كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

هذا الحساب ، فان لم يكن للمدعي من يحلف عنه ، وامتنع هو (١) ان يحلف ، طولب المدعى عليه ، اما ان يقسم عليه ، أو تكرر الايمان عليه ، حسب ما يلزم المدعي على ما بيّناه (٢).

وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد (٣) ، وسلار (٤) ، وغيرهما من المشيخة ، وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا ، ولانه مجمع عليه ، والاحتياط يقتضيه.

وما ذهب اليه شيخنا أبو جعفر اختيار ظريف بن ناصح ، في كتابه الحدود والديات ، وتابعه على ذلك ، واختار ما اختاره.

ولا شك انه خبر واحد ، وقد بيّنا ان اخبار الآحاد لا يجوز العمل بها في الشّرعيات ، لأنها لا توجب علما ولا عملا.

وامّا الإقرار فيكفي أن يقر القاتل على نفسه دفعتين ، من غير إكراه ولا إجبار ، ويكون كامل العقل ، فان لم يكن كامل العقل ، أو كان عبدا مملوكا ، فإنّه لا يقبل إقراره ، لأن إقراره إقرار على الغير الذي هو سيّده ، فامّا إن لحقه العتاق بعد إقراره ، قبلناه ، وحكم فيه بما يقتضيه الشرع.

وروي في بعض الاخبار ، انه متى شهد نفسان على رجل بالقتل ، وشهد أخران على غير ذلك الشخص ، بأنه قتل ذلك المقتول ، بطل هاهنا القود ، ان كان عمدا وكانت الدية على المشهود عليهما نصفين ، وان كان القتل شبيه العمد فكمثل ، وان كان خطأ محضا كانت الدية على عاقلتهما نصفين.

أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا. (٥)

والذي يقتضيه أصول المذهب ، ويحكم بصحته الاستدلال ، إنّ أولياء المقتول بالخيار ، في تصديق احدى البيّنتين ، وتكذيب الأخرى ، فإذا صدقوا إحداهما قتلوا

__________________

(١) ج. ل. هو من ان.

(٢) النهاية ، باب البيّنات على القتل وعلى قطع الأعضاء.

(٣) المقنعة : باب البينات من أبواب القضاء والاحكام ص ١١٣.

(٤) الجوامع الفقهية : كتاب المراسم ذكر احكام البينات ص ٥٩٤.

(٥) النهاية ، كتاب الديات باب البيّنات على القتل.

٣٤١

ذلك المشهود عليه ، ولم يكن لهم على الآخر سبيل ، ولا يبطل هاهنا القود ، لانه لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة متواترة ، بل الكتاب قاض بالقود مع البيّنة ، في قوله تعالى « فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » (١) فمن عمل بهذه الرّواية ، أبطل حكم الآية رأسا ، ولا وجه لأخذ الدية منهما جميعا لأنّهما غير مشتركين في القتل ، لأن البيّنة عليهما ، بخلاف ذلك ، لأنها تشهد بقتل كل واحد منهما على الانفراد ، دون الاجتماع والاشتراك.

ويحقق ذلك ويزيده بيانا المسألة التي تأتي بعد ذلك ، وهو من شهد عليه بالقتل ، ثم أقر آخر بالقتل ، فللأولياء أن يقتلوا من شاءوا منهما بغير خلاف ، فإذا لا فرق بين الموضعين ، لأن الإقرار كالبيّنة ، والبيّنة كالإقرار في ثبوت الحقوق لشرعية التي تتعلق بحقوق بنى آدم ، فليلحظ ذلك.

فإذا قامت البيّنة على رجل ، بأنه قتل رجلا عمدا ، وأقر آخر بأنه قتل ذلك المقتول بعينه عمدا ، كان أولياء المقتول مخيرين في ان يقتلوا أيهما شاءوا ، فان قتلوا المشهود عليه ، فليس لهم على الذي أقر سبيل ، ويرجع أولياء الذي شهد عليه ، على الذي أقر بنصف الدية ، فإن اختاروا قتل الذي أقر ، قتلوه ، وليس لهم على الآخر سبيل ، وليس لأولياء المقتول المقر على نفسه ، على الذي قامت عليه البينة سبيل.

وان أراد أولياء المقتول قتلهما جميعا قتلوهما معا ويردون على أولياء المشهود عليه نصف الدية ، وليس عليهم أكثر من ذلك.

فان طلبوا الدية ، كانت عليهما نصفين ، على الذي أقر ، وعلى الذي شهد عليه الشهود.

هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢).

ولي في قتلهما جميعا نظر ، لان الشهود ما شهدوا بأنهما اشتركا في قتل المقتول ، ولا المقر أيضا أقر باشتراكهما في قتله ، وانما كل واحد منهما ببينة من الشهود ، أو الإقرار ، تؤذن بأنه قتله على الانفراد ، دون الآخر ، فكيف يقتلان معا ، وما تشاركا في القتل ، وانّما لو تشاركا في قتله ، لأقدناهما (٣) ، ولو كانوا ألفا ، بعد ان يرد ما فضل عن ديته ،

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ٣٣.

(٢) النهاية كتاب الديات باب البيّنات على القتل.

(٣) ل. لقتلناهما.

٣٤٢

وهاهنا رد نصف دية ، فلو اشتركا لكان يرد دية كاملة ألف دينار ، يتقاسم بها أولياؤهما معا.

والأولى عندي ، ان يرد الأولياء إذا قتلوهما معا دية كاملة ، فيكون بين ورثتهما نصفين ، إذ قد ثبت انهما قاتلان جميعا بإقرار أحدهما على نفسه ، والبينة على الآخر ، ولا يرجع في مثل هذا الى اخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.

هذا إذا أقرا بالقتل مجتمعين مشتركين ، وتشهد البيّنة بذلك ، فاما إذا كانا متفرقين ، فالعمل على ما حررناه في شهادة الشهود على الاثنين حرفا فحرفا.

وروى أصحابنا في بعض الاخبار ، انه متى اتهم رجل بأنه قتل نفسا ، فأقر بأنه قتل فجاء آخر ، فأقر أنّ الذي قتل هو دون صاحبه ، ورجع الأول عن إقراره ، درئ عنهما القود والدية معا ، ودفع الى أولياء المقتول الدية من بيت مال المسلمين ، روي ذلك عن الحسن بن علي عليهما‌السلام (١) ، وانه قضى بهذه القضية ، وحكم بها في حياة أبيه عليه‌السلام.

