وجه التأييد ، فإن غلّة البستان وثمرة النخلة ، ان كانت الثمرة والغلة موجودة في وقت موته ، ولم يخلف غير البستان أو غير النخلة ، فانّ البستان أو النخلة يقوّمان ، ويعطى الموصى له بالغلّة والثمرة بقدر ثلث جميع ما قوّم ، فان كانت الثمرة بقدر الثلث ، فقد استوفى ما وصي له به ، وان نقصت عن الثلث ، استوفى في المستقبل من الثمرة تمام الثلث ، ويعود ملك الأصول إلى الورثة بعد استيفاء جميع ثلث ما كان في ملك الميّت الذي ذكرنا انّه يقوّم بعد الموت.
واما خدمة العبد ، فان العبد أيضا يقوم وقت الموت ، ويستخدمه الموصى له بخدمته مدة يكون إجارتها بمقدار الثلث ، فإذا استوفى الثلث ، عادت رقبة العبد إلى الورثة.
هذا إذا لم يخلف الميّت ثلثين ، كلّ ثلث بمقدار قيمة الغلّة أو الثمرة ، أو قيمة العبد سوى الثلث الذي هو قيمة الغلّة أو الثمرة ، أو قيمة العبد.
فان كانت الثمرة أو الغلّة معدومة ، فإنّ الجميع يقوّم ، ويأخذ في المستقبل الموصى له بقدر الثلث ، ممّا يخرج البستان أو النخلة ، إلى ان يستوفى قدر الثلث ، ويرجعان إلى الورثة.
إذا كان عليه حجة الإسلام ، فأوصى أن يحج عنه من ثلث ماله ، واوصى بوصايا أخر ، قدم الحج على غيره من الوصايا ، فان كانت الحجّة تطوّعا فلا دلالة على تقديمها.
وروى (١) في أخبارنا ان الإنسان إذا وصى بان يشترى بثلث ماله عبيد ، وأعتقوهم ، فينبغي ان يشترى بالثلث ثلاثة فصاعدا ، لأنّهم أقل الجمع ، ان بلغ الثلث قيمة ثلاثة بلا خلاف ، وان لم يبلغ وبلغ اثنين وجزء من الثّالث ، فإنّه يشترى الاثنان ، ويعتقان ، ويعطيان البقيّة.
والذي يقتضيه الأصول ، وتشهد بصحّته الأدلّة ، انّه يشترى بالباقي جزء من عبد ثالث ، لانه يكون قد امتثل المأمور ، لأن العبد يعتق ، ويستسعى في باقي قيمته ،
__________________
(١) لم نجده في مجاميع أخبارنا ، راجع المسألة ١٦ من كتاب الوصايا من الخلاف.
فيكون قد أعتقوا ثلاثة ، والرواية من اخبار الآحاد ، وقد بيّنا انه لا يعمل باخبار الآحاد عندنا في الشرعيّات ، لأنها لا توجب علما ولا عملا.
وإذا اوصى لرجل بشيء ثمّ مات الموصي ، فإنه ينتقل ما اوصى به الى ملك الموصى له بوفاة الموصي ، لأنه لا يخلو الشيء الموصى به من ثلاثة أحوال ، امّا ان يبقى على ملك الميّت ، أو ينتقل إلى الورثة ، أو ينتقل الى الموصى له ، ولا يجوز ان يبقى على ملك الميّت ، لانّه قد مات ، والميّت لا يملك ، بل يزول ملكه بموته ، ولا يكون ملكا للورثة لقوله تعالى « مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ » (١) فجعل للورثة الميراث بعد الوصيّة ، فلم يبق الّا ان يكون ملكا للموصى له بالموت ، هذا استدلال شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه (٢) ، لانّه يذهب الى ان بالموت ينتقل ما اوصى به الى ملك الموصى له.
والذي يقوى في نفسي ، انه لا ينتقل بالموت ، بل بانضمام القبول من الموصى له ، لا بمجرد الموت ، والذي يدل على صحة ذلك ، أنه لا خلاف بين أصحابنا انه إذا رد الموصى له الوصية بعد موت الموصى ، فإن الشيء الموصى به يعود إلى الورثة ، ويقسم قسمة الميراث ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، فلو انتقل الى ملك الموصى له بالموت ، ما كان كذلك ، بل كان يكون هبة منه ، وصلة وعطيّة للورثة ، فيكون ذكرهم وأنثاهم فيها سواء ، وأيضا فإنه يبعد ان يدخل الشيء في ملك مالك بغير قبوله واختياره ، لانه ليس في أصول مذهبنا ذلك ، ولا لأصحابنا فتوى بذلك ، ولا وردت به اخبار عن الأئمة الأطهار ، ولا وضعه مصنف منهم في كتابه ، ولا أودعه تصنيفه ، ولا اجمعوا عليه ، والأصل ان لا ملك ، فمن ادعى دخول الأشياء في الأملاك بغير رضا المالكين ولا قبولهم ، فإنه يحتاج الى دليل قاهر.
والذي يمكن ان يقال على استدلال شيخنا أبي جعفر ، وتفصيله « من انه ليس بملك للميّت ولا للورثة » فما بقي الا ان يكون داخلا في ملك الموصى له.
يقال ما تقول في التركة إذا كان على الميّت دين يحيط بها ، فإنها بلا خلاف بيننا
__________________
(١) سورة النساء ، الآية ١١ ـ ١٢.
(٢) الخلاف ، كتاب الوصايا ، مسألة ١٨.
لا يدخل في ملك الغرماء ، ولا ملك الورثة ، والميّت فقد انقطع ملكه وزال فتبقى موقوفة على قضاء الدّين ، فالشيء الموصى به بعد موت الموصي وقبل قبول الموصى له ، يبقى موقوفا على القبول ، لا يدخل في ملك أحد مثل التركة سواء.
وقد رجع شيخنا في الجزء الأوّل في كتاب الفطرة : إذا قال إنسان قد أوصيت لفلان بثلث هذا العبد ، أو ثلث هذه الدار ، أو الثوب ، ثمّ مات الموصي ، وخرج ثلثا ذلك العبد ، أو تلك الدّار مستحقّا ، فإن الوصيّة تصح في الثلث الباقي في جميعه ، إذا خرج من الثلث ، وذهب بعض المخالفين الى انّ الوصيّة انّما تصحّ في ثلث ذلك الثلث الباقي الذي لم يخرج مستحقا ، والدليل على ما اخترناه ، انه إذا قال أوصيت لفلان بثلث هذه الدار ، فإنّما اوصى له بما يملكه ، الا ترى انّه إذا قال بعت ثلث هذه الدار ، فان ذلك ينصرف الى الثلث الذي يملكه منها ، فإذا كان اوصى له بما يملك ، وخرج من الثلث ، وجب أن يصح ، كما لو اوصى له بعبد يملكه.
