موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ١

محمّد علي التهانوي

موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ١

المؤلف:

محمّد علي التهانوي


المحقق: الدكتور علي دحروج
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

وافقوا النّظامية (١) فيما ذهبوا إليه ، وزادوا عليهم أن الله لا يقدر على ما أخبر بعدمه أو علم عدمه ، والإنسان قادر عليه ، لأن قدرة العبد صالحة للضدين على سواء ، فإذا قدر على أحدهما قدر على الآخر كذا في شرح المواقف (٢).

الإشارة : [في الانكليزية] Indication ـ [في الفرنسية] Indication

معناه بديهي وهي قسمان : إشارة عقلية وإشارة حسّية. وللإشارة ثلاثة معان : الأول المعنى المصدري الذي هو فعل ، أي تعيين الشيء بالحسّ. الثاني المعنى الحاصل بالمصدر وهو الامتداد الموهوم الآخذ من المشير المنتهي إلى المشار إليه ، وهذا الامتداد قد يكون امتدادا خطّيا ، فكأنّ نقطة خرجت من المشير وتحركت نحو المشار إليه فرسمت خطّا انطبق طرفه على نقطة من المشار إليه ، وقد يكون امتدادا سطحيّا ينطبق الخط الذي هو طرفه على ذلك الخط المشار إليه ، فكأنّ خطّا خرج من المشير فرسم سطحا انطبق طرفه على خطّ المشار إليه ، وقد يكون امتدادا جسميا ينطبق السطح الذي هو طرفه على السطح من الجسم المشار إليه فكأنّ سطحا خرج من المشير فرسم جسما انطبق طرفه على سطح المشار إليه. الثالث تعيين الشيء بالحسّ بأنه هنا أو هناك أو هذه بعد اشتراكها في أنها لا تقتضي كون المشار إليه بالذات محسوسا بالذات. وتفترق بأن الأول والثاني لا يجب أن يتعلّقا أولا بالجوهر بل ربما يتعلقان أولا بالعرض وثانيا بالجوهر لأنهما لا يتعلقان بالمشار إليه أولا ، إلاّ بأن يتوجّه المشير إليه أولا ، فكلّ من الجوهر والعرض يقبل ذلك التوجه وكذا ما هو تابع له. والثالث يجب أن يتعلّق أولا بالجوهر وثانيا بالعرض فإنه وإن كان تابعا لتوجّه المشير لكن التوجّه بأن المشار إليه هنا أو هناك لا يتعلّق أولا إلاّ بما له مكان بالذات ، هكذا ذكر مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف في مقدمة الأمور العامة.

وقد تطلق على حكم يحتاج إثباته إلى دليل وبرهان كما وقع في المحاكمات ، ويقابله التنبيه بمعنى ما لا يحتاج إثباته إلى دليل.

والإشارة عند الأصوليين دلالة اللفظ على المعنى من غير سياق الكلام له ، ويسمّى بفحوى الخطاب أيضا ، نحو : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٣) ففي قوله تعالى له إشارة إلى أن النسب يثبت بالأب ، وهي من أقسام مفهوم الموافقة كما يجيء هناك ، وفي لفظ النصّ أيضا. وأهل البديع فسّروها بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمّة ، وهذا هو إيجاز القصر بعينه ، لكن فرق بينهما ابن أبي الأصبع بأن الإيجاز [له] (٤) دلالة مطابقية ، ودلالة الإشارة إمّا تضمّن أو التزام ، فعلم منه أنه أراد بها ما تقدّم من أقسام المفهوم ، أي أراد بها الإشارة المسمّاة بفحوى الخطاب ، هكذا يستفاد من الإتقان في نوع المنطوق والمفهوم ونوع الإيجاز. وعلم الإشارة قد سبق في المقدمة.

__________________

(١) فرقة كلامية من المعتزلة أتباع أبي اسحاق ابراهيم بن سيار بن هاني النظّام. خلطوا في آرائهم ومعتقداتهم ما تعتقده الفلاسفة ثم انفردوا عن المعتزلة الآخرين بمسائل في القدر وأفعال العباد والإرادة الإلهية وحقيقة الإنسان وغير ذلك من المباحث الفلسفية والميتافيزيقية. وقد ذكرهم : الملل ص ٥٣ ، الفرق ١٣١ ، مقالات الإسلاميين ١ / ٢٢٧ ، التبصير ٤٣ ، طبقات المعتزلة ٤٩ ، اعتقادات فرق المسلمين للرازي ٤١ ، العبر ١ / ٣١٥.

(٢) الاسوارية : فرقة كلامية من المعتزلة ، أتباع علي الاسواري الذي انفصل عن ابي الهذيل العلاف إلى النظام ثم انفصل عنه حيث زاد عليه في الرأي ، فقال إن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على ما علم أنه لا يفعله مع أن الإنسان قادر على ذلك ، الملل ٥٨ ، الفرق ١٥١ ، التبصير ٤٤ ، طبقات المعتزلة ٧٢.

(٣) البقرة / ٢٣٣.

(٤) [له] (+ م).

٢٠١

ثم الإشارة إذا لم تقابل بالصريح (١) كثيرا ما يستعمل في المعنى الأعم الشامل للصريح (٢) ، كما في چلپي المطول في تعريف علم المعاني. فعلى هذا يقال أشار إلى كذا في بيان علم السلوك ، وإن كان المشار إليه مصرّحا به فيما سبق وأسماء الإشارة.

الإشباع : [في الانكليزية] Vowel of the rhyme ـ [في الفرنسية] Voyelle de la rime

هو لدى أهل العروض عبارة عن الحركة الدخيلة ، وأكثرها الكسرة وأحيانا الفتحة مثل : بادر (التصديق) وداور (الحكم) وأحيانا الضمّة كما في : تجاهل ، وتساهل ، وهذا التعريف باعتبار المشهور ؛ واختلاف حركة الحرف الدخيل في القوافي التي ليست مشتملة على حرف الوصل غير جائز ، أمّا القوافي الموصلة أي المشتملة على حرف الوصل فجائز. وليس بخاف أنّ هذا التعريف يتّجه عليه كسرة الهمزة مثل مائل وزائل حيث يقولون لها : «توجيه» وليس إشباعا. إذا فالأولى هو أن يخصّص الإشباع بحركة الدخيل في القوافي الموصلة يعني المشتملة على حرف وصل مثل كسرة همزة مائلي وزائلي ، وتخصيص التوجيه بحركة ما قبل الروي الساكن التي هي ليست حركة إشباع ، مع أنّه من المشهور أنّهما معرفتان بالتخصيص.

ويؤيّد هذا ما ذهب إليه شمس قيس الرازي في كتاب «حدائق العجم» حيث يقول : الدخيل في القوافي الموصلة يسمّى إشباعا ، وفي القوافي المقيّدة توجيها. كذا في منتخب تكميل الصناعة (٣). وهكذا عند أهل العربية حيث وقع في بعض الرسائل وعنوان الشرف (٤) أن حركة الدخيل في الروي المطلق تسمّى الاشباع وحركة الحرف الذي قبل الروي المقيد تسمّى التوجيه انتهى. فإن الرويّ المطلق عندهم هو الرويّ المتحرك والساكن يسمّى رويا مقيّدا.

الاشتراك : [في الانكليزية] Homonymy ـ [في الفرنسية] Homonymie

في عرف العلماء كأهل العربية والأصول والميزان يطلق بالاشتراك على معنيين : أحدهما كون اللفظ المفرد موضوعا لمفهوم عام مشترك بين الأفراد ويسمّى اشتراكا معنويا ، وذلك اللفظ يسمّى مشتركا معنويا ، وينقسم إلى المتواطئ والمشكّك. وثانيهما كون اللفظ المفرد موضوعا لمعنيين معا على سبيل البدل من غير ترجيح ، ويسمّى اشتراكا لفظيا. وذلك اللفظ يسمّى مشتركا لفظيا. فقولهم لمعنيين أي لا لمعنى واحد فيشمل ما وضع لأكثر من معنيين فهو للاحتراز عن اللفظ المنفرد وهو الموضوع لمعنى واحد ، لكنه إذا وقع في معناه شكّ بحيث يتردّد

__________________

(١) التصريح (م).

(٢) التصريح (م).

(٣) الاشباع : بالباء الموحدة نزد أهل قوافي عبارتست از حركت دخيل مطلقا وان اكثر كسره است وگاهى فتحه باشد چنانكه در باور وداور وگاهى ضمه چنانكه در تجاهل وتساهل واين تعريف باعتبار مشهور است واختلاف حركت دخيل در قوافي كه بر حرف وصل مشتمل نيستند جائز نيست اما در قوافي موصله يعني مشتمله بر حرف وصل جائز داشته اند. ومخفي نيست كه اين تعريف منقوض مى شود بكسره همزه مثل مائل وزائل كه اين كسره را توجيه گويند نه اشباع پس اولى آنست كه تخصيص كنند اشباع را بحركت دخيل در قوافي موصله يعنى مشتمله بر حرف وصل مانند كسره همزه مائلى وزائلى وتخصيص كنند توجيه را بحركت ما قبل روي ساكن كه آن حركت اشباع نيست اگرچه در مشهور هر دو را بلا تخصيص تعريف كرده اند ومؤيد است باين آنچه شمس قيس در حدائق العجم گفته كه حركت دخيل را در قوافي موصله اشباع خوانند ودر قوافي مقيده توجيه.

(٤) عنوان الشرف الوافي في الفقه والتاريخ والنحو والعروض والقوافي لشرف الدين أبي محمد اسماعيل بن أبي بكر الشاوري المعروف بابن المقري (ـ ٨٣٧ هـ) ، حيدرآباد ، ١٢٧٢ هـ في ١٠٥ صفحات. معجم المطبوعات العربية ٢٤٨ ـ ٢٤٩.

٢٠٢

بين معنيين بأنّ هذا اللفظ موضوع لهذا أو لهذا صدق عليه أنّه للمعنيين على سبيل البدل من غير ترجيح ، فزيد قيد معا للاحتراز عن مثل هذا المنفرد إذ لا يصدق عليه أنّه لهما معا.

إن قيل إنّا نقطع أنّ المنفرد ليس موضوعا للمعنيين فلا حاجة إلى الاحتراز ، قلت : لمّا دار وضعه بين المعنيين عند المشكّك جاز انتسابه إليهما في الوضع بحسب الظاهر عنده ، فاحترز عنه بزيادة معا احتياطا ، ولذا قيل : إنه للاحتراز عن المشترك معنى كالمتواطئ والمشكّك.

وقولهم على سبيل البدل احتراز عن الموضوع لمجموع المعنيين أو أكثر من حيث المجموع ، وعن المتواطئ ، لكن بحسب الظاهر لأن المتواطئ يحمل على أفراده بطريق الحقيقة فيظنّ أنه موضوع لها. وقولهم من غير ترجيح احتراز عن اللفظ بالقياس إلى معنييه الحقيقي والمجازي ، فإنه بهذا الاعتبار لا يسمّى مشتركا ؛ وهذا الاحتراز إنما هو على تقدير أن يقال بأن في المجاز وضعا أيضا ، هكذا يستفاد من العضدي وحواشيه.

