رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

رحالهم ، تهوي له ثمار الأفئدة من مفاوز قفار متّصلة ، وجزائر بحار منقطعة ، ومهاوي فجاج عميقة ، حتّى يهزّوا مناكبهم ذُلُلاً لله حوله ، ويرملوا على أقدامهم شعثاً غبراً له. قد نبذوا القنع والسرابيل وراء ظهورهم ، وحسروا بالشعور حلقاً عن رؤوسهم ابتلاءً عظيماً ، واختباراً كبيراً ، وامتحاناً شديداً وتمحيصاً بليغاً ، وقنوتاً مبيناً. جعله الله سبباً لرحمته ، ووصلة ووسيلة إلى جنَّته ، وعلَّة لمغفرته ، وابتلاءً للخلق برحمته.

ولو كان الله تبارك وتعالى وضع بيته الحرام ، ومشاعره العظام بين جنّات وأنهار ، وسهل وقرار ، جمِّ الأشجار ، داني الثمار ، ملتفِّ النبات ، متَّصل القرى (١) من بُرَّة سمراء ، وروضة خضراء ، وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ، وزروع ناضرة ، وطرق عامرة ، وحدائق كثيرة ، لكان قد صغر الجزاء على حسب ضعف البلاء. ثمّ لو كانت الأساس المحمول عليها ، أو (٢) الأحجار المرفوع بها بين زمرَّدة خضراء ، وياقوتة حمراء ، ونور وضياء ، لخفَّف ذلك مصارعة الشكِّ في الصدور ، ولوضع مجاهدة إبليس : عن القلوب ، ولنفى معتلج الريب من الناس. ولكن الله عزوجل يختبر عبيده بأنواع الشدائد ، ويتعبَّدهم بألوان المجاهدة ، ويبتليهم بضروب المكاره ؛ إخراجاً للتكبّر من قلوبهم ، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم ، وليجعل ذلك أبواباً إلى فضله ، وأسباباً ذُلُلاً لعفوه وفتنته كما قال ( الم. أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ ) (٣) (٤) ، انتهى.

ووجه الدلالة منه أنه عليه سلام الله أوضح المقال بضرب الأمثال أن طاعة الله وعبادته بما تعبّد به عباده وامتثال أوامره والانزجار عن مناهيه ، لا يكون ولا يتحقّق في الوجود إلّا بتمام الاختبار وكمال الاختيار ، وذلك لا يكون إلّا بتساوي جهتي الداعيين : داعي الله ، وداعي الشيطان ، وتساوي تجاذبهما للنفس. ولعلّ السرّ في ذلك أنه لمّا كان تقدّست أسماؤه مختاراً ، وخلق الإنسان خليفة له ، جعله بأصل فطرته على كمال الاختيار ليدلّه بذلك على كمال بارئه.

__________________

(١) من « م » والمصدر ، وفي « ن » : « القراء ».

(٢) في المصدر : « و ».

(٣) العنكبوت : ١ ـ ٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٩٨ ـ ٢٠١ / ٢.

٤٢١

وذلك لا يتمّ إلّا بتساوي تجاذب الداعيين ، وكمال القدرة على سلوك كلّ من السبيلين ، وكمال هداية النجدين. فلو كان في طاعة الرسل في كلّ ما تعبّد الله تعالى به عباده مرجّح من رغبة في نعيم ، أو خشية من عذاب أليم ، لم يكمل بتساوي تعارك الداعيين على القلب ، ولم يكن كلفة في التكليف ، ومجاهدة النفس. ولو كان الأمر كذلك لم يكن الاختبار والاختيار ، ولم يكن بلاؤه حسناً وهو حسن البلاء ، فإذا لم يكمل الاختيار بوجود المرجّح بطل الجزاء. وإنه من جملة ما يرفع كمال الاختيار ميل النفس إلى التلذّذ بالمنظر البهيّ ، والمطعم الشهيّ ، أو الجزع من توهّم قاهريّة الآمر الناهي وعقابه ، وإن بذلك يرتفع كمال الإخلاص في طاعة الله وعبادته ، فيرتفع بارتفاعه تحقّق طاعته لما فيه من شوب طاعة رغبة المكلّف ورهبته لما يلائم طباعه وشهوته وما ينافيهما.

وبهذا يثبت أن من عبده لمجرّد نيل الثواب أو الهرب من العقاب لم يعبده ، وقد ثبت بالإجماع والنصّ كتاباً وسنّة مجمع عليها وجوب إخلاص العبادة لله ، وأنه بدونه لا عبادة لله. وهذا إنما أخلص النيّة في طلب الشهوة ، أو الهرب من العقاب والشقوة.

والقاشانيّان : في ( المفاتيح ) (١) وشرحه (٢) مع الأكثر ، واستدلّ عليه في المتن بالحسنة المصنّفة التي مرّ ذكرها (٣).

وقال الشارح : ( صحّة قصد القربة بهذا المعنى يعني : قصد الفعل المعيّن والامتثال والإخلاص لا غبار عليه. وأمّا بالمعنى الآخر وهو : نيل الثواب ودفع

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ : ٤٩.

(٢) شرح مفاتيح الشرائع ، لولد المصنّف علم الهدى محمد بن محسن الفيض الكاشاني المتوفّى بين ( ١١١٢ ـ ١١٢٣ ) ، وهناك أيضاً ( شرح مفاتيح الشرائع ) للمولى محمّد هادي ابن المولى مرتضى ابن المولى محمّد مؤمن الذي هو أي محمد مؤمن أخو المولى محمد محسن الفيض المصنّف لـ ( المفاتيح ) الذي توفّي سنة (١٠٩١). انظر الذريعة ١٤ : ٧٩. والمصدران غير متوفّرين لدينا.

(٣) الكافي ٢ : ٨٤ / ٥.

٤٢٢

العقاب ، ففيه كلام. بل الشهيد : نسب إلى الأصحاب القول بعدم الصحّة وبطلان العبادة بها وبه قطع السيّد ابن طاوس. ونظرهم إلى أن ذلك ينافي كون العبادة خالصة لله تعالى ، بل عند الحقيقة يعبد المكلّف نفسه.

لكن الظاهر من الآيات والروايات صحّتها ، مثل قوله تعالى : ( يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ) (١) وقوله عليه‌السلام من بلغه شي‌ء من الثواب (٢) الحديث ، وغيره من الأخبار التي رغّب الأئمّةُ المكلّفين في العبادة ، بأن قالوا من فعلها أعطاه الله كذا وكذا من الأجر على وجه يحصل القطع برضاهم بفعلها رغبة في ذلك الثواب ، وكذلك الحال في زجرهم بالتهديدات والتخويفات في ترك الواجبات. فإذن كيف يبقى تأمّل في [ أن ] (٣) زجرهم بها ليس إلّا لحصول الخوف لهم من هذه العتابات ، ويصير سبباً لعدم تركهم الواجبات ، كما ورد في ترك الصلاة والزكاة وغيرهما.

