موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - المقدمة

رفيق العجم

موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - المقدمة

المؤلف:

رفيق العجم


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٥٢

١
٢

٣
٤

٥

٦

المحتويات

شكر وتقديم..................................................................... I

التّقديم........................................................................ III

كشاف اصطلاحات الفنون : البسملة.............................................. ١

المقدّمة.......................................................................... ٣

موسوعة المصطلحات........................................................... ٧١

حرف الألف.................................................................. ٧١

حرف الباء.................................................................. ٣٠٥

حرف التاء.................................................................. ٣٦٠

حرف الثاء.................................................................. ٥٣٦

حرف الجيم................................................................. ٥٤٤

حرف الجيم الفارسية......................................................... ٦٠٧

حرف الحاء.................................................................. ٦٠٨

حرف الخاء.................................................................. ٧٢٩

حرف الدال................................................................. ٧٧٣

حرف الذال................................................................. ٨١٦

حرف الراء.................................................................. ٨٣٨

حرف الزاي................................................................. ٩٠٢

حرف السين................................................................. ٩٢٠

حرف الشين............................................................... ١٠٠٠

حرف الصاد............................................................... ١٠٥٣

 

٧

حرف الضاد............................................................... ١١٠٨

حرف الطاء................................................................ ١١٢٣

حرف الظاء................................................................ ١١٤٤

حرف العين................................................................ ١٢٥٦

حرف الغين................................................................ ١٢٤٥

حرف الفاء................................................................ ١٢٦٠

حرف القاف............................................................... ١٢٩٥

حرف الكاف.............................................................. ١٣٧٥

حرف الكاف الفارسيّة...................................................... ١٣٩٨

حرف اللام................................................................ ١٣٩٩

حرف الميم................................................................. ١٤١٩

حرف النون................................................................ ١٦٧٩

حرف الهاء................................................................. ١٧٣٦

حرف الواو................................................................ ١٧٥٠

حرف الياء................................................................. ١٨١١

فهرس الفرق والاعلام والقبائل............................................... ١٨١٩

فهرس الكتب.............................................................. ١٨٤٥

فهرس المصطلحات.......................................................... ١٨٦٧

Index Francais........................................................... ١٩٥٧

English INDEX......................................................... ٢٠٤٥

٨

شكر وتقدير

إنّ هذا العمل الذي تركه التهانوي عزّ نظيره وقلّ مثيله. وقد جاء دسما غنيا وشرحا وفيا ، فغزرت مادة نصوصه وتداخلت ، وتوشّت بأعلام وكتب وغيرها مما ذكرنا. وترتبت جميعها على نظم قديم معقّد. فآلينا على أنفسنا تحويل كل ذلك إلى سهل مبسط ، والتعريف بكل معقد ووارد تعريفا مقتضبا مع إجزال في ذكر المراجع والمصادر ليعود إليها القارئ ما شاء استزادة وتفصيلا.

ولعلّ كل هذا يحتاج إلى فرق من الباحثين وليس إلى فريق واحد : فقضي الأمر على هذا الشكل بعون الله ، وأنجز العمل بعامين.

وإنّ الفضل يعود إلى الكثيرين ممن ساعد مباشرة أو غير مباشرة ، لهم مني ومن فريق العمل الرئيسي كل شكر وتقدير ، وأخص بالذكر :

ـ الأستاذ خليل حبيب الصائغ ، الذي تبنّى المشروع بروحه العلمية النافذة ، وخبرته العملية الصائبة ، ومقداميّته الوثّابة ، في وقت قلّت فيه رعاية العلم وتبنّي مشروعاته ، وفي فترة كان الوطن يقوم فيها من بين الأنقاض.

ـ المعهد العالي للدراسات الاسلامية التابع لجمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في بيروت ، ففي رحابه رعينا هذا الرهط من تلامذتنا الباحثين الذي يعدّون رسائل ماجستير فاخترنا منهم جمعا من المساعدين الباحثين باتفاقات خاصة. ومن مكتبته استقينا العلم واغترفنا ، هذه المكتبة المتخصّصة في العلوم العربية والاسلامية.

ـ مكتبة يافث في الجامعة الأميركية التي تختزن زادا علميا وفيرا. ومكتبة كلية الامام الأوزاعي التي تقتني نوادر فهارس مخطوطات الهند.

ـ جماعة المساعدين الباحثين المدقّقين وهم : الدكتور بسام عبد الحميد ، الشيخ علي البقاعي. والباحثات : عاصمة رمضان وسلمى زيني وعناية عبد الله وأمينة الحلبي وإلى ولديّ محمد وماهر ، وبهم جميعا تمثّلت الجدية والأمانة والدقة.