وبالجملة فالمنقول مطلقا ليس مشتركا لأنه لا بدّ أن يكون في أحد معنييه حقيقة وفي الآخر مجازا ، ولزم من هذا أن يكون المعنيان بنوع واحد من الواضع حتى لو كان أحدهما بوضع اللغة والآخر بوضع الشرع ، مثلا كالصلاة لا يسمّى مشتركا ، وقد صرّح بهذا في بعض حواشي الإرشاد أيضا. وفي بديع الميزان (١) وضع المشترك لمعنيين فصاعدا لا يلزم أن يكون من لغة واحدة ، بل يجوز أن يكون من لغة واحدة كالعين للباصرة والجارية والذهب وغيرها ، أو من لغات مختلفة مثل بئر فإنه في العربية بمعنى چاه وفي الهندية برادر انتهى.

وقيل المشترك هو اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعا أوّلا من حيث أنهما مختلفتان. فاحترز بالموضوع لحقيقتين عن الأسماء المفردة. وبقوله وضعا أولا عن المنقول وبالقيد الأخير عن المشترك معنى انتهى. وإطلاق اللفظ وعدم تقييده بالمفرد لا يبعد أن يكون إشارة إلى عدم اختصاصه بالمفرد.

فائدة :

اختلف في أن المشترك واقع في اللغة أم لا ، وقد يقال المشترك إمّا أن يجب وقوعه ، أو يمتنع ، أو يمكن ، وحينئذ إمّا أن يكون واقعا أو لا ، فهي أربعة احتمالات عقلية. وقد ذهبت إلى كلّ منها طائفة ، إلاّ أنّ مرجعها إلى اثنين إذ لا يتصوّر هاهنا وجوب ولا امتناع بالذات ، بل بالغير ، فهما راجعان إلى الإمكان. فالواجب هو الممكن الواقع والممتنع هو الممكن الغير الواقع ، والصحيح أنه واقع. واختلف أيضا في وقوعه في القرآن والأصح أنه قد وقع ، ودلائل الفرق تطلب من العضدي وحواشيه. اعلم أنّ في المشترك اختلافات كثيرة.

الاختلاف الأول : في إمكانه ، قال البعض : وقوع الاشتراك ليس بممكن لأنّ المقصود من وضع الألفاظ فهم المعاني ، وإذا وضع لمعان كثيرة فلا يفهم واحد منها عند خفاء القرينة وإلاّ يلزم الترجيح بلا مرجّح ، وفهم الجميع يستلزم ملاحظة النفس وتوجّهها إلى أشياء كثيرة بالتفصيل عند زمان الإطلاق ، لأن ملاحظة المعاني بالأوضاع المتعددة المفصّلة لا بدّ أن تكون على التفصيل ، وهذا باطل لما تقرّر في موضعه. وأجيب عنه بأنّ المقصود قد يكون الإجمال دون التفصيل ، وقد يكون في التفصيل مفسدة ، وفي الإجمال رفع الفساد كما قال

__________________

(١) بديع الميزان لعبد القادر بن حداد العثماني الطولنبي وهو شرح على ميزان المنطق اختصار نجم الدين الكاتبي ، كانپور ١٨٧٧ م. معجم المطبوعات العربية ١٣١٠.

٢٠٣

الصدّيق الأكبر (١) عند ذهاب رسول الله في وقت الهجرة من مكة إلى المدينة ، حين سأله بعض الكفار عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : من هذا قدّامك؟ فقال الصدّيق : رجل هادينا. فالتفصيل هاهنا كان موجبا للفساد العظيم فالأصح أنه ممكن لعدم امتناع وضع اللفظ الواحد لمعان متعددة مختلفة بأوضاع متعددة.

وقد يجاب بأنه يفهم واحد من المعاني ، ولا يلزم الترجيح بلا مرجّح لجواز أن يكون بين بعض المعاني والذهن مناسبة ينتقل الذهن من اللفظ إليه أو يكون بعضها مناسبا للفظ بحيث يتبادر الذهن بسبب تلك المناسبة إليه ، أو يكون بعضها مشهورا بحيث يتسارع الذهن بسبب الشهرة إليه ، أو تكون القرينة مرجّحة لبعض المعاني على الآخر.

والاختلاف الثاني في وقوع الاشتراك في اللغة ، قال البعض : ليس بواقع ، لأنّ وقوعه يوجب الإجمال والإبهام وهو مخلّ للاستعمال (٢) إذا لم يبيّن. وأمّا إذا بيّن المراد (٣) فالبيان هو الكافي للمقصود (٤) ، ولا حاجة إلى غيره ، فيلزم اللغو في وقوع المشترك ولأن الواضع إن كان هو الله تعالى فهو متعال عن اللغو والعبث ، وإن كان غيره تعالى فلا بدّ لصدور الوضع من علّة غائية لأنّ الفعل الاختياري لا بدّ له من علّة غائية كما تقرر في موضعه. وأجيب بأنّ الإجمال والإبهام قد يكون مقصودا في الاستعمال كما عرفت ، ومثل أن يريد المتكلّم إفهام مقصوده للمخاطب المعيّن وإخفاءه عن غيره ، فيتكلّم بلفظ مشترك يفهم المخاطب مراده (٥) منه بسبب كونه معهودا بينهما من قبل ، أو بسبب قرينة خفيّة بحيث يفهم المخاطب دون غيره ؛ والمبيّن قد يكون أبلغ من البيان وحده ، وقد يحدث من اجتماعهما لطافة في الكلام لا يحصل من البيان وحده ، وغير ذلك من الفوائد.

وأجيب بأن الواضع إذا كان الله تعالى فقد يكون المقصود منه ابتلاء العلماء الراسخين ، وقد يكون المقصود منه توسيع المفاهيم بالنظر إلى جماعة العلماء المجتهدين ، وقد يكون المقصود تشويق المخاطبين إلى فهم المراد (٦) حتى إذا ادركوه بعد التأمل وجدوه لذيذا لأن حصول المطلوب بعد الطلب والتعب يكون ألذ من المنساق بلا تعب وبغير نصب. وإن كان الواضع غيره تعالى فالمقصود قد يكون واحدا من تلك الأغراض وقد يكون غيرها مثل إخفاء المراد (٧) من غير المخاطب ، ومثل اختبار ذهن المخاطب هل يفهم بالقرائن أم لا ، أو اختيار مقدار فهم المخاطب هل يدرك بالقرائن الخفية أم لا ، وغيرها من الأغراض. وقد يكون الواضع متعددا ، فشخص وضع لفظا لمعنى

__________________

(١) أبو بكر الصديق هو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن كعب التيمي القرشي ، أبو بكر. ولد بمكة عام ٥١ ق. هـ / ٥٧٣ م وتوفي بالمدينة عام ١٣ هـ / ٦٣٤ م. أول من آمن بالرسول من الرجال وأول الخلفاء الراشدين. من رجال العرب المشهورين ومن سادات قريش : تاجر عالم بالأنساب والأخبار. شهد الوقائع مع الرسول وحدّث عنه ، ولقبه النبي بالصدّيق. الاعلام ٤ / ١٠٢ ، طبقات ابن سعد ٩ / ٢٦ ، ابن الأثير ٢ / ١٦٠ ، الطبري ٤ / ٤٦ ، اليعقوبي ٢ / ١٠٦ ، صفة الصفوة ١ / ٨٨ ، حلية الأولياء ٤ / ٩٣ ، تاريخ الخميس ٢ / ١٩٩.

(٢) بالاستعمال (م).

(٣) المقصود (م ، ع).

(٤) للمقصود (م ، ع).

(٥) مقصوده (م ، ع).

(٦) المقصود (م ، ع).

(٧) المقصود (م ، ع).

٢٠٤

واحد ثم شخص آخر وضعه لمعنى آخر كما في الأعلام المشتركة ، فالأصح أن المشترك واقع في اللغة.

والاختلاف الثالث في كون الاشتراك بين الضّدّين ، يعني اختلف بعد تسليم إمكانه ووقوعه في أنه هل هو واقع بين الضّدّين بحيث يكون لفظ واحد مشتركا بين معان متضادة متباينة. فقال بعضهم ليس بواقع لأن الاشتراك يقتضي التوحّد ، والتضادّ يقتضي التباين ، وبينهما منافاة ، فلا يكون واقعا. وأجيب بأنّ التوحّد والتباين ليسا من جهة واحدة ليلزم المنافاة ، لأن الأول من جهة اللفظ والثاني من جهة المعاني ، فلا منافاة حينئذ لاختلاف المحل ، فالأصح أنه واقع بين الضّدّين كالقرء للحيض والطّهر.

الاختلاف الرابع في عموم المشترك يعني بعد تسليم إمكانه ووقوعه وتحقّقه بين الضّدّين.

اختلف في عموم المشترك بأن يراد بلفظ المشترك أكثر من معنى واحد معا أو لا. الأول مذهب الشافعي والثاني مذهب الإمام الأعظم. ثم بعد كون المشترك عاما اختلف في أن إرادة العموم على سبيل الحقيقة أو المجاز. فذهبت طائفة منهم إلى أنه حقيقة لأن كلا من معانيه موضوع له فكان مستعملا في الموضوع له ، وهذا هو الحقيقة. وقال الآخرون منهم إنه مجاز وأن لفظ المشترك ليس بموضوع لمجموع المعنيين ، وإلاّ لما كان استعماله في أحدهما على سبيل الانفراد حقيقة ، ضرورة أنّه لا يكون نفس الموضوع له بل جزؤه ، واللازم باطل بالاتفاق فثبت أنه ليس بموضوع (١) للمجموع ، فلم يكن حقيقة. واستدل الشافعي على إرادة العموم من المشترك بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٢) الخ بأنّ الصلاة مشتركة بين الرحمة والاستغفار والدعاء. وفي الآية الرحمة والاستغفار كلاهما مرادان (٣) من لفظ واحد وهو يصلّون ، لأن الصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار. والجواب عن هذا الاستدلال أنّ الآية سيقت لإيجاب اقتداء المؤمنين بالله وملائكته ، ولا يصحّ ذلك إلاّ بأخذ معنى عام شامل للكل وهو الاعتناء بشأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيكون المعنى : الله وملائكته يعتنون بشأن النبي يا أيها المؤمنون اعتنوا أنتم أيضا (٤) بشأنه ، وذلك الاعتناء من الله رحمة ومن الملائكة استغفار ومن المؤمنين دعاء. فالصلاة هاهنا لمعنى الاعتناء سواء كان حقيقة أو مجازا ، وهو مفهوم واحد ومعنى عام ، لكن يختلف باختلاف المحال (٥) فكانت لها أفراد مختلفة بحسب اختلاف نسبة الصلاة إليها. وعند الإمام لا يجوز استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد لا حقيقة لما مرّ ، ولأن الوضع تخصيص اللفظ للمعنى ، فكلّ وضع في المشترك يوجب أن لا يراد به إلاّ هذا المعنى الموضوع له ، ويوجب أن يكون هذا المعنى تمام الموضوع له. فإرادة المعنى الآخر ينافي الوضع للمعنى الأول ، فلا يكون استعماله في كلا المعنيين بالوضع ، فلم يكن حقيقة (٦) ولا مجازا لأنه إذا استعمل في أكثر من معنى واحد فقد استعمل في الموضوع له وغير الموضوع له أيضا ، لأنّ

__________________

(١) بموضوع (ـ م).

