كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

فإن أتلفه على وجه لا يمكنه لصاحبه الانتفاع به على وجه ، كان عليه قيمته بغير خلاف. كقتله للشاة بالحجارة والخشب ، وخنقه ، أو ذبحه بيد كافر ، أو تغريقه وغير ذلك.

ودية كلب الصيد ، سواء كان سلوقيا أو غير ذلك إذا كان معلما للصيد ، أربعون درهما.

وشيخنا قال في نهايته ، ودية كلب السلوقي أربعون درهما (١) ، وأطلق ذلك.

والاولى تقييده بكلب الصيد ، لأنه إذا كان غير معلّم على الصيد ، ولا هو كلب ماشية ولا زرع ولا حائط فلا دية له ، وان كان سلوقيّا ، إنما أطلق ذلك لان العادة والعرف ان الكلب السلوقي الغالب عليه انه يصطاد ، والسلوقي منسوب الى سلوق ، وهي قرية باليمن.

ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما ، والمراد بالحائط البستان ، لأن في الحديث ان فاطمة عليها‌السلام وقفت حوائطها بالمدينة (٢) ، المراد بذلك بساتينها.

وفي كلب الزرع قفيز من طعام ، وإطلاق الطعام في العرف يرجع الى الحنطة.

وليس في شي‌ء من الكلاب غير هذه الأربعة دية على حال.

ويجوز اجارة هذه وبيعها ، والديات لهذه الكلاب مقدرة موظفة ، وان كانت قيمتها أكثر من ذلك.

فان غصب إنسان أحد هذه الكلاب ، وكانت قيمته مثلا مائة دينار ، ثم مات عنده قبل رده على المغصوب منه ، أو قتله قبل رده ، فالواجب عليه قيمته ، وهي المائة دينار ، لا ديته الموظفة المقدرة ، لأنه بالغصب قد ضمن قيمته ، وصارت في ذمته ، كمن غصب عبد غيره ، وقيمة العبد ألفا دينار ، ثم مات عند الغاصب قبل رده الى المغصوب ، أو قتله الغاصب قبل رده ، فالواجب عليه ضمان قيمته ، وهي ألفا دينار ، وان كان قتله قبل غصبه إياه ، لم يلزمه أكثر من ديته ، ولا يتجاوز بها دية الحر ، وهي ألف دينار ، فليلحظ ذلك ، وقد ذكرنا في كتاب الغصب (٣) شيئا من هذا ، وفيه

__________________

(١) النهاية ، كتاب الديات ، باب الجنايات على الحيوان.

(٢) الكافي : ج ٧ ، ص ٤٨ ح ٥ نقلا بالمعنى.

(٣) الجزء الثاني ، ص ٤٩٢.

٤٢١

كفاية ومقنع وتنبيه لذوي الفهم والتأمل.

والقول في جراح البهائم وكسر أعضائها وقطع أطرافها ، انه يستحق صاحبها على الجاني من الأرش ما بين قيمتها صحيحة ومعيبة ، وليس له خيار في أخذ قيمته وتسليمه الى الجاني ، وان كانت الجناية تحيط بقيمته كما ذكرنا ذلك في إتلاف أطراف العبيد وأعضائهم.

وقول شيخنا في نهايته ، ان كان الحيوان مما يتملك ، ففيه أرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا ، وان كان مما لا يتملك ، فحكم جراحه وكسره حكم إتلاف نفسه (١).

المراد بذلك انّه ان كان الحيوان بيد مسلم ، وهو مما لا يجوز للمسلمين تملكه ، فحكم جراحه وكسره حكم إتلاف نفسه ، اى لا شي‌ء على جارحه وكاسره ، كما لا شي‌ء عليه في إتلاف نفسه ، لأنا قد بيّنا فيما مضى (٢) ان من أتلف على مسلم ما لا يحل للمسلمين تملكه من الخنازير وغيرها ، فلا شي‌ء عليه ، فهذا مقصوده ومراده رضى الله عنه لانه لو أتلف ذلك على ذميّ ، وجب عليه قيمته عند مستحليه ، فان جرحه أو كسره ، وجب عليه من الأرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا ، فليلحظ ذلك ، فان فيه غموضا على وضع شيخنا في نهايته ، وإطلاق القول ، فإنه ما أشبع الكلام في هذا الباب ولا استوفاه ، وانما لوح تلويحا ببعض ما ذكره شيخنا المفيد في مقنعته (٣) ، فان شيخنا المفيد أشبع القول في ذلك واستوفاه ، وشيخنا في نهايته أخذه ليلخصه فعمّاه.

قال شيخنا المفيد والإتلاف لا نفس الحيوان على ضربين ، أحدهما يمنع من الانتفاع به بعده ، والثاني لا يمنع من ذلك ، فالضرب الذي يمنع من الانتفاع قتل ما يقع عليه الذكاة على غير وجه الذكاة ، كقتله بالحجارة والخشب ، وتقطيعه بالسيوف ، قبل تذكيته بالذبح ، أو النحر ، أو قتله بالماء ، أو إمساك النفس منه ، أو

__________________

(١) النهاية ، كتاب الديات ، باب الجنايات على الحيوان.

(٢) في ص ٤٢٠.

(٣) المقنعة ، باب الجنايات على الحيوان من البهائم وغيرها ، ص ٧٦٩ و ٧٧٠.

٤٢٢

منعه من العلف أو الماء ، أو ذبحه بيد كافر لا يقع بذبحه الذكاة ، وقال رحمه‌الله ومن ذلك قتل ما لا يقع عليه الذكاة ، ولا يحل اكله مع الاختيار ، كالبغال والحمير الأهلية ، والهجن من الدواب ، والسباع ، من الطير وغيره ، هذا آخر كلامه رحمه‌الله في مقنعته (١).

