رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

الرسالة الثالثة عشرة

عدّة المطلّقة الحرّة

٣٦١
٣٦٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله.

مسألة : لو كانت المطلّقة الحرّة الحائل لا تحيض إلّا في أكثر من ثلاثة أشهر مرّة وطلّقت ، وقد بقي من طهرها شهر مثلاً فما عدّتها؟

قلت : قال الفاضل : في ( كشف اللثام ) على قول العلّامة : ( ولو كان حيضها في كلّ ستّة أشهر أو خمسة ) : قال الشارح : أو أربعة. ( اعتدّت بالأشهر ) (١). قال الشارح : ( اتّفاقاً كما في ( الخلاف ) (٢) و ( السرائر ) (٣) ، ولنحو قول الباقر عليه‌السلام : في صحيح زرارة وحسنته أمران أيّهما سبق إليها بانت به المطلّقة المسترابة التي تستريب الحيض ، إن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت بها ، وإنْ مرّت بها ثلاث حِيَضٍ ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض (٤).

وأمّا نحو قول أحدهما عليهما‌السلام في صحيح محمّد بن مسلم : في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة ، أو ستّة أو سبعة أشهر إنّ عدّتها ثلاثة أشهر (٥).

فلعلّه محمول على التحيّض بعد كلّ ثلاثة أشهر.

ولا يشترط في الاعتداد بالأشهر وقوع الطلاق بحيث يتعقّبه ثلاثة أشهر بيض ؛ لإطلاق النصوص من الأخبار والأصحاب ، فلو كانت لا تحيض إلّا بعد ثلاثة وطلّقت حيث بقي إلى حيضها شهر اعتدّت بالأشهر أيضاً وإن رأت الدم بعد شهر ؛

__________________

(١) قواعد الأحكام ٢ : ٦٩ ( حجريّ ).

(٢) الخلاف ٥ : ٥٧ / المسألة : ٥.

(٣) السرائر ٢ : ٧٤٢.

(٤) الخصال ١ : ٤٧ ـ ٤٨ ، باب الاثنين / ٥١ ، الفقيه ٣ : ٣٣٢ / ١٦٠٩.

(٥) الكافي ٦ : ٩٩ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٣٣٢ / ١٦٠٨ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٩ ـ ١٢٠ / ٤١٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٣ / ١١٥٠ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٣ ـ ١٨٤ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ١. بالمعنى.

٣٦٣

لصدق سبق ثلاثة أشهر بيض على ثلاث حِيَضٍ ، فإنه أعمّ من أن يكون بعد الطلاق من غير فصل أو مع الفصل ، فتكون عدّتها ثلاثة أشهر مع الحيض السابق والطهر السابق عليه. ولا بُعْدَ في اختلاف العدّة باختلاف وقت الطلاق طولاً وقصراً ، بل هو واقع في المعتدّة بالأقراء ) (١) ، انتهى.

أقول : ظاهر عبارة الشارح أن الاتّفاق متحقّق على أن مَنْ كانت يعتادها حيضها في أكثر من ثلاثة أشهر مطلقاً فهي تعتدّ بثلاثة أشهر ، كما هو المنقول عن ( الخلاف ) (٢) و ( السرائر ) (٣) ، وبه أفتى جمع مثل العلّامة : في ( القواعد ) (٤) و ( الإرشاد ) (٥) و ( التلخيص ) (٦) و ( التحرير ) (٧) والخراساني : في كفايته (٨) ، وصاحب ( معالم الدين ) والمحقّق : في ( الشرائع ) (٩) و ( النافع ) (١٠) ، وغير واحد. والأمر كذلك.

وظاهر ( المسالك ) أيضاً أنه ظاهر الأصحاب ، حيث قال : ( إن الروايات تقتضي اشتراط سلامة الثلاثة بعد الطلاق من الحيض ، فلو وقع الطلاق في أثناء الطهر بحيث لم يبقَ بعده ثلاثة وإن كان أصله أكثر لا تعتدّ بالأشهر. وعبارات الأصحاب خلاف ذلك من حيث الإطلاق ) (١١) ، انتهى.

وظاهره اتّفاقهم على أن مَنْ كانت عادتها في الحيض لأكثر من ثلاثة أشهر ، فهذه تعتدّ بالشهور على كلّ حال من غير فرق بين أن تطلّق في أوّل طهرها أو وسطه أو آخره. ولا عبرة لها بما يكون من حيض العادة إذا وقع قبل مضي ثلاثة بيض ؛ لأن فرض هذا الاعتداد بالشهور دون الأقراء ، وهذا هو الحقّ ، وهو الذي تطابقت

__________________

(١) كشف اللثام ٢ : ١٣٦ ( حجريّ ).

(٢) الخلاف ٥ : ٥٧ / المسألة : ٥.

(٣) السرائر ٢ : ٧٤٢.

(٤) قواعد الأحكام ٢ : ٦٩ ( حجريّ ).

(٥) إرشاد الأذهان ٢ : ٤٧.

(٦) تلخيص المرام ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٣٩ : ٥٠٤.

(٧) تحرير الأحكام ٢ : ٧١ ( حجريّ ).

(٨) كفاية الأحكام : ٢٠٤.

(٩) شرائع الإسلام ٣ : ٢٥.

(١٠) المختصر النافع : ٣١٣.

(١١) مسالك الأفهام ٩ : ٢٥١ ، وفيه : ( عبارة ) بدل : ( عبارات ).

٣٦٤

الأخبار في الدلالة عليه من غير تدافع ولا تنافر.

الأخبار الدالّة على الاعتداد بالشهور

ففي حسنة ابن مسلم : عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر أو في ستّة أو في سبعة أشهر ، والمستحاضة التي لم تبلغ المحيض ، والتي تحيض مرّة ويرتفع مرّة ، والتي لا تطمع في الولد ، والتي قد ارتفع حيضها وزعمت أنها لم تيأس ، والتي ترى الصفرة من حيض ليس بمستقيم ، فذكر أن عدّة هؤلاء كلّهنّ ثلاثة أشهر (١).

