موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ١

محمّد علي التهانوي

موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ١

المؤلف:

محمّد علي التهانوي


المحقق: الدكتور علي دحروج
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

كالمرآة في كفّ الأشل. وكلما كان تركيب وجه التشبيه خياليا كان أو عقليا من أمور أكثر كان التشبيه أبعد لكون تفاصيله أكثر كقوله تعالى (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ) (١) الآية. وقد يتصرف في التشبيه القريب بما يجعله غريبا نحو قول الشاعر (٢)

عزماته مثل النجوم ثواقبا

لو لم يكن للثاقبات أفول

أي غروب. وهذا التشبيه يسمّى بالتشبيه المشروط ، وهو التشبيه الذي يقيّد فيه المشبّه أو المشبّه به أو كلاهما بشرط وجودي أو عدمي أو مختلف يدلّ عليه بصريح اللفظ كما في البيت السابق ، أو بسياق الكلام نحو هو بدر يسكن الأرض ، فإنّه في قوة ولو كان البدر يسكن الأرض ، وهذه القبّة فلك ساكن أي لو كان الفلك ساكنا.

التقسيم الرابع

باعتبار الغرض فالتشبيه بهذا الاعتبار إمّا مقبول وهو الوافي بإفادة الغرض كأن يكون المشبّه به أعرف الطرفين بوجه الشّبه في بيان الحال أو أتمّهما فيه ، أي في وجه الشبه في إلحاق الناقص بالكامل ، أو كأن يكون مسلّم الحكم فيه ، أي في وجه الشبه معروفا عند المخاطب في بيان الإمكان أو التزيين أو التشويه ، وإمّا مردود وهو بخلافه ، أي ما يكون قاصرا عن إفادة الغرض وقد سبق في بيان الغرض. ثم التسمية بالمقبول والمردود بالنظر إلى وجه الشّبه فقط مجرد اصطلاح ، وإلاّ فكلما انتفى شرط من شرائط التشبيه باعتبار الوجه أو الطرف فمردود ، لكن بعد الاصطلاح على جعل فائت شرط الوجه أو الطرف مقبولا لإفادة الغرض لا يقال الوفاء بالغرض لا يوجد بدون اجتماع شرائط التشبيه مطلقا. هذا كله خلاصة ما في الأطول والمطول.

فائدة :

القاعدة في المدح تشبيه الادنى بالأعلى وفي الذم تشبيه الأعلى بالأدنى لأن المدح مقام الأعلى والأدنى طارئ عليه [والذم بالعكس ،] (٣) فيقال في المدح فصّ كالياقوت وفي الذمّ ياقوت كالزجاج ، وكذا في السلب ، ومنه قوله تعالى (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) (٤) أي في النزول لا في العلوّ ، وقوله تعالى (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (٥) أي في سوء الحال ، أي لا نجعلهم كذلك. نعم أورد على ذلك مثل نوره كمشكاة فإنّه شبّه فيه الأعلى بالأدنى لا في مقام السلب ، وأجيب بأنه للتقريب إلى أذهان المخاطبين ، إذ لا أعلى من نوره ، فيشبّه به كذا في الاتقان. أقول هكذا أورد في تشبيه الصلاة على نبينا وآله صلى الله عليه وعليهم وسلّم بالصلاة على إبراهيم وآله بأن الصلاة على نبينا أكمل وأعلى لقوله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٦) ولقوله تعالى (هُوَ الَّذِي

__________________

(١) يونس / ٢٤.

(٢) هو محمد بن ابراهيم بن يحي بن علي الأنصاري الكتبي ، جمال الدين المعروف بالوطواط. ولد بمصر عام ٦٣٢ هـ / ١٢٣٥ م. وتوفي بالقاهرة عام ٧١٨ هـ / ١٣١٨ م. أديب مترسل من العلماء. له عدة تصانيف. الاعلام ٥ / ٢٩٧ ، الدرر الكامنة ٣ / ٢٩٨ ، تاريخ آداب اللغة ٣ / ١٣٢ ، كشف الظنون ١٨٤٦.

(٣) [والذم بالعكس] (+ م ، ع).

(٤) الأحزاب / ٣٢.

(٥) ص / ٢٨.

(٦) الاحزاب / ٥٦.

٤٤١

يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) (١) الآية. ولأنّ نبينا عليه الصلاة والسلام سيد المرسلين بالإجماع لا خلاف فيه لأحد من المؤمنين ، فالصلاة عليه أشرف وأكمل وأعلى بلا ريب فيلزم تشبيه الأعلى بغير الأعلى. وأجيب عن ذلك بوجوه :أوّلها أنّ إبراهيم على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام دعا لنبينا حيث قال (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ) (٢) الآية وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أنا دعوة إبراهيم) (٣) الحديث ، فلما وجب للخليل على الحبيب حق دعائه قضى الله تعالى عنه حقّه بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيمة. وثانيها أنّ إبراهيم سأل ربه بقوله (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (٤) يعني ابق لي ثناء حسنا في أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، فأجابه الله تعالى إليه وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاء للثناء الحسن عليه في أمته. وثالثها أنّ إبراهيم أبو الملّة لقوله تعالى (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (٥) الآية ولقوله تعالى (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (٦) الآية ، وغيرها من الآيات. ونبينا عليه‌السلام كان أبا الرحمة لقوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (٧) الآية فلمّا وجب لكل واحد منهما عليهما‌السلام حقّ الأبوة وحقّ الرحمة قرن بين ذكريهما في باب الصلاة والثناء. ورابعها أنّ إبراهيم كان منادي الشريعة في الحجّ وكان نبينا عليه‌السلام منادي الدين لقوله تعالى (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) (٨) الآية ، فجمع بينهما في الصلاة. وخامسها أنّ الشّهرة والظهور في المشبّه به كاف للتشبيه ، ولا يشترط كون المشبّه به أكمل وأتمّ في وجه التشبيه. وكان أهل مكّة يدينون ملة إبراهيم على زعمهم وكان أكثرهم من أولاد إسماعيل وإسماعيل بن إبراهيم ، وكان إبراهيم مشهورا عندهم وكذلك عند اليهود والنصارى لأنهم من أولاد إسحاق وهو ابن إبراهيم أيضا ، فكلّهم ينسبون إلى إبراهيم عليهم‌السلام. وسادسها بعد تسليم الاشتراط المذكور يكفي أن يكون المشبّه به أتم وأكمل ممن سبق أو من غيره ، ولا يشترط كونه أتمّ من المشبّه كما في قوله تعالى (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) (٩) الآية. هكذا في التفسير الكبير وشرح المشكاة (١٠) ومدارج النبوة.

اعلم أنّه في جامع الصنائع يقول : إنّ التشبيه ينقسم إلى قسمين : الأول : مرعي ، يعني أنّ المشبّه والمشبّه به كلاهما من الأعيان ، أي الموجودات كما في تشبيه السالفة بالليل والشفة بالسكر. والثاني : غير مرعي : وهو أن يكون المشبّه به ليس من الموجودات ، ولكن من الممكن أن يكون كما في تشبيه العمود المدبّب

__________________

(١) الاحزاب / ٤٣.

(٢) البقرة / ١٢٩.

(٣) اخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ١ / ٣٩ ، عن الضحاك ، وتمامه : أن النبي قال : انا دعوة ابراهيم قال وهو يرفع القواعد من البيت : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ، فقرأ الآية حتى أتمّها ، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور ١ / ١٣٩ ، عن الضحاك ٥ / ٢٠٧ ، واخرجه البيهقي في دلائل النبوة ١ / ٦٩.

(٤) الشعراء / ٨٤.

(٥) الحج / ٧٨.

(٦) البقرة / ١٣٥.

(٧) الاحزاب / ٦.

(٨) آل عمران / ١٩٣.

(٩) النور / ٣٥.

(١٠) لعبد الحق بن سيف الدين بن سعد الله أبي محمد الدهلوي (ـ ١٠٥٢ هـ). إيضاح المكنون ٣ / ٨٨ ، هدية العارفين ١ / ٥٠٣.

٤٤٢

الرأس «ويشعل في الحرب» بالجبل وكانون النار «المصنوع من النحاس» كأنّه بحر من الذهب.

ثم إنّ التشبيه على أنواع : أحدها : التشبيه المطلق ، وهو الذي ذكرت فيه أداة التّشبيه وهي في اللسان العربي : الكاف ، وكأنّ ، ومثل ، ونحو ذلك وفي الفارسية : چون «مثل» «ومانند» «مثل» و «گوئي» «كأنك تقول» وما أشبه ذلك. مثال التشبيه المطلق :

عيناك قاهرة كالنار وجودك جار كالماء

وطبعك صاف كالنسيم وحلمك ثابت كالطين (الأرض)

الثاني : تشبيه مشروط بأنّ يكون شيء يشبه شيئا آخر ومتوقّف على شرط مثاله : إنّي اسمّي قامتك الجميلة سروا ولكن بشرط أن يكون للسّرو غنج ودلال. حينما تخطرون في الحديقة لا يبلغ الورد إلى مستوى رائحتكم ولكن السّرو يستطيع مصارعة قامتكم لو كان غير مقيّد.

الثالث : التشبيه بالعكس : وهو أن يشبّه شيء بشيء في وصف.

ثم يعود فيشبّه المشبّه به في صفة بالمشبّه مثاله : لقد أضاء سطح الأرض من لمعان الحديد في حوافر خيله حتى بدت كالفلك.

وصار الفلك من غبار جيشه كالأرض مملوءا بالعجاج. مثال آخر :

كرة الأرض من بهاء طلعتك تسامي الفلك في سمّوه

والفلك الدوار من غبار حصانك اتخذ الأرض شعارا

الرابع : تشبيه الإضمار وهو إيراد شيئين يمكن التشبيه بهما دون ذكر التشبيه ، ثم ذكر ألفاظ تجعل السامع يظنّ أنّ المراد هو شيء آخر. وهنا يقع الإيهام والغموض بأنّ المراد هو التشبيه.

ومثاله : إن تحركي سالفك فسأملأ الدنيا هياجا.

أجل : فالمجنون يزيد هيجانه إذا حرّك أحد قيوده.

الخامس : التشبيه بالكناية. أي أن يشبّه شيء بشيء دون ذكر اسمه صراحة ، يعني يكنّى عن المشبّه به ولا ذكر للمشبّه أو المشبّه به في الكلام ، ولكنه يفهم من السّياق ، ومثاله : نزلت من النرجس (قطرات) من اللؤلؤ وسقّت الورد وهزّت العنّاب بحبات من البرد الذي يبهج النفس (الروح).

السادس : تشبيه التفضيل وهو أن يشبّه شيئا بآخر ثم يرجع عن ذلك فيشبّه المشبّه به بالمشبّه مع تفضيل المشبّه ومثاله : أنت كالقمر ولكن أي قمر إنّه متكلّم. أنت كالسّرو ولكن سرو مغناج.

