رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

وقال في ( المدارك ) : ( أمّا إنه لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي لمتمتّع ولا لغيره مع الاختيار ، فهو مذهب الأصحاب لا أعرف فيه مخالفاً ، ويدلّ عليه الأخبار الكثيرة المتضمّنة لوجوب تأخيره عن السعي ، كقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمّار

ثمّ اخرج إلى الصفا فاصعد عليه ، واصنع كما صنعت يوم دخلت مكّة ، ثمّ ائت المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط ، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة. فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي‌ء أحرمت منه إلّا النساء ، ثمّ ارجع إلى البيت وطف به أُسبوعاً آخر ، ثمّ تصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام (١) الحديث ).

وإطلاقه يشمل العُمرة والحجّ ، وظاهره أيضاً تأخّره عن التقصير أو الحلق ؛ لقوله فقد أحللت ، ولا إحلال إلّا بعد ذلك ، وفيه إشعار بعدم ركنيّته في الجملة.

قال السيّد : ( وثمّ تقتضي الترتيب قطعاً ، ويؤيّده رواية أحمد بن محمّد ، عمّن ذكره قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك ، متمتّع زار البيت فطاف طواف الحجّ ثمّ طاف طواف النساء ثمّ سعى ، فقال لا يكون سعي إلّا من قبل طواف النساء (٢) .. ) (٣) ، انتهى.

ولا فارق في ذلك بين الحجّ والعُمرة.

وأمّا ما يدلّ على تأخّره عن الحلق والتقصير فكثير أيضاً.

منها : صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو قصّر (٤).

فرتّب الحلق أو التقصير على الفراغ من الأعمال الثلاثة ، فدلّ بظاهره على تأخّر

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١١ / ٤ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، أبواب زيارة البيت ، ب ٤ ، ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٥١٢ / ٥ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١٣٣ / ٤٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣١ / ٧٩٩.

(٣) مدارك الأحكام ٨ : ١٩٠ ـ ١٩١.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٣٨ / ١٥٢٣ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٥١١ ، أبواب التقصير ، ب ٥ ، ح ١.

٣٤١

طواف النساء عن ذلك كلّه.

ومرسلة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المعتمر يطوف ويسعى ويحلق قال لا بدّ له بعد الحلق من طواف آخر (١).

وهي نصّ في المطلوب.

وصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال العُمرة المبتولة يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثمّ يحلّ ، فإنْ شاء أنْ يرتحل من مكّة ارتحل (٢).

وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال إذا دخل المعتمر مكّة من غير تمتّع ، وطاف بالبيت وصلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وسعى بين الصفا والمروة ، فليلحق بأهله إنْ شاء (٣).

وعدم ذكر طواف النساء في هذا وشبهه من الأخبار للتقيّة ، وفيه إشارة للدلالة على أن من اضطرّ بعد إحلاله بالحلق أو التقصير إلى الخروج ، جاز له أن يخرج ويستنيب من يأتي به عنه.

وبالجملة ، فقد أطبقت العصابة على تأخّره عن الحلق أو التقصير ، لا نعلم فيه خلافاً ، وعليه عملهم في سائر الأزمان ، فلو قدّمه على الحلق أو التقصير عامداً اختياراً لغى وإن كان جهلاً ؛ لعدم الإتيان بالكيفيّة المتلقّاة من الشارع ، ولأن ذمّته مشغولة به بيقين ، ولا يقين في خلوّ عهدته بذلك ، فيستصحب شغل ذمّته به وتحريم النساء عليه حتّى يثبت الناقل ، ولا ناقل عنه.

الرابعة والثلاثون : لو قدّم الناسك طواف النساء على السعي عمداً لغا ولم يعتدّ به ؛ بالنصّ (٤) والإجماع المستفيض من غير معارض ، ولمخالفة الكيفيّة المتلقّاة ، ولعدم

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٨ / ٧ ، تهذيب الأحكام ٥ : ٢٥٤ / ٨٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣١ / ٨٠٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٤٣ ، أبواب الطواف ، ب ٨٢ ، ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٧ / ٥ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٤٣ ـ ٤٤٤ ، أبواب الطواف ، ب ٨٢ ، ح ٤ ، وفيه : « من ساعته ارتحل ».

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٥ / ١٣٤٢ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٣١٦ ، أبواب العمرة ، ب ٩ ، ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٥١٢ / ٥ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١٣٣ / ٤٣٨ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤١٧ ، أبواب الطواف ، ب ٦٥ ، ح ١.

٣٤٢

يقين خلوّ العهدة به فيستصحب شغل الذمّة به وتحريم النساء عليه.

ولو قدّمه سهواً أو لضرورة ، كخوف الحيض لمعتادته في تلك الحال أو ظانتِه فيها ، صحّ وأجزأ. لا نعلم فيه خلافاً ، بل استفاض نقل الإجماع عليه وهو الحجّة. وقد اعترف غير واحد (١) من الحفّاظ بعدم النصّ عليه.

وحمل عليه بعض المتأخّرين (٢) موثّق سَمَاعة عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام : سألته عن رجل طاف طواف الحجّ ، وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة قال لا يضرّه ، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجّه (٣).

