كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

ان المائع النجس بالغليان يطهر ، الّا ما خرج بالدليل من العصير ، إذا ذهب بالنّار والغليان ثلثاه ، فقد طهر وحلّ ثلث الباقي ، على ما يأتي بيانه (١).

وكل طعام حصل فيه شي‌ء من الميتات مما له نفس سائلة ، فإنه ينجس بحصوله فيه ، ولا يحل استعماله ، فان كان ما حصل فيه الميتة جامدا ، مثل السمن ، والعسل ، القي منه وما حوله ، واستعمل الباقي ، وان كان ما حصل فيه الميتة مائعا ، لم يجز استعماله ، ووجب إهراقه ، وان كان دهنا ، مثل الشيرج والبزر ، جاز الاستصباح به تحت السماء ، ولا يجوز الاستصباح به تحت الظلال ، لأنّ دخانه نجس ، بل تعبّد تعبّدنا به ، لان دخان الأعيان النجسة ورمادها طاهر عندنا بغير خلاف بيننا ، ولا يجوز الادهان به ، ولا استعماله في شي‌ء من الأشياء ، سوى الاستصباح تحت السّماء.

وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة ، في كتاب الأطعمة ، وروى (٢) أصحابنا انّه ، يستصبح به تحت السّماء ، دون السّقف ، وهذا يدل على ان دخانه نجس قال رحمه‌الله : غير ان عندي ان هذا مكروه ، فاما دخانه ودخان كل نجس من العذرة وجلود الميتة ، كالسرجين والبعر ، وعظام الميتة ، عندنا ليس بنجس واما ما يقطع بنجاسته ، قال قوم دخانه نجس ، وهو الذي دلّ عليه الخبر (٣) الذي قدمناه من رواية أصحابنا ، وقال آخرون وهو الأقوى ، انه ليس بنجس ، فاما رماد النجس فعندنا طاهر ، وعندهم نجس ، وانما قلنا ذلك ، لما رواه (٤) أصحابنا من جواز السجود على جص ، أوقد عليه بالنجاسات ، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطة (٥).

قوله رحمه‌الله « وروى أصحابنا انه يستصبح به تحت السّماء دون السقف ،

__________________

(١) في ص ١٢٩.

(٢) الوسائل ، الباب ٤٣ من كتاب الأطعمة والأشربة ح ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ وفي الجواهر ج ٣٦ ص ٣٨٥ ، لكن إطلاق النصوص يقتضي خلافه بل في كشف اللثام ، لم نظفر بخبر مفصل ولا ناه عن الاستصباح مطلقا أو تحت الأظلّة ، فراجع.

(٣) إشارة إلى الرواية المتقدمة التي نقلناها عن الوسائل.

(٤) الوسائل ، الباب ٨١ من أبواب النجاسات ح ١.

(٥) المبسوط ، ج ٦ ، ص ٢٨٣.

١٢١

وهذا يدل على أن دخانه نجس ، غير ان عندي ان هذا مكروه » يريد به الاستصباح تحت السقف.

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله ما ذهب أحد من أصحابنا الى ان الاستصباح به تحت الظلال مكروه ، بل محظور بغير خلاف بينهم ، وشيخنا أبو جعفر محجوج بقوله في جميع كتبه ، الا ما ذكره هاهنا ، فالأخذ بقوله ، وقول أصحابه ، أولى من الأخذ بقوله المنفرد عن أقوال أصحابنا.

فأمّا بيعه فلا يجوز الّا بشرط الاستصباح به تحت السماء ، دون الظلال.

وكل ما ليس له نفس سائلة ، مثل الجراد والنمل ، والنحل ، والزنابير ، والخنافس ، وبنات وردان ، والذباب ، والعقارب ، وما أشبه ذلك ، إذا مات في شي‌ء من الطعام والشراب ، جامدا كان أو مائعا فإنه لا ينجس بحصوله فيه وموته.

ولا يجوز مؤاكلة الكفار على اختلاف آرائهم ، بأيّ أنواع الكفر كانوا ، ولا استعمال أوانيهم التي باشروها بالمائعات ، إلّا بعد غسلها بالماء.

وكل طعام تولاه بعض الكفار بأيديهم ، وباشروه بنفوسهم ، لم يجز أكله ، لأنهم أنجاس ، ينجس الطعام بمباشرتهم إيّاه ، ولأن أسئارهم نجسة على ما قدمناه في كتاب الطّهارة (١). فأمّا ما لا تقبل النجاسة ، مثل الحبوب وما أشبهه ، فلا بأس باستعماله ، وان باشروه بأيديهم وأنفسهم ، إذا كانت يابسة.

ولا يجوز استعمال أواني المسكر ، الّا بعد غسلها بالماء ، على ما قدمناه وحررناه في كتاب الطهارة (٢).

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ولا يجوز استعمال أواني المسكر ، إلّا بعد أن تغسل بالماء ، ثلاث مرات ، وتجفف (٣).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله ، ليس على وجوب التجفيف دليل من كتاب ،

__________________

(١) الجزء الأول ، ص ٨٤. ط. مؤسسة النشر الإسلامي.

(٢) في الجزء الأول ، ص ٩٢.

(٣) النهاية ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب الأطعمة المحظورة والمباحة ، والعبارة هكذا ، ولا يجوز استعمال أواني الشراب المسكر ..

١٢٢

ولا سنة ، ولا إجماع ، وامّا غسلها ثلاث مرات ، فبعض أصحابنا يوجبه ، وبعض منهم لا يرى ، ولا يراعي عددا في المغسول ، إلّا في الولوغ خاصة.

وروي (١) رواية أنّها تغسل سبع مرّات.

وإذا حصلت ميتة لها نفس سائلة في قدر أهريق ما فيها من المرق ، وغسل اللحم والتوابل ، وأكل بعد ذلك.

ولا بأس بأكل ما باشره الجنب والحائض ، من الخبز والطبخ ، وأشباه ذلك ، من الإدام ، إذا كانا مأمونين. ويكره أكله إذا عالجه من لا يتحفظ ولا يؤمن عليه إفساد الطعام بالنجاسات.

