كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

العتق عن الآذن (١).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، ان العتق لا يقع الّا عن المالك للعبد ، دون الآذن الذي ليس بمالك ، لانّه لا خلاف في قوله عليه‌السلام « لا عتق قبل ملك ، ولا طلاق قبل نكاح » (٢) والآذن لم يملك العبد وانما هو على ملك المباشر للعتق الى حين إعتاقه ، وانّما هذا الذي ذكره شيخنا رحمه‌الله قول المخالفين ، دون ان يكون ورد في أخبارنا ، أو أجمع أصحابنا عليه ، لانّه لو اجمع عليه أصحابنا ، أو وردت به أخبارنا لما قال في استدلاله على صحة ما اختاره « دليلنا ان الآذن في الحقيقة هو المعتق » لانه لو لم يأمره بذلك لم يعتقه ، كما لو امره ببيع شي‌ء منه ، أو شرائه ، ولكان يقول دليلنا إجماع الفرقة واخبارهم.

باب أمّهات الأولاد

إذا وطئ الرجل أمته ، فاتت منه بولد ، فان الولد يكون حرّا ، لأنّها علقت به في ملكه بغير خلاف ، وتسرى حرّية الولد إلى الأم عند المخالف ، وعندنا لا تسرى ، وهي أم ولد ، فما دامت حاملا ، فلا يجوز بيعها عندنا ، وان ولدت ، فما دام ولدها باقيا لا يجوز بيعها إلّا في ثمنها ، إذا كان دينا على مولاها ولم يكن له غيرها.

وقال السيّد المرتضى لا يجوز بيعها ما دام الولد باقيا ، لا في الثمن ولا في غيره (٣).

والأظهر الأوّل.

فإذا مات الولد ، جاز بيعها ، وهبتها ، والتصرف فيها بسائر أنواع التصرف ، وقال المخالف لا يجوز بيعها ، ولا هبتها ، ولا التصرف في رقبتها بشي‌ء من أنواع التصرف ، لكن يجوز التصرف في منافعها بالوطي والاستخدام.

__________________

(١) الخلاف ، كتاب العتق مسألة ١٦.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب العتق الحديث ١ مع التقديم والتأخير في لفظ العتق والطلاق.

(٣) في كتاب الانتصار ، كتاب التدبير ، مسألة ٩.

٢١

فإذا مات السيّد عتقت من أصل المال عندهم ، وعندنا تجعل من نصيب ولدها ، وتعتق عليه (١) ، فان لم يكن هناك غيرها انعتق نصيب ولدها ، واستسعيت في الباقي.

وروي انه ان كان لولدها مال ، ادى بقية ثمنها منه ، ولا دليل على هذه الرواية.

فان لم يكن ولدها باقيا ، جاز للورثة بيعها.

أم الولد إذا جنت جناية وجب لها أرش ، فإن الأرش يتعلق برقبتها بلا خلاف ، والمولى بالخيار بين ان يفديها ، أو يسلمها للبيع عندنا ، وعند المخالف على السيّد ان يفديها ويخلصها من الجناية ، قالوا : لانه منع من بيعها باحباله ، ولم يبلغ بها حالة يتعلق الأرش بذمتها ، فصار كالمتلف لمحل الأرش ، فلزمه ضمان الجناية ، كما لو كان له عبد فجنى ، فقتله ، ويفارق إذا كان له عبد ، فأعتقه ، ثمّ جنى جناية ، لم يلزمه جناية ذلك ، لأن هناك بلغ به حالة يتعلق الأرش بذمته.

إذا كان لذمي أم ولد منه ، فأسلمت ، فإنّها لا تعتق عليه ، وتباع عليه عندنا ، لأنها مملوكة.

ولا خلاف بين أصحابنا ، انّ الذّمي إذا كانت عنده جارية ذمّية ، فأسلمت ، فإنّها تباع عليه بغير اختياره ، ويعطى ثمنها ، لقوله تعالى « وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً » (٢) وهذا مذهب شيخنا في مبسوطة (٣) ، واختار في مسائل خلافه قول بعض المخالفين ، وهو انه لا تباع ولا تستعار ، لكن يحال بينها وبين المولى الذّمي ، وتجعل في يد امرأة ثقة تنفق عليها من كسبها ، فان فضل شي‌ء من كسبها ، كان لسيّدها ، وان عجز ذلك عن نفقتها ، كان على السيّد تمام النفقة (٤).

وما ذكره في مبسوطة هو الّذي يقتضيه أصول مذهبنا.

__________________

(١) ج. ل. تنعتق عليه.

(٢) سورة النساء : الآية ١٤١.

(٣) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب أمهات الأولاد ، ص ١٨٨ ، والعبارة هكذا ، إذا كان لذمي أم ولد منه ، فأسلمت فإنها لا يعتق عليه وتباع عندنا.

(٤) الخلاف ، كتاب أمهات الأولاد ، مسألة ٢ ، والمنقول مضمونها.

٢٢

وقال شيخنا في نهايته في باب أمهات الأولاد ، فان لم يخلف غيرها ، وكان ثمنها دينا على مولاها ، قومت على ولدها ، وتترك الى ان يبلغ ، فإذا بلغ اجبر على ثمنها ، فان مات قبل البلوغ ، بيعت في ثمنها ، وقضى به الدين (١).

وهذا الذي ذكره ، غير واضح ، لأنا نبيعها في ثمن رقبتها في حياة مولاها ، فكيف بعد موته ، ولأيّ شي‌ء يجبر الولد بعد بلوغه على ثمنها؟ فلأيّ شي‌ء يؤخر الدين؟

الّا ان شيخنا قد رجع عن هذا في عدّة مواضع ، ولا شك ان هذا خبر واحد أورده هاهنا إيرادا لا اعتقادا.

باب الولاء

الولاء على ثلاثة أقسام ، وولاء النعمة ، وهو كل من أنعم عليه مولاه ، وأعتقه متبرّعا بإعتاقه ، متقربا بذلك الى الله تعالى ، لا في واجب عليه ، ولا مجبر عليه ، بان يرث من يعتق عليه أو يبتاع من يعتق عليه.