السابع : تشبيه التّسوية : أن يشبّه شيء بشيء آخر يساويه في الصفة انتهى. ويقول في مجمع الصنائع : إنّ تشبيه التسوية حسب ما هو مشهور هو أن يعمد الشاعر إلى صفة من صفاته صفة مماثلة من أوصاف محبوبه فيشبههما بشيء آخر. وأمّا الطريق غير المشهور فهو أن يشبّه الشاعر شيئين بشيء واحد (١). ومثال هذين النوعين في بيت من الشعر العربي وهما :

__________________

(١) بدان كه در جامع الصنائع گويد جملة تشبيهات بر دو نوع است يكى مرعى كه مشبه ومشبه به هر دو أز اعيان يعنى از موجودات باشند چون تشبيه زلف بشب ولب بشكر دوم غير مرعي كه مشبه به از موجودات نباشد فاما امكان وجود دارد چون تشبيه گرز به كوه مبين ومشعل آتش به دريائى زرين. ونيز تشبيه هفت نوعست يكى تشبيه مطلق يعنى آنكه در وى حرف تشبيه آرد وآن در عربي كاف وكأنّ ومثل ونحو ومانند آن ودر فارسي چون ومانند وگوئي ومشابه آن مثاله بيت.

چشم تو قاهر چو نار جود تو سائل چو آب

طبع تو صافي چو باد حلم تو ثابت چو طين

دوم تشبيه مشروط كه چيزى را به چيزى مانند كند وموقوف بر شرط دارد مثاله شعر.

سرو خوانم قد زيباى ترا

ليك اگر در سرو رعنائى بود

٤٤٣

صدغ الحبيب وحالي

كلاهما كالليالي

ثغوره في صفاء

ودمعي كاللآلي

والتشبيه عند أهل التصوّف عبارة عن صورة الجمال ، لأنّ الجمال الإلهي له معان وهي الأسماء والأوصاف الإلهية ، وله صورة وهي تجليّات تلك المعاني فيما يقع عليه من المحسوس أو المعقول. فالمحسوس كما في قوله عليه‌السلام «رأيت ربي صورة شاب أمرد» (١). والمعقول كقوله تعالى «أنا عند ظنّ عبدي بي فليظن بي ما شاء» (٢) وهذه الصورة هي المراد (٣) بالتشبيه ، وهو في ظهوره بصور جماله باق على ما استحقه من تنزيه. فكما أعطيت الجناب الإلهي حقّه من التنزيه فكذلك أعطه من التشبيه الإلهي حقّه.

واعلم أنّ التشبيه في حقّ الله تعالى حكم بخلاف التنزيه ، فإنه في حقّه أمر عيني ولا يدركه إلاّ الكمّل. وأمّا من سوههم من العارفين فإنما يدرك ما قلنا إيمانا وتقليدا لما تقضيه صور حسنه وجماله ، إذ كل صورة من صور الموجودات هي صورة حسنه ، فإن شهدت الصورة على الوجه التشبيهي ولم تشهد شيئا من التنزيه فقد أشهدك الحق حسنه من وجه واحد ، وإن أشهدك الصورة التشبيهية وتعلّقت فيها التنزيه الإلهي فقد أشهدك الحقّ جماله وجماله من وجهي التشبيه والتنزيه (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٤). واعلم أنّ للحق تشبيهين : تشبيه ذاتي

__________________

مثال ديگر شعر.

چون تو به باغ بگذرى گل نرسد به بوى تو

ليك رسد به قامتت سرو اگر روان بود

سيوم تشبيه بعكس كه چيزى را مانند كند به چيزى در صفتى باز مشبه به را در صفتى بمشبه تشبيه كند مثاله

از نعل مركبانش زمين مه نما چو چرخ

وز گرد لشكرش چو زمين چرخ پرغبار

مثال ديگر شعر.

گرد زمين ز فرّ قدومت فلك مجال

گرد فلك ز گرد سمندت زمين شعار

چهارم تشبيه اضمار كه دو چيز قابل تشبيه آرد وذكر تشبيه نكند ودر ميان سخنى آرد وسامع را چنان معلوم شود كه مقصود ازين غرض ديگر است آنكه ربط الفاظ فائده ميدهد وبغموض دريابد كه غرض تشبيه است مثاله شعر.

اگر تو زلف جنباني برآرم شور در عالم

بلى ديوانه پر سوزد چو كس زنجير جنباند

پنجم تشبيه بكنايت كه چيزى را به چيزى مانند كند ونام او را صريحا نبرد يعنى بلفظ مشبه به كنايت كند از مشبه ومشبه در عبارت نباشد ليكن بسياق معلوم گردد مثال آن. شعر

لؤلؤ از نرگس فروباريد وگل را آب داد

وز تگرگ روح پرور مالش عناب داد

ششم تشبيه تفضيل كه چيزى را به چيزى تشبيه نمايد وباز از آن رجوع كرده مشبه را بر مشبه به تفضيل دهد مثاله شعر.

توئى چون ماه اما ماه گويا

توئى چون سرو اما سرو رعنا

هفتم تشبيه تسويه كه چيزى را با چيزى مانند كند ودر صفتي برابر كند انتهى ودر مجمع الصنائع گويد كه تشبيه تسويه بر طريق مشهور آنست كه شاعر صفتى از خود وصفتى از محبوب بيك چيز تشبيه دهد وبر طريق غير مشهور آنست كه مانند كند دو چيز را بيك شيء [ومثال تشبيه تسويه بهر دو معنى مذكورين درين شعر تازي يافته مى شود.

(١) أخرجه البغدادي في تاريخ بغداد ، ١١ / ٢١٤ ، باب عمر بن موسى التوزي ، رقم ٥٩٢٤ ، وقال : قال عفان : فسمعت حماد بن سلمة سئل عن هذا الحديث فقال : دعوه ، حدثني به قتادة وما في البيت غيري وغير آخر ، وأخرجه العجلوني في كشف الخفاء ١ / ٥٢٧.

(٢) اخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتّقين ٩ / ١٦٩ ـ ٢٢١ ، ١٠ / ٢٧٧ واخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٢٢ عن وائلة.

(٣) المقصودة (م ، ع).

(٤) البقرة / ١١٥.

٤٤٤

وهو ما عليك (١) من صور الموجودات المحسوسة أو ما يشبه المحسوسة في الخيال ، وتشبيه وصفي وهو ما عليه صور المعاني الأسمائية المنتزعة (٢) عما يشبه المحسوس.

وهذه الصورة تتعقل في الذهن ولا تتكيف في الحسّ ، فمتى تكيفت التحقت بالتشبيه الذاتي ، لأن التكيّف من كمال التشبيه والكمال بالذات أولى فبقي التشبيه الوصفي ، وهو ما لا يمكن التكيّف فيه بنوع من الأنواع ولا حين يضرب المثل. ألا ترى الحقّ سبحانه كيف ضرب المثل عن نوره بالمشكاة والمصباح والزجاجة وكأنّ الإنسان صورة هذا التشبيه الذاتي ، لأن المراد (٣) بالمشكاة صدره والزجاجة قلبه وبالمصباح سرّه وبالشجرة المباركة الإيمان بالغيب ، وهو ظهور الحقّ في صورة الخلق ، لأن معنى الحق غيب في صورة شهادة الخلق ، والإيمان به هو الإيمان بالغيب. والمراد (٤) بالزيتونية الحقيقة المطلقة التي لا تقول بأنها من كلّ الوجوه حقّ ، ولا بأنها من كل الوجوه خلق ، فكانت الشجرة الإيمانية لا شرقية ، فنذهب إلى التنزيه المطلق بحيث ينفى التشبيه ، ولا غربية فنقول بالتشبيه المطلق حتى ينفى التنزيه ، فهي تعصر بين قشر التشبيه ولبّ التنزيه ، وحينئذ يكاد زيتها يضيئ الذي هو يغيبها (٥) فترتفع ظلمة الزيت بنوره ولو لم تمسسه نار المعاينة الذي هو نور عياني ، وهو نور التشبيه على نور الإيمان ، وهو نور التنزيه يهدي الله لنوره من يشاء. فكان هذا التشبيه ذاتيا ، وهو وإن كان ظاهرا بنوع من ضرب المثل فذلك المثل أحد صور حسنه. فكلّ مثل ظهر فيه الممثّل به فإنّ المثل أحد صور الممثّل به لظهوره به ، كذا في الإنسان الكامل.

التّشديد : [في الانكليزية] Digreion ، doubling of a letter ـ [في الفرنسية] Digreion ، doublement dune lettre

كالتصريف في العرف اسم للكيفية العارضة للحرف بالإدغام ويقابله التخفيف. وعند أهل البديع هو التضمين ويسمّى أيضا بالإعنات والالتزام ولزوم ما لا يلزم.

تشرى : [في الانكليزية] Tishri (october in Hebrew calender) ـ [في الفرنسية] Tichri (october dans le calandrier juif)

بالفتح وسكون الشين المعجمة وكسر الراء اسم شهر في التقويم اليهودي (٦)

التشريح : [في الانكليزية] Anatomy ـ [في الفرنسية] Anatomie

بالراء المهملة في اللغة إظهار الشيء وكشفه. يقال شرحت الغامض إذا فسّرته ومنه تشريح اللحم. وفي اصطلاح الأطباء عبارة عن علم تعرف به أعضاء الإنسان بأعيانها وأشكالها وأقدارها وأعدادها وأصنافها وأوضاعها ومنافعها. والمناسبة بين المعنيين لا تحتاج إلى التشريح. وأما العلم بكيفية مباشرة التشريح فهو علم آخر يسمّى بعلم التشريح المشتمل عليه كتاب جالينوس ، كذا في شرح القانونچة.

التّشريع : [في الانكليزية] Broken or reinforced rhyme ـ [في الفرنسية] Rime brisee ou renforcee

كالتصريف عند أهل البديع من المحسنات اللفظية ويسمّى أيضا بالتوشيح وبذي القافيتين.

__________________

(١) عليه صور (م).

(٢) المنزهة (م).

(٣) المقصود (م ، ع).

(٤) المقصود (م ، ع).

(٥) يقينها (م).

(٦) تشرى بالفتح وسكون الشين المعجمة وكسر الراء المهملة نام ماهى است در تاريخ يهود.

