الخلفاء الإثنا عشر

الدكتور الشيخ جعفر الباقري [ سامي صبيح علي ]

الخلفاء الإثنا عشر

المؤلف:

الدكتور الشيخ جعفر الباقري [ سامي صبيح علي ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-03-X
الصفحات: ٢٣٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

على كون علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) وصيّاً ، وخليفة على الأمّة من بعده (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، وتأمر المسلمين باتباعه ، واقتفاء أثره ، والأخذ عنه.

وبما أنَّ الأحاديث التي وردت عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بهذا الصدد أحاديث غفيرة جداً ، وقد ذكرتها الكتب المتخصصة بهذا الشأن.. فنحن سوف نقتصر على ذكر الأهم منها في مصادر مدرسة الخلفاء على سبيل المثال.

فمن الأحاديث التي دلت علي كون علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) وصيّاً وخليفة لرسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) من بعده ما رواه (الطبراني) في (المعجم الكبير) عن (عباية بن ربعي) عن (أبي أيوب الأنصاري) من أنّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد قال لفاطمة (عَليها السَّلامُ) :

(أما علمتِ أنَّ الله عزَّ وجلَّ اطَّلع إلى أهل الأرض ، فاختار منهم أباكِ ، فبعثه نبيّاً ، ثمَّ اطَّلع الثانية ، فاختار بعلكِ ، فأوحى إليَّ ، فأنكحتُه ، واتخذتُه وصيّاً) ١.

وروى (الطبراني) أيضاً عن (أبي سعيد الخدري) عن (سلمان) أنَّه قال :

(قلت : يا رسول الله ، لكلِّ نبيٍّ وصي ، فمن وصيُّك ؟ فسكت عني ، فلمّا بعد رآني فقال :

ـ يا سلمان !

فأسرعت اليه ، وقلت :

ـ لبيك ! فقال (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) :

ـ تعلّم مَن وصيّ موسى ؟ قلت :

ـ نعم ، يوشع بن نون ، قال (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) :

ـ لم ؟ قلت :

______________________

(١) الطبراني ، المعجم الكبير ، ج : ٤ ، ص : ١٧١ ، ح : ٤٠٤٦ ، ، وانظر كذلك : نفس المصدر ، ج : ٤ ، ص : ١٧٢ ، ح : ٤٠٤٧.

١٢١

ـ لأنَّه كان أعلمهم ، قال (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) :

ـ فانَّ وصيي ، وموضع سرّي ، وخير من اترك بعدي ، وينجز عدتي ، ويقضي ديني ، علي بن أبي طالب) ١.

وجاء في (مسند أحمد بن حنبل) عن (الأعمش) عن (المنهال) عن (عباد بن عبدالله الأسدي) عن علي (عَليهِ السَّلامُ) أنه قال :

(لما نزلت هذه الآية (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ٢ ، قال : جمع النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) من أهل بيته ، فاجتمع ثلاثون ، فأكلوا ، وشربوا ، قال : فقال لهم :

ـ من يضمن عني ديني ومواعيدي ، ويكون معي في الجنة ، ويكون خليفتي في أهلي ؟

فقال رجل :

ـ يا رسول الله ! أنت كنت بحراً ، من يقوم بهذا ؟

قال : فعرض ذلك على أهل بيته ، فقال عليٌّ رضي الله عنه :

ـ أنا) ٣.

وقد نقلت حادثة (الدار) هذه الكتب التأريخية المعتبرة لدى مدرسة الخلفاء ، وجاء في (الكامل) لـ (ابن الأثير) و (تأريخ الطبري) :

(إنَّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) أخذ بعد ذلك برقبة علي وقال :

ـ إنَّ هذا أخي ، ووصيي ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا.

______________________

(١) الطبراني ، المعجم الكبير ، ج : ٦ ، ص : ٢٢١ ، ح : ٦٠٦٣.

وانظر : كنز العمال للمتقي الهندي ، ج : ١١ ، ص : ٦١٠ ، ح : ٣٢٩٥٢.

(٢) الشعراء / ٢١٤

(٣) ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد بن حنبل ، ج : ١ ، ص : ١١١ ، ح : ٨٨٥.

١٢٢

فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع) ١ !

وورد أيضا في (المعجم الكبير) بإسناده إلى (ابن عمر) أنّه قال :

(بينما أنا مع النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) في ظل بالمدينة ، وهو يطلب علياً رضي الله عنه ، إذا انتهينا إلى حائط ، فنظرنا فيه ، فنظر إلى علي وهو نائم في الأرض ، وقد اغبرَّ فقال :

ـ لا ألوم الناس يكنّونك أبا تراب !

فلقد رأيت علياً تغيَّر وجهه ، واشتد ذلك عليه ، فقال :

ـ ألا أرضيك يا علي ؟! قال :

ـ بلى يا رسول الله ! قال (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) :

ـ أنت أخي ووزيري ، تقضي ديني ، وتنجز موعدي ، وتبرئ ذمتي ، فمن أحبَّك في حياةٍ مني فقد قضي نحبه ، ومن أحبَّك في حياة منك بعدي ختم الله له بالأمن والإيمان ، ومن أحبَّك بعدي ولم يركَ ختم الله له بالأمن والإيمان ، وآمنه يوم الفزع الأكبر ، ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة جاهلية ، يحاسبه الله بما عمل في الإسلام) ٢.