وولاء تضمن الجريرة ، وهو ان يتعاقد اثنان مجهولا النسب ، أو أحدهما ، أولا وارث (٢) من جهة النسب لهما أو لأحدهما ، على ان يعقل عنه ويضمن جريرته وخطاءه ، ويكون له ميراثه.

وولاء الإمامة ، وهو كل من مات ولا وارث له من نسب ، ولا مولى منعم ، ولا ضامن جريرة.

فالقسم الأول ، إذا كان المباشر للعتق رجلا ، فولاء مولاه له ، وضمان جريرته عليه ، الّا ان يتبرّأ (٣) من ضمان جريرته في حال عتقه ، ويشهد على ذلك.

فإذا مات المنعم ، فولاء مولاه يجرى مجرى النسب ، ويرثه من يرث من ذوي الأنساب على حد واحد ، إلّا الاخوة ، والأخوات من الأم ، أو من يتقرب بها من الجدّ والجدّة ، والخال والخالة ، وأولادهما.

__________________

(١) النهاية ، كتاب العتق ، باب أمهات الأولاد.

(٢) ج. ل. ولا وارث.

(٣) ج. ل. ان يبرأ.

٢٣

وفي أصحابنا من قال انه لا يرث النساء من الولاء شيئا ، وانما يرثه الذكور من الأولاد والعصبة ، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته (١) وإيجازه (٢).

والأول مذهبه في استبصاره (٣) ، فإنه قال : ان البنت ترث من ميراث المولى ، كما يرث الابن ، قال وهو الأظهر من مذهب أصحابنا ، وهو مذهبه في مسائل خلافه (٤) ، واستدل على صحته بان قال : دليلنا إجماع الفرقة ، وأيضا قوله عليه‌السلام « الولاء لحمة كلحمة النسب ، لا يباع ولا يوهب » (٥).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله وهذا الذي يقوى في نفسي ، وبه افتى ، لأنّ هذا الخبر مجمع عليه ، متلقى بالقبول عند الخاصّة والعامة ، فلا معدل عنه ، ولا إجماع منعقد لأصحابنا على المسألة ، فنخصّص العموم به.

فاما إذا كان المنعم بالعتق امرأة ، فإنها ترث ولاء مواليها ما دامت حية ، فإذا ماتت ورث ولاء مواليها عصبتها من الرجال ، دون أولادها ، سواء كان الأولاد ذكورا أو إناثا ، لأن إجماع أصحابنا منعقد على ذلك ، فهو المخصّص لعموم الخبر المقدم ذكره.

الّا ما ذهب اليه شيخنا المفيد في مقنعته (٦) ، فإنّه قال يرث الولاء أولادها الذكور دون الإناث.

وابن أبي عقيل ذهب الى ان الولاء يرثه أولاد المرأة ، سواء كانوا ذكورا أو إناثا ، وهو يجرى مجرى النّسب على حد واحد ، إلّا الاخوة والأخوات من الام ومن يتقرب بها ، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه (٧).

وهذا أقوى ، يجب ان يعتمد عليه للخبر المقدم ذكره وما قلناه من تخصيصه

__________________

(١) النهاية ، كتاب العتق ، باب الولاء.

(٢) الإيجاز.

(٣) الإستبصار ، ج ٤ ، ص ١٧٣ ، باب انه لا يرث أحد من الموالي مع وجود واحد من ذوي الأرحام ذيل حديث ٧.

(٤ و ٧) الخلاف. كتاب الفرائض ، مسألة ٨٤.

(٥) الوسائل ، الباب ٤٢ ، من أبوال القن ، الحديث ٢ و ٦.

(٦) المقنعة باب ميراث الموالي وذوي الأرحام ص ٦٩٤.

٢٤

بالإجماع ، فراجعنا النّظر في أقوال أصحابنا وتصانيفهم ، فرأيناها مختلفة غير متفقة ، فالأولى التمسّك بالعموم ، الى ان يقوم دليل الخصوص.

فاما القسم الثاني ، فلا يتعدى الضامن ، فإذا مات الضّامن بطل التعاقد بينهما ، ولا يرثه ورثته بغير خلاف.

فامّا القسم الثالث ، فان ميراثه لإمام المسلمين ، مع فقدان جميع الأنساب والموالي ، وهذا هو ميراث من لا وارث له ، وهو الضّامن لجريرته وحدثه ، فإذا مات الامام ، انتقل الى الامام الذي يقوم مقامه ، دون ورثته الّذين يرثون تركته ، ومن يتقرب اليه.

ولا يصح بيع الولاء ولا هبته.

وإذا أعتق الرجل مملوكا وتبرأ من ضمان جريرته كان سائبة ، ولا ولاء له عليه على ما قدمناه ، وكذلك الّذين يعتقهم في النذور والكفارات والواجبات ، فلا ولاء لمن أعتقه عليه ، ولا لأحد بسببه ، فان توالى هذا المعتق اليه ، وضمن جريرته ، كان ولاؤه له ، فان توالى الى غيره ، كان ولاؤه له ، وضمان جريرته عليه ، فان مات ولم يتوال أحدا ، كان ميراثه لإمام المسلمين على ما قدمناه.

قال شيخنا في مبسوطة ، إذا ملك من يعتق عليه بعوض ، أو بغير عوض ، عتق عليه ، وكان ولاؤه له ، لعموم الخبر (١).

وهذا غير واضح ، ولا مستقيم ، لأنا قد بيّنا انه لا خلاف بين أصحابنا في ان الولاء يستحقه المتبرع بالعتق ، دون غيره ، وأيضا فقول الرّسول عليه‌السلام. المجمع عليه « ان الولاء لمن أعتق » (٢) وهذا ما أعتق بغير خلاف ، لانّه انعتق عليه بغير اختياره ، فإن أراد شيخنا بقوله لعموم الخبر ، هذا الخبر الّذي ذكرناه ، فهو بالضدّ من مراده واستشهاده.