ولا يجوز الأكل والشرب للرجال والنساء جميعا في أواني الذهب والفضّة ، ولا استعمالها في بخور ولا غيره ، حتى ان بعض أصحابنا حرم المأكول الذي فيهما ، وهو شيخنا المفيد في بعض كلامه (٢) ، فان كان هناك قدح مفضض ، يجتنب موضع الفضّة منه عند الشرب.

ولا بأس بما عدا الذهب والفضّة من الأواني ثمينة كانت أو غير ثمينة ، من صفر ، أو نحاس ، أو بلور ، ـ بكسر الباء ، وفتح اللام ، وتشديدها.

ولا بأس بطعام أو شراب أكل أو شرب منه سنور ، أو فأر. وروى (٣) كراهية ما أكل منه الفار ، وليس ذلك بمحظور ، لان سؤر السنور والفار وسائر الحشار طاهر.

ورويت (٤) رواية شاذّة انّه يكره ان يدعو الإنسان أحدا من الكفار الى طعامه فيأكل معه ، فان دعاه ، فليأمره بغسل يده ، ثم يأكل معه ان شاء ، أوردها شيخنا في نهايته (٥) إيرادا ، لا اعتقادا.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣٠ من أبواب الأشربة المحرمة ج ٢ ، ولفظ الحديث هكذا سأله عن الإناء يشرب فيه النبيذ ، فقال تغسله سبع مرات وكذلك الكلب.

(٢) لم نعتر عليه.

(٣) الوسائل ، الباب ٩١ من أبواب الأطعمة المباحة ح ١.

(٤) الوسائل ، الباب ١٤ ، من أبواب النجاسات ، ح ٢ ، ولا يخفى ان هذه تدل على كراهة الدعوة فحسب.

(٥) النهاية ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب الأطعمة المحظورة والمباحة.

١٢٣

وهذه الرّواية لا يلتفت إليها ، ولا يعرج عليها ، لأنها مخالفة لأصول المذهب ، لأنا قد بيّنا بغير خلاف بيننا ، أنّ سؤر الكفّار نجس ، ينجس المائع بمباشرته ، والأدلة لا تتناقض ، وبإزاء هذه الرواية روايات كثيرة بالضد منها ، وأيضا الإجماع على خلافها.

قال السيد المرتضى في انتصاره ، مسألة ، ومما انفردت به الإماميّة ، ان كل طعام عالجه الكفار من اليهود والنصارى ، وغيرهم ، ممن ثبت كفرهم بدليل قاطع ، فهو حرام لا يجوز اكله ، ولا الانتفاع به ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ، وقد دلّلنا على هذه المسألة في كتاب الطهارة حيث دلّلنا على انّ سؤر الكفّار نجس ، لا يجوز الوضوء به ، واستدللنا بقوله تعالى « إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ » (١) واستقصيناه ، فلا معنى لإعادته هذا آخر كلام المرتضى رضى الله عنه (٢).

ولا يجوز أكل شي‌ء من الطين على اختلاف أجناسه ، سواء كان أرمنيّا ، أو من طين البحيرة ، أو غير ذلك ، الّا طين قبر الحسين عليه‌السلام فإنّه يجوز أن يؤكل منه اليسير ، للاستشفاء فحسب ، دون غيره ، ولا يجوز الإكثار منه ، ولا الإفطار عليه يوم عيد الفطر ، على ما ذهب اليه شيخنا أبو جعفر في مصباحه (٣) ، الا انه عاد عنه في نهايته ، فإنه قال ولا يجوز أكل شي‌ء من الطين على اختلاف أجناسه ، إلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، فإنه يجوز ان يؤكل منه اليسير للاستشفاء به (٤).

ولا بأس أن يأكل الإنسان من بيت من ذكره الله تعالى في قوله ، « لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا » (٥) الآية ، بغير إذنه ، إذا دخل البيت باذنه ، سواء كان المأكول مما يخشى عليه الفساد ، أولا يخشى ذلك عليه ، ما لم ينهه عن الأكل. وذهب بعض أصحابنا إلى انه لا يؤكل الّا ما يخشى عليه الفساد والأول هو الظاهر ، ولا يجوز ان يحمل معه شيئا ، ولا إفساده.

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٢٨.

(٢) الانتصار ، في الأطعمة والأشربة.

(٣) مصباح المتهجد ص ٦٧٦ والمستفاد مما أوردها فيه جواز الاستشفاء بطين قبر الامام الحسين عليه‌السلام فحسب.

(٤) النهاية ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب الأطعمة المحظورة والمباحة.

(٥) سورة النور الآية ٦١.

١٢٤

ولا بأس بأكل الثوم ، والبصل ، والكراث ، مطبوخا ونيئا ، ـ بكسر النون ، وهمز الياء ومدّها ـ ، غير ان من يأكل ذلك نيئا يكره له دخول المساجد ، لئلا يتأذى النّاس برائحته لنهيه (١) عليه‌السلام من ان يقرب المسجد حتى تزول رائحته.

وإذا نجس الماء بحصول شي‌ء من النجاسات فيه ، ثم عجن به وخبز ، لم يجز أكل ذلك الخبز ، وروى في شواذ الاخبار جواز اكله وان النّار قد طهرته (٢) ، والأصل ما قدمناه.

وإذا وجد الإنسان طعاما ، فليقومه على نفسه ويأكل منه ، فإذا جاء صاحبه ، ردّ عليه ثمنه ، وقد قدمنا ذلك في كتاب اللقطة (٣).

ولا بأس بألبان الأتن حليبا ويابسا ، فإنه طاهر عندنا.

وكذلك لبن الآدميّات طاهر عندنا بغير خلاف من در ولادة ابن ، أو بنت ، وروي (٤) في شواذ الاخبار ، ان لبن البنت نجس ، والأصل ما قدمناه.

ولا بأس بشرب أبوال الإبل ، وكلّ ما أكل لحمه من البهائم ، امّا للتداوي أو غيره.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ولا بأس بأن يستشفى بأبوال الإبل (٥).