ومتى أقر نفسان فقال أحدهما أنا قتلت رجلا عمدا ، وقال الآخر أنا قتلته خطأ ، كان أولياء المقتول مخيرين ، إن أخذوا بقول صاحب العمد ، فليس لهم على صاحب الخطأ سبيل ، وان أخذوا بقول صاحب الخطأ ، فليس لهم على صاحب العمد سبيل.

وروى ان المتهم بالقتل ، ينبغي ان يحبس ستة أيام ، فإن جاء المدعي ببينة ، أو فصل الحكم معه ، والّا خلي سبيله (٢).

وليس على هذه الرّواية دليل يعضدها ، بل هي مخالفة للأدلّة.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ومن قتل رجلا ثم ادعى انه وجده مع امرأته في داره ، قتل به ، أو يقيم البيّنة على ما قال (٣).

قال محمّد بن إدريس ، الاولى ان يقيد ذلك بان الموجود كان يزني بالمرأة ، وكان

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، الباب ٤ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ، أوردها عن النهاية.

(٢) الوسائل ، الباب ١٢ من كتاب القصاص.

(٣) النهاية ، كتاب الديات باب البيّنات على القتل.

٣٤٣

محصنا فحينئذ لا يجب على قاتله القود ، ولا الدية ، لأنّه مباح الدم.

فاما ان أقام البيّنة انه وجده مع المرأة ، لا زانيا بها أو زانيا بها ولا يكون محصنا ، فإنه يجب على من قتله القود ، ولا ينفعه بيّنته هذه ، فليلحظ ذلك.

وقال شيخنا في مسائل خلافه ، مسألة : إذا قطع طرف غيره ، ثم اختلفا ، فقال الجاني كان الطرف أشل ، فلا قود ولا دية كاملة فيه ، وقال المجني عليه كان صحيحا ، ففيه القود والدية كاملة ، فإن كان الطرف ظاهرا مثل اليدين والرجلين ، والعينين ، والأنف ، وما أشبهها ، فالقول قول الجاني مع يمينه ، ويقيم (١) المجني عليه البيّنة ، فإن كان الطرف باطنا ، فالقول قول المجني عليه (٢).

قال محمّد بن إدريس مصنف هذا الكتاب ، ما اختاره شيخنا قول الشافعي ، والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، ان القول قول المجني عليه في الطرفين معا ، سواء كانا ظاهرين أو باطنين ، لإجماع أصحابنا على ذلك ، وقول الرسول عليه‌السلام المتفق عليه ـ على الجاحد اليمين ، وعلى المدعى البيّنة ـ (٣) والأصل سلامة الأعضاء ، والجاني يدعي الشلل والعيب ، فعليه البيّنة ، ومن فصل ذلك وخصص يحتاج إلى دلالة.

باب الواحد يقتل اثنين أو أكثر منهما

أو الاثنين والجماعة يقتلون واحدا

إذا قتل اثنان واحدا أو أكثر منهما عمدا ، كان أولياء المقتول مخيرين بين ان يقتلوا واحدا منهم ، يختارونه ، ويؤدى الباقون الى ورثته مقدار ما كان يصيبهم لو طولبوا بالدية ، فإن اختار أولياء المقتول قتلهم جميعا ، كان لهم ذلك ، إذا أدوا إلى ورثة المقتولين ما يفضل عن دية صاحبهم ، يتقاسمونه بينهم بالسوية.

يدل على ذلك إجماع أهل البيت عليهم‌السلام وأيضا فما اشترطناه أشبه بالعدل وأليق به.

__________________

(١) ج. أو يقيم.

(٢) الخلاف كتاب الجنايات مسألة ٧٦.

(٣) الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ٣ ، وعبارة المتن نقل بالمعنى.

٣٤٤

ويدل على جواز قتل الجماعة بالواحد بعد الإجماع المشار اليه ، قوله تعالى « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » (١) لانه لم يفرق بين الواحد والجماعة.

وأيضا قوله تعالى « وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ » (٢) لأن المعنى ان القاتل إذا علم انه يقتل إذا قتل ، كفّ عن القتل ، وكان في ذلك حياته وحياة من همّ بقتله.

وسقوط القود بالاشتراك في القتل يبطل المقصود بالاية.

ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام فمن قتل بعده قتيلا ، فأهله بين خيرتين (٣) ، الخبر ، لانه لم يفرق وقوله تعالى « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » (٤) « والْحُرُّ بِالْحُرِّ » (٥) المراد به الجنس لا العدد ، فكأنه قال ان جنس النفوس يؤخذ بجنس النفوس ، وجنس الأحرار يؤخذ بجنس الأحرار.

وإذا قتل نفسان واحدا بضربتين مختلفتين ، أو متفقتين ، بعد ان يكون القتل يحدث عن ضربهما ، كان الحكم فيه سواء ، لا يختلف ، فان كان قتلهما له خطأ محضا ، كانت الدية على عاقلتهما بالسويّة.

وإذا اشترك نفسان في قتل رجل فقتله أحدهما ، وأمسكه الآخر ، قتل القاتل ، وخلّد الممسك السجن حتى يموت ، فان كان معهما ردء (٦) ينظر لهما ، سملت عيناه معا ـ اى فقئتا ، يقال سملت عينه تسمل ، إذا فقئت بحديدة محماة.

وإذا قتلت امرأتان رجلا عمدا ، قتلتا به جميعا ، فان كنّ أكثر من اثنتين ، كان لأوليائه قتلهنّ ، ويؤدون ما يفضل عن دية صاحبهم على أوليائهن ، يقسّمونه بينهم بالحصص ، وان كان قتلهن له خطأ ، كانت الدية على عاقلتهن بالسوية.

فإن قتل رجل وامراة رجلا ، كان لأولياء المقتول قتلهما جميعا ، ويؤدون إلى أولياء الرجل نصف ديته ، خمسة الف (٧) درهم.

وقال شيخنا المفيد في مقنعته ، تكون خمسة آلاف درهم بين أولياء الرجل

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ٣٣.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٧٩.

(٣) سنن أبي داود ، باب ولى العمد يرضى بالدية ، من كتاب الديات ( ج ٤ ، الرقم ٤٥٠٤ ).

(٤) سورة المائدة ، الآية ٤٥.

(٥) سورة البقرة ، الآية ١٧٨.

(٦) ل. ثالث.

(٧) ج. آلاف.