ثمّ قال رحمه‌الله ، فامّا المكاتب ، إذا أعتق بالأداء ، أو اشترى العبد نفسه من

__________________

(١) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب العتق فصل في الولاء ، ص ٧١.

(٢) الوسائل ، الباب ٢٥ ، من أبواب العتق.

٢٥

مولاه ، وعتق ، لم يثبت له عليه الولاء عندنا ، الّا ان يشترط عليه ، وعندهم يثبت واما المدبر فإنه يثبت عليه الولاء بلا خلاف ، وكذلك أم الولد (١).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله قوله رحمه‌الله في المكاتب والمدبر صحيح واضح ، لا خلاف عندنا فيهما ، وامّا أمّ الولد فلا ولاء عليها لأحد من جهة مولاها ، لما قدّمناه من الأدلة وبيّناه.

باب المكاتبة

المكاتبة مشتقة من الكتب ، وهو الضمّ والجمع ، يقال كتبت البغلة إذا ضممت أحد شفريها بحلقة أو سير ، ومنه قيل للجيش والناس المجتمعين « كتيبة » فكذلك المكاتبة ، اشتقاقها من هذا ، لانه ضم أجل إلى أجل ، وعقد المعاوضة على ذلك.

فدليل جوازها قوله تعالى « وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً » (٢) فأمر بالكتابة ، فإذا ثبت ذلك ، فهي أن يشترط المالك على عبده أو أمته تأدية شي‌ء معلوم ، يعتق بالخروج منه اليه ، وهي بيع العبد من نفسه ، وصورتها ان يقول الإنسان ، لعبده أو أمته ، « قد كاتبتك على ان تعطيني كذا وكذا دينارا ، أو درهما ، في نجوم معلومة ، على انك إذا أديت ذلك فأنت حرّ » فيرضى العبد بذلك ، ويكاتبه عليه ، ويشهد بذلك على نفسه ، فمتى ادى مال الكتابة في النجوم الّتي سمّاها ، صار حرّا.

وهي على ضربين ، مشروطة ومطلقة غير مشروطة فإذا أدى المكاتب من غير شرط ، شيئا من مال الكتابة ، عتق منه بحسابه ، والمشروط عبد ما بقي عليه درهم.

ولا يجوز للإنسان وطي أمته المكاتبة ، سواء كانت الكتابة مطلقة ، أو مشروطة بلا خلاف ، فإن وطأها وكانت مشروطا عليها ، لم يحد ، لأنّ هناك شبهة يسقط بها الحد ، وان كانت غير مشروطة عليها ، وقد أدت من مال الكتابة شيئا ، كان عليه

__________________

(١) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب العتق فصل في الولاء ، ص ٧١.

(٢) سورة النور ، الآية ٣٣.

٢٦

الحد بمقدار ما تحرّر منها إذا لم يشتبه الحكم عليه.

والكتابة المشروطة ، هو ان تقول للعبد في حال الكتابة « متى عجزت عن أداء ثمنك فأنت رد في الرق ، ولى جميع ما أخذت منك » ـ فمتى عجز عن ذلك وحد العجز هو ان يؤخر نجما الى نجم والاولى ان نقول ان يؤخر النجم بعد محلّه فامّا تأخير النجم الى النجم الآخر فعلى جهة الاستحباب الصّبر عليه الى ذلك الوقت ، أو يعلم من حاله انه لا يقدر على فك رقبته وأداء ثمنه فإنه عند ذلك يرجع رقا إذا فسخ ذلك مولاه ، فان لم يفسخ الكتابة مولاه ، بقي على ما هو عليه من الكتابة ، وليس بمجرّد عجزه يرجع رقا ، بل يكون سيده بالخيار بين فسخ الكتابة ، أو المقام عليها والصبر عليه.

فان مات هذا المكاتب ، وخلف مالا وأولادا ، كان ما ترك لمولاه ، دون غيره ، وكان أولاده مماليك له إذا كان أولاده من مملوكة اشتراها ، فامّا ان كانوا من حرة ، فلا يكونون مماليك لسيده.

ولا يجوز لهذا المكاتب ان يتصرف في نفسه بالتزويج ، ولا بهبة المال ، ولا بالعتق ما دام قد بقي عليه شي‌ء من مال الكتابة ، وانما يجوز له التصرف في تنمية المال.

ومتى حصل عليه دين ، كان مولاه ضامنا له ، إذا كان قد اذن له في الاستدانة ، لأنه عبده.

والضرب الآخر من المكاتبة ، هو ان يكاتبه على شي‌ء معلوم ، ونجوم معلومة ، ولا يشترط عليه انه ان عجز فهو رد في الرق ، على ما بيناه ، فمتى أدى شيئا من مكاتبته انعتق منه بحساب ذلك على ما تقدم بيانه ، ولم يكن لمولاه عليه سبيل.

فان مات هذا المكاتب وترك مالا وترك أولادا ، ورثه مولاه بقدر ما بقي له من العبودية ، وكان الباقي لولده إذا كانوا أحرارا في الأصل ، بعد إخراج ما بقي من مال الكتابة قبل ذلك أجمع ، لأنّه دين ، وما يبقى بعد ذلك يكون ميراثا على ما بيناه.

والّذي ينبغي تحصيله في ذلك ، ان نقول يرث السيد بمقدار ما فيه من العبودية ، وابنه أو وارثه بقدر ما تحرر منه ، ويؤخذ بقيّة مال الكتابة من نصيب وارث

٢٧

المكاتب ، إذا صار اليه نصيبه ، لأنّ الدين الّذي هو مال الكتابة يخرج من نصيب الوارث للأجزاء الحرّيّة (١) ، دون جميع ما خلفه وتركه الميت ، لأنّ الاجزاء الباقية على العبودية لا تملك شيئا ، لأنّه مال سيده دونه ، وانّما الدين يتعلق بما فيه من الحرّيّة ونصيبها ، دون جميع التركة.

وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في استبصاره (٢) ، وهو الصحيح دون ما أوردناه أوّلا فإن كان هذا المكاتب قد رزق الولد بعد الكتابة من امة له ، كان حكم ولده حكمه في انه يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي على أبيه ، فإن أدى الابن ما كان قد بقي على أبيه ، صار حرا لا سبيل لمولاه عليه ، فان لم يكن له مال ، استسعاه مولى الأب فيما بقي على أبيه ، فمتى ادّاه صار حرا.

وهذا المكاتب إذا أدى بعض مكاتبته ، يرث ويورث بحساب ما عتق منه ، ويمنع الميراث بقدر ما بقي من الرق ، وكذلك ان وصى له ، كانت الوصيّة ماضية له ، بقدر ما عتق ، ويحرم بقدر ما بقي من رقه.

وكل شرط يشرطه المولى على مكاتبه ، فإنه يكون ماضيا ما لم يكن شرطا يخالف الكتاب والسنة ، كما ان له جميع ما يشرط عليه ، إذا أعتقه ، فإن شرط عليه ان يكون ولاؤه له ، كان له الولاء دون غيره ، ولا يكون له الولاء بمجرد الكتابة إلّا بالشرط.

ومتى تزوجت المكاتبة بغير اذن مولاها ، كان نكاحها باطلا ، وان كان ذلك بإذن مولاها وقد أدّت بعض مكاتبتها ، ورزقت أولادا ، كان حكم ولدها حكمها ، يسترق منهم بحساب ما بقي من ثمنها ، ويعتق بحساب ما عتقت (٣) إذا كان تزويجها بعبد مملوك ، فان كان تزويجها بحر ، كان الولد أحرارا.

وإذا قال المكاتب لمولاه ، خذ مني جميع ما كاتبتنى عليه دفعة واحدة ، كان مخيرا بين أخذه منه في موضع ، والامتناع منه ، ولا يقبل منه الّا على ما وافقه من النّجوم.

__________________

(١) ج. الوارث الآخر من جهة الحرية.

(٢) الاستبصار ، الباب ٢١ ، من كتاب العتق باب ميراث المكاتب ، ج ٤ ، ص ٤٧.

(٣) ق : وعتق بحساب ما أعتق.

٢٨

وإذا كان المكاتب غير مشروط عليه ، وعجز عن توفية ثمنه ، فان كان مولاه ممّن عليه زكاة واجبة ، فإنه يجب عليه ان يعطيه شيئا من ذلك ، قلّ أم كثر ، لقوله تعالى « وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ » (١) وان لم يكن ممن يجب عليه زكاة ، فلا يجب عليه الإيتاء المذكور في الآية ، لأنه لا مال لله تعالى واجب عليه ، وكان على الامام ان يفك رقبته من سهم الرقاب.

والمكاتب إذا كان غير مشروط عليه ، لم يكن على مولاه فطرته ، فان كان مشروطا عليه ، وجب على مولاه فطرته.

ولا يجوز مكاتبة الكافر ، لقوله تعالى « فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً » (٢) وحمل ذلك على الايمان والدين ، اولى من حمله على المال والتكسّب ، لانّه لا يقال للكافر وان كان موسرا أو مكتسبا ، انّ فيه خيرا ، ولا انّه خير ، ويقال ذلك لمن كان فيه ايمان ودين ، وان لم يكن مكتسبا ، ولا ذا مال ، ولو تساوى ذلك في الاحتمال ، لوجب الحمل على الجميع.

الكتابة المشروطة لازمة من جهة السيد ، جائزة من جهة العبد ، ولسنا نريد بقولنا جائزة من جهته ، ان له الفسخ ، كالعامل في القراض ، بل نريد ان له الامتناع عن أداء ما عليه مع القدرة عليه ، فإذا امتنع منه كان سيده بالخيار بين البقاء على العقد وبين الفسخ.

فان كانت الكتابة مطلقة ، فهي لازمة من الطّرفين ، وليس لأحدهما فسخ.

إذا وجبت على المكاتب كفارة في قتل ، أو ظهار ، أو جماع ، ففرضه الصوم بلا خلاف ، فان كفر بالمال بغير اذن سيّده لم يصح ، لأنّه مستغن عن التكفير بالمال ، لانّه يمكنه التكفير بالصوم ، فان اذن له السيد في ذلك ، فإن أراد ان يكفر بالعتق ، لم يجز بلا خلاف عندنا ، لأنه فعل ما لم يجب عليه ، وعند المخالف لأنّ العتق يتضمن ثبوت الولاء ، وليس المكاتب من أهل الولاء ، وامّا ان أراد ان يكفّر بالإطعام أو الكسوة ، فعندنا لا يجزيه ، لانّه فعل ما لم يجب عليه.

__________________

(١ و ٢) سورة النور : الآية ٣٣.

٢٩

الكتابة تصح حالّة ، ومؤجّلة ، وليس الأجل شرطا في صحتها.

يجوز عتق المكاتب المشروط عليه في الكفارة الواجبة ، لأنّه عند أصحابنا جميعا عبد ما بقي عليه درهم ، وأحكامه أحكام العبد القن بلا خلاف بينهم ، فامّا المكاتب المطلق ان لم يكن ادى من مكاتبته شيئا ، فيجوز عتقه في الكفارة ، فإن كان ادى منها شيئا ، فلا يجوز عتقه في الكفارة.

وقال شيخنا في مسائل خلافه ، لا يجوز عتق المكاتب في الكفارة ، سواء كانت المكاتبة مطلقة أو مشروطة (١).

وما حرّرناه هو الّذي يقتضيه أصول مذهبنا ، واليه ذهب في نهايته (٢).

باب التدبير

التدبير ، هو ان يعلّق عتق عبده بوفاته ، فيقول « متى مت أو إذا مت فأنت حرّ أو محرّر أو عتيق ، أو معتق » وسمّى مدبرا لان العتق عن دبر حياة سيّده ، يقال : دابر الرجل يدابر مدابرة ، إذا مات ، ودبّر عبده يدبره تدبيرا ، إذا علق عتقه بوفاته.

