كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

جميع المال ، لأنه بمنزلة الدين ، وما يبقى بعد ذلك يكون ميراثا.

فان كان عليه شي‌ء من الزكاة ، وكان قد وجب عليه حجة الإسلام ، ففرّط فيها ، وخلف دون ما يقضى عنه به الحجة والزكاة ، حج عنه من أقرب المواضع ، ويجعل ما يبقى في أرباب الزكاة.

وإذا أقر المريض انّ بعض مماليكه ولده ، ولم يصفه بصفة ، ولا عينه بذكر ، ثم مات ، أخرج بالقرعة واحد منهم ، ويلحق به ، ويورث منه.

وإذا لم يخلف الميّت الا مقدار ما يكفن به ، كفن بذلك ولم يقض به دينه ، فان تبرع إنسان بتكفينه ، كان ما خلّف يقضى به الدين.

والهبة في حال المرض صحيحة إذا قبّضها ، ولم يكن للورثة الرجوع فيها ، فان لم يقبّضها ومات ، كانت راجعة إلى الميراث ، وكذلك حكم ما يتصدق به في حال حياته.

والبيع في حال المرض صحيح ، كصحته في حال الصحة إذا كان المريض مالكا لاختياره ورأيه ثابت العقل ، فان كان المرض غالبا على عقله ، كان ذلك باطلا.

والمريض إذا تزوج ، كان عقده صحيحا ، ويلزمه المهر قليلا كان أو كثيرا ، إذا دخل بالمرأة ، أو بري‌ء من ذلك المرض ، فان لم يدخل بها ولا بري‌ء من ذلك المرض ، ومات فيه قبل الدخول بها ، كان العقد باطلا ، ولا يلزمها عدّة ، ولا لها ميراث ، لإجماع أصحابنا على ذلك ، فليس عليها من الأدلة سوى الإجماع من أصحابنا.

وطلاق المريض مكروه شديد الكراهة ، حتى ان بعض أصحابنا يقول طلاق المريض غير جائز ، لأجل شدّة الكراهة ، فإن طلق ، ورثته المرأة ما بينها وبين سنة ، إذا لم يبرأ من مرضه الذي طلقها فيه ، ولا تزوجت المرأة ، فإن بري‌ء المريض ، ثم مرض بعد ذلك ومات ، لم ترثه المرأة ، وكذلك ان تزوجت بعد انقضاء عدتها ، لم يكن لها ميراث ، فان لم تتزوج ومضى لها سنة ، فبعدها لم يكن لها ميراث ، ويرث هو المرأة ما دامت في العدة الرجعية ، دون العدة البائنة ، على الصحيح من المذهب والأقوال والروايات ، لأنه الذي يقتضيه أصول مذهبنا.

٢٢١

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ولا فرق بين ان يكون التطليقة أوّله ، أو ثانية ، أو ثالثة ، وعلى كل حال (١).

الّا انه رجع عن ذلك في مسائل خلافه ، وقال : لا يرثها الزوج الا ما دامت في العدة الرجعية دون العدة التي لا له عليها رجعة (٢) ، على ما حكيناه عنه أولا ، وقدّمناه (٣).

والوصيّة ماضية إذا تكلم بها الموصي وكان ثابت العقل ، فان اعتقل لسانه وكان ممن يحسن ان يكتب ، كتبها ثم أمضيت أيضا بحسب ذلك ، فان لم يقدر ان يكتب ، وأومى بها ، وفهم بذلك غرضه منه ، أمضيت أيضا بحسب ذلك ، فإن قال له إنسان تقول كذا وكذا ، وتأمر بكذا وكذا ، فأشار برأسه أن نعم ، كان أيضا ذلك جائزا ، إذا علم ذلك من شاهد حاله ، وكان عقله ثابتا عليه ، فان كان عقله زائلا في شي‌ء من هذه الأحوال ، لم يلتفت الى شي‌ء من ذلك.

وقد روي أنه إذا وجدت وصيّة بخط الميت ، ولم يكن اشهد عليها ، ولا أمر بها ، فإن الورثة بالخيار بين العمل بها ، وبين ردها وإبطالها ، فإن عملوا بشي‌ء منها ، لزمهم العمل بها جميعا على ما روي في بعض الاخبار (٤) ، وأوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته (٥).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، انهم إذا أقرّوا بشي‌ء منها وعملوا به ، وقالوا ان هذا حسب صحيح اوصى به ، دون ما عداه مما في هذا المكتوب ، فإنه لا يلزمهم العمل بجميع ما في المكتوب ، الّا بما أقروا به ، دون ما عداه ، وانما هذه رواية وخبر واحد أوردها شيخنا إيرادا وقد بيّنا ان اخبار الآحاد لا يجوز العمل

__________________

(١) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الإقرار في المرض ..

(٢) الخلاف ، كتاب الطلاق مسألة ٥٤ ، وهي منقولة بالمعنى.

(٣) الجزء الثاني ، ص ٦٧٤.

(٤) الوسائل ، الباب ٤٨ من كتاب الوصايا ، ح ٢.

(٥) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الإقرار في المرض .. وفي المصدر ، ولم يكن اشهد عليها ولا أقرّ بها ، كان الورثة بالخيار ..

٢٢٢

عليها ، في الشرعيات ، لأنها لا توجب علما ولا عملا.