٣٤٥

والمرأة ، لأولياء الرجل ثلثاها ، ولأولياء المرأة ثلثها (١).

والأول اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته (٢) وهو الذي يقتضيه الأدلة ، وتشهد بصحته الاخبار والاعتبار.

فان اختاروا قتل المرأة ، كان لهم قتلها ، ويأخذون من الرجل خمسة ألف درهم ، فان اختاروا قتل الرجل ، كان لهم قتله ، وتؤدى المرأة إلى أولياء الرجل نصف ديتها ، ألفين وخمسمائة درهم ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (٣).

والذي يقتضيه مذهبنا انها ترد خمسمائة دينار إلى أولياء الرجل ، لأنّها جنت نصف الجناية ، فهما مشتركان في الجناية التي هي القتل ، ولأجل ذلك إذا صالحا الأولياء على أخذ الدية ، كان عليها نصفها ، وعلى الرجل نصفها بغير خلاف.

وكذلك لو كان مكانها رجل واختار الأولياء قتل أحدهما ، ادّى الأخر الباقي الى أولياء المقاد منه المقتول ، خمس مائة دينار بغير خلاف ، لانّه شريكه في الجناية ، وهما قاتلان ، وكذلك المرأة المذكورة ، ولا يرجع في مثل هذا الى اخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.

فإن أراد أولياء المقتول الدية ، كانت نصفها على الرجل ، ونصفها على المرأة سواء بعد تراضى الجميع بأخذ الدية والصلح على ذلك.

وان كان قتلهما خطأ محضا كانت الدية نصفها على عاقلة الرجل ، ونصفها على عاقلة المرأة سواء.

وقد روى انه إذا قتل رجل حر ومملوك رجلا على العمد ، كان أولياء المقتول مخيرين بين ان يقتلوهما ، ويؤدوا إلى سيد العبد ثمنه ، أو يقتلوا الحر ، ويؤدى سيد العبد الى ورثته خمسة ألف درهم ، أو يسلم العبد إليهم ، فيكون رقّا لهم ، أو يقتلوا العبد بصاحبهم خاصة ، فذلك لهم ، وليس لسيد العبد على الحر سبيل فان اختاروا الدية ، كان على الحر النصف منهما ، وعلى سيد العبد النصف الآخر ، أو يسلم العبد

__________________

(١) المقنعة باب الاشتراك في الجنايات ص ٧٥٢.

(٢) و (٣) النهاية ، كتاب الديات ، باب الواحد يقتل اثنين.

٣٤٦

إليهم ، فيكون رقّا لهم (١).

وهذا الذي ذكره شيخنا في نهايته (٢).

وقال بعض (٣) أصحابنا في كتاب له ، وإذا قتل الحر والعبد حرّا ، فاختار وليه الدية ، فعلى الحر النصف ، وعلى سيد العبد النصف ، وان اختار قتلهما ، رد قيمة العبد على سيّده وورثة الحر ، وان اختار قتل الحر ، فعلى سيد العبد نصف ديته لورثته ، وان اختار قتل العبد ، قتله ويؤدّى الحر الى سيّده نصف قيمته.

قال محمّد بن إدريس ، وهذا الذي يقتضيه أصول مذهبنا.

وذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره ، إلى انه إذا قتل الولي الحر ، يجب على سيد العبد ان يرد على ورثة المقتول الثاني نصف الدّية ، أو يسلّم العبد إليهم ، لأنه لو كان حرا لكان عليه ذلك على ما بيّناه ، فحكم العبد حكمه على السّواء ، هذا آخر كلامه في استبصاره (٤).

وهو رجوع عما ذكره في نهايته (٥) ، ونعم الرجوع الى الحق.

فإن كان قتله لهما (٦) خطأ محضا ، كان نصف ديته على عاقلة الرجل ، ونصفها على مولى العبد ، أو يسلّمه إلى أولياء المقتول ، يسترقونه ، وليس لهم قتله على حال.

وروى أيضا انه ان قتلت امرأة وعبد رجلا حرّا ، واختار أولياء المقتول قتلهما ، قتلوهما ، فان كان قيمة العبد أكثر من خمسة ألف (٧) درهم ، فليردوا على سيده ما يفضل بعد الخمسة ألف (٨) درهم. وان أحبوا أن يقتلوا المرأة ، ويأخذ العبد ، الّا ان يكون قيمته أكثر من خمسة ألف درهم ، فليردوا على مولى العبد ما يفضل عن خمسة ألف درهم ، ويأخذوا العبد ، أو يفتديه مولاه ، وان كان قيمة العبد أقل من

__________________

(١) التهذيب ، ج ١٠ ، باب ٢١ من كتاب الديات ، ج ٢ قريبا منه.

(٢) النهاية ، كتاب الديات ، باب الواحد يقتل اثنين.

(٣) الكافي في الفقه ، ص ٣٨٦.

(٤) الاستبصار الباب ١٦٧ من المجلد الرابع ، ص ٢٨٣.

(٥) النهاية ، كتاب الديات ، باب الواحد يقتل اثنين ..

(٦) ج. قتلهما له.

(٧) ج. آلاف.

(٨) ج. خمسة آلاف.

٣٤٧

خمسة الف درهم ، فليس لهم الا نفسه ، وان طلبوا الدية ، كان على المرأة نصفها ، وعلى مولى العبد النصف الآخر ، أو يسلّمه برمّته (١) ، ـ يعنى بكماله ـ إليهم ـ والرمة قطعة حبل بالية ، ومنه قوله دفع إليه الشي‌ء برمّته ، واصلة ان رجلا دفع الى رجل بعيرا بحبل في عنقه ، ثم قيل ذلك لكل من دفع شيئا بجملته ، لم يحتبس منه شيئا.

وينبغي ان يكون العمل والفتوى على هذه الرواية ، لأنها تعضدها الأدلة ، وأصول المذهب ، والإجماع ، وبها يفتي شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢) واستبصاره (٣) ، ونحن لما قدمناه من اقتران الأدلة لها (٤).

وإذا اشترك جماعة من المماليك في قتل رجل حر ، كان لأولياء المقتول قتلهم جميعا ، وعليهم أن يؤدّوا ما يفضل عن دية صاحبهم ، فان نقص ثمنهم عن ديته ، لم يكن لهم على مواليهم سبيل ، فان طلبوا الدية ، كانت على موالي العبيد بالحصص ، أو تسليم العبيد إليهم.