وفي الموثّق عن أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال في المرأة يطلّقها زوجها وهي تحيض كلّ ثلاثة أشهر حيضة ، فقال إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدّتها ، يحسب لها كلّ شهر حيضة (٢).

وحسنة أبي مريم : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل كيف يطلّق امرأته وهي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر حيضة واحدة؟ قال يطلّقها تطليقة واحدة في غرّة الشهر ، فإذا انقضت ثلاثة أشهر من يوم طلّقها فقد بانت منه (٣).

وخبر أبي الصباح : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : سألته عن التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة ، كيف تعتدّ؟ فقال تنتظر مثل قرئها التي كانت تحيض فيه في الاستقامة ، فتعتدّ ثلاثة قروء (٤).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٩٩ / ٥ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٩ ـ ١٢٠ / ٤١٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٣ / ١١٥٠ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٣ ـ ١٨٤ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ١.

(٢) الكافي ٦ : ٩٩ / ٦ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١٢٠ / ٤١٣ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ / ١١٥١ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٤ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ٢.

(٣) تهذيب الأحكام ٨ : ١٢٠ / ٤١٤ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٢ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ٢٠٠ ، أبواب العدد ، ب ١٣ ، ح ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٩٩ / ٤ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١٢٠ ـ ١٢١ / ٤١٥ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٥ / ١١٥٥ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٧ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ١٠. وفي الجميع : « فلتعتدّ » بدل : « فتعتدّ ».

٣٦٥

وفي صحيح الحلبي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : سألته عن قول الله عزوجل ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) (١) ، ما الريبة؟ قال ما زاد على شهر فهو ريبة ، فلتعتدّ ثلاثة أشهر ، ولتترك الحيض ، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض ، فعدّتها ثلاث حِيَضٍ (٢).

وحسنة زرارة : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن التي لا تحيض إلّا في ثلاث سنين أو أربع سنين ، فقال تعتدّ ثلاثة أشهر ، ثمّ تزوّج إنْ شاءت (٣).

وصحيح أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في التي لا تحيض إلّا في ثلاث سنين أو أكثر من ذلك قال : فقال مثل قرئها التي كانت تحيض في استقامتها ، ولتعتدّ بثلاثة قروء ، وتتزوّج إنْ شاءت (٤).

وخبر أبي الصباح : قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام : عن التي لا تحيض كلّ ثلاث سنين إلّا مرّة واحدة ، كيف تعتدّ؟ قال تنتظر مثل [ قروئها (٥) ] التي كانت تحيض في استقامتها ، ولتعتدّ ثلاثة قروء (٦) الخبر.

وصحيح الحلبي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : مثله (٧).

وخبر الغنوي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المرأة التي لا تحيض إلّا في ثلاث سنين أو

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) الكافي ٦ : ١٠٠ / ٨ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٨ / ٤٠٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٥ / ١١٥٧ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٦ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ٧.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٣٢ / ١٦٠٧ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١٢١ / ٤١٧ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ / ١١٦٢ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٧ ـ ١٨٨ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ١١.

(٤) تهذيب الأحكام ٨ : ١٢١ ١٢٢ / ٤١٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ / ١١٦٢ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٨ ـ ١٨٩ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ١٤.

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : « أقرائها ».

(٦) الفقيه ٣ : ٣٣٢ / ١٦١٠ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١٢٢ / ٤٢٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٦ / ١١٥٩ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٩ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ١٥.

(٧) تهذيب الأحكام ٨ : ١٢٢ / ٤٢١ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٦ / ١١٦٠ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٩ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ١٥.

٣٦٦

أربع سنين أو خمس سنين قال تنتظر مثل قرئها التي كانت تحيض ، فلتعتدّ (١) الخبر. وغيرها من الأخبار.

وقد دلّت حسنة ابن مسلم : بمنطوقها على أن مَنْ كانت عادتها في الحيض ثلاثة أشهر ، أو في ستّة أو سبعة ، أنها تعتدّ بثلاثة أشهر.

ودلّ موثّق أبي بصير : وحسنة أبي مريم : وخبر أبي الصباح : على أن مَنْ كانت يعتادها الحيض في كلّ ثلاثة أشهر أنها تعتدّ بثلاثة أشهر.

ودلّ الجميع بطريق الأولويّة والفحوى على أن مَنْ كانت عادتها في الحيض أكثر من ثلاثة أشهر ولو يوماً أنها كذلك ، مضافاً إلى أن الإجماع قائم على عدم الفرق بين مَنْ كانت عادتها أكثر من ثلاثة أشهر بيوم أو شهر أو أكثر مطلقاً.

فقد تطابقت هذه النصوص على أن مَنْ كانت عادتها في الحيض أكثر من ثلاثة أشهر أن فرضها الاعتداد بثلاثة أشهر مطلقاً ، ودلّ إطلاقاتها على عدم الفرق في مَنْ كانت كذلك بين أن تطلّق في أوّل طهرها أو أثنائه أو آخره ولو قبل حيضها بلحظة ، فلا عبرة بالحيض الواقع في أثناء عدّتها ، فدلّ ذلك كله على أن مَنْ كانت عادتها في أكثر من ثلاثة أشهر مطلقاً فعدّتها ثلاثة أشهر لا تزيد ولا تنقص ولا تختلف.

وظاهر الفتوى والأخبار من غير اختلاف أن مبدأ عدّة الطلاق من حين انتهاء صيغة إنشاء الطلاق.

بقي الكلام فيما دلّ بظاهره على أن مَنْ كانت عادتها في الحيض تأتيها في كلّ ثلاثة أشهر فعدّتها ثلاثة أشهر. فظاهر العصابة الإطباق على طرح هذا الظاهر ، وحملها على أن مَنْ كانت عادتها في التحيّض بعد كلّ ثلاثة أشهر ، وعلى أن مَنْ كانت عادتها ثلاثة أشهر فنازلاً فإنها تعتدّ بالأقراء.