(٢) الاحزاب / ٥٦.

(٣) مقصودان (م ، ع).

(٤) أيضا (ـ م).

(٥) الحال (م).

(٦) فلم يكن حقيقة (ـ م).

٢٠٥

كل واحد من المعنيين موضوع له باعتبار وضع اللفظ لذلك المعنى ، وغير الموضوع له باعتبار وضعه للمعنى الآخر ، فلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وهو لا يجوز عند الإمام الأعظم ، فبطل استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد. هذا خلاصة ما في التوضيح والتلويح وحاشية المبين (١) والحسن على السلّم (٢).

فائدة :

إذا دار اللفظ بين أن يكون مشتركا أو مجازا كالنّكاح ، فإنه يحتمل أن يكون حقيقة في الوطء مجازا في العقد ، وأنه مشترك بينهما ، فليحمل على المجاز لأنه أقرب.

فائدة :

جوّز الشافعي وأبو بكر الباقلاني وبعض المعتزلة كالجبائي وعبد الجبار (٣) وغيرهم أن يراد بالمشترك كلّ واحد من معنييه أو معانيه بطريق الحقيقة إذا صحّ الجمع بينهما ، كاستعمال العين في الباصرة والشمس ، لا كاستعمال القرء في الحيض والطهر معا ، إلاّ أنّ عند الشافعي وأبي بكر متى تجرد المشترك عن القرائن الصارفة إلى أحد معنييه أو معانيه وجب حمله على جميع المعاني كسائر الألفاظ العامة ، وعند الباقين لا يجب ، فصار العام عندهم قسمين : قسم متفق الحقيقة وقسم مختلفها ، وعند بعض المتأخرين يجوز إطلاقه عليهما مجازا حقيقة.

وعند الحنفية وبعض المحققين وجميع أهل اللغة وأبي هاشم وأبي عبد الله البصري (٤) يصح ذلك لا حقيقة ولا مجازا.

الاشتقاق : [في الانكليزية] Derivation ـ [في الفرنسية] Derivation

عند أهل العربية يحدّ تارة باعتبار العلم ، كما قال الميداني (٥) : هو أن تجد بين اللفظين تناسبا في أصل المعنى والتركيب ، فتردّ أحدهما إلى الآخر ؛ فالمردود مشتق والمردود إليه مشتق منه. وتارة باعتبار العمل كما يقال : هو أن تأخذ من اللفظ ما يناسبه في التركيب فتجعله دالا على معنى يناسب معناه ؛ فالمأخوذ مشتق والمأخوذ منه مشتق منه ، كذا في التلويح في التقسيم الأول. مثلا الضارب يناسب الضرب في الحروف والمعنى ، وقد أخذ منه بناء على أن الواضع لما وجد في المعاني ما هو أصل تتفرع منه معان كثيرة بانضمام زيادات إليه عيّن بإزائه حروفا وفرّع منها ألفاظا كثيرة بإزاء المعاني المتفرعة على ما تقتضيه رعاية المناسبة بين الألفاظ والمعاني ، فالاشتقاق هو هذا الأخذ والتفريع ، لا المناسبة المذكورة ، وإن كانت ملازمة له فالاشتقاق عمل مخصوص ، فإن

__________________

(١) حاشية المبين على سلم العلوم في المنطق لمحب الله البهاري. طبع بهامش المتن ، لكناهور ١٢٩٠ ه‍. اكتفاء القنوع ، ٢٠٥.

(٢) حاشية الحسن على السلم للمنلا حسن وهي حاشية على كتاب سلم العلوم في المنطق لمحب الله البهاري. طبع بهامش المتن في لكناهور ١٩٠ ه‍. اكتفاء القنوع ٢٠٥.

(٣) القاضي عبد الجبار هو عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني الأسدآبادي ، أبو الحسين. توفي بالري عام ٤١٥ هـ / ١٠٢٥ م. قاض ، أصولي ، من شيوخ المعتزلة الكبار. لقب بقاضي القضاة ، وله تصانيف كثيرة. الاعلام ٣ / ٢٧٣ ، الرسالة المستطرفة ١٢٠ ، طبقات السبكي ٣ / ٢١٩ ، لسان الميزان ٣ / ٣٨٦ ، تاريخ بغداد ١١ / ١١٣ ، طبقات المعتزلة ١١٢.

(٤) أبو عبد الله البصري هو الحسين بن علي بن ابراهيم ، أبو عبد الله الملقّب بالجعل الكاغدي. ولد في البصرة عام ٢٨٨ هـ / ٩٠٠ م وتوفي ببغداد عام ٣٦٩ هـ / ٩٨٠ م. فقيه ، من شيوخ المعتزلة ، اشتغل بالتدريس وكان له شهرة واسعة. له عدة مؤلّفات هامّة. الاعلام ٢ / ٢٤٤ ، المنتظم ٧ / ١٠١ ، شذرات الذهب ٣ / ٦٨ ، الإمتاع والمؤانسة ١ / ١٤٠.

(٥) الميداني : هو أحمد بن محمد بن أحمد بن ابراهيم الميداني النيسابوري ، أبو الفضل. ولد بنيسابور وفيها توفي عام ٥١٨ هـ / ١١٢٤ م. أديب ، باحث لغوي. له عدة مؤلفات. الاعلام ١ / ٢١٤ ، وفيات الأعيان ١ / ٤٦ ، انباه الرواة ١ / ١٢١ ، آداب اللغة ٣ / ٤٥ ، بغية الوعاة ١٥٥ ،

٢٠٦

اعتبرناه من حيث أنّه صادر عن الواضع احتجنا إلى العلم به لا إلى عمله ، فاحتجنا إلى تحديده بحسب العلم كما قال الميداني ، والحاصل منه العلم بالاشتقاق ، فكأنّه قيل : العلم بالاشتقاق هو أن تجد بين اللفظين تناسبا في أصل المعنى والتركيب فتعرف ارتداد أحدهما إلى الآخر وأخذه منه ، وإن اعتبرناه من حيث أنه يحتاج أخذنا إلى عمله عرّفناه باعتبار العمل ، فنقول هو أن تأخذ الخ هذا حاصل ما حققه السيّد الشريف في حاشية العضدي في المبادئ اللغوية.

اعلم أنّه لا بدّ في المشتق اسما كان أو فعلا من أمور : أحدها أن يكون له أصل ، فإنّ المشتق فرع مأخوذ من لفظ آخر ، ولو كان أصلا في الوضع غير مأخوذ من غيره لم يكن مشتقا. وثانيها أن يناسب المشتق الأصل في الحروف إذ الأصالة والفرعية باعتبار الأخذ لا تتحققان بدون التناسب بينهما والمعتبر المناسبة في جميع الحروف الأصلية ، فإنّ الاستسباق من السبق مثلا يناسب الاستعجال من العجل في حروفه الزائدة والمعنى ، وليس بمشتق منه بل من السبق. وثالثها المناسبة في المعنى سواء لم يتفقا فيه أو اتفقا فيه ، وذلك الاتفاق بأن يكون في المشتق معنى الأصل إمّا مع زيادة كالضرب فإنه للحدث المخصوص ، والضارب فإنه لذات ما له ذلك الحدث ، وإمّا بدون زيادة سواء كان هناك نقصان كما في اشتقاق الضرب من ضرب على مذهب الكوفيين أو لا ، بل يتحدان في المعنى كالمقتل مصدر من القتل ، والبعض يمنع نقصان أصل المعنى في المشتق وهذا هو المذهب الصحيح. وقال البعض لا بدّ في التناسب من التغاير من وجه فلا يجعل المقتل مصدرا مشتقا من القتل لعدم التغاير بين المعنيين. وتعريف الاشتقاق يمكن حمله على جميع هذه المذاهب.

التقسيم

الاشتقاق أي مطلقا إن جعل مشتركا معنويا أو ما يسمّى به إن جعل مشتركا لفظيا ثلاثة أقسام ، لأنه إن اعتبرت فيه الموافقة في الحروف الأصول مع الترتيب بينها يسمّى بالاشتقاق الأصغر ، وإن اعتبرت فيه الموافقة فيها بدون الترتيب يسمّى بالاشتقاق الصغير ، وإن اعتبرت فيه المناسبة في الحروف الأصول في النوعية أو المخرج للقطع بعدم الاشتقاق في مثل : الحبس مع المنع والقعود مع الجلوس يسمّى بالأكبر. مثال الأصغر الضارب والضرب ، ومثال الصغير كنى وناك ، ومثال الأكبر ثلم وثلب ، فالمعتبر في الأصغر الترتيب ، وفي الصغير عدم الترتيب ، وفي الأكبر عدم الموافقة في جميع الحروف الأصول ، بل المناسبة فيها ، فتكون الثلاثة أقساما متباينة. وأيضا المعتبر في الأصغر موافقة المشتق للأصل في معناه وفي الصغير والأكبر مناسبة فيه بأن يكون المعنيان متناسبين في الجملة ، هكذا ذكر صاحب مختصر الأصول. والمشهور تسمية الأول بالصغير والثاني بالكبير والثالث بالأكبر : والاشتقاق عند الاطلاق يراد به الأصغر. وتعريف الاشتقاق المذكور سابقا كما يمكن أن يكون تعريفا لمطلق الاشتقاق كما هو الظاهر ، لكون المناسبة أعمّ من الموافقة كذلك يمكن حمله على تعريف الاشتقاق الأصغر بأن يراد بالتناسب التوافق.

وفي تعريفات الجرجاني والاشتقاق نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيبا ومغايرتهما في الصيغة. الاشتقاق الصغير وهو أن يكون بين اللفظين تناسب في الحروف والترتيب نحو ضرب من الضرب. والاشتقاق الكبير وهو أن يكون بين اللفظين تناسب في اللفظ والمعنى دون الترتيب نحو جبذ من الجذب. والاشتقاق الأكبر وهو أن يكون بين اللفظين تناسب في المخرج نحو نعق من النهق انتهى.

٢٠٧

اعلم أنّ من اشترط التغير في المعنى نظر إلى أنّ المقاصد الأصلية من الألفاظ معانيها ، وإذا اتحد المعنى لم يكن هناك تفرّع وأخذ بحسبه ، وإن أمكن بحسب اللفظ فالمناسب أن يكون كل واحد أصلا في الوضع وعرّف المشتق بما ناسب أصلا بحروفه الأصول ومعناه بتغير ما ، أي في المعنى. ومن لم يشترط اكتفى بالتفرّع (١) والأخذ من حيث اللفظ ، فحذف قيد التغير من هذا التعريف. فإن قلت نحو أسد مع أسد يندرج في التعريفين فما تقول في ذلك جمعا ومفردا. قلت يحتمل القول بالاشتراك فلا اشتقاق ، ويمكن أن يعتبر التغير تقديرا فيندرج فيهما ويكون من نقصان حركة وزيادة مثلها ، وإمّا الحلب والحلب بمعنى واحد فيمكن أن يقال باشتقاق أحدهما عن الآخر كالمقتل مع القتل وأن يجعل كل واحد أصلا في لوضع لعدم الاعتداد بهذا التغير القليل. فإن قلت ما الفرق بين الاشتقاق والعدل المعتبر في منع الصرف؟ قلت المشهور أنّ العدل يعتبر فيه الاتحاد في المعنى والاشتقاق إن اشترط فيه الاختلاف في المعنى كانا متباينين وإلاّ فالاشتقاق أعمّ ، إلاّ أن الشيخ ابن الحاجب قد صرّح في بعض مصنفاته بمغايرة المعنى في العدل ، فالأولى أن يقال إنه صيغة من صيغة أخرى ، مع أنّ الأصل البقاء عليها والاشتقاق أعمّ من ذلك ، فالعدل قسم منه. ولذلك قال في شرحه للكافية عن الصيغة المشتقة : هي منها ، فجعل ثلاث مشتقة من ثلاثة ثلاثة ، هذا كله خلاصة ما ذكره السيد الشريف في حاشية العضدي.

