الخلفاء الإثنا عشر

الدكتور الشيخ جعفر الباقري [ سامي صبيح علي ]

الخلفاء الإثنا عشر

المؤلف:

الدكتور الشيخ جعفر الباقري [ سامي صبيح علي ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-03-X
الصفحات: ٢٣٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

(بنا فتح الأمر ، وبنا يختم ، وبنا استنقذ الله الناس في أول الزمان ، وبنا يكون العدل في آخر الزمان ، وبنا تملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، تردُّ المظالم إلى أهلها برجل إسمه أسمي) ١.

النتائج والمشتركات حول المهدي

بعد هذه الجولة السريعة فيما تمكنا من انتزاعه من مضامين الأحاديث الواردة بشأن الإمام المهدي (عَليهِ السَّلامُ) ، نحاول أن نسلِّط الضوء على المشتركات بين هذه العناوين ، وبين القواسم المشتركة التي استفدناها من حديث (الخلفاء الإثنى عشر) لدى (صحاح) ومصادر مدرسة (الصَّحابة) فتمثل النتائج الحاصلة لدينا من هذا الجمع

______________________

(١) معجم أحاديث الإمام المهدي (عَليهِ السَّلامُ) ، ج : ١ ، ح : ١٥٤ ، ص : ٢٤٨ ، عن ابن حماد ، ص : ١٠٢ ، وفتن زكريا ، والطبراني في الأوسط ، ج : ١ ، ص : ١٣٦ ، ح : ١٥٧ ، والعوالي لابن حاتم ، وصفة المهدي ، وحلية الأولياء ، والبيهقي ، والخطيب في التلخيص ، وابن أبي الحديد ، ج : ٩ ، ص : ٢٠٦ ، خطبة : ١٥٧ ، وبيان الشافعي ، ص : ٥٠٦ ، ب : ١١ ، وعقد الدرر ، ص : ٢٥ ، ب : ١ ، وص : ١٤٢ ، ب : ٧ ، وص : ١٤ ، ب : ٧ ، ومجمع الزوائد ، ج : ٧ ، ص : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، ومقدمة ابن خلدون ، ص : ٢٥٢ ، ب : ٥٣ ، والفصول المهمة ، ص : ٢٩٧ ـ ٤٩٨ ، ف : ١٢ ، وعرف السيوطي ، ج : ٢ ، ص : ٦١ ، وجمع الجوامع ، ج : ٢ ، ص : ٦٨ ، وصواعق ابن حجر ، ص : ١٦٣ ، ب : ١١ ، ف : ١ ، ص : ٢٣٧ ، وتمييز الطيب ، ص : ١٩٦ ، ح : ١٤٩٣ ، وكنز العمال ، ج : ١٤ ، ص : ٥٩٨ ، ح : ٣٩٦٨٢ ، وبرهان المتقي ، ص : ٩١ ، ب : ٢ ، ح : ٧ و ٨ ، وفرائد فوائد الفكر ، ص : ٣ ، ب : ١ ، واسعاف الراغبين ، ص : ١٤٥ ، ونور الأبصار ، ص : ١٩٩ ، ح : ٨٨٠٠٧ ، واسعاف الراغبين ، ص : ١٤٦ ، ونور الأبصار ، ص : ١٨٨ ، وينابيع المودة ، ص : ١٨٨ ، وكنوز الحقائق ، وينابيع المودة ، ص : ١٨١ ، ب : ٥٦ ، وص : ٤٩١ ، ب : ٩٤ ، ومشارق الأنوار ، ص : ١١١ ، ف : ٢ ، والإذاعة ، ص : ١٢٧ ، والمغربي ، ص : ٥٣٥.

كل ذلك بتفاوت يسير في التعابير.

١٦١

الصيغ النهائية لتطبيق ما ورد هنا على ما ورد هناك ، وبالتالي زيادة الإذعان بالتفسير الذي يقدمه الشيعة الإثنا عشرية لحديث (الخلفاء الإثنى عشر).

وأما النتائج والمشتركات فهي ما يلي :

١ ـ نصت روايات (الخلفاء الإثنى عشر) المتقدمة بأجمعها على أن خلفاء الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) من (قريش) ، وهكذا وجدنا الأمر في أحاديث الإمام المهدي (عَليهِ السَّلامُ) ، فقد دلَّت كما تقدم على كونه (عَليهِ السَّلامُ) من (قريش) أيضاً.

٢ ـ نصَّت روايات (الخلفاء الإثنى عشر) المتقدمة أيضاً على ما هو أخصّ من المطلب المتقدم ، حيث ذكر بعضها أنّ (الخلفاء الإثنى عشر) من (بني هاشم) كما في الفقرة الرابعة عشر ، ووجدنا في أحاديث الإمام المهدي (عَليهِ السَّلامُ) ما يدلّ على هذا الأمر أيضاً.

