كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

كاملة سواء ألقته حيا ، ثم مات أو ألقته ميتا ، إذا علم قبل إلقائه ، انه كان حيّا.

فان مات الولد في بطنها ، وكان تامّا حيّا قد علم وتحقق حياته ، روى في بعض الأخبار أن ديته ، نصف دية الذكر ، ونصف دية الأنثى (١).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا استعمال القرعة ، ولا يلتفت الى اخبار الآحاد ، لأنّها لا توجب علما ، ولا عملا ، والقرعة مجمع عليها ، انها تستعمل في كل أمر مشكل ، وهذا من ذاك ، بغير خلاف.

وكل موضع أوجبنا دية الجنين ، فإنه لا يجب فيه كفارة القتل بحال.

ودية الجنين موروثة عندنا ، ولا تكون لأمّه خاصّة.

دية جنين اليهودي ، والنّصراني ، والمجوسي ، عشر ديته ، ثمانون درهما.

وفي جنين الأمة المملوك ، عشر قيمتها ، وعندنا يعتبر قيمتها في حال الجناية ، دون حال الاسقاط.

قد قلنا عند ذكرنا أحكام القسامة ، انه إذا كان مع المدّعى للقتل ، لوث ، وهو التهمة ، للمدّعى عليه ، بأمارات ظاهرة ، بدئ به في اليمين بحلف خمسين يمينا في قتل العمد ، خمسا وعشرين يمينا في قتل الخطأ على ما قلناه.

ويثبت اللّوث ، بأشياء بالشاهد الواحد ، في قتل العمد ، وبوجود القتيل في دار قوم ، وفي قريتهم التي لا يدخلها غيرهم ، وكذلك محلتهم.

ولا يثبت اللوث ، بقول المقتول عند موته ـ دمي عند فلان.

وإذا كان المقتول مشركا والمدعى عليه مسلما ، لم تثبت القسامة.

إذا قتل عبد ، وهناك لوث فلسيّده القسامة ، وإذا لم يكن لوث ، وتكون دعوى محضة مجردة من الأمارات ، فاليمين في جنبة المدّعى عليه ، بلا خلاف ، ولا يلزمه أكثر من يمين واحدة.

إذا ادعى رجل على رجل انه قتل وليا له ، وهناك لوث ، وحلف المدعى ، القسامة ، واستوفى الدية ، فجاء آخر ، فقال انا قتلته ، وما قتله ذلك كان الولي

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢١ ، من أبواب ديات النفس ، ح ١ والباب ١٩ ، من أبواب ديات الأعضاء ح ١

٤٠١

بالخيار ، بين ان يصدّقه ويكذّب نفسه ، ويردّ الدية ، ويستوفى منه حقه ، وبين ان يكذب المقر ، ويثبت على ما هو عليه.

قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة إذا كان الرجل متلفّفا في كساء ، أو في ثوب ، فشهد شاهدان ، على رجل انه ضربه فقدّه باثنين ، ولم تشهد (١) الجناية غير الضرب ، واختلف الولي والجاني ، فقال الولي ، كان حيّا حين الضرب ، وقد قتله الجاني ، وقال الجاني ، ما كان حيا حين الضرب ، كان القول ، قول الجاني ، مع يمينه (٢) ، واستدّل بما يربأ (٣) الإنسان بذكره عنه.

والذي يعول عليه ، ويعمل به ، ويسكن اليه ، قبول قول الشّاهدين وقول الولي مع يمينه ، ولا يلتفت الى إنكار الجاني الحياة ، لأنه مدّع للموت بغير جناية ، والأصل الحياة ، وشهادة العدلين بالجناية ، وانما كان الإنسان يفزع الى دليل براءة الذمة ، وشغلها يحتاج الى دليل ، قبل قيام الدليل بشغلها ، وانما هذا مذهب أبي حنيفة ، لا مذهب جعفر بن محمّد الصادق عليهما‌السلام ، اختاره شيخنا هاهنا الا تراه ، ما استدلّ بإجماع الفرقة ، ولا بأخبارنا ، فلا حاجة بنا الى القول بمذهب أبي حنيفة ، وتصحيحه.

باب القصاص وديات الشجاج والجراح

من قطع شيئا من جوارح الإنسان ، وجب ان يقتص منه ، ان أراد ذلك ، وكان مكافئا له في الإسلام ، والحرّيّة وسلامة العضو المجني عليه ، وان جرحه جراحة ، فمثل ذلك ، الا ان يكون جراحة يخاف في القصاص منها على هلاك النفس ، فإنه لا يحكم فيها بالقصاص ، وانما يحكم فيها بالأرش ، وذلك مثل المأمومة ، والجائفة ، وما أشبه ذلك ، وكسر الأعضاء التي ، يرجى انصلاحها ، بالعلاج ، فلا قصاص أيضا فيها بل يراعى حتى ينجبر الموضع ، اما مستقيما ، أو على عثم ـ بالعين غير المعجمة والثاء المنقطة من فوقها ثلاث نقط وهو الفساد والعيب ـ فيحكم حينئذ بالأرش ،

__________________

(١) ج. ل. ولم يشهد الجناية.

(٢) لم نتحقق هذه المسألة في كتاب الخلاف.

(٣) ج. ببراءة ذمة الإنسان.

٤٠٢

فإن كان ذلك شيئا لا يرجى صلاحه ، فإنه يقتص من جانبه ، على كل حال.

والقصاص النفس بالنفس والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والاذن بالاذن ، والسّن بالسّن ، والجروح ( قِصاصٌ ).

ولا قصاص بين الحر والعبد ، ولا بين المسلم والذمي ، ولا بين الكامل والناقص ، بل يقتص للكامل ، من الناقص ، ولا يقتص لناقص العضو ، من السليم الكامل العضو.

فان جرح عبدا حر ، كان عليه أرشه بمقدار ذلك من ثمنه ، وكذلك الحكم في سائر أعضائه ، فإن كانت الجناية قيمته (١) ، كان عليه القيمة ، ويأخذ العبد ، والسيد بالخيار بين ان يمسكه ولا شي‌ء له ، وبين ان يسلّمه ويأخذ كمال قيمته ، هذا إذا كانت الجناية تحيط بثمنه.

فان كانت لا تحيط بقيمته ، فليس لمولاه سوى الأرش.