وفي ( من لا يحضره الفقيه ) عن سماعة بن مهران عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، مثله (٤).

ولا بأس به جمعاً بين الأخبار ، والدليل عليه الإجماع.

وفي ( المدارك ) أن الإجزاء حينئذٍ مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدلّ عليه بدفع الحرج والمشقّة اللازمين لوجوب تأخّره مع الضرورة ، وبخبر سَمَاعة بن مهران المتقدّم.

ثمّ قال : ( وهذه الرواية وإن كانت مطلقة إلّا إنه يجب حملها على حال الضرورة ؛ توفيقاً بين الأخبار.

ويؤيّده فحوى صحيحة الخزّاز قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه رجل ، فقال : أصلحك الله ، إن معنا امرأة حائضاً ولم تطف طواف النساء ، ويأبى الجمّال أن يقيم عليها. فأطرق وهو يقول لا تستطيع أنْ تتخلّف عن أصحابها ، ولا يقيم

__________________

(١) مدارك الأحكام ٨ : ١٩١.

(٢) رياض المسائل ٤ : ٣٢٦.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ١٣٣ / ٤٣٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣١ / ٨٠٠ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤١٨ ، أبواب الطواف ، ب ٦٥ ، ح ٢.

(٤) لم نعثر عليه بهذا السند في ( الفقيه ) ، وما ورد فيه : ( روى إسحاق بن عمّار عن سَمَاعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام قال ) : ونقل نصّ الحديث المتقدّم. انظر الفقيه ٢ : ٢٤٤ / ١١٦٦.

٣٤٣

عليها جمّالها.

ثمّ رفع رأسه وقال تمضي فقد تمّ حجّها (١).

فإذا جاز ترك الطواف من أصله للضرورة ، جاز تقديمه بطريق أوْلى ) ، انتهى كلام ( المدارك ) (٢).

وأقول : ظاهر العبارة يدلّ على جواز تركه للضرورة مباشرةً واستنابةً. وهذا باطل بالإجماع والنصّ المستفيض (٣) ، واستصحاب شغل ذمّة الناسك به وتحريم النساء عليه. فيجب حمل كلامه على إرادة جواز تركه مباشرة ، مع وجوب الاستنابة حينئذٍ صوناً لكلام مثله عن هذا الغلط ، مع أن الرواية لا تدلّ عليه بوجه.

على أن الأولويّة ممنوعة ؛ إذ لا ملازمة بين جواز الترك وصحّة تقديمه على السعي ؛ لأن العبادات كيفيّات متلقّيات لا تصحّ العبادة إلّا بها ، ولا عبرة بالإتيان بشي‌ء منها حتّى المندوب في غير محلّه.

وأيضاً ، كيف يتوهّم دلالة الخبر على جواز تركه أصلاً ، مع الإجماع والنصّ (٤) المستفيض على أنه واجب؟! وجواز الترك كذلك لا إلى بدل إنما يتحقّق في المندوب. ومثل هذه الرواية أخبار أُخر قد أغفل ذكرها مثل صحيحة أبي بصير ومعاوية بن عمّارِ المتقدّمتين (٥).

نعم ، هذه الأخبار تدلّ على أن طواف النساء ليس بركن.

الخامسة والثلاثون : من نسي طواف النساء وجب عليه تداركه بنفسه مع المكنة ، وإلّا وجب أن يوكّل من يأتي به عنه ؛ أداءً إن كان وقته باقياً ، وقضاءً إن خرج وقته. وكذا يجوز له أن يستنيب من يأتي به عنه مع ركعتيه إن اضطرّ إلى الخروج من مكّة

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٥١ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٤٥ / ١١٧٦ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٥٢ ـ ٤٥٣ ، أبواب الطواف ، ب ٨٤ ، ح ١٣.

(٢) مدارك الأحكام ٨ : ١٩١.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٨ / ٩ ، تهذيب الأحكام ٥ : ٢٥٤ / ٨٦١ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٤٢ ـ ٤٤٣ ، أواب الطواف ، ب ٨٢ ، ح ١.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٤٤ ، أبواب الطواف ، ب ٨٢ ، ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٥٣٧ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٧٥ / ١٣٤٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٤٣ ـ ٤٤٤ ، أبواب الطواف ، ب ٨٢ ، ح ٤ ، و ١٤ : ٤١٧ ، أبواب الطواف ، ب ٦٥ ، ح ١.

٣٤٤

قبل فعله ، ويخرج كلّ ذلك لظاهر النصّ والفتوى.

ويدلّ على وجوب تداركه بنفسه مع المكنة ، مضافاً إلى أصالة عدم إجزاء فعل الغير في الواجب العينيّ ، واستصحاب شغل ذمّته به ، وتحريم النساء عليه اليقينيّين ، مع ما فيه من يقين البراءة والاحتياط مثل خبر معاوية بن عمّار : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل نسي طواف النساء حتّى دخل أهله قال لا يحلّ له النساء حتّى يزور البيت.