٣ ـ نصَّت روايات (الخلفاء الإثنى عشر) في بعض هياكلها اللفظية المتقدمة على كون الخليفة المهدي (عَليهِ السَّلامُ) من ولد رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، وهذا يدلّ ضمناً على كونه (عَليهِ السَّلامُ) من (بني عبد المطلب) ، لأنَّه إذا صدق الأخص صدق الأعم كما هو واضح ، ويدلّ ضمناً أيضاً على كونه من ولد فاطمة الزهراء (عَليها السَّلامُ) ، لأنَّ ذرية رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) منها (عَليها السَّلامُ) ، وهكذا الأمر في كونه (عَليهِ السَّلامُ) من أهل البيت ، وقد رأينا في أحاديث الإمام المهدي (عَليهِ السَّلامُ) الدلالة صريحة على نفس المطالب المتقدمة الذكر.

٤ ـ جاء في جملة من روايات (الخلفاء الإثنى عشر) التعبير عن الأئمة الواردين في الحديث بـ (الخلفاء) ، وهكذا الأمر في أحاديث الإمام المهدي (عَليهِ السَّلامُ) ، حيث ورد التعبير عنه هنا بـ (الخليفة) أيضاً.

١٦٢

٥ ـ صرَّحت روايات (الخلفاء الإثنى عشر) المتقدمة كما في الفقرة على كون الإمام المهدي (عَليهِ السَّلامُ) هو آخر الخلفاء ، وهكذا في الأحاديث المذكورة هنا.

٦ ـ جاء التصريح في روايات (الخلفاء الإثنى عشر) من كون الخليفة المهدي (عَليهِ السَّلامُ) من ولد الحسين بن علي (عَليهِ السَّلامُ) كما مرَّ بنا ، وهكذا ورد نفس التصريح في أحاديث الإمام المهدي (عَليهِ السَّلامُ) أيضاً.

فنخلص من خلال هذه النتائج والمشتركات إلى أنّ الإمام المهدي (عَليهِ السَّلامُ) الذي ورد ذكره متواتراً في كتب المدرستين هو آخر (الخلفاء الإثنى عشر) المقصودين بالحديث المذكور ، وهو عين ما يقوله الشيعة الإثنا عشرية بشأن هذا الإمام المنتظر (عَليهِ السَّلامُ).

(١٠) أسماء الخلفاء الإثني عشر تحدد هويتهم في غاية الجلاء

ورد في الصياغة الثامنة عشرة من الهياكل اللفظية لحديث (الخلفاء الإثني عشر) ذكر أسمائهم ، بل وألقابهم في بعض الروايات ، وذلك في مصادر (مدرسة الخلفاء) ، وأما في مصادر مدرسة أهل البيت فقد وردت أسماؤهم في أحاديث جمّة وغفيرة.

وإذا ألقينا نظرة أولية على هذه الأسماء نجد أنَّها تمثّل أنقى الشخصيات التي عرفها التأريخ الإسلامي فكراً ، وعقيدةً ، وسلوكاً ، وهم ممن توافرت فيهم جميع القيود المذكورة آنفاً في حديث (الخلفاء الإثني عشر) المجمل.

فعدد هؤلاء الخلفاء يكتمل بالإثني عشر ، وكلُّهم من (قريش) ، ومن (بني هاشم) ، ومن (أهل بيت النبي) ، وأحد عشر منهم من (ذرية فاطمة) (عَليها السَّلامُ) ، وتسعة منهم من

١٦٣

(ذرية الحسين) (عَليهِ السَّلامُ) ، وأولهم (علي بن أبي طالب) (عَليهِ السَّلامُ) ، وآخرهم (محمد المهدي) (عَليهِ السَّلامُ) ، وأنَّهم الحافظون لجوهر التشريعات الإسلاميَّة ، والذابينَ عن الدين ، والمدافعين عن التشريع ، والمجسدون لتعاليمه قولاً وعملاً ، والمواكبون لمسيرته من بعد وفاة رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) من دون فصل من خلال خلافة (علي بن أبي طالب) (عَليهِ السَّلامُ) ، وإلى حين اللحظات الأخيرة لوجود الإنسان على وجه الأرض من خلال وجود الخليفة المنتظر(محمد المهدي) (عَليهِ السَّلامُ).