وان جرح عبد حرا كان على مولاه ، ان يسلّمه الى المجروح ، يسترقه بمقدار ما لزمه ، أو يفديه بمقدار ذلك ، فان استغرق أرش الجراحة ثمنه ، لم يكن لمولاه فيه شي‌ء ، فان لم يستغرق ، كان له منه بمقدار ما يفضل من أرش الجراح.

فان جرح ذمّي ، مسلما ، أو قطع شيئا من جوارحه ، كان عليه ان يقطع جارحته ، ان كان قطع ، أو يقتص منه ، ان كان جرح ، ويرد مع ذلك فضل ما بين الديتين.

فان جرحه المسلم ، كان عليه أرشه بمقدار ديته التي ذكرناها.

وروى انه ان كان معتادا لذلك ، جاز للإمام ان يقتص منه لأولياء الذمي ، بعد ان يردوا عليه فضل ما بين الديتين (٢).

ويقتص للرجل من المرأة وللمرأة من الرجل ، ويتساوى جراحتهما ما لم تتجاوز ثلث الدية ، فإن بلغ ثلث الدية ، نقصت المرأة ، وزيد الرجل.

وإذا جرح الرجل المرأة بما يزيد على الثلث ، وأرادت المرأة ، ان تقتصّ منه ، كان لها ذلك ، إذا ردت عليه فضل ما بين جراحتيهما.

__________________

(١) ج. تحيط بقيمته.

(٢) الوسائل ، الباب ٤٧ ، من أبواب القصاص في النفس ، ح ١ ـ ٦ ـ ٧.

٤٠٣

وان جرحت المرأة الرجل ، وأراد أن يقتص منها لم يكن له عليها ، أكثر من جراحة مثلها ، أو المطالبة بالأرش على التمام من ديته ، مع تراضيهما لذلك ، والّا فلا يستحق عليها سوى القصاص.

ومن لطم إنسانا على وجهه ونزل الماء في عينيه ، وعيناه صحيحتان ، وأراد القصاص ، فإنه تؤخذ مرآة ـ بكسر الميم وسكون الراء ومدّ الألف ـ محماة بالنار ، ولا يجوز أن يقال محميّة على ما وضعه شيخنا أبو جعفر في نهايته (١) ، لانه يقال أحميت الحديدة في النّار ، فهي محماة ، فلا يقال حميتها ، فهي محميّة ، ويؤخذ كرسف ، مبلول ، وهو القطن ، فيجعل على أشفار عينيه على جوانبها ، لئلا تحترق اشفاره ، ثم يستقبل عين الشمس بعينيه ، وتقرب منهما المرآة ، فإنه يذوب الناظر ويصير اعمى وتبقى العين ، ويقال الناظرة على ما وضعه شيخنا في نهايته (٢) فإنه قال ، وتذوب الناظرة وذلك صحيح ليس بخطإ.

ومن قطعت أصابعه فجاءه رجل فأطار كفه ، فأراد القصاص ، من قاطع الكف ، فروى انه يقطع يده من أصله ويردّ عليه دية الأصابع (٣).

أورد هذه الرواية شيخنا أبو جعفر في نهايته (٤) ، وهي مخالفة لأصول المذهب ، لانه لا خلاف بيننا إنه لا يقتص من العضو الكامل ، للناقص ، والأولى ، الحكومة في ذلك ، وترك القصاص ، وأخذ الأرش ، على الاعتبار الذي قدمناه فمن قيمته ان لو كان عبدا ثم يؤخذ من دية الحر ، بحساب ذلك.

ومن قتل إنسانا مقطوع اليد ، وأراد أولياؤه القود ، فان كانت يده قطعت في جناية جناها على نفسه ، أو قطعت فأخذ ديتها ، أو استحقها (٥) قتلوا قاتله ، بعد ان يردوا إلى أوليائه دية اليد ، فان كانت يده قطعت في غير جناية ولم يأخذ ديتها ، وكان ذلك من قبل الله تعالى ، قتلوا قاتله ، وليس عليهم شي‌ء.

ومن شجّ غيره موضحة أو غيرها من الجراح ، فعفى صاحبها عن قصاصها أو

__________________

(١) و (٢) و (٤) النهاية ، كتاب الديات ، احكام الشجاج ، والعبارة هكذا يؤخذ مرآة محميّة.

(٣) الوسائل ، الباب ١٠ ، من أبواب قصاص الطرف ، ح ١.

(٥) ل. أو استحقها ولم يأخذ ديتها.

٤٠٤

أرشها ، ثم رجعت عليه وسرت اليه ، فمات منها ، كان على جارحه ديته ، إلّا دية الجرح الذي عفى عنه ، فإن أرادوا القود ، ردّوا على قاتله دية الجرح الذي عفى عنه صاحبه.

ومن قطع شحمة أذن إنسان ، فطلب منه القصاص ، فاقتص له منه ، فعالج الجاني اذنه حتى التصق المقطوع بما انفصل عنه ، كان للمقتص منه ان يقطع ما اتصل من شحمة اذنه ، حتى تعود الى الحال التي استحق بها القصاص ، وهكذا حكم المجني عليه ، سواء كان ظالما أو مظلوما ، جانيا أو مجنيا عليه ، لانّه حامل نجاسة ، وليس إنكاره ومطالبته بالقطع مخصوصا بأحدهما ، بل جميع الناس.

وكذلك القول فيما سوى ذلك من الجوارح والأعضاء ، إذا لم يخف على الإنسان منها تلف النفس ، أو المشقة العظيمة ، ووجب على السلطان ذلك ، لكونه حاملا للنجاسة فلا تصحّ منه الصّلاة حينئذ ، وكذلك إذا جبّر عظمه بعظم نجس العين ، ولم يكن في قلعه خوف على النفس ، ولا مشقة عظيمة ، يجب إجباره على قطعه ، ولا تصح معه صلاته ، فاما ان خاف من قلعه على نفسه ، فلا يجب قلعه ، ولا يجوز إجباره على ذلك ، وتكون صلاته صحيحة ، لموضع الضرورة ، لقوله عليه‌السلام ـ لا ضرر ولا إضرار ـ (١).

ومن قتل غيره ، فسلّمه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه ، فضربه الولي ضربات ، وجرحه جراحات عدة ، وتركه ظنا منه انه مات ، وكان به رمق ، والرمق بقية الحياة ، فحمل ودوي فصلح ، ثم جاء الولي فطلب منه القود ، كان له ذلك ، وعليه ان يرد عليه دية الجراحات التي جرحه ، أو يقتص منه بمثل الجراحات ، هذا إذا لم يكن جرح المجني عليه المقتول الأول جراحات عدّة ، بل قتله بضربة واحدة ، فاما ان كان جرحه جراحات عدة ، فللولي أن يقتص منه بعد ذلك ، ويقتله.

