رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

قواعد الإيمان وأدلّة التوحيد وجميع أخبار أهل البيت ، بل ضرورة المذهب ، وما يلزمه من المفاسد الدينيّة ما لا يحصى ، وهذه غفلة منه نوّر الله ضريحه.

وبالجملة ، فليس في كلامه هذا ما يؤيّد كلام المحقّق : ، ولا ما يدفع نقض الشهيد : له بوجهٍ أصلاً ، بل هو أضعف من استدلال المحقّق : على ما فيه من الضعف ، وأنت إذا تأمّلت الأخبار لم تجد فيها ما يدلّ على وجوب السلام علينا بوجه أصلاً ، وما دلّ بظاهره على صحّة الخروج به أو انقضاء الصلاة بانقضائه فغايته الدلالة على استحباب التسليم المعهود ، وقد عرفت ما فيه ، فليس على مذهب المحقّق : دليل أصلاً ، مع أنه يلزمه أنك إذا قدّمت السلام علينا يكون السلام عليكم من جملة التعقيب ، ولم نظفر بقائل به ، ولا خبر يدلّ عليه ؛ إذ كلّ مستحبّ بعد كمال الصلاة والخروج منها فهو تعقيب.

وقال الشهيد : في ( الروضة ) بعد قول المصنّف : ( ثمّ يجب التسليم ، وله عبارتان السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مخيّراً فيهما ، وبأيّهما بدأ كان هو الواجب وخرج به من الصلاة ، واستحبّ الآخر ) (١) ـ : ( وأمّا جعل الثاني مستحبّاً كيف كان كما اختاره المصنّف هنا فليس عليه دليل واضح ، وقد اختلف فيه كلام المصنّف فاختاره هنا وهو من آخر ما صنّفه ، وفي ( الألفيّة ) (٢) وهي من أوّله ، وفي ( البيان ) أنكره غاية الإنكار ، فقال بعد البحث عن الصيغة الأُولى : ( وأوجبها بعض المتأخّرين ، وخيّر بينها وبين السلام عليكم ، وجعل الثانية منهما مستحبّة ، وارتكب جواز السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين بعد السلام عليكم ، ولم يذكر ذلك في خبر ولا مصنّف ، بل القائلون بوجوب التسليم واستحبابه يجعلونها مقدّمة عليه ) (٣) ، وفي ( الذكرى ) نقل وجوب الصيغتين تخييراً عن بعض المتأخّرين ، وقال : ( إنه قويّ متين إلّا إنه لا قائل به من القدماء فكيف

__________________

(١) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) ١ : ٢٧٧.

(٢) الألفيّة في الصلاة اليوميّة : ٦٠.

(٣) البيان : ١٧٧.

٨١

يخفى عليهم مثله لو كان حقّا ) (١) ) (٢) ، انتهى.

وقال في ( المناهج ) : ( قوله : ( وأمّا جعل الثانية مستحبّة كيف كان كما اختاره المصنّف هنا فليس عليه دليل واضح ) : اعلم أن جعل الثاني مستحبّاً كيف كان يتضمّن أربع دعاوي :

الاولى : أنه يتخيّر في تقديم أيّ العبارتين شاء.

والثانية : أنه يتعيّن المتقدّم أن يكون هو الواجب.

والثالثة : أنه يتعيّن نيّة الخروج به.

والرابعة : أن المتأخّر أيّة كانت من العبارتين مستحبّ ) ، انتهى.

قال في ( الذكرى ) بعد ذكر الاحتمالات الستّة في التسليم : ( وبعد هذا كلّه فالاحتياط للدين الإتيان بالصيغتين ؛ جمعاً بين القولين ، وليس ذلك بقادح في الصلاة بوجهٍ من الوجوه ، بادياً بـ : « السلام علينا » وعلى عباد الله الصالحين ، لا بالعكس ، فإنه لم يأتِ به خبر منقول ولا مصنّف مشهور ، إلّا ما في بعض كتب المحقّق (٣) : ، ويعتقد ندب السلام علينا ، ووجوب الصيغة الأُخرى ، وإن أبى المصلّي إلّا إحدى الصيغتين ، فـ « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » مُخْرِجةٌ بالإجماع ) (٤) ، انتهى.

وبمثل هذه العبارة عبّر الشيخ حسين : في ( شرح المفاتيح ).

قال في ( المناهج ) بعد أن نقل عبارة ( الذكرى ) : ( أمّا كون الاحتياط في الجمع بينهما فلوجهين :

الأوّل : أنه إن اقتصر على السلام علينا ، لم يأتِ بالواجب عند السيّد (٥) : وأبي الصلاح (٦). وإن اقتصر على الآخر لم يأتِ بالواجب عند يحيى بن سعيد (٧).

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

(٢) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ١ : ٢٧٨.

(٣) شرائع الإسلام ١ : ٧٩.

(٤) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

(٥) الناصريّات : ٢١١ ـ ٢١٢ / المسألة : ٨٢.

(٦) الكافي في الفقه : ١١٩.

(٧) الجامع للشرائع : ٨٤.

٨٢

والثاني : أنك قد عرفت أن ابن طاوس رحمه‌الله (١) : احتمل وجوبهما ؛ لدلالة الأخبار عليه.

وأمّا إن الاحتياط في تقديم السلام علينا فلأنه المنقول من فعل الأئمّة والصحابة وأقوالهم.

وأمّا كون الاحتياط في ألّا يقصد الخروج إلّا بـ : « السلام عليكم » فلِمَا مرّ من أن التسليم حقيقة عرفيّة فيه ، فيكون هو المخرج ، فإن نوى الخروج بالأوّل احتمل أن يكون نواه في أثناء الصلاة ، بل هو الظاهر. وعلى تقدير أن يكون السلام علينا مخرجاً لم يضرّ عدم نيّة الخروج به ؛ لأن نيّة الخروج لا تشترط في التسليم ولا ينته بـ : « السلام عليكم » ؛ لأن غايته أن يكون لَغْواً ، هذا غاية ما يمكن أن يقال ) ، انتهى.

