كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

كان على المحصن الرجم بلا خلاف ، وعندنا انه يجلد أولا مائة جلدة ، ثم يرجم ، وفي أصحابنا من خص ذلك بالشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين ، فاما إذا كانا شابين محصنين ، لم يكن عليهما غير الرجم ، وهو قول مسروق ، وفي ذلك خلاف (١) ذكرناه في الخلاف (٢).

ثم قال (٣) وحد الإحصان في الرجل هو ان يكون له فرج متمكن من وطئه ، ويكون مالكا له ، سواء كان بالعقد أو ملك اليمين ، ويراعى في العقد ان يكون مالكا له على جهة الدوام ، دون نكاح المتعة ، فإن المتعة لا تحصن ، فاما العقد الدائم فلا فرق بين ان يكون على حرة ، أو امة ، أو يهودية ، أو نصرانيّة ، فإن جميع ذلك يحصن الرجل ، وملك اليمين أيضا يحصن على ما قلناه ، وإذا لم يكن متمكنا من الوطي ، بأن يكون غائبا عن زوجته ، لا يمكنه الوصول إليها ، أو يكون مع كونه حاضرا غير متمكن من وطئها ، بان يكون محبوسا وما أشبه ذلك ، أو لا يكون قد دخل بها بعد ، فان جميع ما ذكرناه يخرجه من كونه محصنا ، والإحصان في المرأة مثل الإحصان في الرجل سواء ، وهو ان يكون لها زوج يغدو إليها ويروح ، مخلا بينه وبينها ، غير غائب عنها ، وكان قد دخل بها ، حرا كان أو عبدا ، وعلى كل حال ، والقسم الرابع ، وهو من يجب عليه الجلد ثم النفي ، وهو البكر والبكرة ، والبكر هو الذي قد أملك على امرأة ولا يكون قد دخل بها بعد ، ثم زنى ، فإنه يجب عليه الجلد مائة ، ونفى سنة عن مصره الى مصر أخر ، بعد ان يجز رأسه ، والبكرة تجلد مائة ، وليس عليها جز الشعر ، ولا النفي على حال (٤).

وقد قلنا ما عندنا في ذلك ، الّا ان شيخنا رجع عن هذا التفسير في مسائل خلافه ، وقال مسألة : البكر عبارة عن غير المحصن ، فإذا زنى البكر جلد مائة ، وغرب عاما ، واستدل على ذلك بإجماع الفرقة واخبارهم (٥).

__________________

(١) التبيان ، ج ٧ ، ص ٣٥٩ ، ذيل الآية الشريفة ، « الزّانِيَةُ وَالزّانِي ».

(٢) الخلاف ، كتاب الحدود ، مسألة ٢.

(٣) تتمة لكلامه قدس‌سره في النهاية.

(٤) النهاية ، كتاب الحدود ، باب أقسام الزنا.

(٥) الخلاف ، كتاب الحدود ، مسألة ٣.

٤٤١

وهو الصحيح الذي اخترناه ، ومن فسر البكر بما فسره شيخنا في نهايته ، يحتاج الى دليل ، وليس عليه دليل من إجماع ، ولا كتاب ، ولا سنّة مقطوع بها ، ولا يرجع في ذلك الى اخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا ، بل حقيقة البكر في لسان العرب من ذكرناه ، وفي عرف الشرع ما أثبتناه وحكيناه ، ولقوله عليه‌السلام البكر بالبكرة جلد مائة (١) ، وتغريب عام ، والثيّب بالثيّب جلد مائة (٢) ثم الرجم ، (٣) فقسّم الزناة قسمين كما ترى لا ثالث لهما.

ثم قال والخامس وهو من يجب عليه الجلد وليس عليه أكثر من ذلك ، فهو كل من زنى وليس بمحصن ، ولا بكر ، فإنّه يجب عليه جلد مائة (٤) وليس عليه أكثر من ذلك ، رجلا كان أو امرأة ، ثم قال ومن هذه صورته إذا زنى ، فجلد ثم زنى ثانية ، فجلد ، ثم زنى ثالثة ، فجلد ، ثم زنى رابعة كان عليه القتل (٥).

قال محمّد بن إدريس ، والأظهر من أقوال أصحابنا ، والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، انه يقتل في الثالثة ، لإجماعنا ان أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة ، وهذا منهم بغير خلاف.

ومن عدا المحصن من الزناة إذا زنى ثلاث مرات أو أكثر من ذلك ، ولم يقم عليه فيها الحد ، فليس عليه أكثر من مائة جلدة.

وجميع هذه الأقسام والاحكام التي ذكرناها خاصة في الحر والحرّة. إلّا القسم الأول ، فإنه يشترك فيه العبيد والأحرار ، فأما ما عدا ذلك ، فحكم المملوك غير حكم الحر ، فحكم المملوك والمملوكة إذا زنيا ان يجب على كل واحد منهما خمسون جلدة ، زنيا بحرّ أو بحرّة ، أو مملوك أو مملوكة ، لا يختلف الحكم فيه ، شيخين كانا أو شابين ، محصنين أو غير محصنين ، بكرين أو غير بكرين ، وعلى كل حال ، وليس عليهما أكثر من ذلك ، غير انهما إذا زنيا سبع مرات ، فأقيم عليهما الحدّ في ذلك ، ثم زنيا الثامنة ، كان عليهما القتل ، على ما رواه (٦) أصحابنا.

__________________

(١) و (٢) ج. مائة جلدة.

(٣) سنن ابن ماجة ، ج ٢ ، كتاب الحدود ص ٨٥٢ باب ٧ ، ح ٢٥٥٠.

(٤) ج. مائة جلدة.

(٥) النهاية ، كتاب الحدود ، باب أقسام الزنا.

(٦) الوسائل : الباب ٣٢ من أبواب حد الزنا ، ج ٢ ، وفي الفقيه باب حد المماليك في الزنا ح ١ / ٥٠٥١ ، ج ٤ ، ص ٤٤.

٤٤٢

وذهب بعضهم إلى انهما لا يقتلان الّا ان يزنيا ثماني مرّات ، ويقام عليهما الحد في ذلك ، ثم زنيا التاسعة ، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته (١).

وما اخترناه مذهب ابن بابويه ، وغيره من أصحابنا ، وبذلك وردت أكثر الأخبار (٢).

فان لم يقيم عليهما الحد في شي‌ء من ذلك ، وكان أكثر من ثماني مرات ، لم يجب عليهما أكثر من خمسين جلدة ، حسب ما قدمناه.