إذا اوصى بأن يصرف ثلثه في سبيل الله ، فسبيل الله يدخل فيه الجهاد وغيره ، من بناء المساجد ، والقناطر ، وجميع ما يتقرّب به الى الله سبحانه.
إذا اوصى الإنسان ان يساوي بين ورثته الرجال والنساء ، وان يكونوا في الميراث سواء ، هل ذلك جائز له ، وهل هو في فعله على صواب أو خطأ ، فالجواب عن ذلك انه يجوز ما لم يزد تفضيل البنات على ثلث ماله ، فان زاد على ذلك بطل الزّائد ، ورد الى الثلث.
نكاح المريض جائز إذا دخل بها ، وان لم يدخل ولم يصح من مرضه ذلك ، ومات فيه قبل الصّحة وقبل الدّخول ، لم يصحّ النكاح ، وكان باطلا عند أصحابنا بغير خلاف بينهم ، ولا يجب عليها عدّة ولا لها ميراث ، وهذا إجماع من أصحابنا.
الوصيّة للقاتل جائزة ، لأنّها ليست بميراث.
إذا اوصى لمواليه ، ولأبيه موال ، وله موال ، كان ذلك مصروفا الى مواليه ، دون موالي أبيه.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه : لا يجوز ان يوصي إلى أجنبي ، بأن يتولى
أمر أولاده الصغار مع وجود أبيه ، ومتى فعل لم تصحّ الوصيّة ، لأن الجدّ أولى (١) ، ولي في ذلك نظر.
الامّ عندنا لا تلي على أولادها بنفسها ، إلا بوصيّة من أبيهم.
إذا اوصى الإنسان الى رجل بجهة من الجهات ، فليس له ان يتصرف في غيرها من الجهات.
إذا اوصى بثلث ماله ، اعتبر حال الموت ، لا حال الوصيّة.
من ليس له وارث قريب أو بعيد ، ولا مولى نعمة ، لا يصح ان يوصى بجميع ماله ، ولا يوصي بأكثر من الثلث.
إذا قال أعطوا فلانا رأسا من رقيقي ، فإن هذه وصيّة صحيحة ، والورثة بالخيار ، يعطون أيّ رأس من عبيده شاءوا ، أقلّ ما يقع عليه اسم الرقيق ، سواء كان معيبا أو صحيحا ، صغيرا أو كبيرا فان هلك الرقيق إلا رأسا واحدا ، فإنه يعطى ذلك العبد ، لأنه اوصى له لا بعينه ، وعلقه بصفة ، والصّفة موجودة هاهنا ، فامّا ان قال أعطوه رأسا من رقيقي ، ولم يكن له رقيق أصلا ، فإن الوصيّة باطلة ، لأنه علّقه بصفة ليست موجودة ، كما لو اوصى له بدار ، ولم يكن له دار.
وإذا اوصى له بشاة من غنمه ، فالوصيّة صحيحة ، وللورثة ان يعطوا ايّ شاة وقع عليها اسم الشّاة ، سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، ضانية أو ماعزة ، معيبة أو سليمة ، فإن كانت غنمه كلها إناثا اعطي أنثى ، وان كانت ذكرانا اعطي ذكرا ، وان كانت ذكرانا وإناثا ، فالورثة بالخيار بين إعطائه الذكر أو الأنثى ، لأن الاسم يتناول ذلك.
إذا قال أعطوه عشر أنيق ، أو عشر بقرات ، اعطى الإناث لا الذكور ، لانّه اسم الإناث ، وان قال أعطوه عشرة من الإبل ، الأقوى والأظهر ان يقال يجب ان يعطى ذكورا ، لان الهاء لا تدخل الّا على عدد المذكر ، دون المؤنث.
قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة : فإن أوصى ، فقال أعطوه دفّا من دفوفى ،
__________________
(١) الخلاف ، كتاب الوصايا ، مسألة ٤٠.
فإنه تصح الوصيّة ، لأن الدّف له منفعة مباحة ، لما روى (١) عنه عليهالسلام انه قال « أعلنوا هذا النكاح ، واضربوا عليه بالدّف » وعلى مذهبنا لا تصح لان ذلك محظور استعماله ، هذا آخر كلامه رحمهالله (٢).
ونعم ما قال لانّه من اللهو واللّعب ، وان كان قد روي رواية شاذّة بأنه مكروه وليس بمحظور.
وإذا قال أعطوه قوسا من قسىّ ، وله قسى ، قوس نشّاب ، وهو قوس العجم ، وقوس نبل ، وهو القوس العربي ، أو يكون له قوس حسبان ، ـ بضمّ الحاء غير المعجمة ، وسكون السّين غير المعجمة ، وفتح الباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة ، وهي سهام قصار ، الواحدة حسبانة ، هذا قول الجوهري في كتاب الصّحاح ، وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة (٣) ، « قوس حسبان » وهو الذي يدفع به النشاب في مجرى ، وهو الوتر مع المجرمى ، ويرمى به ، وقال في كتابه كتاب التبيان ، في تفسير قوله تعالى « حُسْباناً مِنَ السَّماءِ » (٤) قال ابن عباس ، وقتادة ، معناه عذابا ، وقيل نارا من السماء تحرقها ، وقيل أصل الحسبان السهام الّتي ترمى بمجرى في طلق واحد ، وكان ذلك من رمي الأساورة هذا أخر كلامه رحمهالله في التبيان (٥) ، ـ أو يكون للميّت قوس جلاهق ، أو يكون له قوس النّداف ، قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة ، فإن هذا بالإطلاق يحمل على قوس النشّاب ، والنبل ، والحسبان ، فالورثة بالخيار ، يعطون ايّ قوس من هذه الثلاثة شاءوا ، ثمّ قال رحمهالله ، فامّا إذا لم يكن له شيء إلّا الجلاهق ، وقوس النّداف ، فالورثة بالخيار ، يعطون ايّ القوسين شاءوا (٦).
__________________
(١) ابن ماجة ، باب إعلان النكاح من كتاب النكاح ، الرقم ١٨٩٥ ولفظه : « أعلنوا هذا النكاح ، واضربوا عليه بالغربال ».
(٢) المبسوط ، ج ٤ ، كتاب الوصايا ، ص ٢٠.
(٣) المبسوط ، ج ٤ ، كتاب الوصايا ، ص ٢١ ، وفي المصدر ، وهو الوتد مع المجرى.