وإذا كان على إنسان دين لغيره ، ومات صاحبه ، لم يجز له ان يعطيه لبعض ورثته الّا باتفاق الباقين ، فإن أعطاه جميعه وأعلمه انّه لجماعة الورثة ، كان القاضي الذي هو المعطي ، ضامنا لحصة الباقين ، وقد سقط عنه نصيبه ، ولا يرجع عليه ان تلف بغير تفريط منه وكان قد وكله في القضاء عنه والتسليم إليهم ، فإن كان قد فرط في حفاظه وتلف ، فإنه يرجع عليه ، وان كان قد أقر وقت تسليمه اليه ، وقال خذ هذا فهو لك ، أو نصيبك من الدّين الذي كان لمورّثك عليّ ، فإنه لا يجوز له ان يعود عليه بشي‌ء بحال.

وإذا غاب رجل عن اهله ، وترك لهم نفقة سنة أو أكثر من ذلك ، ثم مات بعد شهر ، كان على امرأته ومن يجب عليه نفقته ان يردوا ما فضل عن نفقة الشهر الذي مضى الى الميراث.

٢٢٣
٢٢٤

كتاب المواريث والفرائض

٢٢٥

كتاب المواريث والفرائض

روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : تعلموا الفرائض وعلموها الناس ، فإنها نصف العلم ، وهو ينسى ، وهو أول شي‌ء ينتزع من أمتي (١).

وروى عبد الله بن مسعود ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال تعلّموا القرآن وعلّموه الناس ، وتعلموا الفرائض وعلّموها الناس ، فانى امرء مقبوض ، وسيقبض العلم ، وتظهر الفتن ، حتى يختلف الرجلان في فريضة لا يجدان من يفصل بينهما (٢).

وكانت الجاهلية تتوارث بالحلف والنصرة ، وأقروا على ذلك في صدر الإسلام ، في قوله « وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ » (٣) ثم نسخ ذلك بسورة الأنفال بقوله تعالى « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » (٤) وكانوا يتوارثون بالإسلام والهجرة ، فروي (٥) ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين المهاجرين والأنصار ، لمّا قدم المدينة ، فكان يرث المهاجري من الأنصاري ، والأنصاري من المهاجري ، ولا يرث وارثه الذي كان له بمكة ، وان كان مسلما لقوله « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ حَتّى يُهاجِرُوا وَإِنِ

__________________

(١) ابن ماجة ، الباب ١ من كتاب الفرائض ، الحديث ١. رواه عن أبي هريرة. ( ج ٢ ، ص ٩٠٨ ، الحديث ٢٧١٩ ).

(٢) سنن البيهقي ، الباب ١ من كتاب الفرائض ، الحديث ٢ ( ج ٦ ، ص ٢٠٨ ) وفي لفظه اختلاف مع ما في المتن.

(٣) سورة النساء ، الآية ٣٣.

(٤) سورة الأنفال ، الآية ٧٥.

(٥) الوسائل ، الباب ١ من أبواب موجبات الإرث ، الحديث ٤.

٢٢٦

اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ » (١) ثم نسخت هذه الآية بالقرابة والرحم والنسب والأسباب ، بقوله تعالى « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » (٢) وفي آية أخرى « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً » (٣) فبيّن انّ اولي الأرحام أولى من المهاجرين الّا ان تكون وصيّة وقوله تعالى « لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً » (٤) ثم قدر ذلك في سورة النساء في ثلاث آيات (٥) في قوله تعالى « يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » (٦) ذكر فرض ثلاثة أحدها جعل للبنت النصف ، وللبنتين الثلثين ، فان كانوا ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين ، ثم بين ذكر الوالدين ، وان لكل واحد منهما السدس مع الولد ، فان لم يكن ولد ، فللأم الثلث ، والباقي للأب ، وان كان له اخوة معهما ، فلأمه السدس ، والباقي للأب ، في قوله تعالى « وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ » (٧) هذه الآية الأولى.

ثم قال « وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ » (٨) فذكر في صدر هذه الآية حكمين ، وذكر في أخرها حكم الكلالة ، ذكر في أولها حكم الزوج والزوجة ، وان للزوج إذا لم يكن ولد النصف ، فان كان له ولد الرّبع وللزوجة الرّبع إذا لم يكن ولد ، فان كان ولد فلها الثمن ، ثم عقّب بالكلالة ، فقال ان كان له أخ من أم أو أخت ، فله السّدس ، وان كانوا اثنين فصاعدا فلهم الثلث ، وفي قراءة ابن مسعود ، ( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ) من أم ( فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ) ، وأيضا فإن الله تعالى ذكر أنثى وذكرا ، وجعل لهما الثلث ، ولم يفضل أحدهما على الآخر ،

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٧٢.

(٢) سورة الأنفال ، الآية ٧٥.

(٣) سورة الأحزاب ، الآية ٦.

(٤) سورة النساء ، الآية ٧.

(٥) إلى هنا موافق لما أورده في المستدرك الباب ١ من أبواب موجبات الإرث ، ح ٣.

(٦) سورة النساء ، الآية ١١.

(٧) سورة النساء ، الآية ١١.

(٨) سورة النساء ، الآية ١٢.

٢٢٧

ثبت انه يأخذ بالرحم.

الآية الثالثة في أخر سورة النّساء قوله « يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ » (١) فذكر فيها أربعة أحكام ، ذكر انّ للأخت من الأب والام إذا كانت واحدة لها النصف ، وان ماتت هي ولم يكن لها ولد ولها أخ ، فالأخ يأخذ الكل ، ( فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ ) ، ( وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ).

وروي عن ابن عباس انه قال من علم سورة النساء ، وعلم من يحجب ومن لا يحجب ، فقد علم الفرائض (٢).

