رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

والسلام عليكم ورحمة الله ) (١). وجه الدلالة : أن الأصلَ في فعل المعصوم المقصود به القربة الوجوبُ ، خصوصاً في الصلاة.

الخامس عشر : ورود الأمر به في أخبار كثيرة ، والأمر للوجوب.

منها : صحيح الحلبي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت [ أم ] (٢) خمساً ، أَمْ نقصت أَمْ زدت ، فتشهّد وسلم (٣) الخبر.

ومنها : صحيح سليمان بن خالد : سألتُ أبا عبد الله عليه‌السلام : عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأُوليين ، فقال إنْ ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتّى يركع فليتمَّ الصلاة ، حتّى إذا فرغ فليسلِّم (٤) الخبر.

وصحيح ابن أبي يعفور : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن رجل صلّى الركعتين من المكتوبة ، [ فلا (٥) ] يجلس فيها حتّى يركع ، فقال يتمّ صلاته ، ثمّ يسلّم (٦) الخبر.

وصحيح محمّد بن مسلم : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن رجل صلّى ركعتين ولا يدري ركعتين هي أو أربع قال يسلّم ، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين (٧) الخبر.

وصحيح عبد الله الحلبي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد ، فقال يسلّم مَن خلفه ، ويمضي في حاجته إن أحبَّ (٨).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٧ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٩ ، أبواب التسليم ، ب ٢ ، ح ٢.

(٢) في المخطوط : ( أو ) ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ١٩٦ / ٧٧٢ ، الإستبصار ١ : ٣٨٠ / ١٤٤١ ، وسائل الشيعة ٨ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٤ ، ح ٤.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ١٥٨ / ٦١٨ ، الإستبصار ١ : ٣٦٢ / ١٣٧٤ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٠٢ ، أبواب التشهّد ، ب ٧ ، ح ٣.

(٥) من المصدر ، وفي المخطوط : ( فلم ).

(٦) تهذيب الأحكام ٢ : ١٥٨ / ٦٢٠ ، الإستبصار ١ : ٣٦٣ / ١٣٧٥ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٠٢ ، أبواب التشهّد ، ب ٧ ، ح ٤.

(٧) تهذيب الأحكام ٢ : ١٨٥ / ٧٣٧ ، الإستبصار ١ : ٣٧٢ / ١٤١٤ ، وسائل الشيعة ٨ : ٢٢١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١١ ، ح ٦.

(٨) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٩.

٢١

وحسنة ابن أبي عمير : عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل صلّى فلم يدرِ اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ قال يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم (١) الخبر.

وحسنة زرارة : عن أبي جعفر عليه‌السلام : في حديث طويل قال فيه وإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب ، فقم فصلِّ المغرب ، وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو ثلاثاً فانوها المغرب ثمّ سلّم (٢) الخبر.

وحَسَن زرارة : عن أحدهما عليهما‌السلام ، قلت له : رجل لا يدري أواحدة صلّى أم اثنتين؟ قال يعيد ، قلت : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ، ثمّ صلّى الأُخرى ولا شي‌ء عليه ، ويسلّم (٣).

وموثّقة أبي بصير : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم ركعتين ، فقم واركع ركعتين ، ثمّ سلّم واسجد سجدتين وأنت جالس ، ثم تسلّم بعدهما (٤).

وموثّقة عمّار بن موسى : سألتُ أبا عبد الله عليه‌السلام : عن رجل صلّى [ ثلاث ] (٥) ركعات وهو يظن أنها أربع قال يبني على صلاته متى ما ذكر ، ويصلّي ركعة ويتشهّد ويسلّم (٦) الخبر.

ومنها : ما في ( المعتبر ) نقلاً من جامع البزنطي : عن عبد الكريم : عن أبي بصير : قال

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٣ / ٦ ، التهذيب ٢ : ١٨٧ / ٧٤٢ ، وسائل الشيعة ٨ : ٢٢٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٣ ، ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩١ ـ ٢٩٢ / ١ ، تهذيب الأحكام ٣ : ١٥٨ ـ ١٥٩ / ٣٤٠ ، وسائل الشيعة ٤ : ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، أبواب المواقيت ، ب ٦٣ ، ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٠ / ٣ ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٩٢ / ٧٥٩ ، وسائل الشيعة ٨ : ١٨٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١ ، ح ٦ ، وأيضاً ٨ : ٢١٤ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٩ ، ح ١.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ١٨٥ / ٧٣٨ ، وسائل الشيعة ٨ : ٢٢١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١١ ، ح ٨.

(٥) من المصدر.

(٦) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٥٣ ـ ٣٥٤ / ١٤٦٦ ، وسائل الشيعة ٨ : ٢٠٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣ ، ح ١٤.

٢٢

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا كنت وحدك فسلّم تسليمةً واحدةً عن يمينك (١).

وما في ( البحار ) نقلاً من ( المعتبر ) ، و ( المنتهى ) ، و ( التذكرة ) ، نقلاً من جامع البزنطي عن عبد الله بن أبي يعفور : سألت أبا عبد الله : عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة قال يقول : السلام عليكم (٢).

وفيه نقلاً من ( دعائم الإسلام ) عن جعفر بن محمَّد عليهما‌السلام : قال فإذا قضيت التشهّد فسلّم عن يمينك وعن شمالك ، تقول : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله (٣).

وبالجملة ، فالأخبار الآمرة بالتسليم آخر الصلاة أكثر من أن أُحصيها ، ومدلولُ الأمر الوجوبُ ، فيحتاج القائلُ بالاستحباب إلى دليلٍ يقاومُها ، ولا دليل.

السادس عشر : ما رواه الصدوق : في ( العلل ) بسنده عن المفضّل بن عمر : سألتُ أبا عبد الله عليه‌السلام : عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة قال لأنه تحليل للصلاة الخبر.

إلى أن قال : قلت : فَلِمَ صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنه تحيّة المَلَكَينِ ، وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة للعبد من النار (٤) الخبر.

وفيه من الدلالة ما لا يخفى ، بل ظاهره أن المعروف بين أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام هو الوجوب ، حيث وقع السؤال عن علّة وجوب التسليم.