(٤) سورة الكهف ، الآية ٤٠.
(٥) التبيان ، ج ٧ ، سورة الكهف ، ص ٤٢.
(٦) المبسوط ، ج ٤ ، كتاب الوصايا ، ص ٢١ ، في العبارة تقطيع.
قال محمّد بن إدريس رحمهالله ، ارى ان الورثة بالخيار في إعطاء أيّهم ما شاءوا من الخمسة الأقواس ، وتخصيص كلامه الموصي العام ، يحتاج الى دليل ، والجلاهق البندق ، واحده جلاهقة.
باب شرائط الوصيّة
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته : من شرط الوصيّة ان يكون الموصي عاقلا حرّا ثابت العقل ، سواء كان صغيرا أو كبيرا ، فان بلغ عشر سنين ، ولم يكن قد كمل عقله ، غير انه لا يضع الشيء إلا في موضعه ، كانت وصيّته ماضية في المعروف من وجوه البر ، ومردودة فيما لم يكن كذلك ، ومتى كان سنّه أقل من ذلك ، لم يجز وصيّته ، وقد روى (١) انّه إذا كان ابن ثمان سنين ، جازت وصيّته في الشيء اليسير ، في أبواب البر ، والأوّل أحوط ، وأظهر في الروايات ، وكذلك يجوز صدقة الغلام إذا بلغ عشر سنين ، وهبته وعتقه ، إذا كان بالمعروف في وجوه البر ، فاما ما يكون خارجا عن ذلك ، فليس بممضاة على حال ، هذا أخر كلامه رحمهالله (٢).
قال محمّد بن إدريس رحمهالله الذي تقتضيه أصول مذهبنا أن وصيّة غير المكلف البالغ غير صحيحة ، ولا ممضاة ، سواء كانت في وجوه البر ، أو غير وجوه البر ، وكذلك صدقته وعتقه وهبته ، لان وجود كلام الصبيّ غير البالغ كعدمه ، ولانه بلا خلاف محجور عليه ، غير ماض فعله في التصرف في أمواله ، بغير خلاف بين الأمة.
وأيضا قوله تعالى « وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ » (٣) فأمرنا بالدفع للأموال إليهم بعد البلوغ ، وهو في الرّجال الاحتلام ، أو الإنبات ، أو خمسة عشرة سنة ، وفي النساء الاحتلام أيضا أو الإنبات ، أو بلوغ تسع سنين ، أو الحمل ، أو الحيض مع إيناس الرشد ، وحدّه ان يكون مصلحا لماله ، مصلحا لدينه ، ومن أجاز شيخنا وصيّته وعتقه وهبته ، ليس كذلك.
__________________
(١) الوسائل ، الباب ١٥ من كتاب الوقوف والصدقات ، ح ٤.
(٢) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب شرائط الوصيّة.
(٣) سورة النساء ، الآية ٦.
وأيضا قوله عليهالسلام رفع القلم عن ثلاث ، عن الصبي حتى يحتلم (١) ، ورفع القلم عنه يدل على انه لا حكم لكلامه ، وانّما هذه اخبار آحاد ، يوردها في كتابه النهاية ، إيرادا ، وقد بيّنا ان اخبار الآحاد ، لا توجب علما ولا عملا ، وقد بيّنا في كتاب الحجر من كتابنا هذا ، حد البلوغ ، ومتى يفك الحجر عن الأطفال ، ويسلم إليهم أموالهم ، فلا معنى لإعادته.
وليس من شرط صحة الوصيّة الى الموصى اليه ان يشهد الموصي عليها شاهدين عدلين ، بل الأولى أن يشهدهما ، كيلا يعترض فيها الورثة ، فان لم يشهد أصلا وأمكن الوصي إنفاذ الوصيّة ، وجب عليه إنفاذها على ما اوصى به اليه.
ولا يجوز غير شهادة المسلمين (٢) العدول في الوصيّة إلا عند الضرورة وفقد العدول ، فإنّه يجوز والحال هذه ان يشهد نفسين من أهل الذمّة ، ممن ظاهره الامانة عند أهل ملته ، ولا يجوز شهادة غير أهل الذمّة على حال.
فان لم يحضره الّا امرأة مسلمة عدلة ، جازت شهادتها في ربع الوصيّة ، فإن حضرت اثنتان ، جازت شهادتهما في النّصف ، ثم على هذا الحساب.
وإذا أشهد إنسان عبدين له على حمل جارية له انّه منه ، وأعتقهما ، فشهدا عند الورثة بذلك ، فلم يقبلوا شهادتهما ، واسترقوهما ، وبيعا ، أو أعتقا ، فشهدا للمولود بالنسب قبلت شهادتهما على الورثة ، وقد حققنا ذلك وحررناه في كتاب الشهادات (٣).
باب الوصيّة المبهمة والوصيّة بالعتق والحج
إذا اوصى الإنسان بجزء من ماله ، ولم يبيّنه ، كان ذلك السّبع من ماله ، وروى (٤) انه يكون العشر ، والأول هو المذهب ، وعليه العمل على ما قدمناه (٥).
__________________
(١) الوسائل ، الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات ح ١٠.
(٢) ج : شهادة غير.
(٣) الجزء الثاني ، ص ١٣٥.
(٤) الوسائل ، الباب ٥٤ من كتاب الوصايا ، ح ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٨ ـ ٩ ـ ١٠ ـ ١١.
(٥) في ص ١٨٧.
وان اوصى بسهم من ماله ، كان ذلك الثمن ، وذهب بعض أصحابنا رحمهمالله ، الى انّه يكون السّدس ، والأول هو الأظهر ، وعليه العمل.
وإذا اوصى بشيء من ماله ولم يبين مقداره ، كان ذلك السّدس من ماله على ما قدمناه (١) ، وأجملناه فيما مضى.
وقال شيخنا أبو جعفر رحمهالله في نهايته : فإن أوصى بثلث ماله في سبيل الله ولم يسمّ ، أخرج في معونة المجاهدين لأهل الضّلال والكافرين (٢).
والصحيح من المذهب ، انه يصرف في كل ما يتقرب به الى الله سبحانه ، لان سبيل الله هو الطريق التي يتقرب بها الى الله سبحانه ، ويدخل في ذلك الجهاد وغيره من وجوه البر ، مثل بناء المساجد ، والقناطر ومعونة الحاج والزّوار ، وتكفين الموتى ، وغير ذلك على ما قدمناه فيما مضى (٣).