وأخيرا أنوّه بزملائي وأشكرهم : د. علي دحروج والشيخ د. عبد الله الخالدي ود.

جورج زيناتي ، فقد كنا جميعا كلا واحدا وآلية واحدة متعاضدة متناغمة في أثناء العمل ، ولو لا ذلك وعون الله لما تحقّق كل ذلك.

رفيق العجم

٩

التّقديم

نستصبح ما عزمنا عليه من عناية في المصطلح بتحقيق كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم للتهانوي. ونستهل بهذا العمل الموسوعي ، وهذه المعلمة المعرفية ، باكورة التوجه في إعادة بلورة المصطلح كما جمعه علماء العرب والمسلمين ، أو كما حزمنا الأمر بعون الله تعالى على جمعه تبعا لأبسط الطرق والأساليب واستعانة بأحدث الآلات ، وما توصّل إليه التوثيق والتقميش.

وإننا إذ نتصدى لعمل شاق صعب وغني في حقول المعرفية العربية والاسلامية ، وضعه عالم جليل ذو باع طويل ودأب مليل ، وأكمله تلامذة أفاضل ، حيث وجدنا العمل مغمورا وترتيبه على النهج القديم في أبواب وفصول للجذر ، وبالتسلسل الالفبائي ، إضافة إلى امتلائه بالمئات من أسماء الأعلام والكتب ، ومعظمها مجهول من غير تعريف ولا تحقيق.

فنهجنا منهجا تبسيطيا اعتمد إيراد المصطلح واللفظ كما هو ، حيث تمّ إدراج كلّ هذه المصطلحات بالترتيب الألفبائي بحسب ورود الاسم ، من غير التفات إلى الجذر أو أي اعتبار آخر. وعلى هذه الوتيرة مثلا : الآحاد / الآخر / الآخرة / الآدم / الآراء ... الاسراف / الأسطرلاب الخ. الصاحب / الصاعقة / الصالح / الصالحية / الصامت / الصّبا / الصبائي الخ. والملاحظ هنا أن الاعتماد على الكلمة كما هي مرسومة وتبعا لتسلسل أحرفها : الأول والثاني والثالث وأحيانا الرابع والخامس ، تمشيا مع النمط العام والسائد في تبسيط العلوم وتسهيلها ، لتصبح في متناول اليد من غير التباس ولا تعقيد ، وهو ما درجت عليه بعض المعاجم الحديثة.

وكان الفضل هنا للحاسوب (الكمبيوتر).

وسلكنا مسلكا توثيقيا في التعريف بالأعلام والكتب والأماكن والفرق والمصطلحات ، إضافة إلى تخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ، مع ذكر المرجع أو المراجع ، حيث بلغ العمل مبلغ المعلمة الموسوعية. وسيتابع العمل إن شاء الله بعمل موسوعي آخر.

١٠

أما ما حزمنا الأمر عليه فهو بعض المصطلحات من العلوم العربية والاسلامية في موسوعات عدة تبعا لما وردت عند العلماء ، صافية ، بحسب المراجع من غير تدخل دخيل على أقوال قائليها. ويعتبر هذا العمل صنيعا بكرا لم يتحقّق في الحقبتين القديمة والحديثة. ويشكل ـ إن تمّ ـ قاعدة منطلق لضبط المصطلح وإحداث المستجد بالنحت والاستقبال.

والبيّن في الأفق حتى الآن تناول مصطلحات : المنطق ، أصول الفقه ، الفلسفة ، علم الكلام ، التصوف.

والكشّاف الذي نقدّم له ناهزت الشروح بالفارسية فيه على ربع موضوعاته ، وورد الباقي باللغة العربية : فنقلنا الربع إلى العربية. زيادة في اغناء المصطلحات ووضعنا ما يقابلها بالانكليزية والفرنسية وأحيانا باللاتينية ، ممّا يسهّل على الباحث المقارنة بين المفاهيم والأذهان والبنى المعرفية ، إذ إن ذلك يخفي ضمنا تحاورا داخليا بين معارف العرب والمسلمين ومعارف الأوروبيين ، ولا سيما إبان حقبتهم في العصور الوسطى ومطلع العصور الحديثة.

