قوله تعالى : (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) (١) في سورة بني إسرائيل. ويقرب منه ما ذكر أهل السلوك من أنّ الحكمة معرفة آفات النفس والشيطان والرياضات كما مرّ في المقدّمة في تعريف علم السلوك. والحكمة بهذا المعنى أخصّ من علم الحكمة لأنها من أنواعه كما لا يخفى. ومنها هيئة للقوة العقلية العملية متوسطة بين الجربزة وهي هيئة تصدر بها الأفعال بالمكر والحيلة من غير اتّصاف ، وبين البلاهة وهي الحمق. والحكمة بهذا المعنى أحد أجزاء العدالة المقابلة للجور كما يجيء في لفظ الخلق. وظن البعض أنّها هي الحكمة العملية وهذا باطل ، إذ هي ملكة تصدر عنها أفعال متوسطة بين الجربزة والغباوة. والحكمة العملية هي العلم بالأمور المخصوصة. والفرق بين الملكة والعلم ظاهر. وكذا هي مغايرة لعلم الحكمة إذ هي العلم بالأشياء مطلقا سواء كانت مستندة إلى قدرتنا أو لا ، كذا في شرح المواقف في خاتمة مبحث القدرة. ومنها الحجة القطعية المفيدة للاعتقاد دون الظن والإقناع الكامل. قال الله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (٢). وقال (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) (٣) الآية. كذا في التفسير الكبير في تفسير هذه الآية في آخر سورة النحل. وحاصل هذا أنّ الحكمة تطلق على البرهان أيضا ، ويؤيّده ما وقع في شرح المطالع أنّ صاحب البرهان يسمّى حكيما. ومنها فائدة ومصلحة تترتّب على الفعل من غير أن تكون باعثة للفاعل على الفعل وتسمّى بالغاية أيضا كما سيجيء. والحكمة المسكوت عنها عند الصوفية هي أسرار لا يمكن التحدّث بها مع أيّ كان. والحكمة المجهولة عندهم تلك التي هي مستورة بغير الحكمة كما في ألم بعض الناس وحياة بعضهم وموت الأطفال وبقاء الهرمين والخلود في الجنة أو النار كذا نقل عن الشيخ عبد الرزاق الكاشي (٤).

الحكيم : [في الانكليزية] Wiseman ، philosopher ـ [في الفرنسية] Sage ، philosophe

يطلق على صاحب علم الحكمة وعلى صاحب الهيئة المذكورة وعلى صاحب الحجّة القطعية المسمّاة بالبرهان. وجمع الحكيم الحكماء. اعلم أنّ السعادة العظمى والمرتبة العليا للنفس الناطقة هي معرفة الصانع تعالى بماله من صفات الكمال والتّنزّه عن النّقصان ، وبما صدر عنه من الآثار والأفعال في النشأة [الأولى] (٥) والآخرة. والطريق إلى هذه المعرفة من وجهين. الأوّل طريقة أهل النظر والاستدلال. وسالكوها

__________________

(١) الاسراء / ٣٩.

(٢) البقرة / ٢٦٩.

(٣) النحل / ١٢٥.

(٤) والحكمة المسكوت عنها نزد صوفيه اسراريست كه با هيچ كس نتوان گفت والحكمة المجهولة نزدشان آنست پوشيده است بغير حكمت چنانكه ايلام بعضي عباد وعيش بعضي وموت اطفال وحيات پيران وخلود در جنت ونار كذا نقل عن الشيخ عبد الرزاق الكاشي.

(٥) (الاولى] + (م ، ع).

٧٠١

إن اتّبعوا ملّة من ملل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم المتكلّمون وإلاّ فهم الحكماء المشّائيّون ، لقّبوا بذلك لأنّهم كانوا مشّائين في ركاب أفلاطون متعلّمين منه العلم والحكمة بطريق المباحثة. والثاني طريقة أهل الرياضة والمجاهدة. وسالكوها إن وافقوا في رياضتهم الشريعة فهم الصوفية المتشرّعون ، وإلاّ فهم الحكماء الإشراقيون ، لقّبوا بذلك لأنّهم هم الذين أشرقت بواطنهم الصافية بالرياضة والمجاهدة من باطن أفلاطون حاضرين في مجلسه أو غائبين عن مجلسه ، ومتوجهين إلى باطنه الصافي المتحلى بالعلوم والمعارف ، مستفيدين منه بالتوجّه إلى باطنه لا بالمباحثة والمناظرة ، فلكلّ طريقة طائفتان. وحاصل الطريقة الأولى الاستكمال بالقوة النظرية والترقّي في مراتبها ، والغاية [القصوى] (١) من تلك المراتب هي العقل المستفاد. ومحصول الطريقة الثانية الاستكمال بالقوة العملية والترقّي في درجاتها. وفي الدرجة الثالثة من هذه القوة تفيض على النفس صور المعلومات على سبيل المشاهدة كما في العقل المستفاد ، بل هذه الدرجة أكمل وأقوى منه لأنّ الحاصل في المستفاد لا يخلو عن الشبهات الوهمية كما يجيء تحقيقه في بابه. هكذا في حواشي شرح المطالع في الخطبة. وفي شرح إشراق الحكمة مراتب الحكماء عشر. إحداها حكيم إلهي متوغّل في التأله عديم البحث ، وهذا كأكثر الأنبياء والأولياء من مشايخ التصوّف كأبي يزيد البسطامي وسهل بن عبد الله (٢) ونحوهما من أرباب الذوق دون البحث الحكمي. وثانيتها حكيم بحّاث عديم التّألّه متوغّل في البحث وهذه المرتبة عكس المرتبة الأولى ، وهو من المتقدّمين كأكثر المشّائين ومن المتأخّرين كالشيخين الفارابي وأبي علي وأتباعهما. وثالثتها حكيم إلهي متوغّل في البحث والتألّه ، وهذه الطبقة أعزّ من الكبريت الأحمر ولا يعرف أحد من المتقدّمين موصوفا بهذه الصفة لأنّهم وإن كانوا متوغّلين في التألّه لم يكونوا متوغّلين في البحث ، إلاّ أن يراد بتوغّلهم فيه معرفة الأصول والقواعد بالبرهان من غير بسط الفروع ، وتفصيل المجمل وتمييز العلوم بعضها من بعض مع التنقيح والتهذيب ، لأنّ هذا ما تمّ إلاّ باجتهاد أرسطو. ورابعتها وخامستها حكيم إلهي متوغّل في التألّه متوسّط في البحث أو ضعيف. وسادستها وسابعتها حكيم متوغّل في البحث متوسّط في التألّه أو ضعيف. وثامنتها طالب للتألّه والبحث. وتاسعتها طالب للتألّه فحسب. وعاشرتها طالب البحث فحسب.

فائدة :

إن اتّفق في وقت متوغّل في التألّه والبحث فله الرئاسة أي رئاسة العالم العنصري لكماله في الحكمتين ، وهو خليفة الله لأنّه أقرب الخلق منه تعالى ، وإن لم يتّفق فالمتوغّل في التألّه المتوسّط في البحث ، وإن لم يتّفق فالمتوغّل في التألّه عديم البحث. ولا يمكن خلوّ الأرض عن مثله أبدا بخلاف الأولين فإنّه يجوز خلوّ الأرض عنهما لندرتهما. ولا رئاسة في الأرض للباحث المتوغّل في البحث فقط إذ لا بد في الخلافة من التلقّي من الباري والعقول ؛ وليس المراد بالرئاسة التغلّب بل استحقاق الإمامة. فقد يكون الإمام المتألّه مستوليا ظاهرا كسائر الأنبياء ذوي الشوكة

__________________

(١) [القصوى] + (م ، ع).

(٢) هو سهل بن عبد الله بن يونس التستري ، أبو محمد. ولد عام ٢٠٠ هـ / ٨١٥ م. وتوفي عام ٢٨٣ هـ / ٨٩٦ م. أحد أئمة الصوفية الكبار ، له عدة مصنفات. الاعلام ٣ / ١٤٣ ، طبقات الصوفية ٢٠٦ ، وفيات الاعيان ١ / ٢١٨ ، حلية الأولياء ١٠ / ١٨٩ ، طبقات الشعراني ١ / ٦٦.

٧٠٢

وبعض الملوك الحكماء كإسكندر وأفريدون (١) وكيومرث ، (٢) وقد يكون خفيّا وهو الذي سمّاه الكافة القطب فله الرئاسة ، وإن كان في غاية الخمول كسائر متألّهي الحكماء والصوفية المشهورين أو الخاملين. والمتألّه الخفي يسمّى قطبا. وفي كل عصر وزمان يكون منهم جماعة إلاّ أنّ الأتمّ كمالا يكون واحدا كما في الأخبار النبوية. وإذا كانت السياسة بيد المتألّه كان الزمان نوريا لتمكّنه من نشر العلم والحكمة والعدل ونحوها كزمان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وإذا خلا الزمان عن تدبير إلهي سنّ على ألسنة أنبيائه وحكمائه كانت الظلمات غالبة كزمان الفترات وبعد عهد النبوات كزماننا هذا. وأجود الطلبة طالب التألّه والبحث ، ثم طالب التألّه ، ثم طالب البحث. انتهى ما في شرح إشراق الحكمة.

الحلّ : [في الانكليزية] Solution ، diolution ، sesame oil ـ [في الفرنسية] Solution ، diolution ، huile de sesame

بالفتح والتشديد ضد العقد فلذلك يكون ترقيق القوام حلا. والأطباء خصّوا ذلك بالترقيق الذي يلزمه فناء المادّة كالسمسم ودهنه كذا في بحر الجواهر. وفي اصطلاح البلغاء عبارة عن أن ينثر نظم وعكسه العقد أي أن ينظم نثر. مثال الحل قول بعض المغاربة : فإنّه لمّا قبحت فعلاته ، وحنظلت نخلاته ، لم يزل سوء الظنّ يقتاده ، ويصدّق توهمه الذي يعتاده. أي قول بعض أهل المغرب لمّا قبحت أعماله وصارت ثمار نخلاته كالحنظل في المرارة ما زال سوء ظنّه يقوده إلى تخيلات فاسدة وتوهمات باطلة ، ويصدق أوهامه التي صارت عادة له. فهذا النثر حلّ شعر أبي الطيب :

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

وصدّق ما يعتاده من توهّم (٣)

ومثال العقد شعر [أبي] العتاهية : (٤)

ما بال من أوّله نطفة. وجيفة آخره يفخر

فهذا الشعر عقد قول علي رضي الله تعالى عنه : ما لابن آدم والفخر وإنّما أوله نطفة وآخره جيفة. كذا في المطول في الخاتمة.

الحلال : [في الانكليزية] Licit ، lawful ، permitted ـ [في الفرنسية] Licite ، legal ، permis

بالفتح هو في الشرع ما أباحه الكتاب والسنة بسبب جائز مباح. وفي الطريقة ما لا بدّ فيه من العلم ولا يكون فيه شبهة كأكل هدايا الملوك والسلاطين. ما دام لا يعلم يقينا أنّها حرام فبعض العلماء أفتى بحلّها ، ولكن علماء الطريقة يرون الامتناع عنها حتى يتأكّدوا تماما من كونها حلالا. كذا في مجمع السلوك (٥).

__________________

(١) اسم علم فارسي معروف لأحد ملوكهم.