والتدبير لا يقع الّا مع قصد اليه ، واختيار له ، ولا يقع على غضب ، ولا إكراه ، ولا سكر ، ولا على جهة اليمين ، ويكون القربة الى الله تعالى هي المقصودة به ، دون سائر الأغراض ، فعلى هذا تدبير الكافر غير جائز.

وهو على ضربين ضرب يجوز الرجوع فيه ، وهو إذا كان ذلك التدبير تطوعا وتبرّعا ، فهو بمنزلة الوصيّة ، يجوز بيعه في دين وغير دين ، وإخراجه عن ملكه ، والتصرف فيه بسائر جميع التصرفات ، كما يجوز له الرجوع في وصيّته.

والضرب الآخر ، لا يجوز بيعه ، وهو انّه إذا كان تدبيره عن واجب ، ومعنى ذلك ان يكون مثلا قد نذر إن برئ مريضة ، أو قدم غائبة أن يدبر عبده ، ففعل

__________________

(١) الخلاف ، كتاب الظهار ، مسألة ٢٩ ، والعبارة هكذا ، عتق المكاتب لا يجزى في الكفارة .. فإن المكاتب عندنا على ضربين ، مشروط عليه وغير مشروط إلخ.

(٢) النهاية كتاب النذر والعهود باب الكفارات.

٣٠

ذلك واجبا لا تبرعا ، فهذا الضرب لا يجوز بيعه.

فإذا كان التدبير عن وجوب ، فهو من رأس المال ، وان كان عن تطوع فهو من الثلث.

وكيفيّة ذلك : ان يقول الإنسان لمملوكه « أنت حر بعد وفاتي ».

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : التدبير هو ان يقول الرجل لمملوكه : أنت رق في حياتي ، حرّ بعد وفاتي (١).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله عليه ، لا حاجة بنا ان نقول أنت رق في حياتي ، لأنّه لو لم يقل ذلك ، وقال أنت حرّ بعد وفاتي ، كان ذلك كافيا.

ومتى مات المدبر ، كان المدبر من الثلث ، إذا كان متبرعا بالتدبير ، على ما قدّمناه ، فان نقص عن الثلث انعتق ، ولا له شي‌ء ، ولا عليه شي‌ء ، فان زاد عليه استسعى ، سواء كانت الزيادة ضعفي الثلث ، أو أقل ، أو أكثر.

وقال شيخنا في نهايته ، ومتى أراد بيعه من غير ان ينقض تدبيره ، لم يجز له ، الّا ان يعلم المبتاع انه يبيعه خدمته ، وانه متى مات هو كان حرّا ، لا سبيل له عليه (٢).

إلّا ان شيخنا رجع في مسائل خلافه ، بان قال في آخر المسألة الرابعة من كتاب المدبر ، قال : دليلنا إجماع الفرقة واخبارهم ، ثمّ قال : فامّا بيعه ، وهبته ، ووقفه ، فلا خلاف في ذلك انّه ينتقض بذلك التدبير (٣) ، ثمّ قال رحمه‌الله مسألة :

إذا دبره ، ثمّ وهبه ، كان هبته رجوعا في التدبير (٤) ، ثمّ قال مسألة : إذا دبره ، ثمّ اوصى به لرجل ، كان ذلك رجوعا (٥).

وقد قلنا ما عندنا في ذلك ، فامّا قوله رضى الله عنه انّه يبيعه خدمته ، فغير واضح ، لأنّ حقيقة البيع في عرف الشرع يقتضي بيع الرّقبة ، فحمله على بيع المنافع عدول باللّفظ عن حقيقته بلا دلالة ، بل شروعه في بيعه ، يقتضي الرّجوع عن التدبير

__________________

(١ و ٢) النهاية ، كتاب الطلاق باب التدبير.

(٣ و ٤ و ٥) الخلاف. كتاب المدبر مسألة ٤.

٣١

الّذي هو عندنا بمنزلة الوصيّة ، بغير خلاف بيننا ، كمن اوصى بداره لرجل ، ثمّ باعها قبل موته ، اقتضى ذلك الرّجوع عن الوصيّة ، من غير ان يحتاج الى نقض الوصية قبل بيع الدّار ، فليلحظ ذلك ، فهذا الّذي تقتضيه أصول مذهبنا ، وهو مقالة السيّد المرتضى ، ذكره في النّاصريات (١).

فامّا ان كان التدبير عن واجب ، فيمكن بيعه على جهة الصّلح ، فيكون الصّلح على منافعه مدة حياة من دبّره ، ولا يمتنع ان يسمّى هذا الصّلح على المنافع في هذا الموضع بيعا ، فليلحظ ذلك.

وإذا دبّر الإنسان جاريته وهي حبلى ، وهو عالم بذلك ، فقد روى (٢) انه يكون ما في بطنها كهيئتها ، وبمنزلتها يكون مدبرا.

والّذي يقتضيه مذهبنا ، ان ما في بطنها لا يكون مدبّرا مثلها ، لانه ما دبره ، والتدبير حكم شرعيّ يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، ولا يرجع في مثل هذا الى اخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، وان كان أورد ذلك شيخنا في نهايته (٣) إيرادا لا اعتقادا ، كما أورد أمثاله.

فان لم يعلم بحبلها ، كان الولد رقا ، ويكون التدبير ماضيا في الجارية.

فإن حملت بعد التدبير وولدت أولادا ، كان أولادها بمنزلتها مدبرين ، على ما روى (٤).

فمتى مات الّذي دبّر أمهم ، صاروا أحرارا من الثلث ، فان زاد ثمنهم على الثلث ، استسعوا في الباقي ، فإذا أدوا انعتقوا.

وقد روى (٥) انه ليس للمولى ان ينقض تدبير الأولاد ، وانما له نقض تدبير الام حسب.

__________________

(١) الناصريات ، كتاب البيوع مسألة ١٧٤.

(٢) الوسائل : الباب ٥ من أبواب التدبير الحديث ٣.

(٣) النهاية كتاب العتق باب التدبير.

(٤) الوسائل الباب ٥ من أبواب التدبير الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ٧ من أبواب التدبير الحديث ١.