وقال يأمر من يقضي عنه إنْ لم يحجّ ، فإنْ توفّي قبل أنْ يطاف عنه فليقضِ عنه وليّه أو غيره (١).

وفي هذا الخبر دلالة على لزوم قضائه على الولي ، وعلى بطلان الوكالة بموت الموكّل ، وعلى أن طواف النساء واجب ، مضافاً إلى الإجماع وغيره من الأخبار ، مثل خبر إبراهيم بن عبد الحميد : سئل أبو الحسن موسى عليه‌السلام عن العُمرة المفردة ، على صاحبها طواف النساء؟ فقال نعم ، هو واجب (٢).

والأخبار به كثيرة.

وصحيحة ابن عمّار أيضاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام : سألته عن رجل نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله قال لا يحلّ له النساء حتّى يزور البيت ، فإنْ هو مات فليقضِ عنه وليّه أو غيره. فأمّا ما دام حيّاً ، فلا يصلح أنْ يقضى عنه (٣) الخبر.

وصحيحه الآخر أيضاً عنه عليه‌السلام أيضاً : في رجل نسي طواف النساء حتّى أتى الكوفة قال لا يحلّ له النساء حتّى يطوف بالبيت.

قلت : فإن لم يقدر؟ قال يأمر من

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٣ / ٥ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١٢٨ / ٤٢٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٩ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، أبواب الطواف ، ب ٥٨ ، ح ٦.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٤٣٩ / ١٥٢٤ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٤٤ ، أبواب الطواف ، ب ٨٢ ، ح ٥.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٢٥٥ / ٨٦٥ ، ٤٨٩ / ١٧٤٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٣ / ٨٠٧ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٦ ، أبواب الطواف ، ب ٥٨ ، ح ٢.

٣٤٥

يطوف عنه (١).

فهذه الرواية حاكمة على إطلاق ما قبلها.

وإطلاق صحيحة ابن عمّار أيضاً عنه عليه‌السلام : سألته عن رجل نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله قال يرسل فيطاف عنه ، فإنْ توفّي قبل أنْ يطاف عنه فليُطف عنه وليّه (٢).

فالفارقُ في جواز الاستنابة وعدمها بين القادر وغيره عاملٌ بجميع الأخبار.

السادسة والثلاثون : من خرج من مكّة على وجه يستدعي وجوب الإحرام لو أراد الدخول ورجع ليستدرك طواف النساء ؛ فهل يجب عليه الإحرام للدخول؟

الظاهر ذلك ؛ لظاهر الأخبار المتقدّم بعضها الدالّة على أن من طاف وصلّى الركعتين وسعى أحلّ ، ولظاهر خبر معاوية بن عمّار المذكور ؛ لقوله عليه‌السلام يأمر من يقضي عنه إنْ لم يحجّ (٣).

فهو يدلّ على جواز الحجّ له مع نسيانه طواف النساء ، فهو يدلّ على أنه أحرم من عمرته ، وإلّا لما جاز له الحجّ ؛ لما فيه من إدخال نُسُك على نُسُك.

ومن كان مُحِلّا ، وجب عليه الإحرام لدخولها إلّا ما استثني ، وليس هذا منه وإن حرم عليه النساء قبل فعله ؛ للدليل. ويحتمل ضعيفاً الاكتفاء بإحرامه الأوّل ؛ لأنه محرم في الجملة لتحريم النساء عليه ، مع أن يقين البراءة والاحتياط في الأوّل ، ولأنه لم يستثنِ ممّن يجب عليه الإحرام لدخولها.

السابعة والثلاثون : لو عجز الناسك عن المشي ركب وإن أمكنه الطواف على أربعة

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ٢٥٦ / ٨٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٣ / ٨٠٩ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٧ ، أبواب الطواف ، ب ٥٨ ، ح ٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ٢٥٥ / ٨٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٣٣ / ٨٠٨ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٧ ، أبواب الطواف ، ب ٥٨ ، ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٣ / ٥ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١٢٨ / ٤٢٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٩ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، أبواب الطواف ، ب ٥٨ ، ح ٦.

٣٤٦

؛ لثبوت التعبّد بالطواف راكباً ومحمولاً في الضرورة بالنصّ (١) والإجماع ، بل الظاهر جواز الركوب اختياراً ، وإن كان تركه حينئذٍ أحوط وأوْلى.

ولم يثبت التعبّد بالطواف على أربعة ، إلّا إلّا يستطيع إلّا المشي على أربعة لمرض أو خلقةٍ ، ولم يتمكّن من الطواف راكباً أو محمولاً ولو بأُجرة لا تضرّ بحاله ، فإنه يكفيه ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٢).

الثامنة والثلاثون : لو نذر إنسان الطواف على أربعة لم ينعقد ؛ لأنه نذر شيئاً غير مشروع اختياراً ، والعبادات كيفيّات متّبعة ، فهو كمَنْ نذر أن يصلّي الفرض جالساً أو مضطجعاً مع قدرته على القيام. وأيضاً فهو نذر مرجوح خصوصاً للنساء ؛ لما فيه من إسقاط المروءة ، ولأنه أشبه بالشهوة من العبادة ، فلا ينعقد.