اعلم أنّ المشتق قد يطّرد كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة وأفعل التفضيل وظرفي الزمان والمكان والآلة ، وقد لا يطّرد كالقارورة ، فإنها مشتقة من القرار لأنها لا تطلق على كل مستقرّ للمائع ، وكالدّبران مشتق من الدبر ولا يطلق مما يتصف به إلاّ على خمسة كواكب في الثور ، وكالخمر مشتق من المخامرة مختص بماء العنب إذا غلى واشتدّ وقذف بالزبد ، ولا يطلق على كلّ ما توجد فيه المخامرة ونحو ذلك ، وتحقيقه أنّ وجود معنى الأصل في المشتق قد يعتبر بحيث يكون داخلا في التسمية وجزأ من المسمّى ، والمراد (٢) ذات ما باعتبار نسبة معنى الأصل إليها بالصدور عنها أو الوقوع عليها أو فيها أو نحو ذلك ، فهذا المشتق يطّرد في كلّ ذات كذلك كالأحمر فإنه لذات ما لها حمرة ، فاعتبرت في المسمّى خصوصية صفة أعنى الحمرة مع ذات ما [فاطّرد] (٣) في جميع محاله ، وقد يعتبر وجود معنى الأصل من حيث أن ذلك المعنى مصحّح للتسمية بالمشتق ، مرجّح لها من بين سائر الأسماء ، من غير دخول المعنى في التسمية ، وكونه جزأ من المسمّى والمراد (٤) بالمشتق حينئذ ذات مخصوصة فيها المعنى لا من حيث هو ، أي ذلك المعنى في تلك الذات ، بل باعتبار خصوصها ، فهذا المشتق لا يطّرد في جميع الذوات المخصوصة التي يوجد فيها ذلك المعنى ، إذ مسمّاه تلك الذات المخصوصة التي لا توجد في غيرها كلفظ الأحمر إذا جعل علما لولد له حمرة. وحاصل التحقيق الفرق بين تسمية الغير بالمشتق لوجود المعنى فيه فيكون المسمّى هو ذلك الغير والمعنى سببا للتسمية به ، كما في القسم الثاني ، فلا يطّرد في مواضع

__________________

(١) النوع (م).

(٢) المقصود (م ، ع).

(٣) [فاطّرد] (+ م ، ع).

(٤) المقصود (م ، ع).

٢٠٨

وجود المعنى ، وبين تسميته لوجوده أي مع وجود المعنى فيه فيكون المعنى داخلا في المسمّى كما في القسم الأول ، فيطّرد في جميعها ، فاعتبار الصفة في أحدهما مصحّح للاطلاق وفي الآخر موضّح للتسمية.

فائدة :

المشتق عند وجود معنى المشتق منه حقيقة اتفاقا كالضارب لمباشر الضرب وقبل وجوده مجاز اتفاقا كالضارب لمن لم يضرب وسيضرب ، وبعد وجوده منه وانقضائه كالضارب لمن قد ضرب [قبل] (١) وهو الآن لا يضرب ، فقد اختلف فيه على [ثلاثة] (٢) أقوال : أولها مجاز مطلقا ، وثانيها حقيقة مطلقا ، وثالثها أنه إن كان مما يمكن بقاؤه كالقيام والقعود فمجاز ، وإن لم يكن مما يمكن بقاؤه كالمصادر السيّالة نحو التكلم والأخبار فحقيقة ، ودلائل الفرق الثلاث تطلب من العضدي وحواشيه.

فائدة :

قال مرزا زاهد في حاشية شرح المواقف في مبحث الماهية : اعلم أنّ في معنى المشتق أقوالا : الأول أنه مركب من الذات والصفة والنسبة وهو القول المشهور. الثاني أنه مركب من النسبة والمشتق منه فقط واختاره السيّد السّند ، واستدل عليه بأن مفهوم الشيء غير معتبر في الناطق ، وإلاّ لكان العرض العام داخلا في الفصل ولا ما يصدق هو عليه وإلاّ انقلب الإمكان بالوجوب في ثبوت الضاحك للإنسان مثلا ، فإنّ الشيء الذي له الضحك هو الإنسان وثبوت الشيء لنفسه ضروري. وأنت تعلم أنّ مفهوم المشتق ليس فصلا بل يعبّر عن الفصل ، وما ذكر من لزوم الانقلاب ففيه ذهول عن القيد مع أنّ دخول النسبة التي هي معنى غير مستقل بالمفهومية في حقيقة من غير دخول أحد المنتسبين فيها مما لا يعقل. والثالث ما ذهب إليه المحقق الدّواني من أنه أمر بسيط لا يشتمل على النسبة ، فإنه يعبّر عن الأسود والأبيض ونحوهما بالفارسية «بسياه وسفيد» ونظائرهما ، ولا يدخل فيه الموصوف لا عاما ولا خاصا ، وإلاّ كان معنى قولك الثوب الأبيض الثوب الشيء الأبيض ، أو الثوب الثوب الأبيض وكلاهما معلوم الانتفاء ، بل معناه أي معنى المشتق هو القدر الناعت المحمول بالعرض مواطأة وحده ، أي من غير أن يعتبر في الموصوف ولا النسبة ، بل الأمر البسيط الذي هو مفهوم المبدأ ، أي المشتق منه بحيث يصحّ كونه نعتا لشيء ، هكذا في شرح السّلّم (٣) للمولوي مبين (٤). وليس بينه وبين المشتق منه تغاير حقيقة فالأبيض إذا أخذ لا بشرط شيء فهو عرضي ومشتق ، وإذا أخذ لا بشرط شيء فهو عرض ومشتق منه ، وإذا أخذ بشرط شيء فهو ثوب أبيض مثلا.

فحاصل كلام المحقق أنه لا فرق بين العرض والعرضي والحمل (٥) حقيقة ، وإنما الفرق بالاعتبار كما بين الجنس والمادة ، فالأبيض إذا أخذ من حيث هو هو أي لا بشرط شيء فهو يحمل على الجسم ويتّحد معه ويحمل على البياض ويتّحد معه أيضا ، لكنه فرّق بين

__________________

(١) [قبل] (+ م ، ع).

(٢) [ثلاثة] (+ م ، ع).

(٣) شرح السلم أو مرآة الشروح للمولوي محمد مبين ، وهو شرح على سلم العلوم لمحب الله البهاري ، قازان ، ١٩١١ م. معجم المطبوعات العربية ١٨١٨.

(٤) المولوي مبين ، محمد مبين المولوي ، هندي الأصل توفي ١٢٢٥ هـ / ١٨١٠ م. عالم بالمنطق ، له عدة شروحات وكتب.

الأعلام ٧ / ١٨ ، معجم المطبوعات العربية ١٨١٨.

(٥) المحل (م).

٢٠٩

الاتحادين فإنّ اتحاده مع الجسم اتحاد عرضي بأنّ مبدأه كان قائما به ، فبهذه الجهة يتّحد معه ويحمل عليه ، واتحاده مع البياض اتحاد ذاتي لأن الشيء لا يكون خارجا عن نفسه بل اتحاده معه ذاتي بأنه لو كان البياض موجودا بنفسه بحيث لا يكون قائما بالجسم لكان أبيض بالذات ، فالأبيض عند هذا المحقق معنى بسيط لا تركيب فيه أصلا ولا مدخل فيه للموصوف لا عاما ولا خاصا ، ولهذا قال ذلك المحقق : إنّ المشتق بجميع أقسامه لا يدل على النسبة ولا على الموصوف لا عاما ولا خاصا ، هكذا في شرح السلّم للمولوي مبين. وأنت تعلم أنّ الأمر لو كان كذلك لكان حمل الأبيض على البياض القائم بالثوب صحيحا وذلك باطل بالضرورة ، مع أنه مستبعد جدا ، كيف ويعبر بالفارسية عن البياض «بسفيدي وعن الأبيض بسفيد». والحق أن حقيقة معنى المشتق أمر بسيط ينتزعه العقل عن الموصوف نظرا إلى الوصف القائم به.

فالموصوف والوصف والنسبة كلّ منها ليس علّة ولا داخلا فيه ، بل منشأ لانتزاعه وهو يصدق عليه ، وربما يصدق على الوصف والنسبة فتدبّر.

فائدة :

قال في الإحكام (١) ؛ هل يشترط قيام الصفة المشتق منها بما له الاشتقاق فذلك مما أوجبه أصحابنا ، ونفاه المعتزلة وكأنه اعتبر الصفة احترازا عن مثل : لابن وتامر مما اشتق من الذوات ، فإنّ المشتق منه ليس قائما بما له الاشتقاق ، فإنّ المعتزلة جعلوا المتكلّم [الله تعالى] (٢) لا باعتبار كلام هو له ، بل باعتبار كلام حاصل بجسم (٣) كاللّوح المحفوظ وغيره ، ويقولون لا معنى لكونه متكلّما ، إلاّ أنه يخلق الكلام في الجسم. وتوضيح ذلك يطلب من العضدي وحواشيه.

اعلم أنّ الاشتقاق كما يطلق على ما عرفت كذلك يطلق على قسم من التجنيس عند أهل البديع ، وقد سبق. ويقول بعضهم : الاشتقاق هو جمع كلمات في النظم أو النثر بحيث تكون حروفها متقاربة ومتجانسة بعضها مع بعض ، وأفضله ما كان مشتقا من كلمة واحدة نحو قوله تعالى : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) ، وفي الحديث : «الظلم ظلمات يوم القيامة». ومثل : «البدعة شرك الشرك». وفي النثر : الإكبار الوافر للخالق الذي أكرمني بأنواع عوارف العرفان أنا العبد العديم الشكر المنكر للحق. وفي الشعر :

إذا وصل إلى من عطف قبولك ذرة

فإنها تنقلني في الثروة من الثّرى إلى الثريا

كما ورد في الشعر العربي قول القائل :

إنما الدنيا الدّواهي والدّواهي

قط لا تنجو بلاهي والبلاهي

وقال في جامع الصنائع : هذا خاص بالكلمات العربية ، ومثاله : الحكيم هو الذي يعلم أن الحكم المحكم لا يكون حقا لشخص ما (٤).