وفي (مسند أحمد بن حنبل) عن (سعد) أنَّه قال :

(لما خرج رسول الله في غزوة تبوك خلَّف علياً رضي الله عنه ، فقال :

ـ أتخلفني ؟ قال له :

______________________

(١) ابن الأثير ، الكامل في التأريخ ، ج : ٢ ، ص : ٦٢ ـ ٦٣ ، وتأريخ الطبري ، ج : ٢ ، ص : ٦٢ ـ ٦٣.

وانظر لمزيد من التفصيل : إحقاق الحق ، ج : ٣ ، ص : ٥٦٢ ، وعلي في الكتاب والسنّة ، ج : ١ ، ص : ٢٠٤ ـ ٢٠٦.

(٢) الطبراني ، المعجم الكبير ، ج : ١٢ ، ص : ٣٢١ ، ح : ١٣٥٤٩.

١٢٣

ـ أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لا نبي بعدي) (١) ؟!

وفي (حلية الأولياء) ، و (تأريخ ابن عساكر) ، و (شرح نهج البلاغة) عن (أنس) :

(أنَّ الرسول توضأ ، وصلّى ركعتين ، وقال له :

ـ أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين ، وسيد المسلمين ، وخاتم الوصيين.

فجاء علي ، فقال (صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) :

ـ مَن جاء يا أنس ؟ فقلت :

ـ علي !

فقام إليه مستبشرا فاعتنقه ..) ٢.

وفي (تأريخ دمشق) و (الرياض النضرة) عن (بريدة الأسلمي) أنَّه قال :

(قال النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ :

ـ لكلّ نبيٍّ وصي ووارث ، وإنَّ علياً وصيي ووارثي) ٣.

وبنفس هذا المعنى وردت الأحاديث التي تعبّر عن علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) بأنَّه وليُّ كلِّ مؤمن ومؤمنة ، وتأمر المسلمين باتباعه ، وموالاته ، لتقلِّده هذا المنصب الرسالي العظيم ، ومن أشهر هذه النصوص (حديث الغدير) المروي بتواتر في كتب المدرستين ، وكنموذج لهذا الحديث نورد ما روى في (مسند أحمد بن حنبل) باسناده إلى (سعيد بن وهب) و (زيد بن يثيع) أنَّهما قالا :

______________________

(١) أحمد بن حنبل ، مسند أحمد بن حنبل ، ج : ١ ، ص : ١٨٤ ، ح : ١٦٠٣.

(٢) حلية الأولياء : ١ / ٦٣ ، و تأريخ ابن عساكر ٢ / ٤٨٦ ، و شرح نهج البلاغة ، ط : الأولى ١ / ٤٥٠ ، وفي (موسوعة أطراف الحديث عن إتحاف السادة المتقين) للزبيدي ٧ / ٤٦١. (وانظر للمزيد : مرتضى العسكري ، معالم المدرستين ، ج : ١ ، ص : ٢٩٦ ـ ٢٩٧)

(٣) تأريخ دمشق لابن عساكر ٣ / ٥ ، و الرياض النضرة ٢ / ١٧٨. (وانظر للمزيد : مرتضى العسكري ، معالم المدرستين ، ج : ١ ، ص : ٢٩٧).

١٢٤

(نشدَ عليٌّ الناسَ في الرحبة :

ـ من سمع رسول الله يقول يوم غدير خُم إلّا قام ؟

قال : فقام من قبل سعيد ستة ، ومن قبل زيد ستة ، فشهدوا أنَّهم سمعوا رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يقول لعلي رضي الله عنه يوم غدير خم :

ـ أليس الله أولى بالمؤمنين ؟ قالوا :

ـ بلى ، قال :

ـ اللهم مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهمَّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، واخذل مَن خذله) ١.

وورد في (سنن الترمذي) بإسناده إلى (عمران بن حصين) أنَّه قال :

(بعث رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ جيشاً ، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ، فمضي في السرية ، فأصاب جارية فأنكروا عليه ، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فقالوا :

ـ إذا لقينا رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أخبرناه بما صنع علي..

فأقبل رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، والغضب يعرف في وجهه ، فقال :

ـ ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من علي ؟

إنَّ علي مني ، وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي) ٢.

______________________

(١) أحمد بن حنبل ، مسند أحمد بن حنبل ، ص : ٢٨١ ، ج : ٤.

(٢) الترمذي ، سنن الترمذي ، ج : ٥ ، ص : ٥٩٠ ، كتاب المناقب ، باب : ٢٠ ، مناقب علي بن أبي طالب ، ح : ٣٧١٢.

١٢٥

وفي (شواهد التنزيل) لـ (الحسكاني) عن (ابن عباس) في قوله تعالى :

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) ١ أنه قال :

ـ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ) : يعني ناصرُكم الله ، (وَرَسُولُهُ) : يعني محمداً صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، ثمَّ قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) فخصَّ من بين المؤمنين علي بن أبي طالب فقال : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) : يعني يتمّون وضوءها ، وقراءتها ، وركوعها ، وسجودها ، (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) : وذلك أنَّ رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ صلّى يوماً بأصحابه صلاة الظهر ، وانصرف هو وأصحابه ، فلم يبقَ في المسجد غير علي قائماً يصلّي بين الظهر والعصر ، إذ دخل عليه فقير من فقراء المسلمين ، فلم يرَ في المسجد أحداً خلا علياً ، فأقبل نحوه فقال : يا ولي الله ، بالذي تصلّى له أن تتصدق عليَّ بما أمكنك ، وله خاتم عقيق يماني أحمر ، كان يلبسه في الصلاة في يمينه ، فمدَّ يده فوضعها على ظهره ، وأشار إلى السائل بنزعه ، فنزعه ودعا له ، ومضى ، وهبط جبرئيل ، فقال النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لعلي :

ـ لقد باهى الله بك ملائكته اليوم ، اقرأ :

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ..) ٢.

