الخلفاء الإثنا عشر

الدكتور الشيخ جعفر الباقري [ سامي صبيح علي ]

الخلفاء الإثنا عشر

المؤلف:

الدكتور الشيخ جعفر الباقري [ سامي صبيح علي ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-03-X
الصفحات: ٢٣٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

١
٢

بسم اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

مقدّمة المركز

الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمّد ، وعلى أهل بيته الطيبيّن الطاهرين ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

من الأحاديث المتواترة عند عموم المسلمين حديث « الخلفاء الاثنا عشر » ، فقد روى هذا الحديث من طرق الشيعة العشرات من الرواة وبمئات الطرق ، أمّا من طرق أهل السنّة فقد رواه أكثر من خمسة عشر راوٍ وبطرق كثيرة زادت عن المائة طريق.

وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات في نصوص هذا الحديث ، إلا أنّ هناك قاسم مشترك بينهما وهو عدد « الاثنا عشر » ، فمن خلال تلك النصوص نستخلص ما يلي : عدد الخلفاء اثنا عشر خليفة ، الخلفاء الاثنا عشر عدد نقباء بني اسرائيل ، جميع الخلفاء الاثني عشر من قريش ، ومن بني هاشم ، الإسلام عزيز ومنيع وقائم بوجود الخلفاء الاثني عشر ، أوّل الخلفاء الاثني عشر علي وأخرهم المهدي عليهم السلام.

لكنّ الخلاف وقع بين المسلمين في تعيين أسماء هؤلاء الخلفاء ، فأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام عندهم الأمر واضح ، إذ أنّهم يعيّنون الأسماء بأئمتهم الاثني عشر عليهم السلام ، ابتداءً بالإمام علي عليه السلام ، وانتهاءً بالإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

أمّا أتباع مدرسة الخلفاء فلم نقف لهم على رأي واحد يتفقون عليه في تعيين أسمائهم.

فالبيهقي قال : أربعة هم الخلفاء الراشدون ، وخامسهم الحسن بن علي ، وسبعة من بني أُميّة هم : معاوية ، ويزيد ، ومعاوية ، ومروان بن الحكم ، وعبد الملك بن مروان ، والوليد بن عبد الملك ، وسليمان بن عبد الملك.

وابن كثير استشكل على البيهقي عدّه يزيد ضمن الخلفاء الاثني عشر وإخراج عمر بن عبد العزيز.

٣

وقال ابن روزبهان : أربعة هم الخلفاء الراشدون ، وخامسهم الحسن بن علي ، وسادسهم عبد الله بن الزبير ، وسابعهم عمر بن عبد العزيز ، وخمسة من بني العبّاس ، لم يعيّن أسماءهم.

وقال ابن العربي : لم أعلم للحديث معنى.

وقال ابن الجوزي : قد أطلتُ البحثَ عن معنى هذا الحديث وتطلّبت مضانّه وسألت عنه فلم أقع على المقصود.

وإلى يومنا هذا لم يتفق أتباع مدرسة الخلفاء على تعيين أسماء الخلفاء الاثني عشر.

والكتاب الماثل بين يديك ، أحد الكتب التي عالجت هذا الموضوع ، ألّفه أخونا الفاضل الدكتور جعفر الباقري ، إذ ذكر أولاً رواة هذا الحديث ، ثمّ الألفاظ المختلفة له ، والقواسم المشتركة له ، كلّ ذلك من المصادر الرئيسية لأتباع مدرسة الخلفاء.

وقد استعان المؤلّف بكتب الشيعة ، عند تطرّقه لرأيهم وتطبيقهم الخلفاء الاثني عشر على أئمتهم عليهم السلام.

إلا أنّنا نستشكل عليه نقله عن بعض المصادر المتأخّرة ولمؤلّفين معاصرين ، وهذا قد يكون ناشئاً من عدم توفّر المصادر الرئيسية لديه؛ لأنّه يقيم في استراليا بعيداً عن الدول الإسلامية الزاخرة بالكتب والمصادر الرئيسية.

وعلى كلّ حال ، فإنّنا نقدّر هذا المجهود العلمي من المؤلّف ، ونتمنّى له الرقي في حياته العلميّة.

