كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

وروي عنه عليه‌السلام انه قال إدمان أكل السّمك الطري يذيب الجسم (١).

وروي ان أكل التمر بعد السّمك الطري ، يذهب أذاه (٢).

وروى عنه عليه‌السلام ، انّ رجلا شكا اليه وجع الخاصرة فقال عليه‌السلام له عليك بما يسقط من الخوان ، فكله ، ففعل فعوفي (٣).

وروي عند عليه‌السلام انه قال الريح الطيبة تشد العقل ، وتزيد في الباه (٤).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه نهى عن أكل الطفل الطين ، والفحم ، وقال من أكل الطين ، فقد أعان على نفسه ، ومن اكله ومات لم يصلّ عليه ، وأكل الطين يورث النفاق (٥).

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : فضلنا أهل البيت على الناس كفضل البنفسج على سائر الأدهان (٦).

وروي عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام انه قال من أكل الرّمان بشحمه ، دبغ معدته (٧).

والسفرجل يذكى القلب الضّعيف ، ويشجع الجبان (٨).

وروي عن سيّدنا أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه‌السلام انه قال الخل يسكن المرار ، ويحيي القلب ، ويقتل دود البطن ، ويشد الفم (٩).

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٨ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٢٧ من أبواب الأطعمة المباحة.

(٣) الوسائل الباب ٧٦ من أبواب آداب المائدة الحديث ١.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ٤٢ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ٦٥ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٢.

(٦) بحار الأنوار ج ٥٩ من الطبع الجديد ص ٢٢١ الباب ٨٠ الحديث ٣.

(٧) الوسائل ج ١٧ في الباب ٨٧ باب أكل الرمان بشحمه الحديث ٨ عن علي عليه‌السلام قال : كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ للمعدة.

(٨) الوسائل الباب ٩٣ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٤.

(٩) مستدرك الوسائل الباب ٣٤ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٥ و ٧ والظاهر ان النقل من ضم الحديثين.

١٤١

فهذه جملة مقنعة من جملة ما ورد عن الأئمة عليهم‌السلام في هذا الباب ، وإيراد جميعه لا يحصى ولا يسعه كتاب.

فامّا ما ورد عنهم عليهم‌السلام في الاستشفاء بفعل الخير والبر والتعوّذ ، والرقى ، فنحن نورد من جملة ما ورد عنهم عليهم‌السلام في ذاك ، جملة مقنعة بمشية الله تعالى.

وروي عن سيّدنا أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه‌السلام انّه قال ثلاثة يذهبن النّسيان ، ويحددن الفكر ، قراءة القرآن ، والسّواك ، والصّيام (١).

وروي عنه عليه‌السلام ان بعض أهل بيته ذكر له أمر عليل عنده ، فقال ادع بمكتل ، فاجعل فيه برّا ، واجعله بين يديه ، وأمر غلمانك إذا جاء سائل أن يدخلوه اليه ، فينا وله منه بيده ، ويأمره أن يدعو له ، قال أفلا اعطى الدنانير والدّراهم ، قال اصنع ما آمرك به ، فكذلك رويناه ، ففعل فرزق العافية (٢).

وروي عنه عليه‌السلام انه قال ارغبوا في الصدقة ، وبكروا فيها ، فما من مؤمن تصدق بصدقة حين يصبح ، يريد بها ما عند الله ، الا دفع الله بها عنه شرّ ما ينزل من السّماء ذلك اليوم ، ثم قال لا تستخفّوا بدعاء المساكين للمرضى منكم ، فإنه مستجاب لهم فيكم ، ولا يستجاب لهم في أنفسهم (٣).

وروي عنه عليه‌السلام ان رجلا من أصحابه شكا اليه وضحا أصابه بين عينيه ، وقال بلغ مني يا ابن رسول الله مبلغا شديدا ، فقال عليك بالدعاء وأنت ساجد ، ففعل فبرئ منه (٤).

وروي عنه عليه‌السلام انه قال إذا أصابك هم ، فامسح يدك على موضع سجودك ، ثم مرّ يدك على وجهك من جانب خدك الأيسر ، وعلى جبينك الى جانب خدك الأيمن ، ثم قل بسم الله الّذي لا إله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، اللهم أذهب عني الهم والحزن ثلاثا (٥).

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١ من أبواب السواك ح ١١ ، وفي المصدر ، يحدثن الذكر.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٤ من أبواب الصدقة ح ٥.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٣ من أبواب الصدقة ح ٢.

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) الوسائل الباب ٥ من أبواب سجدتي الشكر الحديث ١ مع اختلاف يسير.

١٤٢

وروي عنه عليه‌السلام انه قال من قال كلّ يوم ثلاثين مرّة ـ بسم الله الرحمن الرّحيم ، الحمد لله رب العالمين ، تبارك الله أحسن الخالقين ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم ، ـ دفع الله عنه تسعة وتسعين نوعا من البلاء ، أهونها الجذام (١).

وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام انه قال مرضت فعادني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانا لا أتقار على فراشي ، فقال يا علي ان أشد النّاس بلاء النبيّون ثم الأوصياء ، ثمّ الذين يلونهم ، أبشر فإنها حظك من عذاب الله ، مع مالك من الثواب ، ثم قال أتحبّ ان يكشف الله ما بك؟ قال قلت بلى يا رسول الله.

قال قل ، ـ اللهم ارحم جلدي الرقيق ، وعظمي الدقيق ، وأعوذ بك من فورة الحريق ، يا أم ملدم ، ان كنت أمنت بالله ، فلا تأكلي اللحم ، ولا تشربي الدم ، ولا تفوري من الفم ، وانتقلي الى من يزعم انّ مع الله إلها أخر ، فإنّي اشهد ان لا الله الا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمّدا عبده ورسوله ـ ، قال فقلتها ، فعوفيت من ساعتي. قال جعفر بن محمّد عليه‌السلام ما فزعت اليه قط ، الّا وجدته وكنا نعلمه النساء والصّبيان (٢).

وروي عن سيّدنا أبي جعفر محمّد بن علي عليه‌السلام انه قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجلس الحسن على فخذه اليمنى ، والحسين على فخذه اليسرى ، ثم يقول أعيذكما بكلمات الله التامات كلّها ، من شرّ كلّ شيطان ، وهامة ، ومن كل عين لامة ، ثم يقول هكذا كان إبراهيم أبي عليه‌السلام يعوّذ بنيه إسماعيل وإسحاق عليهم‌السلام (٣).

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال من ساء خلقه ، فأذّنوا في اذنه (٤).

وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله انه نهى عن السحر ، والكهانة ، والقيافة ، والتمائم (٥) ، فلا يجوز استعمال شي‌ء من ذلك على حال.

هذه جملة مقنعة ، واستقصاء ذلك يطول به الكتاب ، ويحصل به الإسهاب.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الذكر ، ح ٦ وفي المصدر ، أهونها الجنون.

(٢) البحار : ج ٩٥ باب عودة الحمى وأنواعها ، ص ٣١ ح ١٥ مع تفاوت يسير وحذف الذيل.

(٣) البحار ، ج ٦٤ ، باب قنبرة ص ٣٠٠.

(٤) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب الأذان والإقامة ، ح ٢ ، الّا انه مروي عن الصادق عليه‌السلام.

(٥) لم نعثر عليه.

١٤٣
١٤٤

كتاب السبق والرماية

١٤٥

كتاب السبق والرّماية

قال الله تعالى ، « وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ » (١).

وروى عقبة بن عامر (٢) ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الا ان القوّة الرمي ، إلا ان القوة الرمي إلا أن القوة الرمي (٣).

ووجه الدلالة ان الله تعالى أمرنا بأعداد الرمي ، ورباط الخيل ، للحرب ولقاء العدو ، والاعداد لذلك ، ولا يكون كذلك الّا بالتعلّم ، والنهاية في التعلّم المسابقة بذلك ، ليكدّ كلّ واحد نفسه في بلوغ النهاية ، والحذق فيه ، وكان في ضمن الآية دليل على ما قدمناه.

وروى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال لا سبق إلا في نصل ، أو خف ، أو حافر (٤).

وروى انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سابق بين الخيل المضمرة ، من الحقباء الى ثنية الوداع ، وكان للرسول ناقة يقال لها العضباء ، إذا سابقت سبقت ، فجاء أعرابي على بكر فسبقها ، فاغتم المسلمون ، فقيل يا رسول الله سبقت العضباء ، فقال حق على

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ٦٠.

(٢) ج. ل. عقبة بن عمار.

(٣) مجمع البيان في تفسير الآية رواه عن عقبة الّا ان فيه « الا ان القوة الرمي » مرة واحدة.

(٤) الوسائل الباب ٣ من كتاب السبق والرماية الحديث ٤ مع اختلاف ، قليل فان فيه « لا سبق إلا في حافر أو نصل أو خف ».

١٤٦

الله ان لا يرفع شيئا في الأرض الّا وضعه (١).

وروى عنه عليه‌السلام انه قال : تناضلوا ، واحتفّوا ، واخشوشنوا ، وتمعددوا (٢).

قوله تناضلوا ، يعنى تراموا والنضال الرمي ، واحتفّوا ، يعني امشوا حفاة ، واخشوشنوا ، البسوا الخشن من الثياب ، وأراد ان يعتادوا الحفاء وتمعددوا ، تكلموا بلغة معد بن عدنان ، فإنها أفصح اللغات.

وعليه إجماع الأمّة ، وانما الخلاف في أعيان المسائل.

فإذا تقرر جواز ذلك ، فالكلام فيما يجوز المسابقة عليه ، وما لا يجوز.