فإن كان قتلهم له خطأ محضا ، كان على مواليهم دية المقتول ، أو تسليم العبيد إلى أولياء المقتول ، يستعبدونهم ، وليس لهم قتلهم على حال ، لان المولى لا يعقل عن عبده.

وإذا قتل رجل رجلين أو أكثر منهما ، وأراد أولياء المقتولين القود ، فليس لهم الا نفسه ، ولا سبيل لهم (٥) على ماله ، لان الله تعالى « قال ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) » وما قال المال بالنفس ، ولا لهم أيضا سبيل على ورثته ولا على عاقلته ، فإن أرادوا الدية ، وأراد هو أيضا ذلك على ما قدمناه وحررناه فيما مضى ، كان لهم عليه عن كل مقتول ، دية كاملة على الوفاء ، فان كان قتله لهم خطأ محضا ، كان على عاقلته دياتهم على الكمال.

فان قتل رجلا وامرأة ، أو رجالا ونساء ، أو امرأتين أو نساء ، كان الحكم

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣٤ ، من أبواب القصاص في النفس ، ح ٢ ، باختلاف يسير وعدم الذيل فراجع

(٢) النهاية ، كتاب الديات ، باب الواحد يقتل اثنين ..

(٣) الاستبصار ، الباب ١٧٠ من المجلد الرابع ، ص ٢٨٦.

(٤) ج. بها.

(٥) ج. وليس لهم سبيل.

٣٤٨

أيضا مثل ذلك سواء.

والمشتركون في القتل ، إذا رضي عنهم أولياء المقتول بالدية ، لزم كل واحد منهم الكفارة التي قدمنا ذكرها على الانفراد ، رجلا كان أو امرأة ، إلّا المملوك ، فإنه لا يلزمه أكثر من صيام شهرين متتابعين ، وليس عليه عتق ، ولا إطعام ، لأنه غير مخاطب بالمال.

وإذا أمر إنسان أخر بقتل رجل فقتله المأمور ، وجب القود على القاتل المباشر للقتل ، دون الآمر ، وكان على الامام حبس الآمر ما دام حيّا.

فإن أكره رجل رجلا على قتل رجل ، فقتله المكره ، كان على المكره الذي باشر القتل القود ، دون المكره ، لقوله تعالى « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » يعنى النفس القاتلة بالنفس المقتولة.

فإن أمر عبده بقتل غيره ، فقتله ، فقد اختلفت روايات أصحابنا في ذلك ، فروى (١) انه يقتل العبد ، ويستودع السيّد السجن ، وروى انه يقتل السيّد ، ويستودع العبد السجن (٢).

والذي يقوى عندي في ذلك ، انه ان كان العبد عالما بأنه لا يستحق القتل (٣) ، أو متمكنا من العلم ، فعليه القود ، دون السيّد ، وان كان صغيرا أو مجنونا ، فإنه يسقط القود ، ويجب فيه الدية على السيّد ، دون القود ، لانّه غير قاتل حقيقة ، وألزمناه الدية ، لقوله عليه‌السلام ـ لا يطل دم امرئ مسلم ـ فلو لم يلزمه الدية ، لاطللنا دمه ، ومعنى يطل ، يهدر.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، وان أمر عبده بقتل غيره ، فقتله ، وجب على العبد القود ، دون سيّده ، ويحبس المولى ما دام حيا ، ثم قال وقد روى (٤) انه يقتل السيّد ، ويستودع العبد السجن ، والمعتمد على ما قلناه.

__________________

(١) أورده في المستدرك الباب ١٤ ، من أبواب قصاص النفس عن الشيخ الطوسي في النهاية.

(٢) الوسائل ، الباب ١٤ ، من أبواب قصاص النفس ، ح ٢.

(٣) ج. للقتل.

(٤) الوسائل ، الباب ١٤ ، من أبواب قصاص النفس ، ح ٢.

٣٤٩

هذا قوله في نهايته (١) وفي استبصاره (٢).

وذهب في مسائل خلافه (٣) الى ما اخترناه نحن ، وقوّيناه ، وهو الذي يقتضيه

وذهب شيخنا في مبسوطة الى ان العبد المأمور ، إذا كان عاقلا مميزا ، وجب عليه القود ، دون السيّد ، وان كان غير عاقل ولا مميز ، وجب على السيد الآمر القود ، دون العبد (٤).

وهو قوي ، الّا ان ما اخترناه أقوى وأوضح وأظهر في الاستدلال.

باب القود بين الرجال والنساء والعبيد

والأحرار (٥) والمسلمين والكفّار

إذا قتل رجل امرأة عمدا ، وأراد أولياؤها قتله ، كان لهم ذلك ، إذا ردوا على الرّجل ، ما يفضل عن ديتها وهو نصف دية الرجل ، خمسة ألف درهم ، أو خمسمائة دينار ، أو خمسون من الإبل ، أو خمسمائة من الغنم ، أو مائة من البقر ، أو مائة من الحلل ، على ما قدّمناه ، فان لم يردّوا ذلك لم يكن لهم القود على حال.

فان طلبوا الدية ورضى بها القاتل كان لهم عليه دية المرأة على الكمال ، وهو أحد هذه الأشياء المقدم ذكرها.

وإذا قتلت امرأة رجلا واختار أولياؤه القود ، فليس لهم الّا نفسها يقتلونها بصاحبهم ، وليس لهم على مالها ولا أوليائها سبيل ، فان طلب أولياء المقتول الدية ورضيت هي بذلك كان عليها الدية كاملة دية الرجل ، ان كانت قتلته عمدا محضا ، أو خطأ شبيه العمد ، في مالها خاصّة على ما قدمناه ، وان كان قتله (٦) خطأ محضا

__________________

(١) النهاية ، كتاب الديات ، باب الواحد يقتل اثنين ..

(٢) الاستبصار ، الباب ١٦٨ من المجلد الرابع ، ص ٢٨٣.

(٣) الخلاف ، كتاب الجنايات ، مسألة ٣٠.

(٤) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الجراح ، ص ٤٣ ، الظاهر ان العبارة منقولة بالمعنى.

(٥) ج. المسلمين.

(٦) ج. قتلها.

٣٥٠

فعلى عاقلتها على ما بيّناه ، من قبل ، وحررناه.

واما الجراح فإنه يشترك فيها النساء والرجال ، السّن ، بالسّن ، والإصبع ، بالإصبع ، والموضحة ، بالموضحة ، الى ان يتجاوز المرأة ، ثلث دية الرجل ، فإذا جازت الثلث ، سفلت المرأة ، وتضاعف الرجل على ما نبينه فيما بعد إن شاء الله.