١٦٤

١٦٥

١٦٦

١٦٧

١٦٨

كتمان أسماء الخلفاء الإثني عشر في (صحاح) (مدرسة الخلفاء)

وفقاً للمقتضيات التأريخية الثابتة نجد أنَّ من الطبيعي والمنطقي جداً غياب أسماء هؤلاء (الخلفاء الاثني عشر) في (صحاح) (مدرسة الخلفاء) ، ومصادرهم المعتبرة ، بعد أن فُرض عليها التسالم عليه فرضاً ، وتبنَّت صحته بصورة إجماليَّة على عمومه دون خوض في التطبيقات والتفاصيل قسراً ، لأنَّ قوة حضور هذا الحديث بين المجاميع الحديثية البارزة ، وسعة انتشاره ، حالت دون الإمساك به من قبل المانعين ، وجعلته يفلت من مسارات الكتمان التي مُني بها العشرات من الأحاديث الشريفة في تلك الظروف العصيبة ، وبهذا فقد تعزَّز موقعه في (الصحاح) ، والمصادر المعتبرة الأخرى لدى (مدرسة الخلفاء).

إنَّ المسألة بالنسبة إلى أسماء (الخلفاء الإثني عشر) قد إختلفت شيئاً ما مع ورود الحديث الإجمالي في (الصحاح) بشأنهم ، لأنَّ ذلك الحديث العام عندما يثبت على نحوه العام فإنَّه مما يقبل التأويل ، والتحوير ، والأخذ ، والرد ، وأما بالنسبة إلى ذكر الأسماء فهي مسألة مصيرية حساسة ، تعيِّن الواقع الذي ينبغي أن يُسار عليه ، ويُصار إليه ، وتشخِّص محاور الخلافة في كل زمن بالعنوان التفصيلي الواسع ، الأمر الذي لا يمكن اجتنابه ، أو تلافيه ، أو تأويله ، أو تحويره.

فالاسم من أبرز علامات التشخيص ، ولهو من أهم الدلالات على توضيح المسميات وتشخيصها في منتهى الوضوح ، ومن خلاله يتم تمييز الأشياء ، وفرزها ، وعدم اختلاط بعضها بالبعض الآخر.

على أنّ انتشار حديث (الخلفاء الإثني عشر) بهذا الحجم في مصادر (مدرسة الخلفاء) على نحو الخصوص ، كان خاضعاً للإرادة الإلهية ، ومورداً للمشيئة الربّانيّة ، ومصبّاً للرحمة الإلهية ، إذ أنَّ اللطف الإلهي كان يحفّ بهذا الحديث ،

١٦٩

ويحفظه من الحذف والإستئصال ، ليكون حجَّةً على العباد ، وشاهداً على تمام النعمة ، وإكمال الدين ، والمبالغة في البيان.

فلا توجد أيّة مصلحة لهم في نقل الحديث ، بل توجد دواعٍ عديدة لإقصائه عن هذه المصادر ، وإبعاده عنها ، لأنَّه يعدّ إدانةً سافرة لأصل البناء الذي ساروا عليه ، وانتهجوا نهجه ، وهو يؤدّي بصورة حتميّة إلى انهيار بناء (مدرسة الخلفاء) من الأساس.

قال (رضي الدين بن طاوس) في (ربيع الشيعة) :

(وإذا كانت الفرقة المخالفة قد نقلت أحاديث النص على عدد الأئمة الإثني عشر (عَلَيهمُ السَّلامُ) كما نقلته الشيعة الإماميَّة ، ولم تنكر ما تضمَّنه الخبر ، فهو أدلّ دليل على أنَّ الله تعالى سخَّرهم لروايته ، إقامةً لحجّته ، واعلاء لكلمته ، وما هذا الأمر إلّا كالخارق للعادة ، والخارج عن الأمور المعتادة ، لا يقدر عليه إلّا الله سبحانه الذي يذلّل الصعب ، ويقلّب القلب ، ويسهّل العسير ، وهو على كلّ شيء قدير) ١.

وقال الشيخ (جعفر كاشف الغطاء) حول هذه الروايات :

(ولعمري ، إنَّ هذه الأخبار إن لم تكن من المتواترة على كثرتها ، وكثرة رواتها ، وكثرة الكتب التي نقلت فيها ، لم يكن متواتر أصلاً.

ثمَّ إن لم تكن متواترة فهي من المحفوفة بالقرائن ، وإنَّما حفَّت بلطف الله ، وكان مقتضى الحال إخفاؤها ، لإخلالها بدينهم

______________________

(١) التستري الشهيد ، نور الله ، الصوارم المخرقة ، تصحيح : جلال الدين المحدّث ، ص : ٩٣.

وقال (محمد طاهر القمّي الشيرازي) : (ولا يخفى أنَّ هذه الرواية رواها العامّة في صحاحهم بعدّة طرق ، وعدّوها من الصحاح ، تسخيراً من الله سبحانه مع بغضهم وعداوتهم للإماميّة الإثني عشريّة) ، الأربعين لمحمد طاهر القمّي الشيرازي ، ص : ٣٥.