وإذا ثبت هذا فالارث على ضربين ، خاص وعام ، فالعام (٣) إذا مات ميت ولم يكن له وارث ، ولا مولى نعمة ، ولا مولى تضمن جريرة ، كانت تركته عند أصحابنا لإمام المسلمين خاصة ، وهو الذي يعقل عنه ، وان مات ذمي ولا وارث له ، كان كذلك للإمام ، وعند المخالف يكون ميراثه لبيت مال المسلمين فيئا.

والإرث الخاص (٤) يكون بشيئين ، بسبب ونسب ، فالسبب سببان ، زوجية وولاء ، والولاء على ثلاثة أقسام ، ولاء النعمة ، وولاء تضمّن الجريرة ، وولاء الإمامة ، فالميراث بالنسب يثبت على وجهين بالفرض والقرابة ، فإذا مات ميت فلا يخلو حاله من ثلاثة أقسام ، أوّلها ان يخلف من يحوز جميع المال ، والثاني ان يخلف من يأخذ بعض ماله ، الثالث لم يخلف أحدا.

فإن خلف من يحوز جميع المال ، فلا يخلو ذلك من ثلاثة أقسام ، أحدهما يأخذ الكل بالقرابة ، الثاني يأخذ الكل بالفرض ، الثالث يأخذ بالفرض والقرابة.

فمن يأخذ بالقرابة فقط مثل الابن والأب ، فإنهما يأخذان المال بالقرابة عندنا دون التعصيب ، لأن التعصيب عندنا باطل ، وكذلك الجد والأخ ، وابن الأخ والعم وكذلك من يتقرب من قبل الأم ، فإن كل واحد من هؤلاء يأخذ جميع المال بالقرابة.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٧٦.

(٢) الدرّ المنثور ، في تفسير سورة النساء ، ( ج ٢ ، ص ١١٦ ) فيه : « من قرأ سورة النساء فعلم ما يحجب ممّا لا يحجب علم الفرائض ».

(٣) ج. فالخاص.

(٤) ج. والإرث العام.

٢٢٨

واما المولى فإنه يأخذ بحق الولاء دون التعصيب ، فان كانوا جماعة أخذوا المال كله بالقرابة أو الولاء ، لانه ليس لهم تسمية فيأخذون بها ، والعصبة عندنا باطلة.

ومن يأخذ بالفرض دون القرابة ، مثل الزوج والأخت ، إذا اجتمعا ، يأخذ الزوج النصف والأخت النصف بلا خلاف ، وكذلك حكم البنتين والأبوين والأختين من الأب والام ، أو الأب مع الأختين أو الأخوين من الام.

ومن يأخذ بالفرض والقرابة مثل الزوج والعم أو ابن العم ومن يجري مجراه ، فان الزّوج يأخذ بالفرض ، والباقين يأخذون بالقرابة دون التعصيب ، وكذلك كل من له سهم مسمى ، ويفضل عن سهمه من ذوي الأنساب إذا لم يكن هناك غيره ، فإنه يأخذ ما سمي له بالفرض ، والباقي بالقرابة يرد عليه ، مثل ان يخلف البنت وحدها ، أو البنتين ، فإنها تأخذ النصف إذا كانت وحدها ، والثلثين إذا كانتا اثنتين ، والباقي رد عليها أو عليهما.

فاما إذا لم يخلف أحدا ممن يرثه فان ميراثه عندنا لإمام المسلمين ، وعند المخالفين لبيت المال ، فإذا ثبت هذا فإن كان الامام ظاهرا سلم اليه ، وان لم يكن ظاهرا حفظ له كما تحفظ سائر حقوقه ، ولا يسلم الى سلاطين الجور ، فمن سلمه مع الاختيار الى سلاطين الجور ، كان ضامنا.

وجملة الأمر وعقد الباب ، ما يحتاج الى العلم به في ذلك ستة أشياء ، ما به يستحق الميراث ، وما به يمتنع ، ومقادير سهام الورّاث ، وترتيبهم في الاستحقاق ، وتفصيل أحكامهم مع الانفراد والاجتماع ، وكيفيّة القسمة عليهم.

فاما ما به يستحق فشيئان ، نسب وسبب ، والسبب ضربان ، زوجية وولاء ، والولاء على ضروب ثلاثة ، ولاء العتق المتبرع به ، وولاء تضمن الجريرة ، وولاء الإمامة على ما قدمناه (١).

وأما ما به يمتنع فثلاثة أشياء : الكفر والرق وقتل الوارث عمدا على وجه الظلم ، فكل ما يمنع من الميراث من الكفر والرق والقتل ، يمنع من حجب الام من

__________________

(١) في ص ٢٢٨.

٢٢٩

الثلث الى السّدس ، فإذا ثبت هذا فإنهم لا يرثون ولا يحجبون ، وهو إجماع الأمة إلا ابن مسعود ، فإنه انفرد في جملة الخمس المسائل ، بأن هؤلاء يحجبون فلا يعتد بخلافه ، لأنه قد انقرض ، وخصوصا على مذهبنا في الإجماع وعلة كونه حجة.

فصل

وامّا مقادير السهام فستة : النصف ، والربع ، والثمن ، والثلثان ، والثلث ، والسدس.

فالنصف سهم أربعة : سهم الزوج مع عدم الولد ، وولد الولد ، وان نزلوا ، ذكورا كانوا أو إناثا ، وسهم البنت إذا لم يكن غيرها من الأولاد ، والأخت من الأب والام ، والأخت من الأب إذا لم يكن أخت من أب وأم.