__________________

(١) الإحكام في أصول الأحكام لسيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الآمدي (ـ ٦٣١ هـ). فرغ من تأليفه سنة ٦٢٥ ه‍. القاهرة ، مطبعة المعارف ، ١٩١٤ م. كشف الظنون ١ / ١٧ ، معجم المطبوعات العربية ١٠.

(٢) الله تعالى (+ م ، ع).

(٣) لجسم (م ، ع).

(٤) وبعضى گويند كه اشتقاق آنست كه از نظم يا نثر كلماتى جمع كرده شود كه حروف آنها در گفتار متقارب باشند ومتجانس يكديگر وبهتر آنست كه از يك كلمه مشتق باشند نحو قوله تعالى : «فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ». [ودر حديث : الظلم ظلمات يوم القيمة ومثل البدعة شرك الشرك. ودر نثر فارسي آفرين فراوان آفريننده را كه چندين عوارف عرفان در حق من ناسپاس ناحق شناس ارزاني فرموده. ودر نظم فارسي امير خسرو دهلوي فرموده. بيت.

گر ذرة ز مهر قبولت بمن رسد.

در ثروت از ثرى به ثريا برد مرا.

ودر شعر عربي نيز آمده :

٢١٠

الأشرف : [في الانكليزية] The noblest ، unveiling ـ [في الفرنسية] Le plus noble ، devoilement

هو عند الصوفية عبارة عن ارتفاع الوسائط أيّا كانت بين الموجد والموجد ، وسائط أقل ، وأحكام وجوبها على أحكام الإمكان أغلب.

فذاك هو الأشرف. وأمّا إذا كانت الوسائط أكثر بينه وبين الحق فذلك الشيء أخسّ ، فلهذا كان العقل أولا والملائكة المقرّبون أشرف من الإنسان الكامل والإنسان أكمل منهم. قال الشاعر :

بين الأشرف والأكمل هناك فرق :

لقد أخبرتك فادرك ذلك جيدا

فالملك أشرف من الإنسان الكامل

ولكن الإنسان الكامل أكمل منه

كذا نقل عن عبد الرزاق الكاشي (١).

الإشمام : [في الانكليزية] Light pronunciation of a vowel

ـ [في الفرنسية] Prononciation legere d\'une voyelle

هو عند القراء والنحاة عبارة عن الإشارة إلى الحركة من غير تصويت. وقيل أن تجعل شفتيك على صورتها ، وكلاهما واحد ، ويختص بالضمّ سواء كانت حركة إعراب أو بناء إذا كانت لازمة ؛ وهو بهذا المعنى من أقسام الوقف كما في الاتقان. وأما الإشمام بمعنى أن تنحو الكسرة نحو الضمة فتميل الياء الساكنة بعدها نحو الواو قليلا إذ هي تابعة لحركة ما قبلها فيستعمله النحاة والقرّاء في نحو قيل وبيع. وقيل الإشمام في نحو قيل وبيع كالإشمام حالة الوقف ، أعني ضمّ الشفتين مع كسرة الفاء خالصا ، هذا خلاف المشهور عند الفريقين.

وقيل الإشمام أن تأتي الضمّة خالصة بعدها ياء ساكنة وهذا أيضا غير مشهور عندهم ، والغرض من الإشمام في نحو قيل وبيع الإيذان بأنّ الأصل الضم في أوائل هذه الحروف ، هكذا في الفوائد الضيائية في بحث الفعل المجهول.

آشنائى : [في الانكليزية] Knoweledge ـ [في الفرنسية] Connaiance

ومعناها المعرفة. وفي اصطلاح السالكين عبارة عن العلاقة الدقيقة للربوبية المتّصلة بجميع المخلوقات ، كما هو تعلّق الخالقية بالمخلوقية (٢).

الإصبع : [في الانكليزية] Finger ، one sixth ـ [في الفرنسية] Doigt ، une sixieme

بكسر الهمزة وفتح الموحدة [في اللغة الفارسية يقال له : أنلشت. وفي اصطلاح الرّياضيين هو نصف سدس المقياس. كما سيأتي في لفظ : ظل ، كما يقال أيضا : نصف سدس كل من قطر القمر وقطر الشمس ومن جرم كليهما (٣). قال في التذكرة وشرحه لعبد العلي البرجندي : ويجزئ كل واحد من قطري

__________________

انما الدنيا الدواهي والدواهي

قط لا تنجو بلاهي والبلاهي

ودر جامع الصنائع گويد كه اين خاصه كلمات عربي است مثاله حكيم آنست كز حكم بداند كه حكم محكم حق كسى نيست.

(١) الاشرف نزد صوفيه عبارتست از ارتفاع وسائط هرچند ميان موجد وموجد وسائط كمتر واحكام وجوبش بر احكام امكانش اغلب آن شيء اشرف واگر وسائط اكثر ميان وى وحق آن شيء اخس از بهر همين عقل اوّل وملائكة مقربون از انسان كامل اشرف باشند وانسان از ايشان اكمل. نظم. ميان اشرف واكمل تميز است. ترا كردم خبر درياب نيكو. ملك اشرف بود ز انسان كامل. ولى انسان كامل اكمل از او. كذا نقل عن عبد الرزاق الكاشي.

(٢) آشنائى : در اصطلاح سالكان عبارتست از تعلق دقيقه ربوبيت كه با همه مخلوقات پيوسته است چون تعلق خالقيت بمخلوقيت.

(٣) بحسب لغت انگشت را گويند ودر اصطلاح رياضيان نصف سدس مقياس را گويند چنانچه در لفظ ظل خواهد آمد ونيز نصف سدس هريك از قطر قمر وقطر شمس واز جرم هر دو را گويند.

٢١١

النيرين وجرميهما إلى اثني عشر جزءا متساوية وتسمّى الأصابع. والأصابع القطرية أي المعتبرة في القطر تقيّد بالمطلقة ، والأصابع الجرمية تقيّد بالمعدّلة. والمراد (١) بجرمي النيرين صفحتاهما المرئيتان فإنّ سطح نصف جرم القمر مثلا يرى من بعيد كدائرة ، وهذا السطح المستوي يسمّى بسطح صفحة القمر ، وكذا الحال في الشمس.

فصفحة القمر مثلا هي ما يقع من جرم القمر على قاعدة مخروط شعاع البصر ، وإنما يقسم هكذا لأنّ كلا منهما في المنظر قريب من شبر هو اثنا عشر إصبعا ، كل إصبع منها ستّ شعيرات مضمومة بطون بعضها إلى ظهور البعض. ولهذا يسمّى الأقسام بالأصابع. فإذا قيل المنخسف من القمر كذا إصبعا ، فالمراد (٢) منه ظاهر ، وأمّا إذا قيل من جرم القمر قطر فالمراد (٣) منه مساحة القدر المظلم من صفحة القمر بمربع يكون مساحة تمام صفحته اثني عشر مربعا ، وقس عليه المنكسف من قطر الشمس وجرمها وإن شئت الزيادة فارجع إليه.

أصحاب الفرائض : [في الانكليزية] Eligible party ، entitled party ـ [في الفرنسية] Les ayants ـ droit (ayants ـ cause)

وأصحاب الفروض عند أهل الفرائض هم الورثة الذين لهم سهام مقدّرة في الكتاب أو السنة أو الإجماع ، كذا في الشريفي وغيره.

أصداع الجمع : [في الانكليزية] Multiplicity (after unification) ـ [في الفرنسية] Multiplicite apres unification

هو الفرق باصطلاح الصوفية بعد الجمع بظهور الكثرة في الوحدة ، واعتبار الكثرة في الوحدة ، كذا في لطائف اللغات (٤).

الإصرار : [في الانكليزية] Persistance ـ [في الفرنسية] Persistance

الإقامة على الذنب والعزم على فعل مثله كذا في الجرجاني.

الاصطفاء : [في الانكليزية] Pure illumination or election ـ [في الفرنسية] Illumination pure ، pure election

هو عند أهل السلوك الاجتباء الخالص (٥).

الاصطلاح : [في الانكليزية] Convention ـ [في الفرنسية] Convention

هو العرف الخاص ، وهو عبارة عن اتفاق قوم على تسمية شيء باسم بعد نقله عن موضوعه الأول لمناسبة بينهما ، كالعموم والخصوص ، أو لمشاركتهما في أمر أو مشابهتهما في وصف أو غيرها ، كذا في تعريفات الجرجاني. وسيأتي في لفظ المجاز.

والاصطلاحي هو ما يتعلق بالاصطلاح ، يقال هذا منقول اصطلاحي وسنّة اصطلاحية وشهر اصطلاحي ونحو ذلك.

الاصطلام : [في الانكليزية] Paion ـ [في الفرنسية] Paion amoureuse

هو الوله الغالب على القلب ، وهو قريب من الهيمان ، كذا في الاصطلاحات الصوفية.

__________________

(١) والمقصود (م ، ع).

(٢) فالمقصود (م ، ع).

(٣) فالمقصود (م ، ع).

(٤) اصداع الجمع : در اصطلاح صوفيه فرق است بعد از جمع بظهور كثرت در وحدت واعتبار كثرت در وحدت كذا في لطائف اللغات.

(٥) الاصطفاء : نزد سالكان خالص اجتباء را گويند.

٢١٢

الأصغر : [في الانكليزية] Minor ـ [في الفرنسية] Mineur

عند أهل العربية يطلق على قسم من الاشتقاق ، وعند المنطقيين يطلق على موضوع المطلوب في القياس الاقتراني ، وسيأتي في لفظ الحدّ أيضا.

الأصل : [في الانكليزية] Origin ـ [في الفرنسية] Origine

بفتح الأول وسكون الصاد المهملة. في اللغة ما يبتنى عليه غيره من حيث إنّه يبتنى عليه غيره. وبقيد الحيثية خرج أدلة الفقه مثلا من حيث ، إنها تبتني على علم التوحيد فإنها بهذا الاعتبار فروع لا أصول ، إذ الفرع ما يبتنى على غيره من حيث إنه يبتنى على غيره. وكثيرا ما يحذف قيد الحيثية عن تعريفهما لكنه مراد لأن قيد الحيثية لا بدّ منه في تعريف الإضافيات. ثم الابتناء أعم من الحسّي والعقلي. والحسّي كون الشيئين محسوسين وحينئذ يدخل فيه مثل ابتناء السقف على الجدار ، وابتناء المشتق على المشتق منه كالفعل على المصدر. والعقلي.

بخلافه. وقيل الحسّي مثل ابتناء السقف على الجدار بمعنى كونه مبنيا عليه وموضوعا فوقه فإنه مما يدرك بالحسّ ويخرج منه حينئذ مثل ابتناء الأفعال على المصادر ، ويدخل في العقلي ، فإنّ ابتناء الأفعال على المصادر والمجاز على الحقيقة والأحكام الجزئية على القواعد الكلية والمعلولات على عللها وما يشبه ذلك ابتناء عقلي. وقيل الأصل المحتاج إليه والفرع المحتاج. وفيه أنّ الأصل لغة لا يطلق على العلل الأربع سوى المادة ، يقال أصل هذا السرير خشب ، وكذا لا يطلق على الشروط مع كون تلك الأشياء المذكورة محتاجة إليها فلا يكون مطردا مانعا ، كذا في التلويح وحواشيه في تعريف أصول الفقه وفي بحث القياس.

