كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

المسكنة ، ـ وهو جنس أيضا من أجناس السمك الذي له فلس وقشر.

واما حيوان البرّ ، فإنّه لا يجوز أكل شي‌ء من السّباع ، سواء كان ذا ناب قوى يعد وعلى النّاس ، أو غير ذي ناب قوى ، كالثعلب ، وابن آوى ، والأرنب ، وغير ذلك مثل السّبع والفهد ، والنمر ، والكلب ، والخنزير ، والدّب ، وما أشبه ذلك من المسوخ ، والسّباع.

ولا يحل أكل الوبر ـ بفتح الواو وتسكين الباء ـ وهي دويبة فوق السّنور ، ودون الأرنب.

وقال شيخنا في مسائل خلافه ، وهي سوداء أكبر من ابن عرس ، تأكل وتجتر ، وقال بعض اللغويّين ، الوبر هي دويبة دون السنور ودون الأرنب ، حجازي لا أذناب لها ، وهي أقذر ما يكون.

قال جرير ، يهجو بنى نمير امرأة منهم.

تطلي وهي سيّئة المعرى

بصنّ الوبر تحسبه ملابا

قال الصن ، جعد الوبر.

ولا بأس بأكل لحم الظباء.

وقال شيخنا في نهايته ، ولا بأس بأكل لحم الظبي ، والغزال (١).

ويمكن ان يقال الفرق بين الظبي والغزال ، ان الظبي الكبيرة ، والغزال الصغيرة.

قال الشاعر :

ولم أر مثلها نظرا وعينا

ولا أم الغزال ولا الغزالا

وان كان كل واحد منهما يعبر به عن هذا الجنس ، الّا انّه لما اجتمعا ، أمكن ما قلناه من الفرق ، وان قيل ان المعنى واحد ، الّا انّه لما اختلف اللّفظ ، جاز ذلك ، وان كان المعنى واحدا ، كما قيل : النأي والبعد ، والكذب والمين ، ونظائر ذلك.

ولا بأس بأكل لحم البقر الوحشي ، والحمار الوحشي ، وان كان لحم الحمار

__________________

(١) النهاية ، كتاب الصيد والذبائح باب ما يستباح اكله من سائر أجناس الحيوان وما لا يستباح.

١٠١

مكروها.

والقرد والسنور سواء كان بريا أو أهليا لا يجوز أكلهما.

ولا يجوز أكل السلحفاة ـ بفتح اللام ـ وهي كبار الرقاق الذي تسميه العامّة الرفش ولا جميع الرقاق والضفادع.

ولا يجوز أكل اليربوع ، والفار ، والقنافذ ، والحيات ، والعقارب ، والسرطان ، والخنافس ، وبنات وردان ، والزنانير ، وحشرات الأرض ، والضب حرام.

ولا يجوز أكل السمور والسّنجاب ، والفنك ، والخز ، وما أشبه ذلك.

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله قال بعض مصنفي أصحابنا ، ان الخز هي دابة صغيرة ، تطلع من البحر تشبه الثعلب ، ترعى في البر ، وتنزل البحر ، لها وبر تعمل منه ثياب تحل فيها الصلاة ، وصيدها ، ذكاتها مثل السمك.

يعضد هذا القول ما رواه ابن أبي يعفور قال كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، إذ دخل عليه رجل من الخزازين ، فقال له جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال لا بأس بالصّلاة فيه ، فقال له الرّجل جعلت فداك انّه ميّت ، وهو علاجي ، وانا أعرفه ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام ، انا أعرف به منك ، فقال له الرّجل انه علاجي ، وليس أحد أعرف به منى ، فتبسّم أبو عبد الله عليه‌السلام ، ثمّ قال له : تقول انّه دابة تخرج من الماء ، أو تصاد من الماء ، فتخرج ، فإذا فقد الماء مات ، فقال الرجل صدقت ، جعلت فداك ، هكذا هو ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام فإنّك تقول : انّه دابة تمشي على اربع ، وليس هو في حدّ الحيتان ، فيكون ذكاته خروجه من الماء. فقال الرجل اى والله ، هكذا أقول ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام ان الله تعالى أحله ، وجعل ذكاته موته ، كما أحل الحيتان ، وجعل ذكاتها موتها (١).

أورد هذا الخبر شيخنا أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام ، وكثير من أصحابنا المحقّقين المسافرين ، يقولون انه القندس ، ولا يبعد هذا القول من الصواب ، لقولهم عليهم‌السلام « لا بأس بالصّلاة في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٨ ، من أبواب لباس المصلى الحديث ٤.

١٠٢

والثعالب » (١) والقندس أشد شبها بالوبرين المذكورين.