والربع سهم اثنين : سهم الزوج مع وجود الولد ، وولد الولد ، وإن نزلوا ، وسهم الزوجة مع عدمهم.

والثمن سهم الزوجة أو الزوجات الأربع ، أو ما زاد عليهن في بعض الأحكام ، لان المريض إذا طلق أربعا في مرضه طلاقا ثالثا فله ان يتزوج بأربع غيرهن قبل خروجهن من عدتهن ، فإذا دخل بمن تزوجهن أخيرا ، ثم مات قبل برئه من مرضه الذي طلق الأربع فيه ، وقبل سنة من طلاقه لهن ، وقبل تزويجهن ، فان الثمان النسوة يرثنه الثمن ، ان ترك معهن ولدا ، أو ولد ولد ، وان نزلوا ، لأنهم ينطلق عليهم اسم الولد حقيقة عندنا ، والربع ان لم يترك ولدا ويكون بين جميعهن بالسّوية ، ويتقدر ان يكنّ أكثر من ثمان نسوة أضعافهن على التقرير والتقدير الذي قدرناه وحررناه بغير خلاف بين أصحابنا رحمهم‌الله ، فلا يتعجب مما يقوم الدليل على صحته ، بل الدليل كما يقال يعمل العجب.

والثلثان سهم ثلاثة : سهم البنتين فصاعدا ، والأختين فما زاد من الأب. والام ، والأختين فصاعدا من الأب ، إذا لم يكن أخوات من أب وأم.

والثلث سهم اثنين : سهم الام مع عدم الولد ، وولد الولد ، وعدم من يحجبها من الاخوة المخصوصين بنسب مخصوص وعدد مخصوص ، وانتفاء صفات مخصوصة ، معنى قولنا ـ بنسب مخصوص ـ ، ان يكونوا من الأب والام ، أو من الأب ، فامّا ان كانوا

٢٣٠

من الام وحدها ، فلا يحجبونها عن الثلث بحال ، ولو كانوا ألفا ، وقولنا ـ عدد مخصوص ـ ان يكونوا ذكرين موجودين منفصلين عن البطن ، لان الحمل عندنا لا يحجب ، أو يكونوا أربع أخوات ، أو يكونوا ذكرا وأنثيين ، ولا يجب أقل من هذه العدة ، وقولنا انتفاء صفات مخصوصة ـ ان لا يكونوا قتلة عمدا على جهة الظلم للمقتول ، ولا عبيدا ، ولا كفرة ، لان كل من حصلت فيه احدى هذه الصفات لثلاث فإنّه لا يحجب ولا يرث ، ولو كانوا ألفا.

وسهم الاثنين سواء كانا ذكرين أو أنثيين فصاعدا من كلالة الأم ، والكلالة عند أصحابنا الاخوة ومن انضم إليهم ، فاما إذا لم يكن من الاخوة للأم أحد ، فإن المتقرّب بالأم يأخذ نصيبها وهو الثلث ، سواء كان واحدا المتقرب بها أو أكثر من واحد ، ويأخذه بالقربى لا بالفرض والتسمية ، بخلاف الإخوة ، لأنّ الإخوة يأخذون بالتسمية والفرض ، الواحد (١) السدس ، ومن زاد عليه الثلث.

وقد ذهب بعض أصحابنا الى ان للجد من قبل الام السدس ، والاثنين الثلث ، وأجراهم مجرى الاخوة ، والأظهر الأوّل ، لأنّ الإخوة يأخذون بالفرض والتسمية بغير خلاف ، فلا يزادون على ما سمي لهم ، والأجداد من قبلها يأخذون سهم الامّ وهو الثلث ، الواحد منهم الثلث ، والجماعة الثلث ، هذا إذا انفردوا عن الاخوة من قبلها.

فاما إذا اجتمعوا مع الاخوة ، أخذ الجميع من الاخوة والأجداد معا الثلث ، يكون بينهم بالسّوية ، لا يفضل أحدهما (٢) على الأخر ، ولا يفضل أخ على جد ، ولا جد على أخ ، ولا ذكر على أنثى ، فليلحظ ذلك ويتأمل ، فإن فيه غموضا ولبسا.

فصل

وامّا ترتيب الورّاث (٣) فاعلم : ان الواجب تقديم الأبوين والولد ، فلا يجوز أن يرث مع جميعهم ولا مع واحد منهم أحد ممن عداهم من النسب والسّبب ، الّا الزوج والزّوجة ، فإنهما يرثان إذا انتفت عنهما الصّفات الثلاث المقدم ذكرها مع جميع الوراث

__________________

(١) ج. للواحد.

(٢) ج. أحد.

(٣) ج. ل. الوارث.

٢٣١

الأبوين ، وحجبهما عن أعلى السّهمين إلى أدناهما.

وبعض أصحابنا يذهب الى ان ابن البنت يعطى نصيب البنت ، وبنت الابن تعطى نصيب الابن.

وذهب اخرون من أصحابنا إلى خلاف ذلك ، وقالوا ابن البنت ولد ذكر حقيقة فنعطيه نصيب الولد الذكر ، دون نصيب امه ، وبنت الابن بنت حقيقة ، نعطيها نصيب البنت دون نصيب الابن الذي هو أبوها ، واختاره السيّد المرتضى (١) واستدل على صحة ذلك بما لا يمكن المنصف دفعه من الأدلة القاهرة اللائحة ، والبراهين الواضحة ، قال رضى الله عنه اعلم : انه يلزم من ذهب من أصحابنا إلى ان أولاد البنين والبنات يرثون سهام آبائهم مسائل سبع ، لا مخلص لهم منها.