وكذلك الآيات القرآنيّة ، مثل قوله تعالى : ( جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (٤) و ( لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (٥) و ( فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) (٦) بعد ما قال ( فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) (٧) ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى. بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحدود الشرعيّات في ترك الواجبات ، ومثلها في فعل المحرّمات ، بل كثير من الأخبار جعلوا المنافعَ الدنيويّة داعية إلى فعل عبادة ومضارّها سبباً لعدم ترك واجب ، وصرّحوا بذلك ؛ كيلا يتركوا الواجب لذلك. بل نقول : أصل العبادة لله خالصة ، إلّا أن الداعي إلى هذه العبادة وخلوصها لله تعالى نيل ثواب كذا وكذا ، أو دفع عقاب كذا وكذا ، وإنه ما لم يتحقّق الإخلاص له تعالى لا ينال الثواب ، ولا يدفع عنه العقاب.

__________________

(١) الأنبياء : ٩٠.

(٢) الكافي ٢ : ٨٧ / ١.

(٣) في النسختين : ( أنهم ).

(٤) الواقعة : ٢٤.

(٥) الروم : ٤١.

(٦) البقرة : ٦٦.

(٧) البقرة : ٦٥.

٤٢٣

ألا ترى أن أهل البيت : عليهم‌السلام في سورة هَلْ أَتَى قالوا ( إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً. إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ) (١) فأجاب تعالى بقوله ( فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ ) (٢) ، إلى غير ذلك من الآيات والأخبار في أمثال ما ذكرنا.

ولا شكّ في أن عبادة أهل البيت عليهم‌السلام : وأمثالهم ما كانت خالية من الإخلاص ، بل من لاحظ حال العبّاد في جميع البلاد ، الصلحاء منهم والزهّاد ، علم أنه ليس فعل الواجبات منهم وترك المحرّمات إلّا خوفاً من الله أن يعاقبهم ، والمستحبّات منهم ليس إلّا طمعاً في المنافع والمثوبات ، وغيرُها لا يتأتّى منهم ، بل ولا يتيسّر. وأمّا من أحبّ الله تعالى أزيد من حبّ نفسه إلى أن يؤثر على نفسه ما أحبّ الله تعالى فلا يريد محبوبه بل يريد محبوب محبوبه ، ولا يكره مكروهة بل يكره مكروه مكروهة تعالى أمكنه العبادة خالصة عن إرادة الثواب ودفع العقاب ، ويقول : عقابي سهلٌ في جنب ترك مراده تعالى ، أُعاقب ولا أترك مطلوبه تعالى ، وأيّ ثواب ألذّ من تحقّق مطلوب محبوبي؟ وهذه الرتبة لا يدركها الخواصّ فضلاً عن العوامّ.

نعم ، هي رتبة خواصّ الخواصّ الذين لا يعبدون الله خوفاً وطمعاً ، بل حبّا له وكونه أهلاً للعبادة ، ومستأهلاً لهذا الفعل ) ، انتهى.

ولا يخفى ما في بعض أدلّته من الضعف ، مع أنه رحمه‌الله اختار فيما سوى هذه من الضمائم الراجحة ديناً أو دنيا أو المباحة أن صحّة العبادة معها تدور على أنها مقصودة بالتبعيّة ، والإخلاص بالأصالة وبطلانها على العكس. وعسى أن يمنّ الله أن ننقل شيئاً من كلامه في غيرها من الضمائم (٣). والفرق بين هذا وغيره من الضمائم المقصودة عسر غامض جدّاً حتّى لا يكاد يتحقّق الفرق بينهما.

إذا عرفت هذا ، وأن الأخبار بظواهرها متعارضة الدلالة على الصحّة والبطلان ،

__________________

(١) الإنسان : ٩ ـ ١٠.

(٢) الإنسان : ١١.

(٣) في « م » : ( من الضمائم في غيرها ).

٤٢٤

وأن المسألة فيها قولان ، فاعلم أنه ممّا لا يقع فيه الشكّ أن الإخلاص في العبادات شرط في صحّتها بالعقل والإجماع الذي لا ريب فيه ، والنقل المتواتر المضمون كتاباً (١) وسنّة (٢).

ومعناه : أنك تقصد بفعلك عبادة الله وحده ، من حيث أمر ومن حيث يريد ، وأن حقيقة النيّة وروحها في كلّ عمل هو الأمر الباعث على العمل ، والغاية المطلوبة به ، فهي الإرادة الكاملة المحقّقة بجميع مشخّصات المنويّ. وروحها الغاية المطلوبة الباعثة على إشاعة العمل وإرادة بروزه في الخارج وإبرازه. فهي في الحقيقة فعل الفاعل والعمل المتشخّص من كلّ وجه مفعوله الواقع بفعله ، فهي طبقه وهو صفتها وحكايتها ، فكل مفعول حكاية فعل فاعله.

فإذن النيّة هي العمل إجمالاً ، وهو هي تفصيلاً بوجه ، وهو غيرها وهي غيره بوجه. أو قل : هي وجود العمل في الذهن (٣) والخيال وعالم المثال ، وهو هي في خارج الزمان.

وبهذا يظهر أن النيّة ليست واقعة في الزمان ، وأن العمل ما لم يتشخّص بجميع مشخّصاته الخارجيّة في النيّة لم يكن هو المنويّ ؛ لأنه حينئذٍ تكون النيّة إرادة إجماليّة لشي‌ء كلّيّ والعمل لا يكون ، بل لا يمكن وقوعه في الخارج إلّا متشخّصاً بجميع متشخّصاته المحصّلة لكونه العينيّ الإذنيّ (٤) الإمضائيّ.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أن الله تعالى وتقدّس إنما خلق الخلق ليعبدوه وحده ، ويوحّدوه في جميع مقاماتهم التي من جملتها عبادتهم له. وحقيقة العبادة هي الطاعة ، أي الذلّ له ، والقبول منه ، والاستسلام والتسليم لأمره بجميع أنحاء وجوداته.

__________________

(١) الأعراف : ٢٩ ، غافر : ١٤٠ ، البيّنة : ٥ ، الشعراء : ٨٩.

(٢) انظر وسائل الشيعة ١ : ٥٩ ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب ٨.

(٣) في « م » : ( الدهر ).

(٤) في « م » : ( الأدنى ).

٤٢٥

ومنها مقام عبادته وشكره للمنعم ، ولا شكّ أن عبادته بمجرّد قصد تحصيل الثواب الموعود أو الفرار من العقاب المتوعّد به ليست عبادة توحيديّة. وهذا أمر لا يحتاج إلى بيان بعد التأمّل فيما أشرنا له إجمالاً.

