موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ١

محمّد علي التهانوي

موسوعة كشّاف إصطلاحات الفنون والعلوم - ج ١

المؤلف:

محمّد علي التهانوي


المحقق: الدكتور علي دحروج
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

الأرش : [في الانكليزية] Compensation ـ [في الفرنسية] Dedommagement

بفتح الأول وسكون الراء المهملة هو بدل ما دون النفس من الأطراف ، وقد يطلق على بدل النفس وحكومة العدل ، ويجيء في لفظ الدّية.

الإرصاد : [في الانكليزية] Control ، supervision ـ [في الفرنسية] Controle ، surveillance

لغة نصب الرّقيب في الطريق ، من رصدته رقبته. وعند أهل البديع هو أن يجعل قبل العجز من البيت أو الفقرة ما يدلّ عليه إذا عرف الرّويّ ، ويسميه البعض بالتّسهيم ، نحو (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١) وقيد إذا عرف الرّوي إشارة إلى أنه إنما يجب فهم [في الإرصاد] (٢) العجز بالنسبة إلى من يعرف الرّوي فإنه قد يكون من الإرصاد ما لا يعرف فيه العجز لعدم معرفة حرف الرّوي ، كقوله تعالى (وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٣) فإنه لو لم يعرف أن حرف الرّوي النون لربما توهّم أنّ العجز هاهنا فيما فيه اختلفوا [أو فيما اختلفوا فيه] (٤) ، وكقول الشاعر (٥) :

أحلّت دمي من غير جرم وحرّمت

بلا سبب يوم اللقاء كلامي

فليس الذي حللته بمحلل

وليس الذي حرمته بحرام

فإنه لو لم يعرف أن القافية مثل سلام وكلام ، لربما توهم أنّ العجز بمحرم ، كذا في المطول. قيل : يفهم من هذا أن معرفة الرّوي قد لا يكفي بل لا بدّ معها من معرفة القافية ، فإنّ مجرد معرفة أنّ الرويّ في البيت الميم لا يكفي في معرفة أنّ القافية حرام ، لجواز أن يتوهم أنه محرم. ويمكن أن يقال إنه ليس المراد به أنّ هذه الدلالة محصورة على معرفة الرويّ ، بل المراد به أنه لا تحصل بدونها وان توقف على شيء آخر ، كذا ذكر الچلپي.

ارمينياس : [في الانكليزية] De interpretation ـ [في الفرنسية] De l\'interpretation

هو باب القضايا وأحكامها ، كما مرّ في تعريف المنطق.

الإرهاص : [في الانكليزية] Supernatural deeds ـ [في الفرنسية] Faits Surnaturels

شرعا قسم من الخوارق ، وهو الخارق الذي يظهر من النبي قبل البعثة ، سمّي به لأنّ الإرهاص في اللغة بناء البيت ، فكأنه بناء بيت إثبات النبوة ، كذا في حواشي شرح العقائد.

الأرواح : [في الانكليزية] Spirits ـ [في الفرنسية] Esprits

جمع روح ، وهي كما تطلق على ما عرفت كذلك تطلق على قسم من المعدنيات ، فإن الحكماء قسّموا المعدنيات إلى أرواح وأجساد وأحجار.

__________________

(١) العنكبوت / ٤٠

(٢) [في الأرصاد] (+ م ، ع).

(٣) يونس / ١٩.

(٤) [أو فيما اختلفوا فيه] (+ م ، ع).

(٥) البحتري : هو الوليد بن عبيد بن يحي الطائي ، أبو عبادة البحتري. ولد بمنبج قرب حلب عام ٢٠٦ هـ / ٨٢١ م وتوفي فيها عام ٢٨٤ هـ / ٨٩٨ م. شاعر كبير من شعراء العباسيين ، كان يقال لشعره سلاسل الذهب. له ديوان شعر مطبوع وكتاب الحماسة. وكتب عنه الكثيرون. الأعلام ٨ / ١٢١ ، وفيات الأعيان ٢ / ١٧٥ ، معاهد التنصيص ١ / ٢٣٤ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٤٤٦ ، مفتاح السعادة ١ / ١٩٣ ، دائرة المعارف الإسلامية ٣ / ٣٦٥.

١٤١

آزاد : [في الانكليزية] Free man ـ [في الفرنسية] Homme libre

ومعناها الحرّ. وهو عند السالكين الحر.

وآزادگى : الحرية ، كما سيأتي. ووقع في بعض الرسائل أن الحرية هي مقام امّحاء العاشق من ذاته وصفاته وحلوله في ذات وصفات المعشوق (١).

الأزارقة : [في الانكليزية] Al ـ Azariqa (sect) ـ [في الفرنسية] Al ـ Azariqa (secte)

فرقة من الخوارج أصحاب نافع بن الأزرق (٢) ، قالوا كفر عليّ بالتحكيم وابن ملجم (٣) محقّ في قتله ، وكفّرت الصحابة أي عثمان (٤) وطلحة (٥) وزبير (٦) وعائشة (٧) وعبد الله بن عباس وسائر المؤمنين معهم وقضوا بتخليدهم في النار ، وكفّروا القعدة عن القتال وإن كانوا موافقين لهم ، وقالوا : تحرم التقية في القول والعمل ، ويجوز قتل أولاد المخالفين ونسائهم ، ولا رجم على الزاني المحصن ولا حدّ للقذف على النساء ، وأطفال المشركين في النار مع آبائهم ، ويجوز اتّباع نبي كان كافرا وإن علم كفره بعد النبوة ، ومرتكب الكبيرة كافر ،

__________________

(١) آزاد نزد سالكان حر را گويند وآزادگى حريت را چنانكه خواهد آمد ودر بعضى رسائل واقع شده كه آزادگى وآزادى مقام محويت عاشق از ذات وصفات خود در ذات وصفات معشوق است.

(٢) هو نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي البكري الوائلي الحروري ، أبو راشد. ولد في البصرة ومات قتلا بالقرب من الأهواز عام ٦٥ هـ / ٦٨٥ م. رأس الأزارقة من الخوارج. كان فتاكا ، خرج على الأمويين وحاربهم بشدة إلى أن قتل. الأعلام ٧ / ٣٥٢ ، الكامل للمبرد ٢ / ١٧٢ ، لسان الميزان ٦ / ١٤٤ ، جمهرة الأنساب ٢٩٣ ، ابن الأثير ٤ / ٦٥ ، تاريخ الطبري ٧ / ٦٥ ، خطط المقريزي ٣ / ٣٥٤.

(٣) هو عبد الرحمن بن ملجم المرادي التدؤلي الحميري. مات قتلا بالكوفة عام ٤٠ هـ / ٦٦٠ م. ثائر ، من أشداء الفرسان. أدرك الجاهلية وهاجر زمن خلافة عمر ، وكان من القراء وأهل الفقه والعبادة. تشيّع لعلي بن أبي طالب ثم خرج عليه وقتله ، فقتل بذلك. الأعلام ٣ / ٣٣٩ ، المبرد ٢ / ١٣٦ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٢٣ ، لسان الميزان ٣ / ٤٣٩ ، النجوم الزاهرة ١ / ١٢٠.

(٤) عثمان بن عفان : هو عثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أمية ، أمير المؤمنين ، ذو النورين. ولد بمكة عام ٤٧ ق. هـ / ٥٧٧ م. وتوفي بالمدينة مقتولا شهيدا عام ٣٥ هـ / ٦٥٦ م. ثالث الخلفاء الراشدين ، أحد العشرة المبشّرين بالجنة. صاحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى عنه وشهد المواقع. كان تاجرا غنيا ويتصدق كثيرا. في عهده تم تدوين القرآن بشكل رسمي ونسب الرسم إليه فقيل : الرسم العثماني ، الأعلام ٤ / ٢١٠ ، تاريخ ابن الأثير حوادث سنة ٣٥ هـ ، غاية النهاية ١ / ٥٠٧ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٦١ ، البدء والتاريخ ٥ / ٧٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٣٩ ، حلية الأولياء ١ / ٥٥ ، تاريخ الطبري ٥ / ١٤٥ ، صفة الصفوة ١ / ١١٢ ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٥٤ ، وغيرها.

(٥) طلحة هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي المدني ، أبو محمد. ولد بمكة عام ٢٨ ق. هـ / ٥٩٦ م وتوفي مقتولا بالبصرة يوم الجمل عام ٣٦ هـ / ٦٥٦ م. صحابي شجاع ، جواد ، أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وأحد الستة أصحاب الشورى وثامن المسلمين لقّبه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بطلحة الجود ، وطلحة الفياض ، وطلحة الخير. وشهد المعارك مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. الأعلام ٣ / ٢٢٩ ، طبقات ابن سعد ٣ / ١٥٢ ، تهذيب التهذيب ٥ / ٢٠ ، البدء والتاريخ ٥ / ٨٢ ، غاية النهاية ١ / ٣٤٢ ، صفة الصفوة ١ / ١٣٠ ، حلية الأولياء ١ / ٨٧.

(٦) هو الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي ، أبو عبد الله. ولد عام ٢٨ ق. هـ / ٥٩٤ م ، وتوفي غيلة عام ٣٦ هـ / ٦٥٦ م. صحابي جليل ، أحد العشرة المبشّرين بالجنة. شهد المعارك وأبلى بلاء حسنا ، وكان كثير المتاجر والأملاك ، روى الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. الأعلام ٣ / ٤٣ ، تهذيب ابن عساكر ٥ / ٣٥٥ ، صفة الصفوة ١ / ١٣٢ ، حلية الأولياء ١ / ٨٩ ، ذيل المذيل ١١ ، تاريخ الخميس ١ / ١٧٢.

(٧) هي عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان. ولدت عام ٩ ق. هـ / ٦١٣ م وتوفيت بالمدينة عام ٥٨ هـ / ٦٧٨ م. أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب ، تكنى بأم عبد الله. تزوجها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السنة الثانية بعد الهجرة ، وروت عنه الكثير من الأحاديث. كانت تفتي الصحابة ولها مواقف مشهودة. الأعلام ٣ / ٢٤٠ ، الإصابة رقم الترجمة ٧٠١ في كتاب النساء ، طبقات ابن سعد ٨ / ٣٩ ، تاريخ الطبري ٣ / ٦٧ ، ذيل المذيل ٧٠ ، أعلام النساء ٢ / ٧٦٠ ، حلية الأولياء ٢ / ٤٣ ، تاريخ الخميس ١ / ٤٧٥ ، الدر المنثور ٢٨٠.

١٤٢

كذا في شرح المواقف (١).

الأزل : [في الانكليزية] Eternity ـ [في الفرنسية] Perennite ، eternite

بفتح الألف والزاء المعجمة دوام الوجود في الماضي كما أنّ الأبد دوامه في المستقبل على ما مرّ. وفي شرح الطوالع في بيان حدوث الأجسام هو ماهية تقتضي اللاّمسبوقية بالغير ، وهذا معنى ما قيل : الأزل نفي الأولية. وقيل هو استمرار الوجود في أزمنة مقدّرة غير متناهية في جانب الماضي ، انتهى. والمعنى الأخير بعينه هو المعنى المذكور سابقا. وقال أهل التصوّف : الأعيان الثابتة وبعض الأرواح المجرّدة أزلية ، والفرق بين أزليتها وأزلية المبدع أنّ أزلية المبدع تعالى نعت سلبي بنفي الأولية ، بمعنى افتتاح الوجود عن العدم لأنه عين الوجود ، وأزلية الأعيان والأرواح دوام وجودها مع دوام مبدعها مع افتتاح الوجود عن العدم ، لكونه من غيرها ، كذا في شرح الفصوص (٢) للمولوي الجامي (٣) في الفص الأول.