١٧٠

المؤسس في السقيفة ، ومخالفتها لهوى الأمراء ، فظهورها مع أنَّ المقام يقتضي إخفاءها قرينة على أنَّ الجاحد لا يمكنه إنكارها ، كما أنكر كثيراً من أضرابها) ١.

ويمكن تلخيص أهم دواعي كتمان أحاديث الخلافة بأمرين أساسيين :

أولاً : أحداث السقيفة بعد رحيل رسول الله

ثانياً : السياسات الظالمة المنحرفة التي تقلَّدت الحكم الإسلامي

وقد تنوعت أساليب دفع (الخلفاء الإثني عشر) عن مواقعهم التي رتبهم الله فيها ، وإقصائهم عن أداء دورهم الريادي في قيادة المجتمع الإسلامي في ذات الطريق الذي سار عليه رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، وبالتالي طمس كلّ المعالم ، والآثار ، والمرويات ، التي يمكن أن تشير إليهم من قريب أو بعيد ، ومن أهم هذه الأساليب :

١ ـ كتمان الأحاديث التي وردت بشأن تنصيبهم خلفاء ، وأوصياء ، من قبل النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، وإخفاء أكثر ما يمكن إخفاؤه من مآثرهم ، وفضائلهم وممارساتهم الرسالية ، التي تحاكي ممارسات صاحب الرسالة المقدسة (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ).

٢ ـ تحريف الأخبار والآثار التي أكَّدت على وجوب طاعتهم ، وإتباع أمرهم ، وانتحال عشرات التأويلات ، والتبريرات المتعسفة ، في سبيل إقصاء تطبيقها عليهم (عَليهِمُ السَّلامُ).

٣ ـ إختلاق أكبر حجم من المرويات المفتعلة في حقِّ غيرهم ، وإضفاء صفات القداسة ، والجلال ، على رموز وضعت عمداً في قبالهم.

______________________

(١) جعفر كاشف الغطاء ، كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء ، ج : ١ ، ص : ٨.

١٧١

٤ ـ إختلاق ثقافة واسعة تعاكس الثقافة التي سنَّها (الخلفاء الإثنا عشر) ، وساروا عليها في مواجهة سلطات الجور ، وحكومات الضلال ، وذلك عن طريق الأصوات الإعلامية المأجورة ، التي إنتحلت الأحاديث الجمَّة القائلة بوجوب طاعة الساطان ، برّاً كان أو فاجراً ، وقد حُشدت الكتب الحديثية بمثل هذا النوع من المفتعلات.

٥ ـ محاولة إستمالة (الخلفاء الإثني عشر) عن طريق الإغراء ، وعرض المواقع ، والمناصب الرسمية عليهم دون جدوى.

٦ ـ المواجهة المعلنة مع (الخلفاء الإثني عشر) بعد اليأس من إستمالتهم ، وكسب رأيهم ، عن طريق محاربتهم ، وتصفيتهم جسدياً ، وتعريضهم لأنواع التنكيل ، والتشريد ، والتقتيل ، وهكذا فعلوا بأصحابهم ، وأتباعهم ، وكلَّ من ينتمي إلى مدرستهم المعطاء.

ومن خلال فهمنا لهذا الأمر سوف نقف على الحقيقة التي تفسِّر لنا السبب في عدم وصول أسماء (الخلفاء الإثني عشر) بالتفصيل في (صحاح) (مدرسة الخلفاء) ، واكتفاء هذه المصادر بذكر الخصائص العامة لهم وحسب ، الأمر الذي لم يكن بالإمكان كتمانه ، أو تحريفه عمّا هو عليه ، لقوة شياع هذا الحديث ، وحضوره بين المجاميع الروائية الشهيرة ، وللإرادة الالهيَّة المتعلقة بهذا الأمر الحساس.

على أنَّنا ذكرنا سابقاً عند إيراد الهياكل اللفظية للحديث مجموعة من الروايات التي ذكرت أسماء (الخلفاء الإثني عشر) بالتفصيل في بعض مصادر (مدرسة الصَّحابة) ، الأمر الذي يجعلنا مطمئنين تماماً لصحة المنهج الذي سرنا عليه ، والذي تخفظنا من خلاله عن أن نميل مع أيَّة خلفية مسبقة ، أو عصبية مذمومة ، أو تحيّز غير مشروع ، على الرغم من أنَّه كان يكفينا ما ورد متواتراً عن طرق أجلّاء المسلمين من مصادر مدرسة (الخلفاء الإثني عشر) بهذا الشأن ، حيث إنَّ قصر النظر على ما ورد في كتب (مدرسة الصَّحابة) فقط في مجال الإستدلال ، وانتزاع المبادئ

١٧٢

الإعتقادية ، والمرتكزات الفكرية من خصوص كتبهم الحديثية ، أمر لا يقرُّه ذو عقل مطلقاً.

