كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

وحكم أولاد الاخوة والأخوات وان نزلوا ، حكم آبائهم وأمهاتهم في الاستحقاق ، ومشاركة الأجداد ، وحجب من سواهم ، واعتبار الأقرب منهم فالأقرب ، فالأخ من الأب أو الأب والام ، مع الجد للأب أو للأب والام ، بمنزلة الأخ مع الأخ ، والأخت من هذا النسب مع الجد المذكور بمنزلة الأخت مع الأخ ، والجدة من هذا النسب المذكور مع الأخ أيضا من هذا النسب ، بمنزلة الأخت مع الأخ ، والجدة مع الأخت بمنزلة الأخت مع الأخت ، فاما ان كان الأخ من الام فحسب ، فقد قدمنا (١) حكمه ، وكذلك ان كان الجد من الام مع هؤلاء المقدم ذكرهم ، فقد قدمنا (٢) أيضا حكمهم وحررناه وشرحناه فيما مضى فليلحظ من هناك ، فلا وجه لا عادته فان لم يكن أحد من هؤلاء وجب تقديم الأعمام والعمّات والأخوال والخالات ، أو واحد منهم على غيرهم من القرابات ، الا من استثنيناه ، وحكم الأولاد منهم وان نزلوا ، حكم آبائهم وأمهاتهم على ما قدمناه (٣) ، إلا في مشاركة الأخوال أو الأعمام وفيما رواه (٤) أصحابنا واجمعوا عليه من ان ابن العم للأب والام ، أحق بالميراث من العم للأب ، فإنّهم أجمعوا على عين هذه المسألة وصورتها فحسب ، فان كان عوض العم المذكور فيها عمة للأب ، كان الميراث لها دون ابن العم الذي للأب والام ، لأنّهم ما أجمعوا الا على صورة المسألة المقدم ذكرها ، وكذلك لو كان خال وعم للأب ، وابن العم للأب والام ، كان المال للعم والخال للعم الثلثان ، وللخال الثلث ، وسقط ابن العمّ للأب والام ، وكذلك لو كان خال وابن العم المقدم ذكره ، كان الميراث للخال دون ابن العم المذكور في المسألة.

وقال شيخنا أبو جعفر في استبصاره في تأويل خبر أورده ، وهو رجل مات ولم يخلف الا بني عم ، وبنات عم ، وعم أب وعمتين لمن الميراث؟ فكتب أهل العصبة وبنو العم هم وارثون ، قال شيخنا فالوجه في هذا الخبر أحد شيئين ، أحدهما ان نحمله على التقية ، لأنه موافق لمذهب العامة لأن المتقرر من مذهب الطائفة ان الأقرب

__________________

(١) و (٢) و (٣) في ص ٢٣٢.

(٤) الوسائل ، الباب ٤ ـ ٥ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال.

٢٤١

اولى بالميراث من الأبعد ، فإذا ثبت ذلك فالعمتان أولى ، لأنهما أقرب من ابن العم ومن عم الأب ، والوجه الآخران يكون هذا الحكم يختص إذا كان بنو العمّ لأب وأم والعم أو العمة للأب خاصة (١).

قال محمّد بن إدريس قوله ـ أو العمة ـ غير صحيح ، لأن الإجماع منعقد على العم دون العمة.

وقد رجع شيخنا عن هذا في المسائل الحلبيّة ، فقال المسألة السّادسة ، ان ابن العم للأب والام ، مع العم للأب ، المال لابن العم ، فان كان معه اخوة ، كان بينهم ، فان كان مكان ابن العم (٢) للأب عمة للأب ، أو عم للأم ، كان المال لمن كان من قبل الأم أو الأب ، دون ابن العم للأب والام ، ولا نحمل على تلك المسألة غيرها لبطلان القياس ، ولو لا إجماع الفرقة عليها لما قلنا بها لأنها تخالف الأصول ، فينبغي ان يكون الفتيا مقصورا عليها ، هذا أخر كلام شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله (٣).

فلا يجوز لنا ان نتعدى عن المسألة وصورتها وصيغتها ، ولا نقيس غيرها عليها ، لان القياس عندنا باطل ، كما قال.

فان عدم هؤلاء الوراث فالمستحق من له الولاء بالعتق المتبرع به ، أو الولاء بتضمن الجريرة دون ولاء الإمامة ، لان ولاء الإمامة لا يستحق به الإرث الأبعد الولائين المقدم ذكرهما.

ولا يستحق أيضا الإرث في جميع أقسام الولاء الثلاثة ، إلا بعد عدم جميع ذوي الأنساب ، دون الأسباب إلا في ولاء لامامة ، فإن الإمام لا يستحقه الا مع عدم جميع ذوي الأنساب أيضا ، دون الأسباب إلا سبب واحد ، وهو الزوج ، فإن الإمام لا يستحق من الإرث بولاء الإمامة شيئا مع الزوج ، لإجماع أصحابنا على ذلك ، فاما مع الزوجة فإنّه يستحق ما بقي بعد سهمها وفرضها بغير خلاف من محصّل متأمل ،

__________________

(١) الإستبصار ، ج ٤ ، الباب ١٠١ من ميراث الاولى من ذوي الأرحام ، ح ٣.

(٢) ج ، ل : مكان العم.

(٣) لم تتوفر لدينا هذه المسائل.

٢٤٢

إلا رواية (١) شاذة لا يلتفت إليها ، ولا يعرج عليها.

فان شيخنا أبا جعفر ذكر في نهايته قال : فإذا خلفت زوجا ولم تخلف غيره من ذوي رحم قريب أم بعيد ، كان للزوج النصف بنص القرآن (٢) ، والباقي رد عليه بالصحيح من الاخبار (٣) عن أئمة آل محمّد عليهم‌السلام.

وإذا خلف الرجل زوجة ولم يخلف غيرها من ذي رحم قريب أو بعيد كان لها الربع بنص القرآن (٤) والباقي للإمام (٥) ، وقد روي (٦) ان الباقي يرد عليها ، كما يرد على الزوج (٧).

وقال بعض (٨) أصحابنا في الجمع بين الخبرين هذا الحكم مخصوص بحال غيبة الامام ، وقصور يده ، فاما إذا كان ظاهرا ، فليس للمرأة أكثر من الربع ، والباقي له على ما بيناه ، وهذا وجه قريب من الصّواب.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله مصنّف هذا الكتاب : ما قرّبه شيخنا أبعد ممّا بين المغرب ، والمشرق ، لان تخصيص الجامع بين الخبرين بما قد ذهب اليه ، يحتاج فيه الى دلالة قاهرة ، وبراهين متظاهرة ، لان أموال بنى أدم ومستحقّاتهم لا يحل بغيبتهم ، لان التصرف في مال الغير بغير اذنه قبيح عقلا وسمعا.