ولا ضير إن وجد الباحث أو الطالب أن هناك الكثير من العلوم والمفاهيم التي عفى عنها الزمان وتخطّتها سنن التطور والترقي. ولا سيما ما حدث على مستوى العلوم البحتة والتفنين في العقود الأخيرة ، إلا أنّ هناك الكثير من الشروح والمعاني ، في المجالات النظرية خصوصا ، باقية ثروة معرفية ، ودالاّت على بنية من المعارف الغنية ، وموروث قابع في أذهاننا ولا وعينا الثقافي ؛ لا بدّ من إحيائه واستلهام عناصره وقراءة الحاضر بضوئه ، في سيرورة اتصال تمليها البنينة المعرفية السليمة والتحديث الفاعل المؤثر.

والبنينة من فعلنة على وزن فعلن ، وهذا الوزن يستفاد منه في أعمال الانصهار الكيميائي والتركيب العناصري والذري. وقد واءمته هنا ليفيد عملية صهر عناصر مع البنية المعرفية (١) ، تلك العناصر من المعاني الوافدة التي لا بدّ أن تتراكب مع العناصر القائمة وتنطبع بخصائصها في عملية إرادية فاعلة ، نقوم نحن بجزء منها عبر إحياء المصطلحات المعبّرة عن العلوم العربية والاسلامية ، فتفد المعاني الحادثة العصرية بعد ذلك بالنقل والترجمة مستفيدة من هذه المصطلحات ، لتأتي المرحلة الثالثة وهي شيوع

__________________

(١) استفدنا هنا من دراسات بياجيه البنيوية وخصائص البنية عنده وتركيبها منهجا ، مطبّقين ذلك إن صح على البنية المعرفية.

١١

المصطلحات العصرية بالعربية مواكبة للعلم والمعارف الراهنة.

ولنا شاهد حي على ذلك ، ما حدث من نقلة في دلالات وألفاظ العربية إبّان ظهور الاسلام ، حيث استعمل اللفظ قريبا من موضوعه الأصلي. وعلى الرغم من أنّه نقل عن دلالته السابقة إلا أن خيط اتصال بقي بين الأصل والحادث ، مثل الواجب :

السقطة مع الهدة من أعلى ، كسقوط الحجر من الجبل. وذلك في الدلالات عند عرب الجاهلية. ثم غدا الواجب : الأمر الإلهي المجرد المنزّل من أعلى في الاسلام.

وأمثال ذلك الكثير مما كان من خطاب الله عزوجل للعرب ، وما دار من علوم على جنبات كتاب الله. إذ الصلاة عبارة عن الدعاء والحج عن القصد والصوم عن الامساك والزكاة عن النمو وهكذا ...

ومن ثمّ بقيت هذه الألفاظ في معانيها الحادثة قريبة من موضوعها الأصلي.

ولربّ قائل : إنّ المعاني العصرية في شتى العلوم حادثة ومغايرة تماما لمعاني العلوم القديمة التي درج عليها العرب واصطلحوا عليها تعبيرا عمّا توصّلوا إليه. فإن الجواب سهل بيّن ظهر في أوروبا حيث انطلقت النهضة العلمية من ألفاظ اللاتينية والفرنسية وعليها استندت فتشعبت.

والدليل على ذلك أن معظم مصطلحات الطب والطبيعة والكيمياء والمعارف النظرية نجد أصلها باليونانية واللاتينية ثم تتشعب وتتحوّل وينقطع بعضها عن دلالته الأولى. ومن شواهد ذلك : لفظ Paradigme ورد باليونانية بصوت Paradeigma بمعنى المثال أو النموذج المحتذى ، ولا سيما عند أفلاطون اشارة إلى المثال القائم في عالم المثل. ثم أصبح اللفظ نفسه في الثورة العلمية عند توماس كون Kuhn النموذج على ما يتفق عليه جماعة العلماء ، في عصر معيّن ، من قوانين مرتبطة بنظرية محددة ، مع ما يعقب ذلك من تطبيق على الملاحظات كمعادلات نيوتن في الحركة : القوة الكتلة التسارع. ق ل* ع. (١) إذ تحكّم هذا النموذج في الميكانيكا ، وكصيغة ومعادلة انشتاين في ترابط السرعة بأبعاد المكان الثلاثة والزمان الخ ...

ونخلص من ذلك بتوليفة مفادها : أن إحياء المصطلح وجمعه يصبّ في عملية بناء هادفة تشكّل ركيزة أساسية في التحديث العربي ، نأمل أن تطال البنية الثقافية واللغوية على أصول البنية السليمة ، رغبة في تشكيل بنية دلالية معرفية للعلوم بالعربية وذلك عبر

__________________

(١) ١٩٧٠ .. ٢٣٨. Kuhn. T. the Structure of Scientific Revolutions. Chicago.