(٢) اختلف فيه ، فذكر الشهرستاني في الملل والنحل أنه من آلهة المجوس ، وأنه من المبادي الأولى من الأشخاص. والكيومرثية تقول : كيومرث هو آدم عليه‌السلام ومعناه الناطق الحي. وقد ورد في تواريخ الهند والعجم. لكن أصحاب التواريخ يخالفونهم ذلك. وهم في النتيجة فرقة مجوسية تقول بوجود أصلين : النور والظلمة. الملل والنحل ١ / ٢٣٣.

(٣) بيت الشعر كله ـ (م ، ع).

(٤) هو اسماعيل بن القاسم بن سويد العيني العنزي ، الشهير بأبي العتاهية. ولد عام ١٣٠ هـ / ٧٤٨ م. وتوفي ببغداد عام ٢١١ هـ / ٨٢٦ م. شاعر مكثر ، سريع الخاطر. يعد من مقدّمي الشعراء المولّدين. وطبع له شعر كثير. الاعلام ١ / ٣٢١ ، وفيات الأعيان ١ / ٧١ ، معاهد التنصيص ٢ / ٢٨٥ ، لسان الميزان ١ / ٤٢٦ ، تاريخ بغداد ٦ / ٢٥٠ ، الشعر والشعراء ٣٠٩.

(٥) تا آنكه بيقين نداند كه حرام است بعضي علماى شريعت جائز وحلال دارند وعلماى طريقت ممنوع پندارند تا آنكه بيقين داند كه حلال است.

٧٠٣

وفي خلاصة السلوك الحلال هو الذي قد انقطع عنه حقّ الغير. وقال سهل ما لا تعصى الله فيه. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من أكل الحلال أربعين يوما نوّر الله قلبه وتجري ينابيع الحكمة من قلبه) (١) انتهى. قال ابن الحجر في شرح الأربعين للنووي في شرح الحديث السادس : الحلال ضد الحرام لغة وشرعا. والحلال البيّن أي الظاهر هو ما نصّ الله تعالى ورسوله أو أجمع المسلمون على تحليله بعينه أو جنسه. ومنه أيضا ما لم يعلم فيه منع على أسهل القولين. والحرام البيّن ما نصّ أو أجمع على تحريمه بعينه أو جنسه ، أو على أنّ فيه حدّا أو تعزيرا أو وعيدا. والمشتبه ما ليس بواضح. الحلّ والحرمة مما تنازعته الأدلة وتجاذبته المعاني والأسباب ، فبعضها يعضده دليل الحرام وبعضها يعضده دليل الحلال. ومن ثمّ فسّر أحمد وإسحاق (٢) وغيرهما المشتبه بما اختلف في حلّ أكله كالخيل أو شربه كالنبيذ أو لبسه كجلود السباع أو كسبه كبيع العينة. وفسّره أحمد مرّة باختلاط الحلال والحرام. وحكم هذا أنّه يخرج قدر الحرام ويأكل الحلال عند كثيرين من العلماء سواء قلّ الحرام أم كثر. ومن المشتبه معاملة من في ماله حرام. فالورع تركه مطلقا وإن جازت. وقيل واعتمده الغزالي إن كان أكثر ماله الحرام حرمت معاملته. ثم الحصر في الثلاثة صحيح لأنّه إن نصّ أو أجمع على الفعل فالحلال ، أو على المنع جازما فالحرام ، أو سكت عنه أو تعارض فيه نصّان ولم يعلم المتأخّر منهما فالمشتبه. وليس المراد بتعارضها تقابلها على جهة واحدة في الترجيح ، فإنّ هذا كلام متناقض ، بل المراد التعارض بحيث يتخيّل الناظر في ابتداء نظره فإذا حقّق فكره رجح. والمشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس لتعارض الأدلّة. وأمّا العلماء فيعرفون حكمها بنصّ أو إجماع أو قياس أو استصحاب ونحوها. فإذا تردّد شيء بين الحلّ والحرمة ولم يكن فيه نصّ ولا إجماع اجتهد المجتهد فيه وأخذ بأحدهما بالدليل الشرعي فيصير حلالا أو حراما. وقد يكون دليله غير خال عن الاحتمال فيكون الورع تركه. وما لم يظهر لمجتهد فيه شيء فهو باق على اشتباهه بالنسبة إلى العلماء وغيرهم ، كشيء وجده في بيته ولم يدر هل هو له أو لغيره ، وحينئذ اختلفوا فيما يأخذ به ، فقيل بحلّه والورع تركه ، وقيل بحرمته لأنّه يوقع في الحرام ، وقيل لا يقال فيه واحد منهما ، قال القرطبي (٣) والصواب الأوّل. قال المصنف أي النووي الظاهر أنّ هذا الخلاف مخرّج على الخلاف في الأشياء قبل ورود الشرع وفيه أربعة مذاهب. الأول وهو الأصح أنّه لا يحكم بتحليل ولا تحريم ولا إباحة ولا غيرها ، لأنّ التكليف عند أهل الحق لا يثبت إلاّ بالشرع. والثاني أنّ الحكم الحلّ والإباحة. قال القرطبي دليل الحلّ أنّ الشرع أخرجها من قسم الحرام ، وأشار إلى أنّ الورع تركها بقوله : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). (٤) وممن عبّر بأنّها حلال

__________________

(١) اتحاف السادة المتقين ٦ / ٧ ، المغني عن حمل الأسفار للعراقي ٢ / ٩٠ ، موسوعة أطراف الحديث ٨ / ١٣٤.

(٢) هو اسحاق بن ابراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي ، أبو يعقوب ابن راهويه. ولد عام ١٦١ هـ / ٧٧٨ م. وتوفي بنيسابور عام ٢٣٨ هـ / ٨٥٣ م. عالم خراسان في عصره. أحد كبار حفاظ الحديث ، ثقة فيه. له بعض التصانيف. الاعلام ١ / ٢٩٢ ، تهذيب ابن عساكر ٢ / ٤٠٩ ، ميزان الاعتدال ١ / ٨٥ ، وفيات الاعيان ١ / ٦٤ ، حلية الأولياء ٩ / ٢٣٤.

(٣) هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي ، ابو عبد الله القرطبي. توفي بمصر عام ٦٧١ هـ / ١٢٧٣ م. من كبار المفسرين ، فقيه ، متعبد صالح. له مؤلفات هامة. الاعلام ٥ / ٣٢٢ ، نفح الطيب ١ / ٤٢٨ ، الديباج ٣١٧

(٤) اخرجه النسائي ٨ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ في الأشربة ، باب الحث على ترك الشبهات. الترمذي ٢٥٢٠ في صفة القيامة باب اعقلها وتوكل. مسند أحمد ١٧٢٣ وصحّحه ابن حبان ٥١٢ ، الحاكم ٢ / ١٣.

٧٠٤

يتورّع عنها أراد بالحلال مطلق الجائز الشامل للمكروه بدليل قوله : (يتورّع عنها) (١) لا المباح المستوي الطرفين لأنّه لا يتصوّر فيه ورع ما داما مستويين ، بخلاف ما إذا ترجّح أحدهما. فإن كان الراجح الترك كره أو الفعل نذب. والثالث المنع. والرابع التوقّف. ولقد أطنب ابن الحجر هاهنا الكلام وذكر أقسام المشتبهات مفصلا. فمن أراد فليرجع إلى شرحه المذكور. وقال العيني (٢) في شرح البخاري في كتاب العلم في شرح هذا الحديث بعد ذكر أكثر الأقوال المذكورة : فحصل لنا مما تقدّم ذكره أنّ في المتشابهات المذكورة في الحديث التي ينبغي اجتنابها أقوالا. أحدها أنّها التي تعارضت فيها الأدلة فاشتبهت ، فمثل هذا يجب فيه الوقف إلى الترجيح لأنّ الإقدام على أحد الأمرين من غير رجحان الحكم بغير دليل محرم. وثانيها أنّها المكروهات وهو قول الخطابي والمازري (٣) وغيرهما ويدخل فيه مواضع اختلاف العلماء. وثالثها أنّها المباحات. وقال بعضهم هي حلال يتورّع عنها ، وقد ردّه القرطبي واختار القول الثاني. فإن قيل هذا يؤدّي إلى رفع معلوم من الشرع وهو أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخلفاء بعد وأكثر أصحابه عليهم‌السلام كانوا يزهدون في التنعّم في المآكل وغيره. قلت ذلك محمول على موجب شرعي اقتضى ترجيح الترك على الفعل فلم يزهدوا في مباح ، لأنّ حقيقته التساوي ، بل في أمر مكروه. ولكن المكروه تارة يكرهه الشرع من حيث هو وتارة يكرهه لأنّه يؤدّي إليه كالقبلة للصائم فإنّها مكروهة لما يخاف منها من إفساد الصوم. وقد اختلف أصحاب الشافعي رحمه‌الله في ترك الطّيب وترك لبس الناعم ، فقيل ليس بطاعة وقيل إنّه طاعة. وقال ابن الصّبّاغ (٤) يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وتفرّغهم للعبادة واشتغالهم بالضيق والسعة. وقال الرافعي (٥) من أصحابنا هو الصواب. وأما ما يخرج إلى باب الوسوسة من تجويز الأمر البعيد ، فهذا ليس من الشبهات المطلوب اجتنابها ، كترك النكاح من نساء بلدكم خوفا عن أن يكون له فيها محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، وترك استعمال ماء لجواز عروض النجاسة ، إلى غير ذلك ممّا يشتبه بهذا بأن يكون سبب التحريم فيه مجرّد توهّم ليس من الورع. قال القرطبي الورع في مثل هذا وسوسة شيطانية إذ ليس فيه من معنى الشّبهة شيء ، وسبب الوقوع في ذلك عدم العلم بالمقاصد الشرعية انتهى. ويجيء ما يتعلّق بهذا في لفظ الشبهة والورع.

__________________

(١) متابعة لمعنى الحديث السابق.

(٢) هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد ، أبو محمد ، بدر الدين العيني الحنفي. ولد عام ٧٦٢ هـ / ١٣٦١ م. وتوفي بالقاهرة عام ٨٥٥ هـ / ١٤٥١ م. مؤرخ ، علاّمة ، من كبار المحدثين قاض. له الكثير من المؤلفات. الاعلام ٧ / ١٦٣ ، التبر المسبوك ٣٧٥ ، الضوء اللامع ١٠ / ١٣١ ، شذرات الذهب ٧ / ٢٨٦ ، اعلام النبلاء ٥ / ٢٥٥ ، الجواهر المضية ٢ / ١٦٥.

(٣) هو محمد بن علي بن عمر التميمي المازري ، أبو عبد الله. ولد عام ٤٥٣ هـ / ١٠٦١ م. وتوفي عام ٥٣٦ هـ / ١١٤١ م. محدث ، من فقهاء المالكية. له عدة مؤلفات قيّمة. الاعلام ٦ / ٢٧٧ ، وفيات الاعيان ١ / ٤٨٦ ، أزهار الرياض ٣ / ١٦٥.

(٤) هو عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد ، أبو نصر ، ابن الصباغ. ولد ببغداد عام ٤٠٠ هـ / ١٠١٠ م. وفيها توفي عام ٤٧٧ هـ / ١٠٨٤ م. فقيه شافعي. درّس بالمدرسة النظامية وعمي آخر حياته. له عدة مؤلفات ، الاعلام ٤ / ١٠ ، وفيات الاعيان ١ / ٣٠٣ ، طبقات الشافعية ٣ / ٢٣٠ ، مفتاح السعادة ٢ / ١٨٥.