وروى (أحمد بن حنبل) بإسناده إلى (بريدة) أنَّه قال :

______________________

(١) المائدة / ٥٥.

(٢) الحسكاني ، شواهد التنزيل ، ج : ١ ، ص : ١٦٤ ، ح : ٢٢١.

وانظر : تفسير الدر المنثور للسيوطي ، ج : ٣ ، ص : ٢٩٣ ، والكشاف للزمخشري ، ج : ١ ، ص : ١٥٤ ، وتفسير غرائب القرآن للنيسابوري ، ج : ٢ ، ص : ٨٢ ، ولزيادة التفصيل ، راجع : إحقاق الحق ، ج : ٢ ، ص : ٣٩٩ ـ ٤٠٨.

١٢٦

(بعث رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بعثين إلى اليمن ، على أحدهما علي بن أبي طالب ، وعلى الآخر خالد بن الوليد ، فقال : إذا إلتقيتم فعليُّ على الناس ، وإن افترقتما فكلّ واحد منكما على جنده ، قال : فلقينا بني زيد من أهل اليمن ، فاقتتلنا فظفر المسلمون على المشركين ، فقتلنا المقاتلة ، وسبينا الذرية ، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه ، قال بريدة : فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يخبره بذلك ، فلما أتيت النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ دفعتُ الكتاب ، فقرئ عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، فقلت :

ـ يا رسول الله ! هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ، ففعلتُ ما أرست به.

فقال رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ :

ـ لا تقع في علي فإنَّه مني ، وأنا منه ، وهو وليُّكم بعدي ، وإنَّه مني ، وأنا منه ، وهو وليُّكم بعدي) ١.

ولنقرأ ما يرويه لنا (ابن عباس) حول منزلة علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) في الإسلام ، ورعاية الرسول الخاصة به ، وإعداده الإعداد النيابي الذي يمثِّل الخليفة ، والوصي ، على أمور الدين من بعده (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بكلّ ما لهذه الخلافة والوصاية من معنى.

فقد جاء في (المعجم الكبير) لـ (الطبراني) بإسناده إلى (عمرو بن ميمون) أنَّه قال ما نصّه :

______________________

(١) أحمد بن حنبل ، مسند أحمد بن حنبل ، ج : ٥ ، ص : ٣٥٦ ، ح : ٢٢٥٠٣.

١٢٧

(كنّا عند ابن عباس ، فجاءه سبعة نفر ، وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يعمى ، فقالوا : يا بن عباس ، قم معنا ، أو قال : أخلوا يا هؤلاء ، قال : بل أقوم معكم ، فقام معهم ، فما ندري ما قالوا ، فرجع ينفض ثوبه ويقول : أفٍ أفٍ ، وقعوا في رجلٍ قيل فيه ما أقول لكم الآن ، وقعوا في علي بن أبي طالب ، وقد قال نبي الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ :

ـ لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله.

فبعث إلى علي وهو في الرحى يطحن ، وما كان أحدكم يطحن ، فجاؤوا به أرمد ، فقال :

ـ يا نبي الله ! ما أكاد أبصر.

فنفث في عينه ، وهزَّ الراية ثلاث مرات ، ثم دفعها إليه ، ففتح له ، فجاء بصفية بنت حيي ، ثمَّ قال لبني عمه :

ـ أيُّكم يتولاني في الدنيا والآخرة ؟ ـ ثلاثا ـ

حتى مرَّ على آخرهم ، فقال علي (عَليهِ السَّلامُ) :

ـ يا نبيَّ الله ! أنا وليُّك في الدنيا والآخرة. فقال النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ :

ـ أنت وليي في الدنيا والآخرة.

قال : وبعث أبا بكر بسورة التوبة ، وبعث علياً على أثره ، فقال أبو بكر :

ـ يا علي ، لعل الله ونبيَّه سخطا عليَّ ! فقال علي :

ـ لا ، ولكنَّ نبيَّ الله قال :

ـ لا ينبغي أن يبلّغ عني إلّا رجلٌ مني ، وأنا منه.

قال : ووضع نبي الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ثوبه على علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وقال :

١٢٨

ـ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ١.

وكان أول من أسلم بعد خديجة من الناس.

قال : وشرى علي نفسه ، لبس ثوب النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، ثم قام مكانه ، قال : وكان المشركون يرمون رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ، فجاء أبو بكر ، فقال :

ـ إليَّ يا رسول الله !

وأبو بكر يحسبه نبيَّ الله ، فقال علي :

ـ إنَّ نبي الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ انطلق نحو بئر ميمون فأدركه.

فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار ، وجعل علي يُرمى بالحجارة كما كان رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يُرمى ، وهو يتضور ، قد لفَّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ، ثمَّ كشف رأسه حين أصبح ، فقالوا : إنك للئيم ، كان صاحبك نرميه بالحجارة فلا يتضور ، وأنت تتضور ، وقد استنكرنا ذلك.