قال محمّد بن إدريس اما قوله ـ ومن ذلك قتل ما لا يقع عليه الذكاة ، ولا يحل اكله (٢) ، كالبغال والحمير الأهلية أو الهجن من الدواب والسباع من الطير وغيره ، فغير واضح ، ولا صحيح ، اما البغال والحمير والخيل سواء كانت عرابا (٣) هجنا ، فإنها على الأظهر والأصح من أقوال أصحابنا وفتاويهم ومناظراتهم ، مأكولة اللحم يقع عليه الذكاة ، وقد قدمنا ذلك في كتاب (٤) الذبائح والأطعمة ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر في سائر كتبه ، واختيار السيّد المرتضى في انتصاره (٥) ، يناظر المخالف عليه ، ورأى الجلة المشيخة من أصحابنا ، حتى انك لو ادعيت الإجماع منهم على المسألة ، لما دفعك دافع ، ومن يخالف منهم فمعروف الاسم ، والنسب.

فاما السباع من الطير وغيره ، فعندنا ان اسئارها طاهرة ، وهي طاهرة ، ويقع عليه الذكاة عندنا بغير خلاف ، وانما لا يقع الذكاة على الكلب والخنزير ، فاما السباع فيقع عندنا عليها الذكاة ، ويحل بيع جلودها بعد ذكاتها ، واستعمالها بعد دباغها ، في جميع الأشياء ما عدا الصلاة على ما قدمناه (٦).

فإذا أتلف إنسان حيوان غيره على وجه لا يحصل معه الانتفاع به ، كان عليه قيمته حيا يوم أتلفه ، فإن أتلف ما يحصل مع تلف نفسه لصاحبه الانتفاع به على وجه من الوجوه ، فعليه لصاحبه ما بين قيمته حيا وبين قيمته وتلك الجناية فيه.

وقال شيخنا المفيد ، كان صاحبه مخيرا بين ان يأخذ قيمته حيا يوم أتلفه ، ويدفعه اليه ، أو يأخذ منه أرش إتلافه ، وهو ما بين قيمته حيا ومتلفا ، وينتفع هو

__________________

(١) المقنعة ، باب الجنايات على الحيوان من البهائم وغيرها.

(٢) ج. ل. اكله مع الاختيار.

(٣) ج. ل. أو هجنا.

(٤) الجزء الثالث ، ص ٩٨.

(٥) الانتصار ، في كتاب الصيد والذبائح.

(٦) في ص ٤٢٠.

٤٢٣

به (١).

وما قدمناه هو الأظهر الأصح.

والمسلم لا يملك شيئا محرّما عليه ، كالخمر والخنزير ، وقال شيخنا المفيد (٢) ، والقرد والدب.

قال محمّد بن إدريس لا ارى بتملك الدب بأسا ، لانه سبع ، ويجوز بيع جلده بعد ذكاته ، والانتفاع به بعد دباغه ، لانه سبع بغير خلاف.

ومن أتلف على مسلم شيئا من سباع الطير وغيرها ، مما قد جعل للمسلمين الانتفاع به ، كالبازي والصقر ، والفهد ، وما أشبه ذلك ، كان عليه غرم قيمته حيا.

والحكم فيما يتملكه الإنسان من آلات اللهو المحظورة في الإسلام ، كالحكم في الخمور والخنازير.

فإذا جنت بهيمة الإنسان على بهيمة غيره ، أو ملك له من الأشياء ، فهو على ضربين ، ان كانت الجناية منها بتفريط وقع منه في حفظها ، ومنعها من الجناية ، أو بتعد في استعمالها ، فهو ضامن لما أفسدته بجنايتها ، وان كان بغير ذلك ، لم يكن عليه ضمان.

فإذا ثبت ذلك فإن الماشية إذا أفسدت زرعا لقوم ، فليس يخلو امّا ان تكون يد صاحبها عليها ، أو لا تكون ، فان كانت يده عليها ، فعليه ضمان ما أتلفت ، لأنّ جنايتها كجنايته ، وفعلها كفعله ، وان لم تكن يد صاحبها عليها ، لم يخل امّا ان يكون ذلك ليلا أو نهارا ، فان كان نهارا بغير سبب منه ، فلا ضمان على مالكها إجماعا ، لقوله عليه‌السلام ـ جرح العجماء جبار (٣) ، والجبار الهدر ، وان أفسدت ليلا ، فان لم يكن من صاحب البهيمة تفريط في حفظها ، بان آواها الى مبيتها ، وأغلق عليها الباب فوقع الحائط ، أو نقب لصّ نقبا ، فخرجت وأفسدت فلا ضمان على مالكها

__________________

(١) و (٢) المقنعة ، باب الجنايات على الحيوان من البهائم ص ٧٦٩.

(٣) البخاري ، الباب ٢٧ من كتاب الديات ( الرقم ٦٤٩٨ ) أبو داود ، في أواخر كتاب الديات ، ( الرقم ٤٥٩٣ ، ج ٤ ، ص ١٩٦ ). ابن ماجة ، الباب ٢٧ من كتاب الديات ( الرقم ٧ ـ ٢٦٧٣ ). واللفظ « العجماء جرحها جبار ».

٤٢٤

لأنه غير مفرط ، وإن كان التفريط منه ، بأن أرسلها نهارا ، وأوصله بالليل ، أو أطلفها ابتداء ليلا ، فأفسدت الزرع فعلى مالكها الضمان.

وكذلك إذا كان لإنسان كلب عقور ، فلم يحفظه ، فأتلف شيئا كان عليه ضمانه لأنه مفرط في حفظه.

وكذلك لو كانت له سنور معروفة بأكل الطيور وغير ذلك من أموال الناس ، فعليه حفظها ، فإن لم يفعل ، وأتلفت شيئا فعليه ضمانه.