وشيخنا أبو جعفر فقد رجع عمّا قربه في إيجازه ، فقال ذوو السّهام على ضربين ، ذو والأنساب ، وذو والأسباب ، فذو والأسباب هم الزوج والزوجة ، ولهما حالتان ، حالة انفراد بالميراث ، وحالة اجتماع ، فإذا انفردوا كان لهم سهمهم المسمّى ، ان كان زوجا النصف ، والرّبع ان كانت زوجة ، والباقي لبيت المال ، وقال أصحابنا ان الزوج وحده يرد عليه الباقي بإجماع الفرقة على ذلك ، هذا أخر كلامه في

__________________

(١) و (٦) الوسائل ، الباب ٤ من أبواب ميراث الأزواج ، ح ٦ ـ ٩.

(٢) و (٤) سورة النساء ، الآية ١٢.

(٣) الوسائل ، الباب ٣ ، من أبواب ميراث الأزواج.

(٥) الوسائل ، الباب ٤ من أبواب ميراث الأزواج ، ح ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٧ ـ ٨.

(٧) النهاية ، باب ميراث الأزواج.

(٨) وهو ابن بابويه على ما نقله في الوسائل ذيل الحديث ٩ من الباب ٤ من أبواب ميراث الأزواج.

٢٤٣

الإيجاز (١).

وقال شيخنا المفيد في مقنعته ، في أخر باب ميراث الاخوة والأخوات ، وإذا لم يوجد مع الأزواج قريب ولا نسيب للميّت ، ردّ باقي التركة على الأزواج (٢).

إلّا انّه رحمه‌الله رجع عن ظاهر كلامه وإجماله ، في كتابه كتاب الاعلام ، فقال في باب ميراث الأزواج : واتفقت الإماميّة على ان المرأة إذا توفيت وخلفت زوجا ولم تخلف وارثا غيره من عصبة ولا ذي رحم انّ المال كله للزوج ، النّصف منه بالتسمية ، والنصف الآخر مردود عليه بالسنّة هذا أخر كلامه رحمه‌الله (٣).

والى ما اخترناه ذهب السيّد المرتضى في انتصاره ، فقال مسألة وممّا انفردت به الإماميّة ، ان الزوج يرث المال كله إذا لم يكن وارث سواه ، فالنصف بالتّسمية ، والنصف الآخر بالردّ ، وهو أحق بذلك من بيت المال ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ، وذهبوا كلهم الى ان النصف له ، والنصف الأخر لبيت المال ، والحجة في ذلك إجماع الطائفة عليه ، فإذا قيل كيف يرد على من لا قرابة له ولا نسب ، وانما يرث بسبب ، وانما يرد على ذوي الأرحام ، ولو جاز ان يرد على الزوج ، لجاز ان يرد على الزوجة حتى تورث جميع المال ، إذا لم يكن وارث سواها ، قلنا الشرع ليس يؤخذ قياسا ، وانما يتبع فيه الأدلة الشرعية ، وليس يمتنع ان يرد على من لم يكن ذا رحم وقرابة إذا قام الدليل على ذلك ، واما الزوجة فقد وردت رواية (٤) شاذة بأنّها ترث المال كله إذا انفردت كالزوج ، ولكن لا يعول على هذه الرّواية ، ولا تعمل الطائفة بها ، وليس يمتنع ان يكون للزوج مزية في هذا الحكم على الزّوجة ، كما كان له مزيّة عليها في تضاعف حقه على حقّها ، هذا أخر كلامه رحمه‌الله (٥).

ويقوم ولد المعتق الذكور منهم والإناث وجميع من يرثه من ذوي الأنساب على حد واحد مقامه ، إلّا الاخوة والأخوات من الأم أو من يتقرب بها من الجد والجدة

__________________

(١) الإيجاز ، فصل في ذكر سهام المواريث ، ص ٢٧٠ ، ط. الحديث.

(٢) المقنعة ، باب ميراث الاخوة والأخوات ص ٦٩١.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) الوسائل ، الباب ٤ ، من ميراث الأزواج ، حديث ٦ ـ ٩.

(٥) الانتصار ، كتاب الفرائض والمواريث والوصايا ..

٢٤٤

والخال والخالة وأولادهما على الصّحيح من المذهب ، سواء كان المعتق المباشر للعتق رجلا أو امرأة ، لأنه الذي يقتضيه أصل مذهبنا (١).

وفي أصحابنا من قال انه لا ترث النساء من الولاء شيئا ، وانما يرثه الذكور من الأولاد والعصبة إذا لم يكن أولاد ذكور ، هذا إذا كان المعتق رجلا.

فامّا إذا كان المعتق امرأة فلا يرث أولادها من ولاء مواليها شيئا ، بل يرث الولاء العصبة دون أولادها ، سواء كان الأولاد ذكورا أو إناثا.

وذهب بعض أصحابنا إلى انه إذا كان المعتق رجلا يرث ولاء مواليه أولاده الذكور دون الإناث منهم ، فان لم يكن له أولاد ذكور ، كان الولاء للعصبة ، فإن كان المعتق امرأة ، ورث ولاء مواليها أولادها الذكور دون الإناث ، فان لم يكن ذكور فان الولاء للعصبة ، مثل ما قال إذا كان المعتق رجلا ، وهذا اختيار شيخنا المفيد في مقنعته (٢).

وقال الحسن بن أبي عقيل يرث الولاء جميع ورثة المعتق ، وذكر اختلاف الشيعة في ذلك ، فقال الأكثرون منهم بما أوردناه عنه ، ثم قال : وهذا مشهور متعالم (٣).

قال محمّد بن إدريس والثاني (٤) اختيار شيخنا في نهايته (٥) والأول اختياره في مسائل خلافه ، فإنه قال مسألة الولاء يجري مجرى النسب ، ويرثه من يرث من ذوي الأنساب على حد واحد ، إلا الاخوة والأخوات من الأم ، أو من يتقرب بها من الجد والجدة والخال والخالة ، وأولادهما ، وفي أصحابنا من قال انه لا ترث النساء من الولاء شيئا وانما يرثه الذكور من الأولاد والعصبة ، ثم استدل ، فقال دليلنا إجماع الفرقة وأيضا قوله عليه‌السلام ـ الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ـ (٦) (٧) ، اللحمة بضم اللام ، القرابة ولحمة الثوب تفتح وتضم.

__________________

(١) ج. أصول مذهبنا.

(٢) المقنعة ، باب ميراث الموالي وذوي الأرحام ٦٩٤.