وحينئذٍ نقول : لا تصحّ عبادة العابد إلّا إذا كان الباعث الحقيقيّ الأوّليّ له على العمل هو امتثال أمر المنعم والقربة له ، أي طلب رضاه الذي هو فرع حبّه له ؛ فإنه كلّما تقرّب العبد إلى الله بامتثال أمره ونهيه أحبّه ، فإذا أحبّه رضي عنه ، فإذا رضي عنه أثابه. كلّ ذلك كرم منه وفضل ، وليس رضاه مجرّدَ ثوابه ، وغضبُه محضَ عقابه ، كما دلّ عليه العقل ، والنقل كتاباً وسنّةً.

ولا ينافي هذا ويخرجه عن الإخلاص في العبوديّة لله علمُ العامل بما وعد الله المحسنين الشاكرين العاملين العابدين لله من حيث أحبّ وشرع ، وعلمُه بما توعّد به الكافرين بنعمة العاصين له من الغضب والعذاب في الدنيا والآخرة والبعد من رضوان الله تعالى ورحمته ، بل ميزان كمال العبادة والإيمان تساوي الخوف من سخط الله والبعد من رحمته ورضوانه ، والرجاء في رحمته ورضاه وإنعامه ، فهو يعبد الله بكمال الاختيار والانقياد ، وتمام العبوديّة والرجاء في رضاه وإنعامه ومزيده ، والطمع في محبّته ورضاه ، وكمال الخوف من غضبه ، والبعد من رضوانه ومحبّته ، والخوف منه.

وقد ثبت أن اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله من أكبر الكبائر بالنصّ من الكتاب (١) والسنّة (٢) والإجماع ؛ فقد تبيّن أن الخوف من سخط الله والرجاء لرحمة الله وكرمه لا ينافيان كمال الإخلاص والعبوديّة وقصد التقرّب إلى الله ؛ لأنه أرحم الراحمين. ولعلّ الترغيبات والتهديدات وجملة الوعد والوعيد الواردة في الشريعة للدلالة على أن كمال الإيمان والعبوديّة إنما يتحقّق بكمال الرجاء لفضل الله

__________________

(١) يوسف : ٨٧ ، الحجر : ٥٦.

(٢) انظر وسائل الشيعة ١٥ : ٣١٨ ـ ٣٣١ ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ب ٤٦ ، ح ٢ ، ٧ ، ١٣ ، ٣٣ ، ٣٦.

٤٢٦

والقرب منه ، الذي هو رضاه ومحبّته وكمال الخوف من سخط الله تعالى وبغضه ، والبعد من ساحة رحمته ورضاه ، وتساوي خوفه ورجاه.

فكون العبد حال عبادته على كمال الرجاء من الله لما وعد به المطيعين ، وكمال الخوف من سخط الله وما يوجبه سخطه من عقوبات العاصين لا ينافي أنه عابد لله بكمال العبوديّة والتسليم والامتثال ، بحيث لو لم يسمع بالجزاء فعلاً وتركاً لكان يعبد الله ويشكر المنعم بإخلاص امتثال الأمر ، وطلب رضاه ، وحبّ ما يحبّه من عبده.

وعلى هذا تحمل الترغيبات والترهيبات ، ويحمل فتوى الأكثر من أهل النفوس القدسيّة. أمّا لو عبد العبد (١) وكانت غايته في عبادته مجرّد تحصيل ما وعد الله العابد على تلك العبادة من الثواب ، أو لمجرّد الفرار من العقوبات التي توعّد بها الله العاصين دنيا وآخرة فيهما ، بحيث لو لم يسمع بذلك ، أو لم يطمع في حصول الثواب أو الخلاص من العقاب لم يعبده ، فلا شكّ في بطلان عبادته ؛ لأنه غير عابد لله ، بل لهواه من جلب المحبوب ، ودفع المرهوب.

وقد علمنا بأُناس صاموا لأجل صيام بعض الأغنياء ، وصلّوا نافلة الليل لأجل أن فلانَ يصلّيها طلباً لرضاه ومحبّته ، ولأن يشاركوه في صفاته وفي فطوره وسحوره.

وكذا لا عبادة لمن كان الباعث له بالأصالة طلب الثواب ، أو الفرار من العقاب ولو كان يقصد مع هذا التقرّب إلى الله وامتثال أمره بالتبعيّة ، فإنه ضرب من الشرك في العبادة ، ولا شكّ أنها حينئذٍ غير خالصة لله بمحض العبوديّة ، فليس بموحّد لله في تلك العبادة. أمّا تساوي الداعيان فهو محال ، أو كالمحال ، ولو فرض إمكانها فهي كالأُولى باطلة ؛ لعدم تحقّق العبادة التوحيديّة بكمال العبوديّة ، والإخلاص في طلب التقرّب لله بتحصيل حبّه ورضاه ، والتخلّص من البعد منه ومن غضبه وبغضه.

وعلى هذا يحمل قول من قال ببطلان العبادة بقصد تحصيل الثواب والفرار من

__________________

(١) في « م » : ( العابد ).

٤٢٧

العقاب (١) ، ودعوى إجماع العدليّة (٢) على ذلك ، ويرتفع التنافي بهذا والخلاف ، وبه تتطابق الأخبار ، ويمكن العمل بجميعها ولا يطّرح منها شي‌ء. وبغير هذا التفصيل لا بدّ من اطّراح إمّا الإجماع المنقول وجملة من الأخبار المؤيّدين بصافي الاعتبار ، أو الأخبار الدالّة على الترغيب والترهيب ، وهي في الكثرة بحيث يحصل القطع بأنها ذكرت للحثّ على الطاعة وعلى ترك المعصية ؛ تأكيداً للحجّة ، وقطعاً للأعذار ببيان شدّة حسن الطاعة وحسن عاقبتها ، وخبث المعصية وسوء عاقبتها. ولله الحجّة البالغة.

وبالجملة ، فمن صلّى أو صام أو زكّى أو خمّس أو جاهد في سبيل الله ، واجباً كان ذلك كلّه أو ندباً ، كما ذكرناه بقصد امتثال أمر الله وتحقّقاً بطاعة المنعم وشكره ، ومحبّة لما يحبّه الله منه ، وتقرّباً لله بطلب رضاه ومحبّته ، وهرباً من غضبه وبغضه ، والبعد من ساحة رحمته وجواره ، راجياً حينئذٍ لما وعده به من إفاضات رحماته طامعاً في رضاه ومحبّته ، والقرب من جواره ، خائفاً من مقته وسخطه ، والبعد من جوار أحبّائه ، كانت عبادته صحيحة قطعاً.