وما روي بطريقين ضعيفين عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : في امرأة نذرت أن تطوف على أربع قال تطوف أُسبوعاً ليديها وأُسبوعاً لرجليها (٣) ، لا يقاوم ما دلّ على أن المرجوح لا ينعقد نذره ، وغيرها من الأُصول.

وأيضاً فالاسبوعان قائماً (٤) غير منذور ، والمنذور غير المأمور به في الخبر ، مع أنها ظاهرة في عدم مشروعيّة الهيئة المنذورة ، فلا يصحّ نذرها.

وبالجملة ، فهذه الرواية غير مُلتفت إليها ، ولا يُعوّل عليها في تأسيس حكم ؛ لضعفها وتشابهها ومعارضتها بما لا تقاومه ، فلا شكّ في شذوذها وشذوذ القول بمضمونها ، وأشذّ منه تعديته إلى الرجل.

فلا معنى للتوقّف في حال المرأة مع الجزم ببطلانه في شأن الرجل ، مع أنه في حقّ المرأة أشدّ مرجوحيّة وأظهر مخالفة لقواعد الفقه ، والله العالم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٤٤١ ، أبواب الطواف ، ب ٨١.

(٢) البقرة : ٢٨٨.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٠ / ١٨ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١٣٥ ـ ١٣٦ / ٤٤٧ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ ، أبواب الطواف ، ب ٧٠ ، ح ١ ـ ٢.

(٤) كذا في المخطوط ، والأوْلى جعله ( قياماً ) لأن صاحب الحال لم يذكر صراحة في الكلام.

٣٤٧

التاسعة والثلاثون : يجب الطواف أيضاً بالنذر وأخويه وبالاستئجار ، فيجب فيه جميع ما يجب في الطواف الواجب بأصل الشرع فعلاً وتركاً.

وهل تجب معه ركعتان حينئذٍ؟ وجهان : أظهرهما عدم الوجوب ؛ لأنهما عبادة مستقلّة ، والأصل عدم الوجوب ، والأحوط والأوْلى فعلهما.

الأربعون : يحرم تعمّد الزيادة على سبعة أشواط ولو خطوة ، ويبطل بها الطواف الواجب بالنصّ والإجماع فيهما. وما عن الحلّي (١) من القول بكراهة القِران شاذّ ، بل لعلّه منقطع. ونقل غير واحد الاتّفاق والإجماع على التحريم والإبطال ، ومن ذلك القِران بين أُسبوعين فأكثر ، فإنه مُحرّم مُبطل في الفريضة بالنصّ والإجماع. وخلافُ الحلّي غير مضرّ به.

وفي ( تهذيب الأحكام ) عن عبد الله بن محمّد عن أبي الحسن عليه‌السلام قال الطواف المفروض إذا زدت عليه ، مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فعليك الإعادة وكذا السعي (٢).

وخبر أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط الطواف المفروض قال يعيد حتّى [ يثبته (٣) ]. على ما في ( الكافي ) (٤) ، وفي ( تهذيب الأحكام ) حتّى يستتمّه (٥).

وصحيح البزنطيّ عن الرضا عليه‌السلام قال : سأل رجل أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يطوف الأسابيع فيقرن ، فقال لا ، الأُسبوع وركعتان ، وإنما قرن أبو الحسن عليه‌السلام لأنه كان يطوف مع محمّد بن إبراهيم في حال التقيّة (٦).

__________________

(١) السرائر ٣ : ٥٧٢ ، عنه في الدروس ١ : ٤٠٦ ، مدارك الأحكام ٨ : ١٣٩.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ١٥١ / ٤٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٢١٧ / ٧٤٧ ، ٢٣٩ / ٨٣١ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٣٦ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ١١.

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : ( يثبت ).

(٤) الكافي ٤ : ٤١٧ / ٥ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٣ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ١.

(٥) تهذيب الأحكام ٥ : ١١١ / ٣٦١ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٣ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ذيل الحديث ح ١.

(٦) تهذيب الأحكام ٥ : ١١٦ / ٣٧٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٢١ / ٧٦١ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧١ ، أبواب الطواف ، ب ٣٦ ، ح ٧.

٣٤٨

وخبر علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل يطوف يقرن بين أُسبوعين ، فقال إنْ شئت رويتُ لك عن أهل المدينة.

فقلت : لا والله مالي في ذلك حاجة جعلت فداك ، ولكن اروِ لي ما أدين الله تعالى به ، فقال لا تقرن بين أُسبوعين ، كلّما طفت أُسبوعاً فصلّ ركعتين. وأمّا أنا فربّما قرنت الثلاثة والأربعة. فنظرت إليه فقال أنا مع هؤلاء (١).

وخبر صفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر : سألاه عن القرآن في الطواف الأُسبوعين والثلاثة قال إنما هو أُسبوع وركعتان.

وقال كان أبي عليه‌السلام يطوف مع محمّد بن إبراهيم فيقرن ، وإنما كان ذلك منه لحال التقيّة (٢).