٣٢

والّذي يقتضيه مذهبنا خلاف ذلك ، لأنّ إجماع أصحابنا منعقد على ان التدبير بمنزلة الوصيّة ، بل هو وصيّة ، ولا خلاف بينهم في ان للإنسان ان يرجع في وصيّته ما دام حيّا ثابت العقل ، ولا خلاف بينهم في ان الأولاد مدبرون ، فكيف لا يرجع فيهم.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، وإذا دبر عبده وعليه دين ، فرارا به من الدين ، ثمّ مات ، كان التدبير باطلا ، وبيع العبد في الدين ، وان دبر العبد في حال السّلامة ثمّ حصل عليه دين ، ومات ، لم يكن للديان على المدبر سبيل (١).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله وهذا غير واضح ، لانه لا خلاف بيننا أنّ التدبير بمنزلة الوصيّة يخرج من الثلث ، ولا يصح الّا بعد قضاء الدّيون ، فعلى هذا التحرير والتقرير يباع العبد في الدّين ، ويبطل التدبير على كل حال ، سواء دبره في حال السلامة ، أو فرارا من الدّين ، وانما هذا خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا.

والمدبر متى حصل معه مال ، جاز لمولاه التصرف فيه ، كما ينصرف في ماله ، فان باعه ، جاز له ان يأخذ ماله.

وإذا أبق المدبر ، بطل تدبيره ، فان رزق في حال إباقه بكسر الألف مالا ، وأولادا ، ثمّ مات ، ومات الذي دبره ، كانوا رقا لورثته ، وجميع ما خلفه من المال والولد لورثة الذي دبره.

وقد روي (٢) انه إذا جعل الإنسان خدمة عبده لغيره ، وقال « متى مات من جعل له تلك الخدمة يكون حرا » كان ذلك صحيحا فمتى مات المجعول له ذلك ، صار حرا ، وان أبق العبد ولم يرجع الّا بعد موت من جعل له خدمته ، لم يكن لأحد عليه سبيل ، وصار حرا.

ولا دليل على هذه الرّواية ، وصحّتها ، لأنها مخالفة لأصول مذهبنا ، لأنّ التدبير في عرف الشريعة عتق العبد بعد موت مولاه ، والمجعول له الخدمة غير مولاه ، وأيضا لو كان التدبير صحيحا ، لكان إذا أبق أبطل التدبير ، لأنّ عندنا إباق المدبر يبطل

__________________

(١) النهاية ، كتاب العتق باب التدبير.

(٢) الوسائل ، الباب ١١ ، من أبواب التدبير ، الحديث ١.

٣٣

التدبير ، وفي هذه الرواية انه ان أبق العبد ولم يرجع الّا بعد موت من جعل له خدمته ، لم يكن لأحد عليه سبيل ، وصار حرّا ، وهذا مخالف لحقيقة التدبير ، وأيضا فهذا حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، ولا دليل على ذلك الّا هذه الرواية الشّاذة.

وقال شيخنا في نهايته ، والمدبر لا يجوز ان يعتق في كفارة ظهار ، ولا في شي‌ء من الواجبات التي على الإنسان فيها العتق ، ما لم ينقض تدبيره ، فان نقض تدبيره وردّه الى محض الرق ، جاز له بعد ذلك عتقه فيما وجب عليه (١).

وقد قلنا ما عندنا في ذلك : من ان التصرف فيه وإخراجه عن ملكه ، رجوع عن التدبير ، ولا يحتاج الى قول « بأنّه قد نقض تدبيره ».

والى هذا يذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ، فإنّه قال مسألة : إذا دبّره ، ثمّ وهبه ، كان هبته رجوعا في التدبير سواء أقبضه أو لم يقبضه. وقال الشّافعي ان أقبضه ، مثل ما قلناه ، وان لم يقبضه فعلى ضربين ، منهم من قال يكون رجوعا قولا واحدا ، ومنهم من قال على قولين ، دليلنا ان الهبة إزالة الملك ، وإذا أزال ملكه عنه ، فقد نقض التدبير ، كما لو باعه ، هذا أخر كلام شيخنا أبي جعفر رحمه‌الله (٢).

إذا كان عبد بين شريكين ، فدبر أحدهما نصيبه ، لم يقوم عليه نصيب شريكه.

وقال السيد المرتضى ، حكم التدبير بين الشريكين ، حكم العتق سواء ، من التقويم والسعاية (٣).

والأول اختيار شيخنا أبي جعفر (٤) ، وهو الّذي يقوى في نفسي ، لأنه لا دليل على التقويم ، والحاقه بحكم العتق يحتاج الى دليل ، وهو ضرب من القياس ، ونحن لا نقول به ، والأصل براءة الذّمة.

والتدبير بشرط لا يصحّ عندنا.

__________________

(١) النهاية ، كتاب العتق ، باب التدبير ، آخر الباب.

(٢) الخلاف كتاب المدبر مسألة ١٦.

(٣) الانتصار ، كتاب التدبير مسألة ٤ ، بهذا المضمون لا بهذه العبارة.

(٤) في كتاب الخلاف ، كتاب المدبّر ، مسألة ١٦.

٣٤

كتاب الأيمان

٣٥

كتاب الايمان والنّذور والكفارات

باب ماهية الأقسام والايمان

لا يمين شرعيّة منعقدة عند أهل البيت عليهم‌السلام ، الّا بالله تعالى ، أو بأسمائه أو صفاته ، فان حلف به كان يمينا بكل حال ، والحلف به هو ان يقول « ومقلب القلوب ، والذي نفسي بيده » ومتى حنث وجبت عليه الكفارة.

فامّا الحلف بأسمائه ، فاسماؤه على ثلاثة أضرب ، اسم لا يشاركه غيره فيه ، واسم يشاركه فيه غيره ، ولكن إطلاقه ينصرف اليه ، واسم يشاركه فيه غيره ، وإطلاقه لا ينصرف اليه.