ولم يذكر غيرها ، وليس ذكره لها دليلا على ان غيرها لا يجوز الاستشفاء به ، ولا يجوز شربه ، لأنا بلا خلاف قد بيّنا ، أن أبوال ما يؤكل لحمه ، طاهرة غير نجسة.

إذا اضطر إلى أكل الميتة ، يجب عليه أكلها ، ولا يجوز له الامتناع منه ، دليلنا ما علمناه ضرورة من وجوب دفع المضار عن النفس عقلا ، وإذا كان الأكل من

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢٨ من أبواب الأطعمة المباحة ح ١ ، وفي مستدرك الوسائل الباب ١٠٠ من أبواب الأطعمة المباحة ح ٧.

(٢) الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ١٨.

(٣) الجزء الثاني ص ١٠٦.

(٤) الوسائل : الباب ٣ من أبواب النجاسات ح ٤ ولفظ الحديث هكذا ، لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل ان تطعم ، وفي مستدرك الوسائل الباب ٢ من أبواب النجاسات ح ١ ـ ٣.

(٥) النهاية كتاب الأطعمة والأشربة ، باب الأطعمة المحظورة والمباحة.

١٢٥

الميتة في حال الاضطرار ، يدفع به الضرر العظيم عن نفسه ، وجب عليه ذلك.

إذا اضطرّ إلى طعام الغير ، لم يجب على الغير إعطاؤه ، لأن الأصل براءة الذمّة ، وإيجاب ذلك يحتاج الى دليل.

إذا وجد المضطر ميتة وصيدا حيّا وهو محرم ، اختلف أقوال أصحابنا وأحاديثهم فبعض يذهب إلى أنّه يأكل الصيد ، وبعض يذهب إلى أنّه يأكل الميتة ، وهذا هو الصحيح من الأقوال ، لأن الصيد إذا كان حيّا فذبحه المحرم ، كان حكمه حكم الميتة ، ويلزمه الفداء ، فإن أكل الميتة أولى ، من غير ان يلزمه فداء ولا اثم ، والاولى ان تحمل الروايات التي وردت بأكل الصيد ، على من وجد الصيد مذبوحا قد ذبحه محل في غير الحرم ، فإن الأولى ان يأكله ويفدي ، ولا يأكل الميتة ، والى هذا التحرير ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله ، في مسائل خلافه في الجزء الثالث من كتاب الأطعمة (١).

إذا اضطر الى شرب الخمر للعطش ، فله شربه ، فان اضطر إليه للتداوي ، أو الجوع ، فلا يجوز له تناوله بحال ، لا للتداوي للعين ، ولا لغيرها ، لما روى (٢) من انه ما جعل شفاء في محرم ، وأيضا فتحريمها معلوم من دين الرّسول عليه‌السلام وتحليلها يحتاج الى دليل.

إذا مرّ إنسان بحائط غيره ، يعنى ببستانه ، لأن الحائط عبارة عن البستان ، وبثمرته ، جاز له ان يأكل منها ، سواء كان في حال ضرورة ، أو في حال اختيار ، ولا يأخذ منها شيئا يحمله معه ، ما لم ينهه صاحبه عن الدخول والأكل ، فإن نهاه عن الأكل والدخول ، فلا يجوز له الأكل والدخول ، وقال المخالف لا يجوز له الأكل منه الّا في حال الضرورة ، دليلنا إجماع أصحابنا على ذلك ، فإنهم لا يختلفون في ذلك ، وما رواه المخالف عن ابن عمر ، ان النبيّ عليه‌السلام قال : إذا مرّ أحدكم بحائط

__________________

(١) الخلاف ، كتاب الأطعمة ، مسألة ٢٥.

(٢) الوسائل : الباب ٢١ ، من أبواب الأشربة المحرمة ، ح ١ ، ولفظه هكذا ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، ما جعل الله في محرّم شفاء.

١٢٦

غيره ، فليدخل وليأكل ، ولا يتخذ خبنة (١) بالخاء المعجمة وبضمها ، والباء وتسكينها ، وبالنون المفتوحة ، وهو ما يحمله الإنسان في حضنه هكذا قاله الجوهري في كتاب الصحاح ، وقال الهروي في غريب الحديث ، الخبنة تبان الرجل ، وهو ذلذل ثوبه المرفوع ، يقال رفّع في خبنته شيئا ، قال شمر الخبنة والحبكة في الحجزة والثبنة في الإزار ، قال ابن الأعرابي ، اخبن الرجل إذا خبأ في خبنة سراويله مما يلى البطن ، هذا الذي قاله وحكاه أبو عبيد الهروي في غريب الحديث ، فاما من قال ذلك بالياء المنقطة نقطتين من تحتها موضع النون ، فهو خطأ محض وتصحيف صرف.

جملة القول في الأعيان النجسة ، انّها على أربعة أضرب.

نجس العين ، وهو الكلب والخنزير ، وما توالد منهما ، وما استحال نجسا ، كالخمر ، والبول ، والعذرة وجلد الميتة ، فكل هذا نجس العين ، لا ينتفع به ، ولا يجوز بيعه.

الثاني ما ينجس بالمجاورة ، ولا يمكن غسله ، ولا يطهره الغسل بالماء ، وهو اللبن ، والخلّ ، والدّبس ، ونحو ذلك ، فلا ينتفع به ولا يجوز بيعه بحال.

والثالث ، ما ينجس بالمجاورة وينتفع بمقاصده ، ويمكن غسله وتطهيره بالماء ، وهو الثياب وما في معناها ، فهذا يجوز بيعه قبل تطهيره.

والرابع ، ما اختلف في جواز غسله وهو الزيت والشيرج ، فعند أصحابنا بغير خلاف بينهم ، انّه لا يجوز غسله ولا يطهره الغسل بالماء ، وكذلك البزر والادهان اجمع ، فعندنا وان لم يجز غسله فيجوز الانتفاع به في الاستصباح تحت السماء ، على ما قدمناه وشرحناه (٢) ، ويجوز بيعه بهذا الشرط عندنا أيضا ، ولا يجوز الانتفاع به في غير الاستصباح.