وصحيح عليّ بن جعفر وخبره المرويّين في كتاب ( المسائل ) (٣) و ( قرب الإسناد ) (٤) كما في ( شرح المفاتيح ) للشيخ حسين عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن رجل تطوّع الأُسبوع والأُسبوعين ، فلا يصلّي ركعتين حتّى يبدو له أن يطوف أُسبوعاً ، هل يصلح ذلك؟ قال لا يصلح حتّى يصلّي ركعتي الطواف الأوّل ، ثمّ ليطف ما أحبّ.

وصحيح زرارة كما في ( مستطرفات السرائر ) (٥) كما في ( شرح المفاتيح ) أيضاً عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث قال فيه ولا قران بين أُسبوعين في فريضة ولا نافلة.

فهذه الأخبار كما ترى صريحة في تحريم تعمّد الزيادة في الفريضة وإبطالها له ؛ سواء كانت شوطاً أو أكثر أو أقلّ ، بل ظاهر بعضها عموم التحريم والإبطال للنافلة

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٨ / ٢ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١١٥ / ٣٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٠ / ٧٥٩ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧٠ ، أبواب الطواف ، ب ٣٦ ، ح ٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ١١٦ / ٣٧٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٢١ / ٧٦٠ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧١ ، أبواب الطواف ، ب ٣٦ ، ح ٦.

(٣) مسائل عليّ بن جعفر : ١٥٨ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

(٤) قرب الإسناد : ٢١٢ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧١ ، أبواب الطواف ، ب ٣٦ ، ح ٨ ، وفيه أيضاً : ٤٢٧ ، أبواب الطواف ، ب ٧٣ ، ح ٤.

(٥) السرائر ( المستطرفات ) ٣ : ٥٨٧ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٧٣ ، أبواب الطواف ، ب ٣٦ ، ح ١٤.

٣٤٩

أيضاً ، كما هو ظاهر الفتوى في غير زيادة أُسبوع آخر.

بقي الكلام فيما لو وقعت الزيادة سهواً ، فإن كانت أقلّ من شوط فظاهر الفتوى أنه يقطعها وتمّ طوافه وأجزأ.

ويدلّ عليه خبر أبي كَهْمَس قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط قال إنْ كان ذكر قبل أنْ يأتي الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه (١) الخبر.

وإن كانت شوطاً فالمشهور أنه يضيف إليه ستّة اخرى ، ويدلّ عليه روايات ، منها صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط قال يضيف إليها ستّة (٢).

ومنها : رواية رفاعة قال : كان عليّ عليه‌السلام يقول إذا طاف رجل ثمانية فليتمّ أربعة عشر شوطاً.

قلت : يصلّي أربع ركعات؟ قال يصلّي ركعتين (٣).

ومنها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول من طاف بالبيت فوهم حتّى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطاً ، ثمّ ليصلِّ ركعتين (٤).

ومنها : صحيح ابن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إنّ عليّاً عليه‌السلام طاف ثمانية فزاد ستّة ، ثمّ ركع أربع ركعات (٥).

ومنها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إنَّ عليّاً عليه‌السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبقي على واحد وأضاف إليها ستّة (٦) الخبر.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٨ / ١٠ ، تهذيب الأحكام ٥ : ١١٣ / ٣٦٧ ، بتفاوتٍ فيهما ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٤ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ٣ ـ ٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ : ١١١ / ٣٦٢ ، الإستبصار ٢ : ٢١٨ / ٧٤٨ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٥ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ٨.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ١١٢ / ٣٦٣ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ٩.

(٤) تهذيب الأحكام ٥ : ١١٢ / ٣٦٤ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ٥.

(٥) تهذيب الأحكام ٥ : ١١٢ / ٣٦٥ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٥ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ٦.

(٦) تهذيب الأحكام ٥ : ١١٢ / ٣٦٦ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٥ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ٧.

٣٥٠

وخبر أبي كَهْمَس المتقدّم ، حيث قال فيه وإن لم يذكر حتّى بلغه يعني : الركن ـ فليتمّ أربعة عشر شوطاً (١).

وصحيحة أبي أيّوب : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف فريضة قال فليضمّ إليها ستّاً (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال إنّ في كتاب عليّ عليه‌السلام إذا طاف بالبيت ثمانية أشواط الفريضة واستيقن ثمانية ، أضاف إليها ستّاً ، وكذا إذا استيقن أنه سعى ثمانية ، أضاف إليها ستّاً (٣).

قلت : ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم ، وخبر رفاعة ، وصحيحة ابن وهب ، وصحيح زرارة ، وصحيحة أبي أيّوب بإطلاقها يتناول العامد ولا تخصّصها بالناسي.

ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم إن في كتاب علي عليه‌السلام من كون الثامن وقع سهواً ؛ لأنه أحد فردي المطلق ، فلا منافاة ، فلا معارضة ، فلا تخصيص.

فإطلاق هذه الأخبار غير معمول به ، مع معارضته بإطلاق الأخبار المانعة من القرآن ؛ فإنه يتحقّق بزيادة شوط ويعمّ الناسي. وإطلاق الأخبار والفتاوى المانعة من الزيادة ، وبأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعهد منه مثل ذلك ، وقد قال خذوا عنّي مناسككم (٤).