وإذا قتل الذمي مسلما عمدا دفع برمته هو وجميع ما يملكه ، إلى أولياء المقتول ، فإن أرادوا قتله ، كان لهم ذلك ، ويتولى ذلك عنهم السلطان ، وان أرادوا استرقاقه ، كان رقّا لهم ، فإن أسلم بعد القتل ، فليس عليه الّا القود ويكون إسلامه قبل خيرة الأولياء لرقة ، ودفعه إليهم ، فامّا ان اختاروا استرقاقه ، وأخذ جميع ماله ، ثم بعد ذلك أسلم ، فهو عبد لهم مسلم ، وما أخذوه منه لهم.

وذهب بعض أصحابنا إلى انه يدفع بجميع ماله وولده الصغار إلى أولياء المقتول المسلم.

والذي يقتضيه الدلالة ، ان الأولاد الصغار ، لا يدفع إليهم (١) ، لأن ماله إذا اختاروا استرقاقه فهو مال عبدهم ، ومال العبد لسيّده ، وأولاده أحرار قبل القتل ، فكيف يسترق الحرّ ، بغير دليل.

فامّا استرقاقه هو فإجماعنا دليل عليه ، وليس كذلك أولاده.

فان لم يختاروا استرقاقه بل اختاروا قتله ، فليس لهم على ماله أيضا سبيل ، لانه لا يدخل في ملكهم الّا باختيارهم استرقاقه.

ومعنى قولهم ـ برمته ـ اى بجملته وكماله ، لأن أصل ذلك ، ان رجلا اعطى ، رجلا جملا بجبله ، فصار كل من اعطى شيئا بكماله وجملته ، قيل أعطاه برمته ، لان الرمة الحبل على ما قدمناه.

فان كان قتله له خطأ فقد ذكر بعض أصحابنا ، ان الدية تكون عليه في ماله خاصة ، ان كان له مال ، فان لم يكن له مال كانت الدية على امام المسلمين ، لأنهم مماليكه ويؤدّون الجزية إليه ، كما يؤدى العبد ، الضريبة ، إلى سيّده ، وليس لهم

__________________

(١) ج. لهم.

٣٥١

عاقلة ، غير الامام.

والصحيح ان الامام عاقلته على كل حال ، سواء كان له مال ، أو لم يكن.

وإذا قتل المسلم ذميا عمدا وجب عليه ديته ، ولا يجب عليه القود بحال.

وقد روى انه ان كان معتادا لقتل أهل الذمة.

فإن كان كذلك ، وطلب أولياء المقتول القود ، كان على الامام ان يقيده به ، بعد ان يأخذ من أولياء الذمي ما يفضل من دية المسلم ، فيرده عليه ، أو على ورثته ، فان لم يردّوه أو لم يكن معتادا ، فلا يجوز قتله به على حال (١).

ولا ينبغي ان يلتفت الى هذه الرّواية ، ولا يعرج عليها ، لأنها مخالفة للقرآن والإجماع ، وانما أوردها شيخنا في استبصاره (٢) ، وتأويلها (٣) على هذا.

ودية الرجل الذمي ثمانمائة درهم جيادا ، أو قيمتها ، من الذهب.

ودية نسائهم ، على النصف من دية ذكرانهم.

ودية المجوسي ودية الذّمي سواء ، لان حكمهم ، حكم اليهود والنصارى.

ودية ولد الزنا ، مثل دية اليهودي ، على ما ذهب اليه السيد المرتضى رضى الله عنه ولم أجد لباقي أصحابنا فيه قولا فأحكيه.

والذي يقتضيه الأدلّة التوقف في ذلك ، وان لا دية له ، لأن الأصل براءة الذمّة.

وإذا خرج أهل الذمّة عن ذمتهم ، بتركهم شرائطها ، من ارتكابهم الفجور ، والتظاهر بشرب الخمور ، وما يجرى مجرى ذلك ، ممّا ذكرناه ، فيما تقدم حلّ دمهم ، وبطلت ذمتهم ، غير انهم لا يجوز لأحد أن يتولى قتلهم إلا الإمام ، أو من يأمره الإمام به ، ويأذن له فيه.

وديات أعضاء أهل الذمّة وأروش جراحاتهم على قدر دياتهم سواء ، لا يختلف الحكم فيه.

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٤٧ ، من أبواب القصاص في النفس.

(٢) الاستبصار ، ج ٤ ، الباب ١٥٧ ، من كتاب الديات ، ص ٢٧١.

(٣) ج. تأولها.

٣٥٢

ودية جنين أهل الذمّة عشر دية آبائهم ، كما ان دية جنين المسلم كذلك على ما يأتي بيانه فيما بعد ان شاء الله تعالى.

وإذا قتل أهل الذمّة بعضهم بعضا أو تجارحوا قيد بينهم واقتص لبعضهم من بعض ، كما يقتص للمماليك بعضهم من بعض.

وديات رقيقهم ، قيمتهم ، ما لم يتجاوز قيمة (١) دية الحر الذميّ ، والأمة دية الحرة الذميّة ، فيرد إليهما.

وإذا قتل حر عبدا مسلما لم يكن عليه قود ، وكان عليه ديته ، وديته قيمة العبد يوم قتله ، الا ان تزيد على دية الحر المسلم ، فان زاد على ذلك ردّ إلى دية الحر ، وان نقص عنها لم يكن عليه أكثر من قيمته ، فان اختلفوا في قيمة العبد يوم قتله ، كان على مولاه البينة ، بأنّ قيمته كان كذا يوم قتل ، فان لم يكن له بينة ، كان القول ، قول القاتل ، مع يمينه ، لانه غارم ، ومدعى عليه ، وجاحد ، بان قيمته على ما ادعاه ، فان رد اليمين على مولى العبد ، كان ذلك أيضا جائزا ، وهو بالخيار في الردّ.

ودية الأمة المسلمة قيمتها ، ولا يتجاوز بقيمتها دية الحرائر من النساء ، فان زاد ثمنها على دية الحرة ، ردت الى ذلك ، وان كان أقل من دية الحرة ، لم يكن على قاتلها أكثر من ذلك ، وان قتله (٢) خطأ محضا كانت الدية على عاقلته على ما بيّناه.