إذا وجد المضطر آدميّا ميتا حل له الأكل منه بمقدار ما يمسك رمقه ، كما لو كانت الميتة بهيمة ، للآيات وعمومها ، وفي النّاس من قال لا يجوز أكل لحم الآدمي

__________________

(١) سنن الترمذي ، الباب ٥٤ من كتاب البيوع ، باب ما جاء في الرخصة في أكل الثمرة للمار بها ، ج ٢ ، ص ٣٧٧ ، الرقم ١٣٠٥ ، فيه : عن ابن عمر انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « من دخل حائطا فليأكل ، ولا يتخذ خبنة ».

(٢) في ص ١٢١.

١٢٧

بحال للمضطر ، لانه يؤدى الى أكل لحوم الأنبياء.

وهذا ليس بصحيح ، لان المنع من ذلك يؤدى الى انّ الأنبياء يقتلون أنفسهم بترك لحم الآدمي عند الضرورة ، فكان من حفظ النبيّ في حال حياته اولى من الذي لم يحفظه بعد وفاته ، بدليل انّ من قتل نبيّا حيّا ليس كمن أتلف آدميّا ميتا.

فان لم يجد المضطر شيئا بحال ، قال قوم له ان يقطع من بدنه من المواضع اللحيمة ، كالفخذ ونحوها ، فيأكله ، خوفا على نفسه ، لانه لا يمتنع إتلاف البعض لاستبقاء الكل ، كما لو كان به آكلة أو خبيثة ، يقطعها.

والصّحيح عندنا انّه لا يفعل ذلك ، لأنه إنما يأكل خوفا على نفسه ، وفي القطع منه الخوف على نفسه ، فلا يزال الخوف بالخوف ، ويفارق الخبيثة ، لأنّ في قطعها قطع السراية ، وليس كذلك قطع موضع من بدنه ، لأن في قطعه إحداث سراية.

فاما ان وجد المضطر بولا وخمرا فإنه يشرب البول ، ولا يجوز له ان يشرب الخمر ، لان البول لا يسكر ، ولأحد في شربه ، فان لم يجد الّا الخمر ، فقد قلنا ما عندنا في ذلك (١) ، فلا وجه لإعادته.

باب الأشربة المحظورة والمباحة

كل ما أسكر كثيره فالقليل منه حرام ، لا يجوز استعماله بالشرب ، والتصرف فيه بالبيع والهبة ، وينجس ما يحصل فيه ، خمرا كان أو نبيذا ، أو بتعا ، ـ بكسر الباء المنقطة من تحتها بنقطة واحدة ، وتسكين التاء المنقطة من فوقها بنقطتين ، والعين غير المعجمة ، وهو شراب يتخذ من العسل ـ ، أو نقيعا ، وهو شراب يتخذ من الزبيب ، أو مزرا ، ـ بكسر الميم وتسكين الزاء المعجمة ، وبعدها الراء غير المعجمة وهو شراب يتخذ من الذرة ، ـ وغير ذلك من المسكرات.

وحكم الفقاع عند أصحابنا حكم الخمر على السّواء ، في انه حرام شربه ، وبيعه ، والتصرف فيه.

__________________

(١) في ص ١٢٦.

١٢٨

فاما عصير العنب ، فلا بأس بشربه ما لم يلحقه نشيش بنفسه ، فان لحقه طبخ قبل نشيشه ، حتى يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه ، حل شرب الثلث الباقي ، فان لم يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه (١) كان ذلك حراما ، وكذلك القول فيما ينبذ من الثمار في الماء ، أو اعتصر من الأجسام من الاعمال ، في جوار شربه ما لم يتغير ، فان تغير بالنشيش لم يشرب.

ولا يقبل في طبخ العصير وغيره ، شهادة من يرى جواز شربه في الحال التي لا يجوز شربه عندنا فيها ، وقد بيّناها ، ويقبل قول من لا يرى شربه إلّا إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه.

ولا يجوز شرب الفضيخ ـ بالفاء والضاد المعجمة ، والياء المنقطة من تحتها بنقطتين ، والخاء المعجمة ـ وهو ما عمل من تمر وبسر ، ويقال هو أسرع إدراكا ، وكذلك كل ما عمل من لونين ، حتى نش وتغير ، وأسكر كثيره ، فالقليل منه حرام ، والحدّ في قليله وكثيره واحد ، كالخمر ، وان لم يسكر منها شاربها ، لان النبيذ اسم مشترك لما حلّ شربه من الماء المنبوذ ، فيه تمر النخل وغيره ، قبل حلول الشدّة فيه ، وهو أيضا واقع على ما دخلته الشدّة من ذلك ، أو نبذ على عكر والعكر بقية الخمر في الإناء ، كالخميرة عندهم ، ينبذون عليه ، فمهما ورد من الأحاديث في تحليل النبيذ ، فهو في الحال الاولى ، ومهما ورد من التحريم له ، فإنما هو في الحال الثانية التي يتغير فيها ، ويحرم بما حله من الشدة والسكر والعكر ، وضراوة الآنية بالخمرة غليانه وغير ذلك من أسباب تحريمه ، ولا اختار ان ينبذ للشرب الحلال ، إلّا في اسقية الأدم الّتي تملأ ، ثم توكأ رءوسها ، فإنّه قد قيل ان الشدة حين يبتدأ بالنبيذ لسوء الأسقية ، وانه ان لحقه منه شي‌ء أخرجه إلى الحموضة في الرّواية (٢) عن النبي عليه‌السلام.

فاما الحنتم ، ـ بالحاء غير المعجمة ، والنّون ، والتاء المنقطة من فوقها بنقطتين ، ـ وهي الجرة الخضراء ، هكذا ذكره الجوهري في كتاب الصحاح ، وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة الحنتم الجرة الصغيرة (٣) والدبا ، بضم الدال وتشديد الباء ، والنقير ،

__________________

(١) ج : وبقي أكثر من ثلثه.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٣) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب الأشربة ص ٦٠ ، والعبارة هكذا ، واما الحنتم فالجرّة الصغيرة.