وزنا الرجل الحر بالحرة المسلمة ، والأمة المسلمة ، إذا كانت لغيره ، سواء كانت لزوجته أو لوالديه ، أو غيرهما من الأجانب على حد واحد ، لا يختلف الحكم فيه.

وكذلك حكم المرأة ، لا فرق بين ان تزني بحر أو بعبد ، ملك لها أو لغيرها ، فان لحكم في ذلك لا يختلف.

وقد روى انه إذا زنى الرجل بصبيّة لم تبلغ ولا مثلها قد بلغ ، لم يكن عليه أكثر من الجلد ، وليس عليه رجم (٣).

فإن أفضاها أو عابها كان ضامنا لعيبها ، وعليه مهر نسائها ، وكذلك المرأة ، إذا زنت بصبي لم يبلغ ، لم يكن عليها رجم ، وكان عليها جلد مائة ، وعلى الصبي والصبية التأديب.

وهذا مذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (٤).

وذهب شيخنا المفيد في مقنعته ان على الرجل وعلى المرأة الحد (٥).

وأطلق كلامه وهو الصحيح عندي ، لأن الإحصان والزنا وجدا معا ، وهما الموجبان للحدّ والرجم.

ولا يبلغ بالتأديب أكثر من عشرة أسواط.

__________________

(١) النهاية ، كتاب الحدود ، باب أقسام الزنا.

(٢) الظاهر ان مراده منها الأخبار التي تدل على ان حد المملوك نصف حد الحرّ فراجع الوسائل الباب ٣١ ، و ٣٢ من أبواب حد الزنا.

(٣) الوسائل ، الباب ٩ من أبواب حد الزنا ، ح ٤.

(٤) النهاية ، كتاب الحدود ، باب أقسام الزنا.

(٥) المقنعة ، باب الحدود والآداب ص ٧٧٩.

٤٤٣

وروى ان الرجل إذ زنى بمجنونة ، لم يكن عليه (١) رجم إذا كان محصنا ، وكان عليه جلد مائة ، وليس على المجنونة شي‌ء بحال ، لا جلد ولا رجم ، ولا تعزير (٢).

فان زنى مجنون بامرأة عاقلة ، لم يكن عليه أيضا شي‌ء بحال ، ووجب على المرأة الحدّ تاما.

وقد روى في بعض الاخبار أن على المجنون إذا كان فاعلا الحد تاما جلد مائة ، أو الرجم (٣).

أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (٤) ، وشيخنا المفيد في مقنعته (٥).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ما قدمناه ، انه لا حدّ على المجنون والمجنونة ، لأنهما غير مخاطبين بالتكاليف والاحكام ، ولا قام دليل على ذلك فيهما ، والأصل براءة الذمّة ، وثبوت ذلك عليهما يحتاج الى شرع ، ولا يرجع في مثل ذلك الى اخبار آحاد ، أو إيراد مصنف في كتابه ، أو فتياه ، لان جميع ذلك لا يوجب علما ولا عملا.

ومن زنى وتاب قبل قيام البيّنة عليه بذلك ، درأت التوبة عنه الحد ، فان تاب بعد قيام الشهادة عليه ، وجب عليه الحد ، ولم يجز للإمام العفو عنه ، سواء كان حده جلدا أو رجما.

فان كان (٦) أقر على نفسه وهو عاقل حر ، عند الامام ، ثم أظهر التوبة ، كان للإمام الخيار في العفو عنه أو إقامة الحد عليه ، حسب ما يراه من المصلحة في ذلك ، هذا إذا كان الحد رجما يوجب تلف نفسه ، فاما إذا كان الحد جلدا فلا يجوز العفو عنه. ولا يكون الحاكم بالخيار فيه ، لأنا أجمعنا على انه بالخيار في الموضع الذي ذكرناه ، ولا إجماع على غيره ، فمن ادعاه وجعله بالخيار ، وعطل حدا من حدود الله فعليه الدليل.

__________________

(١) ج. ل. رجم.

(٢) لم نتحققها إلّا في النهاية ، كتاب الحدود ، باب أقسام الزنا.

(٣) الوسائل ، الباب ٢١ ، من أبواب حد الزنا ، ح ٢.

(٤) النهاية ، كتاب الحدود ، باب أقسام الزنا.

(٥) المقنعة ، باب الحدود والآداب ص ٧٧٩.

(٦) ج. يراه الامام.

٤٤٤

إذا وجد الرجل مع امرأته رجلا يفجر بها ، وهما محصنان ، كان له قتلهما وكذلك إذا وجده مع جاريته أو غلامه ، فان وجده ينال منها دون الفرج ، كان له منعه منها ، ودفعه عنها ، فان أبي الدفع عليه ، فهو هدر فيما بينه وبين الله تعالى ، فاما في الحكم ، فإن أقام البيّنة على ذلك ، فلا شي‌ء عليه ، فان لم يكن له بينة ، فالقول قول ولى الدم ، انهم لا يعلمون ذلك منه ، ولهم القود.

وإذا زنى اليهودي أو النصراني بأهل ملته ، كان الامام مخيرا بين اقامة الحد عليه بما تقتضيه شريعة الإسلام ، وبين تسليمه الى أهل دينه ، أو دين المرأة ، ليقيموا عليهما الحدود على ما يعتقدونه ، لقوله تعالى « فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ » (١) وأو في لسان العرب بغير خلاف للتخيير.

ومن عقد على امرأة في عدتها ، ودخل بها عالما بذلك ، وجب عليه الحد تاما ، فان كان عدّتها عدة الطلاق الرجعي ، كان عليها الرجم ، لأنها محصنة عندنا ذات بعل ، فان كانت التطليقة بائنة لا رجعة للبعل عليها فيها ، أو كانت عدة فسخ ، أو عدة المتوفّى عنها زوجها ، كان عليها الجلد دون الرجم ، لأنها غير محصنة ، فإن ادعيا انهما لم يعلما ان ذلك لا يجوز في شرع الإسلام ، وكانا قريبي العهد بالإسلام ، فإنه يدرأ الحد عنهما. لقوله عليه‌السلام ـ ادرءوا الحدود بالشبهات ـ (٢) وهذه شبهة بغير خلاف ، فاما إذا كانا بخلاف ذلك ، لم يصدقا فيه ، وأقيم عليهما الحد ، لان هذا شائع ذائع بين المسلمين ، لا يختص بعالم دون عامي جاهل ، فلا شبهة لهما في ذلك ، فليلحظ الفرق بين الموضعين.

وشيخنا أبو جعفر أطلق ذلك في نهايته (٣) إطلاقا.

والاولى ما فصلناه ، لأنه الذي يقتضيه الأدلة القاهرة ، من الإجماع وغيره.