(٣) ج. متعارف.

(٤) بل الأول كما ان مختاره في الخلاف الثاني.

(٥) النهاية ، كتاب الميراث ، باب ميراث الموالي ..

(٦) الخلاف ، كتاب الفرائض ، مسألة ٨٤.

(٧) الوسائل ، الباب ٤٢ ، من كتاب العتق ، ح ٢ ، وفي المصدر ، لاتباع ولا توهب.

٢٤٥

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله وهذا الخبر مجمع عليه ، متلقى بالقبول عند المخالف والمؤالف ، ومن المعلوم ان في النسب يرث جميع ذوي الأنساب على حد واحد ، الّا ما خرج بالإجماع من كلالة الأم ومن يتقرب بها على ما قدمناه.

فصل

في تفصيل احكام الورّاث مع الانفراد والاجتماع

قد بينا ان أول المستحقين الأبوان ، والولد ، فالأبوان إذا انفردا من الولد كان المال كله لهما ، للأم الثلث ، والباقي للأب ، والمال كله لأحدهما إذا انفرد ، فان كان معهما زوج أو زوجة ، فللأم الثلث من أصل التركة بالتسمية ، والباقي بعد سهم الزوج أو الزوجة للأب بآية اولي الأرحام.

يدل على ذلك بعد إجماعنا قوله تعالى « فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ » (١) وهذا نصّ في موضع الخلاف ، لانه لا يفهم من إيجاب الثلث لها الا الثلث من الأصل ، كما لا يفهم من إيجاب النصف للبنت أو الزوج مع عدم الولد الّا ذلك.

وأيضا فإنه تعالى لم يسم للأب مع الأم شيئا ، وانما يأخذ الثلثين ، لان ذلك هو الباقي بعد المسمى للأم ، لا لأنه الذي لا بدّ أن يستحقه ، بل الذي اتفق له ، فإذا دخل عليهما زوج أو زوجة ، وجب ان يكون النقص داخلا على من له ما يبقى وهو الأب ، كما ان له الزيادة دون صاحب السهم المسمّى وهو الام ، ولو جاز نقصها عمّا سمي لها في هذا الموضع ، لجاز ذلك في الزوج أو الزوجة ، وقد علمنا خلاف ذلك.

وحمل المخالف الآية على ان المراد للأم الثلث مع الأب إذا لم يكن وارث غيرهما ، ترك للظاهر من غير دليل.

وقولهم لما ورث الأبوان بمعنى واحد وهو الولادة ، وكانا في درجة واحدة ، اشبها

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١١.

٢٤٦

الابن والبنت ، فلم يجز ان يفضّل الأنثى على الذكر ، قياس لا يجوز ان يثبت به الأحكام الشرعية.

ثم لو منع ذلك من التفضيل ، منع (١) من التساوي كما منع في الابن والبنت منه ، وقد علمنا نساوي الأبوين.

وقولهم إذا دخل على الأبوين من يستحق بعض المال ، كان الباقي بعد أخذ المستحق بينهما على ما كان في الأصل كالشريكين في مال لأحدهما ثلثه ، وللآخر ثلثاه ، استحق عليهما بعضه ، ليس بشي‌ء لأن الشريكين قد استحق كل واحد منهما سهما معيّنا ، فإذا استحق من المال شي‌ء كان ما يبقى بينهما على قدر سهامهما المسماة المعينة ، وليس كذلك ما نحن فيه ، لأنا قد بيّنا أن الأب لا يأخذ الثلثين ، بالتسمية ، ولا هما سهمه الذي لا بدّ أن يستحقه ، وانما له الفاضل بعد ما سمي للأم ، فاتفق انه الثلثان.

وبهذا نجيب عن قولهم ، إذا أدخل النقص على الابن والبنت معا لمزاحمة الزوج أو الزوجة ، فكذلك يجب في الأبوين ، لأن الله سبحانه وتعالى قد صرح في الابن والبنت بان ( لِلذَّكَرِ ) مثل ( حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ، فوجب ان يكون القسمة بينهما على ذلك في كل حال ، ولم يصرح بأن للأب في حال الانفراد من الولد الثلثين ، وانما أخذهما اتفاقا ، فافترق الأمران.

فإن كان مع الأبوين أخوان ، أو أربع أخوات ، أو أخ وأختان لأب ، أو لأب وأم ، قد انتفت (٢) عنهم الصفات الثلاث المقدم ذكرها ، فالام محجوبة عن الثلث الى السدس بدليل إجماع أهل البيت عليهم‌السلام وأيضا فلا خلاف في صحة الحجب بمن ذكرناه ، وليس كذلك الحجب بمن عداهم.

وقوله تعالى « فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ » (٣) وان تناول ظاهره الاخوة من الأم ، فانا نعدل عن الظاهر للدليل ، وهذا جوابنا على من قال انه لا يحجب بأقل من ثلاثة من الاخوة ، وتمسّك بظاهر الآية ، وان أقل الجمع ثلاثة.

__________________

(١) ج. ل. لمنع.

(٢) ج : فقد انتفت.

(٣) سورة النساء ، الآية ١١.

٢٤٧

وللأبوين مع الولد الثلث بينهما بالسوية ، ولأحدهما السدس واحدا كان الولد أو أكثر ، ذكرا كان أو أنثى ، ولد صلب كان أو غيره ، الّا انه ان كان ذكرا فله جميع الباقي بعد سهم الأبوين ، وان كان ذكرا وأنثى ، ( فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ، وهذا كله بلا خلاف.

وان كان أنثى فلها النصف ، والباقي يرد عليها وعلى الأبوين بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » (١) وإذا كانت البنت والأبوان أقرب الى الميت ، واولى برحمة من عصبته ، ومن امام المسلمين وبيت المال ، كانوا أحق بميراثه.

ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام « المرأة تحوز ميراث ثلاثة ، عتيقها ، ولقيطها ، وولدها (٢) ، وهي لا تحوز جميعه الّا بالردّ ».

وبما رووه من انه عليه‌السلام جعل ميراث ولد الملاعنة لأمه ولذرّيّتها من بعدها (٣) ، وظاهر ذلك ان جميعه لها ، ولا يكون لها ذلك الا بالرد.

وبما رووه عن سعد انّه قال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ان لي مالا كثيرا وليس يرثني الّا بنتي ، أفأوصي بمالي كله؟ قال لا ، قال فبالنصف؟ قال لا ، قال فبالثلث؟ قال الثلث ، والثلث كثير (٤) ، فأقره عليه‌السلام على قوله ليس يرثني إلا بنتي ، ولم ينكر عليه.