الأزلي : [في الانكليزية] Eternal ـ [في الفرنسية] Sempiternel ، eternel

ما لا يكون مسبوقا بالعدم. اعلم أنّ الموجود أقسام ثلاثة لا رابع لها ، فإنه إما أزلي أبدي وهو الله سبحانه وتعالى ، [أو] (٤) لا أزلي ولا أبدي وهو الدنيا ، أو أبدي غير أزلي وهو الآخرة ، وعكسه محال. فإنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، كذا في تعريفات السيد الجرجاني.

الاستتار : [في الانكليزية] Disguise ـ [في الفرنسية] Deguisement

هو في اللغة الفارسية : در يرده شدن.

وهو عند الشعراء أن يغطّى حرف بحرف آخر من أجل استقامة الوزن مثل أن تقرأ العين أيضا.

وهذا من العيوب. وأما المستتر عند النحاة فهو نوع من الضمائر ، ويسمّى أيضا مستكن.

وسيجيء في لفظ الضمير (٥).

الاستتباع : [في الانكليزية] Praise followed by another one ـ [في الفرنسية] Louange completee par une autre

هو مصدر من باب الاستفعال ، وهو عند أهل البديع من المحسّنات المعنوية ، ويسمّى بالمدح الموجّه أيضا كما في مجمع الصنائع ، وهو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر ، كقول أبي الطيب :

نهبت من الأعمار ما لو حويته

لهنّئت الدنيا بانك خالد

مدحه بالنهاية في الشجاعة إذا كثر قتلاه بحيث لو ورث أعمارهم لخلّد في الدنيا على وجه يستتبع مدحه بكونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها حيث جعل الدنيا مهنّأة لخلوده ، ولا معنى لتهنئة أحد بشيء لا فائدة له فيه ، كذا في المطول.

الاستثناء : [في الانكليزية] Exclusion ، exception ـ [في الفرنسية] Exclusion ، exception

ويسمّى بالثنيا بالضم أيضا على ما يستفاد

__________________

(١) لعلي بن محمد الجرجاني (ـ ٨١٦ هـ) شرح فيه كتاب المواقف في علم الكلام لعضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (ـ ٧٥٦ هـ) وعلى شرح الجرجاني حواش كثيرة ، كشف الظنون ٢ / ١٨٩١.

(٢) شرح الفصوص لعبد الرحمن بن أحمد الجامي (ـ ٨٩٨ هـ) شرح فيه كتاب فصوص الحكم لمحي الدين أبي عبد الله محمد بن علي الطائي المعروف بابن عربي (ـ ٦٣٨ هـ).

(٣) الجامي هو عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الجامي ، نور الدين. ولد في جام من بلاد ما وراء النهر عام ٨١٧ هـ / ١٤١٤ م ، وتوفي بهراة عام ٨٩٨ هـ / ١٤٩٢ م. مفسر ، فاضل ، له عدة تصانيف وشروحات ، الأعلام ٣ / ٢٩٦ ، الفوائد البهية ٨٦ ، شذرات الذهب ٧ / ٣٦٠ ، معجم المطبوعات ٦٧١ ، كشف الظنون ، ١٣٧ ، معجم المفسرين ١ / ٢٦٢.

(٤) أو (+ م).

(٥) الاستتار : در لغت در پرده شدن است ونزد شعرا آنست كه حرفي بجهت استقامت وزن بحرفي بپوشد مثلا عين را الف خواند واين از عيوب است. ومستتر نزد نحويان قسمي است از ضمير وآن را مستكن نيز نامند ويجيء في لفظ الضمير.

١٤٣

من الصراح ، قال الثّنيا بالضم والثّنوى بالفتح اسم من الاستثناء ، هو عند علماء النحو والأصول يطلق على المتّصل والمنقطع. قيل إطلاقه عليهما بالتواطؤ والاشتراك المعنوي. وقيل بالاشتراك اللفظي. وقيل في المتّصل حقيقة وفي المنقطع مجاز ، لأنه يفهم المتصل من غير قرينة وهو دليل المجاز في المنقطع. وردّ بأنه إنما يفهم المتصل لكثرة استعماله فيه ، لا لكونه مجازا في المنقطع ، كالحقيقة المستعملة مع المجاز المتعارف. وقيل لأنه مأخوذ من ثنيت عنان الفرس أي صرفته ، ولا صرف إلاّ في المتصل. وقيل لأنّ الباب يدلّ على تكرير الشيء مرتين أو جعله ثنتين متواليتين أو متنائيتين ، ولفظ الاستثناء من قياس الباب. وذلك أنّ ذكره يثنى مرة في الجملة ومرة في التفصيل لأنك إذا قلت خرج الناس ففي الناس زيد وعمرو ، فإن قلت إلاّ زيدا فقد ذكرت مرة أخرى ذكرا ظاهرا وليس كذلك إلاّ في المتصل ، فعلى هذا هو مشتق من التثنية. وردّ بأنه مشتق من التثنية كأنه ثنى الكلام بالاستثناء بالنفي والاستثناء وهو متحقّق في المتصل والمنقطع جميعا. وأيضا على تقدير اشتقاقه من ثنيت عنان الفرس لا يلزم أن لا يكون حقيقة إلاّ في المتصل لجواز أن يكون حقيقة في المنقطع أيضا ، باعتبار اشتقاقه من أصل آخر كما عرفت.

والقائل بالتواطؤ ، قال العلماء ، قالوا : الاستثناء متصل ومنقطع ومورد القسمة يجب أن يكون مشتركا بين الأقسام. وردّ بأنّ هذا إنما يلزم لو كان التقسيم باعتبار معناه الموضوع له ، وهو ممنوع ، لجواز أن يكون التقسيم باعتبار استعماله فيهما بأي طريق كان ، وهذا كما أنهم قسّموا اسم الفاعل إلى ما يكون بمعنى الماضي والحال والاستقبال مع كونه مجازا في الاستعمال بالاتفاق ، قالوا وأيضا الأصل عدم الاشتراك والمجاز فتعين التواطؤ. وردّ بأنه لا يثبت اللغة بلوازم الماهية كما أثبتم ماهية التواطؤ للاستثناء ، بأن من لوازمها عدم مخالفة الأصل ، بل طريق إثباتها النقل ، فهذا الكلام يدلّ على أنّ الخلاف في لفظ الاستثناء. وظاهر كلام كثير من المحققين أنّ الخلاف في صيغ الاستثناء لا في لفظه ، لظهور أنه فيهما مجاز بحسب اللغة ، حقيقة عرفية بحسب النحو ، هكذا ذكر المحقق التفتازاني في حاشية العضدي. فمن قال بالتواطؤ عرّفه بما دلّ على مخالفته بإلاّ غير الصفة وأخواتها أي إحدى أخواتها نحو سوى وحاشا وخلا وعدا وبيد. وإنما قيد إلاّ لغير الصفة لتخرج إلاّ التي للصفة ، نحو : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا) (١) فهي صفة لا استثناء. وفي قوله بإلاّ وأخواتها احتراز من سائر أنواع التخصيص ، أعني الشرط والصفة والغاية وبدل البعض والتخصيص بالمستقل.

الاستثنائي : [في الانكليزية] The excluded ، the exceptional ـ [في الفرنسية] L\'exclu ، l\'exceptionnel

عند المنطقيين قسم من القياس ويجيء ذلك مستوفى مع بيان أقسامه من المتصل والمنفصل والمقدمة الاستثنائية.

الاستحاضة : [في الانكليزية] Menstruation ـ [في الفرنسية] Menstruation

لغة مصدر استحيضت المرأة على لفظ المجهول ، أي استمر بها الدمّ ، وشريعة دم أو خروج دم من موضع مخصوص غير حيض ونفاس ، ومنها دم الآيسة والمريضة والصغيرة ، كذا في جامع الرموز. ومنها دم تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام أو أكثر من عشرة أيام في الحيض ، ومن أربعين في النفاس ، كذا في

__________________

(١) الأنبياء / ٢٢.

١٤٤

اصطلاحات السيد الجرجاني.

الاستحالة : [في الانكليزية] Transformation ـ [في الفرنسية] Transformation

عند الحكماء هي الحركة الكيفية ، وهي الانتقال من كيفية إلى كيفية أخرى تدريجا ، وهذا أولى ممّا قيل من أنها انتقال الجسم من كيفية إلى كيفية أخرى على التدريج ، لأنه كما ينتقل الجسم من كيفية إلى كيفية كذلك الهيولى والصورة أيضا قد ينتقلان من كيفية إلى كيفية.

ثم الاستحالة لا تقع في الكيفيات ، بل إنما تقع فيما يقبل الاشتداد والضعف كالتسخّن والتبرّد العارضين للماء مثلا فلا بد في الاستحالة من أمرين ، الانتقال من كيفية إلى كيفية ، وكون ذلك الانتقال تدريجا لا دفعا. ومن الناس من أنكر الاستحالة ، فالحار عنده لا يصير باردا ، والبارد لا يصير حارا ، وزعم أنّ ذلك الانتقال كمون واستتار لأجزاء كانت متّصفة بالصفة الأولى كالبرودة ، وبروز ، أي ظهور لأجزاء كانت متّصفة بالصفة الأخرى كالحرارة ، وهما موجودان في ذلك الجسم دائما إلاّ أنّ ما يبرز منها أي من تلك الأجزاء يحسّ بها وبكيفيتها وما كمن لا يحسّ بها وبكيفيتها ، فأصحاب الكمون والبروز زعموا أنّ الأجسام لا يوجد فيها ما هو بسيط صرف ، بل كل جسم فإنه محيط من جميع الطبائع المختلفة ، لكنه يسمّى باسم الغالب الظاهر ، فإذا لقيه ما يكون الغالب عليه من جنس ما كان مغلوبا فيه يبرز ذلك المغلوب من الكمون ويحاول مقاومة الغالب حتى يظهر ، وتوسّلوا بذلك إلى إنكار الاستحالة وإنكار الكون والفساد.

وذهب جماعة من القائلين بالخليط إلى أنّ الحار مثلا إذا صار باردا فقد فارقته الأجزاء الحارة. ومنهم من قال إن الجسم إنما يصير حارا بدخول أجزاء نارية فيه من خارج ، ومنهم من قال تنقلب أجزاؤه أولا نارا وتخلط بالأجزاء المائية ، فهذه الطائفة معترفون بالكون والفساد دون الاستحالة ، وهذه الأقوال باطلة.

ثم الاستحالة كما تطلق على ما مرّ ، أي على التغيّر في الكيفيات ، كذلك تطلق على الكون والفساد ، كما في بحر الجواهر ، وكذلك تطلق على التغيّر التّدريجي في العرض ، كما وقع في بعض حواشي شرح الطوالع ، فهذا المعنى أعمّ من الأول لكون العرض أعم من الكيف ، ومباين من الثاني لاشتراط التدريج فيه وعدمه في المعنى الثاني ، وكذا المعنى الأول مباين من الثاني.

الاستحذام : [في الانكليزية] Modality of use ـ [في الفرنسية] Mode d\'emploi

بالذال المعجمة هو الاستخدام وسيجيء ذكره.