والمكاتب إذا زنى ، وكان مشروطا عليه ، فحكمه حكم المماليك سواء ، وان كان غير مشروط عليه ، وقد أدى من مكاتبته شيئا ، جلد بحساب ما ادى حد الحر من

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٤٢.

(٢) الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب مقدمات الحدود ، ح ٤.

(٣) النهاية ، كتاب الحدود ، باب أقسام الزنا.

٤٤٥

مائة جلدة ، وبحساب ما بقي من جلد المملوك من خمسين جلدة ، وليس عليه الرجم إلّا في الموضع الذي يجب الرجم على المملوك في الدفعة الثامنة ، أو بعد أن تنقضي مكاتبته ، فيصير حكمه حكم الأحرار ، ويطأ بعد ذلك زوجته وهو حر ، فإذا زنى بعد ذلك وجب عليه حينئذ الرجم.

وكذلك المملوك المحصن ، إذا أعتق ثم زنى ، فان كان قد وطئ امرأته بعد العتق وقبل الزنا ، كان عليه الرجم ، وان لم يكن وطأها بعد العتق ، وان كان قد دخل بها قبل ذلك ، كان عليه الجلد فحسب ، لانه بحكم من لم يدخل بزوجته من الأحرار.

ومن كان له جارية يشركه فيها غيره ، فوطأها مع علمه انه لا يجوز له وطؤها ، وله فيها شريك ، كان عليه الحد بحساب ما لا يملك منها ، ويدرأ عنه الحد بحساب ما يملكه منها ، فاما ان اشتبه الأمر عليه ، وادعى الشبهة عليه في ذلك ، فإنه يدرأ عنه الحد ، لقوله عليه‌السلام ادرءوا الحدود بالشبهات (١).

ومن وطئ جارية من المغنم قبل ان تقسّم ، وادعى الشبهة في ذلك ، فإنه يدرأ عنه الحد ، للخبر المذكور المجمع عليه ، وهو ما قدمناه (٢).

وقد روى انها تقوم عليه ، ويسقط عنه من قيمتها بمقدار ما يصيبه منها ، والباقي بين المسلمين ، ويقام عليه الحد ، ويدرأ عنه بمقدار ما كان له منها (٣).

والاولى ما ذكرناه ، لان الاشتباه في ذلك حاصل بلا خلاف.

وأيضا فإنه يظن ان سهمه أكثر منها ومن قيمتها.

وأيضا الأصل براءة الذمة ، والحد يحتاج الى دليل ، وقوله عليه‌السلام المجمع عليه ـ ادرءوا الحدود بالشبهات ـ (٤) يعضد ذلك.

والمرأة إذا زنت ، فحملت من الزنا ، فشربت دواء ، فأسقطت ، أقيم عليها الحد

__________________

(١) و (٢) الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب مقدمات الحدود ، ح ٤.

(٣) الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب حد الزنا ، ح ٣ ـ ٦.

(٤) الوسائل ، الباب ٢٤ ، من أبواب مقدمات الحدود ح ٤.

٤٤٦

للزنا ، وعزرها الامام على جنايتها بسقوط الحمل ، حسب ما يراه.

ومن زنى في شهر رمضان نهارا ، أقيم عليه الحد ، وعوقب زيادة عليه ، لانتهاكه حرمة شهر رمضان ، والزم الكفارة للإفطار.

فإن زنى ليلا ، كان عليه الحد والتعزير ، دون القضاء والكفارة.

ومن زنى في حرم الله أو حرم رسوله أو حرم أحد من الأئمّة عليهم‌السلام كان عليه الحد للزنا ، والتعزير لانتهاكه حرمة حرم الله وأوليائه.

وكذلك إذا فعل شيئا يوجب الحد أو التعزير (١).

وفيما يوجب (٢) التعزير تغليظ العقوبة.

ومن زنى في الأوقات الشريفة ، مثل ليالي الجمع ، أو ليلة النصف من شعبان ، أو ليالي الأعياد ، أو أيام هذه الليالي ، أو يوم سبعة وعشرين من رجب ، أو ليلته ، أو خمسة وعشرين من ذي القعدة ، أو ليلة سبعة عشر من شهر ربيع الأوّل ، أو يوم الغدير ، أو ليلته ، أو ليلة عاشوراء ، أو يومه ، أو يوم عرفة وغير ذلك من الأوقات المباركات ، فإنه تغلظ عليه العقوبة.

وإذا أقر الإنسان على نفسه بالزنا ، كان عليه الحد على ما بيّناه ، فإن أقرّ أنه زنى بامرأة بعينها ، كان عليه حد الزنا وحد القذف مع مطالبة المقذوفة له بالحد ، لانه من حقوق الآدميين.

وكذلك حكم المرأة إذا قالت زنى بي فلان.

والسكران إذا زنى أقيم عليه الحدّ للزنا والسكر معا ، ولا يسقط عنه واحد منهما لسكره.

وكذلك متى ارتد (٣) ، أو أسلم حكم بإسلامه وارتداده عندنا ، فاما عقوده فلا تصح ، ولإطلاقه ولا عتاقه ، وسيجي‌ء الكلام عليه في موضعه ان شاء الله تعالى.

والأعمى إذا زنى وجب عليه الحد ، كما يجب على البصير ، ولا (٤) يسقط عنه

__________________

(١) ل. أو التعزير في مسجد أو موضع عبادة فإنه يجب عليه مع الحد التعزير.

(٢) ج. الحد والتعزير.

(٣) ج. ل. وأسلم.

(٤) ج. ل. لم يسقط.

٤٤٧

الحد لعماه ، فان ادعى انه اشتبه عليه الأمر فظن ان التي وطأها كانت زوجته أو أمته ، وكانت الحال شاهدة بما ادعاه ، بان تكون على فراشه نائمة ، قد تشبهت بزوجته أو أمته ، فإنه يدرأ عنه الحد للشبهة ، وان كان شاهد الحال بخلاف ذلك ، فإنه لا يصدّق ، وأقيم عليه الحد.

وقد روى ان امرأة تشبهت لرجل بجاريته ، واضطجعت على فراشه ليلا ، فظنها جاريته فوطأها من غير تحرز ، فرفع خبره الى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأمر بإقامة الحد على الرجل سرا واقامة الحد على المرأة جهرا (١).

أورده هذه الرواية شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢) ، الّا انه رجع عنها في مسائل خلافه فقال. مسألة : إذا وجد الرجل امرأة على فراشه فظنها زوجته ، فوطأها ، لم يكن عليه الحد ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة عليه الحد ، وقد روى ذلك أيضا أصحابنا ، دليلنا ان الأصل براءة الذمة ، وشغلها يحتاج الى دليل ، هذا أخر المسألة من كلامه رحمه‌الله (٣).