وروي هذا الخبر بلفظ أخر ، وانه قال أفأوصي بثلثي مالي والثلث لبنتي؟ قال لا ، قال أفأوصي بنصف مالي والنصف لبنتي؟ قال لا ، قال أفأوصي بثلث مالي

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٧٥.

(٢) سنن ابن ماجة ، الباب ١٢ من كتاب الفرائض ، الرقم ٢٧٤٢ ( ج ٢ ، ص ٩١٦ ). الترمذي ، الباب ٢٣ من كتاب الفرائض ، ( الرقم ٢١١٥ ، ج ٤ ، ص ٤٢٩ ) سنن أبي داود ، كتاب الفرائض ، باب ميراث ولد الملاعنة ، الحديث ١ ( الرقم ٢٩٠٦ ، ج ٣ ، ص ١٢٥ ).

(٣) سنن أبي داود ، كتاب الفرائض ، باب ميراث ولد الملاعنة ، الحديث ٢ و ٣ ( الرقم ٨ ـ ٢٩٠٧ ، ج ٣ ، ص ١٢٥ ).

(٤) النسائي ، باب الوصية بالثلث من كتاب الوصايا ، الجزء ٦ ، ص ٢٤٤.

٢٤٨

والثلثان لبنتي؟ قال الثلث والثلث كثير (١).

وهذا يدل على ان البنت ترث الثلثين ، وقول المخالف ان الله جعل للبنت الواحدة النصف فكيف يزاد على ذلك ، لا حجة فيه ، لأنها تأخذ النصف بالتسمية ، وما زاد عليه بسبب أخر وهو الرد بالرحم ، ولا يمتنع ان ينضاف سبب الى آخر كالزوج ، إذا كان ابن عم ، ولا وارث معه فإنّه يرث النصف بالزوجية ، والنصف الآخر عندنا بالقرابة ، وعند المخالف بالعصبة.

فإن كان مع الأبوين ابنتان فما زاد ، كان لهما الثلثان ، وللأبوين السدسان ، ولأحد الأبوين معهما السدس ، والباقي رد عليهم بحساب سهامهم ، فان كان هناك اخوة يحجبون الام ، لم يرد عليها من فاضل الفريضة شي‌ء ، ورد ذلك على الأب والبنت فحسب.

إذا خلف بنتا وأبوين ، واخوة يحجبون الام ، فهاهنا لا يرد من الفاضل على السّهام شي‌ء على الام ، ورد على الأب والبنت.

فان كان مع الأبوين والولد زوج أو زوجة ، كان للولد ما يبقى بعد سهم الأبوين ، والزّوج أو الزّوجة ، واحدا كان الولد أو جماعة ، ذكرا كان أو أنثى ، للصلب كان أو لغيره ، فان لم يف الباقي بالمسمى للبنت أو للابنتين ، ويكون النقص داخلا على البنت أو ما زاد عليها ، دون الأبوين ، ودون الزوج أو الزوجة ، لأن الأمة بأجمعها تذهب الى ان للبنت (٢) أو البنتين منقوصات وما أجمعت على ان الأبوين والزوج منقصون (٣) ، بل أجمعت على انهم هاهنا مسمون بظاهر التنزيل ، فعملنا بالقرآن هاهنا وخصصنا البنات بالنقص ، وان كنّ مسميات بالإجماع من الأمّة ، وليس معنا في حق الأبوين والزوج إجماع منعقد ، بحيث يخصصهم به ، فوفينا الظاهر حقه ، وعملنا بكتاب الله ، وبإجماع الأمة ، وهذه من مسائل العول التي يذهب المخالفون فيها إلى إدخال النقص على جميع ذوي السّهام ، ويشبهون ذلك بمن مات وعليه

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، الباب ٩ من كتاب الوصايا ، ح ٢ ، باختلاف يسير.

(٢) ج. ق. البنت.

(٣) ج. منقوصون.

٢٤٩

ديون لا تتسع تركته لوفائها.

والعول في اللغة عبارة عن الزيادة والنقصان معا ، فإن أضيف هاهنا الى المال كان نقصانا ، وان أضيف إلى السّهام كان زيادة ، دليلنا على ما ذهبنا إليه ، إجماع أهل البيت عليه.

وأيضا فلا خلاف ان النقص هاهنا داخل على البنات على ما قدمناه ، ولا دليل على دخوله هاهنا على من عداهن من إجماع ولا غيره ، فوجب البقاء فيهم على الأصل الذي اقتضاه ظاهر القرآن ، ومحكم التبيان.

وأيضا فدخول النقص على جميع ذوي السّهام تخصيص لظواهر كثيرة من القرآن ، وعدول عن الحقيقة فيها الى المجاز ، ودخوله على البعض رجوع عن ظاهر واحد ، فكان أولى.

فإذا ثبت ان نقص البعض اولى ، ثبت انّه الّذي عيناه ، لان كل من قال بأحد الأمرين ، قال بالآخر ، والقول بان المنقوص غيره ، مع القول بان نقص البعض اولى ، خروج عن الإجماع.

وفي أصحابنا من يقول في هذا الموضع انّ الله تعالى انما فرض للبنتين الثلثين مع الأبوين فقط إذا لم يكن غيرهم ، فإذا دخل في هذه الفريضة الزّوج ، تغيّرت الفريضة التي سمّي فيها الثّلثين للبنتين ، كما انّه لو كان مكان الزوج ابن لتغيّرت القسمة ، ولم يكن للابنتين الثلثان.

وقال أيضا أعني بعض أصحابنا ان الزوج والزّوجة جعل لهما في الكتاب فرضان ، أعلى وأسفل ، وحطّا من الأعلى إلى الأدون ، وكذلك جعل للأبوين فرضان ، أحدهما أعلى وهو الثلثان للأب ، والثلث للأم ، ثم بين انهما إذا حجبا عن ذلك حطّا الى السّدسين ، وفرض للابنة النصف ، وللابنتين الثلثين ، ولم يحط البنات من فريضة إلى أخرى ، ويجب إدخال النقص على سهام من لم يلحقه نقص ، ولا حط من رتبة إلى رتبة أخرى ، ويوفر نصيب من نقص ، وحط من رتبة عليا إلى رتبة سفلى ، حتى لا يلحقه نقص بعد نقص أخر ، فيكون ذلك إجحافا به.

وهذا الذي حكيناه عن بعض أصحابنا فيه نظر ، والمعتمد في الاستدلال على

٢٥٠

ما قدمناه أولا وحررناه فإنه احسم للشغب.