الّا ان شيخنا رجع في مسائل خلافه في الجزء الثاني في كتاب قسمة الصّدقات ، فإنه قال : مسألة سبيل الله يدخل فيه الغزاة في الجهاد ، والحاجّ وقضاء الدّيون عن الأموات ، وبناء القناطر ، وجميع المصالح وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك ، أنه يختص المجاهدين ، وقال أحمد سبيل الله هو الحج ، فيصرف ثمن الصدقة في الحج ، دليلنا إجماع الفرقة ، وأيضا قوله تعالى ( وَفِي « سَبِيلِ اللهِ » فإنه يدخل فيه جميع ذلك ، لأن المصالح من سبيل الله ، هذا أخر كلامه في المسألة (٤).
فإن أوصى الإنسان بوصيّة وجعلها أبوابا مسمّاة ، فنسي الوصيّ بابا منها ، فليجعل ذلك السّهم في وجوه البرّ على ما روي (٥) في بعض الأخبار ، أورده شيخنا في نهايته (٦).
وقال شيخنا في جواب الحائريات : إذا نسي الوصيّ جميع أبواب الوصية ، فإنها تعود ميراثا للورثة (٧).
__________________
(١) في ص ١٨٧.
(٢) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الوصيّة المبهمة.
(٣) في ص ١٨٧.
(٤) الخلاف : كتاب قسمة الصدقات ، مسألة ٢١.
(٥) الوسائل ، الباب ٦١ من كتاب الوصايا.
(٦) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الوصيّة المبهمة.
(٧) المسائل الحائريات وفي ص ٢٩٧ المسألة معنونة وعبارتها هكذا ، إذا نسي جميع أبواب الوصيّة ولم
فنعم ما قال وأجاب رحمهالله ، فان كان على تلك الرّواية إجماع ، والّا فالأولى ان تعود الباب كالمنسيّة ميراثا للورثة.
وإذا اوصى الإنسان لغيره بسيف ، وكان في جفن وعليه حلية ، كان السّيف له بما فيه وعليه إذا خرج من الثلث ، على ما رواه (١) أصحابنا.
وإذا اوصى بصندوق لغيره ، وكان فيه مال ، كان الصندوق بما فيه للذي اوصى له به ، إذا خرج من الثلث على ما رواه (٢) أصحابنا.
وكذلك ان اوصى له بسفينة وكان فيها متاع ، كانت السّفينة بما فيها للموصى له ، إذا خرج أيضا من الثلث ، الا ان يستثنى ما فيها.
وكذلك إذا اوصى بجراب ـ بكسر الجيم ـ وكان فيه متاع ، كان الجراب بما فيه للموصى له ، سواء كان الموصي عدلا أو فاسقا متهما على الورثة أو غير متهم ، لأنا لا نراعي في الموصي العدالة ، بل ثبوت العقل ، فإذا كان عاقلا تمضى وصيّته في ثلث ماله ، ولا تمضى في أكثر من ثلث ماله ، سواء كان عدلا أو فاسقا.
وقال شيخنا أبو جعفر رحمهالله في نهايته ـ بعد إيراده الوصيّة بالصندوق والسّفينة والسّيف والجراب ، ولم يقيد ان ذلك يجوز إذا خرج من الثلث ، بل قال كان الجراب بما فيه للموصى له ـ : هذا إذا كان الموصي عدلا مأمونا ، فان لم يكن عدلا وكان متهما ، لم تنفذ الوصيّة في أكثر من ثلثه من الصندوق والسفينة والسيف والجراب ، وما فيها (٣).
وقد قلنا ما عندنا في ذلك ، فليلحظ.
والى ما اخترناه ذهب شيخنا المفيد في مقنعته ، فإنه قال : وإذا اوصى إنسان لإنسان بصندوق مقفل ، وكان في الصندوق متاع بقدر الثلث ، أو دونه من تركته ، فالصندوق بما فيه للموصى له ، الا ان يستثنيه الموصي به وكذلك ان وصّى له
__________________
يكن هناك ما يرجع فيتذكره بطلت وصيّته.
(١) الوسائل : الباب ٥٧ من كتاب الوصايا.
(٢) الوسائل ، الباب ٥٨ من كتاب الوصايا.
(٣) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الوصيّة المبهمة.
بسفينة فيها طعام ، فالسّفينة بما فيها للموصى له ، الّا ان يستثنى ما فيها ، وكذلك ان وصّى له بجراب مشدود ، ووعاء مختوم ، فالجراب والوعاء وما فيهما للموصى له ، حسب ما قدمناه ، هذا أخر كلام شيخنا المفيد في مقنعته (١).
فإنّه قيد بان ما في الصندوق ، ويكون بقدر الثلث أو دونه من تركته ، وكذلك في السّفينة والجراب ، ولم يجز الوصيّة فيما زاد على الثلث بحال ، سواء كان عدلا مرضيّا أو فاسقا متّهما ، وهذا الذي يقتضيه مذهبنا ، وإجماعنا منعقد عليه ، لا خلاف بين أصحابنا فيه ، من انه لا يجوز الوصيّة من كل أحد بأكثر من الثلث ، سواء كان عدلا أو فاسقا.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، وإذا وصّى الإنسان بشيء معيّن لأعمامه وأخواله ، كان لأعمامه الثلثان ، وللأخوال الثلث (٢).
والذي يقتضيه مذهبنا ، انّ لكل واحد من أخواله مثل كل واحد من أعمامه ، يكون جماعة الموصى لهم من الأعمام والأخوال في الوصيّة سواء ، لأنّ ذلك ليس بميراث ، وما ذكره رحمهالله خبر واحد أورده في نهايته ، إيرادا لا اعتقادا ، وقد بينا أنّ اخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.
ثمّ قال رحمهالله بعد ذلك ، فإن أوصى الإنسان لأولاده وكانوا ذكورا وإناثا ، ولم يذكر كيفيّة القسمة فيه ، كان ذلك بينهم بالسّوية ، فإن قال هو بينهم على كتاب الله تعالى ، كان ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (٣).
إذا اوصى فقال أعطوا ثلث ما لي لقرابتي ، فإن الوصيّة تكون للمعروفين من أقاربه في العرف ، فيدخل فيه كل من يعرف في العادة انه من قرابته ، سواء كان وارثا أو غير وارث ، لان العرف يشهد بذلك ، وشاهد الحال وفحوى الخطاب.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، اتباعا لشيخه المفيد في مقنعته (٤) وإذا اوصى بثلث ماله لقرابته ، ولم يسم أحدا ، كان ذلك في جميع ذوي نسبه الراجعين الى آخر
__________________
(١) المقنعة ، باب الوصيّة المبهمة ، وفي المصدر ، وإذا وصّى الإنسان ص ٦٧٤.