وامّا الطّير فالحمام على اختلاف ضروبه ، وقيل ان كل مطوق فهو عند العرب حمام ، وقيل انه كل ما عب فهو حمام ، فان جميع ذلك حلال يؤكل لحمه ، مسرولا كان ، أو غير مسرول ، داجنا أو غير داجن ، والدواجن هي التي تألف البيوت ، وتستأنس فيها ، وكذلك الرّواجن أيضا ـ بالراء غير المعجمة ـ ، والأوّل بالدال غير المعجمة والجيم فيهما جميعا ، يقال ذلك للطّير ، والشّاة والبقرة ، ـ وكذلك جميع الدجاج حبشيا كان أو غير حبشي.

وامّا ما عدا ذلك من الطيور ، فان السّباع منها لا يحل أكلها ، وما عدا السّباع ، فان العصافير ، والقنابر ، والزرازير ، والصّعو ، والهدهد ، يؤكل لحمها.

ويكره لحم الشقراق ، ـ بكسر الشين والقاف ، وتشديد الراء وفتحها ـ ، وكذلك يكره لحم الصّرد والصّوّام ، ـ بضمّ الصّاد وتشديد الواو ، وفتحها ـ ، وهو طائر أغبر اللّون ، طويل الرّقبة ، أكثر ما يبيت في النخل. وكذلك يكره لحم الحبارى ، على رواية (٢) شاذة.

والغربان على أربعة أضرب ، ثلاثة منها لا يجوز أكل لحمها.

وهي الغداف الذي يأكل الجيف ، ويفرس ، ويسكن الخرابات ، وهو الكبير من الغربان السّود.

وكذلك الأغبر الكبير ، لانّه يفرس ويصيد الدرّاج ، فهو من جملة سباع الطير.

وكذلك لا يجوز أكل لحم الا بقع ، الذي يسمى العقعق ، طويل الذنب.

فاما الرابع فهو غراب الزرع ، الصّغير من الغربان السود الذي يسمى الزاغ ، ـ بالزاء المعجمة ، والغين المعجمة ـ ، فإن الأظهر من المذهب انّه يؤكل لحمه على كراهية ، دون ان يكون لحمه محظورا.

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٩ ، من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ، الباب ٢١ ، من كتاب الأطعمة والأشربة ، ح ١ ـ ٢ ـ ٣ ، وفي الجواهر ج ٣٦ ، ص ٣١٥ ، وهي غير دالة على الكراهة .. فراجع.

١٠٣

والى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته (١) ، وان كان قد ذهب الى خلافه ، في مبسوطة (٢) ، ومسائل خلافه (٣) ، فإنّه قال بتحريم الجميع.

وذهب في استبصاره (٤) إلى تحليل الجميع.

وقال في مبسوطة ما يأكل الخبائث كالميتة ، ونحوها ، من الطّائر كله حرام ، وهو النّسر ، والرّخم ، والبغاث ، والغراب ، ونحو ذلك عندنا وعند جماعة. وروى ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اتى بغراب فسماه فاسقا ، وقال ما هو والله من الطيبات. والغراب على أربعة أضرب ، الكبير الأسود الذي يسكن الجبال ويأكل الجيف ، والثاني الأبقع ، فهذان حرامان ، والثالث الزاغ وهو غراب الزرع ، والرابع الغداف ، وهو أصغر منه أغبر اللّون كالرّماد ، قال قوم هو حرام لظاهر الاخبار (٥) ، وقال اخرون هو مباح ، وهو الذي ورد في رواياتنا (٦) الى هاهنا كلامه رحمه‌الله (٧).

والذي يقوّي ما اخترناه ، ان التحريم يحتاج إلى دلالة شرعيّة ، لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، على الصحيح من أقوال مصنفي أصول الفقه ، ولا إجماع على حظره ، ولا اخبار متواترة ، ولا كتاب الله تعالى.

ولا يجوز أكل الخطاف ، ولا أكل الخشاف بغير خلاف بين أصحابنا في ذلك.

ولا يجوز أكل لحم الطواويس ، ولا الرخمة ، ولا الرخمة ، ولا الحدأة ـ بكسر الحاء ـ وما كان له مخلب ومنسر يأكل اللحم ، واما باقي الطّائر فيؤكل منه كل ما دفّ ، ويترك منه ما يصفّ ، فان كان يصف ويدف يعتبر ، فان كان دفيفه أكثر من صفيفه ، أكل ، وان كان صفيفه أكثر من دفيفه ، اجتنب ، فان لم يكن هناك طريق الى اعتبار ذلك ، بان يوجد مذبوحا ، أكل منه ما كانت له قانصة ، أو حوصلّة ـ بتشديد اللام

__________________

(١) النهاية كتاب الصيد والذبائح باب ما يستباح اكله من سائر أجناس الحيوان ، وما لا يستباح.