وكذلك لو دعا بدعاء ، أو عمل لشفاء الأسقام ، وقضاء الدين ودفع كيد الأعداء ، والحفظ وغير ذلك من أنواع الرحمات والجود ، يجب أن يدعو أو يصلّي ، أو يصل رحمه ، أو يتصدّق قاصداً امتثال أمر الله حابّاً لما أحبّه الله منه أن يسأله ويسترزقه ويستكفي به ، ويستشفي به من هذا الطريق ، وبهذا الدعاء أو العمل عالماً أن الله أحبّ منه أن يستفتح منه ويستنزل أنواع فيضه ورحماته بهذا الطريق ، فهو يسلكه ؛ لأن الله أمره أن يسلك إلى جوده ورحمته ورضاه من هذا الطريق ، فيكون عمله حبّا

__________________

(١) منهم العلّامة رحمه‌الله في ( أجوبة المسائل المهنّائيَّة ) : ٩٠ / المسألة : ١٤٠ ، والشهيد قدس‌سره في قواعده ١ : ٧٧ ، والقاشانيان عليهما الرحمة في ( المفاتيح ) وشرحها ، المفاتيح ١ : ٤٩ ، والسيّد رضيّ الدين بن طاوس رحمه‌الله كما نقل عنه في ( روض الجنان ) : ٢٧ ( حجريّ ) ، و ( مدارك الأحكام ) ١ : ١٨٧. وغيرهم.

(٢) الذي نقله العلّامة رحمه‌الله في ( أجوبة المسائل المهنّائيَّة ) : ٩٠ / المسألة : ١٤٠ ، بقوله : ( اتّفقت العدليَّة. ).

٤٢٨

لما أحبّه الله منه ، وطلباً لموافقة إرادته منه وامتثالاً لما أمره به من السلوك إليه من هذا الباب ، ويكون راجياً لوعد الله حتّى كأن حاجته بالباب ، ومسروراً بما فتحه الله إليه من هذا الباب وهداه إليه ، وشكراً لما أنعم الله به عليه من هذه الرحمة ، وأقدره على ولوج هذا الباب.

فإن الدعاء باب عظيم من أبواب الرحمة ، لولا أن الله عزّ اسمه فتحه لعباده وهداهم إليه ودلّهم عليه لما عرفوه. فحقيقة الدعاء محض العبوديّة والقبول التوحيديّ ، فالله أحبّ من عبده أن يسأله ليفيض عليه ويجود ، حتّى قال ( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ) (١).

فكن أيّها الداعي قاصداً بدعائك امتثال أمر الله ، وطالباً لرضاه ، ومتأهّلاً لاستفاضة جوده ومحبّته فيما أمر به من دعائه ، والطلب منه وحده وإن في ذلك رضاه ولا تكن بدعائك قاصداً محض تحصيل غرضك وحاجتك ونفعك ، أو دفع ضرّك ، جاعلاً دعاءك لله وعبادتك إيّاه به من قبيل استعمالك دواءً أمرك به طبيب بحيث لو لم ترجُ نفعه لَمَا استعملته ؛ فإنك حينئذٍ لا تكون عابداً لله ، ولا قاصداً التقرّب إليه ، ولا فاعلاً لما أحبّه منك ، ولا محبّاً لما أحبّ مولاك ، ولا طالباً لرضاه ، ولا شاكراً نعماه ، بل طالباً لرضا نفسك ومقبلاً على هواك ، مستخفّاً برضا مولاك.

وعلى هذا التفصيل والبيان تلتئم الأخبار والأدلّة ، ويرتفع عن وجه الحقّ وسبيله الغبار ويجتمع القولان. ولا ينافيه تقسيم العباد إلى ثلاثة أصناف ؛ فإنه لا شكّ أن العباد متفاوتون في دُرَجِ الإيمان ، بل أصحاب الدرجة الواحدة متفاوتون تفاوتاً عظيماً. فالقسمة الثلاثيّة وقعت باعتبار من غلب على نفسه الرجاء ، ومن غلب عليه الخوف لمولاه ، ومنه حال عبادته كما وصفناه ، ومن تساوى فيه الخوف والرجاء فألقاهما عنه حال عبادته.

والناس في كلّ واحد من الأصناف الثلاثة متفاوتة رتبهم تفاوتاً عظيماً باعتبار

__________________

(١) الفرقان : ٧٧.

٤٢٩

تفاوت فطرهم ووجوداتهم وقابليّاتهم وطبائعهم وعلمهم وعملهم ، وغير ذلك. فتأمّله بعين شاخصة في طلب الحقّ ونفس خالية من الشبهة تُرشد إن شاء الله تعالى.

تتمّة : في بيان حكم بعض الضمائم في النيّة

تتمّة مهمّة تؤيّد ما فصّلناه في بيان حكم بعض الضمائم غير ما بحثنا فيه. قال الشهيد : في ( القواعد ) : ( يعتبر في النيّة التقرّب إلى الله تعالى. ويدلّ عليه الكتاب والسنّة ؛ أمّا الكتاب فقوله تعالى : ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (١) الآية.

وقال الله تعالى : ( وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى. وَلَسَوْفَ يَرْضى ) (٢).

وأمّا السنّة ففي ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : في الحديث القدسيّ من عمل لي عملاً أشرك فيه غيري تركته لشريكه (٣) ) (٤). أقول : أمّا وجوب اعتبار التقرّب إلى الله في النيّة وأنه لا تصحّ العبادة ، بل ولا تتحقّق بدونه فقد قام عليه الدليل من العقل والنقل كتاباً وسنّة والإجماع ، بحيث يحصل القطع به.

وأمّا الآية الأُولى فقد دلّت على أن غير ما تُخلَص نيّته لله وحده فليس بعبادة لله ، فدخل في عمومها المستفادِ من الحصر كلّ عبادة يشوب نيّتَها طلبُ شي‌ء غير التقرّب إلى الله ؛ فإنه حينئذٍ ليس بمأمور به ، وكلّ ما ليس بمأمور به فليس بعبادة لله.

وأمّا الثانية ، فلفظ الأحد فيها يعمّ حتّى نفس العابد ، فما سوى ما خلص لوجه الله غير محمود عند الله ، وما ليس بمحمود فهو باطل.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( معنى الإخلاص فعل الطاعة خالصاً لله وحده. وهنا غايات ثمانٍ :

__________________

(١) البيِّنة : ٥.

(٢) الليل : ١٩ ـ ٢١.

(٣) بحار الأنوار ٦٩ : ٢٩٩ / ٣٦ ، مسند أحمد بن حنبل ٢ : ٣٠١ ، كنز العمّال ٣ : ٤٨٢ / ٧٥٢٤ ، بتفاوت في الجميع.

(٤) القواعد والفوائد ١ : ٧٥ / القاعدة الأُولى ، الفائدة الأُولى.