وأقول : ليس ما ذكره رحمه‌الله هو وجه الاحتياط الذي لاحظه الشهيد : ؛ لأنه قال : ( جمعاً بين القولين ) (٢) ، والظاهر أنه عنى المشهور ، وقول المحقّق : ومن تبعه ، وأمّا إنه لاحظ قول يحيى بن سعيد : وعبارة ( البشرى ) فكلّا ؛ لأنهما شاذّان نادران لا دليل على شي‌ء منهما ، ولا شكّ عنده في سقوطهما ، ولذلك لم يعرج على عبارة ( البشرى ) ، ورمى قول يحيى : بمخالفة الإجماع ، فتوجيه ( المناهج ) غير ما لاحظه الشهيد : ، على أن كلّاً منهما خارج عن طريق الاحتياط على ما سنوضّحه إن شاء الله تعالى من ذي قبل ، وسيأتي أيضاً إن شاء الله تعالى أن فاضل ( المناهج ) : أنكر كون هذا سبيل الاحتياط ، فترقّب إنا وإيّاك لرحمة الله من المترقّبين.

ثمّ اعلم أن الذي يظهر لي أن عبارة المحقّق : في ( المعتبر ) غير صريحة في أن المصلّي إذا بدأ بـ : « السلام عليكم » ، استحبّ له أن يأتي بعده بـ : « السلام علينا » ، حيث إن لفظها كما عرفت هكذا : ( والتحقيق : أنه إن بدأ بـ : « السلام علينا » وعلى عباد الله الصالحين كان التسليم الآخر مستحبّاً ، وإن بدأ بـ : « السلام عليكم » ، أجزأهُ هذا اللفظ ،

__________________

(١) عنه في الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

(٢) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

٨٣

وكان قوله ورحمة الله وبركاته ، مستحبّاً ) (١) ، ولم يقل : ويستحبّ له حينئذٍ أن يأتي بعده بـ : « السلام علينا » إلى آخره. بل ظاهر هذه العبارة أنه إن بدأ بـ : « السلام علينا » ، استحبّ له أن يأتي بـ : « السلام عليكم » ، وإن بدأ بـ : « السلام عليكم » ، أجزأه وحده ، ولم أقف على من تنبّه لهذا.

نعم ، هو ظاهر عبارة ( الشرائع ) و ( النافع ) ، حيث قال في ( الشرائع ) : ( الثامن : التسليم ، وهو واجب على الأصحّ ، ولا يخرج من الصلاة إلّا به ، وله عبارتان : أحدهما : أن يقول السلام علينا إلى آخره ، والأُخرى : أن يقول السلام عليكم إلى آخره ، وبكلّ منهما يخرج من الصلاة ، وبأيّهما بدأ كان الثاني مستحبّاً ) (٢) ، انتهى.

ومثلها عبارة ( النافع ) (٣) ، مع أنها محتملة لما هو ظاهر عبارة ( المعتبر ) ، فيكون معناها : إن بدأ بـ : « السلام علينا » ، استحبّ له الإتيان بالأُخرى طبق ما وردت به الأخبار من الترتيب وجاز له تركها ، وإن بدأ بـ : « السلام عليكم » كانت الأُخرى مستحبّة ، بمعنى أنها تترك حينئذٍ لا إلى بدل ، لا أنه يستحبّ الإتيان بها بعد السلام عليكم ؛ لأن كيفيّة العبادة متلقّاة ، ولم يرد به خبر ، فيبعد أن يفتي به مثل هذا الإمام المتبحّر.

وأصرح من عبارتيه عبارة ابن شجاع (٤) في ( معالم الدين ) ، حيث قال في تعداد الواجبات : ( الثامن : التسليم ، وليس بركن ، ومحلّه آخر التشهّد ، وأنه يخرج من الصلاة وإن لم يقصد ، وصورته : إمّا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ويجوز الجمع ، فيستحبّ الأخيرة ، على أنها محتملة ؛ لأنه مخيّر في الإتيان بأيّهما شاء وحدها ، وأنه يجوز الجمع بينهما على الترتيب ).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٦.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ٧٩.

(٣) المختصر النافع : ٨٤.

(٤) محمّد بن شجاع الأنصاري الشهير بالقطّان ، صاحب ( معالم الدين في فقه آل ياسين ) ، من أعلام القرن التاسع الهجري. انظر أعيان الشيعة ٩ : ٣٦٣. والمصدر غير متوفّر لدينا.

٨٤

وذهب يحيى بن سعيد : في ( الجامع ) إلى وجوب السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قال رحمه‌الله : ( والتسليم الواجب الذي يخرج به من الصلاة السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) (١) ، وهذا مذهب انفرد به وحده ، ولا نعلم به قائلاً من الأُمّة غيره ، ولا شكّ أنه مخالف لكلّ من سبقه ولحقه ، ولا نعلم له عليه دليلاً ، وهو اعلم بما قال ، فلا شكّ أنه شاذّ نادر في غاية الشذوذ والندرة ، فيجب الإعراض عنه على كلّ حال.

ويمكن أن يكون تمسّك بصحيح ميسر : أو حسنه عن الباقر : صلوات الله عليه ـ أنه قال شيئان يفسد الناس بهما صلاتَهم : قول الرجل : تبارك اسمك ، وتعالى جدّك ، ولا إله غيرك ، وإنما هو شي‌ء قالته الجنّ بجهالة فحكى الله عنهم ، وقول الرجل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (٢).

فإن المفسد مخرج ، وهذا لا يصحّ التمسّك به ؛ لأن المراد منها قول ذلك في التشهّد الأوّل مطلقاً ، أو التشهّد الأوّل والثاني قبل الشهادتين ، كما هو عمل عامّة العامّة.

والوجه في البطلان حينئذٍ مخالفة الكيفيّة المتلقّاة من الشارع في العبادة ، وذلك مبطل قطعاً ، وإلّا فذكر هذه الصيغة بعد الشهادتين والصلاة على محمّد : وآله قبل السلام عليكم في الأخبار وكتب العصابة أكثر من أن يحصى ، على أنها معارضة بما سمعت من الأخبار المستفيضة.

واحتمل فيها فاضل ( المناهج ) : أن المراد بإفسادها الصلاة إذا قيل في التشهّد الأوّل ، أو إذا قصد به الخروج منها ، والوجه الأوّل احتمله جماعة من الأكابر ، والثاني حسن لا من حيث الإتيان بها على كلّ حال ، بل من حيث قصد الخروج حينئذٍ ، فإنه مخالف للمشروع.

وفي ( الذكرى ) (٣) أن يحيى بن سعيد : خرج في هذا عن الإجماع من حيث لا

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٨٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٦ / ١٢٩٠ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٠٩ ، أبواب التشهّد ، ب ١٢ ، ح ١.

(٣) الذكرى : ٢٠٦ ( حجريّ ).