ويدلّ على هذا من الأخبار خبر عمّار الساباطي : قال : سُئل أبو عبد الله عليه‌السلام : عن

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ : ١٢٢ / ٤٢٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٦ / ١١٦١ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٩٠ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ١٩.

٣٦٧

الرجل عنده امرأة شابّة ، وهي تحيض في كلّ شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة ، كيف يطلّقها زوجها؟ فقال أمر هذه شديد ، هذه تطلّق طلاق السنّة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود ، ثمّ تُترك حتّى تحيض ثلاث حِيَضٍ ، متى حاضتها فقد انقضت عدّتها (١) الخبر.

وظاهر العصابة الإطباق على العمل بهذا المضمون ، فلا يضرّ ضعفه ، وبه يثبت ما أطبقت عليه العصابة فيما ظهر من أن مَنْ كانت يعتادها الحيض في كلّ شهر أو في كلّ شهرين أو في كلّ ثلاثة فهي تعتدّ بالأقراء دون الشهور. فوجب حمل تلك الظواهر على مَنْ كانت يعتادها الحيض بعد كلّ ثلاثة أشهر.

ويخطر بالفكر العليل جمع بين الإجماع على هذا المضمون وبين تلك الظواهر الدالّة على أن من كانت يعتادها الحيض في كلّ ثلاثة أشهر فعدّتها ثلاثة أشهر لم أقف على مَنْ ذكره وهو أن تُحمل تلك الظواهر على إرادة أن مَنْ تحيض في كلّ ثلاثة أشهر أنها تعتدّ بالأقراء ، كلّ قرء ثلاثة أشهر. وهذا وإن كان بعيداً من اللفظ إلّا إنه لا يزيد على بُعْد الأوّل.

مناقشة قول الفاضل الهندي في شرح عبارة القواعد

إذا عرفت هذا عرفت أن قول الفاضل : في شرح عبارة ( القواعد ) المذكورة أن مَنْ طُلّقت وهي ممّن يعتادها الحيض في أكثر من ثلاثة أشهر ، أنها تعتدّ ثلاثة أشهر مع الحيض السابق عليها وبقيّة الطهر السابق عليه إن لم يكن ثلاثة أشهر بيض ، وإلّا اكتفت بها ، وأن عدّة هذه تختلف طولاً وقصراً بحسب ما يبقى من طهر طلاقها إلى زمن حيضها ضعيف جدّاً من وجوه :

الأوّل : أنه لا دليل عليه بخصوصه من نصّ أو إجماع ، بل لم نقف عليه لغيره ، فهو

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٨ : ١١٩ / ٤١٠ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣ / ١١٤٨ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٩٩ ، أبواب العدد ، ب ١٣ ، ح ١.

٣٦٨

شاذّ.

الثاني : أنه لا دليل على اختلاف عدّة المعتدّة بالشهور طولاً وقصراً ، بل الأخبار والفتاوى متطابقة على أن عدّة المعتدّة بالشهور ثلاثة أشهر لا أقلّ ولا أكثر وإن اختلف الأصحاب في شهورها ، هل هي هلاليّة مطلقاً ، أو عدديّة مطلقاً ، أو هلاليّة إن طلّقت من أوّل جزء من الشهر ، وإلّا فهلاليان وعددي ملفّق تتمّته من الرابع؟ وهذا هو الحقّ.

الثالث : أنه على قوله يلزم أن عدّة هذه ملفّقة من الأقراء والشهور ، وهذا غير معروف بين المسلمين ، إلّا مَنْ طرأ يأسها بعد قرء أو قرائن.

الرابع : أن نفي البعد في اختلاف العدّة هنا فرع على ثبوت ما قاله بدليل ، ولم يثبت بدليل ، بل الدليل كما عرفت ينفيه ، ولا تلازم بين ثبوته في ذوات الأقراء والشهور ، فثبوته في ذوات الأقراء لا يوجب ثبوته في ذوات الشهور ، والقياس باطل ، على أنه لا جامع بينهما يوجب القياس.

إشكال الشهيد الثاني في مسالكه الخامس : أنه يناقض صدر عبارته ، حيث حكم بأنها تعتدّ بثلاثة أشهر وأطلق ، وكأنه رحمه‌الله أراد بذلك التخلّص من استشكال الشهيد : في ( المسالك ) حيث قال في شرح قول المحقّق : ( ولو كان مثلها تحيض وهي لا تحيض ، اعتدّت بثلاثة أشهر إجماعاً ، وهذه تراعي الشهور والحِيَض ، فإن سبقت الأطهار فقد خرجت من العدّة ، وكذا إن سبقت الشهور ) (١) ـ : ( اعلم أن الأصل في عدّة الحائض (٢) الأقراء ؛ لقوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (٣) ، وشرط اعتدادها بالأشهر فقدها ، كما نبّه عليه قوله تعالى : ( وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ) إلى قوله

__________________

(١) شرائع الإسلام ٣ : ٢٤ ـ ٢٥.

(٢) في المصدر : ( الحائل ) بدل : ( الحائض ).

(٣) البقرة : ٢٢٨.

٣٦٩

( وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) (١) ، ولا يشترط في اعتدادها بالأشهر يأسها من المحيض عندنا ، بل متى انقطع عنها ثلاثة أشهر فصاعداً اعتدّت بالأشهر كما يتّفق ذلك للمرضع والمريضة ؛ لقول الباقر عليه‌السلام : في حسنة زرارة : أمران أيّهما سبق بانت المطلّقة المسترابة. تستريب الحيض إنْ مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه ، وإن مرّت بها ثلاث حيض ، ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض (٢).