الاستحسان : [في الانكليزية] Appreciation ـ [في الفرنسية] Appreciation

هو في اللغة عدّ الشيء حسنا. واختلفت عبارات الأصوليين في تفسيره وفي كونه دليلا ، فقال الحنفية والحنابلة بكونه دليلا ، وأنكره غيرهم ، حتى قال الشافعي : من استحسن فقد شرّع ، قيل معناه : إنّ من أثبت حكما بأنّه مستحسن عنده من غير دليل شرعي فهو الشارع لذلك الحكم ، وأبو حنيفة رحمه‌الله أجلّ قدرا من أن يقول في الدين من غير دليل شرعي ومن غير أن يرجع إلى أصل شرعي. وفي ميزان (١) الشعراني (٢) في بحث ذمّ الرأي : وقد روى

__________________

(١) الميزان الكبرى الشعرانية المدخلة بجميع أقوال الأئمة المجتهدين وتعديلهم ومقلديهم في الشريعة المحمدية لأبي المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي المعروف بالشعراني (ـ ٩٧٣ هـ). بولاق ١٢٧٥. كشف الظنون ٢ / ١٩١٨. معجم المطبوعات العربية ١١٣٣ ـ ١١٣٤.

(٢) الشعراني : هو عبد الوهاب بن أحمد بن علي الحنفي ، نسبة إلى محمد بن الحنفية ، الشعراني ، أبو محمد. ولد بمصر عام

١٤٥

الشيخ محي الدين العربي في الفتوحات بسنده إلى الإمام أبي حنيفة أنه كان يقول : إياكم والقول في دين الله بالرأي ، وعليكم باتباع السنّة ، فمن خرج منها ضلّ ؛ فإن قيل إن المجتهدين قد صرّحوا بأحكام في أشياء لم يصرّح في الشريعة بتحريمها ولا بإيجابها فحرّموها وأوجبوها ، فالجواب : أنهم لو لا علموا من قرائن الأدلّة بتحريمها أو بإيجابها ما قالوا به ، والقرائن أصدق الأدلة ، وقد يعلمون ذلك بالكشف أيضا فتشاهد به القرآن ، وكان الإمام أبو حنيفة يقول : القدرية مجوس هذه الأمة والشيعة الدّجال ، وكان يقول : حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي ، وكان إذا أفتى يقول : هذا رأي أبي حنيفة ، وهو أحسن ما قدّرنا عليه ، فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب ، وكان يقول : إياكم وآراء الرجال ، إلى قوله (١) فكيف ينبغي لأحد أن ينسب الإمام إلى القول في دين الله بالرأي الذي لا يشهد له كتاب ولا سنّة. وكان يقول : عليكم بآثار السلف ، وإياكم ورأي الرجال ، وكان يقول : لم يزل الناس في صلاح ما دام فيهم من يطلب الحديث فإذا طلبوا العلم بلا حديث فسدوا ، وكان يقول : لا ينبغي لأحد أن يقول قولا حتى يعلم أنّ شريعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقبله ، وكان يجمع العلماء في كل مسألة لم يجدها صريحة في الكتاب والسنّة ويعمل بما يتفقون عليه فيها ، وكذلك كان يفعل إذا استنبط حكما فلا يكتبه حتى يجمع عليه علماء عصره فإن رضوه قال لأبي يوسف : اكتبه ، فمن كان على هذا القدم من اتّباع السنّة كيف يجوز نسبته إلى الرأي ، معاذ الله أن يقع في مثل ذلك عاقل ، فضلا عن فاضل ، انتهى من الميزان. ولذا قيل : الحقّ أنه لا يوجد في الاستحسان ما يصلح محلا للنزاع.

أما من جهة التسمية فلأنه اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح ، وقد قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (٢) ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» (٣) وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (٤) رواه مسلم (٥). ونقل عن الأئمة إطلاق

__________________

ـ ٨٩٨ هـ / ١٤٩٣ م. وتوفي بالقاهرة عام ٩٧٣ هـ / ١٥٦٥ م. من علماء الصوفية. له تصانيف هامة ، الأعلام ٤ / ١٨٠ ، خطط مبارك ١٤ / ١٠٩ ، آداب اللغة ٣ / ٣٣٥ ، شذرات الذهب ٨ / ٣٧٢ ، معجم المطبوعات ١١٢٩.

(١) إلى قوله (ـ م ، ع).

(٢) الزمر / ١٨.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ، ١ / ٣٧٩ ، عن عبد الله بن مسعود بلفظ : «إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فأبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه ، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. وما رأوه سيئا فهو عند الله سيئ». وعند أبي داود الطيالسي بلفظ : «فما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه قبيحا فهو عند الله قبيح». المسند ٣٣.

(٤) هذا جزء من حديث أخرجه مسلم في الصحيح ، ٤ / ٢٠٥٩ ، عن جرير بن عبد الله ، كتاب العلم (٤٧) ، باب من سن في الإسلام سنة حسنة أو سيئة (٦) ، حديث رقم ١٥ / ١٠١٧ ، وتمامه «من سن في الإسلام سنة حسنة ، فعمل بها بعده ، كتب له مثل آخر من عمل بها ، ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سن سنة سيئة ، فعمل بها بعده ، كتب عليه مثل وزر من عمل بها ، ولا ينقص من أوزارهم شيء».

(٥) مسلم : هو الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري ، أبو الحسين. ولد بنيسابور عام ٢٠٤ هـ / ٨٢٠ م. وتوفي بضواحي نيسابور عام ٢٦١ هـ / ٨٧٥ م. حافظ من أئمة الحديث وعلمائه. له العديد من المصنفات خاصة الصحيح في الحديث. الأعلام ٧ / ٢٢١ ، تذكرة الحفاظ ٢ / ١٥٠ ، تهذيب التهذيب ١٠ / ١٢٦ ، وفيات الأعيان ٢ / ٩١ ، تاريخ بغداد ١٣ / ١٠٠ ، طبقات الحنابلة ١ / ٣٣٧ ، البداية والنهاية ١١ / ٣٣.

١٤٦

الاستحسان في دخول الحمام وشرب الماء من يد السقّاء ونحن ذلك. وعن الشافعي أنه قال : استحسن في المتعة أن يكون ثلاثين درهما واستحسن ترك شيء للمكاتب من نجوم الكتابة.

وأما من جهة المعنى فقد قيل هو دليل ينقدح في نفس المجتهد يعسر عليه التعبير عنه ، فإن أريد بالانقداح الثبوت فلا نزاع في أنه يجب العمل به ، ولا أثر لعجزه عن التعبير عنه ، وإن أريد به أنه وقع له شك فلا نزاع في بطلان العمل به. وقيل : هو العدول عن قياس إلى قياس أقوى منه وهذا مما لا نزاع في قبوله. ويردّ عليه أنه ليس بجامع لخروج الاستحسان الثابت بالأثر كالسّلم والإجارة وبقاء الصوم في النسيان ، أو بالإجماع كالاستصناع ، أو بالضرورة كطهارة الحياض والآبار. وقيل هو العدول إلى خلاف الظنّ لدليل أقوى. ولا نزاع في قبوله أيضا. وقيل تخصيص القياس بدليل أقوى منه فيرجع إلى تخصيص العلّة. وقال الكرخي هو العدول في مسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لدليل أقوى يقتضي العدول عن الأول ويدخل فيه التخصيص والنسخ. وقال أبو الحسين البصري هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ لوجه وهو أقوى منه ، وهو في حكم الطارئ على الأول. واحترز بقوله غير شامل عن ترك العموم إلى الخصوص ، وبقوله وهو في حكم الطارئ عن القياس فيما إذا قالوا تركنا الاستحسان بالقياس. وأورد على هذه التفاسير أن ترك الاستحسان بالقياس تكون عدولا عن الأقوى إلى الأضعف ، وأجيب بأنه إنما يكون بانضمام معنى آخر إلى القياس به يصير أقوى من الاستحسان ، وقيل هو العدول عن حكم الدليل إلى العادة والمصلحة كدخول الحمام من غير تعيين مدة المكث ، والعادة إن كانت معتبرة شرعا ، فلا نزاع في أنها مقبولة ، وإلاّ فلا نزاع في كونها مردودة. والذي استقرّ عليه رأي المتأخرين هو أنه عبارة عن دليل يقابل القياس الجليّ نصا كان أو إجماعا أو قياسا خفيا أو ضرورة ، فهو أعمّ من القياس الخفي ، هذا في الفروع ، فإنّ إطلاق الاستحسان على النصّ والإجماع عند وقوعها في مقابلة القياس الجلي شائع في الفروع. وما قيل إنه لا عبرة بالقياس في مقابلة النصّ والإجماع بالاتفاق فكيف يصحّ التمسك به؟ فالجواب عنه أنه لا يتمسك به إلاّ عند عدم ظهور النصّ والإجماع ، وأما في اصطلاح الأصول فقد غلب إطلاقه على القياس الخفي كما غلب اسم القياس على القياس الجلي تمييزا بين القياسين. وبالجملة ، لما اختلفت العبارات في تفسير الاستحسان مع أنه قد يطلق لغة على ما يميل إليه الإنسان وإن كان مستقبحا عند الغير وكثر استعماله في مقابلة القياس الجلي وعلى القياس الخفي ، كان إنكار العمل به عند الجهل بمعناه مستحسنا إذ لا وجه لقبول العمل بما لا يعرف معناه. وبعد ما استقرت الآراء على أنه اسم لدليل متفق عليه سواء كان قياسا خفيا أو أعم منه إذا وقع في مقابلة القياس الجلي حتى لا يطلق على نفس الدليل من غير مقابلة ، فهو حجة عند الجميع من غير تصوّر خلاف.

فائدة :

الفرق بين المستحسن بالقياس الخفي والمستحسن بغيره أن الأول يعدى إلى صورة أخرى لأن من شأن القياس التعدية ، والثاني لا يقبل التعدية لأنه معدول عن سنن القياس ، مثلا إذا اختلف المتبايعان في مقدار الثمن ، فالقياس أن يكون اليمين على المشتري فقط لأنه المنكر ، فهذا قياس جليّ إلاّ أنه ثبت بالاستحسان التحالف ، أي اليمين على كل منهما ، أمّا قبل القبض فبالقياس الخفي ، وهو أنّ البائع ينكر وجوب تسليم المبيع بما أقرّ به المشتري من

١٤٧

الثّمن ، كما أنّ المشتري ينكر وجوب زيادة الثمن فيتحالفان ، وأمّا بعد قبض المبيع فلقوله عليه‌السلام «إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا وترادّا» (١) فوجوب التحالف قبل القبض يتعدّى إلى ورثة المشتري والبائع إذا اختلفا في الثمن بعد موت المشتري والبائع ، وأما بعد القبض ، فلا يتعدى إلى الورثة ، هذا كله خلاصة ما في العضدي وحاشيته للتفتازاني والتوضيح والتلويح وغيرها.

الاستخبار : [في الانكليزية] Information ـ [في الفرنسية] Renseignement

عند أهل العربية هو الاستفهام وهو طلب الفهم. وقيل الاستخبار ما سبق أولا ولم يفهم حق الفهم ، فإذا سألت عنه ثانيا كان استفهاما ، حكاه ابن فارس (٢) في فقه اللغة (٣) ، كذا في الاتقان في أنواع الإنشاء. وفي بعض الكتب الاستخبار هو طلب الخبر.