فاما ان كان في دار رجل كلب عقور ، فدخل رجل داره بغير امره ، فعقره ، فلا ضمان عليه ، لان الرجل مفرّط في دخول داره بغير إذنه ، فاما ان دخلها باذنه فعقره الكلب ، فعليه ضمانه.

والبعير إذا صال ، وعلم به صاحبه ، فقتل أو كسر أو جرح ، كان صاحبه ضامنا لجنايته ، لانه يجب عليه حبسه ومنعه من الفساد.

وقد روي ان أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في بعير كان بين أربعة شركاء ، فعقل أحدهم يده ، فتخطى إلى بئر ، فوقع فاندق ، انّ على الشركاء الثلاثة غرم الربع من قيمته لشريكهم (١) ، لانه حفظ حقه ، وضيعة عليه الباقون بترك اعقال حقوقهم ، وحفظه بذلك من الهلاك.

وقد قدّمنا انّ من أتلف على مسلم شيئا من الملاهي ، مثل العود ، والطنابير ، والدفوف والمزامير ، والطبول ، والمعازف ، والرباب ، وما أشبه ذلك ، لم يكن عليه شي‌ء.

فان أتلف ذلك على ذمي في حرزه ، كان عليه ضمانه ، فإن أتلفه عليه وكان قد أظهره ، لم يكن عليه شي‌ء على حال ، وهذا باب من عرف الحكم فيما ذكرناه منه على التفصيل أغناه عن تعداد ما في معناه ، واطالة الخطب فيه.

قال شيخنا في مبسوطة في الجزء السادس ، في كتاب الدفع عن النفس ، فإنه ذكر الوهق ، فقال من عصا أو وهق ، أو قوس ، أو سيف ، وغير ذلك (٢).

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣٩ ، من أبواب موجبات الضمان ، ح ١ ، الظاهر انها منقولة بالمعنى.

(٢) المبسوط ، لم نتحققه في مظانّه.

٤٢٥

قال محمّد بن إدريس ، الوهق بالواو المفتوحة ، والهاء المفتوحة ، والقاف ، حبل كالطول ، فيه انشوطة ، قال الشاعر :

لها حر تستعير وقدته

من قلب صب وصدر ذي حنق

كأنما حرّه لخابره

ما ألهبته في حشاه من حرق

يزداد ضيقا على المراس كما

يزداد ضيقا انشوطة الوهق

٤٢٦

كتاب الحدود

٤٢٧

كتاب الحدود

باب مائية الزنا وما به يثبت ذلك

الزنا الموجب للحد ، هو وطي من حرم الله تعالى وطيه من غير عقد ولا شبهة عقد ، ويكون الوطي في الفرج ، سواء كان قبلا أو دبرا ، بلا خلاف ، ويكون الواطى بالغا كاملا (١) ، سواء كان حرا أو عبدا.

فاما العقد ، فهو ما ذكرناه في كتاب النكاح من اقسامه ، مما قد أباحه الله تعالى في شريعة الإسلام.

واما شبهة العقد ، فهو ان يعقد الرجل على ذي محرم له من أم ، أو بنت ، أو أخت ، أو عمة ، أو خالة ، أو بنت أخ ، أو بنت أخت ، وهو لا يعرفها ، ولا يتحققها ، أو يعقد على امرأة لها زوج ، وهو لا يعلم ذلك ، أو يعقد على امرأة وهي في عدة لزوج لها ، اما عدة طلاق رجعي ، أو باين ، أو عدة فسخ ، وان لم يكن طلاقا ، أو عدة المتوفّى عنها زوجها وهو جاهل بحالها ، أو يعقد عليها وهو محرم ، أو هي محرمة ، وهو حلال ناسيا أو جاهلا بان ذلك لا يجوز ، ثم علم شيئا من ذلك ، فإنه يدرأ عنه الحد ، ولم يحكم فيه بالزنا لقوله عليه‌السلام ، ادرءوا الحدود بالشبهات (٢).

فان عقد على واحدة ممن ذكرنا عالما أو متعمدا ثم وطأها ، كان حكمه حكم الزنا سواء ، بل هو أغلظ منه ، وليس علمه بالمحرم شبهة ، واستحلاله ما حرمه الله عليه مما يدرأ به الحدود ، على ما ظنه بعض المخالفين لمذهب أهل البيت عليهم‌السلام ويجب عليه ما يجب على الزاني على حد واحد.

__________________

(١) ج. كامل العقل.

(٢) الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب مقدمات الحدود .. ، ح ٤.

٤٢٨

ويثبت حكم الزنا بشيئين أحدهما إقرار الفاعل العاقل الحر بذلك على نفسه ، من غير إكراه ولا إجبار أربع مرات في أربعة أوقات ، دفعة بعد أخرى ، فإذا أقر أربع مرات على ما قدمناه ، وكان حرا بالوطي في الفرج ، حكم له بالزنا ، ووجب عليه ما يجب على فاعله.

فإن أقر أقل من ذلك ، أو أقر أربع مرات بوطي ما دون الفرج المقدم ذكره ، لم يحكم له بالزنا ، وكان عليه التعزير حسب ما يراه الامام ، ولا يتجاوز بذلك أكثر من تسعة وتسعين سوطا ، على ما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

والثاني قيام البيّنة بالزنا ، وهو ان يشهد أربعة رجال عدول ، على رجل انه وطي امرأة ليس بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد ، وشاهدوه وطأها في الفرج ، بان ادخل العضو في العضو ، مثل الميل في المكحلة ، فإذا شهدوا كذلك ، قبلت شهادتهم ، وحكم عليه بالزنا ، سواء كان حرا أو عبدا ، إذا كان كامل العقل ، ووجب عليه ما يجب على فاعله على ما نبيّنه فيما بعد ان شاء الله تعالى.