ومركز الأبحاث العقائدية ـ إذ يقوم بطبع هذا الكتاب ضمن سلسلة ردّ الشبهات ـ يدعو العلماء والمفكّرين إلى المساهمة في رفد هذه السلسلة بما تجود به أقلامهم دفاعاً عن الدين الإسلامي الأصيل المتمثّل بمدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمّـد الحسّـون

٢٨ جمادى الآخرة ١٤٢٧ هـ

muhammad@aqaed.com ***** site.aqaed.com / mohammad

٤

بسم الله الرحمن الرحيم



المقدمة



لم يسجلِ التأريخ الإسلامي على مدى القرونِ الماضيةِ حيفاً ، وظلماً ، واتهاماً ، كالذي جرى على أهلِ بيت النبوة الطاهرين (عَلَيهمُ السَّلامُ) ، والسائرين على نهجهم ، والسالكين سبيلهم.

ولا يتكلفُ الباحثُ المنصفُ أدنى عناءٍ من أجلِ الوقوفِ على تفاصيلِ هذه المأساة ، وفصولِها المحزنة المريرة ، وليسَ من الصعبِ على مَن له أدنى درايةٍ بحركةِ التأريخ في رؤيةِ المعاناةِ التي مرَّ بها الأصفياءُ من أبناءِ الإسلامِ العظيمِ ، وهم يدفعونَ الثمنَ غالياً ونفيساً على مستوى الجسدِ ، والفكر ، والروح.

فاصطبغتِ العقيدةُ لدى أتباعِ مدرسةِ أهلِ البيتِ (عَلَيهمُ السَّلامُ) بلونِ الدمِ القاني ، الذي رفعَ شعارَ مواجهةِ الذُلِّ ، والهوانِ ، والإستعباد ، فأمسكَ روّادُ هذه المدرسةِ بأحدِ الكفَّينِ درعَ الدفاعِ عنِ الدينِ المحمدي ، والكرامةِ الغاليةِ ، والعِرضِ النفيس ، فتلاحقت قوافلُ الشهداءِ تخطُّ مسارَ العقيدةِ الشامخة في خضمِّ السياساتِ المنحرفة ، والدعواتِ المتعصّبة ، تتصدرُها مواقفُ أهل البيت (عَلَيهمُ السَّلامُ) المتوجةُ بوسامِ الشهادة.

٥

وأمسكَ الكفُّ الآخرُ نواصيَ الأقلام ، ليذبَّ عن المنهجِ الحقِّ ما أُلصقَ بهِ من شكوكٍ واتهاماتٍ ، وأُثيرت حوله من أوهامٍ وشبهات ؛ فشيَّدت هذهِ المدرسةُ من خلالِ هذينِ المسارَينِ صرحاً عملياً فذّاً ، وتراثاً علمياً شامخاً ، انتهلته من معينِ أبوابِ حكمةِ اللهِ ، وأُمناءِ وحيه ، وقرناءِ كتابه.

وليسَ بِدعاً أنْ تتعرضَ العقيدةُ النقيَّةُ المبنيّةُ على المنطقِ السليمِ ، والحكمة الرصينة ، والحجّة البالغة ، إلى مثلِ هذه الهجماتِ من المتعصبينَ ، والمضللين ، والجهلاء ، فالمرءُ عدوُّ ما يجهل ، وليسَ أوحش للنفوسِ من ظلامِ الجهل ، والتحجُّر ، والإنغلاق.

وحسبُنا ما تعرضَ له أطهرُ إنسانٍ عرفته البشرية ، وأقدسُ مخلوقٍ في هذا الوجود نبيُّ الإسلامِ محمد (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ؛ حيثُ اتهموه بالسِّحرِ ، والجنونِ ، وما كانَ منه إلّا أنْ دعاهم من خلالِ الحكمةِ ، والكلمةِ الطيبةِ ، والموعظةِ الحسنةِ ، إلى أنْ سطعَ نورُه ، واستطال ضوؤه ، وتمَّت حجتُه ، (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ).

فكلَّما كانَ نورُ الحقيقةِ ساطعاً ومبهراً ، كلما كانَ في مقابله ظلامُ الجهلِ مدلهمّاً وحالكاً ، وكلما كانَ الفكرُ والمبدأُ نقياً صافياً ، كلما كانت الأوهامُ والشبهات متنوعةً وشاملةً.