(٥) هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم ، أبو القاسم الرافعي القزويني. ولد عام ٥٥٧ هـ / ١١٦٢ م. وتوفي بقزوين عام ٦٢٣ هـ / ١٢٢٦ م. فقيه ، من كبار الشافعية ، مفسّر ومحدث. له مصنفات كثيرة وهامة. الاعلام ٤ / ٥٥ ، مفتاح السعادة ١ / ٤٤٣ ، طبقات الشافعية ٥ / ١١٩ ، هدية العارفين ١ / ٦٠٩.

٧٠٥

الحلاوة : [في الانكليزية] Illumination ، unveiling ، revelation ـ [في الفرنسية] Illumination ، devoilement ، revelation

عند الصوفية هي ظهور الأنوار التي تحصل عن طريق المشاهدة المجرّدة عن المادة. كذا في بعض الرسائل (١).

الحلف : [في الانكليزية] Oath ، taking the oath ـ [في الفرنسية] Serment ، prestation de serment

بالفتح وسكون اللام أو كسرها يمين يؤخذ بها العهد ثم سمّي به كلّ يمين كما في المضمرات فهو مرادف لليمين كذا في جامع الرموز. وفيه في فصل الإيلاء الحلف المؤقّت ما يصرّح فيه بتعيين الوقت ، والحلف المؤبّد ما يصرّح فيه بالتأبيد ، والحلف المجهول ما لم يعيّن فيه الوقت بالتأبيد وغيره.

الحلقة : [في الانكليزية] Link ، ring ، surface surrounded by two circles ـ [في الفرنسية] Chainon ، anneau ، surface entouree par deux cercles

هي في عرف الرياضيّين سطح يحيط به دائرتان غير متلاقيتين ، فإن اتّحد مركزاهما يسمّى سطحا مطوّقا ، كذا ذكر عبد العلي البرجندي في شرح التذكرة في مباحث الكسوف.

الحلم : [في الانكليزية] Cool ، indulgence ، patience ، clemency ، mangnanimity ـ Sang ـ [في الفرنسية] Froid ، mansuetude ، patience ، indulgence ، clemence ، magnanimite

بالكسر وسكون اللام هو أن يكون النفس مطمئنة لا يحركها الغضب بسهولة ولا تضطرب عند إصابة المكروه كذا في الأطول. وقيل الظاهر أنّ الحلم كيفية نفسانية تقتضى أن تكون النفس مطمئنة الخ. فالكلام مبني على التسامح ويجيء في لفظ الغضب.

الحلول : [في الانكليزية] Incarnation ، pantheism ، union ـ [في الفرنسية] Incarntion ، pantheisme ، fusion

بضمتين اختلف العلماء في تعريفه ، فقيل هو اختصاص شيء بشيء بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر. واعترض عليه بأنّه إن أريد بالإشارة العقلية فلا اتحاد أصلا ، فإنّ العقل يميّز بن الإشارتين. وإن أريد بها الحسّية فلا يصدق التعريف على حلول الأعراض في المجردات لعدم الإشارة الحسّية إليها ، ولا على حلول الأطراف في محالها كحلول النقطة في الخط والخط في السطح والسطح في الجسم لأنّ الإشارة إلى الطرف غير الإشارة إلى ذي الطرف ، ولو سلم فيلزم منه أن يكون الأطراف المتداخلة حالاّ بعضها في بعض وليس كذلك. وأيضا يصدق التعريف على حصول الجسم في المكان ونحوه كحصول الشخص في اللباس مع أنه ليس بحلول اصطلاحا. وأجيب بأنّ بناء التعريف على رأي المتقدّمين المجوّزين للتعريف بالأعم والأخصّ ، وبأنّ المراد بكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر أن لا يتحقق الإشارة إلى أحدهما إلاّ وأن يتحقق الإشارة إلى الآخر بالذات أو بالتبع ، أي لا يمكن عند العقل تباينهما في الإشارة. وبأن يراد بالإشارة أعمّ من العقلية والحسّية. ولا شكّ أنّ الإشارة العقلية إلى المجرّدات قصدا وبالذات هي الإشارة إلى ما قام بها بالتبع وبالعكس. والإشارة الحسية إلى ذوي الأطراف قصدا وبالذات هي الإشارة إلى الأطراف بالتبع وبالعكس. والأطراف المتداخلة خارجة عن التعريف ، إذ التداخل

__________________

(١) الحلاوة : نزد صوفيه ظهور انوار را گويند كه أز راه مشاهده حاصل آيد مجرد از ماده كذا في بعض الرسائل.

٧٠٦

يقتضي الاتحاد والحلول يقتضي المغايرة ، إذ المختص غير المختص به ، وإن كانا متحدين إشارة. وكذا الحال في حصول الجسم في المكان والشخص في اللباس لأنّه يجوز تحقّق (١) الإشارة إلى الجسم والشخص بدون الإشارة إلى المكان واللباس لا بالذات ولا بالتبع كذا ذكر العلمي. إن قلت الحال عند الحكماء منحصر في الصورة والعرض مع أنّ التعريف يصدق على حصول الماء في الورد والنار في الجمرة ، أقول : المراد باتحاد الإشارة هو الاتّحاد الدائمي لأنّه الفرد الكامل فلا بد من أن يكون الحال والمحل بحيث لا يكون لكلّ منهما وجود منفرد أصلا. ومثل هذا لا يتصوّر إلاّ في الصورة والهيولى والعرض والموضوع ؛ فرجع حاصل التعريف إلى ما اختاره صاحب الصدري حيث قال : معنى حلول شيء في شيء على ما أدّى إليه نظري وهو أن يكون وجوده في نفسه هو بعينه وجوده لذلك الشيء. وهذا أجود ما قيل في تعريفه حيث لا يرد شيء مما يرد على غيره انتهى. وقد ذكر العلمي هاهنا اعتراضات أخر لا يرد شيء منها على هذا التحقيق. وقيل معنى حلول شيء في شيء هو أن يكون حاصلا فيه بحيث تتحد الإشارة إليهما تحقيقا كما في حلول الأعراض في الأجسام أو تقديرا كحلول العلوم في المجردات. والمراد بالحصول ما لا يكون بطريق الاتحاد بل بطريق الافتقار فلا يصدق على الأطراف المتداخلة ولا على حصول الجسم في المكان ، إذ لا يفتقر الجسم إلى المكان ، وإلاّ يلزم تقدم المكان عليه. هذا خلف كذا ذكر العلمي. فعلى هذا أيضا رجع معنى التعريف إلى التحقيق المذكور. قيل لا يبعد أن يكون مقصود هذا القائل تحقيق التعريف الأول بأنّ المراد بالاختصاص الحصول ومن الإشارة ما يعمّ التحقيقية والتقديرية. وعلى هذا لا يكون تعريفا آخر للحلول بل تفسيرا لقيود التعريف الأول على وجه تندفع عنه الأنظار. قيل هذا في غاية البعد فإنّ هذا التعريف ذكره ولد السّيد السّند ولم يذكر تعريفا آخر حتى يكون المقصود من هذا تفسيره. وأيضا تعدّد التعريف يتحقّق بتفاوت القيود واختلافها فلا وجه لإثبات التفاوت ونفي التعدّد وكونه تعريفا آخر. وقيل حلول شيء في شيء أن يكون مختصا به ساريا فيه. والمراد بالاختصاص كون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر تحقيقا أو تقديرا دائما. والمراد بالسراية الذاتية لا بالواسطة لأنّها المتبادر ، فلا يرد أنّ التعريف يصدق على حلول الماء في الورد والنار في الجمرة لأنّ الماء والنار لا نسلم اتحادهما في الإشارة بالمعنى المذكور بالنسبة إلى الورد والجمرة ، وكذا لا يرد أنّه يصدق على كلّ واحد من الأعراض الحالة في محلّ واحد بالنسبة إلى العرض الآخر ، وعلى العرض الحال في عرض آخر بالنسبة إلى محل ذلك العرض ، إذ لا نسلّم سراية أحدهما في الآخر بالذات بل بواسطة المحل. ويمكن أن يقال أيضا إنّا نلتزم ذلك ونقول إنّه حلول أيضا ولا استحالة فيه لكون أحدهما بالواسطة. ثم إنه بقي هاهنا أنّه يخرج من التعريف حلول الأعراض الغير السارية كحلول الأطراف في محالها وحصول الباصرة في العين والشامّة في الخيشوم والسامعة في الصّماخ ونحو ذلك. وأجيب بأنّ هذا التعريف للحلول السرياني لا لمطلق الحلول. وقيل الحلول هو الاختصاص الناعت أي التعلّق الخاص الذي به يصير أحد المتعلقين نعتا للآخر والآخر منعوتا به والأول أعني الناعت

__________________

(١) تحقيق (م).

٧٠٧

يسمّى حالا والثاني أعني المنعوت يسمّى محلا كالتعلّق بين البياض والجسم المقتضي لكون البياض نعتا ، وكون الجسم منعوتا به ، بأن يقال جسم أبيض. وهذا هو المرضي عند المتأخرين ، ومنهم الشارح الجديد للتجريد (١). وأورد عليه من وجوه. الأول أنه إن أريد بالاختصاص الناعت ما يصحّح حمل النعت على المنعوت بالمواطأة فلا يصدق على حلول أصلا ، إذ لا تحمل الصورة على الهيولى ولا العرض كالبياض على الجسم. وإن أريد به ما يصحّ حمله عليه بالاشتقاق أو الأعمّ فيلزم أن يكون المال حالا في المالك وبالعكس ، وكذا حال الجسم مع المكان والكوكب مع الفلك ، بل يكون الموضوع والهيولى حالا في العرض والصورة إذ يصح أن يقال المالك ذو مال وبالعكس ، والجسم والكوكب ذو مكان وذو فلك وبالعكس ، والعرض والهيولى ذو موضوع وذو صورة. وأجاب عنه السّيد السّند بما حاصله اختيار الثاني والثالث من الترديد. والمراد أن يكون النعت بذاته نعتا للمنعوت كالبياض فإنّه بذاته وصف للجسم بخلاف المال فإنّه ليس بذاته صفة للمالك ، بل الصفة إنّما هو التملك الذي هو إضافة بين المال والمالك ، والمال بواسطة تلك الإضافة نعت له ، وكذا حال الجسم والكوكب مع المكان والفلك ، وكذا الموضوع والهيولى مع العرض والصورة. ومحصوله أنّ هذا الاختصاص أمر بديهي لا يتحقّق إلاّ فيما له حصول في الآخر على وجه لا يكون للنعت جزء يتميّز عن المنعوت في الوضع إذا كان من المحسوسات. وأجيب أيضا باختيار الشقّ الثاني أو الثالث. والمراد من التعلّق الخاص ما هو على وجه الافتقار بأن يكون أحدهما مفتقرا إلى الآخر. وفيه أنّ الهيولى بالنسبة إلى الصورة والعلّة بالنسبة إلى المعلول يصدق عليه الاختصاص بالاشتقاق على وجه الافتقار. ويمكن الجواب أيضا باختيار الثاني أو الثالث وبجعل التمثيل وهو قوله كالتعلّق بين البياض والجسم الخ من تتمّة التعريف. ولا يخفى أنّ تعلّق المال بالمالك والجسم بالمكان والكوكب بالفلك والهيولى بالنسبة إلى الصور وغيرها وأمثالها ممّا لم يذكر ليس كتعلّق البياض بالجسم. والثاني أنّ تفسير الاختصاص الناعت بالتعلّق الخاص تعريف للاختصاص بالخاصّ فيلزم تعريف الشيء بنفسه. والثالث أنّ تفسيره بقوله بحيث يصير أحد المتعلّقين نعتا الخ تعريف للنعت بالنعت. والجواب عنهما أنّ هذا التفسير تنبيه لا تعريف. ويظهر من هذا التنبيه الجواب عن جميع ما فيه. والرابع أنّه يصدق على اختصاص الصفات الاعتبارية كالوجوب والإمكان والحدوث وغير ذلك ، ويلزم منه أن يكون هذه الصفات حالة وليس كذلك ، لأنّهم حصروا الحال في الصورة والعرض. والجواب أنّ المراد الاختصاص الناعت بالنعوت الحقيقية. أو نقول إنّ هذا ليس بتفسير بل تنبيه كما عرفت كذا ذكر العلمي. وقال بعض المتكلّمين الحلول هو الحصول على سبيل التبعية. قال جمهور المتكلّمين إنّ الله تعالى لا يحلّ في غيره لأنّ الحلول هو الحصول على سبيل التبعية وإنّه ينفي الوجوب الذاتي. إن قيل يجوز أن يكون الحلول بمعنى الاختصاص الناعت كما في الصفات وكونه منافيا للوجوب ممنوع وإلاّ لم يقع الترديد في الصفات. قيل لا يراد بالتبعية (٢) في التحيّز حتى يرد أنّ الحلول بمعنى الاختصاص الناعت ، بل أريد أنّ الحال تابع للمحلّ في الجملة ،