وما ذهب إليه في مسائل خلافه هو الصحيح الذي يقتضيه أصول مذهبنا.

ويعضد استدلال شيخنا قوله عليه‌السلام المتفق عليه ـ ادرءوا الحدود بالشبهات ـ (٤) وهذه شبهة بلا خلاف.

وأيضا فالرجل غير زان ، ولو جاءت بولد ألحق به بلا خلاف ، لانه وطئ شبهة ، فكيف يكون عليه الحد ، فلا نرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.

ولو كان شيخنا أبو جعفر الطوسي يعمل باخبار الآحاد على ما يدعى عليه ، لأجل ما يلوح بذلك في بعض كلامه ، لزمه ان يوجب عليه الحد سرا ، لأنه قال على ما رواه أصحابنا ، وأورد الرواية في نهايته ، الا انه دفعها في مسائل خلافه ، وعمل

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣٨ ، من أبواب حد الزنا ، ح ١.

(٢) النهاية ، كتاب الحدود ، باب أقسام الزنا.

(٣) الخلاف ، كتاب الحدود ، مسألة ٢٠.

(٤) الوسائل ، الباب ٢٤ ، من أبواب مقدّمات الحدود .. ح ٤.

٤٤٨

بما يوجب اليقين ، وثلج الصدر ويقطع العذر.

ولا يحد من ادعى الزوجيّة ، الّا ان تقوم البيّنة بخلاف دعواه ، ولا حد أيضا مع الإلجاء والإكراه ، وانما يجب الحد بما يفعله الإنسان مختارا.

ومن افتض جارية بكرا بإصبعه فإن كانت امة ، روى انه يغرم عشر ثمنها ، ويجلد من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا عقوبة ، لما جناه (١).

والاولى انه يغرم ما بين قيمتها بكرا وثيبا.

وان كانت الجارية حرة غرم عقرها ، وهو مهر مثل نسائها بلا نقصان.

فان كان قد زنى بالحرة وهي عاقلة فذهب بعذرتها ، لم يكن لها عليه شي‌ء من المهر ، لان العقر قد ذكرنا انه دية الفرج المغصوب ، وهذا ما غصبها عليه.

وجملة الأمر في ذلك وعقد الباب انه إذا زنى الرجل بامرأة فلا يخلو اما ان تكون المرأة جارية لغيره ، أو حرة ، فإن كانت جارية ، فلا يخلو ان تكون ثيّبا أو بكرا ، فان كانت ثيّبا ، فلا يخلو اما ان تكون مكرهة أو مطاوعة ، فإن كانت مطاوعة فلا شي‌ء لمولاها على الزاني بها ، فإنه لا يستحق عليه مهرا ، لأن الرسول عليه‌السلام نهى عن مهر البغي (٢) فإن كانت مكرهة ، فيجب على الزاني لمولاها مهر أمثالها.

وذهب بعض أصحابنا ، الى ان عليه نصف عشر ثمنها.

والأول هو الصحيح ، لان هذا ورد فيمن اشترى جارية ووطأها ، فكانت حاملا ، وأراد ردّها ، فإنه يردها ويرد معها نصف عشر ثمنها ، والقياس عندنا باطل.

فامّا ان كانت بكرا فلا يخلو ان تطاوع أو تكره على الفعال ، فان كانت مكرهة ، فعليه مهر أمثالها وعليه ما نقص من قيمتها قبل افتضاضها ، وهو أرش البكارة ، تجمع بين الشيئين معا بين المهر وما نقص من القيمة ، لأن أحدهما لا يدخل في الآخر ، ألزمناه المهر لأنها هاهنا مكرهة غير بغى ، ولم ينه عليه‌السلام الّا عن مهر

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣٩ من أبواب حد الزنا ، ح ٥ ، ولكن عبارة يجلد من ثلاثين .. من كلام ابن إدريس قده كما قال في الجواهر ، ج ٤١ ، ص ٣٧١ ، في المقام هكذا وعن الشيخ من ثلاثين إلى سبعة وتسعين وعن ابن إدريس إلى تسعة وتسعين.

(٢) الوسائل ، الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به ، ح ١٣ ـ ١٤.

٤٤٩

البغي ، وهذه حينئذ ليست بغيا وألزمناه ما نقص من القيمة بأخذ (١) بكارتها ، لأنها جناية على مال الغير ، فيجب ان يلزم بأرش ما جناه وأتلفه.

فإن كانت مطاوعة فلا يلزمه المهر ، لأنّها بغي ، بل يجب عليه ما نقص من قيمتها فحسب ، والمهر لا يلزمه ، لأنها بغي ، والرّسول عليه‌السلام نهى عن مهر البغي.

فاما أن كانت المزني بها حرة ، فإن كانت ثيبا ، وكانت مطاوعة عاقلة ، فلا شي‌ء لها على الزاني بها ، وان كانت مكرهة فيجب عليه عقرها ، وهو مهر أمثالها ، لأنها غير بغي.

فإن كانت بكرا وكانت مطاوعة ، فلا شي‌ء لها ، لأنها زانية ، وبكارتها ذهبت باختيارها ، فان كانت مكرهة ، فلها مهر نسائها فحسب ، دون أرش البكارة ، ولا يجمع بينهما معا فليلحظ ذلك ويتأمل.

ومن زوج جاريته من رجل ، ثم وقع عليها ، ولم يدّع شبهة في ذلك ، وجب عليه الحد كاملا ، فان كان شاهد حاله انه لا يعلم ذلك ، وادعى جهالته ، درئ عنه الحد ، لقوله (٢) عليه‌السلام ادرءوا الحدود بالشبهات (٣).

قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة إذا أمكنت (٤) العاقلة المجنون من نفسها ، فوطأها ألزمها الحد. وان وطئ المجنونة العاقل ، لزمه الحد ولم يلزمها (٥).

وقد حكينا عنه (٦) ما ذهب أيضا إليه في نهايته ، وهو أن قال : وان زنى مجنون بامرأة كان عليه الحد تاما جلد مائة ، أو الرجم.

ثم قال في مسائل خلافه بعد تلك المسألة التي حكيناها في مسائل خلافه مسألة : ليس من شرط إحصان الرجم الإسلام ، بل من شرطه الحرية والبلوغ ، وكمال العقل ، والوطي في نكاح صحيح ، فإذا وجدت هذه الشروط فقد أحصن

__________________

(١) ج. بأرش بكارتها. والظاهر صحة المتن.