فما تضمنه الخبر من النصل ، والحافر ، والخف ، يجوز المسابقة به ، فالنصل ضربان ، نشّابة ، وهي للعجم ، والأخر السهم ، وهو للعرب والمزاريق وهي الردينيات (٣) والسيوف ، وكل ذلك من النصل.

ويجوز المسابقة عليه بعوض لقوله عليه‌السلام ـ لا سبق إلا في نصل ، أو خف ، أو حافر ـ ، وكل ذلك يتناوله اسم النصل.

فاما الخف فضربان ، إبل وفيلة ، وكلاهما يجوز عندنا المسابقة عليهما بعوض.

فاما الحافر ، والخيل والبغال والحمير ، فيجوز المسابقة عليها ، لقوله عليه‌السلام ـ أو حافر ـ ، وهذه الأجناس ذوات حوافر.

فاما ما لم يرد فيه الخبر ، فمذهبنا انه لا يجوز المسابقة به لأن النبيّ عليه‌السلام نهى ان يكون المسابقة إلّا في هذه الثلاثة الأشياء ، فعلى هذا التحرير لا يجوز المسابقة بالطيور ، ولا على الاقدام ، وشبل الأحجار ، ودحوها ، والمسارعة ، والسفن ، ونطاح الكباش ، وغير ذلك.

فإذا ثبت ذلك ، فإذا قال إنسان لاثنين ، ـ أيكما سبق بفرسه الى كذا ، فله عشرة

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٣ من كتاب السبق والرماية الحديث ٤ الّا انه لم يذكر صدر الحديث اعني قوله ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سابق بين الخيل المضمرة من الحقباء الى ثنية الوداع.

(٢) الوسائل. لم تجد الحديث في مظانه من كتب الاخبار.

(٣) الردينيات. واحدتها الرديني وهو الرمح نسبة الى ردينة وهي امرأة اشتهرت بتقويم الرماح.

١٤٧

دراهم ـ صح لان كلّ واحد منهما يجتهدان يسبق وحده ، فاما ان كان المسبق أحدهما ، فقال أينا سبق فله عشرة ، ان سبقت أنت فلك العشرة ، وان سبقت انا فلا شي‌ء عليك ، فإنه جائز عندنا ، لأن الأصل جوازه.

فإن أخرج كلّ واحد منهما عشرة ، ويقول من سبق فله العشرون معا ، فان لم يدخلا بينهما محللا ، فان المخالف لا يجيزه ، ويجعله قمارا ، وعندنا انه لا يمتنع جوازه ، لأن الأصل الإباحة ، فامّا ان أدخلا بينهما ثالثا ، لا يخرج شيئا وقالا : ان سبقت أنت ، فلك السبقان معا فإنه يجوز ذلك عندنا ، لأن الأصل الجواز.

والاعتبار بالسّبق بالكتد ، أو الهادي ، عند الأكثر ، وقال قوم شذاذ ، الاعتبار بالاذن.

ولا يجوز المسابقة حتى يكون ابتداء الغاية التي يجريان منها ، والانتهاء التي يجريان إليها ، معلوما.

وامّا في المناضلة بالسّهام والنشاب ، فإذا تناضلا على الإصابة ، جاز ، وان تناضلا على أيّهما أبعد رميا ، جاز أيضا عندنا.

والنضال ، اسم يشتمل على المسابقة بالخيل والرّمي معا ، ولكل واحد منهما اسم ينفرد به ، فالمناضلة في الرمي ، والرهان في الخيل.

وجميع احكام الرهان معتبرة في النضال ، الا من وجه واحد ، وهو ان المسابقة لا تصح حتى يعين الفرس ، ومتى نفق لم يستبدل صاحبه غيره ، وفي النضال لا يحتاج الى تعيّن القوس ، ومتى عينها ، لم يتعين ، ومتى انكسرت ، كان له ان يستبدل بها ، لان المقصود من النضال الإصابة ومعرفة حذق الرامي ، وهذا لا يختلف لأجل القوس ، والقصد في المسابقة معرفة السابق ، فلهذا اختلف باختلاف الفرس.

لا تصح المناضلة الا بسبع شرائط ، وهو ان يكون الرشق معلوما ، وعدد الإصابة معلوما ، وصفة الإصابة معلومة ، والمسافة معلومة ، وقدر الغرض معلوما ، والسبق معلوما ، فالرشق ـ بكسر الراء عبارة عن عدد الرمي.

قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة الخازق ما خدش الغرض ولم يثبت فيه ،

١٤٨

والخواسق ما فتح الغرض وثبت فيه (١) ، وقال الجوهري ، في كتاب الصحاح الخازق من السهام المقرطس ، وقد خزق السّهم يخزق ، ويقال خزقتهم بالنبل ، اي اصبتهم بها ، وقال الخاسق لغة في الخازق من السهام ، وهو بالخاء المعجمة ، والزاء المعجمة ، والقاف ، والخاسق بالخاء المعجمة أيضا ، والسين غير المعجمة.