السابع عشر : ما رواه الصدوق : في ( معاني الأخبار ) بسنده عن عبد الله بن الفضل الهاشميّ : قال : سألتُ أبا عبد الله عليه‌السلام : عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال التسليم علامة الأمن ، وتحليل للصلاة ، قلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم واردٌ أمِنُوا شرَّهُ ، وكانوا إذا ردّوا عليه أمِنَ شرَّهم ، وإن لم يسلّم لم يأمنوه ، وإن لم

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٢٣٧.

(٢) بحار الأنوار ٨٢ : ٣٠٢ / ٤ ، المعتبر ٢ : ٢٣٦ ، منتهى المطلب ١ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ، تذكرة الفقهاء ٣ : ٢٤٦.

(٣) بحار الأنوار ٨٢ : ٣٠٨ / ١٤ ، دعائم الإسلام ١ : ٢١٥.

(٤) علل الشرائع ٢ : ٥٧ ـ ٥٨ / ١.

٢٣

يردّوا على المُسَلِّم لم يأمنهم ، وذلك خُلُقٌ في العرب ، فجعل التسليم [ علامة (١) ] للخروج من الصلاة ، وتحليلاً للكلام ، وأمناً مِنْ أنْ يدخل في الصلاة ما يفسدها (٢).

وجه الدلالة فيه من ثلاثة أوجه :

أحدها : نصّه أنه تحليل الصلاة ، وقد مضى وجه دلالته.

الثاني : أنه دلّ على أنه إذا وقع قبله شي‌ء من مفسدات الصلاة بطلت ، وبعده لا تبطل.

الثالث : ما قرّره فاضل ( المناهج ) : بعد أن أورد هذه الرواية ، ورواية علل الصدوق : المتقدّمة (٣) ، وما رواه الفضل بن شاذان : من ( العلل ) ، حيث قال فإنْ قال : فلِمَ جعل التسليم تحليلَ الصلاة ولم يجعل بدله تكبيراً أو تسبيحاً أو ضرباً آخر؟ قيل : لأنه لمّا كان في الدخول في الصلاة تحريمُ الكلام للمخلوقين والتوجّه إلى الخالق ، كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها ، وابتداء المخلوقين بالكلام إنما هو بالتسليم (٤).

قال رحمه‌الله : ( وجه دلالة الروايات مع تصريح رواية المفضّل بالوجوب ، أنها دلّت صريحاً على أن التسليم علّة لانحلال الصلاة والخروج منها وحليّة ما ينافيها ، والمعلولُ عدمٌ عند عدم علّتهِ ، الّا أن يتيقّن أنه يخلف بدلها علّة أُخرى ، لكن لا يتيقّن هنا ، فتعيّن ألّا يتحقّق الخروج من الصلاة إلّا به ) ، انتهى.

وهو حسن ، لكن دلالة خبر علل الفضل على العلّية فيه تأمّل.

الثامن عشر : صحيح زرارة : ومحمّد بن مسلم : ، قالا : قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل صلّى في السفر أربعاً أيُعيدُ؟ قال إن كان قُرئتْ عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعاً أعادَ ، وإن لم يكن قُرِئتْ عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه (٥).

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : ( علّة ).

(٢) معاني الأخبار : ١٧٥ ـ ١٧٦ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٨ ، أبواب التسليم ، ب ١ ، ح ١٣.

(٣) علل الشرائع ٢ : ٥٧ / ١ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٧ ـ ٤١٨ ، أبواب التسليم ، ب ١ ، ح ١١.

(٤) علل الشرائع ١ : ٣٠٥ / ٩ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٧ ، أبواب التسليم ، ب ١ ، ح ١٠.

(٥) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٢٦ / ٥٧١ ، وسائل الشيعة ٨ : ٥٠٦ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ١٧ ، ح ٤.

٢٤

وهذا الخبر هو عمدة العصابة في صحّة صلاة المسافر تماماً إذا كان جاهلاً بحكم التقصير ، ولو كان التسليم مندوباً لَمَا بطلت صلاة العالِم بالتقصير لو أتمّ ؛ لوقوع الزيادة خارج الصلاة.

التاسع عشر : موثّق أبي بصير : قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام : يقول في رجل صلّى الصبح ، فلمّا جلس في الركعتين قبل أن يتشهّد رعف قال فليخرج فليغسل أنفه ، ثمّ ليرجع فليتمّ صلاته ، فإنّ آخر الصلاة التسليم (١).

العشرون : ظاهرُ النصّ (٢) والفتوى (٣) بلا معارض عدمُ مشروعيّة صلاة الاحتياط قبل التسليم ، ولو كان مندوباً لشرع قبله ، ولا دليل على مشروعيّته قبله.

الحادي والعشرون : الظاهرُ أيضاً من النصّ (٤) والفتوى (٥) عدمُ مشروعيّة سجدتي السهو قبل التسليم ، وأن فعلهما قبله إنما هو مذهب العامّة (٦) ، ولو كان مستحبّاً لَشَرعتا قبله بلا نكير ، وليس كذلك.

الثاني والعشرون : يلزم القولَ بالاستحباب ؛ إمّا موافقةُ أبي حنيفة : في القول بجواز الخروج من الصلاة بكلّ مُنَافٍ (٧) ، أو القولُ بتعيّن الخروج بآخِرِ واجبٍ منها ، ولا قائل بشي‌ء منهما ، ولا دليل عليه ، بل الإجماع قائم على نفيهما وعلى وجوب الخروج منها كما قام على وجوب الدخول فيها ، فتعيّن القول بوجوب التسليم وانحصار المُخْرِجِ فيه.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٢٠ / ١٣٠٧ ، الإستبصار ١ : ٣٤٥ / ١٣٠٢ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٦ ، أبواب التسليم ، ب ١ ، ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٤ ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٨٦ / ٧٣٩.

(٣) المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ١٤٦ ، النهاية : ٩٠ ـ ٩١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩٤ ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٩٥ / ٧٦٨ ، الإستبصار ١ : ٣٨٠ / ١٤٣٨ ، وسائل الشيعة ٨ : ٢٠٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٥ ، ح ٣.