(٢) ج. لقول النبي.

(٣) الوسائل ، الباب ٢٤ ، من أبواب مقدّمات الحدود ، ح ٤.

(٤) ج. ل. مكنت.

(٥) الخلاف ، كتاب الحدود ، مسألة ٦.

(٦) في ص ٤٤٤. أورده عن النهاية في كتاب الحدود ، باب أقسام الزنا.

٤٥٠

إحصان رجم ، وهكذا إذا وطئ المسلم امرأته الكافرة ، فقد أحصنها (١).

وقال في مبسوطة قد بيّنا شرائط الإحصان عندنا ، وانها أربعة أشياء ، ان يكون بالغا عاقلا حرا له فرج يغدو اليه ويروح ، ويكون قد دخل بها ، وعندهم ان يطأ وهو حر بالغ في نكاح صحيح ، ولا يعتبر الإسلام عندنا ، ثم قال والوطي في النكاح الفاسد لا يحصن (٢).

وهذا الذي قاله ، وذهب إليه في مبسوطة ، ومسائل خلافه ، في المسألة الأخيرة ، هو الصحيح الذي يقتضيه الأدلة القاهرة ، من ان النواهي والأوامر لا تتوجه الّا الى العقلاء ، وقوله عليه‌السلام رفع القلم عن ثلاثة ، عن المجنون حتى يفيق (٣).

إذا أقر الأخرس بالزنا بإشارة معقولة ، لزمه الحد ، وكذلك إذا أقر بقتل العمد ، لزمه القود ، لا نفي على العبد ، ولا على الأمة في الموضع الذي يجب النفي فيه على الحر ، وكذلك لا يجز شعرهما في ذلك الموضع بحال.

باب كيفية إقامة الحد في الزنا وما يتعلق بذلك من الأحكام

إذا كان الإنسان قد زنى وكان ممن يجب عليه الجلد والرجم معا ، وهو المحصن على ما ذكرناه ، وحررناه ، حد أولا الجلد ، ثم بعده الرجمّ.

وقد روى أصحابنا انه لا يرجم حتى يبرأ جلده ، فإذا بري‌ء رجم (٤).

والاولى حمل الرواية على جهة الاستحباب ، دون الفرض والإيجاب ، لأن الغرض في الرجم إتلافه وهلاكه.

وإذا أراد الإمام رجمه ، وكانت البيّنة قد قامت عليه بالزنا ، فليأمر بأن يحفر له حفيرة ، ويدفن فيها الى حقويه ، ثم يرجم بعد ذلك ، وكذلك يفعل بالمرأة ، الّا انها

__________________

(١) الخلاف ، كتاب الحدود ، مسألة ٤٦.

(٢) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب الحدود ، ص ١٣ ـ ١٤.

(٣) الوسائل : الباب ٨ من أبواب مقدمات الحدود ، ح ١ ـ ٢ والباب ٤ من أبواب مقدّمات الطهارة ، ح ١٠.

(٤) الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب مقدّمات الحدود ، ح ٦.

٤٥١

تدفن في الحفيرة إلى صدرها ، ثم ترجم.

فان فر واحد منهما من الحفيرة ، رد إليها حتى يستوفى منه الحد بالرجم.

فان كان الرجم وجب عليهما بإقرارهما على أنفسهما ، فعل بهما مثل ما تقدم ذكره ، الّا انه إذا أصاب واحدا منهما الرجم ، وفر من الحفيرة ، لم يرد إليها ، بل يترك يمضى حيث شاء ، فان كان فراره قبل ان يصيبه شي‌ء من الأحجار رد إلى الحفيرة على كل حال ، وانما لم يرد إذا اصابه شي‌ء منها ، وكان الحد قد وجب عليه بإقراره دون البيّنة ، هذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي (١).

وذهب شيخنا المفيد ، في مقنعته ، إلى انهما إذا فرّا لم يردّا ، سواء أصابهما الحجر أو لم يصيبهما (٢).

ولي في ذلك نظر.

والذي يجب الرجم عليه إذا كانت البيّنة قد قامت عليه ، كان أوّل من يرجمه الشهود ، ثم الامام ، ثم الناس ، فان ماتوا أو غابوا ، كان أوّل من يرجمه الامام ، ثم الناس ، وإن كان الرجم وجب عليه بإقراره على نفسه ، كان أوّل من يرجمه الامام ، ثم النّاس.

وينبغي ان تكون أحجار الرجم صغارا ، ولا تكون كبارا ، ويكون الرجم من خلف المرجوم وورائه ، لئلا يصيب وجهه شيئا منه.

فامّا الذي يجب عليه الجلد دون الرجم ، يجب ان يجلد قائما مائة جلدة ، أشد ما يكون من الضرب ، ويجلد على الحال (٣) التي يوجد عليها ، ان وجد عريانا ، ضرب عريانا ، وان كان عليه ثياب ، جلد وهي عليه ما لم يمنع من إيصال شي‌ء من ألم الضرب اليه.

ويضرب جميع جسده إلا رأسه ووجهه وفرجه.

فان مات لم يكن له قود ، ولا دية ، لا من بيت المال ، ولا من الحاكم ، ولا من

__________________

(١) في النهاية ، كتاب الحدود ، باب كيفية إقامة الحد في الزنا.

(٢) المقنعة ، باب الحدود والآداب ، ص ولا يخفى انه قدس‌سره فصّل بين اقامة الشهود فيردّ الى الحفيرة والإقرار بالزنا فيترك ولا يردّ ، فراجع كلامه قدس‌سره ص ٧٧٥ و ٧٧٦.

(٣) ج. الحالة.

٤٥٢

عاقلته بحال.

وإذا أريد جلد المرأة جلدت كما يجلد الرجل ، وضربت كما يضرب ، الّا انّها تضرب جالسة ، ولا تكون قائمة في هذه الحال ، وتربط عليها ثيابها ، لئلا تنهتك عورتها ، فان جميعها عورة.

وإذا فر من يقام عليه الحد بالجلد ، رد وأعيد حتى يستوفى الحد منه ، سواء كان قد وجب عليه الحد بإقراره ، أو البيّنة.

وإذا أريد إقامة الحد على الزاني بالجلد أو الرجم ، فينبغي للإمام ان يعلم الناس بالحضور ، فانّ في ذلك انزجارا عن مواقعة مثله ، ولطفا للعباد ، ثم يحدّ بمحضر منهم ، لينزجروا ، ولا يحضر عند اقامة الحد على الزاني إلّا خيار الناس.

وروي ان أقل من يحضر واحد (١) ، وهو قول الفراء من أهل اللغة ، فإنه قال الطائفة يقع على الواحد.