__________________

(١) الشرح الجديد : لعلاء الدين علي بن محمد الشهير بقوشنجي (ـ ٨٧٩ هـ) وهو شرح لكتاب تجريد الكلام للعلامة نصير الدين أبي جعفر محمد بن محمد الطوسي (ـ ٦٧٢ هـ). كشف الظنون ، ١ / ٣٤٦ ـ ٣٤٨.

(٢) التبعية (م ، ع).

٧٠٨

وذلك ضروري ومناف للوجوب الذاتي الذي هو منشأ الاستغناء المطلق. والاستدلال على انتفاء الوجوب الذاتي في الصفات بغير هذا لا يقدح فيما ذكرنا ، إذ تعدّد العلل لا ينفيه. وكما لا تحلّ ذاته في غيره لا تحلّ صفته في غيره لأنّ الانتقال لا يتصوّر على الصفات ، وإنّما هو من خواصّ الأجسام والجواهر. اعلم أنّ المخالف في هذا الأصل طوائف ثلاث. الأولى النصارى. قالوا حلّ الباري تعالى في عيسى عليه‌السلام. قالوا لا يمتنع أن يظهر الله تعالى في صورة بعض الكاملين ، فأكملهم العترة الطاهرة ولم يتحاشوا عن إطلاق الآلهة على أئمتهم ، وهذه ضلالة بيّنة. والثانية النصيرية والإسحاقية من غلاة الشيعة. والثالثة قال بعض المتصوّفة يحلّ الله تعالى في العارفين. فإن أراد بالحلول ما ذكرنا فقد كفر. وإن أراد شيئا آخر فلا بد من تصويره أوّلا حتى نتكلّم عليه بالنفي والإثبات هذا كله خلاصة ما في شرح المواقف وحاشيته للچلپي وغيرهما.

الحلولية : [في الانكليزية] Pantheisme ـ Al ـ Hululiyya (mystical sect) ـ [في الفرنسية] Pantheisme ـ Al ـ Hululiyya (secte mystique)

فرقة من المتصوّفة المبطلة القائلين بإباحة النّظر إلى النّساء والمرد ، وفي تلك الحال يرقصون ويطربون ويقولون : إنّ هذه صفة من صفات الله تعالى التي حلّت علينا ، وهي مباح وحلال. وهذا كفر محض. وبعضهم يقيمون مجالس لهم وعليهم لباس الدراويش ويتصايحون بآه واوه وبالبكاء وإظهار الحرقة وشق الجيوب والأكمام وإلقاء العمائم بالأرض ، وأمثال ذلك ، وذلك منهم مراءاة للناس. وكل ذلك بدع وضلالة. كذا في توضيح المذاهب (١).

الحمّى : [في الانكليزية] Fever ـ [في الفرنسية] Fievre

بالضم وتشديد الميم والألف المقصورة في اللغة بمعنى تب. وعرّفها الأطباء بأنها حرارة غريبة تضرّ بالأفعال تنبعث من القلب إلى الأعضاء. فالحرارة بمنزلة الجنس تشتمل الأسطقسية الموجودة في البدن حيا وميتا. والغريزية الموجودة فيه حيا وهي مقوّمة لوجود الإنسان ، والأسطقسية لماهيته ، والغريبة احتراز عنهما لأنّ المراد بها ما يرد على البدن من خارج بأن لا تكون جزءا من البدن. والمراد بالأفعال الطبعية (٢) الصادرة عن القوى البدنية وهو احتراز عن الغريبة التي لا تضرّ بالأفعال كحرارة الغضب إذا لم تبلغ حدّ مضرة الأفعال. وقولهم تنبعث احتراز عن غير المنبعثة عن القلب إلى الأعضاء كحرارة حاصلة من الشمس والنار في البدن إذا لم تضرّ بالأفعال. وكيفية الانبعاث أنّ تلك الحرارة تنبعث من القلب إلى الأعضاء جميعها بواسطة الروح والدمّ والشرايين. ولذا عرّفت بأنها حرارة غريبة تشتعل في القلب أولا وتنبسط منه بواسطة الروح والدم والشرايين في جميع البدن ، فتشتعل اشتعالا يضرّ بالأفعال الطبعيّة (٣)

التقسيم

تنقسم الحمّى باعتبارات إلى أقسام.

__________________

(١) فرقة من المتصوّفة المبطلة گويند نظر بر روي امردان وزنان مباح است ودر آن حال رقص وسماع كنند وگويند كه اين صفتي است از صفات خداى تعالى كه بما فرود آمده ومباح وحلال است واين كفر محض است. وجمعي از ايشان مجلسها سازند ودر نظر خلق بلباس درويشانه آراسته آه واوه وناله وفرياد وگريه واظهار سوز وشق گريبان وآستين وزدن دستار بر زمين ومانند آن خود را بخلق نمايند واين همه بدعت وضلالت است كذا في توضيح المذاهب.

(٢) الطبيعية (م).

(٣) الطبيعة (م).

٧٠٩

التقسيم الأول :

تنقسم باعتبار السبب إلى حمّى مرض وحمّى عرض. فما كان منها تابعة لما ليس بمرض مثل عفونة الأخلاط تسمّى حمّى مرض. وما كان تابعة لمرض مثل الورم تسمّى حمّى عرض. فإنّ الورم مرض دون العفونة. ومعنى التبعية أن يكون سببها مقارنا لمرض تزول الحمّى بزواله وتوجد بوجوده.

التقسيم الثاني :

تنقسم باعتبار المحل إلى حمّى يوم وحمّى دقّ وحمّى خلطية. فإنّ تعلّقها أولا إمّا (١) بأرواح البدن من الروح الحيوانية أو النفسانية أو الطبعية وهي حمّى يوم سمّيت بها ، لأنها تزول في اليوم غالبا. وإن امتدّت في بعض الأزمان إلى سبعة أيام أيضا. وإمّا بأعضاء البدن وهي حمّى الدّق وعرّفت بأنّها حرارة غريبة تحدث في البدن بواسطة حدوثها في الأعضاء أولا ، وهي لا محالة تفنى الأصناف الأربعة من الرطوبات الثانية ، فإن أفنت الصنف الأول وشرعت في إفناء الثاني خصّت باسم حمّى الدّق. وإن أفنت الصنف الثاني من الرطوبة وشرعت في إفناء الثالث خصّت باسم الذبول. ولا يفلح من بلغ نهايته. وإن أفنت الصنف الثالث وشرعت في إفناء الرابع خصّت باسم المفتت. وبالجملة فحمّى الدّق تطلق على جميع تلك الأقسام وعلى بعضها أيضا من باب تسمية المقيّد باسم المطلق. والمعتبر في التقسيم حالة فناء الرطوبة وشروع الحرارة الأخرى لأنّ التغيّر يظهر عند ذلك لأنّ زمان فعل الحرارة في رطوبة واحدة متشابهة. وأمّا بأخلاط البدن وهي الحمّى الخلطية وتسمّى الحمّى المادية أيضا. فإن كانت حادثة بسبب تعفّن خلط تسمّى حمّى العفن وحمّى العفونة والحمّى العفنية. وإن كانت حادثة بسبب خلط فقط من غير عفونة تسمّى سونوخس. والمراد بالخلط هاهنا الدّم لا غير لأنّ سونوخس لا يوجد في الحمّى الغير الدموية. وفي شرح القانونچة والمادية تسمّى حمى عفن أيضا انتهى. ووجه الحصر أنّ البدن مركّب من الأعضاء والأخلاط والأرواح فمتى سخن أحد هذه الأقسام أولا نسبت الحمّى إليه ، وإن سخن الباقي بسبه لأنّ بعضها حاو وبعضها محوي فتتأدّى السخونة من البعض إلى البعض. فإن قيل إن تعلقت بالجميع دفعة كانت خارجة عن الأقسام الثلاثة. قلت تكون في كلّ واحد من الأجناس الثلاثة في هذه الصورة حرارتان : ذاتية وعرضية لأنّها تسري من كلّ واحد إلى آخر ، وحينئذ تكون حميات ثلاثا ، فلا تخرج. ثم التعفن إمّا أن يكون داخل العروق أو خارجها. والتي يكون التعفن فيها داخل العروق تسمّى حمّى لازمة. والتي يكون التعفّن فيها خارج العروق تسمّى حمّى دائرة ونائبة ومغيرة. والحمّى اللازمة أربعة أقسام باعتبار أقسام الأخلاط. الأول السوداوية وتسمّى الربع اللازمة ومطلق الربع هو الحمّى السوداوية كما يستفاد من شرح القانونچة. الثاني البلغمية وتسمّى الحمّى اللثقة وتسمّى بالحمّى اللازمة أيضا من باب تسمية المقيّد باسم المطلق كما في حمّى الدّق. الثالث الدموية وتسمّى الحمّى المطبقة وهي ثلاثة أقسام ، لأنّ من الدم شيئا يتحلّل وشيئا يتعفّن. فإن تساويا فهي المساوية ، وإن كان التحلّل أكثر فهي المتناقصة ، وإن كان التعفّن أكثر فهي المتزايدة كما في الأقسرائي. وفي بحر الجواهر : الحمّى المطبقة هي الحمّى الدموية اللازمة وهي نوعان : أحدهما من عفونة

__________________

(١) اما (ـ م ، ع).