قال : ثم خرج بالناس في غزاة تبوك ، فقال له علي :

ـ أخرج معك ؟

قال له النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ :

ـ لا !

فبكى علي ، فقال له نبي الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ :

______________________

(١) الأحزاب / ٣٣.

١٢٩

ـ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون بن موسى ، إلّا أنك لست بنبي ، إنَّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي.

قال : وقال له :

ـ أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي.

قال : وسدَّ رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أبواب المسجد غير باب علي ، فيدخل المسجد جنباً ، وهو طريقه ، ليس له طريق غيره.

قال : وقال :

ـ مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه ..) ١.

من خلال كلّ الذي تقدم يظهر لنا جلياً أنَّ هذه الأحاديث المرويّة عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بخصوص تنصيب علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) خليفة ووصي من بعده ، وأمره للمسلمين بطاعته ، واتباعه ، وموالاته ، تنسجم تماماً مع حديث (الخلفاء الإثنى عشر) ، من ناحية مضامينه ، ومداليله العامة ، كما ألمحنا إليه ، ومن ناحية نصّ بعض ألفاظ هذا الحديث على أنَّ أول هؤلاء (الخلفاء الإثنى عشر) هو علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) ، وكونه من (قريش) ومن (بني هاشم) كما تقدم.

______________________

(١) الطبراني ، المعجم الكبير ، ج : ١٢ ، ح : ١٢٥٩٣ ، ص : ٧٧ ـ ٧٨.

وجاء في هامش الحديث : (قال في المعجم (٩ / ١٢٠) : رواه أحمد (٣٠٦٢ و ٣٠٦٣) ، والطبراني في الكبير والأوسط (٣٤٣ ـ ٣٤٤ مجمع البحرين) باختصار ، ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي بلج ، وهو ثقة ، وفيه لين ، قلت : ورواه النسائي في خصائص علي (ص : ٦١ ـ ٦٤) ، ورواه الحاكم في المستدرك (٣ / ١٣٢ ـ ١٣٤) من طريق أحمد ، وقال : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي).

١٣٠

(٨) الحسن والحسين من الخلفاء الإثنى عشر

من القواسم المشتركة الأخرى بين روايات (الخلفاء الإثنى عشر) ، والتي تقترب بنا نحو تشخيص هؤلاء الخلفاء ، وتحديد هويتهم ، الأحاديث التي وردت بنفس المضمون ، ونصَّت على أنَّ كلاً من الحسن والحسين (عَلَيهما السَّلامُ) من ضمن هؤلاء (الخلفاء الإثنى عشر).

فتارة يرد الخطاب من قبل رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) موجَّهاً للحسين بن علي (عَليهِ السَّلامُ) بأنَّه سيِّد ، وإمام ، وحجَّة ، وأنَّ بقية الخلفاء التسعة هم من ولده وذريته (عَليهِ السَّلامُ).

وتارة يرد الخطاب بخصوص الحسن والحسين (عَلَيهما السَّلامُ) بأنَّهما مع تسعة خلفاء معصومين يشكلون بمجموعهم (الخلفاء الإثنى عشر) المقصودين بالحديث المذكور.

وقد ترد الإشارة إلى الحسن بن علي (عَليهِ السَّلامُ) ضمن الخطاب الموجه للحسين بن علي (عَليهِ السَّلامُ) ، وذلك بالنصّ على كون الحسين (عَليهِ السَّلامُ) أخا سيّد ، وأخا إمام ، وأخا حجَّة ، وما تبقى من الخلفاء متمّمون لعدد (الخلفاء الإثنى عشر).

وورد في بعض روايات (الخلفاء الإثنى عشر) ذكرهم بالترتيب ، إبتداءاً بالإمام علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) ، ومن ثمَّ الحسن بن علي (عَليهِ السَّلامُ) ، ومن ثمَّ الحسين بن علي (عَليهِ السَّلامُ) ، ومن ثمَّ الخلفاء التسعة من ولد الحسين (عَليهِمُ السَّلامُ).

ونجد ضمن مصادر مدرسة الخلفاء المعتبرة مجموعة كبيرة من الروايات التي تسير بنفس هذا الإتجاهات المذكورة ، وتعضد بذلك ما تمَّت استفادته آنفاً من حديث (الخلفاء الإثنى عشر) ، ويمكن لنا استفادة هذا المعنى من خلال طائفتين من الأحاديث الواردة بهذا الشأن :

١٣١

الطائفة الأولى :

هي الأحاديث التي عبَّر فيها رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بأن كلاً من الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) منه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، فمن ذلك ما ورد في (مسند أحمد) عن (المقدام بن معدي كرب) أنَّه قال :

(وضع رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ الحسن في حجره وقال :

ـ هذا مني) ١.

وعن (البراء بن عازب) :

(أنَّ رسول الله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قال للحسن أو الحسين :

ـ هذا مني) ٢.

وروى (البخاري) ، و (الترمذي) ، و (ابن ماجة) ، و (أحمد) ، و (الحاكم) ، عن (يعلى بن مرة) عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قال :

(حسينٌ منِّي ، وأنا من حسين ، أحبَّ اللهُ مَن أحبَّ حسيناً) ٣.