الاستخذام : [في الانكليزية] Break ، syllepsis ـ [في الفرنسية] Coupure ، syllepse

بالخاء والذال المعجمتين من خذمت الشيء قطعته ، ومنه سيف مخذوم. ويروى بالحاء المهملة والذال المعجمة أيضا من حذمت أي قطعت ، ويروى بالمعجمة والمهملة أيضا من الخدمة ، هكذا ذكر السيد السّند في حاشية المطول. وهو عند أهل البديع من أشرف أنواع البديع ، وكذلك التورية. والبعض فضّله على التورية أيضا ، ولهم فيه عبارتان : إحداهما أن يؤتى بلفظ له معنيان فأكثر مرادا به (٤) أحد معانيه ثم يؤتى بضميره مرادا به (٥) المعنى الآخر ، وهذه طريقة السكاكي وأتباعه. والأخرى أن يأتي المتكلّم بلفظ مشترك ثم بلفظين يفهم من أحدهما أحد المعنيين ومن الآخر الآخر ، وهذه طريقة بدر الدين بن مالك (٦) في المصباح (٧) ومشى عليها ابن أبي الأصبع ، ومثّله بقوله تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) (٨) الآية ، فلفظ كتاب يحتمل الأمد المختوم والكتاب المكتوب ، فلفظ أجل يخدم المعنى الأول ، ويمحو يخدم

__________________

(١) أخرجه ابن ماجه في السنن ، ٢ / ٧٣٧ ، كتاب التجارات (١٢) ، باب البيعان يختلفان (١٩) ، حديث رقم ٢١٨٦ ، عن عبد الله بن مسعود بلفظ : «إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة ، والبيع قائم بعينه ، فالقول ما قال البائع ، أو يزاد البيع».

(٢) ابن فارس : هو أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي ، أبو الحسين ، ولد بقزوين عام ٣٢٩ هـ / ٩٤١ م. وتوفي بالري عام ٣٩٥ هـ / ١٠٠٤ م. من أئمة اللغة والأدب. له عدة تصانيف هامة. الأعلام ١ / ١٩٣ ، وفيات الأعيان ١ / ٣٥ ، يتيمة الدهر ٣ / ٢١٤ ، آداب اللغة ٢ / ٣٠٩ ، دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٢٤٧.

(٣) فقه اللغة أو الصاحبي لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب الرازي القزويني (ـ ٣٩٥ هـ) ، عنونه بالصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها لأنه ألفه للصاحب إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة البويهي سنة ٣٨٥ ه‍. طبع في القاهرة في مطبعة المؤيد سنة ١٣٢٨ ه‍. كشف الظنون ٢ / ١٠٦٨ ـ ١٠٦٩. معجم المطبوعات العربية ، ٢٠٠.

(٤) مقصودا (م ، ع).

(٥) مطلوبا (م ، ع).

(٦) هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي ، أبو عبد الله ، بدر الدين ، ويعرف بابن الناظم ، أي ناظم الألفية. ولد في دمشق ومات فيها عام ٦٨٦ هـ / ١٢٨٧ م. من كبار علماء النحو. له تصانيف هامة. الأعلام ٧ / ٣١ ، مفتاح السعادة ١ / ١٥٦ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٣٧٣ ، مرآة الجنان ٤ / ٢٠٣ ، شذرات الذهب ٥ / ٣٩٨ ، بغية الوعاة ٩٦ ، معجم المطبوعات ٢٣٤.

(٧) المصباح لمحمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي ، أبو عبد الله بدر الدين (ـ ٦٨٦ هـ). الأعلام ٧ / ٣١. معجم المطبوعات العربية ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

(٨) الرعد / ٣٨.

١٤٨

الثاني. قيل ولم يقع في القرآن على طريقة السكاكي. قال صاحب الاتقان وقد استخرجت أنا بفكري آيات على طريقة السكاكي ، منها قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (١) فإنّ المراد (٢) به آدم عليه‌السلام ، ثم أعاد الضمير عليه مرادا به ولده ، فقال (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً) (٣) الآية. ومنها قوله : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (٤) ، ثم قال : قد سألها قوم من قبلكم أي أشياء أخر لأن الأوّلين لم يسألوا عن الأشياء التي سألوا عنها الصحابة فنهوا عن سؤالها. ومنها قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) (٥) فأمر الله يراد به قيام الساعة والعذاب وبعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد أريد بلفظ الأمر الأخير كما روي عن ابن عباس وأعيد الضمير عليه في تستعجلوه مرادا به قيام الساعة والعذاب ، انتهى. فعلم من هذه الأمثلة أنّ المراد (٦) بالمعنيين أعمّ من أن يكونا حقيقيّين أو مجازييّن أو مختلفين ، وقد صرّح بذلك في حواشي المطول.

وقال صاحب المطوّل : الاستخدام أن يراد (٧) بلفظ له معنيان أحدهما ثم يراد بضميره المعنى الآخر ، أو يراد بأحد ضميريه أحد المعنيين ، ثم بالضمير الآخر معناه الآخر ، فالأول كقوله : إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا (٨) أراد بالسماء الغيث وبالضمير الراجع إليه من رعيناه النبت ، والثاني كقوله :

فسقى الغضا والسّاكنية وإن هم

شبوه بين جوانح وضلوع (٩)

أراد بأحد الضميرين الراجعين إلى الغضا وهو المجرور في الساكنية المكان وبالآخر وهو المنصوب في شبوه النار أي أوقدوا بين جوانحي نار الغضا ، يعني نار الهوى التي تشبه بنار الغضا ، انتهى.

الاستدارة : [في الانكليزية] Circular ـ [في الفرنسية] Circulaire

هي كون الخطّ أو السطح مستديرا ، ويجيء في لفظ الخط.

الاستدراج : [في الانكليزية] The supernatural ـ [في الفرنسية] Le surnaturel

هو في الشرع أمر خارق للعادة يظهر من يد الكافر أو الفاجر موافقا لدعواه ، كذا في مجمع البحرين. وفي الشمائل المحمدية : الاستدراج هو الخارق الذي يظهر من الكفار وأهل الأهواء والفسّاق. والمشهور هو أنّه أمر خارق للعادة يقع من مدّعي الرسالة. فإن كان موافقا للدعوى والإرادة يسمّى معجزة ، وإن كان مخالفا لدعواه وقصده فهو إهانة. كما حصل مع مسيلمة الكذّاب الذي قال له أتباعه : إن محمدا

__________________

(١) المؤمنون / ١٢.

(٢) المقصود (م ، ع).

(٣) المؤمنون / ١٣.

(٤) المائدة / ١٠١.

(٥) النحل / ١.

(٦) المطلوب (م ، ع).

(٧) يطلب (م ، ع).

(٨) البيت لجرير : هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي ، من تميم. ولد في اليمامة عام ٢٨ هـ / ٦٤٠ م. وفيها مات عام ١١٠ هـ / ٧٢٨ م. من فحول الشعراء في عصره ، أحد ثلاثة شعراء شكلوا المثلث الأموي (جرير ، الأخطل والفرزدق) كان له مع الشعراء مساجلات ونقائض. له ديوان شعر مطبوع. الأعلام ٢ / ١١٩ ، وفيات الأعيان ١ / ١٠٢ ، الشعر والشعراء ١٧٩ ، خزانة البغدادي ١ / ٣٦ ، شرح شواهد المغني ١٦.

(٩) البيت للبحتري من قصيدة طويلة. وقد سبقت ترجمته.

١٤٩

رسول الله قد تفل في بئر فارتفع فيه الماء إلى سطح البئر ، فافعل أنت هكذا ، ففعل ذلك في بئر ، فغار الماء فيه حتى جفّ. وأمّا ما يصدر من غير الأنبياء مقرونا بكمال الإيمان والتقوى والمعرفة والاستقامة فهو ما يقال له كرامة. وما يقع من عوامّ المؤمنين فيسمّى معونة ، وأما ذاك الذي يقع من الكفار والفسّاق فهو استدراج (١).

كذا في مدارج النبوة (٢) من الشيخ عبد الحق الدهلوي (٣). وسيأتي في لفظ الخارق. وعند أهل المعاني هو الكلام المشتمل على إسماع الحق على وجه لا يورث مزيد غضب المخاطب سواء كان فيه تعريض أو لا ، ويسمّى أيضا المنصف من الكلام نحو قوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) (٤) أي ما لكم أيها الكفرة لا تعبدون الذي خلقكم بدليل قوله : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٥) ففيه تعريض لهم بأنهم على الباطل ولم يصرّح بذلك لئلاّ يزيد غضبهم حيث يريد المتكلم لهم ما يريد لنفسه ، كذا في المطول وحواشيه في بحث إن ولو في باب المسند.

الاستدراك : [في الانكليزية] Restriction ، metonymy Restriction ، metonymie

في عرف العلماء يطلق على ذكر شيئين يكون الأول منهما مغنيا عن الآخر ، سواء كان ذكر الآخر أيضا مغنيا عن الأول ، كما إذا كان الشيئان متساويين ، أو لم يكن ، كما إذا ذكر أولا الخاصّ ثم العامّ ، كما تقول في تعريف الإنسان الناطق الحيوان ، بخلاف ذكر الخاصّ بعد العامّ فإنه ليس باستدراك ، إذ الأول ليس مغنيا عن الثاني ، كما تقول في تعريف الإنسان الحيوان الناطق. وهو قبيح إلاّ أن يتضمن فائدة إذ حينئذ لا يبقى الاستدراك بالحقيقة ، هكذا يستفاد مما ذكره المولوي عبد الحكيم في حاشية شرح المواقف في تعريف الحال في مقدمة الأمور العامة.

ويطلق أيضا عند النحاة على دفع توهّم ناشئ من كلام سابق ، وأداته لكن ، فإذا قلت : جاءني زيد مثلا فكأنه توهّم أنّ عمرا أيضا جاءك لما بينهم من الإلف ، فرفعت ذلك الوهم بقولك لكن عمرا لم يجئ ، ولهذا يتوسّط لكن بين كلامين متغايرين نفيا وإثباتا تغايرا لفظيا ، كما في المثال المذكور ، أو معنويا كما في قولك : زيد حاضر لكن عمرا غائب ، هكذا في الفوائد الضيائية في بحث الحروف المشبّهة بالفعل. وفي الضوء شرح المصباح (٦) : الفرق بين الاستدراك والإضراب أنّ الإضراب هو الإعراض عن الشيء بعد الإقبال عليه ، فإذا

__________________

(١) وسخن مشهور آنست كه أمر خارق عادت كه از مدعي رسالت واقع شود أكر موافق دعوى وإرادة أو باشد معجزة خوانند واگر مخالف دعوى وقصد أو باشد إهانت نامند چنانچه از مسيلمة كذاب صادر شده بود كه وقتى تابعانش گفتند كه محمد رسول خدا در چاهى خوي خود انداخت آبش بجوش آمد تا آنكه تا لب چاه برآمد تو نيز آن چنان كن پس أو در چاهى تف خود انداخت آبش فرورفت تا آنكه خشك شد وآنچه از غير نبي صادر شود پس اگر مقرون بكمال إيمان وتقوى ومعرفت واستقامت باشد كرامت گويند وآنچه از عوام مؤمنان از أهل صلاح وقوع يابد آن را معونت شمارند وآنچه از فاسقان وكافران صدور يابد استدراج خوانند.

(٢) مدارج النبوي لعبد الحق بن سيف الدين بن سعد الله الدهلوي أبو محمد (ـ ١٠٥٢ هـ).