هذه هي معادلةُ الحياة ، وحركةُ الزمان ، وسُننُ التأريخ ، في الصراع المريرِ الدائم بينَ الحقِّ والباطل ، والتي تنتهي أبداً بظهور دين الله (جَلَّ وَعَلا) ، وتمام نوره ، وعلوِّ الحقِّ ، وزهوقِ الباطلِ ، (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).

ولم يبتعد منهجُ أهلِ البيت (عَلَيهمُ السَّلامُ) عن هذا المسار قيدَ شعرةٍ ، بل كانَ حظُّهم في هذا الجانب وفيراً ، فقد حاولَ البعضُ جهلاً ، والآخرونَ تعصباً ، من إثارةِ غُبارِ

٦

الشبهات في وجهِ الحقيقةِ الوضّاء ، في محاولاتٍ بائسة يائسةٍ ؛ لحرف الرأي العام ، والبسطاءِ من الناسِ ، عن سفينةِ النجاة ، التي مَن ركبَها نَجا ، ومَن تخلَّفَ عنها غَرِق وهَوى ، والميلِ بهم عن ذوي القربى الذينَ أمرَ اللهُ في صريحِ كتابِهِ بالتمسُّكِ بمودتهم ، واتباعِ هديِهم ، ولكن أنّى لهم ذلك ؟ وقد غُرسَ فكرُ أهلِ البيت (عَلَيهمُ السَّلامُ) في عقولِ ذوي البصائر النيّرة ، وأُشربت محبتُهم في نفوس ذوي السرائر الطاهرة.

وبما أنَّ منطقَ عالمِ اليوم هو منطقُ العلمِ والمعرفةِ ، ولغتُهُ هيَ لغةُ المباراةِ الفكريةِ الحرّة ، كانَ لزاما علينا أنْ نتناولَ هذهِ الشبهاتِ المثارةَ بالمناقشةِ ، والدرسِ ، والتحليل ، ونضعَها في دائرةِ الضوء ، وعلى بساطِ البحث ، بلغةٍ علميةٍ رصينة ، تعتمدُ الدليلَ والبرهان ، وتقومُ على أساس الحجَّةِ الصادقة ، وتقصدُ بلوغَ الحقيقةِ ، والظفرَ بها ، مهما كانَ الثمنُ باهضاً ونفيساً ، وتبتعدُ عن لغةِ المهاتراتِ ، والتعصبات ؛ لأنَّ الاختلاف في الرأي لا يفسدُ للودِّ قضية ، بل يكونُ أساساً لإرساءِ وحدةٍ إسلاميةٍ متراصّة ، تتمحورُ حولَ أصلينِ لا يختلفُ فيهما مسلمان ، وهما : القرآن الكريم ، ومحبة أهلِ البيت الطاهرين (صَلواتُ اللهِ عَليهِم أجمَعينَ).

وليس من شكّ في أنَّ سلامةَ العقيدة هي الأساسُ الذي تُبنى عليهِ شخصيةُ الإنسانِ المسلمِ المتَّزنِ فكراً ، وخُلُقاً ، ومنطقاً ، وسلوكاً.

ومن أساسيّات العقيدة وأولوياتها أن يتعرّف الإنسان المسلم على المصادر التي يستقي من خلالها رؤيته الإسلامية للكون والحياة والدين ، ومواقفه العملية في العبادات والمعاملات والسلوكيات ، لتتطابق رؤيته مع رؤية الإسلام ، وتتفق مواقفه مع مواقف الإسلام.

ولا اختلاف بين مسلمين على مصدر التشريع الأول المتمثل بـ (القرآن الكريم) ، ولا على شخصيّة النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) المجسّد لقيمه وتعاليمه ، والمبيِّن

٧

لأحكامه وأسراره ، ولكنَّ البحث والتحليل يدور حول ما يربط بيننا نحن المسلمين وبين (القرآن الكريم) وحامله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، وما هو الطريق الآمن الذي يضمن لنا توثيق هذا الإرتباط ، وترسيخ هذه العلاقة ، وتعميق هذا الإنتماء.