فمن خلال هذه التعبيرات يمكن الإستيحاء بأنَّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يريد أن يبين للأمة الإسلامية ، ولجميع الناس أنَّ موقع الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) من الرسالة الإسلامية يعبِّر عن الإمتداد الواقعي لمهامه ، وممارساته التشريعية ، وهما الفرع المتفرع عنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لأداء هذه الوظيفة المقدّسة ، والنيابة عنه ، في

______________________

(١) أحمد بن حنبل مسند أحمد ٤ / ١٢٣ ، وكنز العمال : ١٣ / ٩٩ و ١٠٠ و ١٦ / ٢٦٢ ، ومنتخب الكنز : ٥ / ١٠٦ ، والجامع الصغير بشرح فيض الغدير : ٣ / ١٤٥ (وانظر للمزيد : العسكري ، مرتضى ، معالم المدرستين ج : ١ ، ص ٥٢٤)

(٢) المتقي الهندي ، كنز العمال ، ج ١٦ ، ص : ٢٧٠.

(٣) البخاري ، الأدب المفرد ، باب : معائقة الصبي ، ح : ٢٦٤ ، والترمذي١٣ / ١٩٥ ، في باب : مناقب الحسن والحسين ، وابن ماجة كتاب : المقدمة ، باب ١١ ، ح : ١٤٤ ، ومسند أحمد : ٤ / ١٧٢ ، ومستدرك الحاكم : ٣ / ١٧٧ ، ووصف هو الذهبي الحديث بأنه صحيح وأسد الغابة ، ٢ / ١٩ و ٥ / ١٣٠ (وانظر للمزيد : العسكري ، مرتضى ، معالم المدرستين ج ١ ص ٥٢٤).

١٣٢

سدِّ حاجة المجتمع ، وتلبية شؤونه الدينيَّة ، بعد أبيهما علي (عَليهِ السَّلامُ) ، ولا يُعقل أن يُراد أنَّهما (عَليهِما السَّلامُ) منه بمعنى القرابة المألوفة ، والإمتداد النسبي ، لأنَّ هذا الأمر واضح ، وجلي ، ولا يضيف حقيقة جديدة ، لا سيَّما إذا ما لاحظنا أنَّ هذا التعبير ورد بعينه ولفظه بحقِّ الإمام علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) ، وقد حفَّ ذلك بقرائن تفيد بأن النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يريد من كلمة : (منِّي) النيابة عنه في تبليغ أحكام الإسلام.

يقول العلّامة المحقق (مرتضي العسكري) بشأن هذه الطائفة من الأحاديث :

(إنَّ قول رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) : (منِّي) في هذه الروايات بحقِّ الحسنين ، نظير قوله بحق ِّأبيهما الإمام علي ، أراد في جميعهما أنَّهم منه في مقام تبليغ أحكام الإسلام) ١.

ولنعد إلى ما ذكره من قرائن بخصوص إطلاق هذه اللفظة على علي (عَليهِ السَّلامُ) حيث يقول :

(إن لفظ : (منِّي) في حديث : (أنتَ منِّي بمنزلة هارون من موسى) يوضِّح المراد من هذا اللفظ في أحاديث الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) الأخرى ، وذلك أنَّ هارون لما كان شريك موسى في النبوة ، ووزيره في التبليغ ، وكان علي من خاتم الأنبياء بمنزلة هارون من موسى باستثناء النبوة ، يبقى لعلي الوزارة في التبليغ.

وكذلك بيَّن الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) المراد من لفظ : (منِّي) في حديثه يوم عرفات في حجة الوداع حيث قال : (علي منِّي ، وأنا من علي ، لا يؤدِّي عنِّي إلّا أنا أو علي) ٢.

______________________

(١) العسكري ، مرتضى ، معالم المدرستين ، ج : ١ ، ص : ٥٢٥.

(٢) العسكري ، مرتضى ، معالم المدرستين ، ج : ١ ، ص : ٥١٤ ، قائلاً : أخرجه ابن ماجة في كتاب المقدمة ، باب : فضائل الصحابة ، ص : ٩٢ ، من الجزء الأول من سننه ، والترمذي ، كتاب المناقب ، ١٣ / ١٦٩ ، وهو

١٣٣

وعلي هذا فإنَّ الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) فسَّر لفظ : (منِّي) في هذه الأحاديث بكلِّ وضوح وجلاء ، وصرَّح (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أن القصد منه أنَّه (عَليهِ السَّلامُ) منه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في مقام التبليغ عن الله (جَلَّ وَعَلا) إلى المكلفين بلا واسطة ، ومن ثمَّ يتضح معنى (منِّي) في أحاديث الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في حق الإمام علي (عَليهِ السَّلامُ) ، والذي ورد في بعضها غير مفسَّر ، (مثل ما ورد في رواية بريدة في خبر الشكوى أنَّ الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قال له : لا تقع في علي فإنَّه منِّي و ١ .. ، ورواية عمران بن حصين : إنَّ علياً منِّي ٢ ..) ٣.

الطائفة الثانية :

هي الأحاديث الواردة عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، والتي نصَّت على كون الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) سبطين من الأسباط ، فعلى الرغم من أنَّ (السبط) يعني الحفيد إلّا أنَّ إرادة هذا المعنى المختص من خلال تكرار هذه الأحاديث بألفاظ متعددة بعيد جداً ، إذ لا يوجد طائل لهذا النوع من البيان ، بل يُعدُّ لغواً من القول الذي ننزه عنه رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) الذي قال الله (جَلَّ وَعَلا) بشأنه :

______________________

الحديث : ٢٥٣١ في ص : ١٥٣ من الجزء السادس من الكنز في طبعته الأولى ، وقد أخرجه الإمام أحمد في ص : ١٦٤ و ١٦٥ من الجزء الرابع من مسنده من حديث حبشي بن جنادة بطرق متعددة.