فان شهد الأربعة بالزنا ، ولم يشهدوا عليه بالمعاينة ، كان على كل واحد منهم حد الفرية.

فإن شهد عليه أقل من الأربعة ، وادعوا المشاهدة ، كان عليهم اجمع حد الفرية.

فإن شهد الأربعة ، واختلفوا في شهادتهم ، فبعضهم شهد بالمعاينة ، وبعضهم شهد بغير ذلك ، كان أيضا عليهم حد الفرية.

فإن شهد الأربعة باجتماع الرجل مع امرأة في إزار واحد مجردين من ثيابهما ، أو شهدوا بوطي ما دون الفرج ، قبلت شهادتهم ، ووجب على فاعل ذلك التعزير.

وإذا شهد الشهود على امرأة بالزنا ، وادعت انها بكر ، أمر أربع من ثقات النساء ان ينظرن إليها ، فإن كانت كما ذكرت ، لم يكن عليها حد ، وان لم تكن كذلك أقيم عليها الحد.

وهذا الحكم لا يصح الّا بان يكون شهادة الشهود بالوطي في القبل دون الدبر ، فأمّا إذا شهدوا بالوطي في الدبر ، لم ينفعها دعواها البكارة ، ولا شهادة النساء

٤٢٩

لها بذلك ، فليلحظ ، فان شيخنا أبا جعفر أطلقه في نهايته (١) إطلاقا ، وان كان مراده ما ذكرناه.

فاما الشهود الأربعة فلا يحدّون حد القاذف ، لانه لا دليل عليه ، ولان شهادتهم ظاهرها الصحة.

والى هذا القول ذهب شيخنا في المبسوط (٢) ولم يذكر في النهاية شيئا.

وإذا شهد أربعة رجال على امرأة بالزنا أحدهم زوجها ، فان شهد الزوج ابتداء من غير ان يتقدم منه القذف لها مع الثلاثة المذكورة ، قبلت شهادتهم ، ووجب على المرأة الحد ، فان كان قد رمى الزوج المرأة بالزنا أولا ، ثم شهد مع الثلاثة المذكورة عليها به ، فلا تقبل شهادته ، لانه يدفع بها ضررا ، وكل من يدفع بشهادته ضررا عن نفسه فلا تقبل شهادته ، وأيضا فهو خصم في هذه الحال ، فلا تقبل شهادته ، ويجب عليه اما لعانها ليدرأ عن نفسه الحد ، أو حد الفرية ، وان لم يلاعن ، والثلاثة يحدون حد الفرية.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته وإذا شهد أربعة نفر على امرأة بالزنا أحدهم زوجها وجب عليها الحد.

وقد روى ان الثلاثة يحدون حد المفتري ويلاعنها زوجها (٣). وهذه الرواية محمولة على انه إذا لم تعدل الشهود أو اختلفوا في إقامة الشهادة ، أو اختل بعض شرائطها ، فاما مع اجتماع شرائط الشهادة ، فإن الحكم ما قدمناه ، هذا أخر كلامه في نهايته (٤).

الا انه قيده في مسائل خلافه ، فقال مسألة ، إذا شهد الزوج ابتداء من غير ان يتقدم منه القذف مع ثلاثة على المرأة بالزنا ، قبلت شهادتهم ، ووجب على المرأة الحد ، وهو الظاهر من أحاديث أصحابنا ، وبه قال أبو حنيفة ، وقد روى أيضا ان

__________________

(١) النهاية ، كتاب الحدود ، باب مائية الزنا وما به يثبت ذلك.

(٢) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب الحدود ، ص ١٠.

(٣) الوسائل ، الباب ١٢ ، من أبواب اللعان ، ح ٢ ـ ٣ ، والظاهر انها منقولة بالمعنى.

(٤) النهاية ، كتاب الحدود ، باب مائية الزنا ..

٤٣٠

الثلاثة يحدون ، ويلاعن الزوج ، هذا أخر كلامه في مسائل خلافه (١).

وما حققه في مسائل خلافه ، هو الأصح الأظهر الذي تقتضيه الأدلة وظاهر القران ، والمتواتر من الاخبار ، ونحمل الرواية الشاذّة على ان الزوج تقدم منه قبل شهادته ، الرمي بالقذف للمرأة ، لقوله تعالى « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ » (٢) وهذا قد رمى زوجته ولم يكن له شهداء الا نفسه ، لأن شهادة الثلاثة غير معتد بها الّا بانضمام شهادة الرابع ، فكأنها لم تكن في الحكم فاما إذا لم يتقدم منه رمى الزوجة بالزنا ، فلم تتناوله هذه الآية ، وتناولها الظواهر ، مثل قوله تعالى « وَاللّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ » (٣).

ولم يفرق بين ان يكون الزوج واحدا منهم أولا يكون ، وهذا خطاب للحكام.

ولا تقبل شهادة الشهود على الزنا إلّا إذا حضروا في وقت واحد ، فان شهد بعضهم وقال الان يجي‌ء الباقون ، جلد حد المفتري ، لأنه ليس في ذلك تأخير.

ولا تقبل في الزنا شهادة النساء على الانفراد.

فان شهد ثلاثة رجال وامرأتان ، قبلت شهادتهم في الزنا ، ويجب بشهادتهم الرجم ان كان المشهود عليه محصنا ، وسنبين المحصن ان شاء الله.

فان شهد رجلان واربع نسوة لم يجب بشهادتهم الرجم ، ويجب بها أحد الذي هو مائة سوط.

فان شهد رجل وستة نساء أو أكثر أو أقل ، لم تقبل شهادتهم ، وكان على كل واحد منهم حد الفرية.

وإذا شهد أربعة رجال على رجلين (٤) وامرأتين أو ألف ، قبلت شهادتهم ، وأقيم على الذين شهدوا عليهم الحد.