وما علينا إلّا أن نستنطق صاحب الرسالة الأكرم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، ونحتكم إليه ، ونطرق بابه ، من خلال ما يمتلكه المسلمون من مصادر ، ووثائق ، وصحاح ، لنرى أنَّه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد نصَّ على (الخلفاء الإثني عشر) من بعده ، وأنَّهم هم الجديرون بإكمال شوط الرسالة الإسلامية ، وحماية الدين ، والمحافظة على سلامة التشريع إلى قيام الساعة.

لقد وقف الكثير من المسلمين حائرين ومضطربين ، أمام النصوص النبوية المتواترة في الصحاح والمصادر العالية الوثاقة ، التي تنصُّ على حديث (الخلفاء الإثني عشر) ، ووقف أتباع منهج أهل البيت (عَلَيهمُ السَّلامُ) واثقين ومطمئنين ، لسلامة المعتقد الذي ساروا عليه ، وانتهجوا هديه ، لأنَّه جاء متوافقاً ومتطابقاً مع مقاصد الشريعة الغراء.

لم يكن بمقدوري وأنا في ولاية (فكتوريا) الأسترالية من أن أتخلَّف عن المناظرة التي دعاني إليها أحدهم ممن ينتسب إلى أكابر علماء (الوهابية) في أوائل سفرتي إلى هناك عام (١٩٩٥) م ، لأنَّ الأمر كان يتعلّق بمجموعة كبيرة من المسلمين المنصفين المحايدين الذين استحبُّوا تلبيتي لهذه المناظرة ، ليقفوا على حقيقة معتقدات أتباع منهج أهل البيت (عَلَيهمُ السَّلامُ) ، والأصوات المقابلة لها.

ولست هنا بصدد الخوض في تفاصيل هذه المناظرة التي صارت سبباً لبصيرة البعض وهدايتهم لمنهج الحق القويم ، وإنَّما أردتُ أن أتناول موضع الشاهد منها لما قدَّمته حول الحديث المبحوث ، وبما ينسجم مع حجم هذه المقدّمة الموجزة ، حيث وصل بصاحابي الأمر إلى ما يشبه العراك ، وأخذ يرشقني والطائفة المنصورة بمختلف

٨

الأباطيل والإتهامات ، فراراً مما وقع فيه من المآزق والمؤاخذات ، حتى وصلت بي المناظرة معه إلى حديث (الخلفاء الإثني عشر) ، فأنكره ، واستغربه ، وأصَّر على أنّي قد اختلقتُه من مصادرنا الخاصَّة ، التي هي بوجهة نظره لا يوجد فيها حرف صحيح.

فالصحيح في وجهة نظره هو ما رواه (البخاري) و (مسلم) فحسب ، وكان هذا الإقرار منه كافياً لي أمام الحاضرين في أن أطلب منه أن يناولني (البخاري) من على جانبه ، وكم كانت دهشتي ودهشة الحاضرين في المناظرة عظيمة وجليلة عندما فتحتُ المجلّد الثامن وإذا بي وجهاً لوجه أما الصفحة التي رويَ فيها الحديث في كتاب الأحكام عن الصحابي (جابر بن سمرة) ، فقرأت عليه نصَّ الحديث بصوت يسمعه الجميع ، فما كان منه إلّا أن لاذ بصمت مطبق عميق.

لقد كان هذا البحث الذي دوَّنته قبل سنتين من تأريخ المناظرة كافيّاً لي لأن أورد أمام جميع الحاظرين ومن بينهم المناظر (الوهابي) صحة صدوره ، وقوة سنده ، وتنوع مداليله ، وتعدد نصوصه ، بما لا يقبل الشك والإرتياب في إنطباقه على أئمة الهدى ، وسفن النجاة الإثني عشر بدءاً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) وانتهاءاً بالإمام المنتظر محمد المهدي (عَليهِ السَّلامُ) على طبق معتقد الإمامية الإثني عشريَّة.