(١) أحمد بن جنبل مسند أحمد : ج ٥ ، ص : ٣٥٦ وخصائص النسائي ، ص : ٢٤ ، باختلاف يسير ، مستدرك الصحيحين : ٣ / ١١٠ ، مع اختلاف في اللفظ ، ومجمع الزوائد : ٩ / ١٢٧ ، وفي كنز العمال : ١٢ / ٢٠٧ ، مختصراً عن ابي شيبة ، وفي ١٢ / ٢١٠ ، منه عن الديلمي ، وراجع : كنوز الحقائق للمناوي ، ص : ١٨٦. (ولمزيد من التفصيل راجع : العسكري ، مرتضى ، معالم المدرستين ، ج : ١ ، ص : ٥١٤).

(٢) الترمذي ، سنن الترمذي : ج : ١٣ ، ص : ١٦٥ ، باب مناقب علي بن أبي طالب ، ومسند أحمد : ٤ / ٤٣٧ ، ومسند الطيالسي : ٣ / ١١١ ، ح : ٨٢٩ ، ومستدرك الحاكم : ٣ / ١١٠ ، وخصائص النسائي : ص ٢٩ و ١٦ ، وحلية لي نعيم : ٦ / ٢٩٤ ، والرياض النضرة : ٢ / ١٧١ ، وكنز العمال : ١٢ / ٢٠٧ و ١٥ / ١٢٥. (ولمزيد من التفصيل راجع العسكري مرتضى معالم المدرستين ج ١ ص ٤٨٨).

(٣) للتوسع يراجع : العسكري ، مرتضى ، معالم المدرستين ، ج : ١ ، ص : ٥١٣ ـ ٥١٤.

١٣٤

(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) (١).

فمن المفترض في الكلام الصادر عن حامل الرسالة (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أن يضيف في بيانه حقيقة جديدة ، أو يؤكِّد على مطلب شرعي معيَّن ، أو يوجِّه المسلمين نحو ارتكازات واقعية ينبغي لهم اعتمادها ، والسير على هداها ، لا أن يأتي ويقول للناس تكراراً ومراراً : إنَّ الحسن والحسين حفيداي ، أو إنَّ فاطمة ابنتي ، أو إنَّ علياً ابن عمي ، أو أنَّ العباس عمي ، فإنَّ هذا الكلام حتى بفرض صدوره عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بهذه الكيفية لا بدَّ أن يكون منطويا على حقيقة أعمق وأبعد ، يمكن استفادتها من خلال القرائن ، والمواقف التي تحفُّ بالكلام عادة.

وهناك حقيقة إضافية في خصوص ما نحن فيه تؤكِّد لنا أنّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يريد من مقولته هذه ما هو أبعد من هذا المعنى السطحي للكلمة ، وذلك من خلال إلقاء نظرة فاحصة ودقيقة في هذه الطائفة من الأحاديث ، فنقرأ لـ (البخاري) ، و (الترمذي) ، و (ابن ماجة) ، و (أحمد) ، و (الحاكم) روايتهم عن (يعلي بن مرة) أنَّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قال :

(حسين منِّي ، وأنا من حسين ، أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط) (٢).

ونقرأ له (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أيضاً قوله :

(الحسن والحسين سبطان من الأسباط) (٣).

وورد عن (أبي رمثة) أنَّ رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قال :

______________________

(١) النجم / ٣ ، ٤.

(٢) العسكري ، مرتضى ، معالم المدرستين ، ج : ١ ، ص : ٥٢٤ ، وقد مرّ ذكر مصادر الحديث عنه قبل قليل.

(٣) العسكري ، مرتضى ، معالم المدرستين ، ج : ١ ، : ٥٢٥ ، عن كنز العمال : ١٦ / ٢٧٠.

١٣٥

(حسين منِّي ، وأنا منه ، هو سبط ٌمن الأسباط) ١.

وفي رواية أخرى :

(الحسن والحسين سبطان من الأسباط) ٢.

وعن (البراء بن عازب) عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قال :

(حسين منِّي ، وأنا منه ، أحب اللهُ من أحبَّه ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط) ٣.

فمن الملاحظ في جميع هذه الروايات أنَّها لم ترد عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بلسان : (الحسين سبطي) ، أو (الحسن والحسين سبطاي) ، لكي يأتي التفسير السابق ، وإنَّما جعل النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) كلاً من الحسن والحسين مصداقاً من مصاديق عنوانٍ كلّي مألوف في الخطابات الشرعيَّة ، وهو عنوان (الأسباط) ، فنصَّ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) على أنَّهما من (الأسباط) ، وفي طائفة أخرى من الأحاديث نصَّ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) على أنَّهما (سبطا هذه الأمَّة) شأنهما في ذلك شأن الأمم السابقة.

فنحن بحاجة إذن إلى الرجوع إلى مدلول هذا العنوان الكلّي ، واستفادة معناه من الخطابات الشرعيَّة ، لنصل بالنتيجة إلى معنى كون الحسن والحسين (عَليهِ السَّلامُ) سبطين من الأسباط ، أو سبطي هذه الأمَّة.