(٢) و (٣) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الوصيّة المبهمة ، وفي المصدر ، وإذا اوصى.
(٤) المقنعة ، باب الوصيّة المبهمة ص ٦٧٥.
أب وأمّ له في الإسلام ، ويكون ذلك بين الجماعة بالسويّة (١).
الا انه رجع في مسائل خلافه (٢) ، وفي مبسوطة ، فقال في مبسوطة : إذا اوصى فقال أعطوا ثلث مالي لقرابتي أو لأقربائي ، أو لذي رحمي ، فالحكم في الكل واحد ، فقال قوم هذه الوصية للمعروفين من أقاربه في العرف ، فيدخل فيه كل من يعرف في العادة انه من قرابته ، سواء كان وارثا أو غير وارث ، وهو الذي يقوى في نفسي ، وقال قوم انه يدخل فيه كل ذي رحم محرم ، فامّا من ليس بمحرم له ، فلا يدخل فيه ، وان كان له رحم مثل بني الأعمام وغيرهم ، وقال قوم انها للوارث من الأقارب ، فامّا من ليس بوارث فإنّه لا يدخل فيه ، والأول أقوى ، لأن العرف يشهد به ، وينبغي ان يصرف في جميعهم ، ومن وافقنا على ذلك قال يصرف في جميعهم ، الّا الوارث ، فان اجازته الورثة صرف إليهم أيضا ، فيكون الذكر والأنثى فيه سواء ، وفي أصحابنا من قال انّه يصرف ذلك الى آخر أب وأم له في الإسلام ، ولم أجد به نصا ولا عليه دليلا مستخرجا ، ولا به شاهدا هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر في مبسوطة (٣).
وقال في نهايته : يصرف ذلك الى آخر أب وأم له في الإسلام.
الا ترى أرشدك الله ، قوله رحمهالله ، ولم أجد به نصا ولا عليه دليلا مستخرجا ، ولا به شاهدا ، فالركون الى ما يوجد في نهايته ، ويورده فيها إذا لم تعضده الأدلة خطأ لا يجوز ولا يحل الركون اليه ، وانما يورد ، اخبار آحاد ، وما يجده في مصنّفات أصحابنا ، إيرادا لا اعتقادا لصحّته ، والعمل به.
والوصيّة للجيران ، والعشيرة ، والقوم ، والمسلمين ، أو المؤمنين ، أو الهاشميين ، أو العلويّين ، وغيرهم ، مما يتناولهم الاسم العام ، على ما ذكرنا في باب الوقوف (٤) على السواء ، لا يختلف الحال في ذلك.
ومتى وصّى لحمل غير منفصل ، بل موجود في بطن امّه ، غير منفصل موجود
__________________
(١) النهاية كتاب الوصايا ، باب الوصيّة المبهمة.
(٢) الخلاف ، كتاب الوصايا ، مسألة ٢٤.
(٣) المبسوط ، ج ٤ ، كتاب الوصايا ، ص ٤٠.
(٤) في ص ١٦١ و ١٦٢.
في الأرض ، كانت الوصيّة ماضية ، فان سقط الحمل أو مات قبل وضعه وانفصاله من بطن امّه ، رجعت الوصيّة ميراثا على ورثة الموصي ، دون ورثة الموصي له ، فان وضعته امّه حيّا ، واستهل وصاح ، ثمّ مات ، كان ما اوصى له به ميراثا لورثته ، دون
ورثة الموصي ، هذا إذا قبل وارث الحمل المستهل للوصية بعد استهلاله ، على ما قررناه (١) من انّه متى تنتقل الوصية بموت الوصي ، أو بموته ، وقبول الموصى له الوصيّة ، فقد بيّناه.
ومن اوصى لا لحمل ، بل لمعدوم غير موجود في بطن امه ، كانت الوصيّة باطلة.
وإذا اوصى المسلم بثلثه للفقراء ، كان ذلك لفقراء المسلمين ، دون من عداهم من الناس ، وان اختلفوا في الآراء والمذاهب ، اللهم الا ان يعرف مراد الواقف ، ان كان وقفا ، أو الموصي ، ومن عناه بالذكر بمذهب له ، يدلّ على ذلك ، أو عادة له في الخطاب ، فيحكم عليه بذلك ، دون ما وصفناه من العموم ، فعلى هذا إذا اوصى الكافر للفقراء ، كان ذلك لفقراء أهل ملّته دون غيرهم.
وروى أصحابنا ، انّه إذا اوصى بوصايا وكان في جملتها الحجّ بدئ به ، لأنه فريضة (٢) ، وقد قدمنا ذلك وحرّرناه (٣).
وإذا اوصى بعتق مملوك ، وبشيء لقرابته ، ولم يبلغ ثلثه ، ذلك ، بدئ بالمملوك ، لأنه أول ، وما فضل بعد ذلك كان لمن اوصى له به.
وإذا اوصى بعتق ثلث عبيده ، وكان له عبيد جماعة ، استخرج ثلثهم عندنا بالقرعة ، وأعتقوا.
وإذا قال فلان وفلان من مماليكي أحرار بعد موتى ، وكانت قيمتهم أكثر من الثلث ، بدئ بالأوّل فالأوّل إلى ان يستوفى الثلث ، وكان النقصان فيمن ذكرهم أخيرا.
فإن ذكر جماعة من عبيده معدودين ، ولم يميّزهم بصفة ، ولا رتبهم في القول ،
__________________
(١) في ص ٢٠١.
(٢) الوسائل ، الباب ٦٥ من كتاب الوصايا ، ح ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤.
(٣) في ص ١٨٦.
واستخرجوا بالقرعة ، وأعتقوا.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإذا أعتق مملوكا له عند موته ، ولا يملك غيره ، أعتق ثلثه ، واستسعى فيما بقي لورثته (١).
قال محمّد بن إدريس رحمهالله ، ان أراد رحمهالله انه بت عتقه في حال حياته ، ولم يجعله مدبّرا بعد موته ، فإنه ينعتق جميعه ، ولا يستسعى في شيء لأن هذه عطيّة منجزة في الحال ، وليس هو تدبيرا بعد الموت على الصحيح من المذهب ، الّا على مذهب من قال من أصحابنا ، ان العطية المنجزة يكون أيضا مثل المؤخرة ، تخرج من الثلث إذا كانت في مرضه الموت ، والأوّل هو الأظهر بين الطائفة ، وعليه الفتوى ، وبه العمل ، لأنّ للإنسان التصرف في ماله ونفقته جميعه ، في مرضه الموت بغير خلاف ، وان أراد رحمهالله بـ « عند موته » بعد موته ، وجعله تدبيرا ، فنعم ما قال وذهب.