(٥) رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٣٧ ، المبسوط ١ : ١٢٥.

(٦) المغني ٢ : ٢٢ ـ ٢٣ ، عمدة القارئ ٧ : ٣٠١.

(٧) المجموع شرح المهذّب ٣ : ٤٦٢.

٢٥

الثالث والعشرون : استقرّ المذهب بلا خلاف يُعْلمُ ودلّت الأخبار على عدم مشروعيّة قضاء السجدة المنسيّة والتشهّد المنسيّ قبل التسليم (١) ، ويلزمه وجوبُه ؛ إذ لو كان مندوباً لشرع ذلك قبله.

الرابع والعشرون : موثّقة عمّار بن موسى : سألتُ أبا عبد الله عليه‌السلام : عن التسليم ما هو؟ فقال إذنٌ (٢).

قال الشيخ بهاء الدين : ( فإن حكمه عليه‌السلام بأن التسليمَ إذْنٌ يعطي بظاهره عدم جواز الخروج من الصلاة بدون الإذْنِ ) (٣).

قلت : ويعطي أيضاً بظاهره أنه بوقوعه تتحقّق الرخصة في العمل المنافي ، وبه يتحقّق انقطاع القدوة من المأموم ، وأنه به أُذِنَ للمأموم في مفارقة الإمام.

وقد أطال البهائي رحمه‌الله : في الاستدلال للقول بالوجوب ، ولننقل ملخّصاً من عبارته لحسنه وكلّ بحثه هنا حسن قال رحمه‌الله : ( والذي يظهر لي أن القولَ بالوجوب أقربُ. لنا : ما تضمّنه الحديث الثالث يعني : صحيح زرارة : وابن مسلم (٤) : من إعادة المسافر إذا صلّى أربعاً ، ومعلوم أن ذلك للزيادة في الصلاة ، ولو كان التسليم مستحبّاً لانقطعت بإتمام التشهّد فلم يحصل الزيادة فيها ، والحملُ على ما إذا نوى الأربع ابتداءً فالفسادُ سابقٌ لا لاحقٌ بعيدٌ مخالفٌ لإطلاق الحديث ، فإن منعوا انقطاع الصلاة ركوناً إلى أن التسليم من أجزائها المستحبّة نقضوا ما هو عمدتهم في الاستدلال على استحبابه ، أعني : ما تضمّنه الحديث العاشر من صحّة صلاة من أحدث قبل التسليم ، فكفونا مؤنة الكلام فيه ) (٥).

ثمّ أخذ يستدلّ بالأخبار الآمرة بالتسليم وبأخبار صلاة الخوف ، فإن وقوع

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٧ / ٨ ، تهذيب الأحكام ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٩ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٠٦ ، أبواب التشهّد ، ب ٩ ، ح ٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٦ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٦ ، أبواب التسليم ، ب ١ ، ح ٧.

(٣) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٥ ( حجريّ ).

(٤) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٢٦ / ٥٧١ ، وسائل الشيعة ٨ : ٥٠٦ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ١٧ ، ح ٤.

(٥) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٥ ( حجريّ ).

٢٦

التسليم فيها مع ضيق الحال والاضطرار ـ [ راجع ] إلى مراعاة التخفيف بترك بعض الواجبات التي يسوغ تركها للضرورة كالسورة ، فضلاً عن المندوبات.

قال رحمه‌الله : ( ولنا أيضاً ما تضمّنه الحديث [ السادس (١) ] والسابع والثامن والتاسع ، فإن الخبر فيها بمعنى الأمر ، ودلالة الثامن أبلغ ، فإن أمرَهُم بالتسليم في ذلك الوقت يعني : وقت الحرب ومناجزة العدو المناسب للتخفيف ظاهرٌ في المراد ).

إلى أن قال : ( وفي الحديث الخامس والعشرين يعني موثّقة أبي بصير : السابقة (٢) دلالة على الجزئيّة ، فإن قالوا بها لزم نقض الحديث العاشر ، كما قلناه في الثالث ). يعني بالعاشر الخبر الدالّ على صحّة صلاة من أحدث قبل التسليم (٣) ، فإن الجزئيّة تنافي الصحّة حينئذٍ.

ثمّ قال رحمه‌الله : ( ولنا أيضاً ما رواه الشيخ : وابن بابويه : والمرتضى : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (٤) ، وقد وقع التسليم خبراً عن التحليل ، والخبر ؛ إمّا مساوٍ للمبتدإ ، أو أعمّ منه ، فلو حصل التحليل بغير التسليم للزم الإخبار بالأخصّ عن الأعمّ ، على أن المصدر المضاف يفيد العموم ، فيستفاد من الخبر أن كلّ محلّلٍ تسليمٌ.

وأُورِدَ عليه أنه خبر مرسل فلا يجوز التعويل عليه في إثبات الأحكام الشرعيّة.

وذبّ عنه العلّامة : في ( المنتهى ) (٥) بأن الأُمّة تلقّته بالقبول ونقله الخاصّ والعامّ ، وما هو بهذه المثابة من الشهرة قد تحذف رواته اعتماداً على شهرته ، وهؤلاء

__________________

(١) من المصدر ، وفي المخطوط : ( الثالث ).

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٢٠ / ١٣٠٧ ، الإستبصار ١ : ٣٤٥ / ١٣٠٢ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٦ ، أبواب التسليم ، ب ١ ، ح ٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٢٠ / ١٣٠٦ ، الإستبصار ١ : ٣٤٥ / ١٣٠١ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٢٤ ، أبواب التسليم ، ب ٣ ، ح ٢.

(٤) الخلاف ١ : ٣٧٧ / المسألة : ١٣٤ ، الفقيه ١ : ٢٣ / ٦٨ ، الناصريّات : ٢١١ / المسألة : ٨٢.

(٥) منتهى المطلب ١ : ٢٩٥.

٢٧

المشايخ الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ، ولو لا علمهم بصحّته لما أرسلوه وحكموا بأنه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله. هذا ملخّص كلامه.