وبما أنَّ هذا الحديث الشريف يمثّل منعطفاً خطيراً في طريق العقيدة الإسلامية ، وهو مرويّ في (صحاح) مدرسة الصحابة ، وأكثر مصارهم اعتباراً ووثاقةً ، فقد رأيت أن أعيد النظر فيما كتبتُه قبل عشر سنوات ، فأفرد له هذه الدراسة المستقلة الموضوعيَّة الشاملة ، وأبحثه بحثاً مستفيضاً من خلال مصادرهم بشكل كامل وتام ، لتكون الحجّة أعلى وأبلغ ، كل ذلك من دون أن ألج غمار البحث من خلال خلفيّة مسلَّمة ، أو قناعات مسبقة ، وإنَّما سرتُ مع البحث كما سيرى القارئ المتتبع بطريقة علمية واعية ، تؤثر بلوغ الحقيقة ، وقصد الصواب.

٩

فتناولتُ في الفصل الأول من هذه الدراسة رواة حديث (الخلفاء الإثني عشر) في مصادر مدرسة الصحابة ، لنجد أنَّهم بلغوا خمسة عشر صحابيّاً ، من خلال عشرات الطرق المتنوعة ، الأمر الذي يجعلنا نطمئن ، بل ونقطع بصحة صدوره عن النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ).

ونظراً لتعدد أبعاد الحديث ، وسعة دلالاته ، وتكرره بخصوصيات وحيثيات متنوعة ، فقد دعت الضرورة لأن نفرد الفصل الثاني لإستعراض هياكله وقوالبه اللفظية ، ونعنون كلّ طائفة متشابهة من الروايات بعنوان خاص ، ليتسنى لنا الرجوع إليها عند تحليل الحديث ، وبيان دلالاته.

وهذا هو ما خصصنا له فصلاً جوهرياً وهو الفصل الثالث من هذه الدراسة ، حيث يتمّ هنا البحث في القواسم المشتركة بين روايات حديث (الخلفاء الإثني عشر) المتنوعة ، لكي نجد لها المصاديق الحقيقية القابلة للإنطباق عليها ، ونبعدها عمّا لا يمكن أن يكون مورداً لها ، من خلال دراسة القيود الدخيلة في تحديد هوية هؤلاء الخلفاء ، والمميزة لهم عن الآخرين بما لا يطرأ عليه الجدل والنقاش ، وبما يقطع التأويلات والإنتحالات.

وفي الفصل الرابع نتناول سبب غياب أسماء الخلفاء في (الصحاح) ، على الرغم من إقرارها بعددهم ، وخصوصياتهم ، لنقف على حقائق مريرة تتعلق بمنع تدوين الأحاديث المتعلقة بهؤلاء الخلفاء ، وكتمان الكثير منها ، لأسباب تبدأ جذوتها إلى اللحظات الأولى لرحيل رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، مما مهَّد السبيل إلى السياسات الظالمة التي استلمت زمام الحكم الإسلامي إلى تغييب أسماء هؤلاء الخلفاء الذين كانوا يعاكسون هذه السياسات القمعية الظالمة ، ويجاهرونها بالتحدّي ، قولاً

١٠

وعملاً ، وكان ثمن ذلك أن قضى (الخلفاء الإثنا عشر) حياتهم جميعاً متوجين بوسام الشهادة في سبيل الله.

وما دامت الدماء التي أريقت على عتبات الرسالة الإسلامية هي دماء رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) متمثّلة بدماء أهل بيته الطاهرين (صلواتُ اللهِ عليهِم أجمعين) ، وليس بالأمر الهيِّن أو اليسير ، وإنّما هو أمر عظيم ، لذا أدعو القارئَ المسلمَ الحرَّ طليقَ الفكر ، والباحثَ عن الحقيقة ، أن يفتحَ عقلَه وقلبَه لهذا البحث ، وأن يتسعَ صدرُه لمواجهة نتائجِه ، والسيرِ على هَدي الحقيقة ، مهما كان الثمنُ غالياً ، إذ لا خسارةَ أكبرُ من أن يصادرَ الإنسانُ عقلَه وفكرَه ، ولا ثمنَ أغلى من نيلِ الحقيقةِ ، والظفرِ بها ، وقطفِ ثمارِها.