ولا ينبغي الإرتياب في أنَّ المصدر الشرعي الأول الذي يتصدر لائحة المراجع الإسلامية هو القرآن الكريم ، كما أنَّ من غير الطبيعي على المحقق والباحث التوقف طويلاً عند هذه المفردة الشرعية الواردة بكثرة في الكتاب العزيز ، ومن ثمَّ انتزاع فذلكة التطبيق الوارد في أحاديث النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ).

______________________

(١) المتقي الهندي كنز العمال ج ١٣ ص ١٠٦.

(٢) المتقي الهندي كنز العمال ج ١٣ ص ١٠١ و ١٠٥.

(٣) المتقي الهندي كنز العمال ج ١٦ ص ٢٧٠.

١٣٦

فعند مطالعة الآيات التي ورد فيها هذا العنوان ، نجدُ أنَّـه قد ورد في بعض الأنبياء السابقين لنبي الإسلام محمد (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، وبما أنَّ نبينا (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) هو خاتم الأنبياء ، ولا نبيَّ بعده ، فهذا يعني أن الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) سيقومان بالنسبة للرسالة الإسلامية بنفس الدور الذي قام به (الأسباط) من قبل بالنسبة للشرائع السماويَّة السابقة ، ويتوليان خلافة النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، والنيابة عنه في أمور التشريع وشؤونه بعد أبيهما علي بن أبي طالب (عَليهِ السَّلامُ) كما تقدم إثباته.

ومن غير الخفي علينا أنَّ النبوة التي كانت شأنا من شؤون (الأسباط) ومختصاتهم كما صرَّح بذلك القرآن الكريم ١ ، ولا يمكن أن يتصف بها الخليفة والنائب عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، أو يحمل آثارها وخواصَّها ، باعتبار أنَّ جميع الرسالات والشرائع قد ختمت بالرسالة الإسلامية الخالدة ، وجميع النبوات قد ختمت وانتهت إلى نبوته (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، كما هو واضح لدى الجميع ، فيبقى من عنوان (الأسباط) إذن ما عدا وصف النبوة وخواصِّها جميعُ المهام التي اضطلع بها (الأسباط) ، ومارسوها وتميَّزوا بها عن بقية الناس بالنسبة إلى الرسالات السماوية السابقة ، وهي تتلخص بتبليغ أحكام الله (جَلَّ وَعَلا) ، والمحافظة عليها ، والذبّ عنها حتى النفس الأخير.

ولو طبَّقنا هذه النتيجة على الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) وفقا لما ورد في أحاديث النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، لأنتهينا علميّاً إلى القول بأنَّ وظيفة الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) تعبِّر عن الإمتداد الشرعي لوظيفة رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، وأنَّهما (عَليهِما السَّلامُ) يمارسان نفس المهام التي مارسها (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، ما عدا صفة النبوّة وخصائصها التي استأثر بها

______________________

(١) سيأتي ذكر هذه الآيات قريباً إن شاء الله تعالى.

١٣٧

(صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) عن بقية (الخلفاء الإثنى عشر) من بعده ، ومنهما الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) بالضرورة.

ويمكن ان نلتمس من خلال أحاديث رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ما يعزّز هذا المعنى ويؤيده ، ولعلَّ من أبرز هذه الأحاديث وأوضحها دلالة على المقصود (حديث المنزلة) الذي نصَّ فيه رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) على كون الإمام علي (عَليهِ السَّلامُ) منه بمنزلة هارون من موسى ، فيمكن لهذا الحديث أن يوضِّح لنا هذه النقطة بجلاء ، ويفكك لنا بين عنوان النبوَّة وبين أداء الأحكام الشرعية ، والنيابة عنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بهذا الشأن ، إذ قد ورد في ذيل الحديث أن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد قال :

(إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدي).

وفي بعض النصوص أنَّه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قال :

(إلّا أنَّه لا نبوة بعدي) ١.

______________________

(١) ورد (حديث المنزلة) في أشهر كتب مدرسة الخلفاء متضافراً ، ومتسالماً عليه عن أكثر من عشرة صحابة من صحابة رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ، وسنذكر للقارئ الكريم بعض النماذج من مصادر (مدرسة الخلفاء) الأكثر اعتباراً ، والتي ورد في جلِّها تذييل الحديث بالقول بأنَّه : (لا نبوَّة بعدي) ، أو (لا نبيَّ بعدي) ، وأمّا مصادر مدرسة أهل البيت (عَليهِ السَّلامُ) ، فنعرض عن ذكرها ، لئلا يطول بنا المقام.

فقد ورد الحديث عن (سعد بن أبي وقاص) في مسند أحمد بن حنبل ، ج : ١ ، ح : ١٤٦٦ ، ص : ١٧٠ ، وح : ١٦٠٣ ، ص : ١٨٤ ، وح : ١٥٣٥ ، ص : ١٧٧ ، وح : ١٥٨٧ ، ص : ١٨٣ ، وح : ١٥٠٨ ، ص : ١٧٥ ، وح : ١٤٩٣ ، ص : ١٧٣ ، وح : ١٥١٢ ، ص : ١٧٥ ، وح : ١٦١١ ، ص : ١٨٥.

وفي سنن ابن ماجة ، ج : ١ ، ص : ٤٥ ، المقدمة ، باب : ١١ ، ونفس الباب ، ص : ٤٢.