واليه ذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢) ، فإنه أورد الرواية.

الّا انه رجع عنها في مسائل خلافه ، فقال مسألة يستحب ان يحضر عند اقامة الحد على الزاني طائفة من المؤمنين بلا خلاف ، لقوله تعالى « وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » (٣) وأقل ذلك عشرة ، وبه قال الحسن البصري ، وقال ابن عباس أقله واحد ، وروى ذلك أيضا أصحابنا ، وقال عكرمة اثنان ، وقال الزهري ثلاثة ، وقال الشافعي أربعة ، دليلنا طريقة الاحتياط ، لأنه إذا حضر عشرة دخل الأقل فيه ، ولو قلنا بأحد ما قالوه ، لكان قويا ، لان لفظ « طائفة » يقع على جميع ذلك ، هذا أخر المسألة (٤).

قال محمّد بن إدريس ، الذي أذهب اليه ان الحضور واجب ، لقوله تعالى « وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما » (٥) ولا خلاف انه أمر ، والأمر عندنا يقتضي الوجوب.

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١١ من أبواب حد الزنا ، ج ٥ ، وفي مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ١٢٤ ، وقيل أقله رجل واحد عن ابن عباس والحسن ومجاهد وإبراهيم وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام ..

(٢) النهاية ، كتاب الحدود ، باب كيفية إقامة الحد في الزنا.

(٣) و (٥) سورة النور ، الآية ٢.

(٤) الخلاف ، كتاب الحدود ، مسألة ١١.

٤٥٣

ثم الذي أقول في الأقل ، انه ثلاثة نفر ، لانه من حيث العرف دون الوضع ، والعرف إذا طرأ ، وصار الحكم له ، دون الوضع الأصلي ، وشاهد الحال يقتضي ذلك أيضا ، وألفاظ الاخبار ، لان الحد ان كان قد وجب بالبيّنة ، فالبيّنة ترجمة وتحضره ، وهم أكثر من ثلاثة ، وان كان الحد باعترافه ، فأول من يرجمه الامام ، ثم الناس مع الامام ، وان كان المراد والمعنى حضور غير الشهود والامام ، فالعرف والعادة اليوم ان أقل ما يقال جئنا في طائفة من الناس ، أو جاءتنا طائفة من الناس ، المراد به الجماعة عرفا وعادة ، وأقل الجمع ثلاثة ، وشاهد الحال يقتضي انه أراد تعالى الجميع ، وفيه الاحتياط.

فاما خيرة شيخنا في مسائل خلافه ، ان أقل ذلك عشرة ، فلا وجه له ، فأما الرّواية ، فمن اخبار الآحاد ، وقد بينا ما في ذلك وكررناه.

وروى انه لا يرجمه الا من ليس لله سبحانه في جنبه حد ، وهذا غير متعذر ، لانه يتوب فيما بينه وبين الله تعالى ، ثمّ يرميه.

وإذا وجب اقامة الحد على الزاني بالرجم ، أقيم ذلك عليه ، صحيحا كان أو مريضا.

والذي يجب عليه الجلد إذا كان مريضا ، لم يقم الجلد عليه حتى يبرأ ، فإذا بري‌ء أقيم الحد عليه فان رأى الامام إقامة الحد عليه ، بان تقتضيه المصلحة بان ينزجر الغير ، قدمه وأخذ عرجون فيه مائة شمراخ ، أو ضغثا فيه مائة عود ، أو ما جرى مجرى ذلك ، ويضرب به ضربة واحدة ، وقد أجزي ذلك في استيفاء الحد منه ، سواء وصلت جميعها على جسده ، ووقعت عليه ، أو لم تقع ، يعضد ذلك قوله تعالى « وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ » (١).

إذا زنت امرأة وهي حامل ، لم يقم عليها حد بجلد ولا رجم ، وهي كذلك فإذا وضعت ولدها ، وخرجت من نفاسها ، ووجد من يرضعه ، أقيم عليها الحد ، فاما إذا لم يوجد من يرضعه ، فلا يقام عليها الحد حتى يستغنى عنها ، وهذه قضية أمير المؤمنين

__________________

(١) سورة ص ، الآية ٤٤.

٤٥٤

عليه‌السلام في المرأة التي جاءت إليه بالكوفة ، فقالت له يا أمير المؤمنين طهرني فاني زنيت ، وانا محصنة ، ثم أقرت أربعة مرات في أربع دفعات ، فقال لها امضى فارضعى ولدك ، فإذا استغنى عنك فانا أقيم الحد عليك (١).

وإذا اجتمع على إنسان حدود فيها قتل وغيره ، بدأ أوّلا بما لا يكون قتلا من الحدود ، ثم يقتل بعد ذلك مثال ما ذكرناه ان يقتل ويسرق ويزني ، وهو غير محصن ، فإنه يجلد أولا للزنا ، ثم يقطع للسرقة بكسر الراء ، ثم يقتل للقود بعد ذلك.

إذا وجب على رجل الحد وهو صحيح العقل ، ثم اختلط عقله بعد ذلك ، وكانت البينة قد قامت عليه به أقيم عليه الحد على كل حال.

ومن يجب نفيه عن البلد الذي زنى فيه ، فإنّه ينفي إلى بلد أخر سنة.

فأما نفي القوّاد ، وهو الجامع بين الرجال والنساء للفجور ، فإنه ينفي من بلده الى بلد آخر ، الّا انه لا يكون نفيه سنة.

واما نفى المحارب فابدا الى ان يتوب ويراجع الحق ، وينيب الى الله تعالى على ما نبينه عند المصير اليه ان شاء الله تعالى.

ومن أقر على نفسه بحد ، ثم أنكر ذلك ، لم يلتفت الى إنكاره ، إلّا الرجم ، فإنه إذا أقر بما يوجب عليه الحد بالرجم ، ثم جحد ذلك قبل ان يرجم ، خلّي سبيله ، ولا يكون الامام هاهنا مخيرا في تخلية سبيله بل يجب عليه ذلك ، فاما إذا لم يجحد ، كان الامام بالخيار في إقامة الحد عليه ، أو تخليته على ما يراه من المصلحة في الحال له وللأمّة بشرط إظهاره التوبة بعد الإقرار عند الإمام ، فامّا إذا لم يتب فلا يجوز للإمام تخليته ، ولا يكون مخيرا.

ومن أقر على نفسه بحد ولم يبينه ، ضرب أعلى الحدود ، وهي المائة ، الّا ان ينهى (٢) هو عن نفسه من دونها ، وبعد تجاوز الحد الذي هو الثمانون فان نهى (٣) عن نفسه قبل بلوغ الثمانين سوطا ، الذي هو حد شارب الخمر ، فلا يقبل منه ، وضرب الى

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب حد الزنا ، ح ١ ـ ٥. ربما يكون ما ذكره مضمون الرواية.