والهدف هو التراب المجموع الذي ينصب فيه الغرض. والغرض هو الذي ينصب في الهدف ، ويقصد اصابته ، ويكون من رق ، أو جلد ، أو ورق ، أو قرطاس.

فاما السبق ، فعبارة عن المال المخرج في المناضلة.

اختلف الناس في عقد المسابقة ، هل هو من العقود اللازمة أو الجائزة؟ قال قوم هو من العقود الجائزة ، وهو الذي اختاره شيخنا في مسائل خلافه (٢) ، وقال اخرون هو من العقود اللازمة ، وهو الذي يقوى في نفسي ، لقوله تعالى « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » (٣) وهذا عقد يجب الوفاء به.

إذا تلبسا بالنضال ، ففضل لأحدهما أصابه ، فقال المفضول اطرح الفضل بدينار حتى نكون في عدد الإصابة ، سواء ، لم يجز ، لان موضوع النضال على ان ينضل أحدهما صاحبه بحذقه ، فإذا طرح بما نضله ، لما طرح من عدد الإصابة ، لا لحذقه ، وإذا لم يصح ، فعليه رد ما بذله ، ويعود الى عدد اصابته فيكون على الرمي على إكمال الرشق ، ليتبين الناضل منهما.

__________________

(١) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب السبق والرماية ص ٢٩٧ ، وفي المصدر ، الخوارق ، بالراء غير المعجمة.

(٢) الخلاف ، كتاب السبق ، مسألة ٩.

(٣) سورة المائدة ، الآية ١.

١٤٩
١٥٠

كتاب

الوقوف والصدقات

١٥١

كتاب الوقوف والصدقات

وجوه العطايا ثلاثة : اثنان منها في حال الحياة وواحد بعد الوفاة.

فالذي بعد الوفاة الوصيّة ، ولها كتاب منفرد نذكره فيما بعد ، ان شاء الله تعالى.

وامّا اللّذان في حال الحياة فهما الهبة والوقف ، فان قيل : والصدقة ، قلنا : الوقوف في الأصل صدقات ، فلأجل هذا لم نذكرها.

والهبة لها باب مفرد يجي‌ء فيما بعد ، ان شاء الله.

واما الوقوف فهذا موضعها ، فإذا ثبت هذا ، فالوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ، وجمعه وقوف وأوقاف ، يقال : وقفت ، ولا يقال : أوقفت ، إلّا شاذا نادرا ، ويقال : حبست ، وأحبست.

فإذا وقف شيئا زال ملكه عنه ، إذا قبّض الموقوف عليه أو من يتولى عنه ، وان لم يقبّض لم يمض الوقف ، ولم يلزم ، فإذا قبّض الوقف فلا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك ، ولا التصرف فيه ببيع ولا هبة ولا غيرهما ، ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه ، سواء أحدث الموقوف عليه ما يمنع الشرع من معونته ، أو لم يحدث ، لانه بعد قبضه قد صار ملكا من أملاكه ، ومالا من أمواله ، فله حكم سائر أمواله.

وقال شيخنا المفيد « في مقنعته » « الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها ، الا ان يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم ، والقربة الى الله بصلتهم ، أو يكون تغييرا لشرط في الوقف الى غيره أدرّ عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله » (١).

__________________

(١) المقنعة ، باب الوقوف والصدقات ص ٦٥٢.

١٥٢

والذي يقتضيه مذهبنا أنه بعد وقفه وتقبيضه لا يجوز الرجوع فيه ، ولا تغييره عن وجوهه وسبله ، ولا بيعه ، سواء كان بيعه أدرّ عليهم أم لا ، وسواء اخربه الوقف (١) ولا يوجد من يراعيه بعمارة ، من سلطان وغيره ، أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا لأنّا قد اتفقنا جميعا على أنه وقف ، وانّه لا يجوز حلّه ولا تغييره عن وجوهه وسبله ، فمن ادعى غير ذلك فقد ادعى حكما شرعيّا ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، لأنه لا إجماع منا على ذلك ، لان بعض أصحابنا يذهب اليه ، والباقون يمنعون منه ، فقد حصل الإجماع المنعقد على كونه وقفا ، ولم يجمعوا على خروجه من الوقف ، بحال من الأحوال ، ولا يرجع في مثل هذا الإجماع والأصل الى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.

فانّ شيخنا أبا جعفر قال في مسائل خلافه : مسألة إذا خرب الوقف ولا يرجى عوده ، في أصحابنا من قال : يجوز بيعه ، وإذا لم يختلّ لم يجز ، وبه قال احمد بن حنبل. وقال الشافعي : لا يجوز بيعه على حال ، دليلنا الأخبار المرويّة عن الأئمة عليهم‌السلام ، هذا أخر كلامه في المسألة (٢).