٤٤٥

وسمّاه ابن الأصبع التوأم ، وسمّاه أهل الفرس بالمتلوّن ، وهو أن يبني الشاعر بيتا ذا قافيتين على بحرين أو ضربين من بحر واحد ، فعلى أي قافية وقعت كان شعرا مستقيما ؛ والاقتصار على القافيتين من قبيل الاقتصار على الأقل ، إذ يجوز أن يبني على أكثر من قافيتين. فمثال ما بني على القافيتين :

يا خاطب الدنيا الدّنيّة إنها

شرك الرّدى وقرارة الأكدار

دار متى ما أضحكت في يومها

أبكت غدا بعدا لها من دار

فإنّ البيتين من الكامل والقافية الأولى الرّدى وحينئذ قرارة الأكدار مستزاد ، وابتداء المصراع الثاني من قوله دار وانتهاؤه غدا وبعدا لها من دار مستزاد ، والقافية الثانية الأكدار وابتداء الثاني من قوله دار وانتهاؤه من دار ومثال ما بني على الأكثر من القافيتين قول الحريري :

جودي على المستنهر الصّبّ الجوي

وتعطّفي بوصاله وترحّمي

ذا المبتلى المتفكّر القلب الشّجي

ثم اكشفي عن حالة لا تظلمي

فالقافية الأولى الجوي والشجي والثانية تعطفي وثم اكشفي والثالثة ترحمي وتظلمي.

واعلم أنّه زعم قوم اختصاص التشريع بالشّعر على ما يشعر على ذلك التعريف المذكور وتسميته بذي القافيتين. وقيل بل يكون في النشر أيضا بأن يبنى على سجعتين لو اقتصر على الأولى منهما كان الكلام تاما مفيدا ، وإن ألحقت به السجعة الثانية كان في التامية والإفادة على حاله مع زيادة معنى ما زاد من اللفظ ، مثاله الآيات التي في أثنائها ما يصلح أن تكون فاصلة كقوله تعالى (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) وأشباه ذلك ، هكذا يستفاد من المطول والإتقان في نوع الفواصل.

التشريق : [في الانكليزية] Meat drying ـ [في الفرنسية] Sechage de la viande

تقديد اللّحم ، ومنه أيام التشريق وهو ثلاثة أيام بعد يوم الأضحى ، وأيام النحر ثلاثة أيام من يوم الأضحى ، والكل يمضي بأربعة أولها نحر لا غير وآخرها تشريق لا غير ، والمتوسطان نحر وتشريق ، كذا في الهداية. وتكبيرات التشريق هي هذه : الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، وهي واجبة مرّة عقيب كلّ صلاة [أدّيت] (١) بجماعة مستحبّة من صلاة الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، كذا في شرح الوقاية وغيرها.

تشرين الاول : [في الانكليزية] October ـ [في الفرنسية] Octobre

وتشرين الآخر اسم شهرين من أشهر التقويم الرومي (٢)

التّشطير : [في الانكليزية] Using of a different rhyme for every hemisE ـ [في الفرنسية] Emploi d\'une rime differente pour chaque hemistE

كالتصريف عند بعض أهل البديع قسم من السجع كما عرفت في باب السين المهملة وهو جعل كلّ شطري البيت سجعة مخالفة لأختها ، أي للسجعة التي في الشطر الآخر. وقولنا سجعة مفعول ثان للجعل بناء على أنه يجوز أن يسمّى كل فقرتين مسجعتين سجعة ، تسمية للكل

__________________

(١) أدّيت (+ م ، ع).

(٢) تشرين الاول وتشرين الاخر هر دو اسم دو ماهى اند در تاريخ روم.

٤٤٦

باسم الجزء كقول الشاعر (١)

تدبير معتصم بالله منتقم

بالله مرتغب في الله مرتقب.

مرتغب أي راغب فيما يقرّبه من رضوان الله مرتقب أي منتظر ثوابه أو خائف عقابه.

فالأول سجعة مبنية على الميم والثاني على الباء كذا في المطوّل.

التّشعيث : [في الانكليزية] Change in the feet of a metre ـ [في الفرنسية] Changement dans les pieds d\'un metre

بالعين المهملة كالتصريف عند أهل العروض هو أن يقطع الوتد المجموع ولا يكون إلاّ في الخفيف والمجتثّ كذا في عنوان الشرف ، ومثله في جامع الصنائع حيث قال : تشعيث افگندن : أن يكون الوتد المجموع متحركا ، وهو مخصوص بفاعلاتن حتى يصير مفعولن (٢). وهكذا في رسالة قطب الدين السرخسي قال : التشعيث إسقاط أحد متحركي فاعلاتن. أما اللام كما هو مذهب الخليل فيبقي فاعاتن فينقل إلى مفعولن ، أو العين كما هو مذهب الأخفش فيبقى فالاتن فينقل إلى مفعولن ، ويسمّى مشعّثا كذا في الجرجاني.

التّشكيك : [في الانكليزية] Synonymy ـ [في الفرنسية] Synonymie

عند المنطقيين كون اللفظ موضوعا لأمر عام مشترك بين الأفراد لا على السواء ، بل على التفاوت ، وذلك اللفظ يسمّى مشكّكا بكسر الكاف المشدّدة ، ويقابله التواطؤ ، وهو كون اللفظ موضوعا لأمر عام بين الأفراد على السّواء ، وذلك اللفظ يسمّى متواطئا. ثم التشكيك قد يكون بالتقدّم والتأخّر بأن يكون حصول معناه في بعض الأفراد متقدما بالذات على حصوله في البعض الآخر كالوجود ، فإنّ حصوله في الواجب قبل حصوله في الممكن قبلية ذاتية لأنه مبدأ لما عداه ، ولا عبرة بالتقدّم الزماني في باب التشكيك كما في أفراد الإنسان لرجوعه إلى أجزاء الزمان لا إلى حصول معناه في أفراده ، فلا يقال إنّ زيدا أقدم أو أولى أو أشد من عمرو على ما نقل عن بهمنيار (٣) أنّ معيار التشكيك استعمال صيغة التفضيل ، وقد يكون بالأولوية وعدمها كالوجود أيضا ، فإنه في الواجب أتمّ وأثبت وأقوى منه في الممكن ، والفرق بين هذا والأول أنّ المتأخّر قد يكون أثبت وأقوى من المتقدم ، فإنّ الوجود في الأجسام الكائنة الحادثة في عالمنا هذا أثبت وأقوى منه في الحركة الفلكية المتقدمة عليها تقدما بالذات ، وقد يكون أي التشكيك بالشدّة والضعف كالبياض فإنه في الثلج ، أشد منه في العاج ، إذ تفريق البصر في الثلج أكثر وأكمل منه في العاج ، وكالوجود أيضا فإنّ آثاره في الواجب أكثر منه في الممكن.

اعلم أنّ منهم من نفى التشكيك مستدلا بأنّ التفاوت الذي بين أفراد المشكك إن كان مأخوذا في الماهية أي في مسمّى المشكّك كان مشتركا لفظيا وإن لم يكن فيها بل في عوارضها كان مفهوم اللفظ حاصلا في الكل على السواء ، إذ لا اعتبار بذلك العارض الخارج فيكون متواطئا. والجواب أنّ التفاوت مأخوذ في ماهية ما صدق ذلك المسمّى عليه من الأفراد دون

__________________

(١) هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي ، أبو تمام. ولد بحوران عام ١٨٨ هـ / ٨٠٤ م وتوفي بالموصل عام ٢٣١ هـ / ٨٤٦ م. أحد أمراء البيان ، شاعر أديب ، فصيح حلو الكلام. له عدة تصانيف أدبية هامة. الاعلام ٢ / ١٦٥ ، وفيات الاعيان ١ / ١٢١ ، خزانة البغدادي ١ / ١٧٢ ، معاهد التنصيص ١ / ٣٨.

(٢) تشعيث افگندن متحرك باشد از وتد مجموع وآن مخصوص است بفاعلاتن تا مفعولن شود.

(٣) هو ابو الحسن بن المرزبان ، توفي عام ٥٠٢ ه‍. وهو من تلاميذ الشيخ الرئيس ابن سينا. وقد تتلمذ عليه اللوكرى ابو العباس فضل بن محمد اللوكري وكذلك شرف الزمان محمد الإيلاقي. تاريخ الأدب في ايران ٢ / ٣١٤.

٤٤٧

ماهية مسمّاه ومفهومه ، فلا يلزم التواطؤ لاعتباره في الأفراد ولا الاشتراك لعدم اعتباره في ماهية المسمّى. والحاصل أنّ التفاوت ليس في الماهية ولا في العوارض ، بل في اتصاف الأفراد بها أي بتلك الماهية ، فلا تشكيك في الجسم ولا في السّواد ، بل في أسود. ومعنى كون أحد الفردين أشد أنه بحيث ينتزع العقل بمعونة الوهم أمثال الأضعف ويحلّله إليها ، حتى إنّ الأوهام العامية تذهب إلى أنه متألّف منها. وبيان أنّ المراد (١) بما صدق عليه هل هو الحصص التي هي أفراد اعتبارية له أو الأفراد الحقيقية ، وأنّ مسمّى المشكك هل يجوز أن يكون ذاتيا لماهية الأفراد الحقيقية أولا ، وأنّ وجوه التفاوت داخلة في ماهية الأفراد أو الحصص أو في هوية أحدهما ، وأنّ التشكيك ينحصر بالاستقراء في ثلاثة أقسام مما يحتاج إلى الاطناب وتعمّق الأنظار. هكذا يستفاد من العضدي وحاشيته للسيّد السّند وشرح المطالع وغيرها.

اعلم أنه لا تشكيك في الماهيات بأن تكون الماهية من حيث هي هي متفاوتة بالنسبة إلى الأفراد لأنّ أفراد الماهية كلّها سواء بالنسبة إلى تلك الماهية كالإنسان بالنسبة إلى زيد وعمرو وبكر فإنّ كلها سواء بالنسبة إلى الإنسانية لا تفاوت فيها بنحو من الأنحاء الأربعة المذكورة ، وإن كانت متفاوتة باعتبار الأوصاف المختلفة والمتباينة فإنّ التفاوت بالنسبة إلى ما وراء الأنواع الأربعة المذكورة من الأوصاف والعوارض لا اعتبار له في أمر التشكيك. فالتفاوت المعتبر في التشكيك منحصر في أمور أربعة وكلّها منتف في الماهيات. أمّا انتفاء الأولين فللزوم المجعولية الذاتية ، فلأن صدق الماهية إذا كان على بعض الأفراد علّة لبعض آخر فثبوت الماهية لهذا الآخر يكون بالعلّة مع أنها ذاتية له ، وهذا هو المجعولية الذاتية ، وكذا إذا كان صدقها في البعض أولى من غير افتقار إلى أمر خارج ، وفي الآخر يفتقر إلى الخارج ، فصارت في ثبوتها لما هي ذاتية محتاجة إلى شيء آخر ، وهذا عين معنى المجعولية الذاتية. وأمّا انتفاء الأخيرين فلأنّ الأشدّ والأزيد إمّا أن يشتملا على شيء لا يكون في الأضعف والأنقص أو لا ، فعلى الثاني لا يكون الفرق بينهما ، فما وجه كون أحدهما أشد وأزيد والآخر أضعف وأنقص ، وعلى الأول لا يخلو إمّا أن يكون الشيء الذي يشتمل عليه الأشد والأزيد معتبرا في ماهيتهما أو لا ، فعلى الأول تكون ماهيتهما مشتملة على شيء ليس في ماهيتي الأضعف والأنقص فلا تكون ماهيتهما من ماهية الأشد والأزيد لانتفاء الكل بانتفاء الجزء ، فصارا مختلفي الماهية ، فلم تصر ماهية واحدة متفاوتة في الصدق ، فلم يوجد التشكيك فيها. وعلى الثاني يكون التشكيك في الأمر الخارج من (٢) الماهية لا في الماهية.