(٣) هو عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي. ولد بدهلي (الهند) عام ٩٥٩ هـ / ١٥٥٢ م. وتوفي عام ١٠٥٢ هـ / ١٦٤٢ م. محدّث الهند في عصره ، فقيه حنفي. له الكثير من المصنفات. الأعلام ٣ / ٢٨٠ ، معجم المطبوعات ٨٩٩.

(٤) يس / ٢٢.

(٥) يس / ٢٢ / ٨٣ ، يونس / ٥٦ ، هود / ٣٤.

(٦) الضوء على المصباح لتاج الدين محمد بن محمد بن أحمد الأسفراييني (ـ ٦٨٤ هـ) شرح فيه كتاب المصباح في النحو للمطرزي. الهند ، ١٨٥٠ م. كشف الظنون ٢ / ١٧٠٨ ، معجم المطبوعات العربية ٤٣٦.

١٥٠

قلت : ضربت زيدا كنت قاصدا للإخبار بضرب زيد ، ثم ظهر لك أنك غلطت فيه فتضرب عنه إلى عمرو ، وتقول بل عمرا ، ففي الإضراب تبطل الحكم السابق ، وفي الاستدراك لا تبطله ، انتهى. يعني أن في الاضراب تجعل المعطوف عليه في حكم المسكوت عنه فلا تحكم عليه بشيء لا ينفي ولا بإثبات ، فقد أبطلت الحكم السابق الذي قصدت الإخبار به قبل الإضراب بكلمة بل ، وليس المراد (١) ببطلان الحكم السابق إثبات نقيض الحكم السابق في المعطوف عليه ، ويؤيده ما في الأطول من أن معنى الإضراب جعل الحكم الأول موجبا كان أو غير موجب كالمسكوت عنه بالنسبة إلى المعطوف عليه ، وما في المطول من أن معنى الإضراب أن يجعل المتبوع في حكم المسكوت عنه يحتمل أن يلابسه الحكم وأن لا يلابسه ، فنحو جاءني زيد بل عمرو يحتمل مجيء زيد وعدم مجيئه انتهى.

اعلم أنّ الاستدراك بهذا المعنى إن تضمن ضربا من المحاسن يصير من المحسّنات البديعة معدودا في علم البديع ، قال صاحب الإتقان : شرط كون الاستدراك من البديع أن يتضمن ضربا من المحاسن زائدا على ما يدلّ عليه المعنى اللغوي ، نحو : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (٢) فإنه لو اقتصر على قوله لم تؤمنوا لكان منفّرا لهم لأنهم ظنّوا الإقرار بالشهادتين من غير اعتقاد إيمانا ، فأوجبت البلاغة ذكر الاستدراك ليعلم أن الإيمان موافقة القلب واللسان وأن انفراد اللسان بذلك يسمّى إسلاما ولا يمّى إيمانا ، وزاد ذلك إيضاحا بقوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٣) فلمّا تضمّن الاستدراك إيضاح ما عليه ظاهر الكلام من الإشكال عدّ من المحاسن ، انتهى.

ويطلق الاستدراك على معنى آخر أيضا ذكره صاحب جامع الصنائع ، قال : الاستدراك هو أن يبدأ المدح بلفظ يظن أنه قدح ، ثم يعود للإتيان بألفاظ تعود للمدح. ومثاله :

علمك مكسور الرأس لانّه

قد طلع فوق الفلك

ويقول صاحب مجمع الصنائع إن هذا النوع يسمّى التدارك (٤).

الاستدلال : [في الانكليزية] Research ofthe proof (inference) ـ [في الفرنسية] Recherche de la preuve (inference)

في اللغة طلب الدليل ، وفي عرف الأصوليين يطلق على إقامة الدليل مطلقا من نصّ أو إجماع أو غيرهما ، وعلى نوع خاص منه أيضا ، فقيل هو ما ليس بنصّ ولا إجماع ولا قياس ؛ ولا يتوهّم أنّ هذا التعريف بالمساوي في الجلاء والخفاء بسبب كونه تعريف بعض أنواع منه ببعض ، بل ذلك تعريف للمجهول بالمعلوم بسبب سبق العلم بالأنواع المذكورة في التعريف ، إذ قد علم تعريف كل من النصّ والإجماع والقياس في موضعه. وقيل مكان قولنا ولا قياس ، ولا قياس علته ، فيدخل في الحدّ القياس بنفي الفارق المسمّى بتنقيح المناط ، وبالقياس في معنى الأصل ، وكذا يدخل قياس التلازم المسمّى بقياس الدّلالة ، لأن نفي الأخص لا يوجب نفي الأعم ،

__________________

(١) المقصود (م ، ع).

(٢) الحجرات / ١٤.

(٣) الحجرات / ١٤.

(٤) استدراك آنست كه بلفظي مدح آغاز كند كه پنداشته آيد مگر قدح خواهد كرد وبعده الفاظى آرد كه بمدح بازگرداند مثاله. شعر.

علمت را شكسته سر ز آنست.

كه سر او رسيد بر افلاك.

وصاحب مجمع الصنائع اين را مسمّى بتدارك نموده.

١٥١

فالتعريف المأخوذ به هو الأول ، أي نفي الأعم لأنه أخصّ ، هكذا في العضدي وحاشيته للمحقق التفتازاني. وبالجملة فالاستدلال في عرفهم يطلق على إقامة الدليل مطلقا وعلى إقامة دليل خاصّ ، فقيل هو ما ليس بنصّ ولا إجماع ولا قياس ، وهو المأخوذ به ، وقيل هو ما ليس بنصّ ولا إجماع ولا قياس علته.

ثم في العضدي وحاشيته المذكورة ما حاصله أن الفقهاء كثيرا ما يقولون وجد السّبب فيوجد الحكم أو وجد المانع أو فقد الشرط فيعدم الحكم. فقيل هذا ليس بدليل إنما هو دعوى دليل ، فهو بمثابة قوله وجد دليل الحكم فيوجد الحكم ولا يكون دليلا ما لم يعيّن ، وإنما الدليل ما يستلزم الحكم وهو وجود السبب الخاص أو وجود المانع أو عدم الشرط المخصوص. وقيل هو دليل إذ لا معنى للدليل إلاّ ما يلزم من العلم به العلم بالمدلول ، وقولنا وجد السبب فوجد الحكم ونحوه بحيث يلزم من العلم به العلم بالمدلول ، غاية ما في الباب أن إحدى مقدمتيه وهو أنه وجد السبب يفتقر إلى بيان ، والقائلون بأنه دليل اختلفوا ، فقيل هو استدلال مطلقا لأنه غير النصّ والإجماع والقياس. وقيل هو استدلال إن ثبت وجود السبب أو المانع أو فقد الشرط بغير هذه الثلاثة ، وإلاّ فهو من قبيل ما ثبت به وليس باستدلال ، بل نصّ إن ثبت به وإجماع إن ثبت به وقياس إن ثبت به ، وهذا هو المختار ، لأن حقيقة هذا الدليل هو أنّ هذا حكم وجد سببه ، وكلّ حكم وجد سببه فهو موجود ، والكبرى بيّنة فيكون مثبت الحكم هو ما ثبت به الصغرى ، فإن كان غير النصّ والإجماع والقياس كان مثبت الحكم غيرها ، فيكون استدلالا ، وإن كان أحدها كان هو مثبت الحكم فلم يكن استدلالا.

اعلم أنّه اختلف في أنواع الاستدلال ، والمختار أنه ثلاثة : الأول التلازم بين الحكمين من غير تعيين علّة وإلاّ كان قياسا ، وحاصله الأقيسة الاستثنائية. والثاني استصحاب الحال.

والثالث شرع من قبلنا. وقالت الحنفية والاستحسان أيضا. وقالت المالكية والمصالح المرسلة أيضا. وقال قوم انتفاء الحكم لانتفاء مدركه. ونفى قوم شرع من قبلنا. وقوم الاستصحاب. وقال الآمدي منها قولهم وجد السبب أو المانع أو فقد الشرط ، ومنها انتفاء الحكم لانتفاء مدركه ، ومنها الدليل المؤلّف من أقوال يلزم من تسليمها لذاتها قول آخر ، ثم قسّمه إلى الاقتراني والاستثنائي ، وذكر الأشكال الأربعة وشروطها وضروبها والاستثنائي بقسميه والمنفصل بأقسامه الثلاثة ، ثم قال : ومنها استصحاب الحال ، انتهى.

ثم اعلم أنّه قد عرّف الاستدلال في شرح العقائد بالنظر في الدليل سواء كان استدلالا من العلّة على المعلول أو من المعلول على العلّة ، وقد يخصّ الأول باسم التعليل والثاني باسم الاستدلال. وقال المولوي عصام الدين في حاشية شرح العقائد : والأولى أن يفسّر بإقامة الدليل ليشتمل ما يتعلّق بالدليل ، بمعنى قول مؤلّف من قضايا يستلزم لذاته قولا آخر ، فإنه ليس الاستدلال به النظر في الدليل ، انتهى.

وبالجملة فتعريفه بالنظر في الدليل يختص بمذهب الأصوليين والمتكلّمين ، وتعريفه بإقامة الدليل يشتمل مذهب المنطقيين أيضا.

وفي كشف البزدوي : الاستدلال هو انتقال الذهن من الأثر إلى المؤثّر وقيل بالعكس. وقيل مطلقا ، وبهذا المعنى قيل : الاستدلال بعبارة النصّ وإشارة النصّ ودلالة النصّ واقتضاء النصّ ، انتهى ؛ إذ النص علّة ومؤثّر وأثره ومعلوله الحكم كما لا يخفى ، وبالنظر إلى المعنى الأول وقع في الرشيدية (١) أن المدعي إن

__________________

(١) الرشيدية لعبد الرشيد بن مصطفى شمس الحق الجانبوري (ـ ١٠٨٣ هـ) وهي شرح لرسالة الشريف الجرجاني في آداب

١٥٢

شرع في الدليل الآنيّ يسمّى مستدلاّ انتهى ، إذا الدليل الآني هو الذي يكون الاستدلال فيه من المعلول على العلّة كما عرفت ، والتعليل الانتقال من المؤثّر إلى الأثر ويسمّى ذلك الدليل دليلا لمّيّا ، وقد يطلق المستدل على المعلّل وهو الشارع في الدليل اللّميّ ، وقد يطلق المعلّل على المستدل كما ستعرف في لفظ الدعوى.

الاسترخاء : [في الانكليزية] Asystoly ، hemiplegia ـ [في الفرنسية] Asystolie ، hemiplegie

عند الأطباء ترهّل وضعف يظهر في العضو عن عجز القوّة المحرّكة ، وهو مرادف للفالج عند القدماء. وأمّا المتأخرون فيطلقون الفالج على استرخاء يحدث في أحد شقّي البدن طولا ، ويضاف الاسترخاء بكل عضو حدث فيه كاللّثة واللهاة واللّسان وغيرها ، كذا في حدود الأمراض.