فاعتبر ايها المسترشد قوله واستدلاله ، فإنه قال : « في أصحابنا من قال يجوز بيعه » ولم يستدلّ بالإجماع ، لأنهم ما أجمعوا على بيعه بعد خرابه واختلاله ، وذكر مالا دليل فيه من أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.

هذا الخلاف الذي حكيناه من أصحابنا إنما هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين ، وليس فيه شرط يقتضي رجوعه الى غيرهم ، فامّا إذا كان الوقف على قوم وعلى من بعدهم على غيرهم (٣) وكان الواقف قد اشترط رجوعه الى غير ذلك ، إلى ان يرث الله الأرض ، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه ، بغير خلاف بين أصحابنا.

قد قلنا : إنه إذا قبّض الوقف زال ملك الواقف عنه ، وصار ملكا للموقوف

__________________

(١) ج. ل. خرب الوقف.

(٢) الخلاف ، كتاب الوقوف والصدقات ، مسألة ٢٢.

(٣) ج. الى غيرهم.

١٥٣

عليه ، فإذا ثبت أنه يزول ـ وهو الصحيح ـ فإنه ينتقل الى الموقوف عليه ، وقال قوم : ينتقل الى الله ، ولا ينتقل الى الموقوف عليه.

وإنّما قلنا : انه ينتقل الى الموقوف عليه ، لانه يضمن بالغصب ، ويثبت عليه اليد ، وليس فيه أكثر من أنه لا يملك بيعه على حال ، ومنع البيع لا يدلّ على أنه لم يملكه ، لأنّ الشي‌ء المرهون ملك للراهن ، ولا يجوز له بيعه ، وكذلك أم الولد ملك لسيدها ، بلا خلاف ، ولا يجوز له بيعها ما دام ولدها حيا ، عند أصحابنا.

فعلى هذا التحرير فهل يقبل في الوقف شاهد واحد ويمين المدّعي أم لا؟ من قال : ينتقل الى الله قال : لا تقبل في ذلك إلّا شهادة شاهدين ، ومن قال : ينتقل الى الموقوف عليه قال : تقبل في ذلك شهادة واحد ويمين المدعي الذي هو الموقوف عليه ، لأنّ شهادة الواحد ويمين المدعي تقبل عندنا في كل ما كان مالا ، أو المقصود منه المال ، والوقف مال أو المقصود منه المال ، بغير خلاف.

يجوز وقف الأراضي ، والعقار ، والدور ، والرقيق والماشية ، والسلاح ، وكل عين تبقى بقاء متصلا ويمكن الانتفاع بها ، خلافا لأبي يوسف ، فإنه لا يجوّز الوقف إلا في الدور ، والأراضي ، والكراع ، والسلاح ، والغلمان ، تبعا للضيعة الموقوفة.

وكل عين جاز بيعها وأمكن الانتفاع بها مع بقائها المتصل فإنه يجوز وقفها ، إذا كانت معينة ، فاما إذا كانت في الذمة ، أو كانت مطلقة ، وهو ان يقول : وقفت فرسا أو عبدا فان ذلك لا يجوز ، لانه لا يمكن الانتفاع به ما لم يتعيّن ، ولا يمكن تسليمه ، ولا يمكن فيه القبض ، ومن شرط لزومه القبض.

فاما الدنانير والدراهم فلا يصح وقفهما ، بلا خلاف وإنما قلنا لا يجوز ، لانه لا منفعة لهما مقصودة غير التصرف فيهما ، فأما إذا كانت حليا مباحا فلا يمنع من وقفها مانع ، فاما ما عدا الدنانير والدراهم ، من الأواني ، والفرش ، والدواب ، والبهائم ، فإنه يجوز وقفها ، لما ذكرناه.

ويجوز وقف المشاع ، كما يجوز وقف المقسوم ، ويصح قبضه كما يصحّ قبضه في البيع.

وجملة القول أنّه يفتقر صحة الوقف الى شروط :

١٥٤

منها ان يكون الواقف مختارا ، مالكا للتبرع ، فلو وقف وهو محجور عليه لفلس لم يصح.

ومنها أن يكون متلفّظا بصريحه ، قاصدا له وللتقرب به الى الله تعالى.

والصريح من ألفاظه وقفت ، وحبست ، وسبّلت.

فأما قوله : تصدّقت ، فإنه يحتمل الوقف وغيره ، الّا ان يقرن إليه قرينة تدلّ على أنه وقف ، مثل قوله : تصدقت صدقة لا تباع ولا توهب ، وغير ذلك.

وكذا قوله : « حرّمت وأبّدت » لا يدلّ على صريح الوقف ، الا أن يضمّ الى ذلك ضميمة ، مع أنهما لم يرد بهما عرف الشرع ، فلا يحمل على الوقف الا بدليل.

ومن أصحابنا من اختار القول بأنه لا صريح في الوقف الا قوله : « وقفت » دون « حبست وسبّلت » وهو الذي يقوى في نفسي ، لأن الإجماع منعقد على ان ذلك صريح في الوقف ، وليس كذلك ما عداه.