وعند الفقهاء والأصوليين يطلق على معان : أحدها الدليل ، يقال الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة. وثانيها القاعدة الكلية وهي اصطلاحا على ما يجيء قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة عل جزئيات موضوعها ، ويسمّى تلك الأحكام فروعا واستخراجها منها تفريعا. وثالثها الراجح أي الأولى والأحرى يقال الأصل الحقيقة. ورابعها المستصحب ، يقال تعارض الأصل والظاهر ، فهذه أربعة معان اصطلاحية تناسب المعنى اللغوي ، فإن المدلول له نوع ابتناء على الدليل ، وفروع القاعدة مبنية عليها ، وكذا المرجوح كالمجاز مثلا له نوع ابتناء على الراجح وكذا الطارئ بالقياس إلى المستصحب ، كذا في العضدي وحواشيه للسيّد السّند والسعد التفتازاني. وربّما يعبر عن المعنى الرابع بما ثبت للشيء نظرا إلى ذاته على ما وقع في حاشية الفوائد الضيائية للمولوي عبد الحكيم. وربّما يفسّر بالحالة التي تكون للشيء قبل عروض العوارض عليه ، كما يقال الأصل في الماء الطهارة والأصل في الأشياء الإباحة ، هكذا في حواشي المسلم (١). وخامسها مقابل الوصف على ما يجيء في لفظ الوصف ، وكذا يجيء بيان بعض المعاني المذكورة سابقا أيضا في محله. وفي چلپي البيضاوي ذكر الأصل بمعنى الكثير أيضا ، ولعل مرجع هذا المعنى إلى المعنى الثالث والله أعلم.

أصل القياس : [في الانكليزية] Origin syllogism ـ [في الفرنسية] Syllogisme d\'origine

هو عند أكثر علماء الفقه والأصول هو محل الحكم المنصوص عليه كما إذا قيس الأرز على البرّ في تحريم بيعه بجنسه متفاضلا ، كأن الأصل هو البرّ عندهم لأن الأصل ما كان حكم

__________________

(١) مسلم الثبوت لمحب الله البهاري الهندي الحنفي (ـ ١١١٩ هـ) وعليه شرح لعبد العلي محمد بن نظام الدين محمد الانصاري الهندي (ـ ١١٨٠ هـ) سماه فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت. إيضاح المكنون ٢ / ٤٨١.

٢١٣

الفرع مقيسا عليه ومردودا إليه وذلك هو البرّ في هذا المثال.

وعند المتكلّمين هو الدليل الدّالّ على الحكم المنصوص عليه من نصّ أو إجماع كقوله عليه‌السلام : «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل» (١) في هذا المثال لأنّ الأصل ما يتفرّع عليه غيره ، والحكم المنصوص عليه متفرّع على النص ، فكأنّ النصّ هو الأصل.

وذهب طائفة إلى أنّ الأصل هو الحكم في المحل المنصوص عليه لأنّ الأصل ما ابتنى عليه غيره فكان العلم به موصلا إلى العلم أو الظنّ بغيره ، وهذه الخاصية موجودة في الحكم لا في المحل لأن حكم الفرع لا يتفرّع على المحل ، ولا في النص والإجماع إذ لو تصوّر العلم بالحكم في المحل دونهما بدليل عقلي أو ضرورة أمكن القياس فلم يكن النص أصلا للقياس أيضا ؛ وهذا النزاع لفظي لإمكان إطلاق الأصل على كلّ واحد منها لبناء حكم الفرع على الحكم في المحل المنصوص عليه وعلى المحل وعلى النص ، لأن كلّ واحد أصله ، وأصل الأصل أصل ، لكن الأشبه أن يكون الأصل هو المحل كما هو مذهب الجمهور ، لأن الأصل يطلق على ما يبتني عليه غيره وعلى ما يفتقر إليه غيره ، ويستقيم إطلاقه على المحل بالمعنيين. أمّا بالمعنى الأول فلما قلنا ، وأمّا بالمعنى الثاني فلافتقار الحكم ودليله إلى المحلّ ، ضرورة من غير عكس ، لأن المحل غير مفتقر إلى الحكم ولا إلى دليله ، ولأن المطلوب في باب القياس بيان الأصل الذي يقابل الفرع في التركيب القياسي ، ولا شك أنه بهذا الاعتبار هو المحل. وأما الفرع فهو المحل المشبّه عند الأكثر كالأرزّ في المثال المذكور.

وعند الباقين هو الحكم الثابت فيه بالقياس كتحريم البيع بجنسه متفاضلا وهذا أولى لأنه الذي يبتني على الغير ويفتقر إليه دون المحل ، إلاّ أنهم لمّا سمّوا المحل المشبّه به أصلا سمّوا المحلّ الآخر المشبّه فرعا ، كذا في بعض شرح الحسامي (٢).

أصلي : [في الانكليزية] The original Arabic ـ [في الفرنسية] La langue arabe originelle

نوع من أنواع اللّغة ، وهو اللفظ المستعمل عند سبع أقوام من العرب سكان البادية الذين يقال لهم : الأعراب والعرب العرباء والعرب العاربة. وقد استنبطت علوم الأدب والنحو العربي من كلام هؤلاء الأعراب ؛ واللغات السّبع المشهورة بالفصاحة هي : لغة قريش وعليا هوازن وأهل اليمن وثقيف وهذيل وبني تميم (٣) ، كذا ذكر في شرح نصاب الصبيان (٤). وعلى هذا

__________________

(١) (الحنطة بالحنطة مثلا بمثل) هذا جزء من حديث ، أخرجه مسلم ، ٣ / ١٢١١ ، عن أبي هريرة ، كتاب المساقاة (٢٢) ، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا (١٥) ، حديث رقم ٧٩ / ١٥٧٦ ، وتمامه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «التمر بالتمر ، والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والملح بالملح ؛ مثلا بمثل ، يدا بيد. فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلاّ ما اختلفت ألوانه».

(٢) شرح الحسامي أو شرح المنتخب الحسامي أو التحقيق في شرح المنتخب في أصول المذهب لعبد العزيز بن أحمد بن محمد علاء الدين البخاري (ـ ٧٣٠ هـ). وهو شرح على مختصر حسام الدين محمد بن عمر الأخسيكثي في أصول الفقه. لكنا و ١٢٩٢ هـ ، ٣٧٢ ص. معجم المؤلّفين ٥ / ٢٤٢. معجم المطبوعات العربية ٥٣٨.

(٣) نوعي است از انواع لغت وآن لفظي است مستعمل نزد هفت طائفه مخصوصه مشهوره از مردم بيابانى كه ايشان را اعراب وعرب عرباء وعرب عاربه نيز گويند وعلوم ادبيه وقواعد عربيه علماى عرب از كلام اين قوم ولغت اين گروه استنباط كرده اند. وهفت لغت در عرب مشهور است بفصاحت وآن هفت لغت قريش وعليا هوازن واهل يمن وثقيف وهذيل وبني تميم.

(٤) شرح نصاب الصبيان ويعرف برياض الفتيان (فارسي) لكمال بن جمال بن حسام الهروي وهو شرح لنصاب الصبيان في اللغة (نظم من مائتي بيت) لأبي نصر مسعود بن أبي بكر بن حسين السنجري الفراهي (ـ ٦٤٠ هـ) وعلى النصاب تعليق للشريف الجرجاني (ـ ٨١٦ هـ). كشف الظنون ٢ / ١٩٥٤.

٢١٤

المعنى يقال : هذا اللفظ في الأصل أو في أصل اللغة لكذا ثم استعمل لكذا. ويقابل الأصلي المولّد. وفي الخفاجي في تفسير قوله تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ) ، المراد بالأصل حالة وضعه الأول.

الأصمّ : [في الانكليزية] Prime number ، irrational root ـ [في الفرنسية] Nombre premire ، racine irrationelle

بتشديد الميم عند الصرفيين هو المضاعف. وعند المحاسبين والمهندسين هو مقدار لا يعبّر عنه إلاّ باسم الجذر كجذر خمسة ، ويقابله المنطق على ما سيجيء.

والأصم على مراتب يعبر عنها به فما كان منه في المرتبة الأولى فهو أن يكون المربع الذي يقوى عليه منطقا في القوة ؛ ومعنى القوة هو المربّع الذي يكون من ضرب الخط في مثله ، وإنما سمّي منطقا لأنه يعبر عن مربعه بعدد. وما كان منه في المرتبة الثانية فهو أن يكون مربعه أصمّ ، ومربع مربعه منطقا ، وإن شئت قلت : هو ما يكون مربعه منطقا في القوة مثل جذر جذر سبعة. وما كان في المرتبة الثالثة فهو ما يكون مربع مربعه منطقا في القوة مثل حذر جذر جذر سبعة ، وهكذا. وإذا كان الخط في المرتبة الثانية إلى ما بعدها من المراتب سمّي متوسطا ، لأنّ هذا الخط متوسط في الرتبة لأنّه انحطّ عن مرتبة الخط الذي مربعه عددي ، وارتفع عن مرتبة الخطّ المركّب ، هذا في الخط. وأما في السطح فيسمّى الأصمّ متوسطا سواء كان ذلك الأصمّ في المرتبة الأولى أو فيما بعدها من المراتب. وأيضا يطلق على قسم من الجذر مقابل للمنطق ، وعلى قسم من الكسر مقابل للمنطق منه.

الأصول : [في الانكليزية] Elements ، parts ـ [في الفرنسية] Elements ، parties

جمع أصل ، وأهل العروض يريدون بها ما تتركب منه الأركان وهي أي الأصول ثلاثة : الوتد والسبب والفاصلة وتحقيق كل في موضعه.

أصول الأفاعيل : [في الانكليزية] Parts ـ [في الفرنسية] Parties

هي الأجزاء كما سيجيء.

أصول الدين : [في الانكليزية] Fundamentals of the religion ـ [في الفرنسية] Fondements de la religion

هو علم الكلام ، ويسمّى بالفقه الأكبر أيضا. وقد سبق في المقدمة ، وكذا أصول الحديث وأصول الفقه.

الأصول الموضوعة : [في الانكليزية] Axioms ـ [في الفرنسية] Axiomes

هي المبادئ الغير البيّنة بنفسها المسلّمة في العلم على سبيل حسن الظنّ. وقد سبق في المقدمة أيضا في بيان المبادئ.

الإضافة : [في الانكليزية] Relation ـ [في الفرنسية] Relation

هي عند النحاة نسبة شيء إلى شيء بواسطة حرف الجرّ لفظا أو تقديرا مرادا.

والشيء يعمّ الفعل والاسم ، والشيء المنسوب يسمّى مضافا والمنسوب إليه مضافا إليه. وقيد بواسطة حرف الجرّ احتراز عن مثل الفاعل والمفعول نحو : ضرب زيد عمروا فإنّ ضرب نسب إليهما لكن لا بواسطة حرف الجر.