وأقول أيضا لا تشكيك في العوارض فإنّ العارض هو المبدأ القائم بالشيء كالسواد مثلا لا تشكيك فيه لأنه إن كان مقولا بالتشكيك فإمّا أن يكون تشكيكه بالنظر إلى حصصها التي هي هذا العارض ذاتي لها كالسّوادات الخاصّة في المحال المختلفة فذلك باطل لما مرّ في بطلان تشكيك الماهية ، وإمّا بالنظر إلى معروضه الذي هو الجسم الأسود ، فالسّواد غير محمول عليه لأنّ المعنى المصدري لا يحمل بحمل المواطأة على المعروضات والكلّي المشكك محمول على أفراده بالمواطأة فلا يكون التشكيك إلا في العرضي أي الكلي الخارج المحمول كالأسود

__________________

(١) المقصود (م ، ع).

(٢) عن (م).

٤٤٨

مثلا ، وهذا هو مذهب المشّائين.

وخلاصة كلامهم أنّه لا تشكيك في الماهية بالنسبة إلى أفرادها بنحو من الأنحاء الأربعة للزوم المجعولية الذاتية على تقدير الأولية والأولوية كما عرفت ، وللزوم اختلاف الماهية على تقدير الشّدّة والزيادة ، مع أنّ التشكيك (١) لا بدّ له من أن تكون ماهية (٢) واحدة لما مرّ ، وكذلك التشكيك (٣) في العوارض لأنّه إمّا بالنسبة إلى حصصها فحالها كحال الماهية بالنسبة إلى أفرادها لأنّ العوارض عين ماهيات حصصها ، وإمّا بالنسبة إلى معروضاتها فهو باطل لعدم حملها عليها ، والمشكك لا بدّ أن يكون محمولا فلا تشكيك إلاّ في اتصاف الماهية بالعوارض وهو المعتبر (٤) بالأسودية مثلا. فالتشكيك ليس في الجسم بالنسبة إلى أفراده ولا في السواد مثلا بالنسبة إلى السوادات الخاصة ، بل في اتصاف الجسم بالسّواد وهو كونه أسود مثلا ، هكذا في حاشية سلم العلوم (٥) للمولوي مبين اللكهنوي.

التّشنج : [في الانكليزية] Spasm ، crispation ـ [في الفرنسية] Spasme ، crispation

بالنون هو تقلّص يعرض للعصب يمنع الأعضاء عن الانبساط ، كذا في المؤجز وبحر الجواهر.

التّصحيح : [في الانكليزية] Recovery ـ [في الفرنسية] Guerison

هو تفعيل من الصّحة التي هي ضدّ السّقم فيكون المعنى إزالة السّقم من السقيم. وعند أهل الفرائض هو أن يؤخذ السّهام من أقل عدد يمكن على وجه لا يقع الكسر على واحد من الورثة ، كذا في الشريفي. سمّي به لأنّ وقوع الكسر على واحد من الورثة بمنزلة السقم فتعالجه بالطريق المذكور المعروف عندهم.

فأنت بمنزلة الطبيب والطريق المذكور بمنزلة الدواء ، والحاصل إزالة الكسر الواقعة بين السهام والرءوس. وعند المحدّثين هو كتابة صح على كلام يحتمل الشك بأن كرر لفظ مثلا لا يخلّ تركه ، كذا في خلاصة الخلاصة والإرشاد الساري شرح صحيح البخاري.

التّصحيف : [في الانكليزية] Alteration of a text ـ [في الفرنسية] Alteration d\'un texte

بالحاء كالتصريف بحسب اللغة الفارسية : الخطأ في الكتابة ، وعند أهل التعمية : تغيير صورة اللفظة خطا بأن تمحى نقطة أو تزاد نقطة أو بتقديم بعض الحروف أو تأخيرها كما في لفظة : معمّى وسيأتي بيانه مع بيان التصحيف الوضعي والتصحيف الخطّي. وأمّا التصحيف عند البلغاء (الشعراء) فهو الإتيان بألفاظ بحيث يمكن بتحويل نقطة من مكانها أن يتحوّل المدح إلى ذمّ. والناس يخطئون عند ما يسمّون التصحيف تجنيسا. وليس الأمر كذلك ، ذلك لأنّ في التجنيس شرطا لا بدّ منه والإتيان بألفاظ متجانسة. وعليه فإن جاء بلفظة ثم تلاها بلفظة أخرى مجانسة لها فذلك التجنيس. وأمّا إذا جاء بلفظة ثم بتغيير مواضع النقطة فيها يتحوّل المعنى من مدح إلى قدح فذلك هو التصحيف. ومثاله :

__________________

(١) المشكك (م).

(٢) ماهيته (م).

(٣) لا تشكيك (م).

(٤) المعبّر (ع).

(٥) لمحمد ، مبين اللكنوى (ـ ١٢٥٥ هـ) يعتقد بأنها اشارة من المصنف إلى مرآة الشروح على سلم العلوم لمحمد مبين وقد سبقت الإشارة إليها. انظر عن مرآة الشروح ، إيضاح المكنون ٢ / ٤٥٩ ، GALS ,II , ٦٢٣.

٤٤٩

حبيبنا بذاته مخدوم

موقّر العزة في الأيام

وهو بهذا الشكل مدح. وأمّا تصحيفه فهكذا :

حبيبنا بذاته مجزوم

موفّر العزة في الآثام

وعلى هذا فهو قدح. ومثل هذا الكلام يقال له : مصحّف. هذا ما ورد في «جامع الصنائع» وإعجاز خسروي». ومثاله التصحيف في الشعر الفارسي : نحن نعيش في عزّك. فإذا صحّفنا كلمة : دولت إلى دو لب (شفتيك) وكلمة : ميزئيم (نعيش) إلى ميريم (نموت) يتغير المعنى ويصبح هجوا. كذا في مجمع الصنائع. والتصحيف عند المحدّثين : هو تغيير الحديث بتغيير النقاط (١).

قالوا مخالفة الراوي للثقات إن كانت بتغير الحروف أو الحروف مع بقاء صورة الخط في السياق فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقطة يسمّى ذلك الحديث مصحّفا بفتح الحاء المشدّدة ، وإن كان بالنسبة إلى الشّكل والإعراب سمّي محرّفا ، وابن الصّلاح وغيره سمّى القسمين محرّفا ، كذا في شرح شرح النخبة. وفي خلاصة الخلاصة المصحّف إمّا لفظي محسوس بالبصر أو بالسمع ، والأول إمّا في الإسناد كما صحف مراجم بالراء والجيم بمزاحم بالزاء والحاء ، وإما في المتن كتصحيف ستا من حديث من صام رمضان وأتبعه ستا من الشوال الحديث بشيئا بالشين المعجمة والياء المثناة التحتانية. والثاني أيضا إمّا في الإسناد كما قال عن عاصم الأحول (٢) فسمع واصل الأحدب وإمّا في المتن كما قيل في حديث الكهان فرّ الدجاجة فسمع الزجاجة. وإمّا معنوي كما قال أبو موسى العنزي (٣) نحن من عترة يصلي لنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد ما ثبت أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى إلى عترته وهي حزبته ، فتوهم أنه قبيلة. وأصل العبارة صلى إلى عنزته. وهي حربته والتصحيف قريب من الوضع في المتن. وإمّا في الإسناد فيصيره ضعيفا بهذا الاسناد انتهى كلامه.

التّصدير : [في الانكليزية] Prefixation ـ [في الفرنسية] Prefixation

عند أهل البديع من المحسّنات المعنوية ويسمّى ردّ العجز على الصدر أيضا ، وهو في النثر أن يجعل أحد اللفظين المكرّرين أو

__________________

(١) لغت خطا كردن در كتابت است ونزد اهل تعميه تغيير كردن صورت خطي لفظ است بمحو واثبات نقطه يا به تقديم وتاخير حروف چنانكه در لفظ معما در ناقص يائي باب العين خواهد آمد با بيان تصحيف وضعي وتصحيف خطي ونزد بلغاء آنست كه الفاظى در تركيب آورده شود كه به گردانيدن نقطه از مدح بقدح كشد وخلق بغلط تصحيف را تجنيس ميخوانند وآن چنان نيست چرا كه در تجنيس شرط است كه الفاظ متجانس بيارد پس چون لفظى آورد ولفظى ديگر مجانس آورد تجنيس است واگر لفظى آورد كه اگر نقاط او بگرداند از مدح بقدح كشد تصحيف است مثاله شعر.

حبيبنا بذاته مخدوم

موقّر العزة في الايام

اين بمعنى مدح است وتصحيفش اينست. حبيبنا بذاته مجذوم. موفّر العزة في الآثام. واين بمعني قدح مى شود واين چنين كلام را مصحف خوانند واين در جامع الصنائع واعجاز خسروي گفته [مثال آن در فارسي. مصراع. ما در ميان دولت تو مى زييم. اگر دولت را به تغيير نقاط دو لب خوانند وميزئيم را ميرييم هجو مى گردد كذا في مجمع الصنائع] ونزد محدثين تغيير كردن حديث است بتغيير نقاط.

(٢) هو عاصم بن سليمان الأحول البصري ، أبو عبد الرحمن. توفي عام ١٤٢ هـ / ٧٦٠ م. من حفاظ الحديث. ثقة ، تولى القضاء والحسبة. وعرف بالزهد وطول العبادة. الاعلام ٣ / ٢٤٨ ، تهذيب التهذيب ٥ / ٤٢ ، حلية الأولياء ٣ / ١٢٠ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٢٤٣.

(٣) هو محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار ، أبو موسى العنزي. ولد بالبصرة عام ١٦٧ هـ / ٧٨٣ م. وفيها توفي عام ٢٥٢ هـ / ٨٦٦ م. حافظ للحديث عالم به ، ثقة روى عنه المحدّثون. الاعلام ٧ / ١٨ ، تاريخ بغداد ٣ / ٨٣ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٤٢٥.