٨٥

يشعر. وبالجملة ، فلا شكّ في سقوط هذا القول.

وبالجملة ، فالذي قام عليه الدليل عندي بلا إشكال ولا احتمال ولا تردّد هو وجوب التسليم وجزئيّته ، واختصاص الوجوب بـ : « السلام عليكم » ، أو السلام عليكم ورحمة الله ، أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مخيّراً بينها كسائر التسليم الذي هو تحيّة الإسلام ، فإنه هو هو بعينه ، كما لا يخفى على من تأمّل عبارات الفقهاء من الخاصّة والعامّة ، وتأمّل الأخبار من الطريقين ، فإنه يجده ليس عليه غبار.

وإن السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين مستحبّ من مستحبّات الصلاة الواقعة في أثنائها قبل كمالها بلا شبهة ، كـ « السلام عليك أيّها النبيّ : ورحمة الله وبركاته » بلا فرق بينهما بوجه.

فإذا عرفت هذا فاعلم أن الذي يقتضيه الورع والاحتياط ترك الإتيان بـ : « السلام علينا » وعلى عباد الله الصالحين أصلاً ، قبل السلام عليكم ، وبعدها.

أمّا قبلها ؛ فلأنك إمّا أن تنوي حينئذٍ الوجوب ، أو الندب.

فعلى الأوّل ، يقع في محذور مخالفة المشهور بين العصابة من القول باستحبابها ، فتكون على هذا القول قد أتيت بالمندوب بنيّة الوجوب ، وهو لا يجوز ، ولا تتأدّى به العبادة على المشهور المنصور ، فيكون باطلاً منهيّاً عنه ، فتبطل الصلاة حينئذٍ ؛ لأنه نهي في العبادة ، وهو مبطل إجماعاً ؛ لأن الشارع لم يكلّف به بعنوان الوجوب على هذا القول ، وإنما كلّف به بعنوان الندب.

فلو ساغ الإتيان بالمندوب بعنوان الوجوب وبالعكس لَمَا كان لتقسيم الشارع العبادات للواجب والندب فائدة ، ولَمَا عرف الواجب من المندوب ؛ لعدم بقاء الفرق بينهما إذا جاز اعتقاد ندبيّة الواجب وتأديته بهذا القصد والعنوان وبالعكس ، وأيضاً نيّة الوجوب بالمندوب وبالعكس فرع اعتقاد ذلك ؛ إذ لا يمكن مخالفة نيّة العمل لما يعتقده العامل من وصفه بأحدهما ، بل هو محال ، فيكون هذه النيّة والاعتقاد لم يأتِ بها الشرع ، فهو إدخال فيه ما ليس هو منه ، وأيضاً فأنت حينئذٍ يلزمك أن تقصد

٨٦

الخروج به ؛ إذ لا قائل بوجوب التسليمين أو جواز قصد الخروج بهما ، فتكون قد قصدت الخروج عندهم قبل كمال الصلاة في أثنائها ، وهو مبطل.

وعلى الثاني ، تقع في محذور مخالفة المحقّق : ومن قال بمقالته ، فإنهم يوجبون نيّة الوجوب به إذا قدّم على السلام عليكم ، ويقصدون الخروج به ويجعلونه هو المخرج خاصّة.

فإذا أتيت به بعنوان الندب لم تأتِ بما قالوه ، فإنك لم تأتِ بواجب أصلاً ، فليس هذا حينئذٍ ما أفتوا به ، بل يقولون : إن نيّة الندب بالواجب مبطلة له ، وقد نقل عليه الإجماع غير واحد ، فيكون منهيّاً عنه حينئذٍ فيبطل الصلاة.

فأنت إذا لم تأتِ بـ : « السلام علينا » وعلى عباد الله الصالحين قبل السلام عليكم ، فقد خرجت من خلاف الكلّ ، وعملت بمذهب الكلّ.

أمّا على المشهور فأنت حينئذٍ تكون قد تركت مندوباً ، فلا محذور.

وأمّا على مذهب المحقّق (١) : ومن تبعه (٢) فلأنك حينئذٍ قد امتثلت الأمر وخرجت من العهدة ، حيث إنك أتيت بأحد فَرْدَي الواجب المخيّر ؛ لأنهم لا يوجبون إلّا أحدهما تخييراً.

فإن قلت : لم يخرج حينئذٍ من خلاف ابن سعيد. قلت : ذلك مذهب لم يقل به أحد من الأُمّة ، فلا ريب في عدم الالتفات له والاعتداد به.

فإذا عرفت هذا عرفت أن ليس الاحتياط للدين الجمع بينهما مقدّماً لـ « السلام علينا » ، ناوٍ به الندب ، وقاصداً بـ : « السلام عليكم » الوجوب والخروج ، كما قاله الشهيد : في ( الذكرى ) (٣) ؛ لأنك حينئذٍ لم تخرج من محذور مخالفة المحقّق : ومن تبعه ، بل ولا من خلاف ابن سعيد (٤) : على شذوذه وندرته ، وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٦ ، المختصر النافع : ٨٤.

(٢) منتهى المطلب : ٢٩٦ ، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ١ : ٢٧٧.

(٣) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

(٤) الجامع للشرائع : ٨٤.

٨٧

وأمّا إن أتيت به بعد السلام عليكم فلأنك حينئذٍ قد فعلت شيئاً لم يأتِ به خبر ، ولم يدلّ عليه الشارع بوجهٍ ، بل هو مخالف لعمل عامّة المسلمين وخاصّتهم في سائر الأزمان والأصقاع ، فتقع في محذور إدخالك في الشرع ما ليس منه ، ومحذور عبادتك لله من حيث تحبّ لا من حيث يحبّ. وهذا جارٍ في تقديمه على السلام عليكم أيضاً ، فلا تغفل.

وممّا يستأنس له في هذا خبر أبي بكر الحضرمي قلت له : أُصلّي بقوم ، فقال : [ تسلِّم (١) ] واحدة ولا تلتفت ، قل : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم (٢).