(٢) ج. ينفى.

(٣) ج. نفى.

٤٥٥

ان يبلغه ، فهذا تحرير هذه الفتيا.

وقد روى انه يضرب حتى ينهى (١) هو عن نفسه الحد (٢).

وإذا كانت المرأة مستحاضة لم يقم عليها الجلد ان كان حدها جلدا ، وان كان رجما أقيم عليها ، لان الغرض قتلها ، ولا يقام عليها الجلد حتى ينقطع دمها ، لأنها عليلة ، لأن دم الاستحاضة دم علة.

ويقام على الحائض الجلد ، لانه دم جبلّة ، وليس بدم علة.

إذا وجب على إنسان جلد ، لم يقم عليه في الساعات الشديدة الحر ، ولا الشديدة البرد ، بل ان كان في الشتاء ، يترك حتى تطلع الشمس ويحمى النهار ، ويذهب برد أوّله ، وان كان في الصيف ، يترك حتى يبرد النهار ، ولا يضرب في السبرات الباردة ، ولا الهواجر ، بل يقام عليه في الأوقات المعتدلة.

فإذا فرغ من رجم المرجوم ، دفن في الحال ، ولم يترك على وجه الأرض ، واحكامه بعد موته احكام غيره من الأموات ، إلّا في الغسل ، فإنه يؤمر بالاغتسال أولا ، والتكفين ، ثم يقام الحد عليه ، فإذا مات ، كان بعد ذلك احكامه احكام غيره ، فإنه يصلى عليه ، ويدفن ، ويجب على من مسه الغسل ، على ما ذكرناه في باب تغسيل الأموات ، وكتاب الطهارات (٣).

وقد ذكر شيخنا أبو جعفر في مبسوطة ، في كتاب الحدود ، قال إذا رجم رجل وصلى عليه ، فحكمه بعد الرجم حكم المسلم إذا مات ، وحكم من يقتل قصاصا ، يغسّل ، ويصلى عليه ، ويدفن في مقابر المسلمين بلا خلاف ، وروى أصحابنا انه يؤمر بالاغتسال قبل الرجم ، والتحنيط (٤) و (٥) ، وكذلك من وجب عليه القصاص ، فإذا قتل ، صلي عليه ، ودفن ، هذا أخر كلامه رحمه‌الله في مبسوطة (٦).

الا ترى الى قوله ـ فحكمه بعد الرجم حكم المسلم إذا مات ـ ولا خلاف ان من

__________________

(١) ج. ينفى.

(٢) الوسائل ، الباب ١١ ، من أبواب مقدّمات الحدود .. ح ١.

(٣) في الجزء الأول ، ص ١٦٧.

(٤) الوسائل ، الباب ١٧ ، من أبواب غسل الميّت ، ح ١.

(٥) ج. ل. التحنط.

(٦) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب الحدود ، ص ٤.

٤٥٦

جملة أحكام المسلم إذا مات ، ومما يتعلق به ، انه إذا مسه إنسان بعد موته وقبل غسله الذي هو بعد موته ، يجب عليه الاغتسال ، فليلحظ ذلك ، وقد أشبعنا القول في الموضع الذي ذكرناه (١).

ولا يقام الحد أيضا في أرض العدوّ لئلا تحمّل المحدود الحمية والغضب على اللحوق بأعداء الدين.

وإذ التجأ إلى حرم الله سبحانه ، أو حرم رسوله ، أو أحد الأئمة عليهم‌السلام ، لم يقم عليه الحد فيه ، بل يضيّق عليه في المطعم والمشرب وبان لا يبايع ، ولا يشارى ، ولا يعامل حتى يخرج منه ، فإذا خرج أقيم عليه الحد.

وإذا أحدث وهو في الحرم ما يوجب اقامة الحد عليه ، أقيم عليه ذلك فيه ، وقد قدمنا (٢) ذكر ذلك وكذلك ان قتل فيه ، أو جنى ، قتل فيه ، وأقيم عليه الحد فيه ، لانه انتهك حرمة الحرم ، فعوقب بجنايته فيه.

إذا أقر رجل بالزنا اربع مرات ، بأنه زنى بهذه المرأة ، واكذبته المرأة ، أو قالت أكرهني ، كان عليه الحد ، دونها ، فإن أقرّت المرأة أربع مرات بان هذا الرجل زنى بها ، فاكذبها الرجل ، كان عليها حد الزنا دونه ، وحد القذف أيضا إذا طالبها به الرجل ، فان صدّقها مرّة واحدة ، أو أكثر منها ، ما لم يبلغ اربع مرات ، كان عليها حد الزنا دون حد القذف ، فإن أقر أربع مرات مصدقا لها ، وجب عليه حد الزنا أيضا.

ومن وجب عليه الرجم ، أقيم عليه على كل حال ، عليلا كان أو صحيحا ، لان الغرض إتلافه وقتله على ما قدمناه (٣).

باب الحد في اللواط وما يتعلق بذلك

اللواط هو الفجور بالذكران ، وهو على ضربين ، أحدهما إيقاع الفعل في الدبر بالإيقاب ، كالميل في المكحلة ، والآخر بإيقاع الفعل فيما عدا ذلك من بين الفخذين ، أو ما لا يكون بالإيقاب في الدبر.

__________________

(١) في الجزء الأول ص ١٦٧.

(٢) في الجزء الأول ص ٦٤٤.

(٣) في ص ٤٥٥.

٤٥٧

ويثبت ذلك على فاعله بأمرين ، أحدهما إقراره على نفسه بذلك اربع مرات ، وهو كامل العقل حرّ مختار ، كما قدمناه في باب حد الزنا (١) ، سواء كان فاعلا أو مفعولا ، فان أقر دون ذلك ، لم يجب عليه الحد ، وكان على الحاكم تعزيره ، لإقراره على نفسه بالفسق.

والضرب الثاني البيّنة ، وهي أربعة شهود يشهدون بذلك ، كما ذكرناه في شهادتهم بالزنا (٢) ، ويذكرون المشاهدة للفعل ، كالميل في المكحلة ، فان لم يشهدوا كذلك كان عليهم حد الفرية ، الّا ان يشهدوا بإيقاع الفعل فيما دون الدبر ، فتقبل شهادتهم ، ويجب بها الحد على ما نبينه فيما بعد ان شاء الله.