وكذلك ان قطع بعض أطرافه ، ثم قتله بعد ذلك ، كان للولي أن يقطع ، ثم يقتل بعد ذلك.

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٢ ، من أبواب إحياء الموات ، ح ٣ ـ ٤ ـ ٥.

٤٠٥

ولا يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس بحال على ما قدمناه ، وتدخل دية الطرف في دية النفس ، فهذا الفرق بين الموضعين ، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه (١) ، وان كان مذهبه في نهايته (٢) بخلاف ذلك.

وما ذهب إليه في خلافه هو الصحيح ، لان ظاهر القرآن يعضده.

قال شيخنا في مسائل خلافه ، مسألة ، إذا قطع يد رجل ، ثمّ قتله ، كان لولي الدّم ان يقطع يده ثم يقتله ، وبه قال أبو حنيفة والشّافعي ، وقال أبو يوسف ومحمّد ليس له القصاص في الطرف ، كما لو سرى الى النفس ، هذا أخر كلامه رحمه‌الله (٣).

ومن جرح غيره جراحة في غير مقتل ، أو ضربه كذلك ، فمرض المجروح ، أو المضروب ، ثم مات ، فإنه يعتبر حاله ، فان علم انه مات من الجراح أو الضرب أو من شي‌ء جنياه ، أو من سرايتهما ، كان عليه القود أو الدية على الكمال مع التراضي على ما بيّناه ، فان كان مات بغير ذلك من الأمراض الحادثة من قبل الله تعالى ، أو لجناية جان آخر ، أو اشتبه الأمر فيه ، فلا يعلم انه مات منه ، أو من غيره ، لم يكن عليه أكثر من القصاص ، فامّا إذا لم يزل من يوم جرحه أو ضربه ، ضمنا ـ بفتح الضاد وكسر الميم ـ متألّما من الجرح والضرب ، فإنه يجب عليه القود.

الجراحات

أوّلها الحارصة ـ بالحاء غير المعجمة ، والصاد غير المعجمة ـ وهي التي تحرص الجلد ، يعنى تشقّه قليلا ، ومنه قيل حرص القصار الثوب ، إذا شقه.

ثم الدامية ، وهي التي تشق اللحم بعد الجلد.

ثم المتلاحمة ، وهي التي أخذت في اللحم ، ولم تبلغ السمحاق.

ثم السمحاق ـ بالسين غير المعجمة ، وكسرها ، وسكون الميم ، والحاء غير المعجمة ، وفتحها ، والقاف ـ وهي التي بينها وبين العظم قشيرة رقيقة ، وكل قشرة رقيقة فهي

__________________

(١) الخلاف ، كتاب الجنايات ، مسألة ٢٣ ، الّا ان كلامه فيها موافق لما في نهايته ، فراجع.

(٢) النهاية ، كتاب الديات ، احكام الشجاج.

(٣) الخلاف ، كتاب الجنايات ، مسألة ٨٩.

٤٠٦

سمحاق ، ومنه قيل في السماء سماحيق من غيم ، وعلى ثرب الشاة سماحيق من شحم.

ثم الموضحة ، وهي التي تبدي وضح العظم ، وتقطع القشيرة الرقيقة التي سميت سمحاقا.

ثم الهاشمة ، وهي التي تهشم العظم.

ثم المنقلة ـ بكسر القاف ـ وهي التي تخرج منها فراش العظام ، وفراش الرأس ـ بفتح الفاء ، والراء غير المعجمة ، المفتوحة ، والشين المعجمة ـ وهي عظام رقاق تلي القحف ، وتحوج الى نقله من موضع الى موضع.

ثم الآمة وهي المأمومة بعبارة الفقهاء ، وهي التي تبلغ أم الرأس ، وأمّ الرأس ، الخريطة التي فيها الدماغ ، وهو المخ ، لان الدماغ في خريطة من جلد رقيق.

والدّامغة تزيد على المأمومة ، بان تخرق الخريطة ، وتصل الى جوف الدماغ ، فالواجب فيهما سواء ، وهو ثلث الدية بلا خلاف.

ففي الأولى بعير ، وفي الثانية بعيران ، وفي الثالثة ثلاثة أبعرة ، وفي الرابعة أربعة أبعرة ، وفي الخامسة خمسة أبعرة ، وفي السّادسة عشرة (١) أبعرة ، وفي السابعة خمسة عشر بعيرا ، وفي الثامنة ثلث الدية دية النفس ، وهي ثلاث وثلاثون بعيرا فحسب ، بلا زيادة ولا نقصان ، ان كان من أصحاب الإبل ، ولم يلزمه أصحابنا ثلث البعير الذي يتكمل به ثلث المائة بعير التي هي دية النفس ، لان رواياتهم هكذا مطلقة ، وكذلك تصنيفاتهم ، وقول مشايخهم وفتاويهم ، وإجماعهم منعقد على هذا الإطلاق ، أو ثلث الدية من العين ، أو الورق على السّواء ، لان ذلك يتحدد فيه الثلث ، ولا يتحدد في الإبل والبقر والغنم ، وما حررناه واخترناه اختيار السيّد المرتضى وتحريره في جوابات المسائل الناصريات (٢) التي هي الطبريات.

وقال شيخنا المفيد في مقنعته ، دية المأمومة ثلث دية النفس ، ثلاثة وثلاثون

__________________

(١) ج. ل. ستة أبعرة. الّا ان الصحيح عشرة أبعرة.

(٢) الناصريات ، كتاب الديات ، المسألة الخامسة والثمان والمائة.

٤٠٧

بعيرا (١) ، ولم يقل وثلث بعير.

وهكذا قول شيخنا أبي جعفر في نهايته (٢).

والمعنى والتحرير ما ذكرناه.

وكذلك في الدامغة على ما بيّناه.

وخمس منهن يثبت فيهن القصاص ، وما عدا ذلك لا يثبت فيه القصاص ، وفيه الدية ، لأن في ذلك تغريرا بالنّفس.

وجميعها تحملها العاقلة ، ان كان الفعل خطأ محضا ، على الصحيح من المذهب ، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه (٣).

وقال في نهايته ، لا تحمل عليها العاقلة لا الموضحة فصاعدا (٤).

والذي اخترناه نحن هو الظاهر ، وتعضده الأدلّة ، وجميع الظواهر تشهد بصحته.