٤٣٠

الاولى : الرياء. ولا ريب أنه مخلّ بالإخلاص ، ويتحقّق الرياء بقصد مدح الرائي ، أو الانتفاع به ، أو دفع ضرره.

فإن قلت : فما تقول في العبادات المشوبة بالتقيّة؟

قلت : أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص ، وما فعل منها تقيّة فإن له اعتبارين : بالنظر إلى أصله وهو قربة ، وبالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر وهو لازم (١) لذلك ، فلا يقدح في اعتباره. أمّا لو فرض إحداثه صلاة مثلاً تقيّة فإنه من باب الرياء ) (٢).

أقول : لا ريب أن معنى الإخلاص في العبادة أن تفعل العبادة برسم العبوديّة التوحيديّة لله عزّ اسمه ، كما دلّ عليه العقل والنقل كتاباً وسنّة والإجماع الذي لا ريب فيه ، ولا تصحّ العبادة لله بدونه ، بل لا تتحقّق في الوجود عقلاً ونقلاً وإجماعاً. فإذن لو شاب النيّة شي‌ء ينافي إظهار رسم العبوديّة لله بالعبادة له لم تكن عبادة له ، لا فرق في ذلك بين إشابة تحصيل غرض نفس العابد من جلب نفع ، أو دفع ضرّ أو تحصيل غرض غير حبّه ورضاه أو دفع سخطه ونقمته ، فقد تبيّن منافاة الرياء للإخلاص والتقرّب إلى الله. وقد قام الإجماع على فساد العبادة بدخول الرياء في نيّتها ، بلا فرق بين قصد رضا الرائي وجلب مدحه ونفعه ، أو دفع سخطه وبغضه وضرره.

وأمّا فعل عبادة ألزمهُ بفعلها التقيّة ، أو كيفيّة فيها أوجبتها التقيّة كالتكفير والتأمين وغسل الرجلين ونحوها ، فيجب على العامل أن يعلم أن الله تعالى كلّفه في هذا الحال بهذه العبادة أو هذه الكيفيّة ، فيقصد امتثال أمر الله خالصاً لوجهه والتقرّب إليه كما وصفناه. فإن لم يفعل كما ذكرناه ، بل صلّى صلاة ، أو عمل في صلاته وطهارته كيفيّة غير الثابتة بأصل الشرع لمحض ابتغاء مرضاة المخالفين ، أو لمحض دفع ضررهم عنه ، فالظاهر أن عبادته داخلة في الرياء ، كما هو ظاهر من العبارة وجملة

__________________

(١) ليست في « م ».

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٧٦ / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.

٤٣١

من عبارات الأفاضل ، إلّا أن يجبر على فعل وحركة وقول يشبه صورة العبادة ، بحيث يكون حينئذٍ مسلوب الاختيار والقصد لفرط الخوف ، فتلك ليست برياء ولا عبادة أصلاً ، فلا عقاب عليه فيها ، ولا ثواب عبادة وإن أُثيب على ظلمهم له ، وقهرهم وإخافتهم له.

والظاهر أنها لا تجزيه عن فرضه ولا نفله ؛ إذ لم يتحقّق له حينئذٍ قصد ولا مشيئة ولا إرادة ، فلا نيّة عبادة له حينئذٍ ، ولا يتحقّق عمل بلا نيّة ، بل هو حينئذٍ يشبه القدوم في يد النجار.

وأمّا دفع الضرر اللازم لفعل التقيّة والعلم به فلا يقدح في صحّة قصد الإخلاص في التقرّب إلى الله وامتثال أمره ، فإنه من جملة ثواب العبادة. بل الظاهر أنه لو قصد العامل بالتقيّة في عمله بها أن الله أحبّ منّي أن أستدفع ضرر هؤلاء بهذا العمل وأمرني أن أستدفعه به ، فامتثلت وأحببت ما أحبّه منّي أن أفعله ، صحّت عبادته ؛ لأنه حينئذٍ كالدعاء والصلاة للشفاء ، أو دفع البلاء ، وردّ كيد الأعداء والحفظ ، فالعامل به يقصد قبوله نعمة الله وشكره والتوصّل إلى استفاضة جوده ونيل رحمته ومحبّته بما أمرني وأحبّ منّي السلوك إلى بابه الأعظم به ، غير منافٍ للقربة والإخلاص.

وممّا يؤنسك بما قرّرناه في عبادة المتّقي ما قاله البهائيّ : في شرح الأربعين ، حيث قال : ( لا بدّ في النيّة من القصد إلى إيقاع الفعل ، فمن تصوّر الفعل من دون قصد إلى إيقاعه فهو غير ناوٍ حقيقة ، وقد يطلق على هذا التصوّر اسم النيّة كما قال الفقهاء. ولو نوى المتوضّئ رفع حدث والواقع غيره ؛ فإن كان غلطاً صحّ ، وإن كان عمداً بطل ؛ لأنه في صورة الغلط قاصد إلى رفع حدث في الجملة ، وأمّا في صورة العمد فلم يحصل منه قصد إلى رفع شي‌ء ، وإنما تصوّر رفع غير الواقع ، فيبطل وضوؤه على الأصحّ ؛ لأنه غير ناوٍ في الحقيقة ، بل هو لاعب.

قال العلّامة : في بحث نيّة الوضوء من ( نهاية الإحكام ) : ( لا يجب التعرّض لنفي

٤٣٢

حدث معيّن ، وإن نواه وكان هو الثابت صحّ إجماعاً ، ولو كان غيره ؛ فإن كان غالطاً فالأقرب الصحّة لعدم اشتراط التعرّض لها ، فلا يضرّ الغلط فيها ، وإن كان عامداً فالأقرب البطلان ؛ لتلاعبه بالطهارة ) (١) ، انتهى.

وقوله : ( لتلاعبه بالطهارة ) إشارة إلى عدم حصول القصد ) (٢) ، انتهى.

وممّا يؤنسك أيضاً اشتراطهم في صحّة جميع الإيقاعات والاعترافات القصدَ الاختياريّ.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( الثانية : قصد الثواب والخلاص من العقاب ، وقصدهما معاً.

الثالثة : فعلها شكراً لنعم الله تعالى واستجلابا لمزيده.

الرابعة : فعلها حياءً من الله تعالى.

الخامسة : حبّا له تعالى.

السادسة : تعظيماً لله تعالى ومهابة وانقياداً وإجابة له.

السابعة : فعلها موافقة لإرادته وطاعة لأمره.

الثامنة : فعلها لكونه تعالى أهلاً للعبادة. وهذه الغاية مجمع على كون العبادة تقع بها معتبرة ، وهي أكمل مراتب الإخلاص ، وإليه أشار إمام الحقّ أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام : بقوله ما عبدتك طمعاً في جنّتك ، ولا خوفاً من نارك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك (٣).