وأنا لمّا ظهر لي هذا تركت الإتيان بـ : « السلام علينا » وعلى عباد الله الصالحين أصلاً ، ولم أقف على من وافقني على هذا ، وبعد سبع سنين وقع في يدي كتاب الصلاة من ( المناهج شرح الروضة ) تصنيف محمّد بن الحسن الأصفهاني : ، الملقّب ببهاء الدين ، وهو مصنّف ( شرح القواعد ) المسمّى بـ ( كشف اللثام ) ، فوجدته قد قرّر هذا وصرّح به ، ولننقل عبارته بحروفها. قال رحمه‌الله على عبارة ( الألفيّة ) (٣) التي ذكرها في ( الروضة ) وصورتها : ( إن من الواجب جعل المخرج ما يقدّمه من إحدى العبارتين ، فلو جعله الثانية لم يجزِ ) (٤) : ( قوله : ( فلو جعله الثانية لم يجزِ ) : أمّا إذا كان المتقدّم هو السلام عليكم فظاهر ؛ لأنها مخرجة بالإجماع ، ولا تشرّع مستحبّة متقدّمة إجماعاً ، فيكون نيّة الاستحباب بها كنيّة استحباب بعض الواجبات المتعيّنة في أثناء الصلاة ، وهو مبطل.

وأمّا إذا كان المتقدّم هو السلام علينا ، فلِمَا في بعض الأخبار من كونها مخرجة

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : ( سلّم ).

(٢) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٧٦ / ٨٠٣ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢٧ ، أبواب التسليم ، ب ٤ ، ح ٣.

(٣) الألفيّة في الصلاة اليوميّة : ٦٠.

(٤) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ( المتن ) ١ : ٢٧٩.

٨٨

من الصلاة ، وهو وجه إيجابها تخييراً ، فنيّة الاستحباب بها يوجب المحذور السابق ). هذا لفظ الشارح في شرحه ، وهو حسن.

اللهمّ إلّا أن يقال : إن غاية ما لزم من الأخبار والإجماع صلاحيّة كلّ منهما للخروج به من الصلاة ، وأمّا ألّا يجوز إيقاعه لا بقصد الخروج ، بل لمجرّد الدعاء الذي يستحبّ في جميع الأحوال وبعد كلّ جزء من أجزاء الصلاة ، فلم يلزم ، وحينئذٍ فيقصد به الندب ، لكن لا يخفى أن الاحتياط خلافه.

فما اختاره في ( الألفيّة ) من انتفاء الاحتياط فيما جعله في ( الذكرى ) (١) احتياط قويّ ، وقولنا في الاستدلال له : إنه على تقدير أن يكون السلام علينا مخرجاً لا يضرّ عدم نيّة الخروج به ولا نيّة الخروج بغيره مدفوعٌ بأن المفروض ليس مجرّد عدم نيّة الخروج ، بل نيّة الندب ، ولا يخفى أنه ينافي كونه مخرجاً.

فقد يحصل لك ممّا عرّفناك أن الاحتياط للدين أن يقتصر على السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فإنه إن اقتصر على الآخر لم يخف ما فيه ، وإن جمع بينهما وقصد الخروج بالمتقدّم كان فيه ما عرفت ، إلّا أن يكون المتقدّم هذه العبارة ، فإن الأُخرى تكون مستحبّة بذلك المعنى الذي ذكرناه ، وإن قصد الخروج بالمتأخّر كان فيه ما عرفت الآن.

وأمّا قول يحيى بن سعيد (٢) : فهو مخالف للإجماع كما عرفت ، فلا التفات إليه ، ويقوّي كونه احتياطاً الروايةُ التي قدّمناها عن الباقر : صلوات الله عليه الناصّة بأن السلام علينا يفسد الصلاة ). يعني بها صحيحة مَيْسِرِ المتقدّمة (٣).

( والعجب من كثير من الأصحاب أنهم استدلّوا بها على كونه مخرجاً عن الصلاة على وجه التخيير بينه وبين السلام عليكم ، مع أنها صريحة أنه مفسد لها ، والمفسد وإن كان مخرجاً لكن لا بالمعنى الذي أرادوه ، ولا تصريح فيها بأنه في التشهّد الأوّل

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

(٢) الجامع للشرائع : ٨٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٦ / ١٢٩٠ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٠٩ ، أبواب التشهّد ، ب ١٢ ، ح ١.

٨٩

مفسد دون الثاني ).

إلى أن قال في شرح قول الشارح : ( إلّا إنه ليس احتياطاً ) : ( فيه إشارة إلى ما اخترناه من الاحتياط ، فإنه إذا لم يكن هذا احتياطاً ؛ فإمّا أن يكون الاحتياط الاقتصار على أحدهما لا على التعيين ، أو على السلام عليكم ، أو على السلام علينا ، أو الجمع بينهما ، مع تقديم علينا ، وجعل الآخر مستحبّاً ، أو بالعكس ، أو بالتخيير بين الأمرين ، لكن لا خفاء في أنه لا احتياط في الاقتصار على السلام علينا ؛ لأنه لا إجماع على الاجتزاء به ، بل نقل على خلافه ، وكذا الاحتياط في جعل السلام عليكم مستحبّاً لذلك ، وهو قد ردّ على من أجاز جعل الأخير أيّاً ما كان من العبارتين مستحبّاً ، فلم يبقَ إلّا أن يكون الاحتياط في الاقتصار على السلام عليكم ، كما قلنا ) ، انتهى كلامه ، وهو في غاية الحسن والجلالة واللطافة.

والحاصل أن المصلّي إن اقتصر على السلام عليك أيّها النبيّ ، وقع في خلاف الموجبين لغيرها طُرّاً ، بل لم يقل أحدٌ من الفرقة بصحّة الخروج بها كما عرفت ، وإن لزم ذلك للقائلين باستحباب التسليم.

وإن أضاف لها السلام علينا ، أو اقتصر عليها ، وقع في خلاف الموجبين لـ « السلام عليكم ».

وإن جمع بينهما أو بينهما وبين السلام عليكم ، فإن نوى الوجوب بالأُولى أو الثانية أو هما ، وقع في مخالفة المشهور من تعيين السلام عليكم ووجوبها ، ووجوب نيّة الندب في السلام علينا فوقع في محذور نيّة الوجوب في المندوب.

وإن نوى الندب بهما أو بـ : « السلام عليكم » وقع في محذور مخالفة المحقّق : ومن تبعه ، فيقع في محذور نيّة الندب بالواجب.

أمّا لو ترك السلام علينا ، واقتصر على السلام عليكم فعمله صحيح بالإجماع ، فإن المشهور أنها مستحبّة ، كما هو عند جميع القائلين باستحباب التسليم ، وجميع القائلين بتعيين السلام عليكم من الموجبين ، والمحقّق : مخيّر ، فالصلاة عنده حينئذٍ

٩٠

صحيحة ، ومذهب ابن سعيد : ساقط بالإجماع ، فاعرف الرجال بالحقّ ، لا الحقّ بالرجال ، والحمد لله ربّ العالمين.