فنحن لسنا مرغمين على إثبات عقائدنا ، ومبادئنا ، على ضوء سلسلة روائية خاصة ، تنتهي إلى واحدٍ من (الصحاح) أو كتب (مدرسة الخلفاء) الأخرى ، ومن ثمَّ إهمال كلّ ما يرد في المصادر الأخرى ، وعدم النظر فيه ، واعتباره تراثا ميِّتاً ، وغير قابل للعطاء ، إذ كما يفترض أن تكون هذه (الصحاح) مشتملة على بعض الحقائق بين طيّاتها وفقاً لموازين الرواية والحديث ، فكذلك نفترض أن تكون الكتب الروائية لمدرسة (الخلفاء الإثني عشر) مشتملة على حقائق بين طيّاتها أيضاً ، والمعروف أنَّ الميزان في ذلك هو موافقة الحديث الصحيح لتعاليم الكتاب الكريم ، وعدم معارضته إيّاه ، وانتهاء أسانيد الأحاديث إلى الثقات المعتبرين ، فكلّ ما حمل هذه المواصفات فهو مقبول ، وكلّ ما خالف ذلك فهو مرفوض ، سواء أكان ذلك وارداً في كتب مدرسة (الخلفاء الإثني عشر) ، أو (مدرسة الخلفاء) ، من دون أدنى فرق.

إنَّ من الغريب حقاً أن ترى شخصاً يسمح لنفسه في أن يسير وفق منهج معيَّن على أساس ضوابط ومرتكزات خاصَّة ، في الوقت الذي لا يدع فيه فرصة للطرف المقابل في أن يمارس منهجه الإستدلالي على ضوء مبانيه ، ووفق مرتكزاته الخاصَّة ، أو على ضوء تلك الضوابط والأسس ذاتها على أقلّ تقدير.

فمن الجائز في وجهة نظر (مدرسة الصَّحابة) السائدة الأخذ بما رواه (البخاري) ، و (مسلم) ، و (الترمذي) ، و (النسائي) ، و (ابن ماجة) ، و (أحمد).. وغيرهم ، وليس من حقّ أتباع مدرسة (الخلفاء الإثني عشر) الأخذ بما رواه (الكليني) ، و (الصدوق) ، و (الطوسي) ، و (المفيد).. وغير هؤلاء من أئمة المسلمين الكبار ، والموثوقين في أعلى درجات الوثاقة في أمر الفقيا والحديث ، كما أنَّ من المفترض لديهم أن يؤمن الآخرون بكل ما ورد في طرقهم الخاصة ، وأن ينقادوا له ويتعبدوا به ، ويعدّون الخارج عن ذلك خارجاً عن الدين وتعاليم شريعة سيد المرسلين (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) !!

١٧٣

بينما لا يرون أنَّ من الواجب عليهم الإيمان والإذعان لما رواه الآخرون بأي شكل كان ، وليس في ذلك خروج لهم عن الدين ، فالدين هو ما يريدونه ، ويكتبونه بطريقتهم الخاصَّة ، لا ما يعتقد به ، ويكتبه الآخرون !

فما نؤكد عليه هنا هو أننا توخينا من إخراج حديث (الخلفاء الاثني عشر) في مصادر (مدرسة الصَّحابة) ، وإثبات صحته سندياً لديهم ، ومن ثم تخريج الأحاديث التي وردت من طرقهم وهي تذكر الأسماء بالتفصيل ، إنَّ الذي توخيناه لا يعدّ أن يكون إلزاماً لهم بما ألزموا به أنفسهم ، وتكريساً للحجَّة ، وتوطيداً للدليل والبرهان ، ليتضح الحق ، ويسفر الصبح لذي عينين.