وهذا اختيار السيد المرتضى في الناصريات ، فإنه قال في المسألة التسعين والمائة ، الفرائض لا تعول ، ولو مات رجل وخلف أبوين وبنتين وزوجة ، فللزوجة الثمن ، وللأبوين لكل واحد منهما السدس ، وما بقي فللبنتين ، وهذا صحيح ، وذهب أصحابنا بلا خلاف الى ان الفرائض لا تعول ، ووافقنا على ذلك ابن عباس ، وداود بن علي الأصفهاني ، وخالفنا باقي الفقهاء ، وتحقيق هذه المسألة : ان تكون السهام المسماة في الفريضة يضيق عنها المال ، ولا يتسع لها ، كامرأة خلفت ابنتين وأبوين وزوجا ، فللزوج الربع ، وللبنتين الثلثان ، وللأبوين السدسان ، وهذا مما يضيق عنه المال ، لانه لا يجوز ان يكون المال ثلثان ، وسدسان ، وربع ، وعندنا في هذه المسألة ان للأبوين السدسين ، وللزوج الربع ، وما بقي فللبنتين ، ومخالفونا الذين يذهبون الى العول ، يجعلون للزوج الخمس ثلاثة أسهم من خمسة عشر ، وللأبوين السدسان ، أربعة من خمسة عشر ، وللبنتين الثلثان ، ثمانية من خمسة عشر ، فقد نسب مخالفونا في العول الى الله تعالى ما لا يليق بحكمته ، وعدله ، وجميل صفاته ، لانه لا يجوز ان يفرض في المال ما لا يتسع المال له ، فذلك سفه وعبث ، ولان الله (١) تعالى فرض للأبوين السدسين في هذه المسألة واعطوهما أربعة من خمسة عشر ، وهذا خمسا وثلثا عشر ، لا سدسان ، وفرض للزوج الربع ، وأعطوه ثلاثة من خمسة عشر ، وهذا خمس ، لا ربع ، وفرض للبنتين الثلثين ، واعطوهما ثمانية من خمسة عشر ، وهذا ثلث وخمس لا ثلثان ، فان قالوا فلم أدخلتم النقصان في هذه المسألة على البنتين دون الجماعة ، والله تعالى قد سمى للبنتين الثلثين ، كما جعل للواحدة النصف ، قلنا المعتمد في إدخال النقص على نصيب البنتين في هذه المسألة وما شاكلها من المسائل التي يدعي فيها العول ، انا نقصنا من أجمعت الأمّة على نقصانه من سهامه ، وهم (٢) البنتان ، لانه لا خلاف بين من اثبت العول وبين من نفاه في ان البنتين منقوصتان هاهنا عن سهامهما التي هي الثلثان ، وليس كذلك من عدا البنتين من الأبوين والزوج ، لان

__________________

(١) ج. ل. لان الله.

(٢) ل. وهما.

٢٥١

الأمة ما أجمعت على نقصانهم ، ولا قام على ذلك دليل ، فلما اضطررنا الى النقصان وضاقت السّهام عن الوفاء ، نقصنا من وقع الإجماع على نقصانه ، وقررنا نصيب من لا دليل على وجوب نقصانه ، فصار هذا الإجماع دليلا على انّه ليس للبنتين الثلثان على كل حال ، وفي كل موضع ، فخصصنا الظاهر بالإجماع ، ووفينا الباقين في هذه الفريضة بظواهر الكتاب التي لم يقم دليل على تخصيصها ، الى هاهنا أخر كلام السيّد المرتضى (١).

فنعم ما قال واستدلّ وحرر.

وأيضا فقد روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أحد فقهاء أهل المدينة السبعة ، والثاني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر الصديق التيمي ، وعروة بن الزبير الأسدي القرشي ، وسعيد بن المسيب بن الحزن (٢) المخزومي ، وسليمان بن بشار مولى ميمونة بنت الحارث زوج النبيّ عليه‌السلام ، وخارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري ، فهؤلاء السبعة ، قال جلست الى ابن عباس ، فجرى ذكر الفرائض والمواريث ، فقال ابن عباس سبحان الله ، أترون الذي أحصى رمل عالج عددا ، جعل في مال نصفا وثلثا وربعا ، فقال له زفر بن أوس البصري (٣) ، يا بن عباس فمن أول من أعال الفرائض؟ قال عمر بن الخطاب لما التفت عنده الفرائض ، ودافع بعضها بعضا ، قال والله ما أدري أيكم قدم الله وأيّكم أخّر؟ فما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص ، وادخل على كل ذي حق حق ما دخل عليه من عول الفريضة ، وايم الله لو قدم من قدم الله ، وأخّر من أخر الله ، ما عالت فريضة (٤).

تمام الحديث.

فانا أخذنا منه موضع قصدنا.

__________________

(١) الناصريات ، كتاب الفرائض ، مسألة ١٩٠.

(٢) ج. الحرب. ل. حرث.

(٣) ج. النضري « والمعهود في كتب الرجال : النصري ».

(٤) سنن البيهقي ، كتاب الفرائض ، باب العول في الفرائض ( ج ٦ ، ص ٢٥٣ ). وفي لفظ الحديث اختلاف مع ما في المتن.

٢٥٢

والفرق بين ما نحن فيه ، وبين الديون على التركة ، ان الغرماء مستوون في وجوب استيفاء حقوقهم منها ، ولا مزية لبعضهم على بعض في ذلك ، وليس كذلك مسائل العول ، لأنا قد بيّنا ان في الورثة من لا يجوز أن ينقص عن سهمه ، وفيهم من هو اولى بالنقص من غيره ، فخالفت حالهم حال الغرماء ، ودعواهم على أمير المؤمنين عليه‌السلام انه كان يقول بالعول ، وروايتهم عنه ، انه قال بغير رويّة ، وقد سئل وهو على المنبر ، عن ابنتين وأبوين وزوجة ، صار ثمنها تسعا ، ـ غير صحيحة ـ ، لأن أبناءه عليهم‌السلام وشيعته اعلم بمذهبه من غيرهم ، وقد نقلوا عنه خلاف ذلك ، وابن عباس ما أخذ مذهبه في إبطال العول الّا عنه ، وقد روى المخالف عنه ، انه قال من شاء باهلته ، ان الّذي أحصى رمل عالج ، ما جعل في مال نصفا وثلثا وربعا ، ثم اعتمادهم في الرّواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام لما ادعوه من قوله بالعول في الفرائض ، على اخبار آحاد لا يعول على مثلها في الشرع ، ثم هي موقوفة على الشعبي والنخعي ، والحسن بن عمارة ، والشعبي ولد في سنة ست وثلاثين ، والنخعي ولد في سنة سبع وثلاثين ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام قتل في سنة أربعين ، فلا تصح روايتهما عنه ، والحسن بن عمارة مضعف عند أصحاب الحديث ، ولما ولّي المظالم ، قال سليمان بن مهران الأعمش ، ظالم ولي المظالم.