فان قتل عبد حرا عمدا كان عليه القتل ، ان أراد أولياء المقتول ذلك ، فان لم يطلبوا القود ، وطلبوا الدّية فليس لهم الأنفس المملوك ، وعلى السيّد تسليمه إليهم ، فإن شاءوا استرقوه ، وان شاءوا قتلوه ، فإن أرادوا قتله ، تولى ذلك عنهم السلطان أو يأذن لهم فيه ، وان اصطلح أولياء المقتول وسيّد العبد ، على أخذ الدية من مال السيّد ، كان ذلك جائزا ، وان لم يفعل السيد ذلك ، فلا شي‌ء عليه ، وعليه تسليمه إليهم فقط ، فان استرقوه ورضوا باسترقاقه دون قتله ، فليس لهم بعد ذلك قتله ، وصار عبدا لهم ، وليس لهم بعد العفو عن قتله واسترقاقه قتله بحال.

فان كان قتله للحر خطأ محضا فليس السيّد عاقلة له ، بل ان شاء ان يؤدي عنه

__________________

(١) ل. قيمته.

(٢) ل. وان كان قتله ، والظاهر انه الصحيح.

٣٥٣

الدية ، فعل ذلك ، وان شاء ان يسلمه إليهم يكون رقا لهم ، وليس لهم قتله على حال.

وللسلطان ان يعاقب من يقتل العبيد بما ينزجر عن مثله في المستقبل.

فإذا قتل العبيد بعضهم بعضا أو تجارحوا أقيد بينهم واقتص لبعضهم من بعض ، الا ان يتراضى مواليهم بدون ذلك ، من الدية أو الأرش.

وإذا قتل مدبر حرا ، كانت الدية على مولاه الذي دبّره إن شاء واختار ورضى أولياء المقتول ، واختاروا أيضا ذلك ، فان لم يصطلحوا على ذلك ، وجب على مولاه تسليمه برمته ، إلى أولياء المقتول ، فان شاءوا قتلوه ، ان كان قتل صاحبهم عمدا ، وان شاءوا استرقوه ، فان كان قتله خطأ استرقوه ، وليس لهم قتله.

وروى انه إذا مات الذي دبّره ، استسعى في دية المقتول ، وصار حرا (١).

ولا دليل على صحة هذه الرواية ، لأنها مناقضة للأصول ، وهو انه خرج من ملك من دبّره ، وصار عبدا لأولياء المقتول ، فمن أخرجهم من ملكهم بعد دخوله فيه ، يحتاج الى دليل ، ولا دليل على ذلك ، ولا يرجع في ذلك الى اخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.

ويمكن ان تحمل الرواية على انه كان التدبير عن نذر واجب لا يجوز الرجوع فيه ، فإذا كان كذلك ، وكان القتل خطأ فإنّه بعد موت من دبّره ، يصير حرا ويستسعى في الدية ، فاما إذا كان التدبير لا عن نذر ، فهو على ما قررناه وحررناه ، فليلحظ ذلك ويتأمل.

والأقوى عندي في الجميع انه يسترق ، سواء كان عن نذر ، أو لم يكن ، لان السيّد ما رجع عن النذر ، وانما صار عبدا بحق.

ومتى قتل مكاتب حرا ، فان كان لم يؤد من مكاتبته شيئا ، أو كان مشروطا عليه وان ادى من مكاتبته شيئا فحكمه ، حكم المماليك سواء ، فان كان غير مشروط عليه وقد ادى من مكاتبته شيئا كان على مولاه من الدية بقدر ما بقي من

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب القصاص في النفس.

٣٥٤

كونه رقا ، وعلى امام المسلمين بمقدار ما تحرر منه ، وان شاء سيّده الذي بقي له منه شي‌ء تسليم ما يخصه إليهم ، كان له ذلك ، ولا يجبر على ديته بمقدار ما بقي من كونه رقا.

ومتى قتل حر مكاتبا وكان قد أدى من مكاتبته شيئا كان عليه ، بمقدار ما قد تحرر منه ، من دية الحر وبمقدار ما قد بقي منه من قيمة المماليك ، وليس عليه أكثر من ذلك ، ولا يقاد قاتله به على حال.

وذهب شيخنا في استبصاره في الجزء الثالث ، الى ان المكاتب المطلق ، إذا أدى نصف مكاتبته ، فهو بمنزلة الحر ، في الحدود ، وغير ذلك من قتل أو غيره ، من ان حكمه حكم الأحرار ، يجب على قاتله القود (١) ، معتمدا على خبر شاذ فتأوّله.

والصحيح ما ذهب إليه في نهايته (٢) ، لانه يعضده أصول مذهبنا.

وديات الجوارح والأعضاء وأروش جراحاتهم على قدر أثمانهم ، كما انها كذلك في الأحرار.

ويلزم قاتل العبد إذا كان العبد مسلما من الكفارة ما يلزم في قتل حر مسلم سواء ، من كفارة الجميع ، وهي عتق رقبة وصيام الشهرين المتتابعين وإطعام ستين مسكينا ، إذا كان قتله له عمدا.

فان كان خطأ كان عليه الكفارة الواحدة المرتبة ، على ما قدمناه في الحر سواء.

ومن قتل عبده متعمدا ، كان على الامام ان يعاقبه عقوبة تردعه عن مواقعة مثله في المستقبل ، ويغرمه قيمة العبد ، فيصدق بها على الفقراء ، وكان عليه بعد ذلك كفارة قتل العمد ، وهي كفارة الجمع المقدم ذكرها.

فان كان قتله له خطأ لم يكن عليه الّا الكفارة ، حسب ما قدمناه من أحد الأجناس الثلاثة ، على الترتيب.

ومتى جرح إنسان عبدا ، أو قطع شيئا من أعضائه مما يجب فيه قيمته على الكمال ، وجب عليه قيمته ، ولا يتجاوز بها دية الأحرار ، ويأخذ العبد ، يكون رقا له.

__________________

(١) الاستبصار ، ج ٤ ، الباب ١٦٢ ، من كتاب الديات ، ص ٢٧٧.

(٢) النهاية ، كتاب الديات ، باب القود بين الرجال والنساء ، والعبيد والأحرار ..

٣٥٥

ولا يجوز للمولى ان يمسكه ويطالب بقيمته ، بل هو بالخيار بين ان يأخذ قيمته ويسلّمه إلى الجاني يكون رقا له وبين ان يمسكه ولا شي‌ء له ، لئلا يجمع بين البدل والمبدل.