١٢

محطات ثلاث :

١ ـ إبراز وإحياء مصطلحات العلوم العربية والاسلامية بألفاظها العربية.

٢ ـ نقل علوم الآخر الحادثة بالارتكان والارتكاز على المحطة الأولى ، وما يؤدّيه ذلك من توحيد المصطلح وغرس المعنى عند العرب قاطبة.

٣ ـ شيوع وتثبيت لغة علمية عربية حادثة.

ولعلّ هذه المحطات الثلاث تتجاوز الأفراد والمجامع العلمية وتتطلب جهود أجيال ، لكن لا بأس في الانطلاق بخطوة أولى ، والله ولي التوفيق.

هذا وقد تمّ جمع التقديم على ركنين اثنين :

أولا : تمهيد نظري يتناول إشكالية المصطلح بين اللفظ والمعنى ، المبنى والفكر أو «الاذتهان».

ثانيا : دراسة وصفية لعملية التحقيق والتعريف بالمؤلف إلى جانب عرض الصعوبات وتمييز الأساليب الفنية المتّبعة في عملية التحقيق.

١٣

إشكاليّة المصطلح بين اللّفظ والمعنى

تمهيد :

إنّ التصورات الذهنية ومحصّلات الأفكار الكشفية الصادرة عن العقل والفهم ، والوجدانيات المعنوية المنبعثة من النفس ، لا يمكنها جميعا أن تتحقق عند صاحبها ومنه إلى غيره ببيان فراغي ، كمثل القابض على الماء ، بل لا بدّ لها من أن تتحقّق وتتعيّن وتتشيّأ إشارات ورموزا بنزولها وانسكابها في أنواع من الألفاظ وأنماط من الصيغ تشكل في جملتها بنيانا لغويا له خصائصه وطبعه وجبلته وسيرورة تكونه وتحوّله في بعدي التاريخ والنسق الداخلي لبنيته ، علما أنّ هذه البنية قد اكتسبت وحدتها وضبطها وتعقّدها بضوء التجربة المعرفية التي خاضها الناطقون بهذه اللغة والمعبّرون بتلك الألفاظ والأسماء.

ولعلّ العربية ، لغة الضاد ، من أشد اللغات جمعا لهذين البعدين : السيرورة التاريخية ، ونسق البنية الخاص ، إذ إنّ لغات العالم بمعظمها مهما غزرت تجربتها أو تحدّدت تتمتع كل منها ببنية لها ميزاتها بحسب معطيات منهج اللغويات العصري والدراسات الأنسية الحادثة. فالعربية أسوة بغيرها لها بنيتها وميزاتها ، إلا أنّ للعربية خاصيّة بارزة على سواها تختص في أثر البعد التاريخي في تكوّن الأسماء والألفاظ واستمرار تأثيره على المفردات والأسماء باتصال من غير انقطاع وقطع. ولهذا كله كانت دراسة الحقل الدلالي لألفاظ العربية وأسمائها ترتدي أهمية وأهدافا معرفية عدة.

إن هذه المفردات والأسماء قد استعملت قوالب للفكر والفهم والاذتهان والعرفان على امتداد عشرات القرون في مسار الناطقين بالعربية التاريخي ، لهذا فهي محصّلة ونتاج جهود أجيال وحضارات عدة.

١٤

إنّ المفردات والأسماء في محطات دلالتها والتعبير ، وإبّان النقلات الحضارية واجتياز اللفظة من مدلول إلى آخر ، بقيت على اتصال في الدلالة مع ما سبقها وبخيط مشترك من المعنى بين الاثنين. بينما سارت بعض اللغات مسارا آخر تمثّل في قطع دلالي مع مراحل سبقته. وأصبحت اللفظة رمزا وشكلا يطابق معنى حدث من غير رابط مع المعنى الذي كان قائما في تجربة سبقت.

ولعلّ آلية بنية الساميات ، والعربية منها ، في استحداث الألفاظ والمصطلحات على تفعيلات وأوزان ترتدّ جميعها إلى الثلاثي ، منه تنطلق وإليه تعود ، قد فعلت فعلها وتركت طبعها في الحقل الدلالي للألفاظ ، ورسّخت أثر السيرورة التاريخية للأسماء في انبنائها واصطلاحها على معان مستجدة. ولم يعن ذلك أن لغات أخرى تفقد هذا الاتصال ، إنّما المقصود هنا ضعف السيرورة التاريخية في الحقل الدلالي للألفاظ عند لغات واشتداد ذلك في العربية.