فاما ما ادّعوه من قوله عليه‌السلام صار ثمنها تسعا فرواه سفيان (١) ، عن رجل لم يسمه ، والمجهول لا يعتد بروايته ، على انه تتضمن ما لا يليق به عليه‌السلام ، لأنه سئل عن ميراث المذكورين ، فأجاب عن ميراث الزوجة فقط ، وإغفال من عداها ، وقد سئل عنه ، غير جائز عليه.

وقد قيل ان الخبر لو صح لاحتمل ان يكون المراد به صار ثمنها تسعا عند من يرى العول على سبيل التهجين له والذم ، كما قال الله تعالى « ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ » (٢) ، اى عند قومك وأهلك ولاحتمل أيضا ان يكون أراد الاستفهام ، وأسقط حرفه ، كما روى عن ابن عباس في قوله تعالى « فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ » (٣). وقال

__________________

(١) ج. سفيان الثوري.

(٢) سورة الدخان ، الآية ٤٩.

(٣) سورة البلد ، الآية ١١.

٢٥٣

عمر بن أبي ربيعة.

ثم قالوا تحبها؟ قلت بهرا

عدد القطر والحصى والتراب

فصل

وإذا انفرد الولد من الأبوين واحد الزوجين ، فله المال كله ، سواء كان واحدا أو جماعة ، ذكرا كان أو أنثى ، ولا يرث مع البنت أحد سوى من قدمناه ، عصبة كان أو غيره ، بل النصف لها بالتّسمية الصريحة ، والنصف الآخر بالرد بالرحم ، على ما بيناه ، ومخالفونا يذهبون إلى انه لو كان مع البنت عم ، أو ابن عم ، لكان له النصف بالتعصيب ، وكذا لو كان معها أخت ويجعلون الأخوات عصبة مع البنات ، ويسقطون من هو في درجة العمّ أو ابن العم من النساء كالعمات وبنات العم ، إذا اجتمعوا ، ويخصون بالميراث الرجال دونهن ، لأجل التعصيب ، ونحن نورثهن.

ويدل على صحة ما نذهب اليه بعد إجماع أصحابنا عليه ما قدمناه من آية ذوي الأرحام ، لأن الله سبحانه نص فيها على ان سبب استحقاق الميراث القربى وتداني الأرحام ، وإذا ثبت ذلك وكانت البنت أقرب من العصبة ، وجب ان يكون اولى بالميراث.

ويدل أيضا على انه لا يجوز إعطاء الأخت النصف مع البنت ، قوله تعالى « إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ » (١) ، فشرط في استحقاقها النّصف عدم الولد وفقده ، فوجب ان لا يستحقه مع البنت ، لأنها ولد ، ويدل على بطلان تخصيص الرجال بالإرث دون النساء ، قوله تعالى « لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ. وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ، مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ، نَصِيباً مَفْرُوضاً » (٢) ، فأوجب سبحانه للنساء نصيبا كما أوجب للرجال ، من غير تخصيص ، فمن خصّ الرجال بالميراث في بعض المواضع ، فقد ترك الظاهر ، فعليه

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٧٦.

(٢) سورة النساء ، الآية ٧.

٢٥٤

الدلالة ، ولا دلالة يقطع بها على ذلك ، ولا يلزمنا مثل ذلك إذا خصصنا البنت بالميراث دون العصبة ، لأن الاستواء في الدرجة مراعى مع القرابة ، بدليل ان ولد الولد لا يرث مع الولد للصلب ، وان شمله اسم الرجال إذا كان من الذكور ، واسم النساء إذا كان من الإناث ، وإذا ثبت ذلك وكان هو المراد بالاية ، وورث المخالف العم دون العمة ، مع استوائهما في الدرجة ، كان ظاهر الآية حجة عليه ، دوننا على ان التخصيص بالأدلة غير منكر ، وانما المنكر أن يكون ذلك بغير دليل.

فان قالوا نحن نخص الآية التي استدللتم بها بما رواه ابن طاوس ، عن أبيه عن ابن عباس ، عن النبيّ عليه‌السلام من قوله يقسم المال على أهل الفرائض على كتاب الله فما أبقت فلأولى ذكر قرب (١) ، وتورث الأخت مع البنت بما رواه الهذيل بن شرحبيل ، من ان أبا موسى الأشعري سئل عمن ترك بنتا وبنت ابن وأختا لأب وأم ، فقال للبنت النصف ، وما بقي فللأخت (٢). وبما رواه الأسود بن يزيد ، قال قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاعطى البنت النصف ، والأخت النّصف ، ولم يورث العصبة شيئا (٣).

فالجواب ان ترك ظاهر القرآن لا يجوز بمثل هذه الاخبار ، لأنّ أوّل ما فيها ان الخبر المروي عن ابن عباس لم يروه أحد من أصحاب الحديث الّا من طريق ابن طاوس ، ومع هذا فهو مختلف اللفظ ، فروي على ما تقدم ، وروي فلأولى عصبة ذكر ، وروى فلأولى رجل ذكر وكلّ عصبة (٤) واختلاف لفظه مع اتحاد طريقه ، دليل ضعفه ، على ان مذهب ابن عباس في نفى التوريث بالعصبة مشهور ، وراوي الحديث إذا خالفه كان قدحا في الحديث ، والهذيل بن شرحبيل مجهول ضعيف ، ثم

__________________

(١) سنن أبي داود ، باب في ميراث العصبة ، الرقم ٢٨٩٨ ، ج ٣ ، ص ١٢٢. الترمذي ، باب في ميراث العصبة ، الرقم ٢٠٩٨ ، ج ٤ ، ص ٤١٨ ابن ماجة ، باب ميراث العصبة ، الرقم ٢٧٤٠ ، ج ٢ ، ص ٩١٥.

(٢) سنن أبي داود ، باب ما جاء في ميراث الصلب ، الرقم ٢٨٩٠ ، ج ٣ ، ص ١٢٠.

(٣) سنن أبي داود ، باب ما جاء في ميراث الصلب ، الرقم ٢٨٩٣ ، ج ٣ ، ص ١٢١. البخاري ، الباب ١١ من كتاب الفرائض ، الرقم ٦٣٤٠.

(٤) ج. ل. ذكر عصبة.