ولو قال تصدقت ونوى به الوقف صحّ فيما بينه وبين الله تعالى ، لكن لا يصحّ في الحكم ، لما ذكرناه من الاحتمال.

ومنها ان يكون الوقوف معلوما ، مقدورا على تسليمه ، يصح الانتفاع به مع بقاء عينه في يد الموقوف عليه ، على ما قدمناه فيما مضى.

ومنها أن يكون الموقوف عليه غير الواقف ، فلو وقف على نفسه لم يصح ، فامّا إذا وقف شيئا على المسلمين عامّة فإنه يجوز له الانتفاع به ، عند بعض أصحابنا ، قال : لأنّه يعود إلى أصل الإباحة ، فيكون هو وغيره فيه سواء ، هذا إذا كان الوقف عامّا كان حكمه كحكم غيره من الناس : الفقراء ، والمساكين ، وان لم يكن عامّا وكان مخصوصا بقوم معينين لم يجز له ذلك ، وان كان ما وقفه دارا أو منزلا ، وكان وقفه لذلك عامّا في سائر النّاس ، مثل الدور التي ينزلها الحاج ، والخانات ، جاز له النزول فيها ، وان لم يكن كذلك لم يجز له ذلك على حال.

والذي يقوى عندي أن الواقف لا يجوز له الانتفاع بما وقفه على حال ، لما بيّناه وأجمعنا عليه ، من أنه لا يصح وقفه على نفسه ، وأنه بالوقف قد خرج عن ملكه ، ولا يجوز عوده اليه بحال.

١٥٥

ومنها ان يكون معروفا متميّزا يصح التقرب الى الله تعالى بالوقف عليه ، وهو ممن يملك المنفعة حالة الوقف ، فعلى هذا لا يصح أن يقف الإنسان على شي‌ء من معابد (١) أهل الضلال ، ولا على مخالف للإسلام ، أو معاند للحق غير معتقد له ، إلّا أن يكون أحد والدية ، لقوله تعالى « وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً » (٢) وما عداهما من الأهل والقرابات الكفار المعاندين للحق فلا يجوز الوقف عليهم بحال ، لأنا قد بيّنا أن من شرط صحة الوقف التقرب به الى الله تعالى.

ولا يصح الوقف على من لم يوجد من أولاده ، ولا ولد لهم ، ولا على الحمل قبل انفصاله ، ولا على عبده ، بلا خلاف ولو وقف على أولاده وفيهم موجود ، ولم ينو تعيين الوقف بالموجود ولا شرطه للموجود وحده صحّ ، ودخل في الوقف من سيولد له على وجه التبع ، لأن الاعتبار باتصال الوقف في ابتدائه بموجود هو من أهل الملك ، فان شرط أنه للموجود دون من سيولد فلا يدخل مع الموجود من سيولد فيما بعد ، بغير خلاف.

ويصح الوقف على المساجد والقناطر وغيرهما ، لأن المقصود بذلك مصالح المسلمين ، وهم يملكون الانتفاع.

ومنها أن يكون الوقف مؤبّدا غير منقطع ، فلو قال : وقفت هذا سنة لم يصح.

فامّا قبض الموقوف عليه أو من يقوم مقامه في ذلك ، فشرط في اللزوم والصحة.

ومنها أن لا يدخله شرط خيار الواقف في الرّجوع فيه ، ولا أن يتولاه هو بنفسه ، أو يغيّره هو متى شاء وينقله من وجوهه وسبله ، فمتى شرط ذلك كان الوقف باطلا ، على الصّحيح من أقوال أصحابنا ، لأنه لا خلاف في صحة ما ذكرناه ، وفيما عداه خلاف.

وتعليق الوقف بشرائط في الترتيب جائز ، ولا يجوز ذلك في الوقف نفسه على ما قدمناه.

وذهب السيّد المرتضى الى أن من وقف وقفا جاز له أن يشرط أنّه إن احتاج اليه

__________________

(١) ج. معاهد.

(٢) سورة لقمان ، الآية ١٥.

١٥٦

في حال حياته كان له بيعه والانتفاع بثمنه (١).

وما اخترناه من القول الأول هو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي (٢) وجلّة مشيختنا ، ودليله ما قدمناه من أنه لا خلاف في صحة الوقف إذا خلا من الشرط المخالف فيه ، والخلاف في صحّته مع الشرط المذكور.

ويدل على صحّة ما اعتبرناه من الشروط ـ بعد إجماع أصحابنا ـ أنّه لا خلاف في صحّة الوقف ولزومه إذا تكاملت ، وليس على صحته ولزومه إذا لم تتكامل دليل.

ويتبع في الوقف ما يشرطه الواقف ، من ترتيب الأعلى على الأدنى ، أو اشتراكهما ، أو تفضيل في المنافع ، أو المساواة فيها ، الى غير ذلك ، بلا خلاف.