الاستسقاء : [في الانكليزية] Dropsy ، hydrocephalus ـ [في الفرنسية] Hydropisie ، hydrocephalie

في اللغة طلب السّقي وإعطاء ما يشربه ، والاسم السّقيا بالضم ، وشرعا طلب إنزال المطر من الله تعالى على وجه مخصوص عند شدّة الحاجة بأن يحبس المطر عنهم ولم تكن لهم أودية وأنهار وآبار يشربون منها ويسقون مواشيهم وزروعهم ، كذا في جامع الرموز. وعند الأطباء هو مرض ذو مادّة باردة غريبة تدخل في خلل الأعضاء فتربو بها الأعضاء ، إمّا الظاهرة من الأعضاء كلها كما في اللحمي ، وإمّا المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء والأخلاط كفضاء البطن التي فيها المعدة والكبد والأمعاء ، وإمّا فضاء ما بين الشرب والصفاق ، وأقسامه ثلاثة : اللحمي والزقّي والطّبلي المسمّى بالاستسقاء اليابس أيضا ، لأنّ المادة الموجبة لها إمّا ذات قوام أو لا ، الثاني الطّبلي ، والأول إمّا أن تكون شاملة لجميع البدن وهو اللحمي ، وإلاّ فهو الزّقي. وبالجملة فالزقّي استسقاء تنصبّ فيه المائية إلى فضاء الجوف ، سمّي به تشبيها لبطن صاحبه بالزقّ المملوء ماء ، ولهذا يحسّ صاحبه خفخفة الماء عند الحركة.

واللحميّ استسقاء يغشو فيه الماء مع الدم إلى جملة الأعضاء فيحتبس في خلل اللحم فيربو ، سمّي به لازدياد لحم صاحبه من حيث الظاهر بخلاف السّمن فإنه ازدياد حقيقة ، وهذا تربّل يشبه الازدياد الحقيقي. والطبلي ما يغشو فيه المادة الريحية في فضاء الجوف مجففة فيها ، ولا تخلو تلك المواضع مع الرياح عن قليل رطوبة أيضا. وأيضا الاستسقاء ينقسم إلى مفرد ومركّب ، لأن تحقّقه إمّا أن يكون من نوعين فصاعدا أو لا ، الثاني المفرد ، والأول المركّب إمّا من اللحمي والزقّي ، أو من اللحمي والطبلي ، أو الزقي والطبلي ، أو من الثلاثة ، هكذا يستفاد من بحر الجواهر وحدود الأمراض.

الاستصحاب : [في الانكليزية] Antecedent judgement ـ [في الفرنسية] Jugement base sur un antecedent

هو عند الأصوليين طلب صحبة الحال للماضي بأن يحكم على الحال بمثل ما حكم على الماضي ، وحاصله إبقاء ما كان على ما كان بمجرد أنه لم يوجد له دليل مزيل ، وهو حجّة عند الشافعي وغيره كالمزني (١) والصّيرفي (٢) والغزالي في كل حكم عرف وجوبه

__________________

ـ البحث ، الهند ، ١٢٩٨ ه‍. الاعلام ٣ / ٣٥٣ ، هدية العارفين ١ / ٥٦٨. معجم المطبوعات العربية ١٢٨٢ و ١٩٦٣. GALS, II ، ٣٠٥.

(١) المزني هو إسماعيل بن يحيى بن اسماعيل ، أبو إبراهيم المزني. ولد بمصر عام ١٧٥ هـ / ٧٩١ م. وتوفي فيها عام ٢٦٤ هـ / ٨٧٨ م. صاحب الإمام الشافعي. زاهد ، عالم مجتهد. له عدّة مؤلّفات هامّة. الاعلام ١ / ٣٢٩ ، وفيات الأعيان ١ / ٧١.

(٢) هو محمد بن عبد الله الصيرفي ، أبو بكر. توفي العام ٣٣٠ هـ / ٩٤٢ م. فقيه متكلّم ، عالم باللغة ، من الشافعية

١٥٣

بدليله ثم وقع الشكّ في زواله ، من غير أن يقوم دليل بقائه أو عدمه مع التأمل والاجتهاد فيه.

وعند أكثر الحنفية ليس بحجة موجبة للحكم ، ولكنها دافعة لإلزام الخصم لأن مثبت الحكم ليس بمبق له ، يعني أنّ إيجاد شيء أمر وإبقاءه أمر آخر ، فلا يلزم أن يكون الدليل الذي أوجده ابتداء في الزمان الماضي مبقيا في زمان الحال ، لأن البقاء عرض حادث بعد الوجود وليس عينه. ولهذا يصحّ نفي البقاء عن الوجود فيقال : وجد فلم يبق ، فلا بد للبقاء من سبب على حدة ، فالحكم ببقاء حكم بمجرد الاستصحاب يكون حكما بلا دليل ، وذلك باطل ، هكذا في نور الأنوار (١). وفي الحموي (٢) حاشية الأشباه (٣) في القاعدة الثالثة : الاستصحاب وهو الحكم بثبوت أمر في وقت آخر ، وهذا يشمل نوعيه ، وهما جعل الحكم الثابت في الماضي مصاحبا للحال أو جعل الحال مصاحبا للحكم الماضي.

واختلف في حجيته ، فقيل حجة مطلقا ، ونفاه كثير مطلقا ، واختير أنه حجة للدفع لا للاستحقاق ، أي لدفع إلزام الغير لا لإلزام الغير. والوجه الأوجه أنه ليس بحجة أصلا لأن الدفع استمرار عدمه الأصلي لأن المثبت للحكم في الشروع لا يوجب بقاءه ، لأن حكمه الإثبات ، والبقاء غير الثبوت ، فلا يثبت به البقاء ، كالإيجاد لا يوجب البقاء ، لأن حكمه الوجود لا غير ، يعني أنّه لمّا كان الإيجاد علة للوجود لا للبقاء فلا يثبت به البقاء حتى يصحّ الإفناء بعد الإيجاد ، ولو كان الإيجاد موجبا للبقاء كما كان موجبا للوجود لما تصوّر الإفناء بعد الإيجاد لاستحالة الفناء مع البقاء ، ولما صحّ الإفناء بعد الإيجاد لا يوجب البقاء ، انتهى.

فإن قيل إن قام دليل على كونه حجة لزم شمول الوجود أعني كونه حجة للإثبات والدفع وإلاّ لزم شمول العدم ، أجيب بأن معنى الدفع أن لا يثبت حكم ، وعدم الحكم مستند إلى عدم دليله ، والأصل في العدم الاستمرار حتى يظهر دليل الوجود ، وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا بيع شقص من الدار وطلب الشريك الشّفعة فأنكر المشتري ملك الطالب في السهم الآخر الذي في يده ، ويقول إنه بالإعارة عندك ، فعند الحنفية القول قول المشتري ولا تجب الشّفعة إلاّ ببيّنة لأن الشفيع يتمسّك بالأصل ولأن اليد دليل الملك ظاهرا ، والظاهر يصلح لدفع الغير لا لإلزام الشّفعة على المشتري في الباقي ، وعند الشافعي تجب بغير بيّنة لأن الظاهر عنده يصلح للدفع والإلزام جميعا فيأخذ الشفعة من المشتري جبرا ، وإن شئت الزيادة فارجع إلى كتب الأصول كالتوضيح ونحوه.

الاستصناع : [في الانكليزية] Asking to manufacture ـ [في الفرنسية] Faire fabriquer

هو استفعال من الصّناعة ويعدّى إلى

__________________

ـ والأصوليين. له بعض المؤلفات. الاعلام ٦ / ٢٢٤ ، وفيات الأعيان ١ / ٤٥٨ ، الوافي بالوفيات ٣ / ٣٤٦ ، طبقات الشافعية ٢ / ١٦٩ ، مفتاح السعادة ٢ / ١٧٨.

(١) نور الأنوار في شرح المنار للشيخ أحمد جيون شمس الدين شيخ الربوة الدمشقي (ـ ١١٣٠ هـ). الهند ، ١٢٩٣ ه‍. معجم المطبوعات العربية ١٩٦٤.

(٢) الحموي : هو أحمد بن محمد مكي ، أبو العباس ، شهاب الدين الحسيني الحموي. توفي بالقاهرة عام ١٠٩٨ هـ / ١٦٨٧ م.

مدرّس ، من علماء الحنفية ، تولى الإفتاء وله كتب عديدة وهامّة. الاعلام ١ / ٢٣٩ ، الجبرتي ١ / ١٦٧ ، معجم المطبوعات ٣٧٥ ، هدية العارفين ١ / ١٦٤.

(٣) حاشية الأشباه أو غفر عيون البصائر على محاسن الأشباه والنظائر لأحمد بن محمد الحموي (ـ ١٠٩٨ هـ) شرح فيها الأشباه والنظائر في فروع الفقه الحنفي لابن نجيم المصري (ـ ٩٧٠ هـ). القسطنطينية ١٢٩٠. اكتفاء القنوع ٣٨٦.

١٥٤

مفعولين ، وهو في اللغة طلب العمل ، وفي الشرع بيع ما يصنعه الصانع عينا ، فيطلب من الصانع العمل والعين جميعا ، فلو كان العين من المستصنع كان إجارة لا استصناعا كما في إجارة المحيط. وكيفيته أن يقال للصانع كخفاف مثلا اخرز لي من أديمك خفّا صفته كذا بكذا درهما ويريه رجله ، ويقبل الصانع سواء أعطى الثمن أو لا ، كذا في جامع الرموز والبرجندي في فصل السّلم.

الاستطاعة : [في الانكليزية] Faculty ، power ـ [في الفرنسية] Faculte ، pouvoir

هي تطلق على معنيين : أحدهما عرض يخلقه الله تعالى في الحيوان يفعل به الأفعال الاختيارية ، وهي علّة للفعل ، والجمهور على أنها شرط لأداء الفعل لا علّة. وبالجملة هي صفة يخلقها الله تعالى عند قصد اكتساب الفعل بعد سلامة الأسباب والآلات ، فإن قصد فعل الخير خلق الله قدرة فعل الخير ، وإن قصد فعل الشرّ خلق الله قدرة فعل الشرّ ، وإذا كانت الاستطاعة عرضا وجب أن تكون متقارنة للفعل بالزمان لا سابقة عليه ، وإلاّ لزم وقوع الفعل بلا استطاعة وقدرة عليه لامتناع بقاء الأعراض.

وقيل هي قبل الفعل. وقيل إن أريد بالاستطاعة القدرة المستجمعة لجميع شرائط التأثير فالحقّ أنها مع الفعل ، وإلاّ فقبله. وأما امتناع بقاء الأعراض فمبني على مقدّمات صعبة البيان.

وثانيهما سلامة الأسباب والآلات والجوارح كما في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (١) وهي على هذا يجوز أن تكون قبل الفعل ، وصحة التكليف مبني على هذا. فإن قيل الاستطاعة صفة المكلّف ، وسلامة الأسباب ليست صفة له ، فكيف يصحّ تفسيرها بها؟ قلنا : المراد سلامة أسباب وآلات له والمكلّف كما يتّصف بالاستطاعة يتصف بذلك ، حيث يقال : هو ذو سلامة الأسباب ، إلاّ أنه لتركّبه لا يشتق منه اسم فاعل يحمل عليه ، بخلاف الاستطاعة ، هكذا في شرح العقائد النسفية في بحث أفعال العباد.

والاستطاعة الحقيقية وهي القدرة التّامة التي يجب عندها صدور الفعل فهي لا تكون إلاّ مقارنة للفعل. والاستطاعة الصحيحية وهي أن يرتفع الموانع من المرض وغيره ، كذا في الجرجاني.