فاما مالا يشاركه فيه غيره ، فإنه يكون يمينا بكل حال ، كقوله « والله » فإنه يبدأ به ، ويعطف عليه غيره فيقول « والله الرّحمن الرحيم ، الطّالب الغالب » وكذلك « الرحمن » له خاصّة وهكذا « الأول الذي ليس كمثله شي‌ء » كل هذا لا يصلح لغيره بوجه ، والحكم فيه كما لو حلف به وقد مضى.

الثاني ما يشاركه فيه غيره ، وإطلاقه ينصرف اليه ، كالرّب ، والرازق ، والخالق ، يقال ربّ العالمين ، وربّ الدّار لغيره ، ورازق الخلق ، ورازق الجند لغيره ، وخالق الأشياء له ، وخالق الافك لغيره ، وما كان من هذا فإطلاقه ينصرف إليه ، فإن أطلق ، أو أراد يمينا ، كان يمينا ، وان لم يرد يمينا ، فيقيّد بالنيّة ، أو بالنطق ، وأراد غير الله بذلك ، لم يكن يمينا.

الثالث ما يشاركه فيه غيره ، وإطلاقه لا ينصرف اليه ، كالموجود ، والحيّ الناطق ، ونحو هذا ، كل هذا لا يكون يمينا بوجه ، وان أرادها وقصدها ، لانّه مشترك لا ينصرف إطلاقه اليه ، فإذا كان كذلك ، لم يكن له في نفسه حرمة.

٣٦

فاما الكلام في صفاته ، فصفاته ضربان ، صفات ذات ، وصفات فعل ، فصفات ذاته ، مثل قوله « وعظمة الله ، وجلال الله ، وقدرة الله ، وعلم الله ، وكبرياء الله ، وعزّة الله » فإنّه ان قصد به المعنى الّذي يكون به عالما ، وقادرا على ما يذهب إليه الأشعري ، لم يكن يمينا بالله ، وان قصد به كونه عالما وقادرا. كان يمينا ، فان ذلك قد يعبّر به عن كونه عالما وقادرا.

إذا قال لعمر الله ، روى (١) أصحابنا انه يكون يمينا.

فعلى هذا لا يمين منعقدة بشي‌ء من المخلوقات والمحدثات ، وكل مقسوم به ما عداه تعالى ، وأسماؤه الحسنى ، وصفات ذاته على المعنى الذي حرّرناه وشرحناه ، فمن حلف بغير ذلك لا تنعقد يمينه ، وكان مخطئا ، مثل قوله « وحق الله ، والقرآن ، والمصحف ، والكعبة ، وأنبياء الله ، وأئمته عليهم‌السلام » كل ذلك لا ينعقد به اليمين ، لأنّ الحالف بغير الله تعالى ، عاص بمخالفة المشروع من كيفية اليمين ، وإذا كان انعقاد اليمين ولزوم الكفّارة بالحنث حكما شرعيا ، لم يثبت بالمعصية ، وأيضا الأصل براءة الذمة ، وشغلها يحتاج الى دليل.

واليمين المنعقدة الموجبة للكفّارة بالحنث ، هي ان يحلف العاقل المالك لاختياره ، ان لا يفعل في المستقبل قبيحا أو مباحا لا ضرر عليه في تركه ، أو ان يفعل طاعة أو مباحا لا يترجح فعله على تركه ، مع عقد اليمين بالنيّة ، وإطلاقها من الاشتراط بالمشيّة ، فيخالف ما عقد اليمين عليه ، مع العمد والاختيار ، لانه لا خلاف في انعقاد اليمين في الموضع الذي ذكرناه ، وليس على انعقادها فيما سواه دليل.

ويختصّ النية قوله تعالى « لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ » (٢) وعقد اليمين لا يكون إلّا بالنيّة.

ويحتج على المخالف في سقوط الكفارة بالسّهو والإكراه ، بقوله عليه‌السلام « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » (٣) واليمين الّتي لا تنعقد ، ولا

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الايمان الحديث ٤.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٢٥.

(٣) الوسائل ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس لكن ما في الباب من الاخبار رفع عن أمتي تسعة أشياء الخطاء والنسيان وما أكرهوا عليه إلخ. أو قريب من هذه العبارة امّا في كتب العامة ففي سنن

٣٧

كفارة فيها ، ما عدا ما ذكرناه ، مثل ان يحلف الإنسان على ماض هو كاذب فيه ، أو يقول : « لا والله ، وبلى والله » من غير ان يعقد ذلك بنية ، وهذه يمين اللغو ، أو يحلف ان يفعل أو يترك ما يكون خلافه طاعة لله تعالى واجبة ، أو مندوبا إليها ، أو يكون أصلح له في دينه أو دنياه.

ويحتج على المخالف ، في هذا ، بقوله عليه‌السلام « من حلف على شي‌ء ، فرأى ما هو خير منه ، فليأت الذي هو خير » (١) وتركه كفارتها.

ويخصّ اليمين على المعصية ، انّ معنى انعقاد اليمين ، ان يجب على الحالف ان يفعل أو يترك ما علق اليمين به ، وهذا لا يصحّ في المعصية ، لأنّ الواجب تركها.

وليس لأحد ان يقول معنى انعقاد اليمين لزوم الكفارة بالمخالفة ، لأنّ ذلك تابع لانعقاد اليمين ، وموجب عنه ، وكيف يفسّر الانعقاد به.

وكفارة اليمين ، عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات.

والكسوة اختلف قول أصحابنا في ذلك على حسب اختلاف الاخبار ، فبعض ذهب الى ثوبين ، وبعض ذهب الى ثوب واحد ، وهو الأظهر ، للظاهر ، وسواء كان غسيلا ، أو جديدا ، قميصا أو مئزرا ، أو سراويلا ، ولا يجزى قلنسوة ولا خف.

والإطعام شبع المسكين مما يقتاته الحالف ، لا يجزى غيره ، الّا ان يكون أعلى منه ، لقوله تعالى « مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ » (٢) أوان يسلم اليه ، مدّا ، وقدره

__________________

البيهقي الباب ٣٢ من كتاب الخلع والطلاق الحديث ٢ ج ٧ ص ٣٥٧ عن عقبة بن عامر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وضع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، وكذلك في سنن ابن ماجة الباب ١٦ من كتاب الطلاق الحديث ٣ ، ج ١ ، ص ٦٥٩.