وإذا رأى الامام أو الحاكم من قبله تفريق الشهود أصلح في بعض الأوقات ، بعد ان يكونوا حضروا لإقامة الشهادة في وقت واحد ، كان ذلك جائزا.

__________________

(١) الخلاف ، كتاب اللعان ، مسألة ٥٩.

(٢) سورة النور ، الآية ٤.

(٣) سورة النساء ، الآية ١٥.

(٤) ج. رجل.

٤٣١

وحكم المرأة حكم الرجل في جميع ما ذكرناه على حدّ واحد في انه يحكم عليها بالزنا ، إمّا بالإقرار أو البيّنة ، ويدرأ عنها الحد في الموضع الذي يدرأ فيه الحد عن الرجل ، لا يختلف الحكم في ذلك الّا ما نبينه فيما بعد ان شاء الله.

وإذا أخذ رجل وامرأة فادعيا الزوجية ، درئ عنهما الحد.

وإذا شاهد الامام من يزني ، أو يشرب الخمر ، كان عليه ان يقيم الحد عليه ، ولا ينتظر مع مشاهدته قيام البيّنة ، ولا الإقرار ، وكذلك النائب من قبله ، لأنا قد بيّنا في كتاب القضاء (١) ان للحاكم ان يحكم بعلمه في جميع الأشياء بغير خلاف بين أصحابنا ، ولأن علمه أقوى من الإقرار والبيّنة.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ليس ذلك لغير الامام ، بل هو مخصوص به ، وغيره إن شاهد يحتاج أن تقوم له بيّنة أو إقرار من الفاعل على ما بيناه (٢).

وهذا ذكره في كتاب الحدود ، وإن كان موافقا في غير هذا الموضع ، على أن للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأشياء ، وإذا كان إجماعنا منعقدا على ذلك فلا يرجع عنه باخبار الآحاد.

واما القتل والسرقة والقذف وما يجب من حقوق الآدميين من الحد والتعزير ، فليس له ان يقيم الحد الّا بعد مطالبة صاحب الحق بحقه ، وليس يكفى فيه (٣) مشاهدته إياه ، فإن طلب صاحب الحق اقامة الحد ، كان عليه إقامته ، ولا ينتظر مع علمه البيّنة أو الإقرار.

إذا شهد عليه أربعة شهود ، فكذبهم ، أقيم عليه الحد بلا خلاف ، وكذلك ان صدقهم.

إذا شهد أربعة شهود على رجل بالزنا ، فشهد اثنان أنه أكرهها ، والآخران انها طاوعته ، فإنه يجب عليه الحد ، ولا يجب على المرأة الحد ، لأنها غير زانية ، والرجل زان بغير خلاف ، لأنه إذا كان مكرها لها كان زانيا ، وكذلك إذا طاوعته ، وفي الحالين معا يكون زانيا.

__________________

(١) ج ٢ ص ١٧٩.

(٢) النهاية ، كتاب الحدود ، باب مائية الزنا ..

(٣) ج. منه.

٤٣٢

وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه لا حد عليه ، وهو قول الشافعي (١) اختاره ووافقه عليه بغير دليل ، لان هذه المسألة غير منصوصة لنا ، والأصول تقتضيه (٢) ان عليه الحد ، لانه زان بغير خلاف.

واحتج شيخنا بأن الأصل براءة الذمة (٣).

وانما يستقيم له هذا الاستدلال قبل ورود الشرع ، بان على الزاني الذي شهد عليه أربعة شهود بالزنا الحد ، فاما بعد ذلك فكيف يصح الاستدلال بأن الأصل براءة الذمّة.

ثم قال رضي‌الله‌عنه وأيضا فإن الشهادة لم تكمل بفعل واحد ، وانما هي شهادة على فعلين ، لان الزنا طوعا غير الزنا كرها (٤).

وهذا استدلال يرغب الإنسان ان يذكره مناظرا لخصمه ، لأن الشهادة كملت بالزنا ، لان من شهد بالإكراه ، فقد شهد بالزنا ، ومن شهد بالمطاوعة ، فقد شهد أيضا بالزنا ، فالفعل واحد ، وان كانت أسبابه مختلفة ، فما شهد الأربعة إلّا بالإيلاج في وقت واحد ، والإيلاج منه حينئذ حرام زنا بغير خلاف ، وأيضا الظواهر من القرآن تتناول ذلك ، فمن اخرج هذا منها فعليه الدليل.

إذا ملك رجل ذات محرم من نسب أو رضاع ، فوطأها مع العلم بتحريم الوطي عليه ، لزمه القتل على كل حال عندنا بعد حدّ الزنا.

وقال بعض أصحابنا عليه القتل ، وأطلق الكلام ولم يذكر الحد ، ولا دليل على سقوطه ، لقوله تعالى « الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ » (٥) وهذا زان بغير خلاف.

إذا استأجر امرأة للوطي لزمه الحد بلا خلاف بيننا.

إذا وجد الرجل امرأة على فراشه ، فظنها زوجته ، فوطأها ، لم يكن عليه الحد ،

__________________

(١) الخلاف ، كتاب الحدود ، مسألة ٢٤.

(٢) ج. ل. تقتضي ، والظاهر انه هو الصحيح.

(٣) الخلاف ، كتاب الحدود ، مسألة ٢٤.

(٤) الخلاف ، كتاب الحدود ، في دليل مسألة ٢٤.

(٥) سورة النور ، الآية ٢.

٤٣٣

لقوله عليه‌السلام ادرءوا الحدود بالشبهات (١) ولأنّ الأصل براءة الذمة.

وقد روى في بعض الرّوايات أنّ عليه الحد سرا ، وعليها الحد جهرا (٢).

أورد ذلك شيخنا في نهايته (٣) ، ورجع عنه في مسائل خلافه (٤).