١٢٩

والمزفت.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله الزفت من الأرزن هكذا ذكره الجاحظ في كتاب الحيوان ، والقطران من الصّنوبر ، هكذا ذكر ، فقد روى (١) ان الرسول عليه‌السلام نهى ان ينبذ في هذه الأواني ، وقال انبذوا في الأدم ، فإنه يوكأ ، ويعلق ، كل هذا المنهي عنه لأجل الظروف ، فإنها تكون في الأرض ، فتسرع الشدّة إليها.

ثمّ أباح هذا كله ، بما روى عن ابن بريدة عن أبيه عن النبيّ عليه‌السلام قال نهيتكم عن ثلاث ، وانا آمركم بهن ، نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ، فان زيارتها تذكرة ، ونهيتكم عن الأشربة إن تشربوا إلا في ظروف الأدم ، فاشربوا في كلّ وعاء ، غير ان لا تشربوا مسكرا ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي ، أن تأكلوها بعد ثلث ، فكلوا واستمتعوا (٢).

فان نبذ في شي‌ء من تلك الظروف ، لا يشرب الا ما وقع اليقين بأنّه لم تحله شدة ظاهرة ، ولا خفية ، ولا يكون ذلك إلا بسرعة شرب ما ينبذ فيه.

فامّا « الدّبا » فإنه القرع « والنقير » خشبة تنقر ، وتخرط كالبرنيّة ، و « المزفّت » ما قيّر بالزفت بكسر الزّاء ، قال الجاحظ في كتاب الحيوان « القطران » من الصنوبر ، والزفت من الأرزن.

وقد قلنا ان العصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغل ، وحد الغليان على ما روى (٣) الذي يحرم ذلك ، وهو ان يصير أسفله أعلاه ، فإذا غلا حرم شربه ، وبيعه والتصرّف فيه ، الى ان يعود الى كونه خلا ، ولا بأس بإمساكه ، ولا يجب إراقته ، بل يجوز إمساكه الى ان يعود خلا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢٥ ، من أبواب الأشربة المحرّمة والباب ٥٢ من أبواب النجاسات الحديث ١ و ٢.

(٢) سنن البيهقي ، كتاب الضحايا ، باب الرخصة في الأكل من لحوم الضحايا .. ج ٩ ، ص ٢٩٢. وروى نحوه مسلم في صحيحه ، الباب ٥ من كتاب الأضاحي ، الحديث ٣٧ ( الرقم ١٩٧٥ ) ج ٣ ، ص ١٥٦٤. والنسائي في سننه ، في باب زيارة القبور من كتاب الجنائز ( ج ٤ ، ص ٨٩ ) وفي كتاب الأشربة ( باب الاذن في شي‌ء منها ) ، ج ٨ ، ص ١١ ـ ٣١٠.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أبواب الأشربة المحرمة.

١٣٠

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ويكره الاستسلاف في العصير ، فإنه لا يؤمن ان يطلبه صاحبه ، ويكون قد تغيّر الى حال الخمر ، بل ينبغي ان يبيعه يدا بيد ، وان كان لو فعل ذلك لم يكن محظورا (١).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله ، ما ذكره شيخنا رحمه‌الله فيه نظر ، لان السلف لا يكون إلا في الذمة ، ولا يكون في العين ، فإذا كان في الذمّة فسواء تغيّر ما عنده الى حال الخمر ، أو لم يتغير ، فإنّه يلزمه تسليم ماله في ذمته اليه ، من اى موضع كان ، فلا أرى للكراهية وجها ، وانما هذا لفظ خبر واحد ، أورده إيرادا.

ولا بأس ان يبيع العنب والتمر ممن يعلم ان يجعله خمرا أو نبيذا ، لان الإثم على من يجعله كذلك ، وليس على البائع شي‌ء ، غير ان الأفضل ان يعدل عنه الى غيره ، وقد حررنا ذلك وشرحناه في كتاب البيوع (٢) ، فليلحظ من هناك ، فلا وجه لإعادته.

وقال شيخنا في نهايته ، ولا يجوز ان يتداوى بشي‌ء من الأدوية ، وفيها شي‌ء من المسكر ، وله عنه مندوحة ، فإن اضطر الى ذلك ، جاز ان يتداوى به للعين ، ولا يجوز ان يشربه على حال ، الّا عند خوفه على نفسه من العطش ، على ما قدمناه (٣).

وقد قلنا (٤) انه لا يجوز له التداوي به لا للعين ولا غيرها ، وانّما هذا خبر واحد من شواذ أخبار الآحاد ، أورده إيرادا ورجع عنه في مسائل خلافه (٥) حتى أنه حرم شربها عند الضرورة للعطش.

واليه أيضا ذهب في مبسوطة ، فإنه قال ان وجد المضطر بولا وخمرا يشرب البول دون الخمر ، لان البول لا يسكر ولا حدّ في شربه ، فان لم يجد الا الخمر فالمنصوص لأصحابنا انه لا سبيل لأحد إلى شربها ، سواء كان مضطرا إلى الأكل أو الشرب ، أو التداوي ، وبه قال جماعة ، وقال بعضهم ان كانت الضرورة العطش ، حلّ له شربها ، ليدفع العطش عن نفسه ، وقال بعضهم يحل للمضطر الى الطعام والشراب ،

__________________

(١) النهاية : كتاب الأطعمة والأشربة ، باب الأشربة المحظورة والمباحة.

(٢) الجزء الثاني ص ٣٢٧.

(٣) النهاية ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب الأشربة المحظورة ، ولا يخفى كلام النهاية يتم على حال وما بعده ليس فيها.

(٤) في ص ١٢٦.

(٥) الخلاف ، كتاب الأطعمة ، مسألة ٢٧.

١٣١

ويحل للتداوي ، ويجوز على ما روى في بعض أخبارنا عند الضرورة التداوي به للعين ، دون الشرب ، هذا آخر كلامه في مبسوطة (١).

وذهب في نهايته الى جواز شربه خوف الضرر للعطش (٢).