وإذا شاهد الحاكم بعض الناس على هذا الفعل ، كان له اقامة الحد عليه به ، ولا يحتاج مع علمه ومشاهدته الى غير ذلك ، مثل الزنا سواء.

فإذا ثبت على اللائط حكم اللواط بالإيقاب ، كان حده القتل ، الّا انّ الامام بالخيار في كيفية قتل اللائط ، اما ان يرمى من حائط عال ، أو يرمي عليه جدار (٣) ، أو يدهدهه من جبل ، ومعنى يدهدهه اى يدحرجه ، أو يضرب عنقه بالسيف ، أو يرجمه الامام والناس ، أو يحرق بالنار ، والامام مخير في ذلك ، أي شي‌ء أراد فعله منه كان له ذلك ، بحسب ما يراه صلاحا ، فإن أقام عليه حدا بغير النار ، كان له إحراقه بعد ذلك.

والفاعل لما يخالف الإيقاب فاعلا أو مفعولا يجب عليه الجلد مائة جلدة ، دون القتل والرجم ، سواء كان محصنا أو غير محصن ، على الأظهر من أقوال أصحابنا.

وقد ذهب بعضهم إلى انه على ضربين ، أحدهما ان يكون محصنا ، والأخر غير محصن ، فان كان محصنا ، كان عليه الرجم ، وان كان غير محصن ، كان عليه الحدّ مائة جلدة ، سواء كان فاعلا أو مفعولا به ، حرا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا.

وهذا اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته (٤) ، والأول مذهب شيخنا

__________________

(١) في ص ٤٢٩ ـ ٤٢٨.

(٢) في ص ٤٢٩.

(٣) ج. الحائط.

(٤) النهاية : كتاب الحدود ، باب الحد في اللواط.

٤٥٨

المفيد ، محمّد بن محمّد بن النعمان (١) ، والسيد المرتضى (٢) ، وغيرهما من الجلة المشيخة رحمهم‌الله.

وهو الصحيح الذي يقتضيه الأدلة القاهرة ، لأن الأصل براءة الذمة ، وإدخال الضرر على الحيوان قبيح ، عقلا وسمعا الّا ما خرج بالدليل ، ولا يرجع في ذلك الى اخبار شاذة لا يعضدها كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، لأنا قد بينا ان الإجماع غير حاصل ، ولا منعقد على ذلك.

فاما التلوط بالإيقاب ، فلا خلاف بين أصحابنا ان حدّه ما ذكرناه ، سواء كان الفاعل والمفعول ، حرا أو عبدا ، مسلما أو كافرا ، محصنا أو غير محصن ، وعلى كل حال بعد ان يكون عاقلا.

وإذا تلوط رجل عاقل بصبي لم يبلغ ، كان عليه الحد كاملا وعلى الصبي التأديب ، فان كان الصبي هو الفاعل بالرجل ، كان على الصبي التأديب أيضا ، وعلى الرجل المفعول به الحد كاملا.

وإذا تلوط صبي بصبي مثله ، أدّبا جميعا ، ولم يجب على واحد منهما الحد.

وإذا كان لرجل عبد ، فتلوط به ، كان عليه وعلى العبد جميعا الحد كاملا ، فان ادعى العبد على سيّده انه أكرهه على ذلك ، درئ الحدّ عنه ، وأقيم على سيّده ، لان هاهنا شبهة الرق ، وقد قال عليه‌السلام ـ ادرءوا الحدود بالشبهات ـ (٣).

فان زنى مملوك بمولاته ، أقيم عليهما جميعا الحد ، فان ادعى الإكراه منها له على الفعال ، فلا يقبل منه ولا يصدق ، ولا يدرأ الحدّ عنه ، لان ما هاهنا شبهة ، وليس هذا كالأول.

إذا تلوط عاقل بمجنون ، أقيم الحد عليه ، ولم يكن على المجنون شي‌ء ، فان لاط مجنون بعاقل ، كان على العاقل الحد كاملا ، وليس على المجنون شي‌ء بحال ، سواء كان فاعلا أو مفعولا به.

__________________

(١) في المقنعة ، باب الحد في اللواط ص ٧٨٥.

(٢) في الانتصار ، كتاب الحدود.

(٣) الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب مقدّمات الحدود ، ح ٤.

٤٥٩

وذهب بعض أصحابنا إلى انه إن كان المجنون فاعلا ، فيجب عليه الحد كاملا ، وان كان مفعولا به ، فلا يجب عليه شي‌ء.

وهو الذي ذكره شيخنا في نهايته (١).

وليس عليه دليل من كتاب ، ولا سنة متواترة ، ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، فمن علق عليها شيئا ، يحتاج الى دليل. والأحكام الشرعية من الحدود وغيرها متوجهة إلى العقلاء ، دون غيرهم من المجانين والأطفال ، فلا ينبغي ان يترك الأدلة القاطعة للأعذار ، ويرجع الى خبر واحد أو قول مصنف قاله في كتابه ، وأودعه في تصنيفه ، ولا يحل تقليده في ذلك بحال.

وإذا لاط كافر بمسلم ، قتل على كل حال.

وإذا لاط بكافر مثله ، كان الامام مخيرا بين ان يقيم الحد عليهما بما توجبه شريعة الإسلام ، وبين ان يدفعه الى أهل ملته ، ليقيموا الحد عليه على ما يرونه عندهم.

ومتى وجد رجلان في إزار واحد مجردين ، أو رجل وغلام ، وقامت عليهما بذلك بيّنة ، وهي رجلان عدلان ، أو أقرا بفعله ، ضرب كل واحد منهما تعزيرا من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا ، بحسب ما يراه الإمام ، فإن عادا الى مثل ذلك ، ضربا مثل ذلك (٢) ، فان عادا أقيم عليهما الحد ، بان يضرب كل واحد منهما مائة جلدة ، على ما روى (٣).

وإذا لاط رجل ، ثم تاب قبل قيام البيّنة ، لم يكن للإمام ولا غيره اقامة الحد عليه ، فان تاب بعد ان شهد عليه بالفعل ، لم يسقط عنه التوبة هاهنا الحدّ ووجب على الإمام إقامته عليه ، فان كان تائبا عند الله تعالى ، عوضه الله تعالى بما يناله من ألم الحد ، ولم يجز العفو عنه على كلّ حال.

وان كان اللائط أقر عند الامام على نفسه باللواط اربع مرات ، ثم تاب ، وعلم

__________________

(١) النهاية ، كتاب الحدود ، باب الحد في اللواط.

(٢) ج. ل. فان عادا الى ذلك ضربا مثل ذلك.

(٣) الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب حد الزنا ، ح ٢٥.

٤٦٠