وأمّا غاية الثواب والعقاب .. ).

وساق العبارة المنقولة سابقاً (٤) ، ثمّ قال : ( وأمّا الحياء فغرض مقصود. فقد جاء في الخبر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : استحيوا من الله تعالى حقّ الحياء (٥) وأعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك (٦) ، فإنه إذا تخيّل الرؤية انبعث على الحياء والتعظيم والمهابة.

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : ، وقد قال له ذِعْلِب بالذال المعجمة المكسورة والعين

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٣٠.

(٢) الأربعون حديثاً ( البهائي ) : ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٤٠٤ / ٦٣.

(٤) انظر : ص ٤١٣.

(٥) عوالي اللآلي ١ : ٤٠٥ / ٦٤.

(٦) عوالي اللآلي ١ : ٤٠٥ / ٦٥ ، بتفاوتٍ يسير.

٤٣٣

المهملة الساكنة واللام المكسورة ـ : هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين :؟ فقال أفأعبد ما لا أرى؟.

فقال : وكيف تراه؟ فقال عليه‌السلام لا تراه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من الأشياء غير [ ملابس (١) ] ، بعيد منها غير مباين. متكلِّم [ لا برؤية (٢) ] ، مريد لا بهمَّة ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء ، بصير لا يوصف بالحاسَّة ، رحيم لا يوصف بالرقَّة. تعنو الوجوه لعظمته ، وتجلّ القلوب من مخافته (٣).

وقد اشتمل هذا الكلام الشريف على أُصول صفات الجلال والإكرام التي عليها مدار علم الكلام ، وأفاد أن العبادة تابعة للرؤية ، وتفسير معنى الرؤية ، وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة تابع للرؤية ، وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة حسن وإن لم يكن تمام الغاية ، وكذا الخوف منه تعالى ) (٤).

أقول : أمّا فعلها بقصد الثواب والعقاب ، فقد عرفت الكلام فيه فتوًى ودليلاً. وأمّا باقي الغايات الثماني ، من قصد الشكر ، أو الحياء ، أو للحبّ ، أو للتعظيم والمهابة والانقياد والإجابة لله عزّ اسمه ، أو الموافقة لإرادته وللطاعة لأمره ، أو لكونه عزّ اسمه وجلّ أهلاً للطاعة والعبادة. فكلّها لا ينافي شي‌ء منها الإخلاص وقصد القربة والامتثال كما يعلم ممّا قرّرناه فإنها كلّها لوازم التسليم والإذعان لقبول مراسم العبوديّة ، والتحقّق بالعبادة التوحيديّة التي هي قصر نفس العبد العابد المرتدي بنعمة مولاه ، وشكره على ما أولاه على باب عبوديّته لمولاه ، ويأسه ممّا سواه وقصر محبّته ورضاه على ما يحبّه مولاه ويرضاه ، موثقاً بوعده وحده ، غير آيس من روحه وإمداده ورفده وإن تفاوتت مراتب العباد في ذلك كلّه. وربّما غلب بعض المقامات على بعض في أكثر العباد ، فما أقلّ الوزن بالقسطاس المستقيم! وما أصعبه

__________________

(١) من المصدر ، وفي النسختين : ( ملامس ).

(٢) من المصدر ، وفي النسختين : ( بلا روية ).

(٣) نهج البلاغة : ٣٤٤ / الخطبة : ١٧٩.

(٤) القواعد والفوائد ١ : ٧٧ ـ ٧٨ / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.

٤٣٤

إلّا على خلّص المؤمنين!.

وأمّا أعلى المراتب في الإخلاص وهي مرتبة وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك (١) ـ فهي مرتبة الرؤية بحقائق الإيمان ، وأعلاها ألّا يرى العبد لنفسه اعتباراً بالكلّيّة ، بل يرى نفسه قابلاً محضاً ، بل فيضاً محضاً كأوّل حركة بروزه ، ومحض وجوده الذي هو جهة وجود فاعله ومفيضه الذي لا يشركه فيها شي‌ء من الخلق بوجه ، وهي مرتبة حقيقته التي من عرَفها عرَف ربّه بأقصى مراتب إمكان معرفته التي هي صفة وجودِه ، بل وجودُه.

فمن عبد ربّه بهذه المرتبة فقد عبده بكمال العبوديّة له ، وسواها رتب تنزّلاتها وتطوّراته في قوس عوده.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( لمّا كان الركن الأعظم في النيّة هو الإخلاص ، وكان انضمام تلك الأربعة غير قادح فيه ، فخليق أن نذكر ضمائم أُخر ، وهي أقسام :

الأوَّل : ما تكون منافية له ، وتوصف بسببه العبادة بالبطلان ، يعني : عدم استحقاق الثواب. وهل يقع مجزياً ، بمعنى سقوط التعبّد به والخلاص من العقاب؟ الأصحّ أنه لا يقع مجزياً. ولم اعلم فيه خلافاً إلّا من السيّد الإمام المرتضى (٢) : قدّس الله لطيفه فإن ظاهره الحكم بالإجزاء في العبادة المنويّ بها الرياء.

الثاني : ما يكون من الضمائم لازم الفعل كضمّ التبرّد أو التسخّن أو التنظّف (٣) إلى نيّة القربة. وفيه وجهان ينظران إلى عدم تحقّق معنى الإخلاص ، فلا يكون الفعل مجزياً ، وإلى أنه حاصل لا محالة ، فنيّته لتحصيل الحاصل الذي لا فائدة فيه. وهذا الوجه ظاهر أكثر الأصحاب (٤) ، والأوّل أشبه. ولا يلزم من حصولِه نيّةً حصولُه.

ويحتمل أن يقال : إن كان الباعث الأصليّ هو القربة ، ثمّ طرأ التبرّد عند الابتداء

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٤٠٤ / ٦٣.

(٢) الانتصار : ١٠٠ / المسألة : ٩.

(٣) في « م » : ( التنظيف ).

(٤) المبسوط ١ : ١٩ ، المعتبر ١ : ١٤٠ ، منتهى المطلب ١ : ٥٦.

٤٣٥

في الفعل لم يضرّ ، وإن كان الباعث الأصليّ هو التبرّد فلمّا أراده ضمّ القربة لم يجز. وكذا إذا كان الباعث مجموع الأمرين ؛ لأنه لا أولويّة حينئذٍ ، فتدافعا فتساقطا ، فكأنه غير ناوٍ. ومن هذا الباب ضمّ نيّة الحمية إلى القربة في الصوم ، وضمّ ملازمة الغريم إلى القربة في الطواف والسعي والوقوف بالمشعرين.