وقال الفاضل الشيخ عبد الله بن حسين التستري (١) : في ( شرح الألفيّة ) : ( وقد يقال : مقتضى الأخبار مع ملاحظة كلام الأصحاب يقتضي تقديم السلام عليكم، فإن الأخبار دلّت على الخروج بـ : « السلام علينا » ، وقول الأصحاب : إن السلام عليكم من أجزاء الصلاة ، فحينئذٍ من قدّم السلام علينا فقد أدخل بين أجزاء الصلاة ما يبطلها ، بخلاف من أخّره ) ، انتهى.

وأقول : أمّا دلالة الأخبار على الخروج بـ : « السلام علينا » فممنوعةٌ ، والمستند واضح ممّا مرّ ذكره. وأمّا إن قول الأصحاب : ( إن السلام عليكم من أجزاء الصلاة ) فيظهر منه إجماع.

وعلى كلّ حال ، فهو يدافع أن الأخبار دلّت على الخروج بـ : « السلام علينا » ؛ لأنه إذا ثبت أن الأصحاب قائلون بجزئيّة السلام عليكم فقد ثبت أنهم قائلون بعدم الخروج بـ : « السلام علينا » ، ومحال أن يقول الأصحاب بخلاف ما دلّت الأخبار عليه ، وإلّا لناقضت قولهم ، وهو محالٌ.

نعم ، لو دلّ دليل على التعبّد بالإتيان بـ : « السلام علينا » ، بعد السلام عليكم ، لكان الاحتياط فيه ، ولكن لم يدلّ عليه دليل كما عرفت ، فلم يبقَ سبيل إلى الاحتياط إلّا ترك السلام علينا أصلاً.

[ الثاني (٢) ] : هل تجب نيّة الخروج بالتسليم المُخْرِج؟ قولان : قال في ( المدارك ) : ( الأجود أنه لا يجب نيّة الخروج من الصلاة بالتسليم ؛

__________________

(١) الشيخ عبد الله التستري توفّيَ سنة (١٠٢١) ه كان تلميذ الأردبيلي وشيخ المولى محمّد تقي المجلسي ، من مؤلّفاته : شرح القواعد ، شرح ألفية الشهيد ، شرح على المختصر العضدي ، شرح إرشاد العلّامة ، وغيرها. أعيان الشيعة ٨ : ٤٨. والمصدر غير متوفّر لدينا.

(٢) أي الثاني من التنبيهات التي ابتدأها في ص ٧٣ ، وفي المخطوط ( الأَوّل ) مع زيادة لفظة ( تنبيهات ) قبله.

٩١

للأصل ، وانتفاء المخرج عنه ، وربّما قيل بالوجوب ؛ لأنه ليس جزءاً من الصلاة ، ولأنه محلّل فيحتاج إلى النيّة ، كالمحلّل في الحجّ والعمرة ، وهو ضعيف ، ودليله مزيف ) (١) ، انتهى.

وقال الشهيد : في ( الذكرى ) : ( هل يجب في التسليم نيّة الخروج على تقدير القول بوجوبه؟ قال الشيخ : في ( المبسوط ) : ( ينبغي أن ينوي بهذا ذلك ) (٢) ، وليس بصريح في الوجوب.

وجه الوجوب : أن نظم الكلام يناقض الصلاة في موضعه من حيث هو خطاب للآدميّين ، ومن ثمّ تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامداً ، وإذا لم تقترن به نيّة تصرفه إلى التحليل كان مناقضاً للصلاة مبطلاً لها ) (٣).

قلت : الظاهر أن هذا إنما يتمّ على القول بالجزئيّة كما هو المعروف من مذهب القائلين بالوجوب ، ولعلّه لم يعتبر القول بالخروج لشذوذه.

وأيضاً ، هذا لا يتمّ على تقدير الجزئيّة ، إلّا إذا أوجبنا له نيّة بانفراده ولم نكتفِ فيه بنيّة الصلاة التي تشمله ، وهو اعلم بما قال.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( ووجه عدم الوجوب قضيّة الأصل ، وأن نيّة الصلاة اشتملت عليه وإن كان مخرجاً منها ، ولأن جميع العبادات لا تتوقّف على نيّة الخروج ، بل الانفصال منها كافٍ في الخروج ، ولأن مناط النيّة الإقدام على الأفعال لا الترك لها ) (٤).

قلت : أمّا قضية الأصل فمرتفعة بكونه عبادة أو جزءاً من العبادة ، وكلّ عبادة وجزء من عبادة لا يتحقّق فيه الامتثال والخروج من العهدة إلّا بنيّة بالإجماع والنصوص المستفيضة.

وأمّا إن نيّة الصلاة اشتملت عليه فهو محقّق لوجوب النيّة فيه لا رافعاً له ، وإن أراد النيّة المختصّة به فهو ساقط ؛ لاتّفاق النصّ والإجماع على عدم وجوب إفراد

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٤٣٨.

(٢) المبسوط ١ : ١١٦.

(٣) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).

(٤) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).

٩٢

جزء من الصلاة بنيّة ، بل الظاهر عدم جوازه في العبادة الواحدة ، بل ربّما كان ذلك مبطلاً ، كما إذا خصّ كلّ جزء بنيّة غير ملاحظ فيها ما سواه ؛ لخروجه حينئذٍ عن المعلوم من تكليف الشارع ، فهو تلاعب أو شبهه.

وأمّا إن جميع العبادات لا يتوقّف عليها الخروج ، بل الانفصال منها كافٍ ، فنحن لا نقول هنا بوجوب نيّة الترك ، بل بوجوب نيّة جزء من الصلاة ، وهو فعل لا ترك ، ولا نعني بوجوب نيّته فيه إلّا وجوب نيّة فعل المخرج.

وأمّا إن مناط النيّة الإقدام على الأفعال لا الترك لها فحقّ ، لكن لا ينفعه ، لأنا لا نوجب إلّا نيّة الإقدام على فعل المخرج.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( ومبنى الوجوب على أنه جزء من الصلاة كما اختاره المرتضى (١) : ، أو خارج عنها ، فعلى الأوّل يتوجّه عدم نيّة الخروج به ، وعلى الثاني يتوجّه وجوب النيّة ) (٢).