وروي انه إذا اوصى بعتق نسمة مؤمنة ، ولم يوجد ذلك ، جاز أن يعتق من أبناء الناس ممن لا يعرف بنصب ولا عداوة ، فإن وجدت مؤمنة ، لم يجز غيرها (٢).
والأظهر انّه لا يجزيه غير المؤمنة على كلّ حال ، لقوله تعالى « فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ـ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ » (٣).
فان اشترى نسمة على انها مؤمنة ، وكان ظاهرها ذلك ، فأعتقت ثم ظهر بعد ذلك انها لم تكن كذلك ، فقد مضى العتق وأجزأ عن الوصي ، لأنه المتعبد المكلف المخاطب بذلك ، وأجزأ أيضا عن الموصي.
وروي انه إذا اوصى بأن يعتق عنه رقبة بثمن معلوم ، فلم يوجد بذلك القدر ، ووجد بأكثر منه ، لم يجب شراؤه ، وتركت الوصيّة إلى وقت ما يوجد بالثمن المذكور ، فان وجد بأقل من ذلك ، اشتري واعطي الباقي ، ثم أعتق (٤).
__________________
(١) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الوصيّة المبهمة ، وفي المصدر ، انعتق ثلثه.
(٢) الوسائل ، الباب ٧٣ من كتاب الوصايا ، ح ٢ ، وفي الرواية ، فأوحى بعتق نسمة مسلمة ..
(٣) سورة البقرة ، الآية ١٨١.
(٤) الوسائل ، الباب ٧٧ ، من كتاب الوصايا ، ح ١.
وروي انه إذا اوصى الإنسان بعتق جميع مماليكه ، وله مماليك يخصونه ، ومماليك بينه وبين غيره ، أعتق من كان في ملكه ، وقوّم من كان في الشّركة ، واعطي شريكه حقه ، ان كان ثلثه يحتمل ذلك ، وان لم يحتمل ، أعتق منهم بقدر ما يحتمله (١).
والذي يقوى عندي ، انه لا يقوّم من في الشركة ، بل يعتق منهم بقدر ما يملكه ، ولا يعطى شريكه ثمن حصّته ، وان كان ثلثه يحتمل ذلك ، لانه بعد موته لا يملك الثلث إذا لم يوص به ، لأنّ الموت يزول به ملكه الّا ما استثنى من ثلثه ، وهذا ما استثنى شيئا.
إذا اوصى الإنسان فقال حجوا عني بثلثي حجة ، ومات ، فقد أوصى بأن يحج عنه بجميع ثلثه ، فينظر فيه ، فان كان ثلث ما له بقدر اجرة من يحج عنه ، فإن للوصي أن يستأجر من يحج عنه ، سواء كان وارثا أو أجنبيّا ، بلا خلاف ، وان كان ثلث ماله أكثر مما يحج به من اجرة المثل ، فكذلك عندنا ، وعند المخالف يستأجر من يحج عنه بجميع ثلثه إذا كان أجنبيّا ، ولا يجوز ان يستأجر وارثا ، لان ما زاد على اجرة المثل وصيّة بالمحاباة ، وذلك لا يصح للوارث ، وعندنا ان ذلك يصح.
وإن قال حجّوا عني بثلثي ، ولم يقل حجّة واحدة ، فقد اوصى ان يحج عنه بثلثه ، فينظر في ذلك ، فان كان ثلثه بقدر ما يحج به حجة واحدة ، استؤجر من يحج عنه ، سواء كان وارثا أو غير وارث ، وان كان ثلث ماله أكثر من اجرة مثله ، فإنه لا يجوز ان يستأجر عنه بأكثر منه ، وينظر في الزيادة ، فإن أمكن ان يستأجر بها من يحج عنه حجة أخرى ، فعل ، وان لم يمكن ردت الزيادة إلى الورثة ، لأن الوصيّة متى لم تصح في الوجه الذي صرفه (٢) فيه ، رجعت الى الورثة ، والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها ، ان فيما قبلها أوصى بأن يحج عنه حجة واحدة بجميع ثلثه ، فلأجل هذا لم تراع اجرة المثل.
إذا اوصى الإنسان ان يحج عنه ولم يقل بثلثي ، ولم يبين كم يحج عنه؟ فإنه
__________________
(١) الوسائل ، الباب ٧٤ من كتاب الوصايا ، ح ٢.
(٢) ج. صرفها فيه.
يجب ان يحج عنه حجة واحدة ، لأنه قد امتثل المأمور به.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : إذا اوصى الإنسان ان يحج عنه ، ولم يبين كم يحج عنه؟ فإنه يجب ان يحج عنه ما بقي من ثلثه شيء (١).
وهذا غير واضح ، الان ان يقيده بالثلث ، بان يقول حجوا عني بثلثي على ما قدمناه وحررناه.
الا ان شيخنا رجع عنه في مبسوطة (٢) ، وحرره كما حرّرناه.
وإذا اوصى ان يحج عنه في كل سنة من ارتفاع ضيعة بعينها ، فلم ترتفع كل سنة مقدار ما يحج عنه به ، جاز أيضا ان يجعل ارتفاع سنتين وثلث ، لسنة واحدة ، وحج به عنه.
وفقه هذا على ما قدمناه (٣) ، « من ان من اوصى بغلة الضيعة له ، أو بستان ، أو ثمرة نخلة ، للإنسان على التأبيد » ، فإن ارتفاع الضيعة ان كان موجودا في وقت موته ، ولم يخلف غير الضيعة المعيّنة ، فإن الضيعة تقوم ، وتؤخذ للحج بقدر ثلث جميع ما قوم ، فان كان الارتفاع بقدر الثلث ، فقد استوفي ، وحج به كلّ سنة ، الى ان ينفد ، وان نقص الارتفاع عن الثلث ، استوفي في المستقبل من الارتفاع تمام الثلث ، ويعود ملك الضيعة إلى الورثة بعد استيفاء ثلث جميع ما كان في ملك الميّت الذي ذكرناه ، انه يقوم بعد الموت ، هذا إذا لم يخلف الميت ثلثين ، كل ثلث بقدر قيمة الارتفاع المذكور الموجود غير الثلث الذي هو الارتفاع المذكور الموجود ، فان كان الارتفاع معدوما وقت موت الموصي ، فإن الجميع يقوّم ويؤخذ في المستقبل بقدر الثلث ممّا تخرج الضيعة ، الى ان يستوفي قدر الثلث ، فيحج به ، وترجع الضيعة إلى الورثة بعد ذلك ، فليلحظ هذا الموضع ، ويحصّل ما قلناه ، فإنه غامض ملتبس فليفهم عنا ما حرّرناه.