وهو الصحيح الذي يقتضيه أصول مذهبنا ، ولا يرجع الى اخبار الآحاد في ذلك ، فان شيخنا رجع عن الخبر الذي أورده في نهايته ، وعمل بالأدلة القاهرة في مسائل خلافه.

إذا تكامل شهود الزنا أربعة وشهدوا به ، ثم ماتوا أو غابوا ، جاز للحاكم ان يحكم بشهادتهم ، ويقيم الحد على المشهود عليه ، لقوله تعالى « الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ » (٥) وهذا زان بغير خلاف.

إذا تكامل شهود الزنا ، فقد ثبت الحكم بشهادتهم ، سواء شهدوا في مجلس واحد ، أو في مجالس (٦) ولا يعتبر حضور الشهود لأداء الشهادة في وقت واحد ، الّا هاهنا ، فاما التحمل لها فلا نعتبره هاهنا ان يكون في وقت واحد ، بل شهادة الطلاق تحملها يكون في وقت واحد على ما بيّناه في كتاب الشهادات (٧).

إذا حضر أربعة ليشهدوا بالزنا ، فشهد واحد أو ثلاثة ، ولم يشهد الرابع ، لم يثبت على المشهود عليه الزنا ، لأن الشهادة ما تكاملت بلا خلاف ، ومن لم يشهد لا شي‌ء عليه أيضا بلا خلاف ، ومن شهد فعليه حد القذف ، وقصّة المغيرة مشهورة ، فإنه استخلفه عمر بن خطاب على البصرة ، وكان نازلا في أسفل الدار ، ونافع وأبو بكرة وكانا أخا زياد لأمّه سمية ، جارية للحارث بن كلدة ، وشبل بن معبد ، وزياد في علوها ، فهبّت ريح ففتحت باب البيت ، ورفعت الستر ، فرأوا المغيرة بين رجلي امرأة من بنى هلال ، فلما أصبحوا تقدم المغيرة ليصلي ، فقال له أبو بكرة تنح عن مصلانا ،

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢٤ ، من أبواب مقدمات الحدود ، ح ٤.

(٢) الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب حد الزنا ، ح ١.

(٣) النهاية ، كتاب الحدود ، باب أقسام الزنا.

(٤) الخلاف ، كتاب الحدود ، مسألة ٢٠.

(٥) سورة النور ، الآية ٢.

(٦) ج. مجالس متعددة.

(٧) ج ٢ ، ص ٦٦٥.

٤٣٤

فبلغ ذلك عمر ، فكتب ان يرفعوا اليه ، وكتب الى المغيرة قد تحدث عنك بما ان كان صدقا فلو كنت مت قبله لكان خيرا لك ، فاشخصوا إلى المدينة ، فشهد نافع وأبو بكرة وشبل بن معبد ، فقال عمر أؤدي المغيرة الأربعة ، فجاء زياد ليشهد ، فقال عمر هذا رجل لا يشهد الّا بالحق ان شاء الله فقال اما بالزنا فلا اشهد ، ولكني رأيت أمرا قبيحا ، فقال عمر : الله أكبر ، وجلد الثلاثة ، فحلف أبو بكرة ان لا يكلم أخاه زيادا ابدا ، فمات وما كلّمه « رحم الله أبا بكرة » فقال أبو بكرة بعد جلده (١) اشهد ان المغيرة زنى ، فهم عمران يجلده ، فقال له أمير المؤمنين على عليه‌السلام : « ان جلدته فارجم صاحبك » (٢) يعني المغيرة ، ومعنى قول على عليه‌السلام ـ ان جلدته فارجم صاحبك ـ فان معناه ان كانت هذه شهادة غير الاولى ، فقد كملت الشهادة أربعة ، فارجم صاحبك ، يعني إنما أعاد ما شهد به ، فلا تجلده بإعادته.

وكان أبو بكرة رجلا صالحا من خيار الصحابة ، ويعد في موالي رسول الله عليه‌السلام واسمه نفيع ، واخوه نافع بن الحرث بن كلدة الثقفي ، طبيب العرب ، وأخوهما زياد ، كلهم من سميّة ، وكل منهم ينسب الى رجل.

وقال يزيد بن مفرّغ الحميري ، جد السيد الحميري يهجو زيادا (٣).

ان زيادا ونافعا وأبا

بكرة عندي من أعجب العجب

ان رجالا ثلاثة خلقوا

في رحم أنثى وكلهم لأب

ذا قرشي كما يقول وذا

مولى وهذا بزعمه (٤) عربي

إذا شهد أربعة رجال على رجل بالزنا ، فردت شهادة واحد منهم ، فان ردت بأمر ظاهر لا يخفى على أحد ، فإنه يجب على الأربعة حد القذف ، وان ردت بأمر خفي لا يقف عليه الّا الآحاد ، فإنه يقام على المردود الشهادة الحد ، والثلاثة لا يقام عليهم الحد ، لأن الأصل براءة الذمة ، وأيضا فإنهم غير مفرطين في إقامتها ، فإن أحدا لا يقف على بواطن الناس ، فكان عذرا في إقامتها فلهذا لأحد ، ويفارق إذا كان الرد بأمر ظاهر ، لان التفريط كان منهم ، فلهذا حدوا.

__________________

(١) ج. بعد ما جلد.

(٢) سنن البيهقي ، كتاب الحدود ، ج ٨ ، ص ٢٣٤٥.

(٣) ج. لعنه الله.

(٤) ج. ل. يزعمه.

٤٣٥

إذا شهد أربعة رجال ، ثم رجع واحد منهم ، فلا حد على المشهود عليه بلا خلاف ، وعلى الراجع الحد بلا خلاف ، وامّا (١) الثلاثة فلا حد عليهم ، لأن الأصل براءة الذمة ، ورجوعه لا يؤثر في التعدي إليهم.