ولم يثبت أن أحداً من الأئمّة فعله ، بل دلّوا على أن الزيادة في الطواف كالزيادة في الصلاة ، والعبادة كيفيّة متلقّاة ، والأصل بقاء شغل الذمّة بالنُّسُك. وما دلّ على أن أحدهم قَرَنَ لم يدلّ على أنه في فريضة ، بل صريح بعضه أنه تقيّة.

وظاهر صحيحة ابن مسلم الأخيرة ، حيث قال فيها واستيقن لا يعارض إطلاقات تلك الأخبار المانعة من الزيادة ومن القِران ولا وجوب التأسّي ، ولا دليل

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ : ١١٣ / ٣٦٧ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٤ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤٨ / ١١٩٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٧ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ١٣.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ١٥٢ / ٥٠٢ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٣٦٦ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ١٠.

(٤) عوالي اللآلي : ٢١٥ / ٧٣.

٣٥١

على تخصيصها بالناسي من نصّ ولا إجماع.

هذا ، مع أن تلك الزيادة التي وقعت سهواً بنيّة الوجوب لا يتمّ بها الأُسبوع المندوب إن قلنا : إن الثاني مندوب والأوّل هو الفرض ، كما هو قول الأكثر.

ولا مقصوده إن قلنا : إنه الفرض ، وإن الأُسبوع الأوّل انقلب نفلاً بمجرّد وقوع تلك الزيادة سهواً فلا يتمّ بها ، كما هو المنقول عن الصدوق (١) وابن الجنيد (٢).

وكلّ هذا منافٍ لقواعد الفنّ وأدلّتها ، وقياسه على العدول في الصلاة ظاهر الضعف. هذا مع أن صحيحة ابن سنان ظاهرها أنه يتمّ أُسبوعاً آخر بمجرّد دخوله في الثامن ، ولا قائل به.

وظاهر صحيحة زرارة وقوع السهو من المعصوم ، وهو خلاف البرهان المحكم عقلاً ونقلاً وإجماعاً. وعن الصدوق في ( المقنع ) (٣) بطلانهما فيجب الاستئناف ، وهو الأوفق بقواعد الفن ، ولعلّه الأقوى كما يظهر ممّا تلوناه على سمعك.

وإن كانت المسألة قويّة الإشكال ، والاحتياط في إكمال الأُسبوع الثاني والإعادة وصلاة ستّ ركعات. وإن كانت الزيادة أكثر من شوط فلا يحضرني فيه نصّ لأصحابنا ولا خبر ، ولا يظهر فرق بين الشوط وما زاد.

ومقتضى عموم الأدلّة السابقة البطلان ، بل هو أولى من الإبطال بالشوط الواحد ، ومقتضى الفتوى بصحّتهما إذا زاد شوطاً الصحّة ولو زاد ستّة ، وهو أوضح إشكالاً وضعفاً كما لا يخفى ، والله العالم (٤).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٨ / ١١٩٢ ، عنه في مختلف الشيعة ٤ : ٢٠٧ / المسألة : ١٦١ ، مدارك الأحكام ٨ : ١٧٠.

(٢) عنه في مختلف الشيعة ٤ : ٢٠٧ / المسألة : ١٦١ ، مدارك الأحكام ٨ : ١٧٠.

(٣) المقنع : ٢٦٦ ، عنه في مختلف الشيعة ٤ : ٢٠٦ / المسألة : ١٦٠ ، مدارك الأحكام ٨ : ١٦٩.

(٤) إلى هنا تنتهي نسخة المخطوط التي بين أيدينا.

٣٥٢

الرسالة الثانية عشرة

مسألة في الرضاع

٣٥٣
٣٥٤

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وبعد :

فقد ورد عليّ سؤال من العالم العامل الفاضل الكامل الشيخ محمّد ابن المقدّس الشيخ علي ابن الشيخ محمّد ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ إبراهيم الدرازي : يدلّ على غزارة علمه ، وجودة فهمه ، وأنا لست من فرسان الحلبة ، ولا شجعان هذه الجلبة ، هذا مع شدّة تقسّم القلب وتشتّت اللبّ ، وقلّة البضاعة ، وكثرة الإضاعة ، وعدم حضور الآلة ، وعظم الملالة ، والله المستعان وعليه التكلان.

قال حرسه الله ـ : ( بسم الله الرحمن الرحيم. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ).

أقول : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

ثمّ قال حرسه الله ـ : ( ما يقول شيخنا أدام الله فوائده ).

أقول : اللهمّ استجب دعاءه ، واجعلني خيراً ممّا يظنّون ، واغفر لي ما لا يعلمون.

ثمّ قال حرسه الله ـ : ( هل يحلّ للأب الرضاعي نكاح مطلّقة ابنه الرضاعي؟ ).

أقول : لا يحلّ ، وعليه أطبقت الأُمّة بحسب ما ظهر في كلّ زمان ومكان ، ولا

٣٥٥

تكليف إلّا بعلم ما ظهر ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان ، فلو كان هذا التحريم المجمع عليه من غير الحقّ ، لظهر ردّه من حافظ الشريعة الذي ينفى عنها تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، عجّل الله فرجه.