الثالث : ما ليس بمنافٍ ولا لازم ، كضمّ إرادة دخول السوق مع نيّة التقرّب في الطهارة ، أو إرادة الأكل. ولم يرد بذلك الكون على طهارة في هذه الأشياء ، فإنه لو أراد الكون على طهارة كان مؤكّداً وغير منافٍ. وهذه الأشياء وإن لم يستحبّ لها الطهارة بخصوصها إلّا إنها داخلة فيما يستحبّ بعمومه. وفي هذه الضميمة وجهان مرتّبان على القسم الثاني ، وأوْلى بالبطلان ؛ لأن ذلك تشاغل عمّا يحتاج إليه بما لا يحتاج إليه ) (١) ، انتهى كلامه في قواعده ، زيد إكرامه.

وأقول : أمّا الرياء فالإجماع والنصّ بلا معارض على بطلان العبادة بضمّه إلى نيّتها ، بل لا يكاد تتحقّق عبادة لله مع مخالطة نيّة العامل بالرياء ؛ لأنه لا يُعبد إلّا بما خلص لوجهه الكريم. ( وَلِلّهِ ) لا لغيره على العموم الشامل ( يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) (٢) على بعض الوجوه. فقد دلّت الآية على بعض الوجوه على أنه لا يتحقّق سجود لله ولو كرها إلّا ما اختصّ به.

وما حكاه عن ظاهر عبارة المرتضى : غير مخلّ بتحقّق الإجماع ، ولا معارض للبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً. ولعلّه سهوٌ ، أو أراد غير ما ظهر من عبارته.

وأمّا قصد التبرّد أو التسخين أو التنظيف بالغسل أو الوضوء مثلاً ، فلا شبهة في أنه ممانع للإخلاص ، بل منافٍ له ، فلا تصحّ مع قصده العبادة مطلقاً ، سواء كان مقصوداً بالأصالة أو بالتبعيّة ؛ لعدم تحقّق العبادة التوحيديّة بالضرورة ولكلّ امرئ ما نوى (٣).

وليست هذه العبادة مختصّة بالله ، بل لنفس العامل منها قسط باعث على

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ٧٨ ـ ٨٠ / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثالثة.

(٢) الرعد : ١٥.

(٣) الأمالي ( الطوسيّ ) : ٦١٨ / ١٢٧٤.

٤٣٦

العمل.

نعم ، لا يضرّ بالإخلاص العلم بترتّب ذلك الأثر على هذه العبادة ولزومه لها ؛ لأنه لا يستلزم قصده في نيّة العبادة لله ، وإلّا للزم قصد جميع لوازم العمل الزمانيّة والمكانيّة وغيرهما ، والوجدان على خلاف ذلك ، ويجري هذا المجرى جميع ما شابهه من الضمائم كقصد الحمية بالصوم ، والرياضة البدنيّة به وبالصلاة ، وكذلك قصد التجارة والتكسّب والفرار من زيد مثلاً بالحجّ ، وما في معناه فإنه منافٍ للإخلاص كقصد الحِمية والتبرّد والرياضة ؛ لعدم الفارق ذاتاً وعرضاً.

وأمّا ضمّ مثل الأكل ودخول السوق وشبههما ممّا ليس له علاقة بالعبادة المنويّة كأن يقصد : إني أتطهّر أو أُصلّي لأتغذّى. فإن كان تلك العبادة دلّ الشارع على أن الله عزّ اسمه أحبّ من المكلّف الفاعل لها أن يقدّمها أمام الفعل المضموم معها ، كالصلاة للسفر صحّت العبادة لصحّة الإخلاص والتقرّب ، وإلّا بطلت لعدم مشروعيّتها ؛ إذ لا يعبد الله إلّا من حيث يحبّ بمثل ما يأمر ويحبّ كيفيّةً وكميّةً. فلو نوى بالوضوء مثلاً الكون على الطهارة حتّى لا أدخل السوق إلّا متطهّراً صحّ. ولو نوى : إني أتطهّر لدخول السوق كان باطلاً ؛ لعدم مشروعيّته ؛ لأنه لم يظهر أن الله عزّ اسمه تعبّد عبيده بذلك. فإذن تكون حينئذٍ عبادة من حيث أحبّ العابد لا المعبود ، وهي باطلة قطعاً.

وقال المحقّق الثاني : في ( شرح القواعد ) : ( قوله : ( ولو ضمّ التبرّد صحّ على إشكال ) (١). أي لو ضمّه إلى نيّة الوضوء المعتبرة. ومنشأ الإشكال من منافاته للقربة والإخلاص ؛ إذ هو أمر خارج عن العبادة ، ومن أنه لازم لفعلها سواء (٢) نوى أم لا. والأصحّ الأوّل ؛ لأن لزومه لفعل الطهارة لا يقتضي جواز نيّته. ومثل التبرّد التسخّن وزوال الوسخ. قوله (٣) : ولو ضمّ الرياء بطل ، قولاً واحداً. وحكي عن المرتضى (٤)

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ١٠ ( حجريّ ).

(٢) في « م » : ( سوى ).

(٣) ليست في المصدر.

(٤) الانتصار : ١٠٠.

٤٣٧

أن عبادة الرياء تسقط الطلب عن المكلّف ولا يستحقّ بها ثواباً. وليس بشي‌ء.

إذا تقرّر ذلك ، فالضمائم أربع :

الأولى : ضميمة اللازم المؤكّد ، كضميمة الرفع للاستباحة ، ولا شبهة في صحّتها.

الثانية : ضميمة اللازم الأجنبيّ ، كضميمة التبرّد ، وقد سبق حكمها.

الثالثة : ضميمة المنافي كالرياء ، وبطلانه معلوم.

الرابعة (١) : ضميمة الأمر الأجنبيّ الغريب ، كدخول السوق. وفي البطلان به وجهان ، أصحّهما البطلان ) (٢) ، انتهى.

أقول : يظهر منه الإجماع على إبطال الرياء الملحوظ في نيّة العبادة ، وكأنه أيضاً لم تثبت عنده نسبة القول المحكيّ إلى المرتضى : ؛ ولذا قال : ( حكي ). وأمّا ضمّ الرفع للاستباحة فليس بضمّ شي‌ء لآخر ؛ لأن الذي يظهر لي تلازمهما ، فإن الرفع غاية ، أي علّة لتحقّق شرطيّة الوضوء مثلاً ، فالاستباحة هي غاية رفع الحدث. وطهارة دائم الحدث رافعة لما سبق عليها منه ، وما صاحبها وتعقّبها عفو لرفع الحرج لعدم سقوط العبادة المشروطة به بدوام الحدث و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٣). ويشبهه العفو عن دم القروح والجروح السائلة. وباقي كلامه معلوم حكمه ممّا قدّمناه.