وقد يؤيّد أيضاً بأن مذهب السيّد في العمل بأخبار الآحاد معروف ، فلو لم يكن اشتهار هذا الحديث في زمنه بالغاً حدّا يخرجه عن تلك المرتبة لم يحسن تعويله عليه ، فتأمّل.

ولنا أيضاً مواظبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : على الخروج به من الصلاة ، بحيث لم ينقل إلينا خروجه بغيره أصلاً ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّوا كما رأيتموني أُصلّي (١) ، ومواظبة أئمّتنا سلام الله عليهم عليه ، فقد قال الصادق عليه‌السلام : بعد الإتيان به يا حمّاد : ، هكذا صلِّ (٢) ، خرج ما عداه ممّا علم استحبابه بدليل خاصّ ، فبقي الباقي.

وكذا مواظبة السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم ، حتّى ادّعى بعض علمائنا : ( إن قول سلف الأُمّة السلام عليكم عقيب الصلاة داخل في ضروريّات الدين ) (٣).

ولنا أيضاً أحاديث متكثّرة سوى ما مرّ متضمّنة للأمر بالسلام ، وبعضها لا يخلو من اعتبار ، كما رواه أبو بكر الحضرمي : قال : قلت له : أُصلّي بقوم ، فقال سلّم واحدة ولا تلتفت ، قل : السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم (٤) ) (٥). ثمّ ذكر جملة من الأخبار الآمرة بالتسليم ، مثل خبر الحسين بن أبي العلاء (٦) : ، وخبر ابن أبي يعفور (٧) : ، وخبر عبد الرحمن بن سيّابة : وأبي العباس (٨).

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ١٩٧ ـ ١٩٨ / ٨ ، مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٥٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣١١ ـ ٣١٢ / ٨ ، الأمالي ( الصدوق ) : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ / ١٣ ، تهذيب الأحكام ٢ : ٨١ ـ ٨٢ / ٣٠١ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٦١ ، أبواب أفعال الصلاة ، ب ١ ، ح ٢.

(٣) الذكرى : ٢٠٨ ( حجريّ ).

(٤) تهذيب الأحكام ٣ : ٤٨ / ١٦٨.

(٥) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ( حجريّ ).

(٦) تهذيب الأحكام ٢ : ١٥٩ / ٦٢٣ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤٠٣ ، أبواب التشهّد ، ب ٧ ، ح ٥.

(٧) تهذيب الأحكام ٢ : ١٥٦ / ٦٠٩ ، الإستبصار ١ : ٣٦٠ / ١٣٦٦ ، وسائل الشيعة ٦ : ٣٧٠ ، أبواب السجود ، ب ١٦ ، ح ١.

(٨) الكافي ٣ : ٣٥٣ / ٧ ، وسائل الشيعة ٨ : ٢١١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٧ ، ح ١.

٢٨

ثمّ قال رحمه‌الله : ( والروايات في هذا الباب كثيرة جدّاً ، وقد يستدلّ أيضاً بأن شيئاً من التسليم واجبٌ ، ولا شي‌ءَ من التسليم في غير الصلاة بواجبٍ ، فشي‌ءٌ منه واجب في الصلاة.

أمّا الصغرى فلقوله تعالى : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) ، وأمّا الكبرى فبالإجماع.

وهذا الدليل ممّا أورده العلّامة (٢) : وغيره ، وهو مشهور على ألسنة القائلين بوجوب التسليم ) (٣) ، انتهى كلامه ، زِيدَ عُلاه وإعظامه.

واستدلّ في ( الذكرى ) بجملة من الأخبار المذكورة ، وبما روي عن ابن مسعود : قال : ( ما نسيت من الأشياء فلم أنسَ تسليم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في الصلاة عن يمينه وشماله السلام عليكم ورحمة الله ). وبما روت عائشة أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : كانت له في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه.

وممّا استدل به أيضاً بعد هذا ما قال : ( ويستدلّ على أصحابنا بأنه قد ثبت بلا خلاف وجوب الخروج من الصلاة كما ثبت وجوب الدخول فيها ، فإن لم يقف الخروج منها على السلام دون غيره جاز أن يخرج بغيره من الأفعال المنافية للصلاة كما يقول أبو حنيفة : ، وأصحابنا لا يجيزون ذلك ، فثبت وجوب التسليم ) (٤).

وهذا قد مضى نقله ، وإنما أعدناهُ لربط ما بعده به ، وهذا في غاية القوّة ، رفع الله درجاته.

واستدلّ أيضاً بعدّة وجوه : كملازمة أهل بيت النبوّة صلوات الله عليهم عليه وكذا الصحابة ، وجملة السلف ، وبجملة من الأخبار.

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٢٩٥.

(٣) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٦ ( حجريّ ).

(٤) الذكرى : ٢٠٥ ( حجريّ ).

٢٩
٣٠

القول بالاستحباب وردّه

وأجاب القائلون بالاستحباب عن الاستدلال بـ : ( أن شيئاً من التسليم واجب ) (١) إلى آخره. بأن ظاهر الآية (٢) أن المراد منه التسليم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، وهو ليس بواجبٍ عيناً لا في الصلاة ، ولا في غيرها بالإجماع. كذا قال فاضل ( المناهج ).

والجوابُ ما مرّ إن كان المستند في هذا للرواية ، وإن كان لمجرّد دعوى الظاهريّة منعنا أنه ظاهرها ، ولو سلّم فالجواب عنه ما أفاده فاضل ( المناهج ): ، حيث قال رحمه‌الله تعالى ، بعد أن ذكر هذا الجواب ـ : ( ولا يخفى ما فيه ، فإنه لا يضرّ المستدلّ ، فإنه يقول : لمّا كان ظاهر الأمر الوجوب لزم الحمل عليه ما لم يدلّ على إرادة غيره منه دليلٌ ، فلا بدّ مِنْ ألّا يحمل على السلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ؛ لئلّا يلزم وجوبُه الذي اعترفتم بالإجماع على نفيه ).