ثم قال في نهايته ، والقصاص ثابت في جميع هذه الجراح ، إلّا في المأمومة خاصة ، لأن فيها تغريرا بالنفس ، فليس فيها أكثر من ديتها (٥).

الّا انه رجع في مسائل خلافه (٦) ومبسوطة (٧) الى ما اخترناه.

وهو الأصح ، لأن تعليله في نهايته لازم له في الهاشمة والمنقلة.

وما كان في الرأس والوجه يسمى شجاجا ، وما كان منه في البدن يسمى جراحا ، وهذه الشجاج والجراح في الوجه والرأس سواء في الدية والقصاص ، فاما إذا كانت في البدن ففيها بحساب ذلك من الرأس منسوبا الى العضو التي هي فيه ،

__________________

(١) المقنعة ، باب ديات الشجاج وكسر العظام ص ٧٦٦.

(٢) النهاية ، كتاب الديات ، احكام الشجاج.

(٣) الخلاف ، كتاب الديات ، مسألة ٨٤.

(٤) النهاية ، كتاب الديات ، أقسام القتل وما يجب فيه من القود فيه من القود والدية.

(٥) النهاية ، كتاب الديات ، احكام الشجاج.

(٦) الخلاف ، كتاب الجنايات ، مسألة ٥٧ ـ ٥٨.

(٧) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٢١ ، وعبارته هكذا ، وان كانت عمدا محضا ففي الإيضاح القصاص ، ولا قصاص فيما زاد عليه من الهشم وغيره بلا خلاف وأيضا عبارته في ص ١٢٣ بعد ذكر دية المنقلة والمأمومة والدامغة ودية الخارصة والباضعة هكذا وايها كان فلا قصاص في شي‌ء منها عندهم ..

٤٠٨

الّا الجائفة ، فإن فيها مقدّرا في الجوف ، وهو ثلث الدية.

مثال ذلك في الموضحة إذا كانت في الرأس أو الوجه ، فيها نصف عشر الدية ، فإن كانت الموضحة في اليد ، ففيها نصف عشر دية اليد ، فان كانت في الإصبع ، ففيها نصف عشر دية الإصبع ، وهكذا باقي الجراح على ما قدمناه فيما مضى ، وبيّناه.

فعلى ما حررناه ، الجراحات عشرة ، وقال شيخنا في نهايته (١) الجراحات ثمانية.

أو لها الخارصة وهي الدامية ، ثم الباضعة ، ثم المتلاحمة ، ثم السّمحاق.

والذي اخترناه مذهب الجلّة من المشيخة من أصحابنا ، مثل السيّد المرتضى فإنه قال في انتصاره مسألة ، ومما انفردت به الإماميّة ، القول بان في الشجاج التي هي دون الموضحة ، مثل الحارصة والدامية والباضعة والسّمحاق ، دية مقدرة ، ففي الحارصة وهي الخدش الذي يشق الجلد ، بعير واحد ، وفي الدامية ، وهي التي تصل الى اللحم ويسيل بها الدم ، بعيران ، وفي الباضعة وهي التي تقطع اللحم وتزيد في الجناية على الدامية ، ثلاثة أبعرة ، وفي السّمحاق ، وهي التي تقطع اللحم حتى يبلغ إلى الجلدة الرقيقة المتغشية للعظم ، أربعة أبعرة ، هذا أخر كلام السيّد المرتضى رضى الله عنه (٢).

والى هذا يذهب شيخنا المفيد (٣) رحمه‌الله ، والفقيه سلار (٤) في رسالته ، وهو قول جماعة اللغويين مثل الأصمعي ، وأبي عبيد القسم بن سلام ، قد ذكره في غريب المصنف ، وابن قتيبة ذكره في أدب الكتاب.

وشيخنا أبو جعفر جعل الحارصة هي الدامية ، وجعل مكان الدامية الباضعة ، وجعل مكان الباضعة (٥) المتلاحمة ، وبعدها السمحاق ، وجميع أصحابنا جعلوا الرابعة من الشجاج السمحاق (٦) بلا خلاف.

__________________

(١) النهاية ، كتاب الديات ، أحكام الشجاج.

(٢) الانتصار ، في القصاص والديات.

(٣) في المقنعة ، باب ديات الشجاج وكسر العظام ص ٧٦٥ ـ ٧٦٦.

(٤) في المراسم ، في الجنايات.

(٥) ج. ل. وجعل مكان الدامية الباضعة والمتلاحمة.

(٦) ج. ما جعلوا الرابعة من الشجاج الّا السمحاق.

٤٠٩

وفي لطمة الوجه إذا احمرّ موضعها دينار واحد ونصف ، فإن اخضرّ أو اسودّ ، ففيها ثلاثة دنانير ، وكذلك الحكم في الرأس ، وأرشها في الجسد على النصف من أرشها في الوجه ، بحساب ما ذكرناه.

وقال شيخنا في نهايته ، وفي اللطمة في الوجه إذا اسود أثرها ستة دنانير ، فإن اخضرّ فثلاثة دنانير ، فإن احمرّ فدينار ونصف (١).

وهذا اختياره في مسائل خلافه (٢).

وما اخترناه مذهب السيّد المرتضى (٣) ، وشيخنا المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان في مقنعته (٤) وهو الأظهر الأصح ، لأن الأصل براءة الذمة ، وشغلها بما زاد على ما ذكرناه يحتاج الى دليل ، لأنّ ما قلناه مجمع على لزومه.

وفي كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو ، وفي موضحته ربع دية كسره.

وإذا كسر عظم فجبر على غير عثم ولا عيب ، كانت ديته أربعة أخماس دية كسره.

وفي كسر الصّلب الدية كاملة ، فإن جبر فبرئ على غير عثم ، ففيه مائة دينار ، عشر دية كسره.

وفي الأنف إذا كسرت ففسدت ، الدية كاملة ، وكذلك إذا استوعب واستوصل قطعها ، أو قطع المارن على ما قدمناه ، فان جبرت فبرأت على غير عثم ، كان فيها مائة دينار.

وفي روثة الأنف ـ بالرّاء غير المعجمة ، المفتوحة ، والواو المسكنة ، والثاء المنقطة ثلاث ـ نقط ، قال صاحب كتاب الصحاح الروثة طرف الأرنبة ، وقال شيخنا أبو جعفر (٥) روثة الأنف الحاجز بين المنخرين ـ إذا قطع فاستوصل ، خمسمائة دينار ، وهو قول شيخنا المفيد في مقنعته (٦).