٧١٠

الدم في العروق وخارجها. وثانيهما أنّ تسخّن الدم وتغلى من غير عفونة وتسمّى سونوخس انتهى. وهذا مخالف لما سبق من أنّ الدموية اللازمة من أقسام العفنية وسونوخس مقابل لها ، ولما قيل من أنّ الدم لا يتعفن خارج العروق. الرابع الصفراوية وتسمّى بالحمّى المحرقة وبالغبّ اللازمة كما في شرح القانونچة. وفي بحر الجواهر أنّ الحمّى المحرقة هي الصفراوية أيضا إلاّ أنّ مادتها تعفنت داخل العروق بقرب القلب أو الكبد. فإن تعفنت في العروق البعيدة عن القلب أو الكبد سمّيت بالاسم العام وهي الغب اللازمة ، سمّيت بالمحرقة لشدة حرارته وكثرة عطشه وقلعه. وقد تطلق الحمّى المحرقة على ما كان عن بلغم مالح عفن بقرب القلب لأنّها بسبب ملوحية مادتها وقربها من القلب تكون أعراضها قوية في الاشتداد من المحرقة. فإطلاق المحرقة عليها يكون بالاشتراك اللفظي انتهى. الحمّى الدائرة ثلاثة أقسام ، لأنّها لا تكون دموية إذ الدم لا تكون خارج العروق ، فلا تتعفن إلاّ فيها. الأول السوداوية وتسمّى بالربع الدائرة ، ومن أنواعها حمّى الخمس والسدس والسبع وما وراءها. الثاني البلغمية وتسمّى بالمواظبة وهي النائبة كل يوم. قال الإيلاقي (١) نوعان من البلغمية ينوب أحدهما نهارا ويقلع ليلا ويسمّى النهارية ، والآخر ينوب ليلا ويقلع نهارا ويسمّى الليلية. الثالث الصفراوية وتسمّى بالغب الدائرة أيضا ، وهي تنقسم إلى خالصة بأن تكون مادتها صفراء رقيقة صرفة ، وغير خالصة بأن تكون مختلطة بالبلغم اختلاطا ممتزجا مغلظا. وهكذا الغبّ اللازمة تنقسم إلى خالصة وغير خالصة كما يستفاد من المؤجز. وفي القانونچة وشرحها وأمّا حمّى الصفراء خارج العروق فتنقسم إلى خالصة وهي التي لا تزيد مدة نوبتها على اثنتي عشرة ساعة ، وهي الغبّ الدائرة لأنها تنوب يوما ، ويوما لا ؛ وإلى غير خالصة وهي التي تزيد مدة نوبتها على اثنتي عشرة ساعة وهي شطر الغب. وفي بحر الجواهر الحمّى المثلّثة هي حمّى الغب.

التقسيم الثالث :

تنقسم باعتبار حدوثها عن خلط أو أكثر إلى بسيطة ومركّبة. فالبسيطة هي التي تحدث بفساد خلط واحد ، والمركّبة هي التي تحدث بسبب فساد خلطين أو أكثر. ثم التركيب إمّا تركيب مداخلة وهو أن تدخل احداهما على الأخرى وتسمّى حمّى متداخلة ، أو تركيب مبادلة وهو أن تأخذ احداهما بعد إقلاع الأخرى وتسمّى حمى متبادلة ، أو تركيب مشاركة وهو أن تأخذا معا وتتركا معا وتسمّى حمّى مشاركة ومشابكة. والأولى أن لا يعتبر قيد وتتركا معا ، فإنّ ذلك لا يتحقق إلاّ فيما كانت المواد للحميات من نوع واحد ، فإنّ الصفراوية والسوداوية إذا أخذتا معا لا تتركان معا ، فإنّ السوداوية تنوب أربعا وعشرين ساعة ، والصفراوية تنوب اثنتي عشرة ساعة. ومن جملة المركبات شطر الغب.

التقسيم الرابع :

تنقسم باعتبار اهتزاز البدن وعدمه إلى الحمّى الناقصة وهي التي يحصل فيها اهتزاز للبدن مع حركات إرادية فارسيتها تب لرزه ، والحمّى الصالبة وهي ما ليس كذلك. ومن أنواع الحميات الحمى الغشية وهي التي يحدث

__________________

(١) هو محمد بن يوسف الإيلاقي شمس الدين. كان حيا قبل ٤٢٨ هـ / ١٠٣٧ م. طبيب حكيم. تتلمذ لابن سينا. وله عدة كتب. معجم المؤلفين ١٢ / ١٢٣ ، كشف الظنون ١٢٦٦ ، عيون الانباء ٢ / ٢٠.

٧١١

فيها الغشي وقت ورودها. ومنها الحمّى الوبائية وهي الحادثة بسبب الوباء. ومنها الحمّى الحادّة وهي التي تعرض فيها أعراض شديدة هي قصيرة المدة. ومنها المختلطة وهي حميات ذات فترات وسجانات غير منظومة لا نوبة لها ، كذا في بحر الجواهر.

الحمد : [في الانكليزية] Praise ، thanking ـ [في الفرنسية] Reconnaiance ، louange ، remerciement

بالفتح وسكون الميم في اللغة هو الوصف بالجميل على الجميل الاختياري على قصد التعظيم ، ونقيضه الذمّ. وهذا أولى مما قيل هو الوصف بالجميل على جهة التعظيم والتبجيل ، لأنّ الحمد لا يتحقّق إلاّ بعد أمور ثلاثة : الوصف بالجميل وهو المحمود به ، وكونه على الجميل الاختياري أعنى المحمود عليه ، وكونه على قصد التعظيم. والتعريف الأول مشتمل على جميع هذه الأمور بخلاف التعريف الثاني فإنّه لا يشتمل المحمود عليه إن جعل الباء صلة للوصف كما هو الظاهر ، أو المحمود به إن جعل الباء للسببية. فإن قيل إذا وصف المنعم بالشجاعة ونحوها لأجل إنعامه كانت الشجاعة محمودا بها والإنعام محمودا عليه. وأمّا إذا وصف الشجاع بالشجاعة لشجاعته لم يكن هناك محمود عليه مع أنّ هذا الوصف حمد قطعا. قلت تلك الشجاعة من حيث إنّها كان الوصف بها كانت محمودا بها ، ومن حيث قيامها بمحلها كانت محمودا عليها ، فهما متغايران هنا بالاعتبار. ولذا يقال وصفته بالشجاعة لكونه شجاعا. ثم الوصف يتبادر منه ذكر ما يدلّ على صفة الكمال فيكون قولا مخصوصا فصار مورد الحمد اللسان وحده. ولمّا لم يقيد الوصف بكونه في مقابلة النعمة ظهر أنّ الحمد قد يكون واقعا بإزاء النعمة وقد لا يكون. وبقيد الجميل المحمود به يخرج الوصف على الجميل بما ليس بجميل. وبقيد الجميل المحمود عليه يخرج الوصف على غير الجميل. وفي قيد الاختياري إشارة إلى أنّ الحمد أخصّ من المدح. والبعض اعتبر قيد الاختياري في جميع المحمود به وهو غير مشهور ، فإنّه يعمّ الاختياري وغيره على الأظهر. وعلى هذا قيل الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري من إنعام أو غيره. والمدح هو الثناء باللسان على الجميل مطلقا. يقال مدحت اللؤلؤ على صفائها ولا يقال حمدتها على ذلك فالحمد يختص بالفاعل المختار دون المدح فإنّه يقع على الحي وغيره. وبالجملة فالممدوح عليه كالممدوح به لا يجب أن يكون اختياريا ، بخلاف المحمود عليه فإنّه يجب كونه اختياريا. ومنهم من منع صحّة المدح على ما ليس اختياريا وجعل مثال اللؤلؤ مصنوعا. وتوضيحه ما ذكره السّيد السّند في حاشية إيساغوجي من أنّ من يقول بكون الجميل الاختياري مأخوذا في الحمد إنّما يقول بكونه مأخوذا فيه بحسب العقل ، ولا فرق فيه بين الحمد والمدح ، صرّح به صاحب الكشاف حيث قال : وكلّ ذي لب إذا رجع إلى بصيرته لا يخفى عليه أنّ الإنسان لا يمدح بغير فعله. وقد نفى الله تعالى على الذين أنزل فيهم ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا الآية. ثم سأل كيف ذلك وأنّ العرب يمدح بالجمال وحسن الوجه؟ وأجاب بأنّ الذي يسوّغ ذلك أنّ حسن المنظر يشعر عن مخبر مرضي وأخلاق محمودة. ثم نقل عن علماء البيان تخطئة المادح على غير الاختياري وجعله غلطا ، وهو مخالف للمعقول ، وقصر المدح على الجميل الاختياري. وهذا صريح في أنّ أخذ الاختياري في الحمد إنّما هو بحسب العقل وأنّه لا فرق فيه بين الحمد والمدح انتهى. وأيضا صريح في أنّ الحمد والمدح مترادفان ، وهذا هو الأشهر كما قيل. وقيل ترادفهما باعتبار عدم اختصاصهما

٧١٢

بالاختياري. فالحمد أيضا غير مختصّ بالاختياري كالمدح ، واختاره السيّد السّند في حاشية إيساغوجي ، واستدل عليه بقوله تعالى (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (١) وبالحديث المأثور «وابعثه المقام المحمود الذي وعدته» (٢). قال : والحمل على الوصف المجازي وصفا له بوصف صاحبه كالكتاب الكريم والأسلوب الحكيم صرف عن الظاهر. ثم معنى الجميل الاختياري هو الصادر بالاختيار كما هو المشهور أو الصادر عن المختار وإن لم يكن مختارا فيه ، كما قال به بعض المتأخرين. فعلى القول الثاني لا نقض بصفات الله تعالى لأنّ صفاته تعالى صادرة عن المختار وهو ذاته تعالى أي مستندة إليه ، وإن لم تكن صادرة عنه بالاختيار. وكذا على القول الأول بأن يراد بالاختياري أعمّ من أن يكون اختياريا حقيقة أو بمنزلة الاختياري. والصفات المذكورة بمنزلة الأفعال الاختيارية لاستقلال الذات فيها وعدم احتياجه فيها إلى أمر خارج كما هو شأن الأفعال الاختيارية. وفيه أنّ ذات الواجب تعالى يحتاج في بعض الأفعال الاختيارية إلى خارج كإرزاق زيد مثلا فإنه يحتاج فيه إلى وجود زيد ، فالأولى أن يقال المراد بالاختيار المعنى الأعم المشترك بين القادر والموجب وهو كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، فإنّه متّفق عليه بين المتكلّمين والحكماء في الواجب وغيره ، لا كونه بحيث يصحّ منه الفعل والترك لأنّه مقابل للإيجاب ، هكذا يستفاد مما ذكر صاحب الاطول وأبو الفتح في حاشية الحاشية الجلالية. وبالقيد الأخير خرج الاستهزاء والسخرية إذ لا بدّ في الحمد أن يكون ذلك الوصف على قصد التعظيم بأن لا يكون هناك قرينة صارفة عن ذلك القصد لأنّه إذا عرى عن مطابقة الاعتقاد أو خالفه أفعال الجوارح ونحوها لم يكن حمدا حقيقة ، بل كان من السخرية والاستهزاء. لا يقال فقد اعتبر في الحمد فعل الجنان والأركان أيضا لأنّا نقول إنّ كلّ واحد منهما شرط لكون فعل اللسان حمدا لا ركن منه. وفي أسرار الفاتحة المدح يكون قبل الإحسان وبعده ، والحمد لا يكون إلاّ بعده. وأيضا قد يكون منهيا كما قال عليه‌السلام : «احثوا التراب على وجوه المدّاحين» (٣). والحمد مأمور به مطلقا. قال عليه‌السلام : «من لم يحمد الناس لم يحمد الله» (٤) انتهى. ولا يخفى ما فيه من المخالفة لما سبق عن عموم الحمد النعم الواصلة إلى الحامد وغيرها. ثم اعلم أنّ القول المخصوص الذي يحمدون به إنّما يريدون به إنشاء الحمد وإيجاد الوصف لا الإخبار به ، فهو إنشاء لا خبر ؛ وليس ذلك القول حمدا بخصوصه بل لأنّه دالّ على صفة الكمال ومظهر لها ، أي لها مدخل تام في ذلك. ومن ثمّ أي من أجل أنّ لدلالته على صفة الكمال وإظهاره لها مدخلا تاما في كونه حمدا عبّر بعض المحقّقين من الصوفية عن إظهار الصفات الكمالية بالحمد تعبيرا عن اللازم

__________________

(١) الاسراء / ٧٩.