ثمّ قال حرسه الله ـ : ( وما وجه فتوى الأصحاب بالتحريم هنا والآية (١) نصّ في تقييد الحكم بالولد الصلبي ).

أقول : نعم في ذلك وجهان :

الأوّل : ما سلّمه هو سلّمه الله من أنه فتوى الأصحاب ، فإذا تبيّن أنه فتوى الأصحاب وحجّة الله قد أقرّهم عليه ، ولم يظهر منه بعبارة أو إشارة أو عموم أو خصوص ردّه ، وهو إمام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر ، وهم القرى التي هي منازل السائرين إليه ، الذين نصّ عليهم بأنهم الحكّام على الرعايا ووصفهم بأنهم الحجّة على من دونهم وهو الحجّة عليهم ، عُلِمَ أنه حقّ ، فلا تطلب أثراً بعد عين. هذا ، وقد علمت أنه لا يعرف فيه خلاف بين الأُمّة فضلاً عن الأصحاب.

الثاني : أن الآية الكريمة نصّ في ولد الصلب ، وعلى تحريم حليلته على أبيه إجماع الأُمّة أيضاً كما لا يخفى ، وجاءت السنّة أن الرضاع لحمة كلحمة النسب ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (٢) ، وقد تلقّت الأُمّة هذين الخبرين بالقبول واستدلّوا بهما في سائر الأزمان والأصقاع على كثير من مسائل الرضاع ، كما لا يخفى.

فللولد الرضاعي لحمة كلحمة الولد الصلبي ، ومقتضى لحمة الولد الصلبي تحريم زوجته على أبيه بنصّ الآية الكريمة والإجماع ، فيثبت مثله للحمة الولد الرضاعي ؛ للخبرين المتّفق على قبولهما والعمل بمضمونهما ، فتحرم زوجة الولد الرضاعي كما تحرم زوجة الولد الصلبي بمقتضى ضمّ ما يقولونه.

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ٢٠ : ٣٧١ ـ ٣٧٣ ، أبواب ما يحرم من الرضاع ، ب ١.

٣٥٦

ثمّ قال حرسه الله ـ : ( وما الوجه عند المفسّرين (١) في جعل فائدة القيد في الآية إخراج زوجة المتبنّى خاصّة ).

أقول : الوجه في ذلك ، إمّا في الظاهر فهو ما علموه من سبب نزول الآية (٢) ، وأمّا في الحقيقة فما علمت من إجماع الأُمّة على أن المراد من القيد ذلك ، مع عدم ظهور ما ينافيه من نقل أو عقل ، وثبوت وجوب حفظ الشريعة على الحجّة بالدليل عقلاً ونقلاً (٣) وإجماعاً ، ونظير القيد فيها القيد في الربيبة ؛ لعدم اشتراط كونها في الحجر نصّاً (٤) وإجماعاً.

ثمّ قال حرسه الله ـ : ( على أن زوجة الولد الصلبي ليست إحدى السبع أو التسع من المحرّمات النسبيّة حتّى يحرم من حلّ محلّها بالرضاع ، ويندرج تحت يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (٥) ).

أقول : قد عرفت الجواب عن هذا ، وتحريم زوجة الولد الصلبي ثابت بالكتاب والسنّة ، والإجماع الضروري أو كالضروري ، والولد الرضاعي كالولد الصلبي ، فيحرم بسببه ما يحرم بسببه. ونظيرها أُخت الزوجة من الرضاع ، فإنها تحرم جمعاً بلا خلاف يظهر. وأُخت الولد الصلبي من الرضاع لأبيه الرضاعي نسباً ورضاعاً ولأُمّه الرضاعيّة نسباً على المشهور ، بل نقل عليه الإجماع جماعة ، ودلّت عليه الأخبار كصحيحة ابن مهزيار (٦) : ، وصحيحة عبد الله بن جعفر (٧) : ، وصحيحة أيّوب بن نوح (٨) ، وغيرها فظهر اندراج زوجة الولد الرضاعي تحت حكم ما يحرم من الرضاع أي

__________________

(١) انظر مثلاً التبيان في تفسير القرآن ٣ : ١٥٨ ـ ١٥٩.

(٢) التبيان في تفسير القرآن ٣ : ١٥٨ ـ ١٥٩.

(٣) الكافي ١ : ١٩٨ ـ ٢٠٤ / ١ ـ ٢ ، بصائر الدرجات : ٣٣١ / ب ١٠.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٦٢ / ١٢٤٨ ، تهذيب الأحكام ٧ : ٢٧٣ / ١١٦٥ ـ ١١٦٦.

(٥) وسائل الشيعة ٢٠ : ٣٧١ ـ ٣٧٣ ، أبواب ما يحرم من الرضاع ، ب ١.

(٦) الكافي ٥ : ٤٤٦ / ١٣ ، وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، ب ١٤ ، ح ١.

(٧) الكافي ٥ : ٤٤٧ / ١٨ ، وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٠٤ ـ ٤٠٥ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، ب ١٦ ، ح ٢.