وعلى أيَّة حال فلنرجع إلى إستعراض بعض الشواهد لما أثبتناه في العنوانين السابقين الذين يعود إليهما سبب كتمان أحاديث الخلافة النبوية ، فمن جانب نرى أنَّ الأحداث التي وقعت بعد رحيل رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) إلى الرفيق الأعلى جعلت البعض ممن أغوته الرئاسة ، وطمع في تسنُّم منصب قيادة المسلمين ، يساهم في إبعاد الحقِّ عن أهله ، ويقصي (الخلفاء الإثني عشر) وعلى رأسهم عليَّ بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) عن دائرة المنافسة ، ومن جانب آخر نرى أنَّ ثمرة هذا الإقصاء تمخضت عن ولادة سياسات ظالمة منحرفة ، في فترة متأخرة عن الفترة الأولى ، كان من مصلحتها إبعاد (الخلفاء الإثني عشر) عن مواقعهم أيضاً لدواعٍ متداخلة ، لأنَّ منهج (الخلفاء الإثني عشر) يعلن المواجهة الصارمة ضدَّ هذه السياسات الجائرة ، الأمر الذي دعى هذه الحكومات إلى محاربة مدرسة (الخلفاء الإثني عشر) ، والسعي الحثيث نحو إطفاء نور علومهم ، وإخماد جذوة معارفهم الجمَّة.

وسنتعرض إلى ذكر هذين الأمرين الأساسيين بشيء من الإجمال ضمن العنوانيين المذكورين.

١٧٤

أولاً : أحداث السقيفة بعد رحيل رسول الله

وفقاً للمنهج العلمي الذي آثرنا على أنفسنا أن لا نحيد عنه من أول البحث نجد أن من الطبيعي أن تقترن مسألة كتمان أحاديث الرسول الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بمسألة المنع من تدوين الأحاديث المروية عنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، إذ إنَّ المنع من تدوين حديث صاحب الرسالة (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يعد من أبرز مظاهر الإخفاء والكتمان ، وأن حُفَّ بالكثير من الأعذار والمنتحلات.

وبهذا فأن الجذور الأولية لمسألة كتمان أحاديث الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) تعود من حيث النشوء إلى حيث العهد الأخير من حياة خاتم الأنبياء (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، فقد طلعت على المسلمين آنذاك محاولات تجنح إلى محاربة كل ظاهرة تسعى لتثبيت وتدوين ما قاله رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، بذريعة أنَّ السنَّة النبوية لا يصحّ أن تدون ، لئلا تختلط أقوال الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بأقوال الكتاب العزيز.

ويرى كل منصف هشاشة ما تحمله هذه الحجّة الواهية من ضعف واضطراب ، ولا يكاد يخفى أنَّ هناك دوافع وخلفيات أكبر من هذا المعنى المطروح بكثير ، تلك الدوافع هي التي جعلت روّاد هذا المبدأ يسيرون بدأب وجدّ ، في سبيل مواجهة تدوين الحديث ، ويتصدون بعزم كبير لكلّ من يحاول أن يخترق هذا المخطط المرسوم ، ويقف دون تحقق الطموح المعقود عليه.

وللأسف الشديد نرى أنَّ ما حصل هو عين هذه الغاية ، فقد رأينا ضياع الكثير من الأحاديث المصيريَّة الحساسة ، وخصوصاً ما يتعلق منها بمسألة خلافة الأمَّة الإسلامية بعد رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، بسبب اجتهاد البعض في مواقف لا يمكن للتأريخ أن يغتفرها مطلقاً ، مهما أحيطت بألوان التأويل ، وأنحاء الإنتحال والتبرير.

١٧٥

إن التأريخ سجَّل لنا موقفاً مصيرياً ، وحدثاً كبيراً ، يصعب علينا إهماله ، وتجاوز ما خلّفه من آثار سلبية على حياة المسلمين ، كما أنَّ هناك كلمات أُطلقت على صاحب الرسالة المقدسة (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) حينما أشرف على الرحيل من هذه الدنيا ، مما ترتجف اليد عندما تحاول أن تثبتها ، ويرتعش اللسان عندما يحاول أن ينطق بها ، إلا أننا لا نجد بُداً من ذكرها هنا ، حفظاً للحقائق التأريخية من التلف والضياع ، وتحقيقا لما توخينا الوصول إليه ، من خلال تتبع الحقائق ، واستقصاء المظاهر ، التي حفت بالرسالة الإسلامية ، فيما يتعلق بموضوعنا ، لكي يسفر الصبح لذي عينين.

إنَّ الموقف المؤلم الذي سجله التأريخ لنا بمرارة يتمثل بمنع (عمر بن الخطاب) رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) من كتابة وصيته الأخيرة للأمة الإسلامية ، حيث قال (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) على ما في (الصحاح) ، ومنهم (البخاري) ـ واللفظ له ـ

ـ (ائتوني بكتاب ، أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده.

قال عمر : أن النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) غلبه الوجع ! وعندنا كتاب الله حسبنا.

فاختلفوا ، وكثر اللغط ، قال (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) :

ـ قوموا عنّي ، ولا ينبغي عندي التنازع.

فخرج (ابن عباس) يقول :

ـ إنَّ الرزية كلَّ الرزية ، ما حال بين رسول الله وبين كتابه) ١.