وهو جليل جميل ، لكنّه قال رحمه‌الله بعد هذا : ( بل الجواب أنا لا نسلّم أن المراد التلفّظ بلفظ السلام ، بل الاستسلام له ، والانقياد إليه ، وإطاعته فيما يأمر وينهى. وقد روى أبو بصير : عن الصادق صلوات الله عليه ـ : إنّ المراد به التسليم للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : في الأُمور (٣) ، أو لا نسلّم أنه لا شي‌ء منه بواجب في غير الصلاة ، ولِمَ لا يجوز أن يكون قد كان واجباً في حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن كان مرّة واحدة؟! ) انتهى.

أقول : سياق الآية وعطفه على ( صَلُّوا عَلَيْهِ ) (٤) المرادُ به التلفّظ بالنصّ (٥)

__________________

(١) الحبل المتين : ٢٥٦.

(٢) الأحزاب : ٥٦.

(٣) بحار الأنوار ٢ : ٢٠٠ / ٦٤ ، بتفاوت.

(٤) الأحزاب : ٥٦.

(٥) ثواب الأعمال : ١٨٧ / ١.

٣١

والإجماع يقتضي إرادة التلفّظ بلفظه كالمعطوف عليه بلا شكّ ولا غبار عليه ، وما ورد من تفسيرها (١) بالتسليم له والانقياد أمراً ونهياً لا ينافي الظاهر من الآية.

فالقرآن الكريم له بطون إلى سبعين بطناً ، وتأويل وتنزيل ، وظاهر وباطن ، وله تخوم ، ولتخومه تخوم ، وكلّ بطن يختصّ التكليف به برتبة من رتب الوجود لا يجوز تكليف ما دونها به ، فإنه لا يجوز أن يكلّف مَنْ في الدرجة الأُولى مِنْ دُرَج الإيمان بتكاليف مَنْ هو في الدرجة الثانية ، وهكذا صعوداً ، فإنه يستلزم ألّا يتحقّق وصف الإيمان إلّا في أهل العصمة ، بل في خصوص أهل بيت محمَّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولو كان ما ذكره ينافي الاستدلال بظاهر الأمر لم يتمّ أن هذا معناها ، ولا أمكن الاستدلال بها على وجوب الانقياد والتسليم لأمره ونهيه ؛ لأنه قد ورد في معناها غير هذا.

ففي ( القمّي ) : ( قوله ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) يعني : سلّموا له وبالولاية وبما جاء به ) (٢).

وفي ( الاحتجاج ) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : [ و (٣) ] لهذه الآية ظاهر وباطن ، فالظاهر قوله ( صَلُّوا عَلَيْهِ ) ، والباطن قوله ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) أي سلّموا لمن وصّاه واستخلفه عليكم ، فضّله وعهد به إليه تسليماً (٤) ، وغير ذلك ممّا ورد في معناها.

على أنه قد ورد تفسيرها بالتلفّظ بالتسليم عليه ، ففي ( ثواب الأعمال ) عن الكاظم عليه‌السلام : في حديث طويل في هذه الآية أنه قال وأمّا قوله عزوجل ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٥) يعني : التسليم فيما ورد عنه.

قيل : فكيف نصلّي على محمّد : وآله؟ قال تقولون : صلوات الله وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمّد وآل محمّد ،

__________________

(١) مجمع البيان ٨ : ٤٧٩.

(٢) تفسير القمّي ٢ : ١٩٦.

(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : ( إنّ ).

(٤) الاحتجاج ١ : ٥٩٧.

(٥) الأحزاب : ٥٦.

٣٢

والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته (١) الخبر.

والأخبار بإرادة التلفّظ بالتسليم عليه كثيرة ، مثل ما تكرّر في الأخبار من قول الصحابة : ( عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ ) (٢). ممّا دلّ على أنهم إنما فهموا منها التسليم عليه باللفظ.

هذا ، والحقّ أن ظاهر سياق الآية إنما يدلّ على التسليم عليه ؛ لأنه مقتضى العطف ، لكن لقائلٍ أن يقول : إن التسليم في الصلاة داخل في ظاهر السياق ، بدليل النصّ (٣) والفتوى (٤) ، بأن المصلّي يقصد بسلامه محمّداً : وآله صلّى الله عليه وعليهم ولا ينافيه جواز قصد غيرهم معهم كالملائكة أو الأنبياء أو الجماعة أو الملكين. وبهذهِ الملاحظة يتمّ هذا الاستدلال.

وأمّا احتمال وجوبه في حياته ولو مرّة فكما ترى ؛ لعدم الدليل عليه ، ولأنه ربّما أفضى إلى النسخ بعد موته ، والله العالم.

وأورد الشيخ بهاء الدين : على هذا الدليل ما صورته قال بعد أن ذكره : ( فإن قلت : حدّ الأوسط في هذا القياس إن كان لفظ ( واجباً ) ليكون ضرباً ثالثاً من الشكل الثاني ، لم يستقم ؛ لأن النتيجة فيه موجبة ، وهذا لا يكون في شي‌ء من ضروب الشكل الثاني.

وإن كان ( شي‌ء من التسليم ) ليكون ضرباً خامساً من الشكل الثالث ، فكذلك أيضاً ؛ لأن نتيجة هذا الضرب سالبة جزئيّة ، على أن الباقي من هذا القياس بعد إسقاط الحدّ الأوسط ليس هو الأوسط ، بل هو عنه بمراحل.

وبالجملة ، فهو قياس مختلّ ؛ إذ ليس على وتيرة شي‌ء من الإشكال الأربعة ).

__________________

(١) ما ورد في ثواب الأعمال عن الكاظم عليه‌السلام يختلف عمّا في المتن. نعم ، ورد بهذا النصّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام في معاني الأخبار. راجع : ثواب الأعمال : ١٨٧ ـ ١٨٨ / ١ ، معاني الأخبار : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ / ١.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٣٦.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٤٢١ ، أبواب التسليم ، ب ٢ ، ح ٨ ، ٩.

(٤) المبسوط ١ : ١١٦.

٣٣

وأجاب عنه بما لفظه : ( قلت : خروجه عن وتيرة الأشكال الأربعة لا يوجب خلله إلّا إذا لم يستلزم النتيجة ، والاستلزام هنا ظاهر ، فإنه إذا ثبت وجوب التسليم وثبت عدم وجوبه في حال من الأحوال في غير الصلاة ، لزم وجوبه فيها البتّة.