فمن ذلك انه يلزمهم ان يكون حال البنت أحسن من حال الابن ، بل أحسن من حال جماعة كثيرة من البنين ، كرجل خلف بنت ابن وعشرين ابنا من بنت ، فعندهم ان لبنت الابن نصيب أبيها وهو الثلثان ، ولبني البنت نصيب أمهم وهو الثلث ، فالبنت الواحدة أوفر نصيبا من عشرين ابنا.

ومنها ان يكون نصيب البنت يساوي نصيب الابن ، حتى لو كان مكانها ابن لورث ما ترثه هي بعينه على وجه واحد وسبب واحد ، وذلك ان مذهبهم ان بنت الابن تأخذ المال كله بسبب واحد ، لان لها عندهم نصيب أبيها ، فلو كان مكان هذه البنت ابن لساواها في هذا الحكم ، وأخذ ما كانت تأخذه البنت على الوجه الذي كانت تأخذه عليه ، وليس في الشّريعة ان الابن يساوى البنت في الميراث ، فإذا عارضونا بمن خلف بنتا ولم يخلف غيرها ، فإنّها تأخذ جميع المال ، ولو كان مكانها ابن لجرى في ذلك مجراها ، فالجواب ان الابن لا يجري عندنا مجرى البنت هاهنا ، لان البنت تأخذ النصف بالتسمية ، والنصف الأخر بالرد ، والابن يأخذ المال بسبب واحد ، من غير تسمية ولا ردّ ، وأنتم توجبون مساواة الابن للبنت في الميراث والسبب.

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة ، ص ٢٥٧ ـ ٢٦٥.

٢٣٢

ومنها ان البنت في الشرع وبظاهر القرآن لها النصف إذا انفردت ، وللبنتين الثلثان ، وهم يعطون بنت الابن من عندهم البنت المتوفّى (١) ، ومستحقة لهذه التسمية الجميع ، وكذلك يقولون في ابنتي ابن ان لهما جميع المال من غير رد عليهما ، وهذا بخلاف الكتاب والإجماع.

فإن قالوا ما جعل الله تعالى للبنت الواحدة النصف ، وللبنتين الثلثين في كل موضع ، وانما جعل لهن ذلك مع الأبوين خاصة ، وإذا انفردت عن الأبوين ، لم يكن لهن ذلك قلنا قد ذهب الفضل بن شاذان الى هذا المذهب ومن تابعه عليه ، فرارا من مسألة العول ونحن نبين فساد هذه الطريقة بعد ان نبين لزوم ما ألزمناهم إيّاه على تسليم ما اقترحوه ، فنقول قد جعل الله تعالى للبنت الواحدة النصف ، ومذهبكم هذا يقتضي أن للأبوين السدسين (٢) ، وما بقي لبنت الابن ، وهي عندكم بنت المتوفّى على سبيل الحقيقة ، فقد صارت البنت تأخذ مع الأبوين أكثر من النصف بسبب واحد ، وجرت في ذلك مجرى الابن ، فامّا القول بانّ للبنت الواحدة النصف ، وللبنتين الثلثين ، انما يختص باجتماع الأبوين معهن ، فمن بعيد القول عن الصواب ، لان الله تعالى قال « يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » (٣) وهذه جملة مستقلة بنفسها ، وظاهر القرآن يقتضي ان للذكر مثل حظ الأنثيين على كل حال ، ومع وجود كل أحد ، وفقد كل أحد ، ثم عطف عليها جملة أخرى مستقلة أيضا فقال تعالى « فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ » (٤) ظاهر هذه الجملة ان ذلك لهن على كل حال ومع فقد كل واحد ووجوده ، ثم عطف تعالى جملة أخرى مستقلة غير متعلّقة بما يليها ولا ما تقدمها فقال تعالى « وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ » (٥) وما جرى إلى هاهنا للوالدين ذكر ، وظاهر الكلام يقتضي أن للواحدة النصف مع كل أحد ، الا ان يمنع دليل ، ثم قال تعالى « وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ ، إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ

__________________

(١) ج. ل. وهي عندهم بنت المتوفّى.

(٢) ج. ل. السدس.

(٣) و (٤) و (٥) سورة النساء ، الآية ١١.

٢٣٣

الثُّلُثُ » (١) فبيّن جل اسمه هاهنا حكم الوالدين في الميراث مع وجود الولد وفقده فكيف يجوز ان يعلق إيجاب النصف للبنت الواحدة والثلثين للبنتين ، بوجود الأبوين ، وقد تقدم ذكر حكم البنات مطلقا وبعد الخروج عنه أتى ذكر الأبوين مشروطا ، وكيف يتوهم ذلك فتأمّل ، والله تعالى يقول ـ ان كان له ولد ـ فشرط في ميراث الأبوين الولد ، ولو كان المراد ان النصف للبنت ، والثلثين ، مع وجود الأبوين ، لكان اشتراط الولد لغوا واشتراطا لما هو موجود مذكور ، ولو صرح تعالى بما ذكروه ، لكان الكلام قبيحا خارجا عن البلاغة والبيان ، الا ترى انه لو قال تعالى ولأبويه مع البنت أو البنتين لكل واحد منهما السّدس ، ان كان له ولد لقبح ذلك وفحش ، فكيف يقدر في الكلام ما لو أظهرناه لكان غير مستقيم ، واجمع أهل العربيّة على ان الوقف التام عند قوله تعالى ـ ( وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) ـ ولو كان المراد ما توهموه من ان لها النصف مع الأبوين ، لما كان ذلك وقفا تاما ، ولا خلاف بين أحد من أهل العلم البتة ، والمفسرين ، وأصحاب الاحكام ، في ان قوله تعالى ـ ( وَلِأَبَوَيْهِ ) ـ كلام مبتدأ مستأنف ، لا تعلق له بما قبله.