__________________

(١) النهاية ، كتاب الديات ، احكام الشجاج.

(٢) الخلاف ، كتاب الديات ، مسألة ٧٤.

(٣) في الانتصار ، في القصاص والديات.

(٤) و (٦) المقنعة ، باب ديات الشجاج وكسر العظام والجنايات في الوجوه .. ص ٧٦٦ و ٧٦٧.

(٥) في النهاية ، في أحكام الشجاج.

٤١٠

فان نفذت في الأنف نافذة لا تنسد ، فديتها ثلث دية النفس ، فان عولجت فصلحت وانسدت ، فديتها خمس دية الأنف ، مائتا دينار.

فان كانت النافذة في إحدى المنخرين (١) الى الخيشوم ، فعولجت فبرأت والتأمت ، فديتها عشر دية الأنف ، المائة دينار.

وفي إحدى المنخرين نصف دية الأنف ، وقال قوم فيه ثلث دية الأنف ، وما اخترناه مذهب شيخنا أبي جعفر في مبسوطة (٢) ، واستدل ، بان قال لانه ذهب بنصف المنفعة ، ونصف الجمال.

وإذا انشقت الشفتان حتى بدت الأسنان منهما ، ولم تبرأ ، فدية شفتها ثلث دية النفس ، فان عولجت فبرأت والتأمت ، فديتها خمس دية النفس ، مائتا دينار ، وفي شق إحديهما بحساب ذلك ، فإن التأمت وصلحت ، ففيها خمس ديتها.

والعظم إذا رضّ ، كان فيه ثلث دية العضو الذي هو فيه ، فان صلح على غير عيب ، فديته أربعة أخماس دية رضّه.

فان فك عظم من عضو ، فتعطل به العضو ، فديته ثلثا دية العضو ، فان جبر وصلح والتأم ، فديته أربعة أخماس دية فكّه.

وفي نقل عظام الأعضاء لفسادها ، مثل ما في نقل عظام الرأس بحساب دية العضو ، وكذلك في غيرها من الجراحات.

وفي الشلل في اليدين والرجلين ، ثلثا دية اليد والرجل ، وكذلك كل عضو ضرب فتعطل ولم ينفصل ، فيجب ثلثا ديته على الجاني.

وفي اليد الشّلاء والرجل الشّلاء والعضو المعطل الأشل إذا قطع ، ثلث ديته صحيحا وكذلك الحكم في الأصابع ، وفي جميع الجوارح والأعضاء ، وفي العين العوراء لا المخلوقة (٣) خلقة على ما قدمناه.

وفي كل ضلع خمسة وعشرون دينارا.

وقد وردت روايات في أحكام الديات ، وأحاديث كثيرة مختلفة ومتفقة ، آحاد

__________________

(١) ج. في الخيشوم.

(٢) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٣١.

(٣) ل. العوراء المخلوقة.

٤١١

وشواذ ، أثبتها بعض مشيختنا في مصنفات ، تتضمن تفصيل احكام الديات ، وقد جنح فيها القول ، وبسط على استقصاء فيها لا يراد الروايات منها كتاب ظريف بن ناصح ـ بالظاء المعجمة ـ ، وهذا الكتاب عندي طالعته ، فما رأيته طائلا يورد فيه ما لا يجوز العمل به ، ويضاد ما الإجماع عليه ، وكتاب على بن رئاب ـ بهمز الياء المنقطة من تحتها بنقطتين ـ وغيرهما من المشيخة الفقهاء ، لا يحتمل كتابنا هذا إيراد ذلك كله ، لانه لا يوجب علما ولا عملا.

والذي يقتضيه أصول مذهبنا انه إذا لم يكن إجماع على الرواية ، ولا هي متواترة ، ان نحكم في الجناية والدية بالاعتبار الذي قدمناه من التقويم ، وان يجعل العبد أصلا للحرّ فيما لا مقدر فيه ، ولا موظف مجمع عليه ، ثم يحكم بذلك على المثال الذي كررناه وذكرناه فيما مضى ، وحررناه في جميع ما يرد على الإنسان من الاحكام والفتاوى ، وفيما أثبتناه منه مقنع في معرفة ما أردنا بيانه ان شاء الله.

ولا ينبغي للحاكم ان يحكم في شي‌ء من الجراحات وكسر الأعضاء حتى يبرأ ، ثم ينظر في ذلك ، ويرجع فيه الى أصحاب الخبرة ، فيحكم حسب ما تقتضيه الجناية.

ومن أراد القصاص ، فلا يقتص بنفسه ، وانّما يقتص له الناظر في أمر المسلمين ، أو يأذن له في ذلك ، فان اذن له ، جاز له حينئذ الاقتصاص (١) ، فان بادر واقتص ، أخطأ ولم يجب عليه قود ولا قصاص.

والأطراف كالأنفس ، فكل نفسين جرى القصاص بينهما في الأنفس ، جرى بينهما في الأطراف ، سواء اتفقا في الدية أو اختلفا فيها ، كالحرين والحرتين ، والحر والحرة والعبدين والأمتين والعبد والأمة ، والكافرين والكافرتين ، والكافر والكافرة ويقطع أيضا الناقص بالكامل ، دون الكامل بالناقص ، وكل شخصين لا يجرى القصاص بينهما في الأنفس كذلك في الأطراف ، كالحر والعبد ، والكافر والمسلم ، طردا وعكسا الّا انه إذا اقتص للحرة من الرجل الحر في الأطراف ، ردت فاضل الدية على ما قدمناه فيما مضى ، وشرحناه.

__________________

(١) ج. الاقصاص.

٤١٢

إذا قتل واحد مثلا عشرة أنفس ، ثبت لكل واحد من أولياء المقتولين القود ، لا يتعلق حقه بحق غيره ، فان قتل بالأول سقط حق الباقين لا الى بدل ، وان بدر واحد منهم فقتله سقط حق كل واحد من الباقين ، ولا تتداخل حقوقهم ، لقوله تعالى « فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » (١) ، فمن قال يتداخل ، فعليه الدلالة ، فاما إثبات البدل ، فالأصل براءة الذمة ، وإثبات الدية يحتاج الى دليل ، على انا قد بيّنا ان الدية لا تثبت إلا بالتراضي ، وذلك مفقود هاهنا وأيضا قوله تعالى « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » (٢) ولم يقل نفس بأنفس ولا نفس بمال.