__________________
(١) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الوصيّة المبهمة.
(٢) المبسوط : ح ٤ ، كتاب الوصايا ص ٢٣ ، والعبارة هكذا ، وان أطلق ، فيهم من قال يحج من ثلثه ، وذهب الأكثر إلى انّه من رأس المال وهو مذهبنا ..
(٣) في ص ٢٠١.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإذا قال حجوا عنى حجوا عني حجة واحدة ، فإن كانت حجة الإسلام ، حج عنه من أصل المال ، وان كانت تطوّعا حج عنه من الثلث ، فان لم يبلغ الثلث مقدار ما يحجّ عنه من الموضع ، حج عنه من الموضع الذي يمكن ذلك فيه (١).
وذهب في مبسوطة إلى انه لا يجب ان يحج عنه ، سواء كانت الحجة واجبة أو مندوبة ، ولا يلزم الورثة الأجرة والاستيجار ، الا من ميقات أهله الذي هو ميقات الإحرام (٢).
وما ذكره في نهايته ، هو الصحيح الذي تشهد به الروايات عن الأئمة عليهمالسلام ، ولان الحج يجب على المال والبدن ، ويجب عليه الخروج من بلده ، والنفقة لمسافته من مصره وبلدته ، فإذا عدم البدن ، سقط عنه ، وبقي في المال من الموضع الذي كان تجب عليه النفقة منه ، لو كان حيا.
وإذا قال الموصي لوصيّه ، أعط إنسانا كل سنة شيئا معينا ، فمات الموصى له ، كان ما اوصى له لورثته ، الّا ان يرجع فيه الموصي ، فإن رجع فيه ، كان ذلك له ، سواء رجع فيه قبل موت الموصى له ، أو بعد موته ، فان لم يرجع في وصيّته حتى يموت ، ولم يخلف الموصى له أحدا ، رجعت الوصيّة على ورثة الموصي ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (٣).
والذي يقتضيه أصول مذهبنا أنه لإمام المسلمين مع قبوله للوصيّة ، لأنّ الإنسان لا بدّ له من وارث ، اما من ذوي الأنساب ، أو من ذوي الأسباب ، فليتأمل ذلك.
وإذا قال الموصي أعطوا فلانا كذا ، ولم يقل انه له ، ولا امره فيه بأمر وجب تسليمه اليه ، وكان الأمر في ذلك اليه ، ان شاء أخذه لنفسه ، وان شاء تصدق به عنه ، كل ذلك جائز له فعله.
__________________
(١) النهاية : كتاب الوصايا ، باب الوصيّة المبهمة.
(٢) المبسوط ج ٤ ص ٢٣ والظاهر ان العبارة منقولة بالمعنى.
(٣) النهاية : كتاب الوصايا ، باب الوصيّة المبهمة.
باب الإقرار في المرض والهبة فيه وغير ذلك
إقرار المريض على نفسه جائز للأجنبي وللوارث وعلى كل حال ، إذا كان عقله ثابتا في حال الإقرار ، ويكون ما أقربه من أصل المال ، سواء كان عدلا أو فاسقا متهما على الورثة ، أو غير متهم ، وعلى كل حال ، سواء كانت مع المقر له بيّنة ، أو لم تكن ، لإجماع أصحابنا المنعقدان إقرار العقلاء جائز فيما يوجب حكما في شريعة الإسلام.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : إقرار المريض على نفسه جائز للأجنبي وللوارث على كل حال ، إذا كان مرضيا موثوقا بعدالته ، ويكون عقله ثابتا في حال الإقرار ، ويكون ما أقربه من أصل المال ، فان كان غير موثوق به ، وكان متهّما ، طولب المقرّ له بالبيّنة ، فإن كانت معه بيّنة ، اعطي من أصل المال ، وان لم تكن معه بيّنة ، اعطي من الثلث إن بلغ ذلك ، فان لم يبلغ فليس له أكثر منه ، هذا أخر كلامه رحمهالله (١).
وقد قلنا ما عندنا في ذلك ، الّا ان شيخنا رجع عن ذلك في مبسوطة (٢) ، ومسائل خلافه ، في كتاب الإقرار : قال مسألة : إذا أقر بدين في حال صحّته ثم مرض ، فأقر بدين آخر في حال مرضه ، نظر فان اتسع المال لهما ، استوفيا معا ، وان عجز المال ، قسّم الموجود منه على قدر الدينين ، ثم قال أيضا مسألة. يصح الإقرار للوارث في حال المرض ، ثم استدل ، فقال ، دليلنا انه لا مانع يمنع منه ، والأصل جوازه ، وأيضا قوله تعالى « كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ » (٣) والشهادة على النفس هو الإقرار ، وذلك عام في جميع الأحوال لكل أحد ، والتخصيص يحتاج إلى دلالة ، وأيضا قوله تعالى « قالُوا أَقْرَرْنا ، قالَ فَاشْهَدُوا » (٤) وهذه أيضا عامة وعلى المسألة إجماع الفرقة ، هذا أخر كلامه
__________________
(١) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الإقرار في المرض ..
(٢) المبسوط ، كتاب الإقرار ، ج ٣ ، ص ١٣.
(٣) سورة النساء ، الآية ١٣٥.
(٤) سورة آل عمران ، الآية ٨١.
واستدلاله (١).
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ومتى أقر الإنسان بشيء ، وقال لوصيّه سلّمه إليه ، فإنه له ، وطالب الورثة الوصي بذلك ، فان كان المقر مرضيّا عند الوصي ، جاز له ان ينكر ، ويحلف عليه ، ويسلّم الشيء الى من أقر له به ، وان لم يكن مرضيّا لم يجز ذلك له ، وعليه ان يظهره ، وعلى المقر له البيّنة بأنه له ، فان لم يكن معه بينة ، كان ميراثا للورثة ، هذا آخر كلامه (٢).
قال محمّد بن إدريس رحمهالله ، هذا غير مستقيم ، وأصول مذهبنا بخلافه ، وقد دللنا على صحّة ذلك فيما مضى (٣) ، والواجب على الوصي ان يسلمه الى من أقر له به ، سواء كان المقر مرضيّا أو غير مرضي ، لأن إقرار العاقل الحرّ جائز على نفسه.
وشيخنا أبو جعفر قد رجع عن مثل هذا في مسائل خلافه على ما حكيناه عنه واستدل على صحة ما أوردناه عنه ، فلا معنى لا عادته ، وهذه اخبار آحاد أوردها في كتابه النهاية ، على ما وجدها.