٢٥٥

ان أبا موسى لم يسند ذلك الى النبي عليه‌السلام وفتواه هو لا حجة فيها ، ولا حجة أيضا في قضاء معاذ بذلك ، ولا في كونه على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يثبت علمه عليه‌السلام به ، وإقراره عليه ، وفي الخبر ما يبطل ان يكون الأخت أخذت بالتعصيب ، وهو قوله ولم يورث العصبة شيئا ، لأنها لو كانت ها هنا عصبة لقال ولم يورث باقي العصبة شيئا ، على ان هذه الاخبار لو سلمت من كل قدح ، لكانت معارضة بأخبار مثلها ، وارادة من طريق المخالف مثل قوله عليه‌السلام ، من ترك مالا فلأهله (١) ، وقول ابن عباس وجابر بن عبد الله ، ان المال كله للبنت دون الأخت ، وروى الأعمش مثل ذلك عن إبراهيم النخعي ، وبه قضى عبد الله بن الزبير على ما حكاه الساجي والطبري ، وما نختص نحن بروايته في إبطال التوريث بالعصبة كثير ، فإذا تعارضت الاخبار سقطت ، ووجب الرجوع الى ظاهر القرآن.

على ان أخبارهم لو سلمت من المعارضة لكانت اخبار آحاد ، وقد دللنا على فساد العمل بها في الشّرعيّات.

على انهم قد خالفوا في لفظ الحديث عن ابن عباس ، فورثوا الأخت مع البنت ، وليست برجل ولا ذكر ، وورثوها أيضا مع الأخ ، إذا كانا مع البنت ، ولم يخصوا الأخ (٢) وكذا لو كان مكان الأخ عم ، وإذا جاز لهم تخصيصه بموضع دون موضع ، جاز لنا حمله على من ترك أختين لأم ، وأخا لأب ، مع أولاد إخوة لأب وأم ، أو ترك زوجة وأخا مع عمومة وعمات ، فان ما يبقي بعد الفرض المسمى للأختين ، أو الزوجة لاولى ذكر قرب ، وهو الأخ بلا خلاف.

على انهم إذا جعلوا الأخت عند فقد الإخوة عصبة ، لزمهم ان يجعلوا البنت مع عدم البنين عصبة ، بل هي أولى ، لأن الابن أحق بالتعصيب من الأب ، والأب أحق بالتعصيب من الأخ ، فأخت الابن تكون أحق بالتعصيب من أخت الأخ

__________________

(١) سنن الترمذي ، الباب ١ من كتاب الفرائض ، الرقم ٢٠٩٠ ( ج ٤ ، ص ٤١٣ ) سنن أبي داود ، باب ميراث ذوي الأرحام ( الرقم ٢٨٩٩ و ٢٨٩٠٠ ج ٣ ، ص ١٢٣ ). البخاري ، الباب ٣ من كتاب الفرائض ، الرقم ٦٣٣٠. الّا ان اللفظ في الأخيرين : « من ترك مالا فلورثته ».

(٢) ج. الأخت.

٢٥٦

بلا شبهة ، وليس لهم ان يفرقوا بان البنت لا تعقل عن أبيها ، لأن الأخت أيضا لا تعقل وقد بيّنا فيما تقدم ان ولد الولد وان نزلوا يقومون مقام آبائهم وأمهاتهم ، بل هم أولاد حقيقة ، وبيّنا مذهبنا واختيارنا في ذلك ، فلا وجه لإعادته في مشاركة من يشاركونه ، وحجب من يحجبونه ، ويأخذ كل منهم تسمية نفسه ، وما ينطلق عليه من الاسم ، دون ميراث من يتقرب به.

وذهب بعض أصحابنا على ما حكيناه أوّلا عنهم انه يأخذ كل منهم ميراث من يتقرب به ، كابن بنت وبنت ابن ، فان لابن البنت الثلث ، ولبنت الابن الثلثين ، والصحيح من المذهب ما قدمناه ، لأن اسم الولد يقع على ولد الولد ، وإن نزلوا حقيقة وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى ، عند جميع أصحابنا المخالف في المسألة والمؤالف ، لما قدمناه من إطلاق المسلمين في عيسى عليه‌السلام انه ابن آدم ، ولقول الرسول عليه‌السلام في الحسن والحسين عليهما‌السلام ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا (١). ولأن جميع ما علقه سبحانه من الاحكام بالولد ، قد عم به ولد البنين والبنات في قوله تعالى « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ » الى قوله « وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ » (٢) وقوله « وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ » (٣) وقوله « وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ » (٤) ، فإذا وقع اسم الولد على ولد الولد حقيقة ، تعلق بهم احكام الميراث إذا لم يوجد ولد الصلب ، مثل ما تعلق به بظواهر القرآن.

وليس لأحد ان يقول : ان اسم الولد يقع على ولد الولد مجازا ، فلا يدخل في الظواهر الّا بدليل ، لأن الأصل في الاستعمال حقيقة (٥) على ما بيّنه محصّلو أصحاب أصول الفقه ، ومن ادعى المجاز فعليه الدّلالة ، ولا يلزم على ذلك مشاركة ولد الولد لولد الصّلب في الميراث ، ولا مشاركة الأجداد للآباء الأدنين لظاهر قوله تعالى « وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ » (٦).

__________________

(١) الإرشاد للمفيد ، في ذكر امامة الحسين بن على عليهما‌السلام.

(٢) و (٣) سورة النساء ، الآية ٢٣.

(٤) سورة النور ، الآية ٣١.

(٥) ج. ل. الحقيقة.

(٦) سورة النساء ، الآية ١١.

٢٥٧

لأنا عدلنا من الظاهر في ذلك للدليل القاطع ، ولا دليل يوجب الرجوع عنه فيما اختلفنا فيه ، فبقينا على ما يقتضيه الظاهر.

ويخص ولد الأكبر من الذكور إذا لم يكن سفيها فاسد الرأي بسيف أبيه ، ومصحفه ، وخاتمه ، وثياب جلدة ، إذا كان هناك تركة سوى ذلك ، فإذا لم يخلف الميت غيره ، سقط هذا الحكم ، وقسم بين الجميع ، فان كان له جماعة من هذه الأجناس ، خصّ بالذي كان يعتاد لبسه ويديمه ، دون ما سواه من غير احتساب به عليه.

وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يحتسب عليه بقيمته من سهمه ، ليجمع بين ظواهر القرآن وما أجمعت الطائفة عليه ، وهو تخريج السيد المرتضى ، ذكره في الانتصار (١).

وذهب بعض أصحابنا الى ان ذلك مستحب تخصيصه به ، دون ان يكون ذلك مستحقا له على جهة الوجوب ، وهو اختيار أبي الصلاح الحلبي في كتابه الكافي (٢).