إذا قطع رجل يد رجل ، فقطع المجنا (٣) عليه يد الجاني ، ثم انه اندمل المجني عليه ، وسرى القطع الى نفس الجاني ، كان هدرا ، فان عاش الجاني الظالم ، ومات المجني عليه ، وجب على الجاني القود.

إذا قتل اثنان رجلا وكان أحدهما لو انفرد بقتله قتل به دون الآخر ، لم يخل من أحد أمرين ، امّا ان يكون القود لم يجب على أحدهما لمعنى فيه ، أو في فعله ، فان كان لمعنى فيه ، مثل ان يشارك أجنبيّا في قتل ولده ، أو نصرانيا في قتل نصراني ، أو عبدا في قتل عبد ، فعلى شريكه القود دونه ، وان كان القود لم يجب عليه لمعنى في فعله ، مثل ان يكون عمدا محضا يشارك من قتله خطأ ، أو عمد الخطأ ، فالقود على العامد منهما.

وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه لا قود على العامد المحض إذا شاركه من قتله (٤) خطأ (٥).

وهذا مذهب الشافعي ، دون الإمامي ، لأن الله تعالى قال « فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ » (٦) وهذا قد قتل ظلما فوجب ان يكون لوليّه سلطان.

وإجماع أصحابنا منعقد على ان القتل إذا كان عمدا محضا يوجب القود ، فمن أسقطه هاهنا يحتاج الى دليل.

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ٣٣.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٤٥.

(٣) ج. ل. المجني عليه.

(٤) ج. في قتله.

(٥) الخلاف ، كتاب الجنايات ، مسألة ٥١.

(٦) سورة الإسراء ، الآية ٣٣.

٤١٣

إذا قطع يدي غيره ورجليه ، وأذنيه ، لم يكن له ان يأخذ دياتها كلها في الحال ، بل يأخذ دية النفس في الحال ، وينتظر حتى تندمل ، فان اندملت ، كان له دياتها كلها كاملة مع التراضي ، على ما قلناه ، وان سرت الى النفس ، كان له دية واحدة مع التراضي أيضا ، والأولى أيضا عندي انّه لا يستحق دياتها ، ولا دية واحدة في الحال ، لأن الدية عندنا لا تثبت ولا تستحق الا مع التراضي ، فاما القصاص فله ان يقتص في الحال.

إذا جرح غيره ثم ان المجروح قلع من موضع الجرح لحما ، فان كان ميتا ، فلا بأس ، والقود على الجاني بلا خلاف ، وان كان لحما حيا ، ثم سرى الى نفسه ، كان على الجاني القود أيضا ، وعلى أولياء المقتول ان يردّوا نصف الدية على الجاني أو أوليائه.

وكذلك لو شارك السّبع في قتل غيره ، أو جرحه غيره وجرح هو نفسه ، فمات.

يقطع ذكر الفحل بذكر الفحل الخصي إذا سلّت بيضتاه ، وبقي ذكره لقوله تعالى « وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ » (١).

اجرة من يقيم الحدود ويتقص للناس ، من بيت المال.

في العقل دية كاملة ، فان جنى جناية ذهب عقله فيها لم يدخل أرش الجناية في دية العقل ، سواء كان مقدّرا أو حكومة ، وسواء كان أرش الجناية أقل من دية العقل أو أكثر منها أو مثله ، سواء ضربه ضربة واحدة أو ضربتين ، وقد كنّا قلنا من قبل. فان كان اصابه مع ذهاب العقل اما موضحة أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات ، لم يكن فيه أكثر من الدية كاملة ، اللهم الّا ان يكون ضربه ضربتين أو ثلاثا بحيث (٢) كل ضربة منها جناية ، كان عليه حينئذ ديتها ، فأوردناه على ما أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (٣).

الّا ان هذا أظهر من ذاك ، وشيخنا فقد رجع عمّا أورده في نهايته ، وقال بما

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٤٥.

(٢) ج. ل. فجنت.

(٣) النهاية ، كتاب الديات ، باب ديات الأعضاء والجوارح.

٤١٤

اخترناه الان في مسائل خلافه (١) ، وهو الصحيح ، لان تداخل الديات إذا لم يمت المجني عليه يحتاج الى دليل.

القصاص فيما دون النفس شيئان ، جرح يشق ، وعضو يقطع ، فاما العضو الذي يقطع ، فكل عضو ينتهي إلى مفصل ، كاليد والرجل ، ففي كلها القصاص ، لان لها حدا ينتهى اليه ، وانما يجب القصاص فيها بثلاثة شروط ، التساوي في الحرية ، أو يكون المجني عليه أكمل ، والثاني الاشتراك في الاسم الخاص ، يمين بيمين ، ويسار بيسار ، فإنه لا تقطع يمين بيسار ، ولا يسار بيمين ، والثالث السّلامة ، فإنا لا نقطع اليد الصحيحة باليد الشّلاء.

فاما غير الأطراف من الجراح (٢) التي فيها القصاص ، وهو ما كان في الرأس والوجه ، لا غير ، فان القصاص يجب فيها بشرط واحد ، وهو التكافؤ في الحرية ، أو يكون المجني عليه أكمل.

وأما التّساوي في الاسم الخاص ، فهذا لا يوجد في الرأس ، لأنه ليس له رأسان ، ولا السّلامة من الشلل ، فان الشلل لا يكون في الرأس.

والقصاص في الأطراف والجراح في باب الوجوب سواء ، وانما يختلفان من وجه آخر ، وهو انا لا نعتبر المماثلة في الأطراف بالقدر من حيث الكبر والصغر ، ونعتبره في الجراح بالمساحة ، والفصل بينهما انا لو اعتبرنا المماثلة في الأطراف في القدر والمساحة ، أفضى إلى سقوط القصاص فيها ، لانه لا يكاد يدان يتفقان في القدر ، وليس كذلك الجراح ، لانه يعرف عرضه وطوله وعمقه ، فيستوفيه بالمساحة ، فلهذا اعتبرناها بالمساحة ، فبان الفصل بينهما.

وجملته انا نعتبر في القصاص المماثلة ، وتنظر الى طول الشجّة وعرضها فامّا الأطراف فلا نعتبر فيها الكبر والصغر ، بل تؤخذ اليد الغليظة بالدقيقة ، والسمينة بالهزيلة ، ولا يعتبر المساحة لما تقدم ، وانما يعتبر الاسم مع السلامة ، ومع التكافؤ في الحرية ، قال الله تعالى« وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ

__________________

(١) الخلاف ، كتاب الديات ، مسألة ٢٠.