إنّ الأبحاث التي شغلت الأمم في عصور ازدهارها وانبثاق الكشوف العلمية لديها ، وتشعّب تجربتها الفكرية والوجدانية ، قد أغنت لغات هذه الأمم بالألفاظ والأسماء والمصطلحات ، فعبّرت اللغة تلك عن المعاني ، وتحدّدت تلك المعاني بخاصية هذه اللغة من دون سواها ، وبحسب الأقوام الذين تناوبت الحضارة والعلم على أيديهم.

ولا مندوحة عن القول إن هذه المعاني حلقة ضرورية أدّت إلى ما بلغه العقل البشري من تطور وكشف. فسيرورة العلم حلقات متصلة بدأت بحاضرات ضفاف الأنهار لتمرّ باليونان والرومان ومن ثمّ العرب والمسلمين ، ولتنتقل بعد حين إلى أوروبا الحديثة بحضارتها ، وبالتالي ، امتدادها إلى أميركا والعالم ، في بوتقة عصرية مذهلة بلغ فيها العلم وأنماط المعرفة ووسائلها مبلغا مدهشا يرسّخ ذاك التطور والترقي للانسان واستخدامه الطبيعة لصالحه أفضل استخدام ، في عمل دءوب لراحته وسعادته وطول بقائه.

وعند العودة إلى ما بدأناه كيف يمكن لهذه العلوم ومعانيها الحادثة عند الآخر أن تتحقّق عند العرب من غير أن تنسكب في وسائط ترسّخها في الفهم والأذهان؟. ومن غير اللغة القومية وسائط تطال الجمهور والمثقفين وتشمل العامة والخاصة ، فتحدث نقلة معرفية في الشعب ، بمثل ما تغتني هي كلغة قائمة وفاعلة ، إذ إن بقاء العلم منسكبا بلغة من صنع ذاك العلم يؤدّي إلى استقطاب النخب من أهل العربية ، لتتحوّل لغة

١٥

العلوم والفكر لديهم إلى الانكليزية أو الفرنسية والألمانية واليابانية. وقد يوصل ذلك إلى تعميق الثغرة بين الشعوب فتحدّ عن المشاركة في العلم ، وعن وسائله وحسن استخدامها ، ممّا يجعل الانسانية في مأزق حضاري لاحق يماثل ردّات الأعراب والبرابرة على الحضارات ؛ وقد يفقد الترقي الحضاري الراهن تميّزه الحر المبدع السلمي عما سبقه من تجارب انسانية عريقة.

ولا غرابة أن تتمثل عظمة العرب والمسلمين فيما رافق عنفوان الحضارة عندهم ودرايتهم في شتى أشكال العلم. وقد أغنى كل ذلك مفردات العربية والأسماء والمصطلحات. فعبّرت عن ذلك الغنى في تراث بقي منه بعض المدوّنات والأعمال الموسوعية كتلك التي نبرزها ونحقّقها.

كما وأنّ كسوف العلم وانتقاله إلى غيرهم ترابط مع تحوّله عنهم واضمحلال العمران وجمود المعاني التي عكست نفسها على جمود الألفاظ والمصطلحات ، حيث ذكر ابن خلدون في مقدمته : «اعتبر ما قرّرناه بحال بغداد وقرطبة والقيروان والبصرة والكوفة لمّا كثر عمرانها صدر الاسلام واستوت فيها الحضارة كيف زخرت فيها بحار العلم وتفنّنوا في اصطلاحات التعليم وأصناف العلوم واستنباط المسائل والفنون حتى أربوا على المتقدمين وفاتوا المتأخرين ، ولما تناقص عمرانها وابذعر سكانها انطوى ذلك البساط بما عليه جملة وفقد العلم بها والتعليم وانتقل إلى غيرها من الأمصار» (١).

ومما لا بدّ من الوقوف عليه في طبيعة العربية وطبعها السامي ، ذاك النسق الذي هو عليه حقل دلالة الفاظها ، في ذاك التواصل والاتصال فيما بين الدلالات على تشعّب العلوم واختلافها واجتياز اللفظ من معنى إلى آخر ومن مصطلح إلى سواه. ولا سيما أنّ نقل المفاهيم والمعاني المستجدّة الحادثة من لدن معطيات الشعوب وتجاربها ، ومن نبعات الآخر ، لا ينقطع عن تجربة اللغة بألفاظها والمصطلح ، إبّان سيرورتها وتجربتها العلمية واللغوية ، وإلا كان تفلّتا لا يتوافق مع سنة التطور وطبع العربية وانغراس الفهم في الأذهان على قدر اللغة المعاشة المعبّرة ، وعلى معطى اللاوعي المعرفي المنبث في الضمير والتجربة والعادات والمخيّلة ، والتعليم والتربية (٢).