وفي المعجم الكبير للطبراني ، ج : ١ ، ح : ٣٣٤ ، ص : ١٤٨ ، وح : ٣٣٣ ، ص : ١٤٨ ، بطريقين ، وح : ٣٢٨ ، ص : ١٤٦.

وفي صحيح مسلم ، ج : ١٥ ، باب : فضائل علي ، ص : ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٧٦.

وفي صحيح البخاري ، ج : ٥ ، كتاب المغازي ، باب : غزوة تبوك ، ص : ١٢٩ ، وج : ٤ ، باب : فضائل أصحاب النبي ، ص : ٢٠٨.

١٣٨

فهذا يدل على بقاء مهام الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) محفوظة وقائمة في خلفائه الإثنى عشر ، ومنهم الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) على الرَّغم من أنَّه لا نبوَّة بعده ، لأنَّ مهمة هارون بالنسبة إلى موسى معروفة لدى الجميع ، فكذلك منزلة الإمام علي (عَليهِ السَّلامُ) من الرسول (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) هي نفس المنزلة المذكورة ما عدا النبوة ، وبتطبيق هذا المعنى على الأسباط ننتهي إلى نفس النتيجة ، فيأخذ الحسن والحسين (عَليهِما السَّلامُ) بعد أبيهما نفس وظائف التبليغ عن الله (جَلَّ وَعَلا) التي كان يمارسها (الأسباط) ما عدا عنوان النبوة وخصائصها ، كالوحي إليه بصورة مباشرة مثلاً.

يقول العلّامة (مرتضى العسكري) في بيان هذا المطلب :

______________________

وفي التأريخ الكبير للبخاري ، ج : ١ ، ح : ٣٣٣ ، ١١٥ ، ط : حيدر آباد.

وفي سنن الترمذي ، ج : ٥ ، كتاب المناقب ، باب : ٢١ ، ص : ٥٩٦ ، وص : ٥٩٩.

وفي مستدرك الحاكم على الصحيحين ، ج : ٣ ، كتاب معرفة الصحابة ، ص : ١٠٨ ، بطريقين.

وروي الحديث عن (ابن عباس) في مسند أحمد بن حنبل ، ج : ٣ ، ح : ١٠٨٧٩ ، ص : ٣٢.

وعن (علي بن أبي طالب) في مستدرك الحاكم ، ج : ٢ ، ص : ٣٣٧.

وعن (حبشي بن جنادة السلولي) في المعجم الصغير للطبراني ، ج : ٢ ، ص : ٥٣.

وعن (جابر بن سمرة) في المعجم الكبير للطبراني ، ج : ٢ ، ح : ٢٠٣٥ ، ص : ٢٤٧.

وعن (جابر بن عبد الله) في سنن الترمذي ، ج : ٥ ، كتاب المناقب ، باب : ٢١ ، ص : ٥٩٨.

وعنه أيضا في مسند أحمد بن حنبل ، ج : ٣ ، ح : ١٤٢٢٨ ، ص : ٣٣٨.

وعن (مالك بن الحورث) في المعجم الكبير للطبراني ، ج : ١٩ ، ح : ٦٤٧ ، ص : ٢٩١.

وعن (البراء بن عازب) في المعجم الكبير للطبراني ، ج : ٥ ، ح : ٥٠٩٥ ، ص : ٢٠٣.

وعن (زيد بن أرقم) في المعجم الكبير للطبراني ، ج : ٥ ، ح : ٥٠٩٤ ، ص : ٢٠٣.

وعن (ابن عباس) في المعجم الكبير للطبراني ، ج : ١٢ ، ح : ١٢٥٩٣ ، ص : ٧٧ ، وج : ١٢ ، ح : ٢٣٤١ ، ص : ١٤ ، وج : ١١ ، ح : ١١٠٩٢ ، وص : ٦٢ ، وج : ١١ ، ح : ١١٠٨٧ ، ص : ٦١.

وفي الحاكم في المستدرك ، ج : ٣ ، ص : ١٣٢.

وعن (أسماء بنت عميس) في مسند أحمد بن حنبل ، ج : ٦ ، ح : ٢٦٩٢١ ، ص : ٤٣٨ ، وح : ٢٦٥٤١ ، ص : ٣٦٩.

وفي المعجم الكبير للطبراني ، ج : ٢٤ ، ح : ٣٨٤ ، ص : ١٤٦ ، وح : ٣٨٥ ، ص : ١٤٦ ، وح : ٣٨٦ ، ص : ١٤٦ ، وح : ٣٨٧ ، ص : ١٤٧ ، وح : ٣٨٨ ، ص : ١٤٧.

١٣٩

(وكذلك نرى أنَّ قوله في حقهما أنَّهما سبطان من الأسباط ، لا يعني أنَّهما حفيدان ، كما أنَّ جميع البشر ما عداهما حفده ، فهذا هذر من القول حاشا رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) منه ، بل انَّ الألف واللام في الأسباط للعهد الذهني من القرآن الكريم ، أي : أنَّهما من الأسباط المذكورين في كتاب الله في قوله (جَلَّ وَعَلا) :

(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ١.

وقوله (جَلَّ وَعَلا) :

(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ) ٢.

وقوله (جَلَّ وَعَلا) :

(قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ) ٣.

وقوله (جَلَّ وَعَلا) :

(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ) ٤.

______________________

(١) البقرة / ١٣٦.

(٢) البقرة / ١٤٠.

(٣) آل عمران / ٨٤.

(٤) النساء / ١٦٣.

١٤٠