فاما اعتذارهم عند سماع هذا الكلام بان اشتراط الولد انما حسن ، ليدخل فيه الذكور وما زاد على البنتين ، لانه لم يمضي إلا ذكر البنت الواحدة والبنتين ، فعجيب ، لانه لو أراد ما ذكروه لقال تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين مع الأبوين ، فإن كن نساء فوق اثنتين معهما فلهما ثلثا ما ترك ، وان كانت واحدة معهما فلها النصف ، فلو أراد هذا المعنى على التّرتيب الذي رتبوه ، وعنى بقوله ان ذلك لهما مع البنت أو البنتين وما زاد عليهما ، وأراد أن يبين ان السدسين للأبوين مع الأولاد ، لكان لا يحسن ان يقول ان كان له ولد ، بل يقول وان كان له أيضا ذكور ، لأنّه قد تقدم ذكر البنت الواحدة وما زاد عليها ، فلا معنى لاشتراط الولد وانفراد قوله تعالى ـ ( وَلِأَبَوَيْهِ ) ـ عن الجملة المتقدمة لا يذهب على متأمل ، وانما فروا بهذا التقدير الذي لا يتحصل عن نقصان البنت في مسألة العول عن النصف ،

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١١.

٢٣٤

وادعوا ان النصف جعل لها مع الأبوين لا في كل موضع ، وأحسن من ركوبهم هذه المعضلة ، ان يقولوا ان الله تعالى جعل (١) لها النّصف بظاهر الكلام في كل موضع ، وفي مسألة العول قام دليل على ان لها دون ذلك ، فعلمنا ان الله تعالى لم يجعل لها النصف في هذا الموضع خاصّة ، وان كان لها في سائر المواضع ، وانما أحسن أن نخص بدليل ، بعض المواضع أو يحصل ما هو مطلق من القول مشروطا بغير دليل ، ولا حجة على وجه يسمح به الكلام ، ويذهب رونقه ، وتزول فصاحته ، ثم يقال لهم خبرونا عمن خلف أولاد ابن ، أو أولاد بنت ، ذكورا وإناثا ، كيف تقسمون الميراث بين هؤلاء الأولاد ، فإذا قالوا للذكر مثل حظ الأنثيين ، قلنا فبأيّ حجة فعلتم ذلك ، فلا وجه لهذه القسمة ، إلا قوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ، والى الآية المفزع (٢) في ذلك ، فيقال لهم فقد سمى الله تعالى أولاد الأولاد أولادا ، فأيّ فرق بين ان يكون الذكور والإناث أولاد ابن واحد ، أو بنت واحدة وبين ان يكون هؤلاء الذكور والإناث أولاد بنت وابن في تناول الاسم لهم ، وإذا كان الاسم متناولا لهم في الحالين ، فيجب ان تكون القسمة في الحالين تتفق ولا تختلف ، ويعطى أولاد البنات الذكور والإناث ، وأولاد البنين الذكور والإناث ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، فلا يخالف حكم الآية في أحد الموضعين ، ويتناول الآية لهما تناولا واحدا.

فان قالوا يلزمكم ان ترثوا (٣) أولادا لأولاد مع الأولاد ، لتناول الاسم للجماعة عندكم.

قلنا لو تركنا وظاهر الآية ، فعلنا (٤) ذلك ، لكن إجماع الشيعة الإماميّة بل إجماع كل المسلمين منع من ذلك ، فخصصنا الظاهر وحملنا الآية على ان المراد يوصيكم الله في أولادكم بطنا بعد بطن.

فان قالوا فنحن أيضا نخصص الظاهر ، ونحمل قوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) على ان المراد به أولاد الصلب بغير واسطة.

قلنا تحتاجون الى دليل قاطع على هذا التخصيص ، كما فعلنا نحن في ذلك ،

__________________

(١) ج. لم يجعل.

(٢) ج. ل. المفترع.

(٣) ج. ل. تورثوا.

(٤) ج. لفعلنا.

٢٣٥

ورجعنا فيه الى الإجماع.

فإن قالوا أجمعت الإماميّة على ذلك.

قلنا ما الدليل على ذلك ، فانا ما نعرف هذا الإجماع ، وفي المسألة خلاف بينهم ، وان كان أكثرهم يقول بخلاف الصواب في هذه المسألة تقليدا وتعويلا على روايات رووها ، ان كل من تقرب بغيره ، أخذ سهام من تقرب به (١) ، وهذا الخبر انما هو في أولاد الاخوة والأخوات ، والأعمام والعمات ، والأخوال والخالات ، وبنى الأعمام والأخوال ، لأن هؤلاء لا تسمية لهم في الميراث ، وانما يتقربون بغيرهم ، فأعطوا سهام من يتقربون به ، وليس كذلك أولاد الأولاد ، لأن هؤلاء وان سفلوا داخلون في اسم الولد ، واسم البنات والبنين على الحقيقة ، ممن هو مسمّى في الكتاب ، ومنصوص على توريثه ، لا يحتاج في توريثه الى ذكر قرابته ، وان نعطيه نصيب من يتقرب به ، كما لا يحتاج في توريث أولاد الصّلب بلا واسطة إلى شي‌ء من ذلك.