الاستطراد : [في الانكليزية] Digreion ـ [في الفرنسية] Digreion

عند البلغاء هو أن يذكر عند سوق الكلام لغرض ما يكون له نوع تعلّق به ، ولا يكون السّوق لأجله ، كذا في حواشي البيضاوي في تفسير قوله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) (٢) وهو قريب من حسن التخلّص كقوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) (٣). قال الزمخشري هذه الآية وردت على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدو السّوءات وخصف الورق عليها إظهارا للمنّة فيما خلق من اللّباس ولما في العري وكشف العورة من الإهانة والفضيحة ، وإشعارا بأنّ السّتر باب عظيم من أبواب التقوى. وقد خرّج على الاستطراد صاحب الإتقان قوله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (٤) فإنّ أول

__________________

(١) آل عمران / ٩٧.

(٢) البقرة / ١٨٩.

(٣) الاعراف / ٢٦.

(٤) النساء / ١٧٢.

١٥٥

الكلام ذكر الردّ على النصارى الزاعمين بنوّة المسيح ، ثم استطراد الردّ على الزاعمين بنوّة الملائكة. وفي بعض التفاسير ، مثال الاستطراد هو أن يذهب الرجل إلى موضع مخصوص صائدا فعرض له صيد آخر فاشتغل به وأعرض عن السّير إلى ما قصد وأشباهه ، انتهى كلامه.

والفرق بينه وبين حسن التّخلّص سيأتي في لفظ التّخلّص. وفي الجرجاني : الاستطراد سوق الكلام على وجه يلزم منه كلام آخر وهو غير مقصود بالذات بل بالعرض ، فيؤتى على وجه الاستتباع ، انتهى.

الاستظهار : [في الانكليزية] Bringing up ـ [في الفرنسية] Vomiement ، vidage

اعلم أنّ الأطباء يأمرون بالاستظهار وإن لم يكن الأخلاط زائدة زيادة شديدة توجب الاستفراغ ، ولكن زيادة ما يستحبّ فيه الاستفراغ ليحصل أمن من حصول امتلاء القوى الموجب للأمراض دفعة وفجأة. والفرق بين الاستظهار والتقدم بالحفظ أنّ الاستفراغ في الاستظهار يكون خارجا عن غير حدّ الاعتدال وفي التقدم بالحفظ لا يكون خارجا عنه ، بل يكون إلى حدّ يقطع السبب فقط من أن ينقل البدن إلى الستّة المضادة ، وكلاهما يكون لمن يعتاده مرض قبل حدوثه به ، كذا قال النفيس. وقال الآقسرائي (١) : الفرق بين الاستظهار والتقدم بالحفظ أنّ الأول في غير المعتاد والثاني في حق المعتاد ، كذا في بحر الجواهر.

الاستعارة : [في الانكليزية] Metaphor ـ [في الفرنسية] Metaphore

في اللغة : هو أخذ الشيء بالعارية أو عند الفرس : هو إضافة المشبّه به إلى المشبّه ، وهذا خلاف اصطلاح أهل العربية. وهو على نوعين :

أحدها : استعارة حقيقية ، والثاني : مجازية.

فالاستعارة الحقيقية هي أن يكون المستعار والمستعار منه ثابتين ومعلومين ، وهما نوعان : ترشيح وتجريد. فالترشيح هو أن يكون المستعار والمستعار منه ثابتين ومعلومين ، وأن تراعى فيها لوازم الجانبين. ومثاله :

يا ملك البلغاء إن تجرّد سيف لسانك

نلت وطرك وفتحت العالم

فالسيف مستعار واللسان مستعار منه ، وقد راعى اللوازم للسيف واللسان. وأمّا التجريد فهو أن يراعي جانبا واحدا من اللوازم وأن يكون أحد الموجودات من الأعيان والثاني من الأعراض. ومثاله : من ذلك السكّر الشفهي الذي هو غير مأكول ، نأكل في كل لحظة سمّ الغصة. فالسكر مستعار والشفه مستعار منه. فهنا راعى جانب السكر ، والغصة ليست من الأعيان فتؤكل ولم يراع الغصة.

وأمّا المجاز فهو أن يكون كلّ من المشبّه والمشبّه به من الأعراض ، يعني أن يكون محسوسا بأحد الحواسّ الظاهرة أو من المتصوّرة أي محسوسا بالحواس الباطنة. أو يكون أحدها عرضا والثاني متصوّرا. ومثاله : حيثما يوجد أحد في الدنيا سأقتله كي لا يرد كلام العشق على لسان أحد. فالكلام عرض والعشق هو من الأشياء التي تصوّر في الذهن. وكلاهما أي الكلام والعشق من المتصوّرات التي لا وجود مادي لها في الخارج. واعلم أنّ كلّ ما ذكرناه هاهنا عن الحقيقة والمجاز هو على اصطلاح الفرس ، وقد أورده

__________________

(١) الأقسرائي : هو محمد بن محمد بن محمد بن فخر الدين ، جمال الدين المعروف بالأقسرائي. توفي بعد العام ٧٧٦ هـ / ١٣٧٤ م. عالم بالطب والتفسير واللغة والأدب. حفيد الإمام فخر الدين الرازي. له الكثير من المؤلّفات. الاعلام ٧ / ٤٠ ، الفوائد البهية ١٩١ ، كشف الظنون ١٩٠٠ ، الشقائق النعمانية بهامش ابن خلكان ١ / ٢٠.

١٥٦

مولانا فخر الدين قواس في كتابه. وهذا أيضا مخالف لأهل العربية. كذا في جامع الصنائع (١). والاستعارة عند الفقهاء والأصوليين عبارة عن مطلق المجاز بمعنى المرادف له. وفي اصطلاح علماء البيان عبارة عن نوع من المجاز ، كذا في كشف البزدوي وچلپي المطول. وذكر الخفاجي في حاشية البيضاوي في تفسير قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) (٢) الآية الاستعارة تستعمل بمعنى المجاز مطلقا ، وبمعنى مجاز علاقته المشابهة ، مفردا كان أو مركّبا ، وقد تخصّ بالمفرد منه وتقابل بالتمثيل حينئذ كما في مواضع كثيرة من الكشاف (٣). والتمثيل وإن كان مطلق التشبيه غلب على الاستعارة المركّبة ، ولا مشاحّة في الاصطلاح انتهى كلامه. والقول بتخصّص الاستعارة بالمفرد قول الشيخ عبد القاهر (٤) وجار الله. وأمّا على مذهب السكّاكي فالاستعارة تشتمل التمثيل ويقال للتمثيل استعارة تمثيلية ، كذا ذكر مولانا عصام الدين في حاشية البيضاوي. وسيأتي في لفظ المجاز ما يتعلّق بذلك.

قال أهل البيان : المجاز إن كانت العلاقة فيه غير المشابهة فمجاز مرسل وإلاّ فاستعارة.

فالاستعارة على هذا هو اللفظ المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصلي أي الحقيقي ، ولما سبق في تعريف الحقيقة اللغوية أن استعمال اللفظ لا يكون إلاّ بإرادة المعنى منه ، فإذا أطلق نحو المشفر على شفة الإنسان وأريد تشبيهها بمشفر الإبل في الغلظ فهو استعارة ، وإن أريد أنّه إطلاق المقيّد على المطلق كإطلاق المرسن على الأنف من غير قصد إلى التشبيه فمجاز مرسل ، فاللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد يجوز أن يكون استعارة وأن يكون مجازا مرسلا باعتبارين ، ولا يخفى أنك إذا قلت : رأيت مشفر زيد ، وقصدت الاستعارة ، وليس مشفره غليظا ، فهو حكم كاذب ، بخلاف ما إذا كان مجازا مرسلا. وكثيرا ما يطلق الاستعارة على فعل المتكلّم أعني استعمال اسم المشبّه به في المشبّه. والمراد بالاسم ما يقابل المسمّى أعني اللفظ لا ما يقابل الفعل والحرف. فالاستعارة

__________________

(١) الاستعارة : في اللغة بعاريت خواستن چيزي ونزد فارسيان عبارتست از اضافت مشبه به بمشبه واين خلاف اصطلاح عربيان است واين بر دو گونه است يكى حقيقت دوم مجاز حقيقت آنست كه مستعار ومستعار منه ثابت ومعلوم باشند وآن را بر دو نمط يافته اند يكى ترشيح دوم تجريد ترشيح آنست كه مستعار ومستعار منه ثابت ومعلوم باشند ولوازم جانبين را رعايت كنند مثاله. شعر.

اي شاه سخنوران گر از تيغ زبان.

تو كام براندى وجهان بگرفتي.

تيغ مستعار است وزبان مستعار منه ورعايت لوازم تيغ وزبان نيز كرده است وتجريد آنست كه بيك جانب رعايت لوازم كنند ويكى از موجودات يعنى از اعيان باشد ودوم از اعراض مثاله. شعر.

ز ان شكر لب كه خوردني نيست.

هر لحظه خوريم زهر غصه.

شكر مستعار است ولب مستعار منه اينجا رعايت شكر كرده وغصه از اعيان نيست كه خورده شود ورعايت غصه هيچ نكرده ومجاز آنست كه مشبه به ومشبه هر دو عرض باشند يعني محسوس حواس ظاهره ويا آنكه از متصورات باشند يعني محسوس حواس باطنه ويا يكى عرض باشد ودوم متصور مثاله. شعر.

هرجا كه كسي است در جهان خواهم كشت.

تا كس سخن عشق نيارد بزبان.

سخن عرض است وعشق از انها است كه آن را در ذهن تصور كنند وسخن وعشق نيز از متصوراتست كه در خارج وجودي ندارد بدان كه آنچه اينجا از تعريف حقيقت ومجاز ذكر كرده شده بر اصطلاح پارسيانست واين را مولانا فخر الدين قواس در كتاب خود آورده است واين نيز مخالف عربيان است كذا في جامع الصنائع.

(٢) البقرة / ٧.

(٣) الكشاف عن حقائق التنزيل لمحمود بن عمر بن محمد بن عمر أبو القاسم جار الله الزمخشري (ـ ٥٣٨ هـ). فرغ من تأليفه سنة ٥٢٨ ه‍. بولاق ، ١٢٨١. معجم المطبوعات العربية ٩٧٤ ـ ٩٧٥.

(٤) عبد القاهر الجرجاني : هو عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني ، أبو بكر. توفي عام ٤٧١ هـ / ١٠٧٨ م. واضع أصول البلاغة ، إمام في اللغة له شعر ومصنّفات هامة. الاعلام ٤ / ٤٨ ، فوات الوفيات ١ / ٢٩٧ ، مفتاح السعادة ١ / ١٤٣ ، بغية الوعاة ٣١٠ ، آداب اللغة ٣ / ٤٤ ، مرآة الجنان ٣ / ١٠١ ، طبقات الشافعية ٣ / ٢٤٢ ، نزهة الألباء ٤٣٤ ، إنباه الرواة ٢ / ١٨٨.

١٥٧

تكون بمعنى المصدر فيصحّ منه الاشتقاق ، فالمتكلّم مستعير واللفظ المشبّه به مستعار ، والمعنى المشبّه به مستعار منه ، والمعنى المشبّه مستعار له ، هكذا في الأطول وأكثر كتب هذا الفن.

وزاد صاحب كشف البزدوي ما يقع به الاستعارة وهو الاتصال بين المحلّين لكن في الاتقان أركان الاستعارة ثلاثة : مستعار وهو اللفظ المشبّه به ، ومستعار منه وهو اللفظ المشبّه ، ومستعار له وهو المعنى الجامع. وفي بعض الرسائل المستعار منه في الاستعارة بالكناية هو المشبّه على مذهب السكاكي انتهى.