٤٥٠

المتجانسين أو الملحقين بهما في أول الفقرة واللفظ الآخر في آخر الفقرة. والمراد (١) بالمكررين المتحدان لفظا ومعنى ، وبالمتجانسين المتحدان لفظا لا معنى ، وبالملحقين بالمتجانسين اللذان يجمعهما الاشتقاق أو شبه الاشتقاق فيكون أربعة أقسام : الأول أن يكون اللفظان مكررين نحو (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (٢). والثاني أن يكونا متجانسين نحو سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل ، الأول من السؤال والثاني من السيلان. والثالث أن يجمعهما الاشتقاق نحو (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) (٣) والرابع أن يجمعهما شبه الاشتقاق نحو قال اني لعملكم من القالين. وفي النظم أن يكون احدهما أي أحد اللفظين المكررين أو المتجانسين أو الملحقين بهما في آخر البيت واللفظ الآخر في صدر المصراع الأول أو حشوه أو آخره أو صدر المصراع الثاني ، فهو أربعة أقسام لأن اللفظ الآخر في صدر المصراع الأول أو حشوه أو آخره أي عجزه أو صدر المصراع الثاني ، وعلى كل تقدير فاللفظان إمّا مكرران أو متجانسان أو متشابهان اشتقاقا أو شبه اشتقاق ، فتصير الأقسام ستة عشر حاصلة بضرب الأربعة في الأربعة. واعتبر صاحب المفتاح قسما آخر وهو أن يكون اللفظ الآخر في حشو المصراع الثاني نحو :

في علمه وحلمه وزهده

وعهده مشتهر مشتهر

فعلى هذا يصير مجموع الأقسام عشرين. ولا يخفى أنّ تركه أولى إذ لا معنى فيه لردّ العجز على الصدر ، إذ لا صدارة لحشو المصراع الثاني أصلا بخلاف المصراع الأول. وقد يجاب عنه بأنّه لو كان لحشو المصراع الأول صدارة بالنسبة إليه لكان لحشو المصراع الثاني أيضا صدارة بالنسبة إليه فتأمّل. هكذا يستفاد من المطول والچلپي والاتقان في نوع الفواصل ، وتفصيل الأمثلة يطلب من المطول.

التّصديق : [في الانكليزية] Aent ـ [في الفرنسية] Aentiment

في اللغة نسبة الصدق بالقلب أو اللسان إلى القائل كذا قيل والفرق بينه وبين المعرفة أنّ ضده الإنكار والتكذيب ، وضدّ المعرفة النكارة والجهالة ، وإليه أشار الإمام الغزالي حيث فسّر التصديق بالتسليم ، فإنّه لا يكون مع الإنكار والاستكبار بخلاف العلم والمعرفة ، وفصل بعض زيادة تفصيل فقال : التصديق عبارة عن ربط القلب على ما علم من أخبار المحققين وهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدّق ، ولهذا يؤمر به ويثاب عليه ويجعل رأس كل عبادة فإنّ الإيمان الذي هو رأس كل عبادة هو التصديق بخلاف المعرفة فإنها ربّما تحصل بلا كسب ، كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنّه جدار أو حجر والإيمان الشرعي يجب أن يكون من الأول فإنّ النبي عليه‌السلام إذا ادّعى النبوة وأظهر المعجزة فوقع صدقه في قلب أحد ضرورة من غير أن يثبت له اختيار لا يقال له في اللغة إنّه صدقه فلا يكون إيمانا شرعا ، كذا في شرح المقاصد.

قال المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي في بحث الإيمان ثم إنه بعد الاتفاق على أنّ تلك المعرفة خارجة عن التصديق اللغوي اختلفوا في أنها داخلة في التصوّر أو في التصديق المنطقي. فصدر الشريعة ذهب إلى الثاني وقال : الصورة الحاصلة من النسبة التامة الخبرية تصديق قطعا ، فإن كان حاصلا له

__________________

(١) المقصود (م ، ع).

(٢) الاحزاب / ٣٧.

(٣) نوح / ١٠.

٤٥١

بالقصد والاختيار بحيث يستلزم الإذعان والقبول فهو تصديق لغوي وإن لم يكن كذلك كمن وقع بصره على شيء وعلم أنه جدار فهو معرفة يقينية وليس بتصديق لغوي. فالتصديق اللغوي عنده أخصّ من المنطقي. وذهب البعض إلى الأول وقال : الصورة الحاصلة من النسبة التامة الخبرية تصوّر وأنّ التصديق المنطقي بعينه التصديق اللغوي ، وفيه أنّ التصديق اللغوي قطعي والمنطقي أعمّ من القطعي والظني لكونه قسما من العلم الشامل للظني والقطعي عند المنطقيين انتهى.

وعند المتكلمين والمنطقيين يطلق على قسم من العلم المقابل للتصوّر ويسمّيه البعض بالعلم أيضا كما في العضدي. قالوا العلم إن خلا عن الحكم فتصوّر وإلاّ فتصديق. ومعنى الخلوّ وعدمه عند المتكلمين على تقدير كون العلم صفة ذات تعلّق أن لا يوجبه الحكم أو يوجبه. وعلى تقدير كونه نفس التعلّق أن لا يكون نفس الحكم أو أن يكون نفسه لأنّ التمييز في قولهم هو تميز معنى إلخ عبارة عن النفي والإثبات ، وهو الحكم ويجيء ما يوضح ذلك في لفظ العلم. وكذا معناهما على مذهب الحكماء الأقدمين ، فإنّ التصديق عندهم هو نفس الحكم المفسّر بإدراك أنّ النسبة واقعة أو ليست واقعة. وأمّا معناهما على مذهب الإمام الرازي القائل بأنّ التصديق عبارة عن مجموع تصوّر النسبة الحكمية والطرفين والحكم فظاهر ، فإنّ قولهم إن خلا الموصول بعن مصدره الخلوّ المفسّر به تهي شدن ، والمتبادر منه عدم الحصول. فمعنى التقسيم العلم إن خلا عن الحكم بأن لم يحصل فيه فتصوّر وإن لم يخل [عنه] (١) بأن حصل فيه فتصديق. فظاهر هذه العبارة مبني على هذا المذهب ويمكن تطبيقه أيضا على مذهب متأخري الحكماء القائلين بأنّ التصديق هو الإدراكات الثلاث المقارنة للحكم ، بأن يراد بالخلوّ عدم الحصول فيه أو عنده. فالعلم عندهم إن خلا عن الحكم أي لم يحصل عنده حكم فتصوّر وإلاّ فتصديق ، لكنه خلاف الظاهر. فالحكم عند الرازي داخل في التصديق وعند متأخري المنطقيين خارج عنه.

ويردّ على الإمام وعليهم أنّ الإدراكات علوم متعددة فلا تندرج تحت العلم الواحد. وأيضا التصوّر مقابل للتصديق ولا شيء من أحد المتقابلين بجزء من المقابل الآخر ولا شرطا له. وأجيب عن الأول بأنّ التصديق وإن كان متعددا في حدّ ذاته لكنه واحد بالاعتبار لعروض الهيئة الاجتماعية. وعن الثاني بأنّ التقابل إنّما هو بين مفهومي التصوّر ، والمعتبر في التصديق جزءا أو شرطا هو ما صدق عليه التصوّر الساذج لا مفهومه ، ولو لم يجز كون ما صدق عليه أحد المتقابلين جزءا للآخر لامتنع أن يكون شيء جزءا لغيره فإنّ جزء الجسم مثلا ليس بجسم ضرورة.

ويردّ على المتأخرين أنّ الحكم على مذهبهم خارج عن التصديق عارض له مع كونه موصوفا بصفات الحكم من كونه ظنيا أو جازما يقينيا أو غيره. أجيب بأنّه لا مشاحة في الاصطلاح ولا محذور في إجراء صفات اللاحق على الملحوق ولا يخفى أنّه تعسّف.

قال السيد السّند : والتحقيق أن الحكم إن كان إدراكا كما يشهد به رجوعك إلى وجدانك إذ لا يحصل بعد تصوّر النسبة الحكمية إلاّ إدراك أنّ النسبة بواقعة أو ليست واقعة ، فالصواب أن يجعل نفس الحكم تصديقا وقسما من العلم المقابل للتصوّر الذي هو ما عداه من الادراكات كما ذكره القدماء ، إذ لا إشكال

__________________

(١) عنه (+ م ، ع).

٤٥٢

حينئذ في انحصار العلم فيهما ، وامتياز كل منهما عن الآخر بطريق موصل إليه ، لا في إجراء صفات التصديق من الظنّية وغيرها عليه لأنها من صفات الحكم بخلاف ما إذا جعل التصديق معروض الحكم أو المجموع المركّب ، لأنه حينئذ لم تكن القسمة حاصرة ولا يكون لكل منهما موصل يخصّه ، بل التصورات الثلاث إنّما تكتسب بالقول الشارح والحكم وحده بالحجة مع أنّ المقصود من تقسيم العلم إليهما بيان أنّ لكل من القسمين موصلا يخصه. بل نقول إنّا لا نعني بالتصديق إلاّ ما يحصل من الحجة وهو الحكم دون المجموع أو المعروض ، والعارض وإن كان الحكم فعلا كما توهمه [عبارات] (١) أكثر المتأخرين كالإمام وغيره من العبارات التي بها يعبّر عنه من الإسناد والإيجاب والإيقاع والانتزاع ، فالصواب أن يجعل نفس الحكم أيضا تصديقا. ويقسّم العلم إلى تصوّر ساذج وتصوّر معه تصديق كما ورد في الشفاء ، فللعلم حينئذ وهو التصوّر مطلقا طريق خاص وهو المعرف ولعارضه المسمّى بالتصديق والحكم طريق خاص آخر وهو الحجة. فالمقصود من التقسيم ظهور ذلك المتفرد عن معروضه بكاسب مخصوص ، ولا سبيل حينئذ إلى جعل الحكم أي التصديق قسما من العلم ولا جزءا من أحد قسميه لأنّ العلم من مقولة الكيف فلا يصدق على ما صدق عليه الفعل وعلى ما تركّب مما صدق عليه الفعل.

وتكلّف البعض وجعل لفظ العلم مشتركا لفظيا بين المعروض وذلك العارض وقسّم العارض إليهما كأنّه قيل ما يطلق عليه لفظ العلم إمّا تصوّر وإمّا حكم وهو التصديق. وأمّا جعل التصديق قسما من العلم مع تركّبه من الحكم وغيره فلا وجه له ، سواء كان الحكم فعلا لأنّ المركب من الفعل والإدراك ليس علما ، أو إدراكا لما عرفت من بطلان الحصر وغيره. وأمّا جعل التصديق عبارة عن التصور المقارن للحكم بتقسيم العلم إلى تصوّر ساذج وإلى تصديق أي تصوّر معه حكم وجعل الحكم فعلا فجائز أيضا ولكن فيه تسامحا من إجراء صفات اللاحق على الملحوق.