والأول من الأقوال هو الظاهر المجمع عليه عند أصحابنا ، المعمول به ، وفتاويهم في عصرنا هذا وهو سنة ثمان وثمانين وخمسمائة عليه ، بلا اختلاف بينهم (٣).

وكذا ذهب السيّد المرتضى فيما رواه أصحابنا ، واجمعوا عليه من ان الزوجة التي لا يكون لها من الميت ولد ، لا ترث من الرباع والمنازل شيئا ، والحق بعض أصحابنا جميع الأرضين من البساتين والضياع وغيرها.

وهذا اختيار شيخنا أبي جعفر ، والأول اختيار شيخنا المفيد ، وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا ، لأنا لو خلينا وظواهر القرآن ورّثناها من جميع ذلك ، وانما عدلنا في الرباع والمنازل بالأدلة ، وهو إجماعنا وتواتر أخبارنا ، ولا إجماع معنا منعقد على ما عدا الرباع والمنازل ، فحمله المرتضى على انها لا ترث من نفس ذلك ، بل من قيمته ، كما يذهب أصحابنا في الانقاض ، والطوب ـ بالطاء غير المعجمة المضمومة ، والواو ،

__________________

(١) الانتصار ، كتاب الفرائض والمواريث ، مسألة ٩.

(٢) الكافي ، فصل في الإرث ، ص ٣٧١.

(٣) ج. بغير خلاف بينهم فيه.

٢٥٨

والباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة ، وهو الآجر.

والصحيح انها لا ترث من نفس التربة ، ولا من قيمتها ، بل يقوّم الطوب والآلات ، وتعطى قيمته ، وما ذكره السيّد تخريج منه ، وانفراد هذا إذا لم يكن لها من الميت ولد ، فاما إذا كان لها منه ولد ، أعطيت سهمها من نفس جميع ذلك ، على قول بعض أصحابنا ، وهو اختيار محمّد بن على بن الحسين بن بابويه تمسّكا منه برواية شاذة ، وخبر واحد ، لا يوجب علما ولا عملا.

والى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر رحمه‌الله في نهايته (١) ، الا انه رجع عنه في استبصاره (٢) ، وهو الذي يقوى عندي ، أعني ما اختاره في استبصاره ، لأن التخصيص يحتاج إلى أدلة قوية ، واحكام شرعية ، والإجماع على انها لا ترث من نفس تربة الرباع والمنازل شيئا ، سواء كان لها من الزوج ولد أو لم يكن ، وهو ظاهر قول شيخنا المفيد في مقنعته (٣) ، والسيّد المرتضى في انتصاره (٤).

ولو أحد الاخوة أو الأخوات أو الأجداد أو الجدات ، إذا انفرد جميع المال من أي الجهات كان. وإذا اجتمع كلالة الأم مع كلالة الأب والام ، أو الأب مع عدم كلالة الأب والام ، كان للواحد من كلالة الأم أخا كان أو أختا السدس ، ولاثنين فصاعدا الثلث ، وهذا مخصوص بالاخوة ، لأنّها الكلالة عندنا.

وذهب بعض أصحابنا الى ان قال : وإذا اجتمع كلالة الأم مع كلالة الأب والام ، كان للواحد من قبل الأم أخا كان أم أختا ، جدا كان أم جدة ، السدس ، وللاثنين فصاعدا الثلث ، الذكر والأنثى فيه سواء.

والصّحيح من أقوال أصحابنا المحصلين ، ان لواحد الأجداد من قبل الأم إذا انفرد الثلث ، فان كان معه من الاخوة من قبلها أحد ، كان له ولهم الثلث بينهم بالسويّة ، والباقي لكلالة الأب ، أخا كان أم أختا ، جدا كان أم جدة ، فان كان

__________________

(١) النهاية ، كتاب المواريث باب ميراث الأزواج.

(٢) الاستبصار ، الباب ٩٤ ، كتاب الفرائض ، ج ٤ ، ص ١٥٤.

(٣) المقنعة أبواب فرائض المواريث باب ميراث الأزواج ص ٦٨٧.

(٤) الانتصار ، كتاب الفرائض والمواريث ، مسألة ١٢.

٢٥٩

كلالة الأب جماعة ، ذكورا وإناثا فللذكر مثل حط الأنثيين ، ولا يرث أحد من الاخوة والأخوات من قبل الأب خاصة مع وجود واحد منهم من الأب والام أخا كان أو أختا.

ومتى اجتمع واحد من كلالة الأم مع أخت أو أختين فصاعدا من الأب والام ، كان الفاضل من سهامهم مردودا على كلالة الأب والام خاصّة ، لاجتماع السببين فيهم ، وتشترك كلالة الأم مع كلالة الأب فحسب في الفاضل على قدر سهامهم.

ومن أصحابنا من قال : يختص بالرد كلالة الأب أيضا ، لأن النقص يدخل عليها خاصة إذا نقصت التركة عن سهامهم لمزاحمة الزوج أو الزوجة ، ولا يدخل على كلالة الأم ، ولا على الزوج والزوجة على حال.

والأول هو الظاهر من المذهب ، لأن هؤلاء يتقربون الى الميت بسبب واحد ، وأولئك أيضا بسبب واحد فلا دليل على رد الفاضل عليهم ، وانما رددنا الفاضل على كلالة الأب والام ، لإجماعنا على ذلك ، ولأنهم جمعوا السببين معا.

وولد الاخوة والأخوات وان نزلوا يقومون عند فقد آبائهم مقامهم في مقاسمة الأجداد ، وفي الحجب لغيرهم ، وكذلك حكم الأجداد والجدات وان علوا.

والأدنى من جميعهم وان كان أنثى أحق من الا بعد وان كان ذكرا ، كل ذلك بدليل إجماعنا عليه.

ويستحب إطعام الجد أو الجدة من قبل الأب السدس من نصيب الأب ، فإن اجتمعا كانت الطعمة بينهما نصفين ، وليس ذلك بواجب.

والطعمة في لسان العرب الهبة ، ذكر ذلك أبو سعيد الأصمعي ، عبد الملك بن قريب ، في كتاب الأبواب ، قال باب يقال هذه طعمة لفلان ، أي هبة ، وفي حديث بعض الصحابة ، أن معاوية اعطى مصر عمرو بن العاص طعمة ، أي هبة.

فإذا ثبت ذلك ، فللواهب ان يهب ، وله ان لا يهب ، فلا يتوهم أحد ان ذلك على جهة الوجوب ، فهو عين الخطأ.

هذا إذا كان الأب حيا وسهمه الأوفر ، ومن أصحابنا من قال : ان هذا حكم

٢٦٠