قلت : هذا لو كان يجب إفراده بنيّة ، ونعني بعدم توجّه النيّة عدم إفراد الجزء بها ، ونحن لا نقول به ، بل نقول : هو جزء يجب إدخاله في نيّة الصلاة بجميع أجزائها كغيره من الأجزاء ، ولا قائل بصحّة فعل من الصلاة لا بنيّة.

وأمّا على فرض الخروج والوجوب ، فلا شكّ في وجوب إفراده بنيّة حينئذٍ ؛ لأنه عمل ، بل عبادة.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( ولأن الأصحاب وخصوصاً المتأخّرين يوجبون على المُعتمِر والحاجّ نيّة التحلّل بجميع المحلّلات ، فليكن التسليم كذلك ؛ لأنه محلّل من الصلاة بالنصّ ) (٣) ، انتهى كلامه ، رفع الله مقامه.

قلت : لا نعرف من مذهب الأصحاب في محلّلات الحجّ والعمرة وهي جميع أفعالهما بعد عقد الإحرام إلّا قصد الفعل بعينه كـ : أطوف بهذا البيت سبعة أشواط ،

__________________

(١) الناصريّات : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ / المسألة : ٨٢.

(٢) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).

(٣) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).

٩٣

مع باقي مشخّصات المنوي ، ولا نعرف من نصّ على أنه يجب في نيّة الطواف مثلاً لأتحلّل به من الإحرام ، وعلى فرضه فليس هو بمحلّل ، وإنما المحلّل ؛ إمّا جميع الأفعال بفرضها كالشي‌ء الواحد ، وهذا لا يتمّ إلّا بتكلّف بعيد ؛ لأنها عبادات متعدّدة متباينة ، وعلى فرضه فالطواف مثلاً جزء محلّل لا محلّل ، فيمتنع نيّة التحلّل به من حيث هو.

أو نقول : المحلّل هو آخر جزء من أجزاء الأفعال ، كالتقصير مثلاً في المتمتّع بها على المشهور من جزئيّته ، وعليه فقس غيرها.

ولنا أيضاً مع فرض ما ذكر منع كون السلام من قبيل محلّل النُّسكَيْن ، فمساواته له يكون قياساً.

وبالجملة ، فنحن نقول : التسليم واجب من واجبات الصلاة ، فلا بدّ من شمول نيّة الصلاة له ودخوله فيها كشمولها لغيره من أجزائها الواجبة ، أي يجب أن ينوي فعله كغيره ، ولا يضرّ اعتقاد أنه جزء مخرج ، أي أن بكماله تكمل الصلاة ويخرج المصلّي منها.

وأمّا إنه يجوز فعله لا بنيّة أصلاً فالنصّ والإجماع من غير معارض يمنعه ؛ لأنه عبادة وعمل لا يصحّ ولا يتحقّق من حيث هو جزء من الصلاة إلّا بنيّة.

وأمّا أنه يجب إفراده بنيّة من بين أمثاله من واجبات الصلاة فكلّا ؛ لأن ذلك يستلزم إخراجه عن نيّة الصلاة الكلّيّة البسيطة الشاملة لجميع أجزائها ، وهذا مفسد للصلاة ؛ لأنها عبارة عن جميع أجزائها ، فإذا أُفرِدَ بنيّة لم تكن النيّة المتّصلة بأوّلها نيّة للصلاة ، بل لبعضها ، ولأنها عبادة واحدة ، فإذا أُفرد هذا الجزء بنيّة لم يكن ما فرض أنه واحد واحداً.

نعم ، على فرض القول بأنه خارج يجب إفراده بنيّة ؛ لأنه عمل مستقلّ. والله العالم بحقيقة أحكامه.

٩٤

[ الثالث (١) ] : فرّع الشهيد : في ( الذكرى ) هنا بعد العبارة التي ذكرناها فروعاً قال رحمه‌الله : ( أحدها : إن قلنا بوجوب نيّة الخروج فهي بسيطة لا يشترط فيها تعيين ما وجب تعيينه في نيّة الصلاة ؛ إذ الخروج إنما هو عمّا نواه وتشخّص.

ويحتمل أنه ينوي الوجوب والقربة لا تعيين الصلاة والأداء ، فإن الأفعال تقع على وجوه وغايات ، وأمّا تعيين الصلاة والأداء فيكفي فيه ما تقدّم من نيّتها وإرادة الخروج عنها الآن ) (٢).

قلت : هذا التفريع إنما يتحقّق على ملاحظة إفراد السلام بنيّة تخصّه وملاحظة الخروج به ، وقد أعلمناك أنه لا يجب ذلك ، بل ربّما ضرّ ، وإنما هو جزء من الصلاة لا يجب فيه غير ما يجب في سائر أجزائها الواجبة ، وهو قصد الإتيان به مع العلم بأنه الجزء الذي تتمّ بفعله الصلاة ويتحقّق الخروج منها ، فدخوله في نيّة الصلاة الجُمَليّة البسيطة كافٍ عند التفات النفس لوصفه العنواني عند الإتيان به تقصد الإتيان به ملاحظاً وجوبه وجزئيّته وأنه كغيره من أمثاله من أجزائها ، فإنك تنوي في النيّة الإجماليّة الإتيان بذكر الركوع الواجب ، وحين فعله تقصد ذلك ، وهو الإتيان بالذكر المقصود وأنه جزء منها ، وجزء من الركوع واجب ، وعليه فقس.

ووقوع الأفعال على وجوه وغايات ممّا لا شكّ فيه ، وغاياتها الباعثة عليها هي روح نيّاتها ، ومن أجل ذلك وجب ملاحظة الوجوب والقربة والأداء ، وأنه جزء من صلاة كذا ؛ فإنه جزء من عمل يجب ملاحظة ذلك في جميعه ، فلا معنًى ؛ لأنه يجب في نيّة المغرب مثلاً قصد الوجوب والأداء والقربة بفعل فرض المغرب كلّه ، ولا يجب ملاحظة ذلك في جزء من هذه الجملة التي وجب في جميعها ذلك.

نعم ، لا يجب فيه ملاحظة أنه مخرجٌ من كلّ جزء جزءاً على حدة ، بل لا يجوز ذلك ، فإنه خلاف المفهوم من الشارع ؛ لأنه لا يطابق الواقع ، فإنه آخر الصلاة من

__________________

(١) أي الثالث من التنبيهات التي ابتدأها في ص ٧٣ ، وفي المخطوط : ( الثاني ).

(٢) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).