(٢) صحيح البخاري ، كتاب الآذان ، باب (الدعاء عند النداء) ، حديث (١١) ، ١ / ٢٥٣ بلفظ مقاما محمودا. البغوي ٢ / ٢٨٣ رقم ٤٢٣ عن جابر.

(٣) صحيح مسلم ، كتاب الزهد ، باب (النهي عن المدح) حديث ٦٩ (٣٠٠٢) ، ٤ / ٢٢٩٧ بلفظ : إذا رأيتم المداحين احثوا في وجوههم التراب.

(٤) الترمذي ، الجامع ، كتاب البر ، باب (الشكر لمن أحسن إليك) حديث (١٩٥٥) ، ٤ / ٣٣٩ ، بلفظ لم يشكر الناس من لم يشكر الله.

٧١٣

بالملزوم مجازا حيث قال : حقيقة الحمد إظهار الصفات الكمالية ، وذلك قد يكون بالقول وقد يكون بالفعل ، وهذا أقوى لأنّ الأفعال التي هي آثار السخاوة تدلّ عليها دلالة قطعية ، بخلاف دلالة الأقوال فإنّها وضعية قد يتخلّف عنها مدلولها. ومن هذا القبيل حمد الله وثناؤه على ذاته وذلك أنّه تعالى حين بسط بساط الوجود على ممكنات لا تحصى ووضع عليه موائد كرمه التي لا تتناهى فقد كشف عن صفات كماله وأظهرها بدلالات قطعية تفصيلية غير متناهية ، فإنّ كل ذرة من ذرات الوجود تدلّ عليها ، ولا يتصوّر في العبارات مثل ذلك. ومن ثمة قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (١). والإحصاء يمكن أن يكون بمعنى العلم أو العدّ على سبيل الاستقصاء. وعلى كلا التقديرين الضمير المرفوع أعني أنت مبتدأ والكاف زائدة وكلمة ما موصولة أو موصوفة ، واختيارها على كلمة من يأباها وأثنيت على نفسك صلتها أو صفتها كما في قوله : أنا الذي سمّتني أمي حيدرة وهذه الجملة خبر للمبتدإ ، والمجموع تعليل لعدم علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثناء عليه تعالى لأنّه إذا أثنى على نفسه كان ثناء غير متناه ، فلا يعلم ولا يعدّ ، بل لا مناسبة لشيء من العلم والعدّ المذكورين إلاّ لله تعالى ، أو بمعنى القدرة ، والجملة استئنافية كأنه قيل من ثنى (٢) حق الثناء وتمامه ، ويكون كلمة أنت تأكيد للضمير المجرور في عليك ، وما موصولة أو موصوفة أو مصدرية ، والمعنى أنّه لا أقدر على ثناء عليك مثل الثناء الذي أثنيت به ، بحذف العائد إلى الموصول أو الموصوف ، أو مثل ثنائك بجعل ما مصدرية. ومقصوده عليه‌السلام من هذا الكلام إظهار العجز عن مثل ثناء الله تعالى على ذاته وسلب المماثلة بين ثنائه قولا أو فعلا وبين ثنائه تعالى على ذاته. اعلم أنّ الحمد في العرف هو الشكر في اللغة. وهو فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما. قال بعض الصوفية لسان الحمد ثلاث : اللسان الإنساني واللسان الروحاني واللسان الرباني. أمّا اللسان الإنساني فهو للعوام وشكره به التحدّث لإنعام الله وإكرامه مع تصديق القلب بأداء الشكر. وأمّا اللسان الروحاني فهو للخواصّ وهو ذكر القلب لطائف اصطناع الحق في تربية الأحوال وتزكية الأفعال. وأما اللسان الرباني فهو للعارفين وهو حركة السرّ لقصد شكر الحق جل جلاله بعد إدراكه لطائف المعارف وغرائب الكواشف بنعت المشاهدة والغيبة في القربة واجتناء ثمرة الأنس وخوض الروح في نحو القدس وذوق الأسرار بمباشرة الأنوار.

الحمراء : [في الانكليزية] Red ـ striped suit ـ [في الفرنسية] Costume rouge raye

بالألف الممدودة في اللغة الفارسية سرخ صرف. وفي اصطلاح المحدثين : هي البذلة التي توجد فيها خطوط حمر. وكذلك الخضراء والصّفراء عندهم : البذلة المخططة بخطوط خضر أو صفر. وهكذا الأيچه في بلادنا. هكذا في ترجمة صحيح البخاري المسمّى بتيسير القاري. وهذا الاصطلاح بسبب أنّه يعتبر لبس الثياب الحمراء الخالصة عند أكثر المحدثين ممنوع أخذا بظاهر حديث : «إياكم والحمرة فإنّها زي الشّيطان» وأمّا ما نقل في لباس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يلبس حلّة حمراء (في العيد ولدى استقبال

__________________

(١) مسند ، أحمد ٦ / ٥٨.

(٢) أثنى (م).

٧١٤

الوفود) فمؤوّل على كونها مخطّطة بخطوط حمر. ولكون تلك الخطوط متقاربة وتبدو من بعيد حمراء ، فلذا غلط الراوي حين قال : حلّة حمراء. ولا يخفى أنّ التأويل المذكور هو خلاف الظاهر وبعيد عن القياس. وفقهاء مكّة يقولون بجواز لبس الثوب الأحمر. ويستثنون اللون المعصفر ويقولون : إنّ حديث إياكم والحمرة إنما ورد بشأن اللون المعصفر ، والألف واللام هي عهدية. وقصّة النهي هكذا يرونها بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ على قوم كانوا يصبغون الأقمشة باللون المعصفر وحينئذ نبههم بقوله : إياكم والحمرة الحديث .. لأنّ أصل أل عهدية. أمّا إذا لم يكن الأمر معهودا فحينئذ تحمل على الاستغراق إذا أمكن ، وإلاّ فعلى الجنس. هكذا في كتب الفقه (١).

الحمرة : [في الانكليزية] Erysipelas ـ [في الفرنسية] Erysipele

بالضم وسكون الميم في اللغة بمعنى سرخى. وعند الأطباء هي الورم الحار الصفراوي المحض ، فارسيها سرخ باد كذا في بحر الجواهر. وعند أهل الرمل اسم شكل من الأشكال الستّة عشر وصورته هكذا.

الحمزيّة : [في الانكليزية] Al ـ Hamziyya (sect) ـ [في الفرنسية] Al ـ Hamziyya (secte)

بالفتح فرقة من الخوارج العجاردة أصحاب حمزة بن أدرك (٢). وافقوا الميمونية (٣). ، إلاّ أنهم قالوا أطفال الكفار في النار كذا في شرح المواقف.

الحمق : [في الانكليزية] Idiocy ، debility ـ [في الفرنسية] Idiotie ، debilite

بالضم وسكون الميم أو ضمها في الأصل من لا عقل له. وفي اصطلاح الأطباء هو نقصان في الفكر في الأشياء العملية التي تتعلّق بحسن التدبير في المنزل والمدينة وجودة المعاش ومخالطة الناس والمعاملة معهم لا في العلوم النظرية ولا في العلوم العملية ، مثل علمي الطب والهندسة ، فإنّ ضعف الفكر فيها لا يسمّى حمقا بل بلادة. فإن كان هذا ذاتيا في

__________________

(١) بالألف الممدودة در لغت سرخ صرف را گويند. ودر اصطلاح محدثين جامه را گويند كه در وى خطهاى سرخ باشند وهمچنين خضراء وصفراء نزدشان جامه باشد كه خطهاى سبز وزرد دارد چنانچه الايچه كه در ديار ما بود هكذا في ترجمة صحيح البخاري المسمى بتيسير القاري واين اصطلاح بجهت آنست كه نزد اكثر محدثين پوشيدن پارچه سرخ خالص ممنوع است از جهت تمسك بظاهر حديث اياكم والحمرة فإنها زي الشيطان. وآنچه در لباس آن حضرت منقول است كه عليه حلة حمراء ايشان آن را تاويل ميكنند برين نمط كه حله مذكورة مخطط بود بخطوط سرخ اما از آنجا كه خطوط بهم پيوسته ونزديك تر بود از دور تمام سرخ نمايان مى شد لهذا راوي در غلط وخطا افتاده به حله حمراء روايت كرده وپوشيده مباد كه تاويل مذكور خلاف ظاهر وبعيد از قياس است وفقهاى مكه بجواز لبس ثوب احمر قائل اند وصرف رنگ معصفر را استثناء ميكنند ومى فرمايند كه حديث اياكم والحمرة درنگ معصفر وارد است والف ولام او براى عهد است وقصه ورود آن باين وجه روايت مى كنند كه آن حضرت عليه الصلاة والسلام گذر فرمودند در جائى كه مردمان رنگ معصفر را تيار كرده پارچه ها رنگ مى كردن پس آن حضرت فرمودند كه اياكم والحمرة الحديث زيرا چه اصل در لام عهد است اما وقتى كه چيزي معهود نباشد پس بالضرورة برا استغراق محمول مى شود اگر ممكن باشد وگر نه بر جنس هكذا في كتب الفقه.

(٢) هو حمزه بن أدرك ، وقيل ابن أكرك ، من زعماء الخوارج العجاردة. انفصل عنهم وكوّن فرقة عرفت باسمه «الحمزية» ، قالوا بالقدر. إلا أنهم عاثوا في الأرض فسادا ولا سيما في سجستان وخراسان وكرمان وغيرها من البلاد. واستحل دماء المسلمين وقتل الآلاف منهم إلى أن مات قتلا في معركة حصلت بكرمان ، حيث انتصر عليه جيش الخليفة المأمون بقيادة عبد الرحمن النيسابوري. ولا يعرف له تاريخ ولادة ولا تاريخ وفاة. الملل والنحل ١٢٩ ، التبصير ٥٦ ، الفرق بين الفرق ٩٨ ، مقالات الاسلاميين ١ / ١٦٥.

(٣) فرقة من الخوارج العجاردة أتباع رجل اسمه ميمون بن خالد أو ميمون بن عمران. لهم ضلالات كبيرة وكفر صريح وخالفوا الخوارج في كثير من المعتقدات ، وتأثّروا كثيرا بمعتقدات المجوس ، كما أنكروا بعض سور القرآن. وقد خرجت هذه الفرقة عن الاسلام. مقالات الاسلاميين ١ / ١٦٤ ، الملل والنحل ١٢٩ ، شرح عقيدة السفاريني ١ / ٨٠ ، خطط المقريزي ٢ / ٣٥٤ ، الفرق بين الفرق ٢٨٠.