(٢) ج. الجوارح.

٤١٥

 بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ » (١) فاعتبر الاسم فقط ، فلهذا راعيناه.

فإذا ثبت ذلك فالقصاص يجوز من الموضحة قبل الاندمال عند قوم ، وقال قوم لا يجوز الّا بعد الاندمال وهو الأحوط ، والذي وردت الاخبار به عندنا ، لأنها ربما صارت نفسا.

إذا قطع يد رجل فيها ثلاث أصابع سليمة وإصبعان شلاوان ويد القاطع لا شلل بها ، فلا قود على القاطع ، لأنا نعتبر التكافؤ في الأطراف ، والشلاء لا تكافئ الصحيحة ، فإذا ثبت انه لا قود عليه ، فان رضي الجاني ان يقطع يده بتلك اليد ، لم يجز قطعها بها ، لان القود إذا لم يجب في الأصل ، لم يجز استيفاؤه بالبدل ، كالحر إذا قتل عبدا ، ثم قال القاتل قد رضيت أن يقتلني السيّد به ، لم يجز قتله.

باب دية الجنين والميت إذا قطع رأسه أو شي‌ء من أعضائه

الجنين الولد ما دام في البطن ، وأول (٢) ما يكون نطفة ، وفيها بعد وضعها في الرحم الى عشرين يوما ، عشرون دينارا ، ثم بعد العشرين يوما ، لكل يوم دينار إلى أربعين يوما ، أربعون دينارا ، وهي دية العلقة ، فهذا معنى قولهم وفيما بينهما بحساب ذلك ، ثم يصير مضغة ، وفيها ستون دينارا ، وفيما بين ذلك بحسابه.

[ ثم يصير عظما ، وفيه ثمانون دينارا وفيما بين ذلك بحسابه ] (٣) ثم يصير مكسوا عليه اللحم ، خلقا سويا شق له العينان ، والأذنان والأنف قبل ان تلجه الروح ، وفيه عندنا مائة دينار ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، على ما قدمناه ، وفيما بين ذلك بحسابه.

وذهب شيخنا في مبسوطة ، الى ان دية الجنين الذكر مائة دينار ، ودية الجنين الأنثى خمسون دينارا (٤).

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٤٥.

(٢) ج. وأقلّ.

(٣) هذا على نسخة ل امّا على نسخة الأصل أعني ( ق ) ونسخة ج فلا يوجد فيهما والظاهر انه سقط منهما.

(٤) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٩٤.

٤١٦

وهذا مذهب بعض المخالفين ، فاما أصحابنا الإمامية ما خالف أحد منهم في ان دية الجنين الحر المسلم مائة دينار ، ولم يفصلوا ، بل أطلقوا وعمّموا ، وشيخنا أبو جعفر في جميع كتبه الاخبارية موافق على ذلك ، ومسلم مع أصحابه ، وانما يورد في هذا الكتاب يعنى المبسوط مقالة المخالفين ، لانه كتاب فروع المخالفين ، فقال في هذا الكتاب ، ان كان الجنين عبدا ففيه عشر قيمته ، ان كان ذكرا وكذلك عشر قيمته ان كان أنثى (١).

والذي عليه إجماع أصحابنا ، أن في جنين الأمة والمملوك ، عشر دية أمّه ، بلا خلاف بين أصحابنا ، وانما أورد شيخنا مقالة المخالفين.

وقال في هذا الكتاب أيضا إذا ضرب بطن امة ، فألقت جنينا ميّتا مملوكا ، ففيه عشر قيمة امّه ذكرا كان أم أنثى ، وعند قوم غرّة تامّة ، مثل جنين الحرة ، وهذا الذي رواه أصحابنا ، هذا آخر كلامه (٢).

قال محمّد بن إدريس مصنف هذا الكتاب رحمه‌الله هاهنا يحسن قول اقلب تصب ، بل رواية أصحابنا ما قدمه رحمه‌الله وقد قدمنا بيان ذلك ، وهو ان لكلّ يوم دينارا الى ان يصل الى الدية المقدرة ، ثم تلجه الروح ، وفيه الدية كاملة.

وقد روى انه إذا قتلت المرأة وهي حامل متم ، ومات الولد في بطنها ، ولا يعلم اذكر هو أم أنثى ، حكم فيه بديتها كاملة مع التراضي ، وفي ولدها بنصف دية الرجل ونصف دية المرأة (٣).

والاولى استعمال القرعة في ذلك ، هل هو ذكر أم أنثى ، لأن القرعة مجمع عليها في كل أمر مشكل ، وهذا من ذلك ، هذا إذا تحقق حياته في بطنها وعلم.

وروى محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة عن سليم (٤) بن صالح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في النطفة

__________________

(١) المبسوط ، ج ٧ كتاب الديات ، ص ١٩٧.

(٢) المبسوط ، ج ٧ كتاب الديات ، ص ٢٠٥.

(٣) الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب ديات النفس ، ح ١.

(٤) ج. ل. سليمان وكذلك في المصدر.

٤١٧

عشرون دينارا ، وفي العلقة أربعون دينارا ، وفي المضغة ستون دينارا ، وفي العظم ثمانون دينارا ، فإذا كسى اللحم مائة دينار ، ثم هي مائة حتى يستهل ، فإذا استهل فالدية كاملة (١).

والرّواية الأولى رواها على (٢) بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، عن عبد الله بن مسكان ، عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وكلتا الروايتين أوردهما شيخنا أبو جعفر في تهذيب (٣) الاحكام ، الّا ان الاولى مرسلة ، والأخيرة مسندة ، ويقتضيها أصول مذهبنا ، والأصل براءة الذمّة.

وفي قطع جوارح الجنين وأعضائه ، الدية من حساب ديته ، مائة دينار.

والمرأة إذا شربت دواء لتلقى ما في بطنها ، ثم القت ، كان عليها الدية بحساب ما ذكرناه لورثة المولود دونها ، لأن دية الجنين عندنا موروثة لورثته ، وانما حرمت الام هاهنا ، لأنها بمنزلة القاتلة ، والقاتل عندنا لا يرث من الدية شيئا بحال ، سواء كان قاتل عمد أو قاتل خطأ.

ومن أفزع امرأة ، وضربها (٤) فألقت شيئا مما ذكرنا فكان عليه ديته حسب ما قدمناه.

ولا كفارة على قاتل الجنين بحال.