٩٥

حيث جملتها لا آخر كلّ جزء على حدة ، وإنما الخروج من كلّ جزء بكماله.

وقوله رحمه‌الله : ( إنه يكفي في تعيين الصلاة والأداء ما تقدّم من نيّتها وإرادة الخروج منها الآن ) يومئ إلى ما ذكرناه ؛ إذ لا يتمّ إلّا على ما قرّرناه ، فلا تغفل.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى ـ : ( الثاني : إن اعتبرنا نيّة الخروج وعيّن الخروج عن صلاةٍ ليس متلبّساً بها ؛ فإن كان عمداً بطلت الصلاة بفعل مناقضها ، وإن كان غلطاً ففيه إشكال منشؤُه النظر إلى قصده في الحال فتبطل الصلاة ، وإلى أنه في حكم الساهي ، والأقرب صحّة الصلاة إن قلنا بعدم نيّة الخروج ؛ لأنها على ما افتتحت عليه.

وإن قلنا بوجوب نيّة الخروج احتمل ذلك أيضاً ، صرفاً للنيّة إلى الممكن ، وأن الغالط كالقاصد إلى ما هو بصدده ، وإن كان سهواً فالأقرب أنه كالتسليم ناسياً في أثناء الصلاة ، فيجب له سجدتا السهو ، ثمّ يجب التسليم ثانياً بنيّة الخروج.

ولو قلنا : لا يجب نيّة الخروج ، لم يضرّ الخطأ في التعيين نسياناً كالغلط ، أمّا العمد فمبطل على [ تقديري (١) ] القول بوجوب نيّة الخروج والقول بعدمه ، وكذا لو سلّم بنيّة عدم الخروج به فإنه يبطل على القولين ) (٢).

قلت : هذا أيضاً تفريع على أفراده بنيّة ، وإلّا فلا يتصوّر أن يقصد المصلّي لفرض الظهر مثلاً أني أُسلّم في فرض المغرب. أو : أن الآن آخر جزء منها. لا بنيّة العدول إلى الأُخرى في حال يصحّ فيه ذلك.

غاية ما يمكن تصوّره أن يقصد : [ إني (٣) ] أُسلّم تسليماً ليس هو تسليم الصلاة التي أنا متلبّس بها الآن. وهذا مبطل للصلاة قطعاً ؛ لأنه تلاعب ، ولأنه يستلزم قصد الخروج منها وإبطالها ، ولأنه لا خلاف في أنه إذا تعمّد التسليم في أثناء الصلاة بطلت ، وهذا كذلك.

__________________

(١) في المخطوط : ( تقدير ).

(٢) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).

(٣) في المخطوط : ( أن ).

٩٦

وهذا الإبطال يتمشّى على القول بالجزئيّة والخروج ، ويلزم القول بالاستحباب عدم البطلان ، ولا أظنّ أحداً يقول به من الفرقة ، لما يلزم من موافقة أبي حنيفة.

أمّا الغالط فإن أراد به مَنْ كان مستحضراً عند التسليم أني في فرض الظهر مثلاً وقصد تسليمها والنقش حينئذٍ في ذهنه بدل حروف فرض الظهر حروف فرض المغرب مثلاً ، فلا شكّ أنه لا يضرّه ؛ لعدم اعتبار ذلك في النيّة شرعاً.

وإن كان أراد به من توهّم أنه في فرض العصر مثلاً ، والحال أنه في الظهر مثلاً ، فهذا هو السهو بعينه ؛ لعدم ظهور مباينة هذا لأقسام السهو ، والظاهر أن صلاته حينئذٍ صحيحة ، اكتفاءً بنيّة السابقة البسيطة الشاملة لجميع أجزاء الصلاة ، وهذا من باب رفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان (١) ومن باب إنّ الصلاة على ما افتتحت عليه (٢) كما جاء في غير خبر ، وموردها من قام ونوى فرضاً فذهل في أثنائه فظنّ أنه في نفل ، فهي من باب المسألة المبحوث عنها ؛ لعدم الفرق ، فلا إشكال.

ولا تتوقّف الصحّة حينئذٍ على القول بعدم وجوب نيّة الخروج. نعم ، الأحوط إعادة السلام ، وسجود السهو بعده.

ووجه عدم الإعادة والسجود أن الظاهر قصد التسليم فيما دخل فيه من الصلاة والخروج بفعله منها ، وإنما ذلك من خطأ الوهم ، كما أنه إذا كان في فرض فتوهّم أنه في نفل فسجد إنما يقصد السجود فيما دخل فيه وإن وهم أنه نفل ، وهذا كافٍ ، والله رؤوف بالعباد ، وباقي كلامه واضح.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى ـ : ( الثالث : وقت النيّة على القول بوجوبها عند التسليم مقارنة له ، فلو نوى الخروج قبل التسليم بطلت الصلاة لوجوب استمرار حكم النيّة ، ولو نوى قبله الخروج عنده لم تبطل ؛ لأنه قضية الصلاة ، إلّا إنه لا تكفيه

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣٢ ، عوالي اللآلي ١ : ٢٣٢ / ١٣١ ، وسائل الشيعة ٤ : ٣٧٣ ، أبواب لباس المصلّي ، ب ١٢ ، ح ٦ ، ٨.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ١٩٧ / ٧٧٦ ، عوالي اللآلي ١ : ٢٠٥ / ٣٤.

٩٧

هذه النيّة ، بل تجب عليه النيّة مقارنة لأوّله ) (١).

قلت : وهذا أيضاً تفريع على وجوب إفراده بنيّة ، وقد عرفت ما فيه ، وعلى هذا فكلامه حقّ ، وهو واضح.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى ـ : ( الرابع : هذه النيّة لا يجب التلفّظ بها قطعاً ؛ لاشتمالها على ألفاظ ليست من أذكار الصلاة ، وكذا نيّة العدول في [ أثناء (٢) ] الفريضة إلى فريضة أُخرى لا يجوز التلفّظ بها وإن جاز التلفّظ بالنيّة في ابتداء الصلاة ) (٣).

قلت : هكذا في النسخة التي بين يدي ، والظاهر وجوب إبدال لفظ ( لا يجب ) بـ ( لا يجوز ) ؛ لما ذكره رحمه‌الله من التعليل ، ولا خصوصيّة لهذا الجزء من أجزاء الصلاة بذلك ، بل هو جارٍ في جميع أجزائها الواجبة والمندوبة ، فلو لاحظ نيّة الركوع أو ذكره مثلاً عند الإتيان به وتلفّظ بها بطلت ، وكذا كلّ جزء.