وقال المولوي عبد الحكيم في حاشية القطبي والتحقيق أنّ النزاع في التصديق لفظي. من نظر إلى أنّ الحاصل بعد الحجة ليس إلاّ الإدراك المذكور. قال ببساطته ومن نظر إلى أنّ الإدراك المذكور بمنزلة الجزء الصوري. والحاصل بعد إقامة الحجة إدراك واحد متعلّق بالقضية قال بتركّبه ، ومن نظر إلى أنّه لا يكفي في التصديق مجرد الإدراك المذكور بل لا بدّ فيه من نسبة المطابقة بالاختيار ، وإلاّ لكان إدراكا تصوّريّا متعلّقا بالقضية مسمّى بالمعرفة ، قال إنّه إدراك معروض للحكم سواء قلنا إنّه الإدراك المذكور أو مجموع الإدراك المذكور أو مجموع الإدراكات الثلاثة ، فصحّ تقسيم العلم إلى التصوّر والتصديق بأي معني تريد منه وتفرد التصديق على جميع التقادير ، إمّا باعتبار نفسه أو باعتبار جزئه فتدبّر.

التقسيم :

التصديق عند المتكلمين هو اليقيني فقط.

وأمّا عند الحكماء فالتصديق إن كان مع تجويز لنقيضه يسمّى ظنا وإلاّ جزما واعتقادا ، والجزم إن لم يكن مطابقا للواقع سمّي جهلا مركّبا وإن كان مطابقا له ، فإن كان ثابتا أي ممتنع الزوال بتشكيك المشكّك يسمّى يقينا وإلاّ تقليدا كذا في شرح التجريد. وفي شرح الطوالع التصديق إمّا جازم أو لا. والجازم إمّا بغير دليل وهو التقليد

__________________

(١) [عبارات] (+ م).

٤٥٣

وإمّا بدليل ، فهو إمّا أن يقبل متعلّقه النقيض بوجه وهو الاعتقاد أو لا وهو العلم ، وغير الجازم إن كان متساوي الطرفين فهو شكّ وإن لم يكن فالراجح ظنّ والمرجوح وهم انتهى. فجعل الشكّ والوهم من التصديق ، والمشهور أنّهما من التصوّر وهو فاسد كما مرّ في لفظ الحكم.

اعلم أنّ التصديق كما يطلق على أحد قسمي العلم كما عرفت كذلك يطلق على المعلوم أي المصدّق به ، ولا أعني به متعلّقه بالذات وهو وقوع النسبة ولا وقوعها ، بل ما تركّب منه ومن غيره وهو القضية. ومن هاهنا نشأ توهّم من قال إنّ التصديق بالمعنى الأول هو مجموع الإدراكات الأربعة. ومنهم من جعله بذلك المعنى مرادفا للقضية فزعم أنّ القضايا والمسائل والقوانين والمقدّمات كلها عبارات عن العلوم (١) لا المعلومات ، هكذا حقّقه السيّد السّند في حواشي العضدي. وتحقيق الفرق بين التصوّر والتصديق يجيء في لفظ الحكم.

التّصرّف : [في الانكليزية] Taking liberties with a text ـ [في الفرنسية] Prise des libertes avec un texte

تحويل الأصل الواحد إلى أمثلة مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلاّ بها كذا في الجرجاني. وعند البلغاء هو أن ينشئ أحدهم شيئا غاية في اللّطافة من حيث التركيب والمعاني المقصودة بدون أيّ تكلّف ، ثم يأتي آخر إلى ذلك الكلام فيضيف إليه من خياله وقدرته في البيان بحيث يمكن اختراع أو استخراج صنعة من الصنائع البديعية ، ثم يتلوهما ثالث فيزيد شيئا جديدا من صور البديع والمحسّنات اللفظية بحيث يزيد على الأصل لطفا على لطف ، كذا في جامع الصنائع. (٢)

التّصريع : [في الانكليزية] Leonine rhyme ـ [في الفرنسية] Rime leonine

كالتصريف عند البلغاء جعل العروض مقفاة تقفية الضرب وهو من أنواع السجع على القول بجريانه في النظم. قال ابن الأثير : التصريع ينقسم إلى سبع مراتب. الأولى أن يكون كل مصراع مستقلا بنفسه في فهم معناه ويسمّى التصريع الكامل كقول امري القيس : (٣)

أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل

وإن كنت قد أزمعت هجري فأجملي

والثانية أن يكون الأول [غير محتاج] (٤) إلى الثاني ، فإذا جاء جاء مرتبطا به كقوله أيضا :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل.

والثالثة أن يكون المصراعان بحيث يصحّ وضع كل منهما موضع الآخر كقول ابن الحجاج :

من شروط الصّبوح في المهرجان

خفّة الشرب مع خلو المكان.

__________________

(١) المعلوم (م ، ع).

(٢) ونزد بلغاء آنست كه شخص چيزى إنشاء كرده باشد كه در تركيب ومعاني مقصوده او بنهايت لطافت بود اما او را دست نداده باشد ديگرى بقوت طبع خود چنان آرد كه مى بايست ويا صنعتى كه استخراج واختراع كرده باشد ديگرى بقوت طبع در آن چيزى زيادة كند از صنائع لفظي ومعنوي كه لطافت بيفزايد كذا في جامع الصنائع.

(٣) هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، من بني آكل المرار. ولد بنجد حوالي ١٣٠ ق. هـ / ٤٩٧ م. وتوفي بأنقرة عام ٨٠ ق. هـ / ٥٤٥ م. أشهر شعراء العرب الجاهليين صاحب المعلقة المشهورة. كان من الملوك. انصرف للهو والشراب ، وعند ما قتل أبوه ، قال قولته المشهورة : رحم الله أبي ، ضيعني صغيرا وحمّلني دمه كبيرا. لا صحو اليوم ولا سكر غدا. اليوم خمر وغدا أمر. وانطلق يجمع الناس ليثأر لأبيه. ومات من كثرة ما أصابه من قروح وأمراض. الاعلام ٢ / ١١ ، الأغاني ٩ / ٧٧ ، تهذيب ابن عساكر ٣ / ١٠٤ ، الشعر والشعراء ٣١ ، خزانة البغدادي ١ / ١٦٠.

(٤) [غير محتاج] (م ، ع).

٤٥٤

والرابعة أن لا يفهم معنى الأول إلاّ بالثاني ويسمّى التصريع الناقص كقول أبي الطيب :

مغانى الشعب طيبا في المغاني

بمنزلة الربيع من الزمان.

والخامسة أن يكون التصريع بلفظة واحدة في المصراعين ويسمّى التصريع المكرّر ، وهو ضربان : لأنّ الألفاظ إمّا متحدة المعنى في المصراعين كقول عبيد : (١)

وكل ذي غيبة يئوب

وغائب الموت لا يئوب.

وهذا أنزل درجة ، وإمّا مختلفة المعنى لكونه مجازا كقول أبي تمام :

فتى كان شربا للعفاة ومرتعا

فأصبح للهندية البيض مرتعا.

والسادسة أن يكون المصراع الأول معلّقا على صفة يأتي ذكرها في أول المصراع الثاني ويسمّى التعليق كقول إمرئ القيس :

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي

بصبح وما الإصباح منك بأمثل.

لأنّ الأول [معلق] (٢) بصبح وهذا معيب جدّا. والسابعة أن يكون التصريع في البيت مخالفا لقافيته ويسمّى التصريع المشطور كقول أبي نواس : (٣)

أقلني قد ندمت من الذنوب

وبالإقرار عدت من الجحود

فصرّع بالباء ثم قفّاه بالدال ، انتهى كلامه. ولا يخفى أنّ السابعة خارجة مما نحن فيه كذا في المطول في بيان السجع.

التّصريف : [في الانكليزية] Conjugation ، syntax ـ [في الفرنسية] Conjugaison ، syntaxe

هو علم الصرف. وقال سيبويه التصريف على ما حكي عنهم هو أن تبني من الكلمة بناء لم تبنه العرب على وزن ما تبنيه ، ثم تعمل في البناء الذي بنيته ما يقتضيه قياس كلامهم كما في مسائل التمرين. كذا ذكر الرضي في شرح الشافية ، وقد سبق في المقدمة أيضا في آخر بيان علم الصرف.

التّصوّر : [في الانكليزية] Representation ، conception ـ [في الفرنسية] Representation ، conception ،

يطلق بالاشتراك على العلم بمعنى الإدراك وعلى قسم من العلم المقابل للتصديق ويسمّيه بعضهم بالمعرفة أيضا كما وقع في العضدي والقطبي وحواشيه. وتوضيح هذا المعنى سبق في لفظ التصديق ، وسيأتي أيضا في لفظ الحكم. ثم التصوّر بهذا المعنى قد يكون تصوّرا واحدا كتصوّر الإنسان وقد يكون متعددا بلا نسبة كتصوّر الإنسان والكاتب ، وقد يكون متعدّدا مع نسبة إمّا تقييدية أي غير تامّة وهي على قسمين : توصيفية وإضافية كالحيوان الناطق وغلام زيد وإمّا تامة غير خبرية كقولك اضرب ، وإمّا خبرية يشكّ فيها أو مرجوح فيها ، (٤) فإنّ كل ذلك من التصوّرات لخلوّها عن الحكم. وأمّا أجزاء الشرطية فليس فيها حكم أيضا إلاّ

__________________

(١) هو عبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم الأسدي ، أبو زياد. توفي حوالي عام ٢٥ ق. هـ / ٦٠٠ م. شاعر ، من دهاة الجاهلية وحكمائها. أحد أصحاب المجمهرات المعدودة طبقة ثانية عن المعلقات. عاصر امرأ القيس وناظره. له ديوان شعر مطبوع. لاعلام ٤ / ١٨٨ ، الشعر والشعراء ٨٤ ، الأغاني ١٩ / ٨٤ ، خزانة البغدادي ١ / ٣٢٣ ، رغبة الآمل ٢ / ٦٢.

(٢) معلق (+ م ، ع).

(٣) هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكمي ، أبو نواس ، ولد في الأهواز عام ١٤٦ هـ / ٧٦٣ م. وتوفي ببغداد عام ١٩٨ هـ / ٨١٤ م. شاعر العراق في عصره له أشعار كثيرة في المدح والخمر ، طبعت في عدة دواوين. الاعلام ٢ / ٢٢٥ ، تهذيب ابن عساكر ٤ / ٢٥٤ ، معاهد التنصيص ١ / ٨٣ ، خزانة البغدادي ١ / ١٦٨ ، وفيات الاعيان ١ / ١٣٥.

(٤) فيها (ـ م ، ع).