وكم قياس ليس على النمط المألوف في الأشكال الأربعة بتغييرٍ ما في الحدّ الأوسط أو ما شابه ذلك وهو منتج ، نحو قولنا : زيد مقتول بالسيف ، والسيف آلة حديديّة ، فإنه ينتج بأنه مقتول بآلة حديديّة.

بل ربّما لا يوجد الحدّ الأوسط أصلاً ويلزم عنه قول ثالث ، نحو قولنا : كلّ ممكن حادث ، وكلّ واجب قديم ، فإنه يلزم منه لا شي‌ء من الممكن بواجب ) (١).

قلت : وقال هو رحمه‌الله في حواشي ( الحبل ) : ( لا يخفى أن هذا الكلام يعني : الاعتراض بأن هذا خارج عن أُسلوب الأشكال الأربعة إنما يتّجه إذا تألّف الدليل على هيئة القياس الاقتراني ، وأمّا لو أُلّف على هيئة القياس الاستثنائي لم يتّجه هذا الكلام. كأن يقال : التسليم إمّا واجب في الصلاة أو في غيرها ، لكنّه في غير الصلاة غير واجب ، فهو واجب في الصلاة ) (٢) ، انتهى.

وأقول : هو في غنًى عن هذه التكلّفات ، فإن الدلالة غير منحصرة في القياس الاقتراني ولا الاستثنائي ، فالملزوم يدلّ على اللازم ، وبالعكس أيضاً بالنظر الدقيق ؛ لأنا لا نقول بجواز أعميّة اللازم كما هو الشائع في ألسنة أقلّاء أهل النظر ، وإن كان كلامهم حقّا بوجه ، وليس هنا محلّ بيانه. والعلّة تدلّ على المعلول ، وبالعكس في وجه صحيح ، و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها ) (٣) ، وكلّ إناء بالذي فيه ينضح.

فيكفيه في الاستدلال أن يقول : ثبت وجوب التسليم بمقتضى الأمر ، ولا قائل بوجوب التسليم عيناً في غير الصلاة ، فثبت وجوبه في الصلاة ، وإلّا لزم ؛ إمّا خرق

__________________

(١) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٦ ( حجريّ ).

(٢) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٦ ( حجريّ ).

(٣) البقرة : ٢٨٦.

٣٤

الإجماع ومخالفته ، أو مخالفة أمر الكتاب بلا دليل.

وقد أجاب العلّامة : في ( المختلف ) عن هذا الدليل بمنع كون الأمر في الآية للوجوب ، وعلى فرض تسليمه نمنع اقتضاءه التكرار ، فيكفي المرّة ، وعلى فرض تسليم اقتضائه التكرار نمنع اقتضاءه وجوب ما يدّعونه من تسليم الصلاة ؛ لأن المأمور به هو التسليم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ، وهو غير تسليم الصلاة ، فما تدلّ عليه الآية لا يقولون به ، وما يقولون به لا تدلّ عليه الآية (١). هذا حاصل كلامه.

قال البهائي : ( وناقشه بعضهم : بأن كون الأمر للوجوب ممّا ثبت في الأُصول. وقد شيّد طاب ثراه أركانه في كتبه الأُصوليّة ، وبأنه متى ثبت وجوب التسليم في الصلاة مرّة ثبت التكرار ؛ إذ لا قائل بالفصل. وبأن الأمر في الآية مطلق ، وعطف المطلق على المقيّد لا يوجب تقييده ) (٢) ، انتهى.

قلت : الذي يظهر من سياق الآية والأخبار الواردة في تفاسيرها أن المراد منها هو التسليم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : وله في جميع ما جاء به عن الله أمراً ونهياً ، فثبت به وجوب التسليم عليه ، ولا شي‌ء من التسليم عليه بواجب في غير الصلاة ، فيجب أن يُعنى وآله بـ : « السلام عليكم » للإجماع على عدم وجوب السلام عليك أيّها النبيّ.

وبهذا يتمّ الغرض من الاستدلال. على أن فيما ذكرناه من الأدلّة القاطعة المتنوّعة كفاية لمرتاد الحقّ.

وأجابوا عن الخبر القائل تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (٣) :

أوّلاً : بأنه مرسل ، والشهرة لا تجبره ، وروايةُ الثلاثة الذين هم العمدة لها بالنسبة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله على طريقة الجزم غايتهُ أن يكون مرويّاً لهم بطريق صحيح ، وربّما ظنّوا رواته عدولاً ولم يطّلعوا على جرح مَنْ هو مجروح منهم ، فلا يلزم كذبهم ، ولا

__________________

(١) مختلف الشيعة ٢ : ١٩٥ / المسألة : ١٠٩.

(٢) الحبل المتين ( ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين ) : ٢٥٧ ( حجريّ ).

(٣) الكافي ٣ : ٦٩ / ٢ ، الفقيه ١ : ٢٣ / ٦٨ ، وسائل الشيعة ٦ : ٤١٧ ، أبواب التسليم ، ب ١ ، ح ٨.

٣٥

الاعتماد على مراسيلهم.

وثانياً : بأنه معارض بما سيأتي من الروايات.

وثالثاً : بأنه خبر واحد لا يوجب علماً ولا عملاً.

ورابعاً : أنه دليل الخطاب ، وهو متروك.

وخامساً : بأن دلالته على المدّعى مبنيّة على إفادةِ المصدرِ المضافِ إلى المعرفة العمومَ ، وهي ممنوعة ؛ إذ ربّما أُريد الجنس أو العهد الذهني أو الخارجي.

وسادساً : بأنه ربّما يحمل الأعمّ من وجه على الأخصّ من وجه ، كما يقال : زيد قائم.

وسابعاً : بأنه لا خفاء بأن المعنى ليس على ظاهر ما يفهم منه ، فإن التسليم ليس عين التحليل ، فلا بدّ من إضمار ، ولا دليل على تعيين المضمر ، فكما يجوز إضمار ما يدلّ على الوجوب ، كأن يقال : حاصل به ، أو نحوه ، يجوز إضمار ما يدلّ على الاستحباب ، كأن يقال : تحليلها يستحبّ أن يكون به.