٧١٥

أصل الخلقة والجبلّة فلا علاج له. والرعونة مرادفة للحمق كذا في بحر الجواهر. وفي الأقسرائي الرعونة هي نقصان الفكر والحمق بطلانه.

الحمل : [في الانكليزية] Lamb ، Aries ـ [في الفرنسية] Agneau ، Belier

بفتح الحاء والميم في اللغة وقيل : الخروف الصغير إلى أن يبلغ الحول. حتى دون التسعة أشهر. كذا في بحر الجواهر (١). وعند أهل الهيئة اسم برج من البروج الربيعية. وأول الحمل نقطة في أوله مسمّاة بنقطة الاعتدال الربيعي. ومعنى أول الحمل من المائل وأول الحمل من معدّل المسير مذكور في لفظ الوسط.

الحمل : [في الانكليزية] Attribution of a predicate ـ [في الفرنسية] Attribution d\'un predicat

بالفتح والسكون في عرف العلماء هو اتحاد المتغايرين ذهنا في الخارج. فقولهم ذهنا تمييز من النسبة في المتغايرين. وقولهم في الخارج ظرف الاتحاد ، ومعناه أنّ الحمل اتحاد المتغايرين ذهنا أي في الوجود الظلّي الذي هو العلم في الخارج ، أي في الخارج عن الوجود الذهني الذي يتغايران فيه ، سواء كان ذلك الخارج وجودا خارجيا محقّقا أو مقدرا ، أو كان وجودا ذهنيا أصليا محققا أو مقدرا. فالأول كالحيوان والناطق المتّحدين في ضمن وجود زيد. والثاني كجنس العنقاء وفصله المتّحدين في ضمن وجود فرده المقدّر. والثالث كوجود جنس العلم وفصله في ضمن فرد منه كالعلم بالإنسان. والرابع كشريك الباري ممتنع فإنّهما متّحدان بالوجود الذهني المقدّر ، ثم ذلك الاتحاد أعمّ من أن يكون بالذات كما في الذاتيات أو بالعرض كما في العرضيات والعدميات. فالحاصل أنّ الحمل اتحاد المتغايرين مفهوما أي وجودا ظليا في الوجود المتأصّل المحقق أو المفروض. ولا شك أنّ المتأصّل في الوجود هو الأشخاص فتعيّن للموضوعية ، والمفهومات للحملية ، وهذا أمر خارج عن مفهوم الحمل. وبعبارة أخرى الحمل اتحاد المتغايرين في نحو من التعقّل بحسب نحو آخر من الوجود اتحادا بالذات أو بالعرض ، وهو إمّا يعنى به أنّ الموضوع بعينه المحمول فيسمّى الحمل الأوّلي ، وقد يكون نظريا أيضا. أو يقتصر فيه على مجرّد الاتحاد في الوجود فيسمّى الحمل الشائع المتعارف وهو المعتبر في العلوم. وقد يقسم بأنّ نسبة المحمول إلى الموضوع إمّا بواسطة ذو أوله أو في فهو الحمل بالاشتقاق أو بلا واسطة وهو الحمل بالمواطأة. بالجملة حمل المواطأة أن يكون الشيء محمولا على الموضوع بالحقيقة أي بلا واسطة كقولنا الإنسان حيوان. وفسّر الشيخ الموضوع بالحقيقة بما يعطي موضوعه اسمه وحده كالحيوان ، فإنّه يعطي للإنسان اسمه فيقال الإنسان حيوان ، ويعطيه حدّه فيقال الإنسان جسم نام حسّاس متحرّك بالإرادة. وحمل الاشتقاق أن لا يكون محمولا عليه بالحقيقة بل ينسب إليه كالبياض بالنسبة إلى الإنسان ، فلا يقال الإنسان بياض بل ذو بياض أو أبيض ، وحينئذ يكون محمولا عليه بالمواطأة. ومنهم من يسمّى الأول حمل تركيب والثاني حمل اشتقاق ، والواسطة على الأول كلمة ذو وعلى الثاني الاشتقاق لاشتماله على معنى كلمة ذو. وزيد يمشي أو مشى بمعنى زيد ذو مشي في الحال أو الاستقبال أو الماضي ، وكذا مشى زيد ويمشي زيد فإنّ الحمل إنّما يظهر بذلك التأويل. وربما يفسّر حمل المواطأة بحمل هو هو والاشتقاق بحمل هو ذو هو. وقال الإمام في الملخّص حمل

__________________

(١) بره نر تا يك سال وقيل تا كمتر از نه ماه.

٧١٦

الموصوف على الصفة كقولنا المتحرك جسم يسمّى حمل المواطأة ، وحمل الصفة على الموصوف كقولنا الجسم متحرّك يسمّى حمل الاشتقاق ولا فائدة في هذا الاصطلاح. ولذا كان المتعارف هو الاصطلاح على المعنى الأول السابق على كلام الإمام ، فإنّ مرجع التفاسير الثلاثة إلى شيء واحد عند التحقيق. هذا كلّه خلاصة ما حقّقه المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح الشمسية وصاحب السلم في المحصورات ، وصاحب شرح المطالع والسيّد السّند في حاشية شرح المطالع في مبحث الكلّيات. اعلم أنّ إطلاق الحمل على حمل المواطأة وحمل الاشتقاق على هذا بالاشتراك المعنوي. والأشبه أنّ إطلاقه عليهما بالاشتراك اللفظي ، هكذا ذكر صاحب السلّم. وظاهر كلام مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف يدل على الاشتراك اللفظي حيث قال في المقصد العاشر من مرصد الماهية : إنّ الحمل يطلق على ثلاثة معان. الأول الحمل اللغوي وهو الحكم بثبوت الشيء للشيء وانتفاؤه عنه ، وحقيقته الإذعان والقبول. والثاني الحمل الاشتقاقي ويقال له الحمل بوجود في وتوسّط ذو ، وحقيقته الحلول بمعنى الاختصاص الناعت ، وهو ليس مختصا بمبادئ المشتقّات ، بل يجري في المشتقات أيضا. فإنّ العرض أعمّ من العرضي كما تقرّر. فإن قلت المال محمول على صاحبه بتوسّط ذو مع أنّه ليس حالا فيه؟ قلت المحمول في الحقيقة هو إضافة بين المال والمالك. والثالث حمل المواطأة ويقال له الحمل بقول على وحقيقته الهوهو ، فلا محالة يستدعي وحدة باعتبار وكثرة باعتبار آخر ، سواء كانت الوحدة بالذات أو بالعرض ، وسواء كانت جهة الوحدة الوجود أو غيره ، فإنّه يجري في الهوهو جميع أقسام الوحدة المفارقة للكثرة وجميع جهاتها. لكنّ المتعارف خصّص جهة الوحدة بالوجود سواء كان وجودا بالذات كما في حمل الحيوان على الإنسان وحمل الضاحك عليه ، أو وجودا بالعرض كما في حمل الضاحك على الكاتب وحمل اللاّكاتب على الأعمى. وسواء كان وجودا خارجيا كما في القضايا الخارجية أو وجودا ذهنيا كما في القضايا الذهنية ، أو مطلق الوجود كما في القضايا الحقيقية. فحمل المواطأة يرجع إلى اتحاد المتغايرين في نحو من أنحاء الوجود بحسب نحو آخر به سواء كان اتحادا بالذات كما في حمل الذاتيات أو بالعرض كما في حمل العرضيات. فإنّ الذات والذاتي متّحدان بحسب الحقيقة والوجود ، والمعروض والعرضي متغايران بحسبهما. وربما يطلق حمل المواطأة على مصداقه من حيث إنّه مصداق. فإن قيل حمل الطبيعة على الفرد حمل بالذات لكونها ذاتية له ، وحمل الفرد عليها حمل بالعرض لكونه خارجا عنها مع أنّ كلا منهما يوجد بوجود واحد. قلنا الأحكام تختلف باختلاف الجهات فذلك الوجود من حيث إنّه للفرد ينسب إلى الطبيعة التي هي من ذاتياته ، فيقع حمل بالذات. ومن حيث إنّه للطبيعة ينسب إلى الفرد الذي هو من خواصّها بالعرض فيقع حمل بالعرض. ثم حمل المواطأة ينقسم إلى قسمين. الأول الحمل الأولي وهو يفيد أنّ المحمول هو نفس عنوان حقيقة الموضوع. وإنّما سمّي حملا أوليا لكونه أولي الصدق أو الكذب. ومن هذا القبيل حمل الشيء على نفسه. وهو إمّا مع تغاير الطرفين بأن يؤخذ أحدهما مع حيثية ، والآخر مع حيثية أخرى. وإمّا بدون التغاير بينهما بأن يتكرّر الالتفات إلى شيء واحد ذاتا واعتبارا. والأول صحيح غير مفيد ، والثاني غير صحيح غير مفيد ضرورة أنّه لا تعقل (١) النسبة إلاّ بين الشيئين ولا يمكن أن

__________________

(١) نعقل (م ، ع).

٧١٧

يتعلّق بشيء واحد التفاتان من نفس واحدة في زمان واحد. لا يقال فحينئذ حمل الشيء على نفسه لا يكون حملا بالذات لأنّ مصداق الحمل على ذلك التقدير فيه ليس نفس الموضوع فقط ، بل مع أنّ حمل الإنسان على نفسه حمل بالذات ، لأنّا نقول طبيعة الحمل تستدعي تغايرا بين الموضوع والمحمول. وما ذكروا أنّ نفس الموضوع إن كان كافيا في تحقّق الحمل ، فحمل بالذات وإلاّ فحمل بالعرض ، فهو بعد ذلك التغاير فحمل الشيء على نفسه حمل بالذات ، لأنّ بعد ذلك التغاير لا يحتاج إلى غيره. والحق أنّ التغاير في مفهوم الحمل وهو هو. والثاني الحمل الشائع المتعارف وهو يفيد أن يكون الموضوع من أفراد المحمول أو ما هو فرد لأحدهما فرد لآخر. وإنّما يسمّى بالمتعارف لتعارفه وشيوعه استعمالا. وهو ينقسم إلى حمل بالذات وهو حمل الذاتيات ، وإلى حمل بالعرض وهو حمل العرضيات. وربّما يطلق الحمل المتعارف في المنطق على الحمل المتحقّق في المحصورات انتهى. ثمّ إنّه ذكر في تلك الحاشية في مبحث عينية الوجود وغيريته أنّ الحمل بالذات أن يكون مصداق الحمل نفس ذات الموضوع من حيث هي ، والحمل بالعرض أن يكون مصداق الحمل خارجا عنها. وهو إمّا أن تكون ذات الموضوع مع حيثية مأخوذة فيها كما في حمل الوجود على تقدير كونه زائدا. وإمّا أن تكون ذات الموضوع مع ملاحظة مبدأ المحمول كما في حمل الأوصاف العينية. وإمّا أن تكون ذات الموضوع مع ملاحظة أمر آخر مباين لها ومقابلة بينهما كما في حمل الاضافيات. وإمّا أن تكون ذات الموضوع مع ملاحظة أمر زائد بعدم مصاحبته لها كما في حمل العدميات. فمصداق حمل الوجود على تقدير العينية ذات الموضوع من حيث هي ، وعلى تقدير الغيرية ذات الموضوع مع حيثية زائدة عليه عقلية كحيثية استناده إلى الجاعل انتهى. اعلم أنّ الحمل فسّره البعض بالتغاير في المفهوم والاتحاد في الهوية. وهذا إنّما يصحّ في الذاتيات دون العرضيات مثل الإنسان أبيض لأنّ الهوية الماهية الجزئية. ولا شكّ أنّ الأبيض معتبر في هوية البياض دون الإنسان ودون الأمور العدمية نحو الإنسان أعمى ، إذ ليس لمفهوم الأعمى هوية خارجية متّحدة بهوية الإنسان ، وإلاّ لكان مفهومه موجودا متأصّلا. قيل إذا أريد مفهومه بحيث يعمّ الكلّ قيل معنى الحمل أنّ المتغايرين مفهوما متّحدان ذاتا ، بمعنى أنّ ما صدق عليه ذات واحدة. وفيه أنّه لا يشتمل الحمل في القضايا الشخصية والطبعية ، إلاّ أن يحمل الصدق بحيث يشتمل صدق الشيء لنفسه ؛ وأيضا الصدق هو الحمل فيلزم تعريف الشيء بنفسه ، إلاّ أن يقال التعريف لفظي. وقيل الحمل اتحاد المفهومين المتغايرين بحسب الوجود تحقيقا أو تقديرا وهو لا يشتمل الحمل في القضايا الذهنية. وقيل الحمل اتصاف الموضوع بالمحمول ، وهو لا يشتمل حمل الذاتيات. والحقّ في معنى الحمل ما مرّ سابقا.