والمراد من قوله : ( وهذه تراعي الشهور والحيض ) إلى آخره أن مع سبق الأشهر بغير حيض أصلاً تعتدّ بالأشهر ، ومع مضيّ ثلاثة أطهار قبل مضي ثلاثة أشهر خالية من الحيض تعتدّ بالأطهار. أمّا لو فرض رؤيتها في الثلاثة الأشهر حيضاً ولو مرّة واحدة لم تعتدّ بالأشهر ، بل بالأطهار إن تكرّر لها ذلك ، بأنْ كانت تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة. ولو فرض أن حيضها إنما يكون فيما زاد على ثلاثة أشهر ولو ساعة ، وطُلّقت في أوّل الطهر ، فمضت الثلاثة من غير أن ترى الدم فيها ، اعتدّت بالأشهر.

وإلى هذا أشار في الرواية [ بقوله (٣) ] إنْ مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه.

وقوله وإنْ مرّت بها ثلاث حِيَضٍ ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض.

قال ابن أبي عمير : قال جميل : في تفسير ذلك يعني : خبر زرارة : ـ : إن مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت ، ثمّ مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت ، ثمّ مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوماً فحاضت ، فهذه تعتدّ بالحيض على هذا الوجه ، ولا تعتدّ بالشهور. وإن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها فقد بانت (٤).

ويشكل على هذا ما لو كانت عادتها أن تحيض في كلّ أربعة أشهر مثلاً مرّة ،

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) الكافي ٦ : ٩٨ / ١ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٨ / ٤٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٤ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٥ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ٥.

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : ( لقوله ).

(٤) الكافي ٦ : ٩٨ / ١ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٨ / ٤٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٤ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٥ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ٥.

٣٧٠

فإنه على تقدير طلاقها في أوّل الطهر ، أو ما قاربه بحيث يبقى لها منه ثلاثة أشهر بعد الطلاق ، تنقضي عدّتها بالأشهر كما تقرّر. ولكن لو فرض طلاقها في وقت لا يبقى من الطهر ثلاثة أشهر تامّة ، كان اللازم من ذلك اعتدادها بالأقراء ، فربّما صارت عدّتها سنة وأكثر على تقدير وقوع الطلاق في وقت لا يتمّ بعده ثلاثة أشهر بيض ، [ والاجتزاء (١) ] بالثلاثة على تقدير سلامتها ، فتختلف العدّة باختلاف وقت الطلاق الواقع بمجرّد الإخبار (٢) ، مع كون المرأة من ذوات العادة المستقرّة في الحيض.

ويقوى الإشكال لو كانت لا ترى الدم إلّا في كلّ سنة أو أزيد مرّة ، فإن عدّتها بالأشهر على المعروف من النصّ والفتوى ، وعلى هذا فيلزم ممّا ذكروه هنا من القاعدة أنه لو طلّقها في وقت لا يسلم بعد الطلاق لها ثلاثة أشهر طهر ، أن تعتدّ بالأقراء وإن طال زمانها. وهذا بعيد ومنافٍ لما قالوه من أن أطول عدّة تفرض عدّة المسترابة ، وهي سنة أو تزيد ثلاثة أشهر. ولو قيل بالاكتفاء بثلاثة أشهر إمّا مطلقاً أو بيضاً هنا كما لو خلت من الحيض ابتداءً كان حسناً.

وقد ذكر المصنّف (٣) ، والعلّامة : في كتبه (٤) أن مَنْ كانت لا تحيض إلّا في كلّ خمسة أشهر أو ستّة أشهر عدّتها بالأشهر ، وأطلقا (٥). وزاد في ( التحرير ) أنها إن كانت لا تحيض إلّا في كلّ ثلاثة أشهر فصاعداً تعتدّ بالأشهر (٦) ، ولم تعتدّ بعروض الحيض في أثنائه ، كما فرضناه.

وروى محمّد بن مسلم : في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة ) (٧).

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : ( إلّا اجتزت ).

(٢) في المصدر : ( الاختيار ) بدل : ( الإخبار ).

(٣) شرائع الإسلام ٣ : ٢٥.

(٤) انظر : قواعد الأحكام ٢ : ٦٩ ( حجريّ ) ، إرشاد الأذهان ٢ : ٤٧ ، تلخيص المرام ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهيّة ) ٣٩ : ٥٠٤.

(٥) في المصدر : ( أطلق ) بدل : ( أطلقا ).

(٦) تحرير الأحكام ٢ : ٧١ ( حجريّ ).

(٧) الكافي ٦ : ٩٩ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٣٣٢ / ١٦٠٨ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٩ ـ ١٢٠ / ٤١٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٣ / ١١٥٠ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٣ ـ ١٨٤ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ١.

٣٧١

وساق الخبر المتقدّم ، ثمّ قال : ( وهي تؤيّد ما ذكرناه ) (١) ، انتهى.

وقال أيضاً في شرح قول المحقّق : بعد هذا : ( ولو كانت لا تحيض إلّا في كلّ ستة أشهر أو خمسة أشهر ، اعتدّت بالأشهر ) (٢) ـ : ( هكذا اتّفقت عبارة المصنّف وجماعة من الأصحاب ، ولا وجه للتخصيص بالخمسة والستّة ، بل الضابط أنها مَنْ سلم لها ثلاثة أشهر بعد الطلاق لا ترى فيها حيضاً اعتدّت بالأشهر.

وقد دلّ على ذلك رواية زرارة : عن الباقر عليه‌السلام : قال أمران أيّهما سبق بانت المطلّقة المسترابة ، تستريب الحيض إنْ مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت منه ، وإنْ مرّت بها ثلاث حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض (٣).

وفي رواية أُخرى لزرارة : عن أحدهما عليهما‌السلام أي الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدّتها ، إنْ [ مرّت (٤) ] ثلاثة أشهر لا ترى فيها دماً فقد انقضت عدّتها ، وإنْ مرّت ثلاثة أقراء فقد انقضت عدّتها (٥).