إنّ الاقرار بفاعلية العودة إلى دراسة المفردات والمصطلحات المعبّرة عن علوم

__________________

(١) ابن خلدون ، المقدمة ، بيروت ، دار احياء التراث العربي ، د. ت. ، ص ٤٣٤.

(٢) العجم ، رفيق ، أثر الخصوصية العربية في المعرفية الإسلامية ، بيروت ، دار الفكر اللبناني ، ١٩٩٤ ، الفصل الأول.

١٦

بادت أو تمّ تخطيها ، وعن تجارب معرفية ووجدانية فقدت تأثيرها ، حلقة وصل ضرورية في حياة اللغة ، ومرحلة تواصل ذهني مع ما هو قابع وأداة فهم استقطابا للجديد بخيط دلالي يصل الماضي بالحاضر ، لا تنفك العربية عنه.

حقول دلالة العربية :

إنّ العربية بمفرداتها والأسماء عبّرت عن جملة معطيات ومعان ، فقد كانت أداة للتعبير عن العرفان في كل معطاه الوجداني والعاطفي واللاواعي ، بمثل ما كانت أداة فهم للاحساس الفطري الأول في حياة الناطقين بها. ومن ثمّ انتقلت لتشكّل اشارات وحروفا للفكر والتجريد ، فاستعدّت لاستقبال معاني الغير. وهنا في خضم إعمال العقل والفهم وتلقّي المجردات من الخارج انسكبت كل تلك المعاني في قوالب اللغة بعد تلقيها في الأذهان وانطباعها بها ، وبالتالي تمّ اتسامها ـ تصورات الغير ـ بطبع العربية أيضا وبنيتها ، هذه العربية في مبناها لا تنفك عن ذهنية صانعيها وناطقيها.

وهكذا تنجدل الأمور برباط معقّد متفاعل بين ما في الأذهان وما في اللسان انطلاقا مما في الأصوات والأعيان.

ولا بدّ من تمييز الذهن عن العقل ، فالذهن في اللسن : «الفهم والعقل ... وحفظ القلب» (١). إذا هو يجمع عملية الفهم والتفكير والقلب ، أي الوجدان وما هو قابع في النفس بحسب المعطيات النفسية الحديثة ، لذا كان العقل تبعا لدلالة العربية : الجمع للأمر والرأي ، والربط والتثبّت من الأمور. وكان الذهن أوسع نطاقا من هذا ، وهنا نتلاقى مع التمييز الفرنسي التقليدي بين العقل المكوّن الفاعل la raison constituante وبين العقل المكوّن المنفعل المشيّد السائد la raison constituee. الأول يمثّل النشاط المخي الذي يقوم به الفكر بالربط والجمع ، حيث يستخرج الانسان تصورات من ادراك العلاقات بين الأشياء. أما الثاني فهو مجموع المبادئ والقواعد المعتمدة في التفكير أو الاستدلال (٢). هذه القواعد تتأتّى من خارج فعل الفرد وفردية نشاط مخه.

لهذا هي أقرب لمعنى الذهن أي العقل المكوّن المشيّد الذي يمارس دوره كاستعداد للادراك ، أي إنّه محل المدركات. وهنا يتلاقى مع معنى Mentalite بوجهته النفسية في بعض المناحي.

__________________

(١) ابن منظور ، لسان العرب ، مادة ذهن.

(٢) ١٩٦٨.P. ٨٨٣ Lalande. A. Vocabulaire technique et critique de la philosophie. Paris. P. U. F.

١٧

ولا ضير إن مررنا لماما على بعض هذه التوضيحات والتعريفات لتبيان علاقة المفاهيم والمعاني باللسان ، وكيفية بناء الصياغة اللفظية والحكم على حقيقة من الحقائق أو تصور اصطلاح من المصطلحات فيما يخصّ الانسان ، أنّى كان زمانه أو مكانه ، ولا سيما أن لغة العلوم تعود للإنسانية جمعاء في سيرورتها والابداع. ومن ثمّ تنسكب في هذه اللغة أو تلك.

حتى أن الاسميين بدءا بالرواقية وانتقالا إلى أهل البيان المسلمين وخاصة ابن تيمية (٦٦١ ـ ٧٢٦ ه‍) وصولا إلى الأوروبيين المعاصرين ، جعلوا الحقيقة العلمية ومحصلة التجارب والتصورات تقوم في الأسماء وتعرف من خلالها وبالألفاظ ، وان الحقيقة المتجسدة قائمة في الألفاظ ، فلا عجب أن ينكبوا انكبابا واسعا على بيان العلاقات المنطقية القائمة في قضايا اللغة وعلاقة المفردات والكلام.