وقال العلّامة : في ( التحرير ) : ( لو نوى ما لا تشرع له الطهارة كالأكل مثلاً ، لم يرتفع حدثه إجماعاً ، ولو نوى ما ليس من شرطه الطهارة ، بل من فضله كقراءة القرآن ، أو النوم قال الشيخ (٤) : ولا يرتفع حدثه ؛ لأنه لم ينوِ رفعه ، ولا ما يتضمّنه. وعندي فيه توقّف ، أمّا لو نوى وضوءاً مطلقاً ، فالوجه ما قاله الشيخ ) (٥) ، انتهى.

أقول : إذا نوى المتطهّر رفع الحدث لاستباحة ما ليس مشروطاً بالطهارة ، ولا

__________________

(١) في المخطوط : ( الثاني ) ، ( الثالث ) ، ( الرابع ) بلفظ التذكير ولم يذكر الأوَّل. وفي المصدر مشار إليها بالحروف من ( أ ) ـ ( د ).

(٢) جامع المقاصد ١ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٣) البقرة : ٢٨٦.

(٤) المبسوط ١ : ١٩.

(٥) تحرير الأحكام ١ : ٩ ( حجريّ ).

٤٣٨

مشروعاً لها كالأكل ، ودخول السوق لم يرتفع حدثه ؛ لأنه عبادة لم تشرع ، فهي باطلة بلا شكّ. ولو كانت الطهارة من كمالها لا من شروطها (١) ، كالنوم وقراءة القرآن ، وجهان أظهرهما الصحّة ؛ لأن الله تعالى أحبّ من العبد أن ينام على طهارة ، وكذا في تلاوة كلامه ، وأمره أن يقرأه وينام متطهّراً. وهذا معنًى محصّل لمشروعيّة الطهارة ؛ لأنها موافقة لمحبّة الله وأمره.

والأحوط في هذا أن ينوي الكون على طهارة ، فلو قصد الكون على الطهارة ليكون على حال فعله ما لم تشرع له الطهارة على طهارة ، أو حال فعله ما الطهارة من كماله على طهارة صحّ فيهما لمشروعيّة الطهارة للكون على طهارة. والإجماع إنما هو على الفرض الأوّل ، وهو مراده رحمه‌الله.

وكذلك لا تصحّ طهارته ولا يرتفع حدثه لو نوى طهارة مطلقاً ؛ لأن الطهارة عبادة شرطيّة ، وليست بواجبه أو مندوبة لنفسها ، ففعلها كذلك غير مشروع فلا تصحّ ، ولا يُعبد الله إلّا بما شرع كما شرع.

وقال البهائيّ : في ( شرح الأربعين ) : ( المانعون في نيّة العبادة من قصد تحصيل الثواب أو دفع العقاب جعلوا هذا القصد مفسداً لها وإن انضمّ إليه قصد وجه الله سبحانه ، على ما يفهم من كلامهم. أمّا بقيّة الضمائم اللازمة الحصول مع العبادة نويت أو لم تنو ، كالخلاص من النفقة بعتق العبد في الكفّارة ، والحمية بالصوم ، والتبرّد في الوضوء ، وإعلام المأموم الدخول في الصلاة بالتكبير ، ومماطلة الغريم بالتشاغل بالصلاة ، وملازمته بالطواف والسعي ، وحفظ المتاع بالقيام لصلاة الليل وأمثال ذلك ، فالظاهر أن قصدها عندهم مفسد أيضاً بالطريق الأوّليّ. وأمّا الذين لا يجعلون قصد الثواب مفسداً فقد اختلفوا في الإفساد بأمثال هذه الضمائم ، فأكثرهم على عدمه ، وبه قطع الشيخ : في ( المبسوط ) (٢) ، والمحقّق : في ( المعتبر ) (٣) ، والعلّامة : في ( التحرير ) (٤)

__________________

(١) في « م » : ( شرطها ).

(٢) المبسوط ١ : ١٩.

(٣) المعتبر ١ : ١٤٠.

(٤) تحرير الأحكام ١ : ٩ ( حجريّ ).

٤٣٩

و ( المنتهى ) (١) ؛ لأنها تحصل لا محالة ، فلا يضرّ قصدها.

وفيه : أن لزوم حصولها لا يستلزم صحّة قصد حصولها. والمتأخّرون من أصحابنا حكموا بفساد العبادة بقصدها ، وهو مذهب العلّامة : في ( النهاية ) (٢) و ( القواعد ) (٣) ، وولده فخر المحقّقين : في الشرح (٤) ، وشيخنا الشهيد : في ( البيان ) (٥) ؛ لفوت الإخلاص ، وهو الأصحّ.

واحتمل شيخنا الشهيد : في قواعده (٦) التفصيل بأن القربة إن كانت هي المقصودة بالذات ، والضميمة مقصودة تبعاً صحّت العبادة ، وإن انعكس الأمر أو تساويا بطلت.

هذا ، واعلم أن الضميمة إن كانت راجحة ولاحظ القاصد رجحانها وجوباً أو ندباً ، كالحِمية في الصوم لوجوب حفظ البدن ، والإعلام بالدخول في الصلاة للتعاون على البرّ ، فينبغي ألّا تكون مضرّة ؛ إذ هي حينئذٍ مؤكّدة. وإنما الكلام في الضمائم الغير الملحوظة الرجحان ، فصوم قصد الحمية مثلاً صحيح ؛ مستحبّاً كان الصوم أو واجباً ، معيّناً كان الواجب أو غير معيّن.

ولكن في النفس من صحّة غير المعيّن شي‌ء ، وعدمها محتمل ، والله اعلم ) (٧) ، انتهى.

أقول : كلّ ما ذكره من الضمائم لا يخفى منافاته للإخلاص ومحض الامتثال والتقرّب إلى الله والعبادة التوحيديّة ؛ لما فيه من قصد تحصيل حظّ النفس الدنيويّ. فهي عبادة لله من حيث أحبّ العابد لا من حيث أحبّ الله ، فإن الله تقدّست أسماؤه لم يكلّف بأن يطاف ببيته الحرام لملازمة الغريم ، ولا بأن يصلّي لمماطلة الغريم ، ولا بعتق نسمة للخلاص من نفقتها ، ولا بالصلاة لحفظ المتاع ، ولا بالوضوء للتبرّد ، ولا

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٥٦ ( حجريّ ).

(٢) نهاية الأحكام ١ : ٣٣.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ١٠ ( حجريّ ).

(٤) إيضاح الفوائد في شرح القواعد ١ : ٣٦.

(٥) البيان : ٤٤.

(٦) القواعد والفوائد ١ : ٧٩ / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.

(٧) الأربعون حديثاً ( البهائيّ ) : ٤٤٥ ـ ٤٤٦.

٤٤٠