وفي صحيح محمّد بن مسلم : عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال في التي تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة ، أو ستّة أو سبعة أشهر : إن عدّتها ثلاثة أشهر (٦). وغير ذلك من الأخبار الدالّة على اعتبار سلامة ثلاثة أشهر.

لكن يبقى في ذلك ما أسلفناه من أن الروايات تقتضي اشتراط سلامة الثلاثة بعد الطلاق من الحيض فلو وقع الطلاق في أثناء الطهر بحيث لم يبقَ بعده ثلاثة وإن كان

__________________

(١) مسالك الأفهام ٩ : ٢٣٧ ـ ٢٣٩.

(٢) شرائع الإسلام ٣ : ٢٥.

(٣) الكافي ٦ : ٩٨ / ١ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٨ / ٤٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٤ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٥ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ٥.

(٤) من المصدر ، وفي المخطوط : ( مضت ).

(٥) الكافي ٦ : ١٠٠ / ٩ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٨ / ٤٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٣ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٤ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ٣. وفي الجميع : « إنْ مرّت » بدل : « إنْ مضت ».

(٦) الكافي ٦ : ٩٩ / ٥ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٩ ـ ١٢٠ / ٤١٢ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٣ / ١١٥٠ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٣ ـ ١٨٤ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ١. نقله بالمعنى.

٣٧٢

أصله أكثر ، لا تعتدّ بالأشهر. وعبارات (١) الأصحاب خلاف ذلك من حيث الإطلاق ) (٢) ، انتهى.

الجواب عن إشكال الشهيد الثاني

وأنت خبير بأن هذا الإشكال إن تمّ وروده لم يخلص منه إدخال ما بقي من طهر الطلاق مع زمن الحيض في العدّة ، فإنه على تقدير وروده لا ينجي من انقلاب عدّة هذه إلى الأطهار ، على أن الذي يظهر لي أن هذا الإشكال غير وارد أصلاً ، وأن هذا التحقيق منه في غاية الضعف.

أمّا الأوّل ، فلأن الأخبار وكلام المحقّق (٣) : والعلّامة (٤) : وغيرهما (٥) صريح في أن مَنْ تعتدّ بالشهور صنفان ، كلّ صنف له حكم ؛ ولذا تراهم يفردون كلّ صنفٍ بكلام ومسألة على حدة ، كما يظهر لِمَنْ طالع الأخبار والفتاوى. ولو كانت صنفاً واحداً لما خصّوا من يعتادها الحيض في أكثر من ثلاثة أشهر بالذكر وبحكم على حدة ، ولم تختلف الأخبار في الجواب عنهما ، فجاء في كلّ واحدة منهما جواب على حدة :

أحدهما : مَنْ كانت لا تحيض وهي في سنّ مَنْ تحيض ، وهذه سمّيت في الأخبار بالمسترابة بالحيض ، وحكمها في النصّ (٦) والفتوى (٧) أنها تراعي الأمرين أيّهما سبق بانت به ؛ إمّا ثلاثة أشهر ليس بينها حيض ، أو ثلاث حِيَضٍ. وهذه إن شَرَعت في الاعتداد بالشهور فحاضت قبل كمال ثلاثة أشهر بيض ، صبرت إلى تمام تسعة أشهر

__________________

(١) في المصدر : ( عبارة ) ، بدل : ( عبارات ).

(٢) مسالك الأفهام ٩ : ٢٥٠ ـ ٢٥١.

(٣) شرائع الإسلام ٣ : ٢٤ ـ ٢٥.

(٤) قواعد الأحكام ٢ : ٦٩ ( حجريّ ) ، تحرير الأحكام ٢ : ٧١ ( حجريّ ).

(٥) النهاية ( الطوسي ) : ٥٣٢ ، ٥٣٤.

(٦) الكافي ٦ : ٩٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ / ١٦٠٩ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٨ / ٤٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٤ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٥ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ٥.

(٧) النهاية ( الطوسي ) : ٥٣٢ ـ ٥٣٣ ، شرائع الإسلام ٣ : ٢٤ ، قواعد الأحكام ٢ : ٦٩ ( حجريّ ).

٣٧٣

كما هو الأشهر الأظهر. أو إلى تمام سنة من حين الطلاق ، ثمّ اعتدّت بثلاثة أشهر وإن تخلّلها حيض على الأشهر الأظهر. وقيل : إن تخلّلها حيض فبالأقراء. وهو ضعيف تردّه ظواهر النصوص ، إلّا أن يتمّ لها ثلاثة أقراء في مدّة التربّص ، فتتمّ بها عدّتها ، وهذه هي المسمّاة بالمسترابة بالحمل.

والثانية : قسمان : المستحاضة التي لا تتميّز لها عادة بوجه ، والتي يعتادها الحيض في أكثر من ثلاثة أشهر مرّة. والقسمان فرضهما الاعتداد بالشهور مطلقاً ، ولا عبرة بعروض حيض عادتها في الثلاثة ، ولا ينقلها ذلك إلى الاعتداد بالأقراء ، ولا تزيد في عدّتها عن الثلاثة أشهر ولا لحظة ، كما هو المستفاد من إطلاق النصوص من الأخبار والأصحاب.

والشهيد : رحمه‌الله لمّا لم يلحظ أن هنا صنفين لكلّ حكم يخصّه وأن التي تنقلب عدّتها من الأشهر إلى الأقراء هي الصنف الأوّل عند عروض دم الحيض لها قبل تمام ثلاثة أشهر بيض دون الصنف الثاني ، فإن فرض مَنْ كانت منه الاعتداد بالشهور مطلقاً ، بل أدخل الصنف الثاني في حكم الأوّل ـ [ أورد (١) ] عليه الإشكال. ولو [ لحظ (٢) ] الفرق بينهما لما بقي في نفسه منه شي‌ء ولا فاه به قلمه.