ودية جنين الذمي عشر ديته ، وما يكون من أعضائه بحساب ذلك.

ومن أفزع رجلا ، وهو على حال الجماع ، فعزل عن امرأته ، كان عليه دية ضياع النطفة ، عشرة دنانير ، فامّا ان وضع النطفة في الرحم ، ثم أفزع أفزع (٥) المرأة ، فألقتها ، فديتها عشرون دينارا على ما قدمناه (٦).

وقد روى انه إذا عزل الرجل عن زوجته الحرّة بغير اختيارها ، كان عليه عشر دية الجنين ، يسلم إليها (٧) ، وهذه رواية شاذة لا يعوّل عليها ، ولا يلتفت إليها ، لأن

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٩ ، من أبواب ديات الأعضاء ، ح ٣.

(٢) ج. محمّد بن إبراهيم.

(٣) التهذيب ، ج ٧ ، الباب ٢٥ ، من أبواب القصاص ، ص ٢٨١ ، ح ١ ـ ٢.

(٤) ج. ل. أو ضربها.

(٥) ج. ل. ثم أفزع فازع.

(٦) في ص ٤١٦.

(٧) الوسائل ، الباب ١٩ ، من أبواب ديات الأعضاء ، ح ١.

٤١٨

الأصل براءة الذمة ، ولأنا قد بيّنا ان العزل عن الحرة مكروه ، ليس بمحظور.

قال شيخنا أبو جعفر في الجزء الثاني من مسائل خلافه ، مسألة ، دية الجنين إذا تم خلقه ، مائة دينار ، وإذا لم يتم ، فغرة عبد أو امة ، وعند الفقهاء غرة عبد أو امة على كل حال ، الّا ان هذه الدية يرثها سائر المناسبين ، وغير المناسبين (١).

قال محمّد بن إدريس ، لا خلاف بيننا ، ان دية الجنين التام مائة دينار ، وغير التام بحسابه ، من النطفة والعلقة وغير ذلك.

فاما الغرة ، فما أحد من أصحابنا ذهب الى ذلك ، وانما هذا مذهب المخالفين لأهل البيت عليهم‌السلام فليلحظ دليله رحمه‌الله في المسألة ، فهو قاض عليه ، وانما أردت تنبيه من يقف على المسألة التي في خلافه ، وهو الجز الثاني ، بحيث لا يعتقد انّ ذلك مذهب أصحابنا.

وحكم الميت حكم الجنين ، وديته ديته ، سواء ، فمن فعل بميت فعلا لو فعله بالحيّ لكان فيه تلف نفسه ، كان عليه ديته مائة دينار ، وفيما بفعل به من كسر يدا أو قطعها ، أو قلع عين ، أو جراحة ، فعلى حساب ديته ، كما تكون دية هذه الأعضاء في الحي كذلك لا يختلف الحكم فيه.

والفرق بين الجنين والميت ، ان دية الجنين تستحقها ورثته على ما قدمناه ، ودية الميت لا يستحقها أحد من ورثته ، بل تكون له ، يتصدّق بها عنه ، على ما ذهب شيخنا أبو جعفر إليه في نهايته (٢).

وقال السيّد المرتضى يكون لبيت المال (٣).

وهو الذي يقوى في نفسي ، لأن ما ذهب اليه شيخنا أبو جعفر لا دليل عليه ، وهذه جناية يأخذها الامام على طريق العقوبة والردع ، فيجعلها في بيت المال.

ودية جنين الأمة المملوك عشر قيمة امّه وقت الضرب.

ودية جنين البهيمة ، والدواب ، والحيوان ، عشر دية امّه ، لإجماعنا على ذلك ،

__________________

(١) الخلاف ، كتاب الفرائض ، مسألة ١٢٦.

(٢) النهاية ، كتاب الديات ، باب دية الجنين والميّت.

(٣) في الانتصار في القصاص والديات.

٤١٩

وتواتر أخبارنا (١) وفي ذلك الحجة.

باب الجنايات على الحيوان وغير ذلك

من أتلف حيوانا لغيره مما لا يقع عليه الذكاة ، كان عليه قيمته يوم أتلفه ، وذلك مثل الكلب.

وقال شيخنا في نهايته ، وذلك مثل الفهد ، والبازي (٢).

وعندنا ان الفهد يقع عليه الذكاة ، ويحل بيع جلده بعد ذكاته بلا خلاف بيننا ، ويحل أيضا استعماله بعد دباغه في جميع

الأشياء ، ما عدا الصلاة ، على ما بيّناه في كتاب الصلاة (٣) ، وانما مقصود شيخنا بقوله مالا يوكل لحمه ، الّا انه لا بد أن يراعى ان يكون مما يجوز للمسلمين تملّكه.

فإن أتلف عليه ما لا يحل للمسلمين تملكه ، وكان من بيده ذلك مسلما ، لم يكن عليه شي‌ء ، سواء كان الجاني مسلما أو ذميّا.

فإن أتلف شيئا من ذلك على ذمي وجب عليه قيمته عند مستحليه.

ومتى أتلف شيئا على مسلم مما يقع عليه الذكاة على وجه يمكنه الانتفاع به ، فلا يجب عليه كمال قيمته ، بل الواجب عليه ما بين قيمته صحيحا ومعيبا ، مثال ذلك أن يذبح شاة إنسان ذباحة شرعية ، فالواجب عليه ما بين قيمتها حية ومذبوحة.

وقال شيخنا في نهايته ، يجب عليه قيمته يوم أتلفه ، ويسلم اليه ذلك الشي‌ء ، أو يطالبه بقيمته ما بين كونه متلفا وكونه حيّا (٤).

وما ذكرناه هو الأصح وشيخنا فقد رجع عن ذلك في مبسوطة (٥).

__________________

(١) التهذيب ، ج ١٠ ، الباب ٢٥ ، من كتاب الديات ، ص ٢٨٨ ، ح ١١٢٠ / ٢٢ وفي الجواهر ج ٤٣ ، ص ٣٩٢ بعد نقله كلام السرائر ، وان كنت لم أتحقق شيئا منهما.

(٢) و (٤) النهاية ، كتاب الديات ، باب الجنايات على الحيوان.

(٣) في الجزء الأوّل ، ص ٢٦٢.

(٥) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب السرقة ، ص ٣٠ ، والعبارة هكذا ، إذا نقب ودخل الحرز فذبح شاة فعليه ما بين قيمتها حيّة ومذبوحة.

٤٢٠