فإن رجم المشهود عليه ، ثم رجع واحد منهم أو الأربعة ، وقال الراجع عمدت قتله ، كان عليه الحد والقود عندنا ، ولا يسقط أحدهما الآخر.

إذا استكره امرأة على الزنا ، فلا حد عليها بلا خلاف ، وعليه الحد ، ولها مهر المثل عندنا ، وهو العقر الذي رواه (٢) أصحابنا انه دية الفرج المغصوب.

وقال أبو حنيفة لا مهر لها ، واختاره شيخنا أبو جعفر في كتاب الحدود من مسائل خلافه (٣).

الا انه رجع عنه في مبسوطة (٤) ، وفي موضع آخر من مسائل خلافه (٥).

واستدل شيخنا (٦) أبو جعفر على سقوطه بقول النبيّ عليه‌السلام انه نهى عن مهر البغي (٧) ، وقال البغيّ الزانية.

وهذا الاستدلال يرغب عن ذكره هل هذه المكرهة بغيّ حتى يستشهد بهذا الحديث على نفى مهرها.

روى أصحابنا ان للسيّد أن يقيم الحد على ما ملكت يمينه بغير اذن الامام ، سواء كان ذلك باعترافه ، أو البينة ، أو بعلمه ، وسواء كان السيّد فاسقا أو عدلا ، رجلا أو امرأة (٨).

__________________

(١) ج. ل. فأما.

(٢) الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب المهور ، ح ٢ والباب ٣ من أبواب النكاح المحرّم ، ح ٣.

(٣) و (٦) الخلاف كتاب الحدود ، مسألة ٣٦ وكتاب الغصب مسألة ١٦.

(٤) المبسوط ، ج ٣ ، كتاب الغصب ، ص ٧٣ ، الّا انه مناف لكلامه في ج ٨ كتاب الحدود ، ص ١٠.

(٥) الخلاف ، كتاب الديات ، مسألة ٦٧.

(٧) الوسائل ، الباب ٥ ، من أبواب ما يكتسب به ، ح ١٣ ـ ١٤.

(٨) الوسائل الباب ٣٠ من أبواب مقدمات الحدود.

٤٣٦

إذا شهد أربعة رجال على رجل انّه زنى بها في هذا البيت ، وأضاف كل واحد منهم شهادته إلى زاوية منه مخالفة للأخرى ، فإنه لأحد على المشهود عليه ، ويحدون.

وكذلك ان شهد اثنان على زاوية ، وآخران على زاوية أخرى لا يختلف الحكم فيه.

ليس من شرط إحصان الرجم الإسلام ، بل من شرطه الحرية والبلوغ وكمال العقل ، والوطي في نكاح صحيح دائم ، أو ملك يمين ، فإذا وجدت هذه الشروط فقد أحصن إحصان رجم.

باب أقسام الزناة

الزناة على ثلاثة أقسام ، منهم من يجب عليه القتل على كل حال ، ومنهم من يجب عليه الجلد والرجم معا ، ومنهم من يجب عليه الحد والنفي إلى بلد غير بلده الذي زنى فيه سنة.

فاما من يجب عليه القتل على كل حال ، سواء كان محصنا أو غير محصن ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، شيخنا كان أو شابا ، فهو كل من وطئ ذات محرم له ، امّا أو بنتا ، أو أختا ، أو بنتيهما ، أو بنت أخيه ، أو عمته ، أو خالته ، فإنه يجب عليه القتل على كل حال بعد جلده حد الزاني ، لأنه لا دليل على سقوطه عنه ، لقوله تعالى « الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ » (١) ولا منافاة بين جلده وبين قتله بعد الجلد ، وليس إطلاق قول أصحابنا يجب عليه القتل على كل حال ، دليلا على رفع حد الزنا عنه.

وكذلك الذمي إذا زنى بامرأة مسلمة ، فإنه يجب عليه القتل على كل حال ، وكان على المسلمة الحد ، امّا الجلد أو الرجم على ما يستحقه من الحد.

فإن أسلم الذمي لم يسقط بذلك عنه الحد بالقتل ، ووجب قتله على كل حال.

وكذلك من غصب امرأة فرجها ، فإنه يجب عليه ذلك.

__________________

(١) سورة النور ، الآية ٢.

٤٣٧

وكذلك من زنى بامرأة أبيه أو ابنه ، وجب عليه أيضا القتل والحد معا على كل حال ، محصنا كان أو غير محصن.

والذي يجب تحصيله في هذا القسم ، وهو الذي يجب عليه القتل على كل حال ، ان يقال ان كان محصنا فيجب عليه الجلد أولا ثم الرجم ، فيحصل امتثال الأمر في الحدين معا ، ولا يسقط واحد منهما ، ويحصل أيضا المبتغى الذي هو القتل ، لأجل عموم أقوال أصحابنا واخبارهم (١) ، لأن الرجم يأتي على القتل ، ويحصل الأمر بحد الرجم ، وان كان غير محصن فيجب الجلد ، لانه زان ثم القتل بغير الرجم ، فليلحظ ذلك.

واما القسم الثاني : فهو من زنى وهو محصن ، والمحصن عندنا من كان بالغا كامل العقل ، له فرج ، اما ملك يمين ، أو زوجة بعقد دوام ، متمكن من وطئه ، يغدو اليه ويروح من يومه ، ويكون قد دخل بامرأته ، فإذا وجدت هذه الشروط فقد أحصن إحصان رجم على ما قدمناه.

فإذا ثبت ذلك وزنى هذا العاقل ببالغة ، وجب عليه الجلد أولا ضرب مائة سوط أشد ما يكون من الضرب ، بسوط وسيط (٢) لا جديد ولا عتيق ، لما روى عن الرسول عليه‌السلام انه اتى بسوط جديد ، فلم يضرب به ، واتى بسوط خلق ، فلم يضرب به ، واتى بسوط وسيط (٣) ، قد ركب به ، فضرب به (٤).