وهو الذي يقوى في نفسي ، واخترناه في كتابنا (٣) هذا.

ولا ادفع جوازه للمضطر إلى أكل ما يكون فيه الخمر خوفا من تلف نفسه ، لقوله تعالى « وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » (٤) وأيضا فأدلة العقول تجوزه وتوجبه ، لانه يدفع الضرر به عن نفسه ، فلا مانع يمنع منه عقلا وسمعا ، وقد قلنا انه لا بأس بشرب النبيذ غير المسكر ، وهو ان ينقع التمر والزبيب ، ثم يشربه ، وهو حلو قبل ان يتغير.

ويكره ان يسقى شي‌ء (٥) من الدواب والبهائم الخمر أو المسكر.

ويكره الاستشفاء بالمياه الحارة التي تكون في الجبال.

ومن شرب الخمر ثم بصق على ثوب ، فان علم ان معه شيئا من الخمر ، لم تجز الصّلاة فيه ، وان لم يعلم ذلك بان لا يكون ملونا جازت الصّلاة فيه.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، أواني الخمر ، ما كان من الخشب ، أو القرع ، وما أشبههما ، لم يجز استعمالها في شي‌ء من المائعات ، حسب ما قدمناه ، وما كان من صفر ، أو زجاج ، أو جرّار خضر ، أو خزف ، جاز استعمالها إذا غسل ثلاث مرّات ، حسب ما قدمناه ، وينبغي ان يدلك في حال الغسل (٦).

وقال في مبسوطة ، في الجزء الأوّل ، أواني الخمر ما كان قرعا أو خشبا منقورا ، روى (٧) أصحابنا انّه لا يجوز استعماله بحال ، وانه لا يطهر ، وما كان مقيّرا أو مدهونا ، من الجرار الخضر أو خزفا ، فإنه يطهر إذا غسل سبع مرات ، حسب ما

__________________

(١) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب الأطعمة ص ٢٨٨.

(٢) النهاية كتاب الأطعمة والأشربة باب الأشربة المحظورة والمباحة.

(٣) في ص ١٢٦.

(٤) سورة البقرة الآية ١٩٥.

(٥) ج. ل ان يسقى شيئا.

(٦) النهاية. كتاب الأطعمة والأشربة باب الأشربة المحظورة والمباحة.

(٧) مستدرك الوسائل الباب ١٨ من أبواب الأشربة المحرمة.

١٣٢

قدمناه ، وعندي انّ الأوّل محمول على ضرب من التغليظ والكراهة ، دون الحظر ، هذا آخر كلامه في مبسوطة (١).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله وهو الذي يقوى في نفسي ، واخترناه في كتابنا هذا (٢).

والذمي إذا باع خمرا أو خنزيرا ، ثم أسلم ، جاز له ان يقبض ذلك الثمن ، وكان حلالا له.

والخمر إذا صار خلا ، جاز استعماله ، سواء صار ذلك من قبل نفسه ، أو بعلاج ، إذا طرح فيها ما ينقلب الى الخل ، غير انه يستحب ان لا يغير بشي‌ء يطرح فيه ، على ما روى (٣) ، بل يترك حتى يصير خلا من قبل نفسه.

وقد روى (٤) في بعض الاخبار ، انّه إذا وقع شي‌ء من الخمر في الخل ، لم يجز استعماله الا بعد ان يصير ذلك الخمر خلا ، أورد الرواية شيخنا في نهايته (٥).

والذي يقضيه أصول مذهبنا ، ترك العمل بهذه الرواية الشاذة ولا يلتفت إليها ، ولا يعرج عليها ، لأنها مخالف للأدلّة مضادة للإجماع ، لأن الخل بعد وقوع قليل الخمر في الخل ، صار بالإجماع الخل نجسا ، ولا دلالة على طهارته بعد ذلك ، ولا إجماع ، لأنه ليس له حال ينقلب إليها ، ولا يتعدى طهارة ذلك الخمر المنفرد ، واستحالته ، وانقلابه ، الى الخل الواقع فيه قليل الخمر ، المختلط به ، الذي حصل الإجماع على نجاسته.

وهذه الرواية الشاذة ، موافقة لمذهب أبي حنيفة ، فإن صح ورودها ، فتحمل على التقيّة ، لأنها موافقة لمذهب من سمّيناه بذلك ، على ما نبهنا عليه قول السيد المرتضى في انتصاره.

فإنه قال مسألة عند الإمامية إذا انقلبت الخمر خلا بنفسها ، أو بفعل آدمي ،

__________________

(١) المبسوط ، ج ١ ، كتاب الطهارة ، باب حكم الأواني والأدعية .. ص ١٥.

(٢) في الجزء الأول ص ٩٢.

(٣) الوسائل الباب ٣١ ، من أبواب الأشربة المحرمة الحديث ٧.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ٢٢ من أبواب الأشربة المحرمة الحديث ١.

(٥) النهاية : كتاب الأطعمة والأشربة باب الأشربة المحظورة والمباحة.