وإذا وقف على أولاده ، وأولاد أولاده ، أو على أولاده فحسب ، ولم يقل :

لصلبه ، دخل فيهم أولاد أولاده ، ولد البنات والبنين ، بدليل إجماع أصحابنا ، ولأن اسم الولد يقع عليهم ، لغة وشرعا ، وقد اجمع المسلمون على ان عيسى عليه‌السلام ولد آدم ، وهو ولد ابنته ، وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحسن والحسين : « ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا » (٣) ولا خلاف بين المسلمين في أن الإنسان لا يحل له نكاح بنت بنته ، مع قوله تعالى « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ » (٤) فبنت البنت بنت بغير خلاف ، وأيضا دعا رسول الله عليه‌السلام الحسن ابنا ، وهو ابن بنته فقال (٥) لا تزرموا على ابني (٦) ـ بالزاء المعجمة المسكّنة ، والراء غير المعجمة المكسورة ، والميم ـ اى لا تقطعوا عليه بوله ، وكان قد بال في حجره فهموا بأخذه ، فقال لهم ذلك.

فأمّا استشهاد المخالف على خلاف ما ذكرناه بقول الشاعر :

بنونا بنو أبناءنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

فإنّه مخالف لقول الرّسول عليه‌السلام ، وقول الأمّة ، والمعقول ، فوجب ردّه ، وأن

__________________

(١) في الانتصار ، كتاب في مسائل شتى في الهبات والإجارة والوقوف والشركة.

(٢) في المبسوط ، ج ٢ كتاب البيوع ص ٨١ ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

(٣) إثبات الهداة ج ٥ ، ص ١٢٩ ـ ١٣٤.

(٤) سورة النساء ، الآية ٢٣.

(٥) الوسائل الباب ٨ ، من أبواب النجاسات ، ح ٤.

(٦) ج : لا تزرموا ابني

١٥٧

لا يقضى بهذا البيت من الشعر على القرآن والإجماع ، على أنه أراد الشّاعر بذلك الانتساب ، لأن أولاد البنت لا ينتسبون إلى أمهم ، وانما ينتسبون إلى أبيهم ، وكلامنا على غير الانتساب.

وأما قولهم ولد الهاشمي من العامية هاشمي ، وولد العامي من الهاشميّة عامي.

فالجواب عنه أن ذلك في الانتساب ، وليس كلامنا فيه ، بل كلامنا في الولادة ، وهي متحققة من جهة الأم ، بغير خلاف ، ويكون الذكر والأنثى فيه سواء ، إلا ان يشرط الواقف تفضيل بعضهم على بعض.

وإذا وقف على نسله ، أو عقبه ، أو ذرّيّته فهذا حكمه ، بدليل قوله تعالى : « وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ـ الى قوله ـ وَعِيسى وَإِلْياسَ » (١) فجعل عيسى من ذريته : وهو ينتسب اليه من الام.

وان وقف على عترته فهم الأخص به من قومه وعشيرته ، وقد نصّ على ذلك ثعلب ، وابن الأعرابي ، من أهل اللغة ، ولا يلتفت الى قول القتيبي في ذلك ، وما تعلق به من حديث أبي بكر في قوله : « نحن عترة رسول الله » (٢) لان هذا الحديث لم يصحّحه نقاد الآثار ، ونقلة الاخبار.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : « ومتى شرط الواقف أنه متى احتاج الى شي‌ء منه كان له بيعه والتصرف فيه كان الشرط صحيحا ، وكان له أن يفعل ما شرط ، إلّا أنه إذا مات ، والحال ما ذكرناه ، رجع ميراثا ، ولم يمض الوقف » (٣).

قال محمّد بن إدريس « رحمه‌الله » : لو كان الوقف صحيحا لم يرجع ميراثا ، ولكان يمضى الوقف فيه بعد موته ، بل الشرط الذي أفسده ، لأنا قد بيّنا (٤) انه متى شرط العود في نفس الوقف كان الوقف باطلا ، فلأجل ذلك رجع ميراثه وشيخنا أبو جعفر ذهب الى ان دخول الشرط في نفس الوقف يبطله ، ذكر ذلك في

__________________

(١) سورة الانعام ، الآية ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) سنن البيهقي ، كتاب الوقف ، باب الصدقة في العترة ( ج ٦ ، ص ١٦٦ ).

(٣) النهاية ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب الوقوف وأحكامها.

(٤) في ص ١٥٦.