وروى عن زيد بن أسلم ان رجلا اعترف عند النبيّ عليه‌السلام ، بالزنا فدعا له رسول الله عليه‌السلام ، فاتى (٥) بسوط مكسور ، فقال غير هذا ، فاتى بسوط جديد لم يقطع ثمرته ـ بالثاء المنقطة من فوقها ثلاث نقط ، وفتحها ، والميم وفتحها ، والراء غير المعجمة وفتحها ، وهي طرفه ، لأن ثمرة السياط أطرافها ، فقال

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١ من أبواب حد الزنا ، ح ٨ ـ ٩ ـ ١١ ـ ١٢ ـ ١٣ ـ ١٤ ـ ١٥.

(٢) ج. ل. وسط.

(٣) ج. ل. وسط.

(٤) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من المصادر.

(٥) ج. بسوط فأتى.

٤٣٨

بين هذين ، فاتى بسوط قد ركب به ولان ، قال : فأمر به فجلد ، هذا لفظ الحديث (١) فإذا جلد المائة ، رجم بعد ذلك ، سواء كان شيخنا أو شابا.

وروى أصحابنا انه يترك بعد ضربه الجلد حتى يبرأ جلده ، ويرجم بعد ذلك (٢).

والقسم الثالث : من عدا من ذكرناه من العقلاء الأحرار ، فإنه يجب عليه الجلد مائة سوط ، وتغريب عام من مصره ، إذا كان رجلا وجز شعره على ما رواه أصحابنا (٣).

ولا نفي ولا جز على المرأة ، لما رواه عبادة بن الصامت ، قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة ، ثم الرجم.

فالبكر عندنا عبارة عن غير المحصن ، والثيب عبارة عن المحصن.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، الزناة على خمسة أقسام ، قسم منهم يجب عليه الحد بالقتل على كل حال ، والثاني يجب عليه الجلد ثم الرجم ، والثالث يجب عليه الرجم وليس عليه جلد ، والرابع يجب عليه الجلد ثم النفي ، والخامس يجب عليه الجلد ولا يجب عليه النفي ، فاما من يجب عليه القتل على كل حال ، سواء كان محصنا أو غير محصن ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، شيخا كان أو شابا على كل حال ، فهو كل من وطئ ذات محرم له ، امّا ، أو بنتا أو أختا ، أو بنتهما ، أو بنت أخيه ، أو عمته ، أو خالته ، فإنه يجب عليه القتل على كل حال ، وكذلك الذمي إذا زنى بامرأة مسلمة ، فإنه يجب عليه القتل على كل حال ، وكان على المسلمة الحد ، اما بالرجم أو الجلد ، على ما تستحقه من الحد ، فإن أسلم الذمي ، لم

__________________

(١) موطإ مالك الباب ٢ من كتاب الحدود الرقم ١٢ ج ٢ ص ٨٢٥.

(٢) الوسائل الباب ١٣ ، من أبواب مقدمات الحدود ، ح ٦.

(٣) الوسائل ، الباب ١٣ ، والباب ٢٤ ، والباب ٧ من أبواب حد الزنا ، ح ٧ ـ ٨.

٤٣٩

يسقط بذلك عنه الحد بالقتل ، ووجب قتله على كل حال ، ومن غصب امرأة فرجها فإنه يجب عليه القتل على كل حال ، محصنا كان أو غير محصن ، ومن زنى بامرأة أبيه ، وجب أيضا عليه القتل على كل حال ، محصنا كان أو غير محصن ، وامّا القسم الثاني وهو من يجب عليه الجلد ثم الرجم ، فهو الشيخ والشيخة ، إذا زنيا وكانا محصنين ، كان على كل واحد منهما جلد مائة ، ثم الرجم ، يقدم الجلد ، ثم بعده الرجم ، والقسم الثالث ، وهو من يجب عليه الرجم ، ولا يجب عليه الجلد فهو كل محصن أو محصنة ليسا بشيخين ، فإنهما إذا زنيا كان على كل واحد منهما الرجم ، وليس عليهما الجلد (١).

وقد قلنا نحن ما عندنا في ذلك ، وهو الصحيح الأظهر الذي يعضده ظاهر التنزيل ، انه يجب عليه الجلد والرجم معا لقوله تعالى « الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ » (٢) فمن نسخ هذه الآية ، وترك العمل بها يحتاج الى دليل ، والّا فقد عطل حدا من حدود الله تعالى بغير دليل ، ولا يرجع في ذلك الى اخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، وما اخترناه مذهب السيّد المرتضى (٣) واختيار شيخنا المفيد (٤) والجلة من المشيخة الفقهاء من أصحابنا.

وروى ان عليا عليه‌السلام جلد سراحة يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، فقيل له تحدّها حدين ، فقال حددتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

وشيخنا أبو جعفر رحمه‌الله فقد رجع في التبيان فقال ، يجلد الزاني والزانية إذا لم يكونا محصنين ، كل واحد منهما مائة جلدة ، وإذا كانا محصنين أو أحدهما (٦).

__________________

(١) النهاية : كتاب الحدود ، باب أقسام الزنا.

(٢) سورة النور ، الآية ٢.

(٣) في الانتصار ، كتاب الحدود.

(٤) في المقنعة ، باب الحدود والآداب ص ٧٧٥ و ٧٧٦.

(٥) مسند احمد بن حنبل ، ج ١ ، ص ١١٦. فيه : « اتى على عليه‌السلام بمولاة لسعيد بن قيس محصنة قد فجرت ، قال : فضربها مائة ثمّ رجمها ثم قال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ». راجعه.

(٦) ج. ل. أحدهما محصن.

٤٤٠