وقد تبيّن لك بحمد الله الفرق بينهما في النصّ والفتوى ، ولو كانا صنفاً واحداً وحكمهما واحداً لورد الإشكال ولزم الحرج الشديد والعسر الشديد في مَنْ تُطلّق من الصنف الثاني ، ولم يسلم لها من طهرها ثلاثة أشهر بيض قبل وقت حيضها ، خصوصاً إذا كانت عادتها في حول فما زاد. وهذا ينافيه عدل الله ورحمته ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٣) و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٤) والشريعة المحمّديّة سهلة سمحة.

وهذا كلّه يهديك إلى الفرق بين حكمي الصنفين ، وأن مَنْ تنقلب عدّتها من

__________________

(١) في المخطوط : ( ورد ).

(٢) في المخطوط : ( تخط ).

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) البقرة : ٢٨٦.

٣٧٤

الشهور إلى الأقراء أو تتربّص إلى أقصى مدّة الحمل فتعتدّ بعدها ، إنما هي التي من الصنف الأوّل. فالعقل والنقل يدلّان على عدم لزوم ما ألزمهم به الشهيد : ، لبطلانه في نفسه ؛ لما يلزم منه من الحرج المنافي للعدل والرحمة ومجرى التكليف على الأضعف الأسهل الأيسر. فيجب أن نفرّق بين حكمي الصنفين ، ويخصّ الانقلاب بالأوّل ، فيرتفع الإشكال.

وأمّا الثاني ، فمن وجوه :

أحدها : أن الإشكال غير وارد على المحقّق وغيره ؛ لعدم إدخالهم الصنف الثاني في حكم الأوّل ، بل أفردوا كلّاً منهما بحكم ، وخصّوا كلّاً منهما ببحث.

الثاني : أنه حكم أوّلاً بأن الضابط أنه متى انقطع حيضها ثلاثة أشهر فصاعداً اعتدّت بالأشهر ، وإطلاقه يقتضي عدم الفرق في اعتدادها بالأشهر بين مَنْ كانت لها عادة في أكثر من ثلاثة أشهر ، أو لم يكن لها عادة ، بل اتّفق أنها لم تحض بعد الطلاق حتّى كمل لها ثلاثة أشهر بيض. وعدم الفرق في مَنْ يعتادها في أكثر من ثلاثة أشهر بين أن تطلّق في أوّل طهرها أو آخره ، بحيث لا يسلم لها بعد الطلاق ثلاثة بيض ، وعدم الفرق في مَنْ يعتادها في أكثر من ثلاثة أشهر بين مَنْ يعتادها لأكثر منها يوماً أو حولاً فصاعداً.

مع أنه قال بعد هذا : إن المعروف من النصّ والفتوى أن مَنْ يعتادها في كلّ سنة مرّة أنها تعتدّ بثلاثة أشهر. وهذا يدلّ على شمول إطلاقه هنا.

ثمّ استدلّ على هذا بإطلاقه بحسنة زرارة : أمران أيّهما سبق (١) إلى آخره ، كما يوضّحه استدلاله بها على قول المحقّق : في المقولة الأُخرى : ( ومَنْ كانت لا تحيض إلّا في خمسة أشهر ) (٢) إلى آخره. فتراه استدلّ بها على حكم الصنفين. وهذه الرواية

__________________

(١) الكافي ٦ : ٩٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ / ١٦٠٩ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٨ / ٤٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٤ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٥ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ٥.

(٢) شرائع الإسلام ٣ : ٢٥.

٣٧٥

لا تصلح دليلاً إلّا على الصنف الأوّل دون الثاني ، ولو فرض شمولها لهما لتدافعت مع الأخبار المذكورة في حكم الصنف الثاني ، ولا تناقض في السنّة. ولم يذكر أحد ذلك ولا تعرّض أحد للجمع بينهما ، وهو دليل على أن أحداً من العصابة لم يفهم الشمول منها لهما ، بل كلّهم فهموا تخصيصها بالدلالة على حكم الصنف الأوّل ؛ وهي المسمّاة بمستريبة الحيض في الخبر نفسه. وهو دليل واضح على اختصاصها بالصنف الأوّل. فإن الثانية ليست تستريب الحيض ، بل هي ذات عادة مستقرّة.

وأنت إذا تأمّلت الخبر لم يخف عليك اختصاصه بحكم الصنف الأوّل ، فلا يصحّ الاستدلال به على غيره ، ولا على أن حكم الصنف الثاني كالأوّل ، بل للثاني حكم على حدة ودليل على حدة ، كما سمعته من الأخبار المذكورة.

الثالث : أن ما ألزمهم به من اعتداد مَنْ يعتادها لأكثر من ثلاثة أشهر بالأقراء إذا طلّقت ، بحيث لا يسلم لها بعده ثلاثة بيض ولو كانت عادتها في سنين ، غير لازم ؛ لما عرفت من اختصاص كلّ منهما بحكم ، وأن هذه تعتدّ بالشهور على كلّ حال ، كما اعترف به هو ؛ لأن هذه غير داخلة في القاعدة التي أشار لها في حكم الصنف الأوّل. بل حاصل إشكاله وإلزامه أنهم غفلوا عمّا لا يغفل عنه ذو حجا ، وهم أجلّ من ذلك ؛ لأنهم أرباب الأفئدة والقلوب المستنيرة بشعاع نور المعصوم ، مع ما اعترف به من منافاة ذلك لما قالوه في أطول عدّة تفرض ، ولإطلاقاتهم في الصنف الثاني ، كالأخبار التي هي منهم بمرأى ومسمع ، وهم المستوضحون. وكيف يظنّ بهم أنهم غفلوا عمّا يلزمهم من الإشكال والمحال الذي لا مخلص منه لو لم يفرّقوا بين حكمي الصنفين ، مع شدّة وضوح الأمر؟!