وختاماً أرجو أن يكون في هذه الخطوة غنىً للمكتبة الإسلامية ، ورفد للحركة العلمية ، وقبل هذا وذاك أنْ يكونَ بها رضىً لله سبحانه وتعالى ، وتعبير يسير عن محبة أوليائِهِ الطاهرين ، ووفاء لنهجهم ومبادئهم المثلى ، ورفع لغبار الشبهات عن منهج أهل البيت الطاهرين (صلواتُ اللهِ عليهِم أجمعين) ، وتبيانِ الحقائقِ الناصعةِ التي غطَّت عليها السياساتُ القمعيةُ ، والتعصباتُ المقيتةُ ، عبرَ السنينَ الطويلة.

ولا يسعني وأنا أسرد هذه المقدمة إلّا أن أتقدَّم بالثناء الجميل لأخيَ الواعي المستنير السيد (منصور آل حيدر) الذي أعانني بجدٍّ ومثابرة متواصلة في سبر أغوار كتب الحديث العامَّة والخاصة واستقصائها في عمليَّة استقراء شاملة لحديث (الخلفاء الإثني عشر) لتوثيقه بدقة متناهية وأمانة عالية ، فجزاه الله عني وعن الإسلام العظيم خير الجزاء.

ولا أنسى أن أتقدم بالشكرِ الجزيل والثناء الجميل إلى (مركز الأبحاث العقائدية) الذي يحظى برعاية المرجع الديني الكبير السيد علي السيستاني دام ظله الوارف ،

١١

وبإشرافٍ من قبل الأخ حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد الحسّون النجفي على احتضانهم لمجموعة البحوث التي أعددتُها في مجال الدفاع عن العقيدة الغرّاء ، وتهيئة الأجواء الملائمة لنشرها ضمن السلسلة العلمية الموسومة بـ (سلسلة ردّ الشُبهات) ، التي يقدمونها للقرّاءِ الكرام من أبناءِ العالمِ الإسلامي لرفعِ غُبارِ الشبهات عن منهج أهل البيت (عَليهمُ السلامُ) ، وتبيانِ الحقائقِ الناصعةِ التي غطَّت عليها السياساتُ القمعيةُ ، والتعصباتُ المقيتةُ عبرَ السنينَ الطويلة.

كما أنّي أستميحُ القارئَ الكريمَ عذراً إذا ما وجدَ بعضَ المصطلحات العلميةِ التخصصية ، أو العباراتِ الشائكة ، بينَ طياتِ البحث ، لأنَّ ضرورةَ مثل هذا البحث تقتضي إيرادَها ، على الرغم من أنّي بذلتُ قصارى جُهدي من أجلِ طرح مضامين هذه الدراسة بلغةٍ واضحة ، بعيدةٍ عن التعقيد ؛ ليتمَّ الانتفاعُ بها من خلال أكبر عدد ممكنٍ من القرّاء الكرام ، كما أرجو العذرَ إذا ما وُجدت زلَّةٌ هنا ، أو عثرةٌ هناك ، إذ لا عصمةَ إلّا لمن عصمَ الله ، ولا كمالَ إلا لله الواحدِ القهّار.

(سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

جعفر الباقري

(أبو أُساة سامي صبيح علي)

Imamali١٤@hotmail.com

قم المقدسة

١٨ / ذو الحجة / ١٤٢٤ هـ / ١٠ / ٢ / ٢٠٠٤ م

١٢

١٣
١٤

١٥

١٦

نظرة على رواة حديث (الخلفاء الإثني عشر) في مصادر (مدرسة الخلفاء)

رُويَ حديث (الخلفاء الإثني عشر) في (صحاح) ومصادر (مدرسة الخلفاء) عن طريق (خمسة عشر) صحابياً ، بأسانيد متنوعة ، وطرق متعددة ، ترفع من مستوى الحديث إلى حيثُ الإطمئنان بصحة صدوره عن النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، بل والقطع بذلك ، وسوف نذكر هؤلاء الرواة الخمسة عشر ابتداءاً ، ومن نقل عنهم الحديث بالطرق المتشعبة والمتنوعة ؛ لكي يقف القارئ المتتبِّع على قوة سند الحديث ، وتشعُّب الطرق المؤدية إليه ، وخصوصاً لدى مصادر (مدرسة الخلفاء) العالية الإعتبار ، ومن ثمَّ نتكلم في مضمون هذا الحديث ومحتواه وفقاً لهذا الإعتبار.