(١) سنن ابن ماجة الباب ٧ ، من كتاب الكفارات ، الحديث ٢ ، ج ١ ، ص ٦٨١ ، والحديث هكذا عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حلف على يمن فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ورواه البيهقي عن عدي وعن أبي موسى الأشعري وعن أبي هريرة. كتاب الايمان الباب ٦ الحديث ٢ و ٤ و ٥ ، ج ١٠ ص ٣١ و ٣٢ وروى أيضا مثله في الكتابين.

(٢) سورة المائدة : الآية ٨٩.

٣٨

رطلان وربع بالبغدادي على الأظهر من الأقوال ، وذهب بعض أصحابنا إلى المدين ، واضافة الأدم الى ذلك غير واجب ، بل هو مستحب على ما رواه (١) أصحابنا ، أعلاه اللّحم ، وأوسطه الزيت والخل ، وأدونه الملح.

ومصرفها مصرف زكاة الأموال ، ومستحقها مستحقها ، لا يجزى غير ذلك.

والعبد كفّارة يمينه ، الصيام ، الأيام الثلاثة فحسب ، لانه غير مخاطب بما يوجب المال.

ولا كفارة قبل الحنث.

ولا يمين لولد مع والده ، ولا لعبد مع سيّده ، ولا للمرأة مع زوجها ، فيما يكرهونه من المباح ، فمتى حلف واحد منهم على شي‌ء ممّا ليس بواجب ولا قبيح ، جاز للأب حمل الولد على خلافه ، وساغ للزوج حمل زوجته على خلاف ما حلفت عليه ، وكذلك العبد ، ولا يلزم واحدا منهم كفارة على ذلك.

ولا يجوز اليمين بالبراءة من الله ، أو من رسوله ، أو واحد من الأئمّة عليهم‌السلام ، فان فعل اثم ، ولزمه ان خالف ما علق البراءة به ، كفارة ظهار ، على قول بعض أصحابنا ، وهو اختيار شيخنا المفيد في مقنعته (٢) ، وشيخنا أبي جعفر في نهايته (٣).

الّا ان شيخنا أبا جعفر ، رجع عن ذلك في مبسوطة ، فقال إذا قال انا يهودي ، أو نصراني ، أو مجوسي ، أو برئت من الله أو من القرآن ، أو من الإسلام ، لا فعلت كذا ، ففعل ، لم يكن يمينا ، ولا يحنث بخلافه ، ولا يلزمه كفارة ، وفيه خلاف. هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله (٤).

وقال أيضا في مسائل خلافه مسألة إذا قال انا يهودي ، أو نصراني ، أو مجوسي ،

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٤ ، من أبواب الكفارات ، الحديث ٣.

(٢) المقنعة ، باب الايمان والأقسام آخر الباب ، ص ٧٣١.

(٣) النهاية ، كتاب الايمان والنذور والكفارة باب ماهية الايمان والأقسام لكنه قال فيه ولا يجوز ان يحلف الإنسان بالبراءة من الله ولا من كتابه ولا من نبيه ولا من شريعة نبيه ولا من واحد من الأئمة عليهم‌السلام وما أضاف بعد هذا فان فعل اثم ولزمه ان خالف ما علق البراءة به كفارة ظهار.

(٤) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب الايمان ، ص ١٩٤.

٣٩

أو برئت من الإسلام ، أو من الله ، أو من القرآن لا فعلت كذا ، ففعل لم يكن يمينا ، ولا المخالفة حنث ، ولا يجب به كفارة ، ثمّ قال : دليلنا إجماع الفرقة واخبارهم ، وأيضا الأصل براءة الذّمة وتعليق الكفارة عليها يحتاج الى دليل (١).

وما ذكره في مبسوطة ومسائل خلافه ، هو الّذي يقوى في نفسي ، واليه اذهب ، وبه افتى ، لأنّا قد بيّنا انه لا يمين الّا بالله تعالى ، وبأسمائه وبصفاته ، وهذا ليس كذلك ، وأيضا الأصل براءة الذّمة ، وشغلها بالكفارة والانعقاد يحتاج الى دليل ، وأيضا انعقاد اليمين حكم شرعي ، يحتاج في ثبوته الى دليل شرعي ، ولا يرجع في ذلك الى اخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا ، والإجماع فغير منعقد عليه ، وكتاب الله تعالى خال من ذلك.

وقول الرجل « يا هناه ، ولا بل شانئك » من قول أهل الجاهلية ، لا ينعقد بذلك يمين.

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله معنى « لا بل شانئك » اى لا أب لشانئك. فاختصروا ذلك على عادتهم في الاختصار والحذف ، فقالوا « لا بل شانيك ».

قال ابن درستويه النحوي : قد يلهج بالكلمة الشّاذة عن القياس ، البعيدة من الصواب ، حتّى لا يتكلموا بغيرها ، ويدعوا القياس المطرد المختار ، ولا يجب ان يقال مع ذلك هذا أفصح من المتروك ، من ذلك « أيش صنعت » يريدون « أيّ شي‌ء صنعت » و « لا بل شانئك » اى لا أب لشانئك ، و « لا تبك » اى لا تباك ، هذا آخر كلام ابن درستويه.

فدل ذلك على ما قلناه في « لا بل شانئك » وما حدانا على تحقيق هذا الّا إيراد شيخنا أبي جعفر ذلك في نهايته (٢) ، مطلقا من غير بيان له.

وإذا قال الإنسان أقسمت ، أو حلفت ، لم يكن ذلك يمينا ، حتى يقول حلفت بالله ، أقسمت بالله.

وسائر أصناف الكفّار ، لا يحلفون الّا بالله تعالى ، وبأسمائه ، فإن علم الامام

__________________

(١) الخلاف ، كتاب الايمان ، مسألة ٤.

(٢) النهاية ، كتاب الايمان والنذور ..

٤٠