٤٥٥

فرضا بحذف أدوات الشرط واعتبار كل منها قضية برأسها. فإدراكها ليس تصديقا بالفعل بل بالقوة القريبة منه ، وهذا على خلاف مذهب أهل العربية كما سبق في لفظ الإسناد.

فائدة :

العلم الذي هو مورد القسمة إلى التصوّر والتصديق في فواتح كتب المنطق هو العلم المتجدّد الذي لا يكفي فيه مجرّد الحضور بل يتوقّف على حصول مثال المدرك في المدرك ، ويقال له العلم الحصولي إذ هو المقصود هناك ، فإنّ المعلومات المنطقية لا تتجاوز عنه لا مطلق العلم الشامل له ، وللعلم الإشراقي الذي يكفي فيه مجرّد الحضور كعلم الباري تعالى وعلم المجردات المفارقة وعلمنا بأنفسنا ، ويقال له العلم الحضوري وإلاّ لم ينحصر العلم في التصوّر والتصديق إذ التصوّر هو حصول صورة الشيء في العقل والتصديق يستدعي تصوّرا هكذا. وعلم الباري بجميع الأشياء وعلم المجردات بأنفسها وعلمنا بأنفسنا يستحيل أن يكون بحصول صورة فلا يكون تصوّرا ولا تصديقا ، كذا في شرح إشراق الحكمة. ويطلق التصوّر أيضا على الأمر المقصود أي المعلوم التصوّري. قال في المطوّل في بحث الفصل والوصل في شرح قوله الجامع إمّا عقلي بأن يكون بينهما اتّحاد في التصوّر إلخ أي في الأمر المتصوّر إذ كثيرا ما تطلق التصوّرات والتصديقات على المعلومات التصوّرية والتصديقية انتهى كلامه. وتصوّر نزد بلغاء تخيل را نامند ـ والتّصوّر عند البلغاء يسمّى تخيّلا. ـ

التّصوّف : [في الانكليزية] Soufism (mysticism) ـ [في الفرنسية] Soufisme (mysticisme)

هو التخلّق بالأخلاق الإلهية. وخرقة التصوف هي ما يلبسه المريد من يد شيخه الذي يدخل في إرادته ويتوب على يده لأمور منها : التزيي بزيّ المراد (١) ليتلبّس باطنه بصفاته كما يتلبّس ظاهره بلباسه وهو لباس التقوى ظاهرا وباطنا. قال الله تعالى (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) (٢) ومنها وصول بركة الشيخ الذي ألبسه من يده المباركة إليه. ومنها نيل ما يغلب على الشيخ في وقت الإلباس من الحال الذي يرى الشيخ ببصيرته النافذة المنوّرة بنور القدس وأنه يحتاج إليه لرفع حجبه العائقة وتصفية استعداده فإنّه إذا وقف على حال من يتوب على يده علم بنور الحق ما يحتاج إليه ، فيستنزل من الله ذلك حتى يتصف قلبه به فيسري من باطنه إلى باطن المريد. ومنها المواصلة بينه وبين الشيخ به فيبقى بينهما الاتصال القلبي والمحبة دائما ويذكّره الاتباع على الأوقات في طريقته وسيرته وأخلاقه وأحواله حتى يبلغ مبلغ الرجال ، فإنّه أب حقيقي كما قال عليه الصلاة والسلام «الآباء ثلاثة أب ولدك وأب علّمك وأب ربّاك» (٣) ، هكذا في الاصطلاحات الصوفية.

قيل التصوّف الوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا فيرى حكمها من الظاهر في الباطن ، وباطنا فيرى حكمها من الباطن في الظاهر فيحصل للمتأدّب بالحكمين كمال. وقيل التصوّف مذهب كلّه جدّ فلا يخلطوه بشيء من الهزل. وقيل هو تصفية القلب عن موافقة

__________________

(١) المقصود (م ، ع).

(٢) الاعراف / ٢٦.

(٣) الآباء ثلاثة أب ولدك وأب علمك ذكره الامام الغزالي من كلام بعضهم : «الاباء ثلاثة : أب ربّاك وأب ولدك وأب علّمك ، وخير الآباء من علّمك» الغزالي ، منهاج المتعلم ص ٨١. المطبوع مع كتاب التراث التربوي الاسلامي في خمس مخطوطات.

٤٥٦

البرية ، ومفارقة الأخلاق الطبعية (١) ، وإخماد الصفات البشرية ، ومجانبة الدّعاوي النفسانية ، ومنازلة الصفات الروحانية ، والتعلّق بالعلوم الحقيقية ، واستعمال ما هو أولى على السرمدية ، والنصح لجميع الأمة والوفاء لله تعالى على الحقيقة ، واتّباع رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الشريعة. وقيل ترك الاختيار وقيل بذل المجهود والأنس بالمعبود. وقيل حفظ حواشيك (٢) من مراعاة أنفاسك. وقيل الإعراض عن الاعتراض. وقيل هو صفاء المعاملة مع الله تعالى ، وأصله التفرّغ عن الدنيا. وقيل الصبر تحت الأمر والنهي. وقيل خدمة التشرّف وترك التكلّف واستعمال التطرّف. وقيل الأخذ بالحقائق والكلام بالدقائق والإياس بما (٣) في أيدي الخلائق ، كذا في الجرجاني.

اعلم أنّه قيل إنّ التصوّف مأخوذ من الصّفاء وهو محمود في كل لسان ، وضدّه الكدورة وهو مذموم في كل لسان. وفي الخبر ورد أنّ النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ذهب صفاء الدنيا ولم يبق إلا كدرها». ذن : الموت يعتبر اليوم تحفة لكلّ مسلم.

وقد اشتق ذلك الاسم من الصّفاء حتى صار غالبا على رجال هذه الطائفة ؛ أمّا في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان اسم الصحابة هو ما يطلق على أكابر الأمّة ، ثم كانت الطبقة التالية طبقة التابعين ، ثم كانت الطبقة الثالثة أتباع التابعين ، ثم صار يطلق على من يعتنون بأمر الدين أكثر من غيرهم اسم الزّهاد والعبّاد ، ثم بعد ظهور أهل البدع وادعائهم الزهد والعبادة انفرد أهل السّنّة بتسمية الخواصّ منهم ممن يراعون الأنفاس باسم الصوفية. وقد اشتهروا بهذا الاسم ، حتى إنهم قالوا : إنّ اطلاق هذا الاسم على الأعلام إنّما عرف قبل انقضاء القرن الثاني للهجرة.

وجاء في توضيح المذاهب : أمّا التصوّف في اللغة فهو ارتداء الصوف وهو من أثر الزّهد في الدنيا وترك التنعّم. وفي اصطلاح أهل العرفان : تطهير القلب من محبة ما سوى الله ، وتزيين الظاهر من حيث العمل والاعتقاد بالأوامر والابتعاد عن النواهي ، والمواظبة على سنّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهؤلاء الصوفية هم أهل الحق ، ولكن يوجد قسم منهم على الباطل ممّن يعدّون أنفسهم صوفية وليسوا في الحقيقة منهم ، وهؤلاء عدّة من الفرق إليك بعض أسمائها : الجبية والأوليائية والشمراخية والإباحية والحالية والحلولية والحورية والواقفية والمتجاهلية والمتكاسلية والإلهامية.

وما تسمية هؤلاء بالصوفية إلا من قبيل إطلاق السّيد على غير السّيد. وأمّا مراتب الناس على اختلاف درجاتهم فعلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول : الواصلون الكمّل وهم الطبقة العليا.

القسم الثاني : السالكون في طريق الكمال ، وهؤلاء هم الطبقة الوسطى.

والقسم الثالث : سكان الأرض والحفر (أهل المادة) «اللاصقون بالتراب» وهؤلاء هم الطبقة السفلى التي غايتها تربية البدن بتحصيل الحظوظ المادّية كالشهوات النّفسانية والمتع الشّهوانية وزينة اللباس ، وليس لهم من العبادات سوى حركة الجوارح الظاهرية.

وأما القسم الأول الواصلون فهم أيضا

__________________

(١) الطبيعية (م).

(٢) حواسك (م).

(٣) عما (م).

٤٥٧

قسمان :

الأول : وهم مشايخ الصوفية الذين حصّلوا مرتبة الوصول بسبب كمال متابعتهم واقتدائهم بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم بعد ذلك أذن لهم بدعوة الناس إلى سلوك طريق اقتفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهؤلاء هم الكاملون والمكمّلون الذين وصلوا بالعناية الإلهية إلى ميدان البقاء بعد ما فنوا عن ذواتهم واستغرقوا في عين الجمع.

وأمّا القسم الثاني من الفئة الأولى فهم الذين بعد وصولهم إلى درجة الكمال لم يؤذن لهم بإرشاد عامّة النّاس ، وصاروا غرقى في بحر الجمع ، وفنوا في بطن حوت الفناء ولم يصلوا إلى ساحل البقاء.

وأمّا السالكون فهم أيضا قسمان :

١ ـ الطالبون لوجه الله. ٢ ـ والطالبون للجنّة والآخرة.

فأمّا الطالبون لوجه الحقّ فهم طائفتان : المتصوّفة الحقيقيون والملامتيّة. والمتصوفة الحقيقيون هم جماعة تنزّهوا عن نقص الصفات البشرية. واتصفوا ببعض أحوال الصوفية ، واقتربوا من نهايات مقاماتهم ، إلاّ أنّهم ما زالوا متشبّثين ببعض أهواء النفوس ، ولهذا لم يدركوا تماما نهاية الطريق كأهل القرب من الصوفية.

وأمّا الملامتية فهم قوم يسعون بكلّ جدّ في رعاية معنى الإخلاص ودون ضرورة كتم طاعاتهم وعباداتهم عن عامة النّاس. كما يكتم العاصي معصيته ، فهم خوفا من شبهة الرّياء يتحرّزون عن إظهار عباداتهم وطاعاتهم. ولا يتركون شيئا من أعمال البرّ والصّلاح ، ومذهبهم المبالغة في تحقيق معنى الإخلاص.

وقال بعضهم : الملامتيّة لا يظهرون فضائلهم ولا يسترون سيئاتهم ، وهذه الطائفة نادرة الوجود. ومع ذلك لم يزل حجاب الوجود البشري عن قلوبهم تماما ، ولهذا فهم محجوبون عن مشاهدة جمال التوحيد. لأنّهم حين يخفون أعمالهم فهم ما زالوا ينظرون إلى قلوبهم. بينما درجة الكمال أن لا يروا أنفسهم ولا يبالوا بها وأن يستغرقوا في الوحدة. قال الشاعر : ما هو الغير؟ وأين الغير؟ واين صورة الغير؟ فلا والله ما ثمّة في الوجود سوى الله.