(٢) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب الأطعمة ، ص ٢٨١.

(٣) الخلاف كتاب الأطعمة مسألة ١٥.

(٤) الإستبصار ، ج ٤ ، ص ٦٥ ، الباب ٤٢ ، باب كراهية لحم الغراب.

(٥) الوسائل ، الباب ٧ ، من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣ و ٤ و ٥ و ٦.

(٦) الوسائل ، الباب ٧ ، من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١ و ٢.

(٧) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب الأطعمة ، ص ٢٨١.

١٠٤

أو صيصية ـ ، وهي الخارجة من كف الطائر ، فإنها بمنزلة الإبهام من بنى أدم ، وكل ما تحصن به صيصية ، بغير همز ، لأنّها مشتقة من الصياصي ، وهي الحصون ، والصّياصي أيضا القرون ـ ، ويجتنب ما لم يكن له شي‌ء من ذلك ، هذا إذا كان مجهول الجنس ، اعتبر بالاعتبار الذي قدّمناه ، فان كان من الجنس الذي يحل أكله ، أو من الجنس الذي يحرم اكله ، فلا يحتاج الى هذا الاعتبار.

ولا بأس بأكل لحم طير الماء ، وان كان مما يأكل السمك ، إذا اعتبر بما ذكرناه.

والطير إذا كان جلالا ، لم يجز أكله إلا بعد استبرائه وحبسه من ذلك.

وتستبرأ البطة وما أشبهها بخمسة أيام ، والدجاجة وما أشبهها بثلاثة أيّام ، على ما قدمناه (١) فيما مضى وبيناه.

وقال شيخنا في مبسوطة ، قد بينا ان حشرات الأرض كلها حرام كالحيّة ، والعقرب والفارة والخنافس ، والدّيدان ، والجعلان ، ـ وعدّد أشياء ـ ، وقال وكذلك اللحكا ، وقيل اللحكة ، وهي دويبة ، كالسمكة ، تسكن الرمل فإذا رأت الإنسان ، غاصت وتغيب فيه ، وهي صقيلة ، ولهذا تشبّه أنامل العذارى بها ، فهو حرام ، هذا آخر كلامه رحمه‌الله (٢).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله ، قال الجوهري في الصّحاح : الحلكة ، مثل الهمزة ، والحلكاء مثل العنقاء ضرب من العظاء ، ويقال دويبة تغوص في الرمل ، وقال واللحكة دويبة أظنّها مقلوبة من الحلكة ، قال ابن السّكيت اللحكة دويبة شبيه بالعظا تبرق ، زرقاء ، ليس لها ذنب مثل ذنب العظاءة ، وقوائمها خفيّة ، هذا آخر كلام الجوهري.

باب الذبح وكيفيّة وجوب التسمية

الذباحة لا يجوز ان يتولاها غير معتقدي الحق ، فمتى تولاها غير معتقدي الحق

__________________

(١) في ص ٩٧.

(٢) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب الأطعمة ، ص ٢٨١.

١٠٥

من أيّ أجناس الكفار كان ، يهوديّا كان ، أو نصرانيا ، أو مجوسيا ، أو عاب وثن ، ومن ضارعهم في الكفر على اختلاف ضروبه ، كافر ملة ، أو كافر أصل ، أو مرتدا كان سمّى على ذبيحته أو لم يسم ، فلا يجوز أكل ذبيحته عند المحصّلين من أصحابنا ، والباحثين عن مآخذ الشريعة ، والمحققين.

ولا بأس بأكل ذبيحة المستضعف ، وقد بيّناه في كتاب الطّهارة (١).

وقال شيخنا رحمه‌الله في نهايته ، ولا يتولى الذباحة إلّا أهل الحق ، فإن تولاها غيرهم ويكون ممن لا يعرف بعداوة آل محمد عليهم‌السلام ، لم يكن بأس بأكل ذبيحته (٢).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله المراد بقوله « غيرهم » يعنى المستضعفين الذين لا منّا ولا من مخالفينا ، وصحيح انّهم غيرنا ، فلا يظن ظان انه أراد بغيرهم من مخالفينا المستضعفين ، لأنّ المستضعفين لا منا ولا منهم ، كما قال تعالى « لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ » (٣).

ولا يحل أكل ذباحة المحق الّا بشروط.

منها استقبال القبلة بالذبيحة مع قدرته على ذلك ، فإذا لم يكن عارفا بالقبلة وكان ممن فرضه الصّلاة الى أربع جهات ، فإنه يذبح الى اى جهة شاء ، لأنها حال ضرورة ، ولانه ما تعمد ترك استقبال القبلة ، وكذلك إذا لم يقدر على استقبال القبلة بالذبيحة ، فإنه تجزيه الذباحة مع ترك الاستقبال ، لأنّها حال ضرورة ، ولم يترك الاستقبال تعمّدا منه ، بان يقع الذبيحة في بئر وما أشبه ذلك.