واللفظ بمعنى الملفوظ ، مثاله : مررت بزيد ، فإنّ مررت مضاف وزيد مضاف إليه ، والتقدير بمعنى المقدر مثاله غلام زيد ، فإنّ الغلام مضاف بتقدير حرف الجر إلى زيد إذ تقديره : غلام لزيد. وقولنا مرادا حال ، أي حال كون ذلك التقدير أي المقدّر مرادا من حيث العمل بإبقاء أثره وهو الجرّ ، فخرج منه : قمت يوم الجمعة فإنه وإن نسب إليه قمت بالحرف المقدّر وهو في ، لكنه غير مراد ، إذ لو أريد لانجر ، وكذا

٢١٥

ضربته تأديبا. وهذا مبني على مذهب سيبويه.

والمصطلح المشهور فيما بينهم أن الإضافة نسبة شيء إلى شيء بواسطة حرف الجر تقديرا ، وبهذا المعنى عدّت في خواص الاسم. وشرط الإضافة بتقدير الحرف أن يكون المضاف اسما مجرّدا عن التنوين ، وهذه قسمان : معنوية أي مفيدة معنى في المضاف تعريفا إذا كان المضاف إليه معرفة ، أو تخصيصا إذا كان نكرة ، وتسمّى إضافة محضة أيضا ، وعلامتها أن يكون المضاف غير صفة مضافة إلى معمولها ، سواء كان ذلك المعمول فاعلها أو مفعولها قبل الإضافة كغلام زيد وكريم البلد ، وهي بحكم الاستقراء إمّا بمعنى اللام فيما عدا جنس المضاف إليه وظرفه ، نحو : غلام زيد ، وإمّا بمعنى من ، في جنس المضاف نحو : خاتم فضة ، وإمّا بمعنى في ، في ظرفه ، نحو : ضرب اليوم. وإضافة العام من وجه إلى الخاص من وجه إضافة بيانية بتقدير من ، كخاتم فضة ، وإضافة العام مطلقا إلى الخاص مطلقا إضافة بيانية أيضا ، إلاّ أنّه بمعنى اللام عند الجمهور وبمعنى من عند صاحب الكشاف كشجر الأراك. ولفظية أي مفيدة للخفة في اللفظ وتسمّى غير محضة أيضا ، وعلامتها أن يكون المضاف صفة مضافة إلى معمولها ، مثل ضارب زيد وحسن الوجه ، وحرفها ما هو ملائمها ، أي ما يتعدّى به أصل الفعل المشتق منه المضاف نحو : راغب زيد ، فإنه مقدّر بإلى أي راغب إلى زيد إذا جعلت إضافته إلى المفعول ، وليست منها إضافة المصدر إلى معموله خلافا لابن برهان (١) ، وكذا إضافة اسم التفضيل ليست منها خلافا للبعض.

اعلم أنّ القول بتقدير حرف الجر في الإضافة اللفظية هو المصرّح به في كلام ابن الحاجب ، لكن القوم ليسوا قائلين بتقدير الحرف في اللفظية ، فعلى هذا ، تعريف الإضافة لا يشتملها. ففي تقسيم الإضافة بتقدير الحرف إلى اللفظية والمعنوية خدشة ، وقد تكلّف البعض في إضافة الصّفة إلى مفعولها مثل : ضارب زيد بتقدير اللام تقوية للعمل ، أي ضارب لزيد ، وفي إضافتها إلى فاعلها مثل : الحسن الوجه بتقدير من البيانية ، فإنّ ذكر الوجه في قولنا جاءني زيد الحسن الوجه بمنزلة التمييز ، فإن في إسناد الحسن إلى زيد إبهاما فإنه لا يعلم أنّ أي شيء منه حسن ، فإذا ذكر الوجه فكأنّه قال : من حيث الوجه ، هكذا يستفاد من الكافية وشروحه (٢) والإرشاد والوافي.

وعند الحكماء يطلق بالاشتراك على ثلاثة معان : الأول النسبة المتكررة أي نسبة تعقل بالقياس إلى نسبة أخرى معقولة أيضا بالقياس إلى الأولى ، كالأبوّة فإنها تعقل بالقياس إلى البنوّة ، وأنها أي البنوّة أيضا نسبة تعقل بالقياس إلى الأبوّة ، وهي بهذا المعنى تعدّ من المقولات من أقسام مطلق النسبة ، فهي أخص منها أي من مطلق النسبة ، فإذا نسبنا المكان إلى ذات المتمكّن مثلا حصل للمتمكن باعتبار الحصول فيه هيئة هي الأين ، وإذا نسبناه إلى المتمكّن

__________________

(١) ابن برهان : هو عبد الواحد بن علي ، ابن برهان الأسدي العكبرى ، ابو القاسم. توفي ببغداد عام ٤٥٦ هـ / ١٠٦٤ م. عالم بالأدب والنسب كان منجما ثم صار نحويا ، وكان حنبليا ثم تحوّل حنفيا. له عدة كتب. الاعلام ٤ / ١٧٦ ، فوات الوفيات ٢ / ١٩ ، تاريخ بغداد ١١ / ١٧ ، إنباه الرواة ٢ / ٢١٣ ، شذرات الذهب ٣ / ٢٩٧ ، بغية الوعاة ٣١٧ ، هدية العارفين ١ / ٦٣٤.

(٢) لكافية ابن الحاجب في النحو شروح كثيرة أهمها شرح رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآبادي ، وشرحها جلال الدين أحمد بن علي بن محمود الغجدواني وكذلك تاج الدين أبو محمد أحمد بن عبد القادر الحنفي (٧٤٩ هـ) ونجم الدين أحمد بن محمد القمولي (ـ ٧٢٧ هـ) وشمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني (ـ ٧٤٩ هـ) وشهاب الدين احمد بن عمر الهندي (ـ ٨٤٩ هـ) الى غير ذلك من الشروح والمطولات. كشف الظنون ٢ / ١٣٧٠ ـ ١٣٧٦.

٢١٦

باعتبار كونه ذا مكان كان الحاصل إضافة لأنّ لفظ المكان يتضمّن نسبة معقولة بالقياس إلى نسبة أخرى هي كون الشيء ذا مكان ، أي متمكنا فيه ، فالمكانية والمتمكّنية من مقولة الإضافة ، وحصول الشيء في المكان نسبة معقولة بين ذات الشيء والمكان لا نسبة معقولة بالقياس إلى نسبة أخرى ، فليس من هذه المقولة ، فاتضح الفرق بين الإضافة ومطلق النسبة ، وتسمى الإضافة بهذا المعنى مضافا حقيقيا أيضا. والثاني المعروض لهذا العارض كذات الأب المعروضة للأبوّة. والثالث المعروض مع العارض ، وهذان يسمّيان مضافا مشهوريا أيضا. فلفظ الإضافة كلفظ المضاف يطلق عل ثلاثة معان : العارض وحده والمعروض وحده والمجموع المركّب منهما ، كذا في شرح المواقف ، لكن في شرح حكمة العين أن المضاف المشهوري هو المجموع المركب ، حيث قال : والمضاف يطلق بالاشتراك على نفس الإضافة كالأبوّة والبنوّة ، وهو الحقيقي ، وعلى المركب منها ومن معروضها وهو المضاف المشهوري كالأب والابن ، وعلى المعروض وحده انتهى. قال السيّد السّند في حاشيته : الظاهر أن إطلاق المضاف على المعروض من حيث أنه معروض لا من حيث ذاته مع قطع النظر عن المعروضية ، لا يقال فما الفرق بينه وبين المشهوري لأنا نقول : العارض مأخوذ هاهنا بطريق العروض وهناك بطريق الجزئية.

فإن قلت الأب هو الذات المتّصفة بالأبوّة لا الذات والأبوّة معا ، وإلاّ لم يصدق عليه الحيوان. قلت المضاف المشهوري هو مفهوم الأب لا ما صدق عليه ، والأبوّة داخلة في المفهوم ، وإن كانت خارجة عمّا صدق عليه.

والتفصيل أن الأبوّة مثلا يطلق عليها المضاف لا لأنها نفس مفهومه بل لأنها فرد من أفراده ، فله مفهوم كلّي يصدق على هذه الإضافات ولذا اعتبرت الأبوة مع الذات المتصفة بها مطلقة أو معيّنة ، ويحصل مفهوم مشتمل على الإضافة الحقيقية ، وعيّن بإزائه لفظ الأب أطلق المضاف عليه لا لأنها مفهومه ، بل لأنه فرد من أفراد مفهومه ، فله معنى كلّي شامل لهذه المفهومات المشتملة على الإضافات الحقيقية. ثم إذا اعتبر معروض الإضافات على الإطلاق من حيث هي معروضات وعيّن لفظ بإزائه حصل له مفهوم ثالث مشتمل على المعروض والعارض على الإطلاق لا يصدق على الأبوة ولا على مفهوم الأب بل على الذات المتّصفة بها فكما أنّ مفهوم الأب مع تركبه من العارض والمعروض لا يصدق إلاّ على المعروض من حيث هو معروض فكذلك المفهوم الثالث للمضاف ، وإن كان مركّبا من العارض والمعروض على الإطلاق لا يصدق إلاّ على المعروض من حيث هو معروض ، فقد ثبت أنّ المضاف يطلق على ثلاثة معان وارتفع الإشكال انتهى.

تنبيه

قولهم المضاف ما تعقل ماهيته بالقياس إلى الغير لا يراد به أنه يلزم من تعقّله تعقّل الغير إذ حينئذ تدخل جميع الماهيات البيّنة اللوازم في تعريف المضاف ، بل يراد به أن يكون من حقيقته تعقّل الغير فلا يتم إلاّ بتعقل الغير ، أي هو في حدّ نفسه بحيث لا يتم تعقّل ماهيته إلاّ بتعقّل أمر خارج عنها. وإذا قيد ذلك الغير بكونه نسبة يخرج سائر النسب وبقي التعريف متناولا للمضاف الحقيقي وأحد القسمين من المشهوري ، أعني المركّب. وأمّا القسم الآخر منه أعني المعروض وحده فليس لهم غرض يتعلّق به في مباحث الإضافة ، ولو أريد تخصيصه بالحقيقي قيل ما لا مفهوم له إلاّ معقولا بالقياس إلى الغير على الوجه الذي

٢١٧

سبق ، فإنّ المركب مشتمل على شيء آخر كالإنسان مثلا.

التقسيم

للإضافة تقسيمات. الأول الإضافة إمّا أن تتوافق من الطرفين كالجوار والأخوّة ، وإمّا أن تتخالف كالابن والأب ، والمتخالف إمّا محدود كالضّعف والنّصف أو لا كالأقل والأكثر.