وقال شيخنا في نهايته : وإذا كان عليه دين ، فاقرّان جميع ما في ملكه لبعض ورثته ، لم يقبل إقراره إلا ببيّنة ، فان لم يكن مع المقرّ له بينة ، اعطى صاحب الدين حقه ، أولا ، ثم ما يبقي يكون ميراثا (٤).
ما ذكره رحمهالله صحيح ، إذا اضافه الى نفسه ، ولم يقل بأمر حقّ واجب ، فامّا ان أطلق إقراره ولم يقل « جميع ما في ملكي » أو « هذه داري » لفلان ، بل قال هذه الدّار لفلان ، أو جميع هذا الشيء لفلان ، كان ذلك صحيحا سواء كان المقر له وارثا أو غير وارث ، في صحة كان إقراره أو مرض ، وعلى جميع الأحوال ، إذا كان عاقلا ثابت الرأي ، وقد دللنا على صحة ذلك ، وانّما لم تصح المسألة الأولى التي ذكرها شيخنا وحكيناها عنه ، لأنه اضافه الى نفسه ، بان قال « جميع ما في ملكي »
__________________
(١) الخلاف ، كتاب الإقرار ، مسألة ١٢ ـ ١٣.
(٢) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الإقرار في المرض.
(٣) في ص ٢١٧.
(٤) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الإقرار في المرض ..
فإضافة إليه فكيف يصحّ ان يكون ملكه لغيره ، الّا بانتقال شرعي ، لأنّه يكون في قوله « هذه داري لفلان » مناقضا ، وقد دللنا على ذلك وشرحناه وحررناه في كتاب الإقرار (١) ، فليلحظ من هناك.
وإذا قال لفلان وفلان لأحدهما عندي ألف درهم ، فمن أقام البينة منهما ، كان الحق له ، فان لم يكن مع أحدهما بينة ، كان الالف بينهما نصفين ، على ما روي في بعض الاخبار (٢).
والذي يقتضيه مذهبنا استعمال القرعة في ذلك ، دون قسمته نصفين ، لإجماع أصحابنا المنعقد ان كل أمر مشكل يستعمل فيه القرعة ، وان قلنا نرجع في التفسير إلى الورثة ، كان قويّا معتمدا.
وإذا أقر بعض الورثة بدين على الميّت ، جاز إقراره على نفسه ، ولزمه بمقدار ما يخصّه ، إذا كان غير مرضيّ ، وقد حررناه هذا القول ، وأشبعناه في باب قضاء الدّين عن الميّت (٣) ، وقلنا ما عندنا فيه ، فليرجع اليه ، ويعتمد ما أومأنا إليه من الأدلّة ، فهي العمدة. وكذلك إذا كان المقرّون جماعة ، وليس فيهم مقبول الشّهادة ، فامّا ان كان أقر واحد وهو مرضى ، فان المقرّ له يحلف مع شهادته ، وقد استحقّ جميع ما شهد له به ، لأنا عندنا يقبل الشاهد ويمين المدعي في المال ، وكل ما المقصود منه المال ، وهذا مال.
وأوّل ما يبدأ به من التركة الكفن ، ثم الدين ، ثم الوصيّة ، ثم الميراث.
وإذا كان على الميّت دين ، وخلف مالا دون ذلك ، قضي بما ترك دينه ، وليس هناك وصية ، ولا ميراث ، ويكون ذلك بين أصحاب الديون بالحصص ، فان وجد متاع بعض الديان بعينه ، وكان فيما بقي من تركته وفاء لديون الباقين ، رد عليه متاعه بعينه بنمائه المتصل دون نمائه المنفصل ، هذا إذا اختار ذلك ، وقضي دين الباقين من التركة ، فان لم يخلف غير ذلك المتاع ، كان صاحبه وغيره من الديان فيه سواء ، يقتسمون بينهم على قدر أموالهم.
__________________
(١) الجزء الثاني ص ٥٠٦.
(٢) الوسائل ، الباب ٢٥ من كتاب الوصايا ، ح ١.
(٣) الجزء الثاني ص ٤٧.
وإذا قتل إنسان وعليه دين ، وجب على أوليائه ان يقضوا دينه من ديته إذا كان القتل يوجب المال ، وقد روي (١) انّه سواء كان قد قتل خطا أو عمدا ، فان كان قد قتل عمدا على هذه الرّواية ، وأرادوا أولياؤه القود ، أو العفو ، لم يكن لهم ذلك ، الا بعد ان يرضوا أصحاب الديون أولا ، ثم ان شاءوا بعد ذلك قتلوا وان شاءوا عفوا عنه ، وإن شاءوا قبلوا الدّية ، هذه الاحكام عند من عمل بهذه الرواية من أصحابنا.
ومن لم يعمل بها قال انا احملها على قتل الخطأ الذي يوجب المال ، دون القتل الذي يوجب القود ، لانه على مذهبنا موجبه شيء واحد وهو القود ، دون المال ، ولأن الرواية إذا لم تخص بالقتل الذي يوجب المال ، ضادّت القرآن ، وهو قوله ، تعالى ، « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ » (٢) فالعامل بها لم يجعل له سلطانا جملة ، وأيضا تقف الاحكام ، لان للولي أن يقول ما أؤدي إليك يا صاحب الدين مالك ، ويقول له صاحب الدين لا أمكنك من القود ، والقاتل إذا طولب بالدية ليقضي الدين عن الميت ، ان يمتنع من الأداء ، لأنه لا يجب عليه الا القود عندنا ، دون المال بلا خلاف بيننا ، فتعطل حينئذ الاحكام ، وقد شرحنا ذلك فيما مضى في كتاب الديون ، وبسطناه وحررناه (٣).
وإذا قال الموصي لوصيّه اقض عنّي ديني ، وجب عليه ان يبدأ به قبل الميراث ، فان تمكن من قضائه ولم يقضه وهلك المال ، كان ضامنا له ، وليس على الورثة لصاحب الدين سبيل ، ان كان قد صار إليهم من التركة حقهم ، وان كان قد عزله الوصي من أصل المال ، وقسم الباقي بينهم ، ولم يتمكن من إعطائه أصحاب الديون ، وهلك من غير تفريط من جهته ، كان لصاحب الدين مطالبة الورثة بالدين ، من الذي صار إليهم وأخذوه واقتسموه.
ومن أقرّ أن عليه زكاة سنين كثيرة ، وأمر بإخراجها عنه ، وجب ان تخرج من
__________________
(١) الوسائل الباب ٥٩ من كتاب القصاص ، ح ١ ـ ٢.
(٢) سورة الإسراء الآية ٣٣.
(٣) الجزء الثاني ، ص ٤٨.