(١) جابر بن سمرة السوائي

نقل الحديثَ عن (جابر بن سمرة السوائي) مجموعةٌ من الرواة ، هم :

عبد الملك بن عمير

روى (عبدُ الملك بن عمير) الحديثَ عن (جابر بن سمرة) عن طريق السلاسل التالية :

١٧

السلسلة الأولى :

(عن أحمد في مسنده ، عن أبي جعفر محمد بن عبدالله الرزي ، عن أبي عبد الصمد العمّي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة) ١ ...

السلسلة الثانية :

(عن الطبراني في الكبير ، عن أحمد بن علي بن أبي الجارود الإصفهاني ، عن عبد الله بن سعيد الكندي ، عن إبراهيم بن محمد بن مالك الهمداني ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة) ٢ ...

السلسلة الثالثة :

(عن أحمد في مسنده ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة) ٣ ...

السلسلة الرابعة :

(عن البخاري في صحيحه ، عن محمد بن المثنى ، عن غندر ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة) ٤ ...

______________________

(١) ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد بن حنبل ، ج : ٥ ، ص : ٩٨ ، ح : ٢٠٤١٨.

(٢) الطبراني ، المعجم الكبير ، ج : ٢ ، ص : ٢٥٣ ، ح : ٢٠٦٣.

(٣) ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد بن حنبل ، ج : ٥ ، ص : ٩٣ ، ح : ٢٠٣٥٩.

(٤) البخاري ، صحيح البخاري ، ج : ٨ ، ص : ١٢٧ كتاب الأحكام.

١٨

السلسلة الخامسة :

(عن مسلم في صحيحه ، عن إبن أبي عمر ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة) ١ ...

السلسلة السادسة :

(عن الطبراني في الكبير ، عن بشر ، عن الحميدي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة) ٢ ...

السلسلة السابعة :

(عن أحمد في مسنده ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة) ٣ ...

السلسلة الثامنـة :

(عن أحمد في مسنده ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة) ٤ ...

______________________

(١) مسلم ، صحيح مسلم ، ج : ١٢ ، ص : ٢٠٢ ، كتاب الامارة.

(٢) الطبراني ، المعجم الكبير ، ج : ٢ ، ص : ٢١٤ ، ح : ١٨٧٥.

(٣) ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد بن حنبل ، ج : ٥ ، ص : ٩٧ ، ح : ٢٠٤١٦ ، وكذلك : ص : ١٠٧ ، ح : ٢٠٥٣٤.

(٤) ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد بن حنبل ، ج : ٥ ، ص : ٩٧ ، ح : ٢٠٤١٧ ، ، وكذلك : ص : ١٠١ ، ح : ٢٠٤٥٤.

١٩

السلسلة التاسعة :

(عن الطبراني في الكبير ، عن الحسين بن إسحاق التستري ، عن سهل بن عثمان ، عن وكيع ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة) ١ ...

فيكون الحديث قد روي بواسطة (عبد الملك بن عمير) عن (جابر بن سمرة) عن (٩) تسع طرق.

الأسود بن سعيد الهمداني

روى (الأسودُ بن سعيد الهمداني) الحديث عن (جابر بن سمرة) عن طريق السلاسل التالية :

السلسلة الأولى :

(عن أحمد في مسنده ، عن هاشم ، عن زهير ، عن زياد بن خيثمة ، عن الأسود بن سعيد الهمداني ، عن جابر بن سمرة) ٢ ...

السلسلة الثانية :

(عن أبي داود في سننه ، عن ابن نفيل ، عن زهير ، عن زياد بن خيثمة ، عن الأسود بن سعيد الهمداني ، عن جابر بن سمرة) ٣ ...

السلسلة الثالثة :

______________________

(١) الطبراني ، المعجم الكبير ، ج : ٢ ، ص : ٢١٤ ، ح : ١٨٧٦.

(٢) ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد بن حنبل ، ج : ٥ ، ص : ٩٣ ، ح : ٢٠٣٤٧.

(٣) أبو داود ، سنن أبي داود ، ج : ٤ ، ص : ١٠٦ ، كتاب المهدي ، ح : ٤٢٨١.

٢٠