١٣٣

إذا طرح فيها ما تنقلب به الى الخل ، حلّت ، وخالف الشافعي ومالك في ذلك ، وأبو حنيفة موافق الإمامية فيما حكيناه ، الا انه يزيد عليهم ، فيقول فيمن القى خمرا في خل ، فغلب عليها ، حتى لا يوجد طعم الخمر ، انه بذلك يحل ، وعند الإمامية أنّ ذلك لا يجوز ، ومتى لم ينقلب الخمر الى الخل ، لم يحل ، فكأنهم انفردوا من أبي حنيفة ، بأنهم امتنعوا مما اجازه على بعض الوجوه ، وان وافقوه على انقلاب الخمر الى الخل ، فجاز لذلك ذكر هذه المسألة في الانفرادات ، دليلنا بعد الإجماع المتردد ، ان التحريم انما يتناول ما هو خمر ، وما انقلب خلا ، فقد خرج من ان يكون خمرا ، وانّه لا خلاف في إباحة الخل ، واسم الخل يتناول ما هو على صفة مخصوصة ، ولا فرق بين أسباب حصوله عليها ، ويقال لأصحاب أبي حنيفة ، أي فرق بين غلبة الخل على الخمر في تحليلها ، وبين غلبة الماء عليها ، أو غيره من المائعات ، أو الجامدات ، حتى لا يوجد لها طعم ، ولا رائحة ، فان فرقوا بين الأمرين بأن الخمر تنقلب الى الخل ، ولا تنقلب الى غيره من المائعات والجامدات ، قلنا كلامنا فيها على الانقلاب ، والخمر إذا ألقيت في الخل الكثير ، فما انقلبت في الحال الى الخل ، بل عينها باقية ، فكذلك هي في الماء ، فما الفرق بين ان يلقى فيما يجوز ان تنقلب اليه ، وبين مالا تنقلب إليه ، إذا كانت في الحال موجودة لم تنقلب هذا أخر كلام المرتضى رضى الله عنه في المسألة (١) ، فالحظه وتأمّله بعين قلبك ، فإنه دال على ما قلناه ، كاشف لما حررناه.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ويجوز ان يعمل الإنسان لغيره الأشربة من التمر ، والزبيب ، والعسل ، وغير ذلك ، ويأخذ عليها الأجرة ، ويسلمها اليه من قبل تغيّرها (٢).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله ، إذا استأجره على عمل ذلك ، فحلال له الأجرة ، سواء سلمها اليه قبل التغير ، أو بعده ، فإنها تهلك من مال صاحبها ، لأنها ما زالت على ملكه.

__________________

(١) الانتصار ، في الأطعمة.

(٢) النهاية ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب الأشربة المحظورة والمباحة.

١٣٤

ولا بأس برب التوت « بتائين » ، كل واحدة بنقطتين من فوق.

ولا بأس برب الرّمان والسكنجبين ، والجلاب ، وان شم فيه رائحة المسكر ، لانه ما لا يسكر كثيره ، والجلاب شراب الورد ، على ما حكاه الهروي في غريب الحديث عن الأزهري ، وكذلك ذكره ابن الجواليقي اللغوي ، في كتاب المغرب ، وفحوى الكلام هاهنا يدل على ذلك.

باب آداب الأكل والشّرب

يستحب ان يغسل الإنسان يده قبل ان يأكل الطعام ، ويغسلها بعده.

ويستحب أيضا ان يسمى الله تعالى عند تناول الطعام والشراب ، ويحمد الله تعالى عند الفراغ ، وان كان على مائدة عليها ألوان مختلفة فليسم عند تناول كل لون منها ، وان قال بدلا من ذلك بسم الله على اوّله وأخره ، كان كافيا.

وقد روى (١) انه ان سمى واحد من الجماعة ، أجزأ عن الباقين.

ولا يجوز الأكل على مائدة يشرب عليها شي‌ء من المسكرات ، أو الفقاع ، بل يجب عليه الإنكار مع القدرة عليه ، أو القيام ، فإن أكل ما هو طاهر ، فالأكل حرام محظور.

ويكره ان يقعد الإنسان متكئا في حال الأكل ، بل ينبغي ان يجلس على رجله.

وكثرة الأكل مكروه ، وربما بلغ حد الحظر.

ويكره الأكل على الشبع ـ بفتح الباء.

ويكره الأكل والشرب باليسار.

وينبغي ان يتولى ذلك باليمين الا عند الضرورة.

ويكره الأكل والشرب ماشيا.

ويكره الشرب بنفس واحد بل ينبغي ان يكون ذلك بثلاثة أنفاس ، فإنّه

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من أبواب آداب المائدة الحديث ٢.

١٣٥

روى (١) ان ألعب يورث الكباد.

ويكره أكل طعام لم يدع إليه ، بأن يتبع غيره ممن دعي اليه.

ولا يجوز الأكل من طعام يعصى الله به أو عليه ، من اختلاطه بخمر ، أو نجاسة غير الخمر ، أو شربه عليه.

ويكره قطع الخبز بالسكين على المائدة.

ويكره الشرب من عروة الكوز ، وكذلك من ثلمته.

ويستحب ان يتبع ما يسقط من فتات الخبز عند الأكل ، ويترك إذا كان في صحراء.

ويشرب صاحب المنزل أوّل القوم ، ويغسل آخرهم.

ولا يتمندل قبل الطعام ويمسّه بعده.

ويستحب الخلال ، ولا يتخلل بعود ريحان ، ولا قصب.

ويستحب ان يبدأ صاحب الطعام بالأكل ويكون هو آخرهم ، رفعا يده منه ، فإذا أرادوا غسل أيديهم ، يبدأ بمن هو عن يمينه ، حتى ينتهي إلى آخرهم.

ويستحب ان يجمع غسالة الأيدي في إناء واحد.

وإذا حضر الطعام والصّلاة ، فالبداءة بالصلاة أفضل ، إذا كانوا في أول الوقت ، فان كانوا في آخر الوقت فذلك هو الواجب ، لا أفضل ، فإن كان هناك قوم ينتظرونه للإفطار معه ، وكان أوّل الوقت ، وهم صيام ، فالبدأة بالطعام أفضل ، لموافقتهم ، وان كان قد تضيّق الوقت ، لا يجوز إلّا البدأة بالصّلاة ، على ما قدمناه.

ويستحب لمن أكل الطعام ، ان يستلقي على قفاه ، ويضع رجله اليمنى على اليسرى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب الأشربة المباحة الحديث ٣.

١٣٦

كتاب الطب

١٣٧

كتاب الطّب والاستشفاء بالبر وفعل الخير

قد ورد الأمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووردت اخبار عن الأئمة من ذريته عليهم‌السلام ، بالتداوي ، فقالوا : تداووا ، فما انزل الله داء إلّا أنزل معه دواء الا السام ، فإنه لا دواء معه ، يعنى الموت (١).

ويجب على الطبيب ان يتقي الله سبحانه فيما يفعله بالمريض ، وينصح فيه.

ولا بأس بمداواة اليهودي والنصراني للمسلمين ، عند الحاجة الى ذلك.