١٥٨

مبسوطة (١) وفي مسائل خلافه في كتاب البيوع (٢) لأن عقد الوقف لازم من الطرفين مثل عقد النكاح.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : « والوقف والصدقة شي‌ء واحد ، لا يصح شي‌ء منهما الّا ما يتقرّب به الى الله تعالى ، فان لم يقصد بذلك وجه الله لم يصح الوقف » (٣) إلّا أن الوقف يمتاز من الصدقة بأنه لا بدّ أن يكون مؤبّدا ، ولا يصح بيعه على ما قدّمناه ، والصّدقة يصح بيعها ساعة قبضها ، وليس من شرطها ان تكون مؤبدة ، والوقف لا يصح الا أن يكون مؤبّدا على ما قدمناه ، ولا يصح أن يكون موقّتا ، فان جعله كذلك لم يصحّ إلّا ان يجعله سكنى أو عمرى أو رقبى ، على ما نبيّنه عند المصير اليه ان شاء الله (٤).

قد قلنا : إنّه إذا وقف على ولده كان الذكر والأنثى فيه سواء ، إلّا ان يشرط تفضيل بعضهم على بعض ، فان قال : الوقف بينهم على كتاب الله كان بينهم ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ).

وإذا وقف على والديه كان أيضا مثل ذلك ، يكون بينهما بالسويّة ، الا أن يفضّل أحدهما على الآخر ، امّا بتعيين أو بقرينة تدل على ذلك.

وقال شيخنا في نهايته : « ولا بأس ان يقف المسلم على والديه ، أو ولده ، أو من بينه وبينه رحم ، وان كانوا كفارا ، ولا يجوز وقفه على كافر لا رحم بينه وبينه ، على حال ، وكذلك إن أوصى لهم بشي‌ء كان ذلك جائزا « هذا آخر كلامه رحمه‌الله » (٥) قال محمّد بن إدريس « رحمه‌الله » : أما وقف المسلم على والديه الكافرين فصحيح ، لقوله تعالى « وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً » (٦) على ما قدّمناه (٧) وامّا ما عدا الوالدين من الأهل والقرابات وغيرهم فلا يجوز ولا يصح

__________________

(١) المبسوط ، ج ٢ ، كتاب البيوع ص ٨١ ، والعبارة هكذا : « وأمّا الوقف فلا يدخله الخياران معا لانه متى شرط فيه لم يصحّ الوقف وبطل ».

(٢) لم نتحققه في خلافه.

(٣) و (٥) النهاية ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب الوقوف وأحكامها.

(٤) في ص ١٦٧.

(٦) سورة لقمان ، الآية ١٥.

(٧) في ص ١٥٦.

١٥٩

الوقف عليهم ، بحال ، لأنا قد بيّنا (١) أن من شرط صحّة الوقف القربة به الى الله تعالى ، ولا يصح التقرب الى الله تعالى بالوقف على الكافر ، لأن شيخنا قد حكينا (٢) عنه في نهايته أنه قال : « الوقف والصدقة شي‌ء واحد ، لا يصح شي‌ء منهما الا ما يتقرب به الى الله تعالى ، فان لم يقصد بذلك وجه الله لم يصح الوقف » ثم يقول بعده (٣) ما حكيناه عنه من صحة الوقف على الكافر : وانّما هذه اخبار آحاد يجدها فيوردها بألفاظها ، إيرادا لا اعتقادا ، كما أورد أمثالها ، وإن كان غير عامل بها ولا معتقد لصحّتها.

والأولى عندي انّ جميع ذوي أرحامه الكفار يجرون مجرى أبويه الكافرين في جواز الوقف عليهم ، لحثّه عليه‌السلام بصلة الأرحام ، وبهذا افتى.

فامّا صحة الوصيّة لمن ذكر ، فإنه على ما ذهب إليه ، لأنا لا نراعي في الوصية القربة بها الى الله سبحانه ، فلهذا صحت الوصية لهم دون الوقف ، لما بيّناه ، فليلحظ ذلك ويتأمل.

وإذا وقف الكافر على كافر مثله ، أو على البيع ، والكنائس ، والمواضع التي يتقربون فيها الى الله تعالى ، كان وقفه صحيحا ، لأنه يرى ذلك تديّنا عنده.

وإذا وقف الكافر وقفا على الفقراء كان ذلك الوقف ماضيا في فقراء أهل نحلته ، دون غيرهم ، من سائر أصناف الفقراء ، لان شاهد حاله وفحوى خطابه يخصص إطلاق قوله وعمومه ، لأنه من المعلوم بشاهد الحال أنه ما أراد إلّا فقراء ملته ، دون غيرهم ، والحكم في قول جميع أهل الآراء ووقفهم ما حكيناه ، فليلحظ ذلك. وإذا وقف المسلم المحق شيئا على المسلمين كان ذلك للمحقين من المسلمين ، لما دللنا عليه من فحوى الخطاب وشاهد الحال.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : « وإذا وقف المسلم شيئا على المسلمين ، كان ذلك لجميع من أقرّ بالشهادتين ، وأركان الشريعة ، من الصّلاة ، والزكاة ، والصّوم ،

__________________

(١) في ص ١٥٥.

(٢) في ص ١٥٩.

(٣) ج. ثم نقول بعد ما.

١٦٠