ولعلّ علم الدلالة أو حقل المعنى من أدق العلوم ، إذ هو يبحث في العلاقة بين المعنى والمبنى ، بينما ذهبت اللغويات الحديثة لدراسة العلاقة في داخل المبنى للغة.

علما أن دراسة المبنى بما هو مبنى يساعد في فهم عمليات الصياغة وبناء العربية وبنيتها الشكلية. إلا أن دراسة عقل المعنى وعلم الدلالة متعلّق تعلقا مباشرا بموضوع تحقيقنا للكشاف.

ولقد أدرك العرب والمسلمون أهمية هذه المباحث فاحتفلوا بعلمي أصول الفقه والمنطق احتفالا ظاهرا ، وذهب بعضهم إلى اعتبار تمايز العلوم في نفسها إنّما هو بتمايز الموضوعات. فصدّروا العلم بما عرف عندهم بالمبادئ والمقدمات. فكانت معرفة العلم بمعرفة حدّه تمييزا للمفهوم ، وبمعرفة الموضوع تمييزا للذات.

والملفت للنظر أنّ للفظ الواحد والمصطلح الواحد أحيانا عدة مفاهيم وكثرة من المعاني ، حتى تكاد اللفظة الواحدة تضج في تشعّب دلالاتها. وهذا الأمر يسري في معظم اللغات وبحسب اختصاص كل علم وفن وتباين حقله عن الآخر. إلا أنّ دراسة معمّقة في علم الدلالات تكشف لنا عن ذاك الخيط المشترك بين الدلالات ، فتفتح الأفق أمام المحلّل والأناسي واللغوي لدراسة واسعة لطبع العربية وذهن ناطقيها وطبيعة تاريخ العلم وكيفية صدوره.

ولهذا كله يمثّل كشاف المصطلحات عدة أدوار علمية ، فهو حلقة وصل واتصال لنحت المصطلح المستحدث. كما أنّه أرض خصبة لدراسة تاريخ العلم والموروث

١٨

الثقافي برمته ، وفي الوقت عينه معلمة مرجعية لعلماء ومراجع وكتب وآراء متعددة منتشرة على امتداد قرون الحضارة العربية والاسلامية.

بنية العربية وقابليتها للتحديث :

لقد طلع علينا زكي الأرسوزي في تصويره عبقرية العربية برأي مفاده أن تأسيس الدلالة ارتكز على عمليتين : تقليد الطبيعة وتصويرها ، والتعبير عن المشاعر النفسية الداخلية للفرد. فالأصوات ثم الأسماء بالعربية حدثت من الثنائي إلى الثلاثي ونشأت من خلال هذين البعدين.

ومع بداية القرن العشرين ميّزت الوضعية المنطقية (١) بين وظيفتين رئيسيتين للغة :

احداهما هي الوظيفة المعرفية التي تستخدم اللغة فيها كأداة تشير إلى وقائع وأشياء موجودة في العالم الخارجي ، ولا يتعدى دور اللغة غير هذا التصوير لتلك الوقائع والأشياء. أما الوظيفة الثانية للغة فهي الوظيفة الانفعالية ومؤدّاها أنّ الانسان يستعمل اللغة أحيانا للتعبير عن مشاعر وانفعالات تجول في نفسه. ويدخل في اطار هذه المشاعر العبارات التي تعالج مسائل الأخلاق والجمال والماورائيات. فلا عجب إن صنّفنا العدد الكبير من المصطلحات في الكشاف الذي بين أيدينا ضمن دائرة مسائل الأخلاق والماورائيات والمشاعر النفسية التي تبدّت عند الصوفي أو غيره.

__________________

(١) شكّلت جماعة فيينا حلقة ذات توجه فلسفي علمي لغوي. من أشهر أعلامها شليك Schlick وفايزمن Waismann وفتغنشتين Wittgenstein وغيرهم مثل كارناب Carnap وفايجل Feigl وكرافت Kraft وآير Ayer. اضافة إلى هؤلاء سارت مدرسة آكسفورد بهذا المنحى ، ومن أشهر ممثليها أوستن Austin ورايل Ryle وستراوسون Strawson وهيرت Hart وهامبشير Hampshir وهيرHare. ونويل سميث N.Smith واشعيا برلين I.Berlin وسواهم ك رسل Russell. وشكّل هؤلاء الأفراد من الوضعيين واللغويين توجها معرفيا ، منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي والمنتصف الأول من القرن العشرين ، غرضه التأكيد على الآراء التالية : الفلسفة تحليلية. الفلسفة علمية ، أي هي روابط منطقية لغوية لوقائع جزئية مجرّبة في العلوم. القضايا تحليلية أو تركيبية. كل الماورائيات والأفكار القبلية الداخلة على التجربة لغو.