الرابع : ظاهر قوله : ( ولو قيل بالاكتفاء بثلاثة أشهر إمّا مطلقاً أو بيضاً هنا ) (١) إلى آخره أنه لا قائل بشي‌ء منهما ، مع أنك قد عرفت أن النصّ والفتوى ظاهران في أن هذه تعتدّ بثلاثة أشهر مطلقاً ، كما اعترف به هو ، مع أنه بعد هذا بلا فصل نقل

__________________

(١) مسالك الأفهام ٩ : ٢٣٩.

٣٧٦

القول بذلك عن المحقّق : والعلّامة : في التي لا تحيض إلّا في كلّ خمسة أشهر ، وقال : ( لا وجه للتخصيص بالخمسة أو الستّة ) (١) إلى آخره ، بل نقل عن ( التحرير ) (٢) كما سمعت التصريح بعدم اعتبار ما يعرض لها حينئذٍ من دم العادة في الثلاثة ، بل ظاهره الميل إليه ، حيث ذكر صحيحة محمّد بن مسلم : وقال : ( إنها تؤيّد ما ذكرناه ) (٣).

الخامس : أنه قال في شرح قول المحقّق : في الصنف الثاني : ( ولو كانت لا تحيض إلّا في كلّ ستّة أشهر أو خمسة أشهر اعتدّت بالأشهر ) (٤) ـ : ( هكذا اتّفقت عبارة المصنّف وجماعة من الأصحاب ) (٥). وهو اعتراف منه بقولهم باعتدادها بالأشهر مطلقاً ، وهو منافٍ لظاهر عبارته الاولى المشعرة بعدم القائل به. ثمّ استدلّ على صحّة ذلك برواية زرارة : عن الباقر عليه‌السلام : أمران أيّهما سبق (٦) إلى آخره ، وبروايته الأُخرى عن أحدهما عليهما‌السلام أيّ الأمرين سبق إليها (٧) إلى آخره.

وقد عرفت أن مورد الخبرين إنما هو الصنف الأوّل وليس فيهما تعرّض للصنف الثاني وهي التي تعتدّ بالشهور على كلّ حال بوجه أصلاً ، وهو لمّا توهّم أنهما صنف واحد وحكمهما واحد استدلّ عليه بهذين الخبرين ، ولم يلتفت إلى أن المحقّق : أفرد كلّ صنف بكلام وحكم ، ولو كانا عنده بحكم واحد لكان في كلامه وكلام أضرابه تكرار لا لفائدة.

السادس : أنه استدلّ على مضمون هذا المتن بخبري زرارة : وفيه ما سمعت ـ وبصحيح محمّد بن مسلم : عن أحدهما عليهما‌السلام في التي تحيض في كلّ ثلاثة

__________________

(١) مسالك الأفهام ٩ : ٢٥٠.

(٢) تحرير الأحكام ٢ : ٧١ ( حجريّ ).

(٣) مسالك الأفهام ٩ : ٢٣٩.

(٤) شرائع الإسلام ٣ : ٢٥.

(٥) مسالك الأفهام ٩ : ٢٥٠.

(٦) الكافي ٦ : ٩٨ / ١ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٨ / ٤٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٤ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٥ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ٥.

(٧) الكافي ٦ : ١٠٠ / ٩ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٨ / ٤٠٨ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٣ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٤ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ٣.

٣٧٧

أشهر مرّة أو ستّة أو سبعة .. إلى آخره. والاستدلال بهذا على مضمون المتن من أن مَنْ كانت كذلك فعدّتها ثلاثة أشهر على الإطلاق ، حسن مطابق ، لكنّه غير خفي عدم تطابق الخبرين في الدلالة والمورد ، بل كلّ واحد له متعلّق ودلالة تغاير الآخر.

فخبرا زرارة : في الصنف الأوّل ، وهو المذكور في كلام المحقّق : في المقولة الاولى ، وصحيح ابن مسلم : مورده الصنف الثاني ، وهو المذكور في كلامه في المقولة الأُخرى ، والشارح لمّا توهّم دخول الصنف الثاني في حكم الأوّل استدلّ بالجميع هنا وبخبر زرارة في الصنفين معاً ، وورد عليه الإشكال ، وإلزامهم بالقول بما ينفيه العقل والنقل من الكتاب والسنّة والإجماع وإطلاقاتهم وحصرهم أطول العدد.

السابع : قوله : ( إن الأخبار دلّت على اعتبار سلامة ثلاثة أشهر بعد الطلاق من الحيض ) (١). إن أراد أنه كذلك في الصنفين كما هو ظاهر كلامه في شرح المقولتين فممنوع كما عرفت ، وإن أراد أنها تدلّ على ذلك بالنسبة إلى الصنف الأوّل المذكور حكمه في المقولة الأُولى دون الصنف الثاني المذكور حكمه في المقولة الثانية ، فمسلّم ، لكن عليه لا يبقى إشكال ؛ لأنه إنما نشأ من عدم الفرق بين حكمي الصنفين.

وإذ قد تبيّن الفرق في النصّ والفتوى ، واختصاص الصنف الثاني بأنها تعتدّ بثلاثة أشهر خاصّة على كلّ حال ، فلا إشكال ، وقد اعترف هو رحمه‌الله أن عبارات الأصحاب تأبى إجراء حكم الصنف الأوّل على الثاني ، وإدخال الثاني تحت حكم الأوّل.

وبالجملة ، فهذا البحث منه رحمه‌الله غير محقّق ولا منقّح ، بل مضطرب متدافع متناقض ، ومنشأ الاضطراب عدم التفاته إلى الفرق بين الصنفين فتوًى ودليلاً حال الكتابة. وكلامه في ( الروضة ) (٢) كما هنا مبنيّ على خلطهما حكماً ، وقد تبعه في فتواه في ( الروضة ) بعض أئمّة المعاصرين في شرح ( النافع ) (٣) ، والمعصوم مَنْ عصمه الله.