وإذا أصاب المرأة علّة في جسدها ، واضطرت إلى مداواة الرّجال لها ، كان جائزا ومن كان يستضر جسده بترك العشاء ، فالأفضل له ان لا يتركه ، ولا يبيت الا وجوفه مملوءة من الطعام ، فقد روي (٢) ان ترك العشاء مهرمة.

وإذا كان الإنسان مريض ، فلا ينبغي ان يكرهه على تناول الطعام والشراب ، بل يتلطف به في ذلك.

وروي (٣) ان أكل اللحم واللبن ، ينبت اللحم ، ويشد العظم ، وروى (٤) ان اللحم يزيد في السمع والبصر ، وروى (٥) ان أكل اللحم بالبيض يزيد في الباه.

وروي (٦) ان ماء الكمأة ، فيه شفاء للعين.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١٠٦ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ١ و ٦.

(٢) الوسائل الباب ٤٦ ، من أبواب آداب المائدة الحديث ٢.

(٣ و ٤) مستدرك الوسائل الباب ١٩ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٢.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ٣٠ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٥.

(٦) الوسائل الباب ١١٨ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٢.

١٣٨

وروي (١) انه يكره ان يحتجم الإنسان في يوم الأربعاء ، أو سبت ، فإنه ذكر انه يحدث منه الوضح ، والحجامة في الرأس فيها شفاء من كل داء.

وروي (٢) ان أفضل الدواء في أربعة أشياء ، الحجامة ، والحقنة ، والنورة ، والقي.

فان تبيغ الدم ، ـ بالتاء المنقطة بنقطتين ، من فوق ، والباء المنقطة من تحتها بنقطة واحدة ، والياء المنقطة من تحتها بنقطتين ، وتشديدها ، والغين المعجمة ، ومعنى ذلك هاج به ، يقال تبوّغ الدّم بصاحبه ، وتبيغ ، اى هاج به ، ـ فينبغي ان يحتجم في أي الأيام كان ، من غير كراهية وقت من الأوقات ، ويقرأ آية الكرسي ، وليستخر الله سبحانه ، ويصلى على النبيّ وآله عليهم‌السلام.

وروي (٣) انه إذا عرضت الحمى لإنسان ، فينبغي ان يداويها بصب الماء عليه ، فان لم يسهل عليه ذلك ، فليحضر له إناء فيه ماء بارد ، ويدخل يده فيه.

والاكتحال بالإثمد عند النوم يذهب القذي ، ويصفى البصر.

وروي (٤) انه إذا لذعت العقرب إنسانا فليأخذ شيئا من الملح ، ويضعه على الموضع ، ثم يعصره بإبهامه ، حتى يذوب.

وروي (٥) انه من اشتدّ وجعه ، فينبغي ان يستدعي بقدح فيه ماء ، ويقرأ عليه الحمد أربعين مرّة ، ثم يصبه على نفسه.

وروي (٦) انّ أكل الزبيب المنزوع العجم ، على الريق ، فيه منافع عظيمة ، فمن أكل منه كل يوم على الريق احدى وعشرين زبيبة منزوعة العجم ، قلّ مرضه ، وقيل

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣٦ من أبواب صلاة الجمعة.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ١٠٦ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٤ الّا ان فيه والدواء في أربعة إلخ.

(٣) لم نجدها بهذه العبارة في مظانها من كتب الحديث الا ان المذكور فيها صب الماء فقط فراجع بحار الأنوار ج ٥٩ من طبع الحديث ص ٩٣ الباب ٥٣ الحديث ٨.

(٤) الوسائل الباب ٤١ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٣ الّا انه نقل فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك حين لذعته العقرب.

(٥) بحار الأنوار ج ٥٩ من طبع الحديث ص ١٠٤ الباب ٥٣ الحديث ٣٥.

(٦) لم نجده بهذه العبارة في مظانها من كتب الأحاديث.

١٣٩

انه لا يمرض إلّا المرض الّذي يموت فيه.

ومن أكل عند نومه تسع تمرات ، عوفي من القولنج ، وقتل دود البطن على ما روي (١).

وروي (٢) ان أكل الحبّة السوداء ، فيه شفاء من كلّ داء ، على ما روي.

وفي شراب العسل منافع كثيرة ، فمن استعمله ، انتفع به ما لم يكن به مرض حار.

وروى (٣) أن لبن البقر فيه منافع ، فمن تمكن منه فليشربه.

وروي (٤) ان أكل السمن (٥) نافع للأحشاء وروي (٦) ان أكل القرع ، يزيد في العقل ، وينفع الدماغ.

ويستحب أكل الهندباء.

وروي عن سيّدنا أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، انه قال إذا دخلتم أرضا فكلوا من بصلها ، فإنه يذهب عنكم وباؤها (٧).

وروي انّ رجلا من أصحابه عليه‌السلام شكا اليه اختلاف البطن ، فأمر أن يتخذ من الأرز سويقا ، ويشربه ، ففعل ، فعوفي (٨).

وروى ان النبي عليه‌السلام قال : إياكم والشّبرم ، فإنه حار بارّ ، وعليكم بالسناء ، فتداووا به ، فلو دفع شي‌ء من الموت ، لدفعه السناء وتداووا بالحلبة ، فلو علم أمّتي ما لها في الحلبة ، لتداووا بها ، ولو بوزنها ذهبا (٩).

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٥٧ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٥ الّا ان فيه سبع تمرات.

(٢) بحار الأنوار ج ٥٩ من طبع الحديث ص ٢٢٧ الباب ٨١ الحديث ٢.

(٣) لم نجدها بهذه العبارة في مظانها والظاهر انّها نقل بالمعنى ، راجع الوسائل ، الباب ٥٧ من الأطعمة المباحة.

(٤) الوسائل : الباب ٥٣ من أبواب الأطعمة المباحة.

(٥) ج. أكل البيض.

(٦) الوسائل الباب ١٢٠ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٥.

(٧) مستدرك الوسائل الباب ٩٩ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ١.

(٨) مستدرك الوسائل الباب ٤ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٣.

(٩) مستدرك الوسائل الباب ١١٢ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٦.

١٤٠