والجواب عن الأوّل : أوّلاً : بأن إرساله منجبر بعمل المشهور به ، وهذه طريقة أصحابنا تنزيلهم الخبر الذي يعمل به المشهور منزلة الصحيح ، بل هو عندهم أقوى من الصحيح الذي لم يحفّ بالقرائن القويّة ، كما لا يخفى على مَنْ تتبّع كتبهم وعرف طريقتهم ، فدعوى عدم انجباره بالشهرة مكابرة في مقابلة الدليل بلا دليل.

وثانياً : بأن قطع المشايخ الثلاثة بنسبته للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يفيد اليقين بيقينهم بصدوره منه ، وذلك فرع ثبوته عندهم بالاستفاضة.

وثالثاً : بأن إطباق الأُمّة على روايته تخرجه من حدّ الإرسال وتلحقه بالمستفيضات.

ورابعاً : بأن مضمونه ، بل ولفظه مرويّ بطرق عديدة من طرق أصحابنا في الكتب المعتبرة كما مرّ ، وبذلك يعلم أنه من المسانيد لا من المراسيل.

وأيضاً ، تسليم أنه وصل إلى رؤساء الفرقة بطريق صحيح يخرجه من حدّ الإرسال. واحتمال ظنّهم عدالة رواته مع احتمال جرحهم ولم يطّلعوا عليه يهدم

٣٦

أساس الاستدلال ؛ لاستلزامه عدم تيقّن صحّة خبرٍ ، ويسدّ باب العلم بأحوال الرواة ، ويبطل تقسيم الخبر إلى صحيح وغيره.

وكيف يجري هذا الاحتمال في شأن هؤلاء الثلاثة وهم رؤساء الفرقة ، والذين هم أئمّة الجرح والتعديل ، وإليهم شُدّت الرحال في معرفة أحوال الرجال ، وعليهم معوّل الطائفة في هذا الباب؟!.

وعن الثاني : بمنع مقاومة شي‌ء من الأخبار التي استدلّ بها القائل بالاستحباب ، وكيف تعارضه مع تأييده بما سمعت من الأدلّة القاطعة من الأخبار الكثيرة وغيرها؟! فلا مقاومة ، فلا معارضة.

وعن الثالث : بأنه ليس بخبر واحد ، بل هو مرويّ بطرق كما عرفت.

وأجاب فاضل المناهج : عن الرابع بأنك قد عرفت دلالته على المدّعى من غير طريق دليل الخطاب ، وقد مرّ بيانه من كلامه ، رفع الله مقامه.

وعن الخامس : بأن هذا الجواب مع ظهور عدم وروده على ما قرّرنا به الدلالة مندفعٌ عن التقرير المشهور أيضاً :

أمّا أوّلاً ، فبأن العموم هو المتبادر ، فلا بدّ في فهم غيره من قرينة.

وأمّا ثانياً ، فلأن من الظاهر أن العهد هنا غير مراد ؛ أمّا الخارجي فلأنه لا عهد خارجاً ، وأمّا الذهني فلأنه مجاز لا بدّ من قرينة على إرادته ، وليست.

فالذي يمكن أن يقال : إرادة الجنس ، وهو لا يضرّنا ، فإن حصر جنس التحليل في التسليم كافٍ لنا. وكذا تفسيره به ، ومساواته له ، أو أعمّيّته منه.

وعن السادس : بأنه فيما إذا كان المحكوم عليه والمحكوم به كلاهما معرفتين ـ ممنوعٌ ، إلّا مجازاً وتوسّعاً ، فإن الحمل لا معنى له إلّا الاتّحاد في الصدق والوجود ، والتعريف لا بدّ من أن يكون له فائدة ، ولا فائدة له إلّا الإشارة ؛ إمّا إلى الجنس ، أو فرد معهود منه ، أو الاستغراق.

وعلى كلّ لا يصحّ أن يكون بينهما عموم من وجه ، كما لا يخفى.

٣٧

ويمكن جعل هذين الجوابين جواباً واحداً بأن يقال : إن الاستدلال به مبنيّ ؛ إمّا على إرادة العموم ، أو على أنه لا يمكن أن يكون بين الموضوع والمحمول عموم من وجه ، فإنه بانتفاء الأوّل يبطل الوجه الأوّل ، وبالثاني الثاني.

أقول : يريد بالجوابين المشار لهما الخامس والسادس ، وحينئذٍ فالجواب عنه إثبات الدعويين ، وقد ثبتتا بما مرّ.

ثمّ نقول : قوله : ( لا معنى للحمل إلّا الاتّحاد في الصدق والوجود ) فيه غموضٌ ، فإنه بظاهره مخالف لما أجمع عليه أهل العربية والمعاني والبيان واللسان والميزان من صحّة حمل الأعمّ على الأخصّ.

فنقول : لا منافاة بينهما ، بل كلاهما حقّ ، فإن أهل اللسان والبيان والميزان إنما يعنون عموم المحمول بحسب مفهوم اللفظ بحسب وضعه ، وهذا الفاضل عنى المحمول الخاصّ على الموضوع الخاصّ ، جزئيّاً كان كلّ منهما أو كلّيّاً.

إذ من البيّن فيما إذا قلت : زيد قائم ، أو حيوان ، أنك لم تحمل على زيد إلّا قيامه وحيوانيّته ، لظهور استحالة حمل قائميّة عمرو أو حيوانيّته على زيد ، بل إنما تحمل على الشي‌ء قسطه الذي يخصّه ممّا يصدق عليه مفهوم المحمول.

وقد أشار إلى هذا المعنى ابن سينا : في ( الإشارات ) (١) ، وشرّاح كلامه (٢) ، لكن كلامهم فيما إذا دخلت أداة الحصر على الجملة الحمليّة ، فإنهم حكموا بأنها تفيد حينئذٍ مساواة المحمول للموضوع ، ولم يتعرّضوا لذكر غيرها.

وكذلك أشار إلى ما أشار له فاضل ( المناهج ) : [ وم ] السيّد الداماد : في حواشي ( الأُفق المبين ) ، ونسب مثله للجرجاني : ، ولسنا بصدد البحث عن هذه المسألة وبيانها ، بل بيان عبارة هذا الفاضل.