__________________

(١) مسالك الأفهام ٩ : ٢٥١ ، باختلاف.

(٢) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ٦ : ٥٨ ـ ٥٩.

(٣) رياض المسائل ٧ : ٣٦١ ـ ٣٦٤.

٣٧٨

إشكالات وردود

فإن قلت : نقل العلّامة : في ( المختلف ) (١) عن الشيخ : في ( النهاية ) (٢) أنه قال : ( متى كانت المرأة لها عادة في الحيض في حال الاستقامة ، ثمّ اضطربت عليها فصارت مثلاً بعد أن كانت تحيض في كلّ شهر لا تحيض إلّا في شهرين ، أو ثلاثة أو ما زاد عليها ، فلتعتدّ بالأقراء على ما جرت به عادتها في حال الاستقامة وقد بانت منه ).

وظاهر هذه العبارة يقتضي أن مَنْ كانت لها عادة في الحيض فإن فرضها الاعتداد بالأقراء مطلقاً وإن كان قرؤها عشر سنين فأكثر.

قلت : لا يريد الشيخ ذلك قطعاً ؛ لمنافاته لفتاواه في جميع كتبه ، بل وللعقل والإجماع في كلّ زمان ومكان ، وللنقل كتاباً وسنّة ، ولعلّ مراده بقوله : ( أو ما زاد عليها ) ، أو ما زاد على ذات العادة المستقيمة من الزمان في العادة المتجدّدة لها ما لم تزد عادتها على ثلاثة أشهر ، فانْ زادت عادتها على ثلاثة أشهر اعتدّت بالشهور ، كما صرّح به ورواه في سائر كتبه (٣) المتأخّرة عن ( النهاية ).

بقي في عبارته أن ظاهرها أيضاً أن مَنْ كانت لها عادة في كلّ شهر فصارت في كلّ شهرين أو ثلاثة فإنها تعتدّ بمثل قرئها الذي كان في كلّ شهر ، وتترك الاعتبار بالعادة المتجدّدة.

قلت : إن معنى كلامه أن ذات العادة المتجدّدة في كلّ شهرين أو ثلاثة بعد أن كانت ذات عادة في كلّ شهر أنها تعتدّ بالأقراء المتجدّدة ، كما كانت تعتدّ بالأقراء الأُول قبل تغيّرها ، فكما أن عادتها الاعتداد بالأقراء حال الاستقامة كذلك تعتدّ بالأقراء حال تغيّر عادتها كذلك. وهذا معنًى ظاهر في عبارته ، فلا إشكال فيها.

__________________

(١) مختلف الشيعة ٧ : ٤٨٥.

(٢) النهاية ( الطوسي ) : ٥٣٣ ـ ٥٣٤ ، باختلافٍ يسير.

(٣) الخلاف : ٥ : ٥٧ / المسألة : ٥ ، المبسوط ٥ : ٢٣٧.

٣٧٩

وقال ابن إدريس : على ما نقله في ( المختلف ) (١) ، بعد نقله هذه العبارة ـ : ( وقول شيخنا في ( النهاية ) : ( فلتعتدّ بالأقراء على ما جرت به عادتها حال الاستقامة ) (٢) ، إن أراد بذلك في الشهر والشهرين والثلاثة من غير تجاوز الثلاثة الأشهر ، ولم يصر ذلك عادة لها ، بل هي عارفة بعادتها الاولى ، فلتعتدّ بما قال من عادتها الاولى في حال استقامة أقرائها. وإن أراد أن العادة الاولى اضطربت عليها واختلفت ، وصارت ناسية لأوقاتها وأيّامها غير عالمة بها ، ثمّ صار حيضها في الشهرين والثلاثة عادة لها ثابتة مستقرّة (٣) ، توالت عليها شهران متتابعان ، ترى الدم [ فيهما (٤) ] أيّاماً سواء في أوقات سواء ؛ فلتجعل ذلك عادة لها ، ولتعتدّ بذلك لا بالعادة الأُولى التي نسيتها واضطربت عليها.

وأمّا ما زاد على الثلاثة الأشهر ، وصارت لا ترى الدم إلّا بعد ثلاثة أشهر ، فإن هذه تعتدّ بالثلاثة الأشهر (٥) البيض بغير خلاف ؛ لقوله عليه‌السلام أمران أيّهما سبق بانت به (٦) ، وكان ذلك عدّة لها ، وقد سبقت الثلاثة الأشهر البيض قال ـ : هذا تحرير الحديث وفقهه ) (٧).

قال العلّامة بعد أن نقل العبارتين ـ : ( وقول الشيخ : وتأويل ابن إدريس : مشكلان ، والمعتمد أنه إذا صارت عادتها في الحيض في كلّ شهرين أو ثلاثة تعتدّ بالعادة المتجدّدة لا السابقة ، وإن اضطربت عادتها تعتدّ بثلاثة أقراء كيف كان ما لم تمضِ ثلاثة أشهر بيض ، فإنها حينئذٍ تخرج من العدّة.

__________________

(١) مختلف الشيعة ٧ : ٤٨٥ ـ ٤٨٦ / المسألة : ١٢٧.

(٢) النهاية ( الطوسي ) : ٥٣٣ ـ ٥٣٤.

(٣) في المصدر : ( مستمرة ) بدل : ( مستقرّة ).

(٤) من المصدر ، وفي المخطوط : ( فيها ).

(٥) في المصدر : ( بالأشهر الثلاثة ) بدل : ( بالثلاثة الأشهر ).

(٦) الكافي ٦ : ٩٨ / ١ ، تهذيب الأحكام ٨ : ١١٨ / ٤٠٩ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٤ / ١١٥٤ ، وسائل الشيعة ٢٢ : ١٨٥ ، أبواب العدد ، ب ٤ ، ح ٥.

(٧) السرائر ٢ : ٧٤٢.

٣٨٠