وليس كذلك إذا جنى الحر على العبد ، بما هو دون ثمنه ، وديته التي هي قيمته ، فإنه عند هذه الحال لا يكون صاحبه في دفعه الى الجاني بالخيار ، بل له دية ما جرحه وقطعه ، ويمسك عبده.

فاما إذا قطع رجل يد عبد ، وقطع رجل أخر يده الأخرى ، فالذي يقتضيه مذهبنا وأصوله ، ان سيده لا يكون هاهنا بالخيار في إمساكه ، ولا شي‌ء له على القاطعين ، وبين تسليمه إليهما ، وأخذ قيمته منهما ، بل يكون له على كل واحد منهما نصف قيمته ، ولا يجب عليه تسليمه إليهما ، بل هو له.

وحمل ذلك على القاطع الواحد قياس ، ونحن لا نقول به ، بل نقف ونأخذ بعين ما ورد لنا في ذلك.

وقال شيخنا في مبسوطة وان قطع يدي عبد ، كان عليه كمال قيمته ، وتسليم العبد عندنا ، وإذا قطع رجل رجل عبد ، والأخر يده كان عليهما كمال قيمته ، على كل واحد منهما نصفه ، ويمسك المولى العبد هاهنا بلا خلاف ، وفي الأول خلاف وفيهم من سوى بين المسألتين فجعل العبد بين الجانيين وهو الأقوى هذا أخر كلامه (١).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله ما قوّاه أضعف من التمام ، بل الأول ، الصحيح.

وقد روى انه متى قتل عبد حرين ، أو أكثر منهما ، أو جرحهما جراحة تحيط بثمنه ، واحدا بعد الأخر ، كان العبد لأولياء الأخير لأنه إذا قتل واحدا يصير لأوليائه ، وإذا قتل الثاني انتقل إلى أولياء الثاني ، ثم هكذا بالغا ما بلغ (٢).

__________________

(١) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الجراحات ، ص ١٠٨ ، والعبارة هكذا وان قطع يدي عبد أو رجليه كان عليه كمال قيمته ويسلم العبد عندنا وعند جماعة يمسكه مولاه ، إذا قطع رجل يد عبد والآخر يده الأخرى كان عليهما كمال قيمته ، على كل واحد منهما نصفه وتمسك المولى العبد هاهنا بلا خلاف ، وفي الأول خلاف ، وفيهم من سوّى بين المسألتين ، فجعل العبد بين الجانيين وهو الأقوى.

(٢) الوسائل ، الباب ٤٥ من أبواب القصاص في النفس ، ج ٣.

٣٥٦

والوجه في هذه الرّواية ، ان يكون أولياء الأوّل اختاروا استرقاقه ورضوا بذلك ، وعفوا عن قتله ، فحينئذ يصير مملوكا لهم ، فإذا قتل الثاني ، صار مملوكا ، لأوليائه ان اختاروا ذلك ، والّا لهم قتله ، ولا يدخل في ملك واحد من القبيلين بغير اختياره ، فامّا إذا لم يختر أولياء الأول استرقاقه ، ولا عفوا عن قتله ، ثم قتل الثاني ، فمن سبق الى قتله ، كان له ذلك ، لقوله تعالى « فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » (١) فليلحظ ذلك.

والى ما حررناه واخترناه ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في الجزء الثالث من الاستبصار (٢) ، وعاد عما أطلقه ، في نهايته (٣) ، وذهب اليه الا انه لما أورد الرّواية التي فيها انه لأولياء الأخير من المقتولين ، قال هذا الخبر ينبغي ان نحمله على انه انما يصير لأولياء الأخير ، إذا حكم بذلك الحاكم ، فاما قبل ذلك ، فإنه يكون بين أولياء الجميع.

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله وأي فائدة وأثر في الحاكم وحكمه ، ان أراد رحمه‌الله بقوله ـ حكم الحاكم ـ ثبت (٤) عنده ، فما يكون الاحكام الّا بعد ثبوتها ، وان أراد حكم الحاكم باسترقاق العبد القاتل ، فلا حكم للحاكم في ذلك ، ولا مدخل ولا قول ، بل الاختيار في ذلك الى الأولياء ، بين القتل والاسترقاق ، ولا مدخل للحاكم في ذلك (٥).

ومتى قتلهما بضربة واحدة ، أو جناية واحدة ، كان بين أوليائهما على ما حررناه ، وليس على مولاه أكثر من تسليمه إليهما.

ومتى جرح عبد حرا فان شاء الحرّ أن يقتص منه ، كان له ذلك ، فان شاء أخذه ان كانت الجراحة تحيط برقبته ، وان كانت لا تحيط برقبته ، افتداه مولاه ، فان ابى مولاه ذلك ، كان للحر المجروح من العبد بقدر أرش جراحته ، والباقي لمولاه ، يباع العبد ، فيأخذ المجروح حقه ، ويرد الباقي على المولى.

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ٣٣.

(٢) الإستبصار ، ج ٤ ، الباب ١٥٩ ، من كتاب الديات ، ص ٢٧٤.

(٣) النهاية ، كتاب الديات ، باب القود بين الرجال والنساء والعبيد والأحرار ..

(٤) ج. انّه ثبت.

(٥) ج. في ذلك بلا خلاف.

٣٥٧

وإذا قتل عبد مولاه ، قيد به ، على كل حال.

وإذا كان لإنسان مملوكان قتل أحدهما صاحبه ، كان بالخيار ، بين ان يقيده به ، أو يعفو عنه.

ولا قصاص بين المكاتب الذي أدّى من مكاتبته شيئا ، وبين العبد ، كما لا قصاص بين الحر والعبد ، ويحكم فيهما بالدية والأرش حسب ما يقتضيه حساب المكاتب على ما بيّناه.

وإذا قتل عبد حرا خطأ فأعتقه مولاه ، جاز عتقه ولزمه دية المقتول ، لانه عاقلته على ما بيّناه ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (١).

وقد قلنا نحن ان المولى لا يعقل عن عبده ، وانما مقصود شيخنا إذا أعتقه تبرعا ، فإنه مولاه ، وله ولاؤه ، وهو يعقل عنه بعد ذلك ، الّا انه في حال ما قتل الحر لم يكن السيّد عاقلته ، ولا يجب على السيد سوى تسليمه الى أولياء المقتول ، حسب ما قدمناه فإنه عبدهم ، وهم مستحقون له ، الّا ان يتبرع المولى ويفيده بالدية ، فإذا فداه وضمن عنه ما جناه ، جاز له حينئذ عتقه ، والتصرف فيه ، وقبل ذلك لا يجوز له شي‌ء من ذلك ، لانه قد تعلق به حق للغير ، فلا يجوز إبطاله ، الا ان يضمن عنه ، وكذلك لا يجوز بيعه ، قبل الضمان عنه ، ولا رهنه.