والثاني إنّه قد تكون الإضافة بصفة حقيقية موجودة إمّا في المضافين كالعشق فإنه لإدراك العاشق وجمال المعشوق ، وكلّ واحد من العاشقية والمعشوقية إنّما يثبت في محلها بواسطة صفة موجودة فيه ، وإمّا في أحدهما فقط كالعالمية فإنها بصفة موجودة في العالم وهو العلم دون المعلوم ، فإنه متصف بالمعلومية من غير أن تكون له صفة موجودة تقتضي اتصافه به ، وقد لا تكون بصفة حقيقية أصلا كاليمين واليسار إذ ليس للمتيامن صفة حقيقية بها صار متيامنا ، وكذا المتياسر. والثالث قال ابن سينا : تكاد تكون الإضافات منحصرة في أقسام المعادلة والتي بالزيادة والتي بالفعل والانفعال ومصدرهما من القوة والتي بالمحاكاة ، فأمّا التي بالمعادلة فكالمجاورة والمشابهة والمماثلة والمساواة ، وأمّا التي بالزيادة فإمّا من الكمّ وهو الظاهر ، وإمّا من القوة فكالغالب والقاهر والمانع ، وأمّا التي بالفعل والانفعال فكالأب والابن والقاطع والمنقطع. وأمّا التي بالمحاكاة فكالعلم والمعلوم والحس والمحسوس ، فإنّ العقل يحاكي هيئة المعلوم والحس يحاكي هيئة المحسوس. والرابع الإضافة قد تعرض المقولات كلها ، بل الواجب تعالى أيضا كالأول ، فالجوهر كالأب والابن ، والكمّ كالصغير والكبير ، والكيف كالأحرّ والأبرد ، والمضاف كالأقرب والأبعد ، والأين كالأعلى والأسفل ، ومتى كالإقدام ، والإحداث ، والوضع كالأشد انحناء أو انتصابا ، والملك كالأكسى والأعرى ، والفعل كالأقطع ، والانفعال كالأشدّ تسخّنا.

فائدة :

قد يكون لها من الطرفين اسم مفرد مخصوص كالأبوّة والبنوّة أو من أحدهما فقط كالمبدئية أو لا يكون لها اسم مخصوص لشيء من طرفيها كالأخوة.

فائدة :

قد يوضع لها ولموضوعها معا اسم فيدلّ ذلك الاسم على الإضافة بالتضمّن سواء كان مشتقا كالعالم أو غير مشتق كالجناح ، وزيادة توضيح المباحث في شرح المواقف.

الإضجاع : [في الانكليزية] Inclination ـ [في الفرنسية] Inclination

بالجيم اسم الإمالة كما سيجيء.

الإضراب : [في الانكليزية] Renunciation ـ [في الفرنسية] Renoncement

بكسر الهمزة عند النحاة هو الإعراض عن الشيء بعد الإقبال عليه ، والفرق بينه وبين الاستدراك قد سبق. فعلى هذا ، معنى الإضراب الإبطال لما قبله. وقد يكون بمعنى الانتقال من غرض إلى آخر. قال في الإتقان : لفظ بل حرف إضراب إذا تلاها جملة. ثم تارة يكون معنى الإضراب الإبطال لما قبلها نحو قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (١) أي بل هم عباد. وقوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) (٢). وتارة يكون معناه الانتقال من غرض إلى آخر في الإسناد كقوله تعالى : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا

__________________

(١) الأنبياء / ٢٦.

(٢) المؤمنون / ٧٠.

٢١٨

يُظْلَمُونَ ، بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا) (١). وأمّا إذا تلاها أي كلمة بل مفرد فهي حرف عطف ولا يقع مثله في القرآن.

الإضمار : [في الانكليزية] Ellipsis ـ [في الفرنسية] Ellipse

عند أهل العربية يطلق على معان ، منها إسكان الثّاني المتحرك من الجزء كما في عنوان الشرف ، وعليه اصطلاح العروضيين. وفي بعض رسائل العروض العربي الإضمار والوقص كلاهما لا يكونان إلاّ في متفاعلن انتهى.

والركن الذي فيه الإضمار يسمّى مضمرا بفتح الميم ، مثل إسكان تاء متفاعلن ليبقى متفاعلن فينتقل إلى مستفعلن. ومنها الحذف قال المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح المواقف في آخر الموقف الأول : الإضمار أعمّ مطلقا من المجاز بالنقصان لأنه معتبر فيه تغيّر الإعراب بسبب الحذف ، بخلاف الإضمار نحو : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ) (٢) أي فضرب فانفجرت انتهى. ومثل هذا في القرآن كثير.

وقد يفرّق بين الحذف والإضمار ويقال إنّ المضمر ما له أثر من الكلام نحو : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) (٣) والمحذوف ما لا أثر له كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٤) أي أهلها كما يجيء في لفظ المقتضي. وفي المكمل الحذف ما ترك ذكره من اللفظ والنية لاستقلال الكلام بدونه ، كقولك : أعطيت زيدا فيقتصر على المفعول الأول ويحذف المفعول الثاني ، والإضمار ما ترك من اللفظ ، وهو مراد بالنية ، والتقدير كقوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) أي أهلها ترك ذكر الأهل وهو مراد لأن سؤال القرية محال انتهى.

ومنها الاتيان بالضمير وهو أي الضمير ، ويسمّى بالمضمر أيضا اسم كني به عن متكلّم أو مخاطب أو غائب تقدم ذكره بوجه ما.

فبقولهم اسم خرج حرف الخطاب ، وبقولهم كني به خرج لفظ المتكلّم والمخاطب والغائب ، والمراد بالغائب غير المتكلم والمخاطب اصطلاحا ، فإن الحاضر الذي لا يخاطب يكنى عنه بضمير الغائب ، وكذا يكنى عن الله تعالى بضمير الغائب ؛ وفي توصيف الغائب بقولهم تقدم احتراز عن الأسماء الظاهرة فإنها كلّها غيب ، لكن لا بهذا الشرط. وقولهم بوجه ما متعلّق بتقدم أي تقدم ذكره بوجه ما سواء كان التقدّم لفظا بأن يكون المتقدم ملفوظا تحقيقا مثل ضرب زيد غلامه أو تقديرا مثل ضرب غلامه زيد أو كان التقدم معنى بأن يكون المتقدم مذكورا من حيث المعنى لا من حيث اللفظ سواء كان ذلك المعنى مفهوما من لفظ بعينه نحو : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٥) ، فإن مرجع ضمير هو العدل المفهوم من اعدلوا ، أو من سياق الكلام نحو : (وَلِأَبَوَيْهِ) (٦) الآية ، لأنه لما تقدم ذكر الميراث دل على أن ثمة مورثا فكأنه تقدم ذكره معنى ، أو كان التقدم حكما أي اعتبارا لكونه ثابتا في الذهن كما في ضمير الشأن والقصة ، لأنه إنما جيء به من غير أن يتقدم ذكره قصدا لتعظيم القصة بذكرها مبهمة ليعظم وقعها في النفس ثم يفسرها ، فيكون ذلك أبلغ من ذكره أولا مفسّرا ، وكذا الحال في ضمير نعم رجلا زيد وربّه رجلا.

قال السيّد السّند الشريف الجرجاني :

__________________

(١) المؤمنون / ٦٢ ـ ٦٣.

(٢) الأعراف / ١٦٠.

(٣) يس / ٣٩.

(٤) يوسف / ٨٢.

(٥) المائدة / ٨.

(٦) النساء / ١١.

٢١٩

الإضمار قبل ذكر المرجع جائز في خمسة مواضع : الأول في ضمير الشأن مثل هو زيد قائم ، وفي ضمير القصة نحو هي هند قائمة.

والثاني في ضمير ربّ نحو ربه رجلا. والثالث في ضمير نعم نحو نعم رجلا زيد. والرابع في تنازع الفعلين على مذهب إعمال الفعل الثاني نحو ضربني وأكرمني زيد. والخامس في بدل المظهر عن المضمر نحو ضربته زيدا انتهى.

اعلم أنّ الضمير يقابله الظاهر ويسمّى مظهرا أيضا. قال الإمام الرازي في التفسير الكبير : الأسماء على نوعين : مظهرة وهي الألفاظ الدالّة على الماهية المخصوصة من حيث هي هي كالسواد والبياض والحجر والإنسان ، ومضمرة وهي الألفاظ الدالّة على شيء ما هو المتكلّم أو المخاطب أو الغائب من غير دلالة على ماهية ذلك المعين انتهى.

التقسيم

للضمير تقسيمات : الأول ينقسم إلى متصل ومنفصل. فالمنفصل المستقل بنفسه أي في التلفظ غير محتاج إلى كلمة أخرى قبله يكون كالجزء منها بل هو كالاسم الظاهر كأنت في إمّا أنت منطلقا ، والمتصل غير المستقل بنفسه في التلفّظ أي المحتاج إلى عامله الذي قبله ليتصل به ، ويكون كالجزء منه كالألف في ضربا ، كذا في الفوائد الضيائية. والثاني إلى مرفوع وهو ما يكنّى به عن اسم مرفوع كهو في فعل هو فإنه كناية عن الفاعل الغائب ، ومنصوب وهو ما يكنى به عن اسم منصوب نحو ضربت إيّاك ، فإياك كناية عن اسم منصوب ، ومجرور وهو ما يكنّى به عن اسم مجرور نحو بك.

والثالث إلى البارز والمستكنّ المسمّى بالمستتر أيضا. فالبارز ما لفظ به نحو ضربت والمستكنّ ما نوى منه ، ولذا يسمّى منويا أيضا نحو ضرب أي ضرب هو والمستكنّ إمّا أن يكون لازما أي لا يسند الفعل إلاّ إليه وذلك في أربعة أفعال وهي : أفعل ونفعل وتفعل للمخاطب وافعل ، أو غير لازم وهو ما يسند إليه عامله تارة وإلى غيره أخرى كالمنوي في فعل ويفعل ، وفي الصفات تقول : ضرب زيد وما ضرب إلاّ هو وزيد ضارب غلامه وهند زيد ضاربته هي.

ثمّ اعلم أنّ الضمير المرفوع المتصل قد يكون بارزا وقد يكون مستكنّا ، وأمّا ضمير المنصوب والمجرور المتصل فلا يكونان إلاّ بارزين لأن الاستتار من خواصّ المرفوع المتصل لشدة اتصاله بالعامل. وإنما قيد المرفوع بالمتصل لامتناع استتار المنفصل في العامل لانفصاله ، هذا كله خلاصة ما في الضوء والحاشية الهندية (١) إلاّ أنّ فيها أنّ هذا التقسيم للمتصل ، وهكذا في الفوائد الضيائية.

ومن أنواع الضمير ضمير الشأن والقصة وهو ضمير غائب يتقدم الجملة ويعود إلى ما في الذهن من شأن أو قصة ، فإن اعتبر مرجعه مذكّرا سمّي ضمير الشأن وإن اعتبر مؤنّثا سمّي ضمير القصة رعاية للمطابقة نحو إنه زيد قائم ؛ وتفسّر ذلك الضمير لإبهامه الجملة المذكورة بعده.

فائدة :

قد يوضع المظهر موضع المضمر وذلك أي وضع المظهر موضع المضمر إن كان في معرض التفخيم جاز قياسا ، وإلاّ فعند سيبويه يجوز في الشعر ويشترط أن يكون بلفظ الأول.

وعند الأخفش يجوز مطلقا ، وعليه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ

__________________

(١) يرجّح أنها شرح شهاب الدين أحمد بن عمر الهندي (ـ ٨٤٩ هـ) لكافية جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب (ـ ٦٤٦ هـ) في النحو. وعلى هذا الشرح حاشية للطف الله التوقاتي (ـ ٩٠٢ هـ) كشف الظنون ٢ / ١٣٧١.

٢٢٠