فان قيل فما دليلكم على صحة ما ذهبتم اليه من توريث أولاد الأولاد ، والقسمة عليهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

قلنا دليلنا على ذلك قوله تعالى ـ ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ـ ، ولا خلاف بين أصحابنا في ان ولد البنين ، وولد البنات ، وان سفلوا يقع عليهم هذه التسمية ، ويتناولهم على سبيل الحقيقة ، ولهذا حجبوا الأبوين عن ميراثهما الى السدسين بولد الولد ، وان هبطوا وحجبوا الزوج عن النصف الى الرّبع ، والزوجة عن الرّبع الى الثمن بولد الولد ، فمن سماه الله تعالى ولدا في حجب الأبوين ، وحجب الزوجين ، يجب ان يكون هو الذي سماه ولدا في قوله تعالى ـ ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) ـ ، وكيف يخالف بين حكم الأولاد ، ويعطى بعضهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، والبعض الأخر نصيب آبائهم الذي يختلف ويزيد وينقص ، ويقتضي تارة تفضيل الأنثى على الذكر ، والقليل على الكثير ، وتارة المواساة بين

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١ و ٢ من أبواب موجبات الإرث.

٢٣٦

الذكر والأنثى ، وعلى ايّ شي‌ء نعوّل في الرجوع عن ظاهر كتاب الله تعالى.

فاما مخالفونا من العامة فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد على الحقيقة ، ومنهم من وافق على ذلك ، ووافق جميعهم على انّ ولد الولد وان هبط يسمّى ولدا على الحقيقة. وقد حكي عن بعضهم انه كان يقول انّ ولد الولد انّما يسمون بهذه التسمية إذا لم يحضر أولاد الصّلب ، فان حضروا لم يتناولهم الاسم ، وهذا طريف ، فان الاسم إذا تناولهم ، لم يختلف ذلك بان يحضر غيرهم أو لا يحضر ، وما راعى أحد فيما يجري على المسميات من الأسماء مثل ذلك ، وانما أحوجهم الى ذلك انهم وجدوا أولاد الابن لا يأخذون مع حضور الابن شيئا ، ويأخذون مع فقده بالاية المتضمنة للقسمة على الأولاد. وظنّوا ان الاسم يتناولهم في الحال التي لا يرثون فيها ، وهذا غلط منهم ، وقد أغناهم الله تعالى عن هذه البدعة في إجراء الاسم والخروج عن المعهود فيها ، بان يقولوا ان الظاهر يقتضي اشتراك الولد وولد الولد في الميراث ، لو لا انّ الإجماع على خلاف ذلك ، فيخصّصوا بالإجماع الظاهر.

وممّا يدل على ان ولد البنين والبنات يقع عليهم اسم الولد قوله تعالى « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ » (١) ولا خلاف بين الأمة في ان بظاهر هذه الآية تحرم علينا بنات أولادنا ، فلو لم تكن بنت البنت بنتا على الحقيقة ، لما دخلت تحت هذه الآية ، ويحقق ذلك انه تعالى لما قال « وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ » (٢) ذكر في المحرمات بنات الأخ وبنات الأخت ، لأنهن لم يدخلن تحت اسم الأخوات ، ولما دخل بنات البنات تحت اسم البنات ، لم يحتج ، وقد حرمهن ان يقول وبنات بناتكم ، وهذه حجة قوية فيما قصدناه.

وقوله تعالى « وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ » (٣) وقوله جلّ اسمه « وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ » (٤) لا خلاف في عموم الحكم هاهنا بجميع أولاد الأولاد من ذكور وإناث.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٢٣.

(٢) و (٣) سورة النساء ، الآية ٢٣.

(٤) سورة النور ، الآية ٣١.

٢٣٧

وممّا يدل أيضا على ان ولد البنت ينطلق عليه اسم الولد على الحقيقة ، انه لا خلاف في تسمية الحسن والحسين عليهما‌السلام انهما ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانهما يفضلان بذلك ويمدحان ، ولا فضيلة ولا مدح في وصف مجاز مستعار ، فثبت انه حقيقة ، وقد روى أصحاب السير كلهم ان أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما أمر ابنه محمّد بن الحنفيّة وكان صاحب رأيته يوم الجمل في ذلك اليوم فقال له :

أطعن بها طعن أبيك تحمد

لا خير في الحرب إذا لم توقد

بالمشرفي والقنا المسدّد.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله يعنى المقوّم وقد استد الشي‌ء إذا استقام ، ومنه قول الشاعر :

أعلّمه الرماية كل يوم

فلما استدّ ساعده رماني

والعامة تنشده بالشين المعجمة ، وهو بالسين غير المعجمة ، فحمل محمّد رضي‌الله‌عنه ، فأبلى جهده ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام أنت ابني حقا وهذان ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعنى الحسن والحسين ، فأجرى عليهما هذه التّسمية مادحا لهما ، ومفضّلا لهما ، والمدح لا يكون بالمجاز والاستعارة ، وما زالت العرب في الجاهليّة تنسب الولد الى جده ، اما في موضع مدح أو ذم ، ولا يتناكرون ذلك ، ولا يحتشمون منه ، وقد كان الصادق أبو عبد الله عليه‌السلام يقال له ابدا أنت ابن الصديق ، لأن أمه بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، ولا خلاف بين الأمة في انّ عيسى عليه‌السلام من بنى أدم وولده ، وانّما ينسب إليه بالأمومة دون الابوية (١).