والفرق بين الملامتيّة والصوفية هو أنّ الصوفية جذبتهم العناية الإلهية عن وجودهم فألقوا حجاب الخلقة البشرية والأنانية عن بصيرة شهودهم فوصلوا إلى درجة غابوا منها عن أنفسهم وعن الخلق. فإذن الملامتية مخلصون بكسر اللام ، والصوفية مخلصون بفتح اللام. أي أنّ الملامتيّة يخلّصون أعمالهم من شائبة الرّياء بينما الصوفية يستخلصهم الله تعالى.

وأمّا طلاّب الآخرة فهم أربعة طوائف : الزّهاد والفقراء والخدام والعبّاد. أمّا الزهاد : فهم الذين يشاهدون بنور الإيمان حقيقة الآخرة وجمال العقبى ، ويعدّون الدنيا قبيحة ويعرضون عن مقتضيات النفس بالكلية ، ويقصدون الجمال الأخروي.

والفرق بينهم وبين الصوفية هو أنّ الزاهد بسبب ميله لحظّ نفسه فهو محجوب عن الحق ، وذلك لأنّ الجنة دار فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. بينما الصوفية لا يتعلّق نظرهم بشيء سوى الله.

وأمّا الفقراء منهم طائفة لا يميلون إلى تملّك أيّ شيء من حطام الدنيا. وذلك بسبب رغبتهم فيما عند الله. وعلّة ذلك واحد من ثلاثة أشياء : الأمل بفضل الله ، أو تخفيفا للحساب أو خوفا من العقاب ، لأنّ حلالها حساب وحرامها عقاب ، والأمل بفضل الله ثواب ويدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام. ورغبة في جمع همتهم في طلب العبادة مع حضور القلب فيها.

٤٥٨

والفرق بين الملامتيّة والفقراء هو أنّ الفقراء طلاب للجنة وفيها حظّ للنفس ، بينما الملامتية طلاب الحق. وهذا الفقر رسم أي عادة تأتي بعد درجة الفقر وهو مقام فوق مقام الملامتية والمتصوّفة ، وهو وصف خاص بالصوفي لأنّه وإن تكن مرتبته وراء مرتبة الفقر لكن خلاصة مقام الفقر مندرجة فيه ذلك أنّ أي مقام يرتقي الصوفي فوقه فإنّه يحتفظ بصفاء ذلك المقام. فإذن صفة الفقر في مقام الصوفي وصف زائد. وذلك هو السبب في كون نسبة جميع الأحوال والأعمال والمقامات لغير نفسه وعدم تملّكها ، بحيث لا يرى لنفسه عملا ولا حالا ولا مقاما. ولا يخصّص نفسه بشيء. بل ليس عنده خبر عن ذاته. وهذه حقيقة الفقر.

والفرق بين الفقر والزهد هو أنّ الفقر بدون وجود الزهد ممكن ، وذلك مثل شخص يترك الدنيا بعزم ثابت ، ولكنّه ما زال باطنا راغبا فيها.

وكذلك الزّهد بدون فقر ممكن أيضا.

ومثاله شخص يملك الأسباب الدنيوية ولكنه غير راغب فيها. مّا الخدّام فهم طائفة اختارت خدمة الفقراء وطلاب الحق ، ويشغلون أوقاتهم بعد القيام بالفرائض بمحاولة تفريغ خواطرهم من الاهتمام بأمور المعاش ، والتعاون على الاستعداد للقيام بأمر المعاد. ويقدّمون هذا على النوافل سواء بالكسب أو بالسؤال.

أمّا العبّاد فهم طائفة تواظب على أداء الفرائض والنوافل والأوراد طلبا للثواب الأخروي. وهذا الوصف أيضا موجود في الصوفي ولكنّه يتنزّه عن طلب الثّواب والأغراض ، لأنّ الصوفي الحق يعبد الحق لذاته.

والفرق بين العباد والزهاد هو أنّهم مع قيامهم بالعبادات فإنّ الرغبة بالدنيا يمكن أن تظل موجودة.

والفرق بين العباد والفقراء هو أنّ الغنيّ يستطيع أن يكون من العبّاد. فإذن صار معلوما أنّ الواصلين طائفتان فقط بينما السالكون هم ست طوائف ولكلّ واحد من هذه الطوائف الثماني اثنان متشبهان به ، أحدهما محقّ والثاني مبطل.

أمّا المشبّه بالصوفية بحقّ فهم الصوفية الذين اطلعوا وتشوّقوا إلى نهايات أحوال الصوفية ، ولكنهم بسبب القلق ببعض الصّفات منعوا من بلوغ مقصدهم وأمّا المتشبّه بالصوفية بالباطل منهم جماعة يتظاهرون بأحوال الصوفية ، ولكنهم لا يعملون بأعمالهم ، وهؤلاء هم الباطنيّة والإباحية والصاحبية ، ويسمّون أنفسهم متصوّفة ، ويقولون : إنّ التقيّد بأحكام الشرع إنما هو للعوام الذين يرون ظاهر الأمور. أمّا الخواص فليسوا مضطرّين للتقيّد برسوم الظاهر ، وإنما عليهم مراعاة أحوالهم الباطنية.

وأمّا المتشبّه المحقّ بالمجاذيب الواصلين فهم طائفة من أهل السلوك الذين ما زالوا يجاهدون في قطع منازل السلوك وتصفية النفوس ، وما زالوا مضطربين في حرارة الطّلب وقبل ظهور كشف الذات ، والاستقرار في مقام الفناء ، فأحيانا تلمع ذواتهم بالكشف ، ولا زال باطنهم يتشوّق لبلوغ هذا المقام.

وأمّا المتشبّه المبطل بالمجاذيب الواصلين فهم طائفة تدّعي الاستغراق في بحر الفناء ، ويتنصّلون من حركاتهم وسكناتهم ويقولون : إنّ تحريك الباب بدون محرّك غير ممكن. وهذا المعنى على صحته لكنه ليس موجودا عند تلك الطائفة لأنّ هدفهم هو التمهيد للاعتذار عن المعاصي والإحالة بذلك على إرادة الحقّ ، ودفع اللّوم عنهم. وهؤلاء هم الزنادقة. ويقول الشيخ عبد الله التّستري : إذا قال هذا الكلام أحد وكان

٤٥٩

ممن يراعي أحكام الشريعة ويقوم بواجبات العبودية فهو صديق وأما إذا كان لا يبالي بالمحافظة على حدود الشرع فهو زنديق.

وأمّا المتشبّه المحق بالملامتيّة فهم طائفة لا يبالون بتشويش نظر الناس ومعظم سعيهم في إبطال رسوم العادات والانطلاق من قيود المجتمع ، وكلّ رأسمالهم هو فراغ البال وطيب القلب ، ولا يبالون برسوم وأشكال الزّهاد والعبّاد ولا يكثرون من النوافل والطاعات ، ويحرصون فقط على أداء الفرائض ، وينسب إليهم حبّ الاستكثار من أسباب الدنيا ويقنعون بطيب القلب ولا يطلبون على ذلك زيادة وهؤلاء هم القلندرية. وهذه الطائفة تشبه الملامتيّة بسبب اشتراكهما في صفة البعد عن الرّياء.

والفرق بين هؤلاء وبين الملامتيّة هو : أنّ الملامتيّة يؤدّون الفرائض والنوافل دون إظهارها للناس. أمّا القلندرية فلا يتجاوزون الفرائض ، ولا يبالون بالناس سواء اطلعوا على أحوالهم أم لا.

وأمّا الطّائفة التي في زماننا وتحمل اسم القلندريّة وقد خلعوا الإسلام من ربقتهم ، وليس لهم شيء من الأوصاف السابقة ، وهذا الاسم إنّما يطلق عليهم من باب الاستعارة ، والأجدر أن يسمّوا بالحشويّة. وأمّا المتشبّهون باطلا بالملامتيّة فهم طائفة من الزنادقة يدعون الإسلام والإخلاص ، ولكنّهم يبالغون في إظهار فسقهم وفجورهم ومعاصيهم ، ويدّعون أنّ غرضهم من ذلك هو لوم الناس لهم ، وأنّ الله سبحانه غني عن طاعتهم ، ولا تضرّه معصية العباد. وإنّما المعصية تضرّ الخلق فقط والطاعة هي في الإحسان إلى الناس.

وأمّا المتشبّهون بالزّهاد بحق فهم طائفة لا تزال رغبتها في الدنيا قائمة يحاولون الخلاص من هذه الآفة دفعة واحدة ، وهؤلاء هم المتزهدون. وأمّا المتشبّهون باطلا بالزّهاد فهم طائفة يتركون زينة الدنيا من أجل الناس لينالوا بذلك الجاه والصّيت لديهم ، وتجوز هذه الخدعة على بعضهم فيظنونهم معرضين عن الدنيا.

وحتّى إنّهم يخدعون أنفسهم بأنّ خواطرهم غير مشغولة بطلب الدنيا ، بدليل إعراضهم عنها وهؤلاء هم المراءون.

وأمّا المتشبّهون بالفقراء بحقّ فهم الذين يبدو عليهم ظاهر وسيماء أهل الفقر ، وفي باطنهم يطلبون حقيقة الفقر ، إلاّ أنّهم لم يتخلّصوا تماما من الميل للدنيا وزينتها ويتحمّلون مرارة الفقر بتكلّف ، بينما الفقير الحقيقي يرى الفقر نعمة إلهية ، لذلك فهو يشكر هذه النعمة على الدوام.

وأمّا المتشبّه بالباطل بالفقراء فهو ذلك الذي ظاهره ظاهر أهل الفقر وأمّا باطنه فغير مدرك لحقيقة الفقر ، وغرضه القبول لدى الناس لكي ينتفع منهم بشيء من الدنيا ، وهذه الطائفة هي مرائية أيضا وأمّا المتشبّهون بالخدام بحق فهم الذين يقومون دائما بخدمة الخلق ، ويأملون أن ينالوا بذلك سببا في النجاة يوم القيامة. وفي تخليصهم من شوائب الميل والهوى والرّياء.

ولكنّهم لمّا يصلوا بعد إلى حقيقة ذلك. فحين تقع بعض خدماتهم في مكانها فبسبب غلبة نور الإيمان وإخفاء النفس فإنّهم يتوقّعون المحمدة والثّناء مع ذلك ، وقد يمتنعون عن أداء بعض الخدمات لبعض المستحقّين ، ويقال لمثل هذا الشخص متخادم.

وأمّا المتشبّهون بالخدام باطلا فهم الذين لا يخدمون بنيّة الثّواب الأخروي ، بل إنّ خدمتهم من أجل الدنيا فقط ، لكي يستجلبوا الأقوات والأسباب ، فإن لم تنفعهم الخدمة في تحصيل مرادهم تركوها.

إذن فخدمة أحدهم مقصورة على طلب

٤٦٠