ثم ان الاتجاه اللغوي شدّد على أن اللغة العادية هي الصحيحة ومعاييرها تساعد بصورها واشاراتها على تحقيق الوظيفتين المعرفية والانفعالية للغة فقط.

إن التفريق بين المعنى الدلالي والاشاري يتم خلال التجربة والعلاقة المنطقية الخاصة باللغة.

إن هذه الواقعية التي اتسم بها هذا التوجه تساعد في منهجها والنتائج على فهم عمليات وضع المصطلح في اللغة العربية ، وتؤازر على ادراك ذاك التحول بين الدلالة العادية للفظ ودلالته الاصطلاحية وكيف استخدم العرب والمسلمون اللغة العادية والمعايير البنائية للسانهم في صياغة التصورات العلمية ، بمثل ما يؤيّد ذلك التعرف على موقع الاصطلاح والمصطلحات في اطار أي وظيفة للغة ، ولا سيما أنّ الألفاظ والاصطلاحات المعتقدية والصوفية تغزر في العمل الذي بين أيدينا.

١٩

والمتبحّر في فضاء العربية يجد بوضوح كيف استفاد المجتهد والفقيه والعالم والعارف من اللغة العادية ومن الأسماء العربية. فغدا الاسم مثقلا بدلالات عدة سبق للمنطق التقليدي أن أطلق عليها الأسماء المتفقةHomonymes ، وقصد بها ما كان اسما مشتركا لمعان مختلفة.

أما معنى كلمة عادي فهي ما يقابل ضمنا غير المألوف والسوي والاصطلاحي والشعري والرمزي. وتعني كلمة عادي المشترك والمألوف عند العامة والمتداول على كل لسان ، لكن هل كل ذلك يتعارض مع الأساليب والأسماء المعتمدة لدى قلة من الناس اصطلحوا عليها في مضمار الفنون والرموز والعلوم؟ (١) وشكلوا الخاصة وأهل النظر. فلقد حرث المصطلح ولغة العلم في العربية حرثا عميقا ومديدا. إذ تمثّل عمقه في تحويل الأسماء بدلالتها الحسية ثمّ الدينية إلى دلالة اصطلاحية عبّرت عن كل علوم من سبق على الحضارة العربية والاسلامية تقريبا مضيفة ما كان من عنديات عقول تلك الحضارة والابداعات والاضافات والتبديّات (٢) والمشاعر. وتحصّل مديد المصطلح من طول عمر تلك اللغة العربية وانتشارها الزماني ، بحيث يشكل اللسن العربي تاريخيا بين اللغات لسنا معرقا قديما امتد عشرات القرون ولم يزل حيا قادرا على الاستقطاب.

كل هذا يمكن أن نخلص من خلاله إلى عدم التعارض بين اللغة العادية والاصطلاحية.

بيد أنّ الأقدمين تنبهوا إلى مثل هذه العملية داخل اللغة واستخرجوا منها تلك التفعيلات والأوزان الضابطة ؛ التي اعتبر ابن جني في خصائصه أنّها قوالب لصياغة التصورات ، ودالات لتمييز الأفكار والمعاني ، ومنحوتات تقولب خلالها ابداعات المفاهيم ومستحدثاتها.

ثم أبرزها العلائلي عصريا في مقدمته وخرّج بها الكثير من التفنينات والعلوم العصرية.

كما أنّ ابن رشد الفيلسوف وعاها كنحت اصطلاحي وتفسير وتأويل تصوري ، فقال بصحتها : على أن لا تخل بعادة لسان العرب. جاعلا من العادة الضابط التقعيدي ، منعا من التفلت. ولعلّ هذا الضابط هو ذاك الجسر بين اللغة العادية واللغة الاصطلاحية.

__________________

(١) ١٩٥٣ ،. ١٦٧. Ryle, G., Ordinary Language, The Philosophical Review, V, LXII,

(٢) نطلق كلمة تبديات على ما بدا للنفس فيوافق ذلك الوظيفة الانفعالية للغة ويماثل الفلسفة الظواهرية والظاهراتية Phenomenologie.

٢٠