فان قيل اسم الولد يجري على ولد البنات مجازا ، وليس كل شي‌ء استعمل في غيره يكون حقيقة له.

قلنا الظاهر من الاستعمال الحقيقة ، وعلى من ادعى المجاز الدّلالة ، وقد بينا في غير موضع ان الأصل الحقيقة ، والمجاز طار داخل ، والاستعمال محمول على الأصول ، الّا ان تنقل دلالة قاهرة.

__________________

(١) ج. الأبوة.

٢٣٨

فإن قالوا : لو حلف رجل بالطلاق ، أو بالله تعالى انه لا ولد له ، وله ولد بنت ، لما كان حانثا.

قلنا يكون عندنا حانثا إذا أطلق القول ، وانما لا يكون حانثا إذا نوى ما يخرجه عن الحنث.

وقد ناقض الفضل بن شاذان في مذهبه ، وقال في كتابه في الفرائض ، في رجل خلف بنت ابن وابن بنت ، ان لبنت الابن الثلثين ، نصيب أبيها ، ولابن البنت الثلث نصيب امه ، في ولد (١) الولد نصيب من يتقرب به وأعطاه ذلك ، ثم قال في هذا الكتاب في بنت ابن وابن ابن ، أن المال بينهما ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وهذه مناقضة لما قرّره ، لان بنت الابن تتقرب بأبيها ، وابن الابن يتقرب أيضا بأبيه ، فيجب ان يتساويا في النصيب ، فكيف جعل هاهنا للذكر مثل حظ الأنثيين مع ان كل واحد يتقرب لغيره ، فله على مذهبه نصيب من يتقرب به ، والّا فعل مثل ذلك في بنت ابن وابن بنت ، وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين.

ومن العجب انه قال في كتابه ما هذه حكاية لفظه ، فان ترك ابن بنت وابنة ابن ، وأبوين ، فللأبوين السدسان ، وما بقي فلابنة الابن ، حق أبيها الثلثان ، ولابن البنت حق امه الثلث ، لان ولد البنت ولدا كما ان ولد الابن ولد ، وهذا التعليل ينقض الفتوى ، لأنه إذا كان ولد البنت ولدا كما ان ولد الابن كذلك ، فيجب ان يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، بظاهر قوله تعالى ـ ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) ـ فكيف اعطى الأنثى ضعف ما اعطى الذكر.

وقد يوافق الحق مذهب ابن شاذان في بعض المسائل من هذا الباب ، وان خالف في التعليل ، مثل من خلف بنت بنت وابن ابن ، فإنه يعطى البنت نصيب أمها وهو الثلث ، ويعطى الابن نصيب أبيه وهو الثلثان ، وهكذا نعطيهما نحن ، لأنا ننزلهما منزلة ابن وبنت بلا واسطة ، للذكر مثل حظ الأنثيين.

هذا آخر كلام السيّد المرتضى رضى الله عنه. وهو الذي يقوى في نفسي ،

__________________

(١) ج. فجعل لولد الولد.

٢٣٩

وافتى به ، واعمل عليه ، لان العدول الى ما سواه عدول الى غير دليل من كتاب ، ولا سنة مقطوع بها ، ولا إجماع منعقد ، بل ما ذهبنا اليه هو ظاهر الكتاب الحكيم ، والإجماع حاصل على ان ولد الولد ولد حقيقة ، على ما دللنا عليه في غير موضع ، ولا يعدل عن هذه الأدلة القاطعة للأعذار ، إلّا بأدلة مثلها موجبة للعلم ، ولا يلتفت الى اخبار آحاد في هذا الباب ، لأنها لا توجب علما ولا عملا ، ولا إلى كثرة القائلين به ، والمودعية كتبهم وتصنيفاتهم ، لأن الكثرة لا دليل معها ، لانه ربما كان الدليل مع القليلين ، لأن الحجة هو قول امام الزمان عليه‌السلام ولأجله عندنا صار الإجماع حجة ودليلا ، فإذا لم يقطع على ان قوله مع أقوال الكثيرين من أصحابنا ، لم نأمن ان يكون قوله داخلا في أقوال القليلين ، فيحتاج في المسألة إلى دليل غير الإجماع ، لأن دليل صحة الإجماع غير مقطوع به مع أحد الفريقين ، فيحتاج في المسألة إلى دليل غيره.

والى ما اختاره السيّد واخترناه ذهب الحسن بن أبي عقيل العماني رحمه‌الله في كتابه كتاب المتمسك بحبل آل الرسول عليهم‌السلام ، وهذا الرجل من جلّة فقهاء أصحابنا ومتكلميهم ، وكتابه كتاب معتمد قد ذكره شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في فهرست المصنفين ، واثنى عليه ، وكان شيخنا المفيد محمّد بن محمّد النعمان رحمه‌الله يكثر الثناء على هذا الرجل.

والأقرب من الأولاد أولى من الأبعد ، وان كان الأقرب بنتا ، والا بعد ابن ابن.

فان عدم الأبوان والولد ، فالواجب تقديم الاخوة والأخوات والأجداد والجدات ، ولا يرث مع جميعهم ولا واحد منهم أحد ممن عداهم من ذوي الأنساب ، ويرث معهم من ذوي الأسباب الزوج والزوجة على ما قدمناه (١) ، وانهما يرثان مع كل أحد ، ولا يمنعان من الإرث جملة ، الّا ان يكون المانع احدى الصّفات الثلاث المقدم ذكرها.

__________________

(١) في ص ٢٣١.

٢٤٠