حمل المواطأة : [في الانكليزية] Subject attribution ـ [في الفرنسية] Attribution du sujet

قد سبق في لفظ الحمل.

الحملي : [في الانكليزية] Attributive ـ [في الفرنسية] Attributif

عند المنطقيين يطلق على قسم من القياس الاقتراني كما يجيء في لفظ القياس. وعلى قسم من القضية مقابل للشرطية. ولكون الشرطية تنتهي بالتحليل إلى الحمليتين سمّيت الحملية بسيطة أيضا. وأبسط القضايا الحملية الموجبة كذا في شرح المطالع وتعريفها يذكر في لفظ القضية. ولها أي للقضية الحملية تقسيمات. الأول باعتبار الطرفين فإن لم يكن حرف السلب

٧١٨

جزءا من أحد طرفيها سمّيت محصّلة وإلاّ سمّيت معدولة. الثاني باعتبار الجهة فإن كانت مشتملة على الجهة تسمّى موجّهة وإلاّ تسمّى مطلقة. الثالث باعتبار الرابطة فإن ذكرت الرابطة تسمّى ثلاثية كقولنا زيد هو قائم ، وإن لم تذكر سمّيت ثنائية كقولنا زيد قائم. وليست حاجة محمول هو كلمة أو اسم مشتق إلى الرابط حاجة الاسم الجامد لما فيهما من الدلالة على النسبة إلى موضوع ما ، مع أنّ الحاجة إلى الرابط للدلالة على النسبة إلى موضوع معين. فإذن مراتب القضايا ثلاث ثنائية لم يدل فيها على نسبة أصلا وثلاثية تامّة دلّ فيها على النسبة إلى موضوع معيّن كالمذكور فيها رابطة غير زمانية ، وثلاثية ناقصة دلّ فيها على النسبة إلى موضوع غير معيّن كالمذكور فيها رابطة زمانية أو التي محمولها كلمة أو اسم مشتق. وهاهنا أبحاث. منها أنّ القضية التي محمولها كلمة أو اسم مشتق إن كانت ثلاثية لم يستقم عدّها في الثنائية وإن كانت ثنائية لم تنحصر المراتب في الثلاث ، بل يكون هناك ثنائية دلّ فيها على النسبة. فالصواب تثليث المراتب بالثلاثية التي ذكرت فيها الرابطة. والثنائية التّامّة التي لم تذكر فيها ولم تدل فيها على النسبة ، والثنائية الزائدة التي دلّت فيها على النسبة وذلك لأنّه لا يمكن الدلالة على الحكم بدون الدلالة على النسبة ، بخلاف العكس. فإذا دلّ على الحكم فقد دلّ على النسبة. فالقضية ثلاثية حينئذ أمّا إذا لم تدل على الحكم فربما لم تدل على النسبة أيضا فتكون ثنائية تامّة. وربما تدلّ على النسبة فزيدت القضية دلالة على الثنائية لكنها تأخّرت عن مرتبتها إذ لم تتناول إلاّ أحد جزئي مفهوم الرابط ، وهو النسبة لا الحكم فهي ثنائية زائدة. وقال الإمام القضية التي محمولها كلمة أو اسم مشتقّ ثنائية في اللفظ ثلاثية بالطبع ، لأنّ النسبة مدلول عليها تضمنا ، فذكرها يوجب التكرار ، وقد سبقت الإشارة إلى دفعه. ثم اعلم أنّ من جعل روابط العرب الحركات الإعرابية وما يجري مجراها يقول إن كان التركيب العربي من المعربات وما يجري مجراها فالقضية ثلاثية كزيد قائم ، وإن كان من المبنيات فهي ثنائية كقولنا هذا سيبويه. الرابع باعتبار الموضوع فموضوع الحملية إن كان جزئيا حقيقيا سمّيت مخصوصة وشخصية لخصوص موضوعها وتشخّصه ، موجبة كانت كقولنا زيد كاتب ، أو سالبة كقولنا زيد ليس بكاتب. وإن كان كليّا فإن لم يذكر فيها السور بل أهمل بيان كمية الأفراد سمّيت مهملة موجبة نحو الإنسان حيوان أو سالبة نحو الانسان ليس بحجر وأن ذكر فيها السور سمّيت محصورة ومسوّرة موجبة نحو كل إنسان حيوان أو سالبة نحو ليس كلّ حيوان إنسانا. وأورد على الحصر أنّه لا يشتمل نحو الإنسان نوع. وأجيب بأنّها مندرجة تحت المخصوصة لأنّ كلية الموضوع إنّما يتصوّر لو حكم عليه باعتبار ما صدق عليه. فالمراد أنّ الموضوع إمّا أن يحكم عليه باعتبار كليته أي صدقه على كثيرين أو لا. الثاني المخصوصة والأوّل المحصورة أو المهملة. وفيه أنّ القول بالاندراج يبطل تنزيلهم المخصوصات بمنزلة الكليات حتى يوردوها في كبرى الشكل الأول نحو : هذا زيد وزيد إنسان فهذا إنسان ، وذلك لأنّه يصدق زيد إنسان والإنسان نوع مع كذب النتيجة وهي زيد نوع. وزاد البعض ترديد أو قال إن لم يبيّن كمية الأفراد أي كليتها وجزئيتها ، فإن كان الحكم على ما صدق عليه الكلّي فهي المهملة ، وإن كان الحكم على نفس الكلّي من حيث هو عام نحو الإنسان نوع فهي الطبيعية. ويقرب منه ما قيل إنّ الحكم على المفهوم الكلّي إمّا أن يكون حكما عليه من حيث يصدق على الجزئيات وهي الطبيعية ، أو

٧١٩

حكما على الجزئيات من حيث يصدق عليها الكلّي وهي المحصورة أو المهملة. ويرد عليه أنّه بقي قسم آخر وهو أن يكون الحكم على الكلّي من حيث هو ، وأيضا تسمية تلك القضية طبيعية غير مناسبة لأنّ الحكم ليس فيها على الطبيعة من حيث هي هي ، بل على المقيّدة بقيد العموم. ومنهم من قال إنّ موضوع القضية إن لم يصلح ، لأن يقال على كثيرين فهي المخصوصة ، سواء كان شخصا أو مقيدا بالعموم كقولنا الإنسان نوع. وإن صلح لأن يقال على كثيرين فمتعلّق الحكم إمّا الأفراد فهي إمّا محصورة أو مهملة أو نفس الكلّي وهي الطبيعية ، فعاد البحث السابق من جعل العام مخصوصة. وقيل الموضوع إمّا ما صدق عليه الطبيعة وهي المحصورة أو المهملة ، وإمّا نفس الطبيعة ، فلا يخلو إمّا مع قيد التشخّص وهي المخصوصة أو مع قيد العموم وهي القضية العامة ، أو من حيث هي هي ، وهي الطبيعية. والحق أنّ القيد لا يعتبر مع الموضوع ما لم يؤخذ الموضوع معه ، فإذا حكم على الإنسان بحكم لا يكون ذلك الحكم من حيث إنّه عام أو خاص أو غير ذلك ، فإنّه لو اعتبر القيود التي يصلح أخذها مع قيود الموضوع لم تنحصر القضية في الأربعة والخمسة. نعم إذا قيّد الموضوع بقيد فذلك الموضوع المقيّد إن كان جزئيا يكون القضية مخصوصة ، وإن كان كليّا تجري أقسامه فيه فالأولى أن تربّع القسمة. ويقال موضوع القضية إن كان جزئيا حقيقيا فهي المخصوصة ، وإن كان كليا فالحكم إن كان على ما صدق عليه فهي المحصورة أو المهملة ، وإلاّ يكون الحكم على نفس الطبيعة الكلية ، سواء قيّد بقيد كقولنا الإنسان من حيث إنه عام نوع ، أو لم يقيّد كقولنا الإنسان نوع ، إلاّ أنّ الواجب أن لا يعتبر القيد ما لم يقيّد الموضوع به ، فالموضوع في هذا المثال ليس إلاّ الإنسان ، اللهم إلاّ أن يصرّح بالقيد ، وكيف كان فالقضية طبيعية ، فإنّ الحكم في أحد القسمين على طبيعة الكلّي المقيّد وفي الآخر على طبعية الكلّي المطلق. هذا كله خلاصة ما في شرح المطالع. وفي السلّم الموضوع إن كان جزئيا فالقضية شخصية ومخصوصة ، وإن كان كليا فإن حكم عليه بلا زيادة شرط فمهملة عند المتقدّمين ، وإن حكم عليه بشرط الوحدة الذهنية فطبيعية ، وإن حكم على أفراده فإن بيّن كمية الأفراد فمحصورة ، وإن لم يبيّن (١). فمهملة عند المتأخرين انتهى. اعلم أنّ هذا التقسيم يجري في الشرطية أيضا كما يجيء.

الحوالة : [في الانكليزية] Transference of a debt to a third ـ [في الفرنسية] Transfert d\'une creance sur un tiers

بالفتح لغة النقل. في المغرب أحلت زيدا بما كان له علي على رجل. فالمتكلّم وهو المديون محيل ، وزيد وهو الدائن محال ومحتال ، والمال محال به ومحتال به ، والرجل وهو الذي يقبل الحوالة محال عليه ومحتال عليه. وتسمية المحتال محتالا له باللام لغو لعدم الحاجة إلى الصلة. وفي التاج (٢) المحتال في الفقه إذا وصل باللام فهو الدائن ، وإذا وصل بعلى فهو من يقبل الحوالة ، وإذا وصل بالباء فهو المال. فالظاهر أنّ الموصولة باللام اسم مفعول أي من يقبل الحوالة والقابل هو المحتال عليه فلا لغو. وشرعا إثبات دين الآخر على آخر مع عدم بقاء الدين على المحيل بعده ، أي بعد إثبات الدّين. والمراد بقولهم لآخر المحتال ، وعلى آخر المحتال عليه. وقولهم

__________________

(١) تبيّن (م ، ع).

(٢) التاج تاج المصادر في اللغة ورد سابقا.

٧٢٠