______________________

(١) البخاري ، صحيح البخاري ، ج : ١ ، كتاب العلم ، باب كتابة العلم ، ص : ٣٧ ، وج : ٤ ، كتاب : الجهاد ، باب : هل يستشفع إلى أهل الذمَّة ، ص : ٣١ ، وج : ٤ ، كتاب : الجزية ، باب : إخراج اليهود من جزيرة العرب ، ص : ٦٦ ، وج : ٥ ، كتاب : المغازي ، باب : مرض النبي ، ص : ١٣٧ ، وج : ٧ ، كتاب : المرضى ، باب : قول المريض : (قوموا عنّي) ، ص : ٩ ، وج : ٨ ، كتاب : الإعتصام ، باب : كراهية الخلاف ، ص : ١٦١.

وانظر : إرشاد الساري ، ج : ١ ، كتابة العلم ، ص : ٣٦٤ ، وفتح الباري ، ج : ١ ، كتابة العلم ، ص : ٢٠٨ ، وعمدة القاري ، ج : ٢ ، كتابة العلم ، ص : ١٦٩.

١٧٦

وفي رواية أخرى أنَّ (عمر بن الخطاب) كان يتحدث عن هذه الواقعة بالقول :

(كنّا عند النبي ، وبيننا وبين النساء حجاب ، فقال رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) :

ـ إغسلوني بسبع قِرب ، واتوني بصحيفة ودواة ؛ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده.

فقالت النسوة : [ وفي رواية : فقالت زينب بنت جحش وصواحبها ] ١

ـ ائتوا رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) بحاجته.

فقال عمر : فقلتُ :

ـ اسكتن ، فإنَّكنَّ صواحبة ، إذا مرض عصرتُنَّ أعينَكنَّ ، وإن صحَّ أخذتُنَّ بعنقه.

فقال رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) :

ـ هذا خير منكم) ٢.

بل يظهر من بعض الروايات أنَّ الأمر كان مدبَّراً قبل ذلك ، ولذا نرى أنَّ (عبد الله بن عمرو بن العاص) يقول :

ـ (كنت أكتب كلَّ شيء أسمعه من رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) أريد حفظه ، فنهتني قريش ، وقالوا :

______________________

وكذلك روي في صحيح مسلم بشرح النووي ، ج : ١١ ، ص : ٨٩ ـ ٩٥ ، والملل والنحل للشهرستاني ، ج : ١ ، ص : ٢٠ ، ومسند أحمد بن حنبل ، ج : ١ ، ص : ٢٢٢ و ٢٩٣ و ٣٢٤ و ٣٥٥ ، والمصنَّف لعبد الرزاق ، ج : ٥ ، ص : ٤٣٨ و ٤٣٩ ، وطبقات ابن سعد ، ج : ٢ ، ص : ٢٤٤ ، وتأريخ الطبري ، ج : ٢ ، ص : ١٩٣.

(١) إمتاع الاسماع ، ص : ٥٤٦.

(٢) ابن سعد ، طبقات ابن سعد ، ج : ٢ ، ص : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، باب : الكتاب الذي أراد رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أن يكتبه لأمته ، ونهاية الإرب ، ج : ١٨ ، ص : ٣٥٧ ، وكنز العمال ، ج : ٧ ، ح : ١٨٧٧١ ، ص : ٢٤٣ ، عن ابن سعد.

١٧٧

ـ تكتبُ كلَّ شيء سمعته من رسول الله ، ورسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) بشرٌ ، يتكلم في الغضب والرضا ؟!

فأمسكتُ عن الكتاب ، فذكرتُ ذلك لرسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) ، فأومأ بإصبعه إلى فيه ، وقال :

ـ أكتُب ! فوالذي نفسي بيده ، ما خرج منه إلّا حق) ١.

وفيه أيضاً أنَّه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قال له :

ـ (نعم ، فإنّي لا أقول فيهما إلّا حقّاً) ٢.

وروي (الذهبي) بهذا الصدد :

(إنَّ أبا بكر جمع أحاديث النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) في كتاب ، فبلغ عددها خمسمائة حديث ، ثم دعا بنار فأحرقها).

وبما أنَّ هذا الحدث يُعدُّ في غاية الخطورة والأهمية ، فلابدَّ أن يستند إلى فلسفة محكمة ، وحجة بالغة ، إلّا أنّا نرى أنَّ التبرير المذكور لهذا التصرّف كان أوهى من بيت العنكبوت ، والعذر أقبح من الذنب ، ولنقرأ الرواية التي تضمَّنت هذا التبرير :

(روى القاسم بن محمد من أئمة الزيدية ، عن الحاكم ، بسنده عن عائشة ، قالت :

ـ جمع أبي الحديث عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) فكانت خمسمائة حديث ، فبات ليلة.. فلما أصبح قال :

ـ أي بنيَّة ، هلم الأحاديث التي عندك.