(٨) تهذيب الأحكام ٧ : ٣٢١ / ١٣٢٤ ، وسائل الشيعة ٢٠ : ٤٠٤ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، ب ١٦ ، ح ١.

٣٥٧

بسبب ما يحرم بالنسب بسببه ، وتحت حكم الرضاع لحمة كلحمة النسب.

ثمّ قال حرسه الله ـ : ( والتمسّك بالإجماع لو ادّعي هنا لا يفيد من جانب منْ لا يرى العمل به ).

أقول : الإجماع المتحقّق بتحريم نكاح زوجة الولد الرضاعي وولد الولد الصلبي لا يكاد أحد من المسلمين يستطيع ردّه والعمل بخلافه ، فهو فيهما من الإجماع الذي قال فيه عليه‌السلام إنّ المجمع عليه لا ريب فيه (١) ، وكثيراً ما احتجّ المعصوم به على الخصوم كما يشهد به التتبّع ، ولا يظهر من لا يرى العمل بمثله ، ولو كان مثله لا حجّة فيه لتعطّل كثير من أحكام الشريعة ، ويلزمه أن الشارع أهمل بيانه ، وهو باطل بالضرورة.

ثمّ قال حرسه الله ـ : ( على أن ولد الولد إن كان ولداً للصلب ، فما معنى ذلك؟ وإلّا فالسؤال موجّه معه أيضاً ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ).

أقول : إذا صدق على ولد الولد أنه ولد صدق عليه أنه ولد للصلب ؛ إن كان حقيقة فحقيقة ، وإن كان مجازاً فمجازٌ ، وقد أثبتنا في الرسالة المعمولة في أن إطلاق الولد عليه مجاز أو حقيقة أنه مجاز ، فلا ريب في ورود الاستعمال بإطلاق لفظ الولد على الإطلاق والولد للصلب عليه ، لكنّه لا يدلّ على أنه حقيقة ؛ لأنه استعمال مع نصب قرينة على إرادة عموم اللفظ له.

فلو خُلّينا ولفظ هذه الآية (٢) لقلنا : إنها لا تدلّ على تحريم زوجته على جدّه لمثل ما قلناه في الرسالة ، وتعدية حكم تحريم زوجة الولد على أبيه لابنه بالنسبة إلى جدّه إنما جاء بالوراثة من أبيه بالدليل.

ولهذا نظائر كثيرة في أحكام الحجب والميراث والنكاح. ولو كان ولد الصلب يشمل ولد الولد حقيقة لكان كلّ ما ثبت له من أحكام أبيه وخصائصه في الميراث

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٧ ـ ٦٨ / ١٠ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١.

(٢) النساء : ٢٣.

٣٥٨

وغيره ثبت له بالأصالة ، مع أن كثيراً منها لا يستحقّها ولا تثبت له إلّا بعد فقد أبيه.

وبالجملة ، فقد دلّ الدليل على أن المراد من الآية المذكورة ما هو أعمّ من الولد للصلب بلا فصل أو بواسطة أو وسائط من النصّ والإجماع. ويمكن أن يقال : إن القيد للنصّ على تحريم حليلة من يطلق عليه اسم الولد مطلقاً حقيقة أو مجازاً لينحصر الخارج منها في المتبنّى ، فتدلّ على أن المتبنّى ليس بولد لا حقيقة ولا مجازاً ، لأنه لم يخرج من الصلب لا حقيقة ولا مجازاً لا بلا فصل ولا بفصل بواسطة أو أكثر ، بل ربّما أشعر القيد بأن إطلاق الولد على ولد الولد ليس بحقيقة وإلّا لاكتفى به هاهنا ، لكن فيه غموض.

وعلى كلّ حال ، فالآية الكريمة لا تدلّ على أن إطلاق الولد على ولد الولد حقيقة بوجه من وجوه الدلالة ، خصوصاً إذا كانت الواسطة امّاً ، فممّا لا ينبغي الريب فيه أن ولد البنت ليس ولداً حقيقة خصوصاً إذا تكثّرت الوسائط ، وربّما أشعر إطلاق قوله تعالى : ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) (١) بذلك ، والعرف في سائر الأزمان يساعده ، وكذا قوله تعالى : ( وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ ) (٢) الآية.

هذا ما خطر بالبال فيما حضر مع كثرة البلبال ، والملتمس الدعاء وبكم القدوة ، ومنكم التسديد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حرّر بقلم القاصر المقصّر أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : آخر نهار ٢٩ شهر ربيع المولد الأعظم سنة (١٢٤١).

وتشرّف برقم ما هو مزبور أقلّ الخليقة بل لا شي‌ء في الحقيقة ، الأقلّ الجاني يوسف ابن مسعود بن سليمان الجشّي البحراني : ، وذلك في الليلة الحادية من الشهر الرابع من السنة الحادية من العشر الخامسة من المائة الثالثة من الألف الثانية من الهجرة النبويّة ، على مهاجرها وآله أكمل الصلاة والسلام والتحيّة. تمّت بالخير والبركة

__________________

(١) الأحزاب : ٥.

(٢) الحجرات : ١٣.

٣٥٩
٣٦٠