ثم قال صاحب الاتقان بعد تعريف الاستعارة بما سبق ، قال بعضهم : حقيقة الاستعارة أن تستعار الكلمة من شيء معروف بها إلى شيء لم يعرف بها ، وحكمة ذلك إظهار الخفي وإيضاح الظاهر الذي ليس بجليّ ، أو حصول المبالغة أو المجموع. مثال إظهار الخفي : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ) (١) فإنّ حقيقته وإنّه في أصل الكتاب فاستعير لفظ الأم للأصل لأن الأولاد تنشأ من الأم كما تنشأ الفروع من الأصول ، وحكمة ذلك تمثيل ما ليس بمرئي حتى يصير مرئيا فينتقل السامع من حدّ السّماع إلى حدّ العيان ، وذلك أبلغ في البيان. ومثال إيضاح ما ليس بجليّ ليصير جليّا : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ) (٢) فإن المراد منه أمر الولد بالذلّ لوالديه رحمة فاستعير للذّلّ أولا جانب ثم للجانب جناح ، أي اخفض جانب الذلّ أي اخفض جانبك ذلاّ ؛ وحكمة الاستعارة في هذا جعل ما ليس بمرئي مرئيا لأجل حسن البيان.

ولمّا كان المراد خفض جانب الولد للوالدين بحيث لا يبقى الولد من الذلّ لهما والاستكانة متمكنا ، احتيج في الاستعارة إلى ما هو أبلغ من الأولى ، فاستعير لفظ الجناح لما فيه من المعاني التي لا تحصل من خفض الجانب ، لأن من يميل جانبه إلى جهة السّفل أدنى ميل صدق عليه أنّه خفض جانبه ، والمراد خفض يلصق الجنب بالأرض ولا يحصل ذلك إلاّ بذكر الجناح كالطائر. ومثال المبالغة : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) (٣) أي فجّرنا عيون الأرض ، ولو عبّر بذلك لم يكن فيه من المبالغة ما في الأول المشعر بأن الأرض كلها صارت عيونا. انتهى.

فائدة :

اختلفوا في الاستعارة أهي مجاز لغوي أو عقلي ، فالجمهور على أنها مجاز لغوي لكونها موضوعة للمشبّه به لا للمشبّه ولا لأعمّ منهما.

وقيل إنها مجاز عقلي لا بمعنى إسناد الفعل أو معناه إلى ما هو له بتأوّل ، بل بمعنى أنّ التصرّف فيها في أمر عقلي لا لغوي لأنها لم تطلق على المشبّه إلاّ بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به فكان استعمالها فيما وضعت له ، لأن مجرد نقل الاسم لو كان استعارة لكانت الأعلام المنقولة كيزيد ويشكر استعارة ، وردّ بأن الادعاء لا يقتضي أن تكون مستعملة فيما وضعت له للعلم الضروري بأن الأسد مثلا موضوع للسبع المخصوص ، وفي صورة الاستعارة مستعمل في الرجل الشجاع ، وتحقيق ذلك أنّ ادعاء دخوله في جنس المشبّه به مبني على أنه جعل أفراد الأسد بطريق التأويل قسمين : أحدهما المتعارف وهو الذي له غاية الجرأة ونهاية القوّة في مثل تلك الجثة وتلك الأنياب والمخالب إلى غير ذلك. والثاني غير المتعارف وهو الذي له تلك

__________________

(١) الزخرف / ٤.

(٢) الاسراء / ٢٤.

(٣) القمر / ١٢.

١٥٨

الجرأة وتلك القوة ، لكن لا في تلك الجثة والهيكل المخصوص ، ولفظ الأسد إنما هو موضوع للمتعارف ، فاستعماله في غير المتعارف استعمال في غير ما وضع له ، كذا في المطول.

وقال صاحب الأطول : ويمكن أن يقال : إذا قلت : رأيت أسدا وحكمت برؤية رجل شجاع يمكن فيه طريقان : أحدهما أن يجعل الأسد مستعارا لمفهوم الرجل الشجاع ، والثاني أن يستعمل فيما وضع له الأسد ويجعل مفهوم الأسد آلة لملاحظة الرجل الشجاع ، ويعتبر تجوّزا عقليا في التركيب التقييدي الحاصل من جعل مفهوم الأسد عنوانا للرجل الشجاع ، فيكون التركيب بين الرجل الشجاع ومفهوم الأسد مبنيا على التجوّز العقلي ، فلا يكون هناك مجاز لغوي. ألا ترى أنه لا تجوّز لغة في قولنا : لي نهار صائم فقد حقّ القول بأنه مجاز عقلي ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

فائدة :

الاستعارة تفارق الكذب بوجهين : بالبناء على التأويل ، وبنصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر.

التقسيم

للاستعارة تقسيمات باعتبارات : الأول باعتبار الطرفين أي المستعار منه والمستعار له إلى وفاقية وعنادية ، لأن اجتماع الطرفين في شيء إمّا ممكن وتسمّى وفاقية لما بين الطرفين من الموافقة نحو أحييناه في قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) (١) أي ضالاّ فهديناه ، استعار الإحياء من معناه الحقيقي وهو جعل الشيء حيّا للهداية التي هي الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب ؛ والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما في شيء. وإمّا ممتنع وتسمّى عنادية لتعاند الطرفين كاستعارة الميّت في الآية للضالّ إذ لا يجتمع الموت مع الضلال. ومنها أي من العنادية التهكّمية والتمليحية ، وهما الاستعارة التي استعملت في ضدّ معناها الحقيقي أو نقيضه تنزيلا للتضادّ والتناقض منزلة التناسب بواسطة تمليح أو تهكّم نحو : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢) أي أنذرهم ، استعيرت البشارة التي هي الإخبار بما يظهر سرورا في المخبر به للإنذار الذي هو ضدّها بإدخال الإنذار في جنس البشارة على سبيل التهكّم ، وكذا قولك : رأيت أسدا وأنت تريد جبانا على سبيل التمليح والظرافة. والاستهزاء الثاني باعتبار الجامع إلى قسمين لأن الجامع إمّا غير داخل في مفهوم الطرفين كما في استعارة الأسد للرجل الشجاع ، فإن الشجاعة خارجة عن مفهوم الطرفين ، وإمّا داخل في مفهوم الطرفين نحو قوله عليه‌السلام : «خير الناس رجل يمسك بعنان فرسه كلّما سمع هيعة طار إليها ، أو رجل في شعفة في غنيمة له يعبد الله حتى يأتيه الموت» (٣). الهيعة الصوت المهيب ، والشّعفة رأس الجبل. والمعنى خير الناس رجل أخذ بعنان فرسه واستعدّ للجهاد ، أو رجل اعتزل الناس وسكن في رأس جبل في غنم له قليل يرعاها ويكتفي بها في أمر معاشه ويعبد الله حتى يأتيه الموت. استعار الطّيران للعدو والجامع وهو قطع المسافة بسرعة داخل في مفهومهما. وأيضا باعتبار الجامع إمّا عامّية وهي المبتذلة لظهور الجامع فيها نحو : رأيت

__________________

(١) الانعام / ١٢٢.

(٢) آل عمران / ٢١.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ، ٢ / ٣٩٦ ، عن أبي هريرة بلفظ : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أخبركم بخير البرية ، قالوا بلى يا رسول الله ، قال : رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله عزوجل ، كلّما كان هيعة استوى عليه. ألا أخبركم بالذي يليه ، قالوا بلى : رجل في ثلة من غنمه يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة. ألا أخبركم بشر البرية ، قالوا بلى ، قال : الذي يسأل بالله ولا يعطي به.

١٥٩

أسدا يرمي ، أو خاصيّة وهي الغريبة أي البعيدة عن العامة. والغرابة قد تحصل في نفس الشّبه كما في قول يزيد بن مسلمة (١) يصف فرسا بأنّه مؤدّب وأنّه إذا نزل عنه صاحبه وألقى عنانه في قربوس سرجه أي مقدّم سرجه وقف على مكانه حتى يعود إليه. قال الشاعر :

واذا احتبى قربوسه بعنانه

علك الشكيم إلى انصراف الزائر

علك أي مضغ والشكيم اللّجام ، وأراد بالزائر نفسه ، فاستعار الاحتباء وهو أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بثوب أو غيره لوقوع العنان في قربوس السّرج ، فصارت الاستعارة غريبة لغرابة التشبيه. وقد تحصل الغرابة بتصرّف في العامّية نحو قوله :

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا

وسالت بأعناق المطيّ الأباطح

والأباطح جمع أبطح وهو مسيل الماء فيه دقاق الحصى ، أي أخذت المطايا في سرعة المضي. استعار سيلان السيول الواقعة في الأباطح لسير الإبل سيرا سريعا في غاية السرعة المشتملة على لين وسلاسة ، والتشبيه فيها ظاهر عامي ، وهو السرعة لكن قد تصرف فيه بما أفاده اللطف والغرابة ، إذ أسند سالت إلى الأباطح دون المطيّ وأعناقها حتى أفاد أنه امتلأت الأباطح من الإبل ، وأدخل الأعناق في السير حيث جعلت الأباطح سائلة مع الأعناق ، فجعل الأعناق سائرة إشارة إلى أنّ سرعة سير الإبل وبطؤه إنما يظهران غالبا في الأعناق.

الثالث باعتبار الثلاثة ، أي المستعار منه والمستعار له والجامع إلى خمسة أقسام : الأول استعارة محسوس لمحسوس بوجه محسوس نحو : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (٢) فالمستعار منه هو النار ، والمستعار له هو الشيب ، والوجه أي الجامع هو الانبساط الذي هو في النار أقوى ، والجميع حسّي ، والقرينة هو الاشتعال الذي هو من خواص النار ، وهو أبلغ مما لو قيل : اشتعل شيب الرأس لإفادته عموم الشيب لجميع الرأس.

والثاني استعارة محسوس لمحسوس بوجه عقلي ، نحو : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) (٣) فالمستعار منه السّلخ الذي هو كشط الجلد عن نحو الشاة ، والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل وهما حسّيان ، والجامع ما يعقل من ترتّب أمر على آخر ، كترتّب ظهور اللحم على الكسط وترتّب ظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل ، والترتّب أمر عقلي ؛ قال ابن أبي الإصبع : هي ألطف من الأولى.

والثالث استعارة معقول لمعقول بوجه عقلي ؛ قال ابن ابي الإصبع : هي ألطف الاستعارات نحو : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) (٤) فإن المستعار منه الرقاد أي النوم والمستعار له الموت والجامع عدم ظهور الفعل ، والكلّ عقلي.

الرابع استعارة محسوس لمعقول بوجه عقلي نحو : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) استعير المسّ وهو صفة في الأجسام وهو محسوس لمقاساة الشّدّة ، والجامع اللحوق ، وهما

__________________

(١) هو يزيد بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، أبو مكشوح ، المعروف بابن الطثرية متوفى ١٢٦ هـ / ٧٤٤ م. شاعر مطبوع ظريف ، عفيف ، حسن الوجه والشعر ، من شعراء الأمويين. جمع شعره في ديوان. الأعلام ٨ / ١٨٣ ، معجم الادباء ٢٠ / ٤٦ ، وفيات الأعيان ٢ / ٢٩٩ ، الشعر والشعراء ٣٩٢ ، طبقات الشعراء ١٥٠ ، الأغاني ٨ / ١٥٥.

(٢) مريم / ٤.

(٣) يس / ٣٧.

(٤) يس / ٥٢.

١٦٠