وشيخنا أبو جعفر قائل بذلك ، موافق عليه ، لانه قال في الجزء الثاني من مسائل خلافه في كتاب الرهن مسألة إذا جنى العبد جناية ثم رهنه بطل الرهن سواء كانت الجناية عمدا ، أو خطأ أو توجب القصاص ، أو لا توجبه ، ثم قال دليلنا على بطلانه إذا كان عمدا انه إذا كان كذلك فقد استحق المجني عليه العبد وان كان خطأ تعلق الأرش برقبته فلا يصح رهنه (٢) هذا أخر كلامه رحمه‌الله.

فكيف يصح ما قاله في نهايته وإطلاق كلامه ـ بأنه عاقلته وانه يجوز عتقه قبل ضمان الدية عنه ـ فليلحظ ذلك ، فما يورده في نهايته في كتاب الديات ،

__________________

(١) النهاية ، كتاب الديات ، باب القود بين الرجال والنساء والعبيد والأحرار ..

(٢) الخلاف ، كتاب الرهن ، مسألة ٢٨.

٣٥٨

معظمه اخبار آحاد وقد بيّنا انها لا توجب علما ولا عملا ، وقد رجع عن أكثره في مبسوطة ومسائل خلافه.

باب من لا يعرف قاتله ، ومن لا دية له إذا قتل ، والقاتل

في الحرم والشهر الحرام

من مات في زحام عبور على جسور ، أو زيارات قبور الأئمة عليهم‌السلام أو في أبواب الجوامع يوم الجمعات ، أو أبواب المشاهد ، أيام الزيارات ، ومقامات عرفات وما أشبه ذلك ، من المواضع التي يتزاحم النّاس فيها ، ولا يعرف قاتله ، ولا واكزه ، كانت ديته ، على بيت مال المسلمين ، ان كان له ولى يطلب ديته ، فان لم يكن له ولي ، فلا دية له.

ودية القتيل الموجود في القرية أو المحلة المتميّزة ، أو الدرب ، أو الدار ، أو القبيلة ، ولا يعرف له قاتل بإقرار ، أو بيّنة ، على أهل المحل الذي وجد فيه ، فان وجد بين القريتين ، أو الدارين ، أو المحلتين ، أو القبيلتين ، فديته على أقربهما إليه ، فإن كان وسطا ، فالدية نصفان.

وروى أصحابنا انه إذا كانت القريتان ، متساويتين إليه ، في المسافة كانت ديته ، على أهل الموضع الذي وجد فيه قلبه وصدره ، وليس على الباقين شي‌ء ، الّا ان يتهم اخرون ، فيكون حينئذ الحكم فيهم ، إما إقامة البينة (١) ، أو القسامة ، على الشرح الذي قدمناه.

قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في الجزء الثالث من الإستبصار في باب المقتول في قبيلة أو قرية ، أو رد ثلاثة اخبار بان على أهل القرية ، أو القبيلة ، الدية ، ثم قال قال محمّد بن الحسن الوجه في هذه الاخبار انه انما يلزم أهل القربة أو القبيلة إذا وجد القتيل بينهم ، متى كانوا متّهمين بالقتل ، وامتنعوا من القسامة حسب ما بيّناه ، في كتابنا الكبير ، فإذا لم يكونوا متهمين ، أو أجابوا إلى القسامة ، فلا دية

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٨ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به.

٣٥٩

عليهم ، وتؤدى ديته من بيت المال ، (١) هذا آخر كلامه.

والى هذا القول اذهب ، وبه أفتى ، لأن لوجود القتيل بينهم لوث ، فيقسم أولياؤه ، مع اللّوث وقد استحقوا ما يقسمون عليه ، وهذا الذي يقتضيه أصول مذهبنا.

فإذا دخل صبيّ دار قوم ، فوقع في بئرهم فإن كانوا متّهمين بعداوة بينهم وبين اهله ، كانت عليهم ديته ، ان كان دخل عليهم بإذنهم ، ويجري ذلك مجرى اللّوث المقدم ذكره ، وتكون الدية المقدم ذكرها بعد القسامة منهم ، فان كانوا مأمونين ، أو دخل عليهم بغير اختيارهم ، لم يكن عليهم شي‌ء ، سوى اليمين ، انهم لم يقتلوه ، لان هذه دعوى عليهم محضة.

وقد روى انّه إذا وقعت فزعة بالليل فوجد فيهم قتيل ، أو جريح ، لم يكن فيه قصاص ، ولا أرش جراح ، وكانت ديته على بيت مال المسلمين (٢).

هذا إذا لم يتّهم قوم فيه ويكون ثمّ لوث على ما بيّناه.

وإذا وجد قتيل في أرض فلاة كانت أيضا ديته على بيت المال.

وقد روى انه إذا وجد قتيل ، في معسكر ، ـ بفتح الكاف ـ أو في سوق من الأسواق ، ولم يعرف له قاتل ، كانت أيضا ديته على بيت مال المسلمين (٣) ، الّا ان يكون هناك لوث على رجل بعينه ، أو قوم بأعيانهم ، فيجب على الأولياء القسامة ، حسب ما قدمناه.

والفرق بين القبيلة ، والقرية ، وبين المعسكر والسوق ، على هذه الرواية ، ان القرية متميزة ، وكذلك القبيلة لا يختلط بهم سواهم ، وليس كذلك السّوق والمعسكر ، يمكن ان يكون الوجه في هذه الرواية ، ما قدمناه.

ومن طلب إنسانا على نفسه ، أو ماله ، فدفعه عن نفسه ، فادى ذلك الى قتله ، فلا دية له ، وكان دمه هدرا.

__________________

(١) الاستبصار ، ج ٤ ، الباب ١٦٣ ، من كتاب الديات ، ص ٢٧٨.

(٢) الوسائل ، الباب ٦ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ، ح ٣ ـ ٤.

(٣) لا توجد الّا انها أوردها الشيخ قدس‌سره في النهاية ، كتاب الديات ، باب من لا يعرف قاتله.

٣٦٠