فإنك إذا تأمّلت بالنظر إلى رتب الوجود وجدت المحمول والموضوع بحسب كلّ رتبة متساويين في الصدق والوجود ، فإذا قلت : زيد حيوان ، لم يحمل عليه إلّا

__________________

(١) شرح الإشارات ١ : ١٣٨. ( المتن ).

(٢) شرح الإشارات ١ : ١٣٨.

٣٨

ما يخصّه في تلك الحال من مطلق الحيوانيّة ، وحين حملك عليه الحيوانيّة ليس هو إلّا حيواناً ، لأنك لا تحمل عليه الحيوانيّة إلّا حال كونه مُلاحظاً في رتبته الحيوانيّة حتّى يمكن أن يحمل عليه قسطه الذي يخصّه من الحيوانيّة العامّة ، وحينئذٍ يتساوى المحمول والموضوع ، فتأمّله فإنه يدقّ ويجلّ.

وأجاب الفاضل المذكور عن السابع بـ ( أنك خبير باندفاعه ، فإن هذه العبارة شائعة بين أهل اللسان فيما يراد به المبالغة في التلازم بين الشيئين ، حتّى كاد لا يفتقر إلى إضمار شي‌ء ، ولا يكاد يفهم منه إلّا إنه حاصل به ، أو ملازم له ، ونحو ذلك ممّا يؤدّي مؤدّاه ، إلّا إذا كانت قرينة صارفة عن إرادة هذا المعنى.

وأيضاً الإضمار لا يصحّ من البليغ إلّا إذا كانت هناك قرينة تدلّ على المضمر ، فإذا لم تكن قرينة حاليّة أو مقاليّة عليه كما هنا تعيّن تقدير أعمّ العوام ، وهو هنا الحصول ونحوه ، على أنه يمكن أن يقال : إن ما قبله قرينة على إرادة هذا المعنى.

وبالجملة ، فإن اعتُمِدَ على هذا الخبر كانت دلالته على وجوب التسليم أوضح من أن تتطرّق إليه شبهة ) ، انتهى.

ونحن نقول : لا ينبغي الشكّ في حجيّة هذا الخبر ووضوح دلالته ، فإنه إذا لم يعتمد على مثله ممّا أطبقت الأُمّة على روايته ولا أقلّ من أن يكون ممّا امِرْنا بالأخذ به ممّا اشتهر لم يحصل الوثوق بخبرٍ حتّى يعتمد عليه في إثبات حكم ، ومن البيّن أنه إذا لم يعتمد على مثله فَلَأنْ لَايُعْتَمد على ما استدلّ به القائلون بالاستحباب من الأخبار أوْلى.

وأجاب القائل بالاستحباب أيضاً عمّا استدلّ به المرتضى (١) : ، والشهيد : في ( الذكرى ) (٢) ، وفاضل ( المناهج ) : مِنْ أن كلّ مَنْ قال بوجوب التكبير وجزئيّته قال بوجوب التسليم وجزئيّته بمنع الإجماع ، فإن كلّ مَنْ منع من وجوب التسليم

__________________

(١) الناصريّات : ٢١١ ـ ٢١٢ / المسألة : ٨٢.

(٢) الذكرى : ٢٠٥ ( حجريّ ).

٣٩

قائل بوجوب التكبير وكونه جزءاً من الصلاة ، كما ذكره في ( المختلف ) (١) و ( المناهج ) وغيرهما.

والجواب : أن المرتضى إن أراد بهذا دعوى الإجماع فهو إجماع منقول ، وهو حجّة ولا اعتراض عليه ولا ينافي عدم ظهوره لغيره ، وإن أراد شيئاً آخر لم يرد عليه منع الإجماع ، وقد تقدّم أنه يمكن أن يريد أن كلّ دليل دلّ على وجوب التكبير دلّ على وجوب التسليم ، فإن المُدْخِلَ كالمُخْرِجِ في صفة الجزئيّة والوجوب أو الندب ، والإجماع من النصّ (٢) والفتوى (٣) قائم على وجوب التكبير ، فيدلّ على وجوب التسليم وإن كان هذا التوجيه بعيد من ظاهر العبارة ، على أن الدلالة لم تنحصر في هذا الدليل.

وأجابوا عن الاستدلال بمواظبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ونوّابه والصحابة عليه ، بأن المواظبة على فعل لا تدلّ على وجوبه ، فإن النبيّ : وخلفاءَهُ صلّى الله عليه وعليهم وكثيراً من الصحابة كانوا يواظبون على المندوبات كمواظبتهم على الواجبات.

وأمّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّوا كما رأيتموني أُصلّي (٤) فنحن نقول بموجبه ، ولا يدلّ على وجوب التسليم إلّا بعد أن يتبيّن أنه جزء من الصلاة ، وهو أوّل المسألة.

وقال فاضل ( المناهج ): ( وهو مندفع بأن العبادات وهيئاتها لا شبهة في أنها لا تصحّ إلّا على الوجه الذي تُيُقّنَ إجزاؤهُ من جهة الشرع ، فإذا واظب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : على هيئة العبادة بحيث لم يرد ولم ينقل أنه فعلها على هيئة أُخرى تعيّن فعلُها على تلك الهيئة إلى أن يتحقّق برهان قاطع على جواز غيرها من إجماع أو نصّ ، وإذا واظب على شي‌ء في عبادة ولم يفعله أبداً على وجه يشعر بانفصاله عنها لزم القول بجزئيّته لها إلى أن يقوم دليل على خلافها.

ومن الظاهر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذا الأئمّة صلوات الله عليهم والصحابة كلّهم كانوا

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٩٣ / المسألة : ١٠٩.

(٢) انظر وسائل الشيعة ٦ : ٩ ـ ١٦ ، أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ، ب ١ ب ٣.

(٣) الناصريّات : ٢١١ / المسألة : ٨٢.

(٤) عوالي اللآلي ١ : ١٩٧ ـ ١٩٨ / ٨ ، مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٥٣.

٤٠