وأراد بالفرض المعدول عنه وإليه هنا هو فروض الصلاة ، ولو عبّر به لكان أوْلى ، فإن الفرض أعمّ من ذلك ، ولا يجري البطلان بالتلفّظ بنيّة العدول في كلّ عدول من فرض إلى فرض ، فلو عدل من العمرة إلى الحجّ وتلفّظ بنيّته لم يبطل النسك إجماعاً ، والمراد ظاهر ، والمناقشة في العبارة بعد ظهور المراد هيّن.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( الخامس : لو تذكّر في [ أثنائها (٤) ] صلاة سابقة وجب العدول إليها ، والأقرب أنه لا يجب فيه تجديد نيّة الخروج ، ولا إحداث نيّة التعيين في الخروج لهذهِ الصلاة التي فرضه الخروج منها ، كما لا يجب في الصلاة المبتدأة التعيين ؛ لأن نيّة [ العدول (٥) ] صيّرت التسليم لها.

وهذا العدول إنما يتمّ لو قلنا بأن التسليم جزء من الصلاة ، ولو حكمنا بخروجه لم يجزِ قطعاً ) (٦) ، انتهى.

__________________

(١) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).

(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : ( نيّة ).

(٣) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).

(٤) من المصدر ، وفي المخطوط : ( أثنائه ).

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : ( التعيين ).

(٦) الذكرى : ٢٠٩ ـ ٢١٠ ( حجريّ ).

٩٨

قلت : معنى العدول إلى السابقة أنه ينوي العصر فيذكر أنه لم يصلّ الظهر مثلاً ، أو ينوي الحاضر فيذكر أن عليه فائتة في أثناء المنويّة أوّلاً فيعدل ، أي ينوي أن ما فعلته ممّا نويتها من الأُولى أو الفائتة هو من المعدول لها ، ويأتي ببقيّتها بنيّة أنها من المعدول إليها.

إذا عرفت هذا فاعلم أن في عبارته ما لا يخفى :

أمّا أوّلاً ؛ فلأن تذكّر السابقة في أثناء السلام عليكم نادر بعيد جدّاً كما مرّ.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنه على تقديره فالأظهر أنه حينئذٍ يقصد أن ما سبق منه قبل التذكّر ، وما يأتي منه بعده للسابقة وجزء منها ، كما هو الشأن في سائر أجزاء المعدول منها وإليها ، فلا بدّ حينئذٍ من تعيين المعدول إليها وتوجّه القصد بما بقي إليها ، وإلّا لم يتحقّق العدول. ويحتمل أنه يعيده حينئذٍ من أوّله ، ويسجد للسهو لما أتى به منه ؛ لأنه حينئذٍ في القصد ظاهراً لم يتحقّق منه تسليم لأحدهما ، ولا يخلو من ضعف.

وأمّا ثالثاً ؛ فلأن نيّة تعيين السابقة لا بدّ منه ، وإلّا لم يتحقّق عدول ، وهذا هنا لا معنى له إلّا نيّة تعيينه بجزئيّته للسابقة ، فلا معنى للقول بأنه لا يجب إحداث نيّة التعيين به ؛ لأن نيّة تعيين السابقة صيّرت التسليم لها ، ولأن عبارته تعطي إمكان تعيينين ، وليس كذلك.

[ الرابع (١) ] قال في ( الذكرى ) : ( يستحبّ أن يقصد الإمام التسليم على الأنبياء والأئمّة والحفظة والمأمومين لذكر أُولئك وحضور هؤلاء ، والصيغة صيغة خطاب ، والمأموم يقصد بأُولى التسليمتين الردّ على الإمام ، فيحتمل أن يكون على سبيل الوجوب ؛ لعموم قوله تعالى : ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (٢) ، ويحتمل أن يكون على سبيل الاستحباب ؛ لأنه لا يقصد به التحيّة ، وإنما

__________________

(١) أي الرابع من التنبيهات التي ابتدأها في ص ٧٥ ، وفي المخطوط : ( الثالث ).

(٢) النساء : ٨٦.

٩٩

الغرض به الإيذان بالانصراف من الصلاة ، كما في خبر أبي بصير. (١) وجاء في خبر عمّار بن موسى : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن التسليم ما هو؟ فقال هو إذْنٌ (٢) ، والوجهان ينسحبان في ردّ المأموم على مأموم آخر.

وروى العامّة عن سَمُرَة قال : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن نسلّم على أنفسنا (٣) ، وأن يسلّم بعضنا على بعض (٤).

وعلى القول بوجوب الردّ يكفي في القيام به واحد ، فيستحبّ للباقين ، وإذا اقترن المأموم والإمام أجزأ ولا ردّ هنا ، وكذلك إذا اقترن تسليم المأمومين تكافؤوا في التحيّة ، ويقصد المأموم بالثانية الأنبياء والحفظة والمأمومين ، وأمّا المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك ، ولو أضاف الجميع إلى ذلك قصد الملائكة أجمعين ومَنْ على الجانبين من مسلمي الإنس والجنّ كان حسناً.

وقال ابن بابويه : يردّ المأموم على الإمام واحدة ، ثمّ يسلّم من جانبيه بتسليمتين (٥). وكأنه يرى أن التسليمتين ليستا للردّ ، بل عبادة محضة متعلّقة بالصلاة ، ولمّا كان الردّ واجباً في غير الصلاة لم يكفِ عنه تسليم الصلاة ، وإنما قدّم الردّ لأنه واجب مضيّق ؛ إذ هو حقّ لآدمي.

والأصحاب يقولون : إن التسليمة تؤدّي وظيفتي الردّ والتعبّد به في الصلاة ، كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع بالتحميد عن العطسة وعن وظيفة الصلاة.

وهذا يتمّ حسناً على القول باستحباب التسليم ، وأمّا على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب أن الاولى من المأموم للردّ على الإمام ، والثانية للإخراج من الصلاة ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٩٣ / ٣٤٩ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢١ ، أبواب التسليم ، ب ٢ ، ح ٨.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٦ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٦ ، أبواب التسليم ، ب ١ ، ح ٧.

(٣) في المصدر : ( أئمّتنا ) بدل : ( أنفسنا ).

(٤) سنن الدارقطني ١ : ٣٦٠ / ٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢١٠ / ذيل الحديث ٩٤٤ ، المقنع : ٩٦.

١٠٠