فجئتُه بها ، فدعا بنار فحرقها ! فقلت :

ـ لم حرقتها ؟! قال :

______________________

(١) ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد ، ج : ٢ ، ص : ١٩٢.

(٢) ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد ، ج : ٢ ، ص : ٢١٥.

١٧٨

ـ خشيتُ أن أموت وهي عندي ، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنتُه ، ووثقتُ به ، ولم يكن كما حدَّثني ، فأكون قد نقلتُ ذلك) ١ !!

وجاء في (تذكرة الحفاظ) بصدد المنع عن أصل رواية الحديث عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) فضلاً عن تدوينه :

(إنَّ الصدِّيق ـ يعني أبا بكر ـ جمع الناس بعد وفاة نبيهم ، فقال :

ـ إنَّكم تحدِّثون عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشدُّ إختلافاً ، فلا تحدِّثوا عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) شيئاً ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه) ٢.

وأمّا (عمر بن الخطاب) فقد منع وفد الصحابة الذين أرسلهم إلى الكوفة عن رواية الحديث عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) :

(قال قرظة بن كعب : بعثَنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة ، وشيَّعنا إلى موضع قرب المدينة يقال له (صرار) ، وقال :

ـ أتدرون لم شيَّعتُكم ، أو مشيتُ معكم ؟ قلنا :

ـ نعم ، لحقِّ صحبة رسول الله ، أو لحقِّ أصحاب رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) ، ولحقِّ الأنصار ، قال عمر :

ـ لكنّي مشيتُ معكم لحديث أردتُ أن أحدِّثكم به ، فأردتُ أن تحفظوه لممشاي معكم ، إنَّكم تقدمون على قوم ، أو تأتون قوماً ، تهتزُّ ألسنتُهم بالقرآن إهتزاز النخل ، أو : للقرآن في صدورهم

______________________

(١) الإعتصام بحبل الله المتين ، ج : ١ ، ص : ٣٠.

(٢) الذهبي ، تذكرة الحفاظ ، ج : ١ ، ترجمة أبي بكر ، ص : (٢ ـ ٣) ، والأنوار الكاشفة ، ص : ٥٣.

١٧٩

هزيز كهزيز المرجل ، أو : لهم دويٌّ بالقرآن كدويّ النحل ، فإذا رأوكم مدّوا إليكم أعناقهم ، وقالوا :

ـ أصحاب محمد (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) ، أو : فيأتونكم ، فيسألونكم عن الحديث ، فأقلّوا الروايةَ عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) ، وأنا شريككم.

أو : فلا تصدُّوهم بالحديث عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ)) ١.

وقد حذا (عمر بن الخطاب) حذو (أبي بكر بن أب قحافة) في مسألة الإحراق ، لذا يقول في (تقييد العلم) :

(قال القاسم بن محمد بن أبي بكر : إنَّ عمر بن الخطاب بلغه أنَّه قد ظهر في أيدي الناس كتب ، فاستنكرها ، وكرهها ، وقال : أيُّها الناس ، إنَّه قد بلغني أنَّه قد ظهرت في أيديكم كتب ، فأحبَّها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقينَّ أحد عنده كتاباً إلّا أتاني به ، فأرى فيه رأيى.

قال : فظنّوا أنَّه يريد أن ينظر فيها ، ويقومها على أمرٍ لا يكون فيه إختلاف ، فأتوه بكتبهم ، فأحرقها بالنار.

ثم قال :

ـ أمنية كأمنية أهل الكتاب) ٢.

______________________

(١) ابن سعد ، الطبقات الكبرى ، ج : ٦ ، ص : ٧ ، والدارمي ، سنن الدارمي ، ج : ١ ، ح : ٢٧٩ و ٢٨٠ ، ص : ٩٧ ، وابن ماجة في سنن ابن ماجة ، ج : ١ ، باب التوقّي في الحديث ، ح : ٢٨ ، ص : ١٢ ، والحاكم في المستدرك على الصحيحين ، ج : ١ ، كتاب : العلم ، ص : ١٠٢ ، والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ، ص : ٩٢ ، والذهبي في تذكرة الحفاظ ، ج : ١ ، ص : ٧ ، والهندي في كنز العمال ، ج : ٢ ، رقم : ٤٠١٧ ، ص : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم ، ج : ٢ ، ص : ١٤٧.

(٢) إبراهيم بن هاشم ، تقييد العلم ، ص : ٥٢.

١٨٠