والتسمية ، مع الذكر لها.

وقطع أربعة أعضاء ، المري ، والحلقوم ، والودجين ، وهما محيطان بالحلقوم ، فالمرى مجرى الطعام ، والحلقوم مجرى النفس ، مع القدرة على قطعها.

ويكون قطعها بحديد مع قدرته عليه.

__________________

(١) في الجزء الأوّل ، ص ٨٤.

(٢) النهاية ، كتاب الصيد والذبائح ، باب الذبح وكيفيته.

(٣) سورة النساء ، الآية ١٤٣.

١٠٦

هذا إذا كان مذبوحا ، وهي الغنم والبقر وما أشبههما من الحيوان المأكول اللحم ، فان جميعه مذبوح إلّا الإبل ، فإنها منحورة. والشرائط المقدم ذكرها ثابتة ما عدا الأعضاء ، فإن نحرها في ثغرة النحر ، ـ وهي الوهدة ـ ، مجز في استباحة أكلها مع القدرة أيضا على ذلك ، فان نحرت الغنم والبقر وغيرهما ما عدا الإبل مع القدرة والتمكين من ذبحها ، فلا يجوز أكل لحمها بحال ، وكذلك ان ذبحت الإبل مع التمكين من نحرها ، فلا يجوز أكل لحمها على حال ، بغير خلاف بين أصحابنا.

وكل ما يباع في أسواق المسلمين فجائز شراؤه واكله ، وليس على من يبتاعه التفتيش عنه.

ولا بأس بأن يتولى الذباحة المرأة ، والغلام الذي لم يبلغ ، إذا كان من أولاد المحقين ، فان حكمه حينئذ حكمهم ، وكذلك المجنون ، فان حكمه حكم الصبي حرفا فحرفا.

ولا بأس بذباحة الأخرس إذا كان محقّا ، وكذلك لا بأس بذباحة الجنب والحائض ، إذا فعلوا ما قدمناه من الشروط ، واحسنوه ، فان لم يحسنوا ذلك فلا يجوز أكل ما ذبحوه.

وقد قدمنا (١) انه لا يجوز الذباحة إلّا بالحديد فان لم يوجد حديد ، وخيف فوت الذبيحة أو اضطر الى ذباحتها ، جاز ان يذبح بما يفري الأوداج ، من ليطة أو قصبته ، ـ والليط هو القشر اللاصق بها الحاد ، مشتق من لاط الشي‌ء بقلبه ، إذا لصق به ، والقصبة واحدة القصب ـ ، أو زجاجة ، أو حجارة حادّة الأطراف ، مثل الصّخور ، والمرو ، وغير ذلك.

وكل ما ذبح وكان ينبغي ان ينحر أو نحر وكان ينبغي ان يذبح في حال الضرورة ، ثم أدرك في حال ذكاته ، وجبت ، تذكيته بما يجوز ذلك فيه ، فان لم يفعل لم يجز اكله.

ويكره ان تنخع الذبيحة إلّا بعد ان تبرد بالموت ، وهوان لا يبين الرأس من

__________________

(١) في ص ١٠٦.

١٠٧

الجسد ، ويقطع النخاع ، وهو الخيط الأبيض الّذي الخرز منظومة فيه ، وهو من الرقبة ممدود الى عجب الذنب ، واكله عند أصحابنا حرام ، من جملة المحرمات التي في الذبيحة ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى (١).

فان سبقته السكين ، وابان الرأس ، جاز اكله ، ولم يكن ذلك الفعال مكروها ، وانما المكروه تعمد ذلك ، دون ان يكون محظورا على الأظهر من أقوال أصحابنا ، بلا خلاف بين المحصّلين في ذلك.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ومن السنة ان لا تنخع الذبيحة إلّا بعد ان تبرد ، وهو ان لا يبين الرّأس من الجسد ، ويقطع النخاع ، فان سبقته السكين وابان الرأس ، جاز أكله إذا خرج منه الدم ، فان لم يخرج الدم لم يجز اكله ، ومتى تعمد ذلك لم يجز أكله (٢).

الّا انه رجع عن ذلك في مسائل خلافه ، في الجزء الثاني ، فقال مسألة : يكره إبانة الرأس من الجسد وقطع النخاع ، قبل ان تبرد الذبيحة ، فإن خالف وابان ، لم يحرم اكله ، وبه قال جميع الفقهاء ، وقال سعيد بن المسيب ، يحرم اكله ، دليلنا ان الأصل الإباحة ، وأيضا قوله « فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » (٣) وهذا ذكر اسم الله عليه ، وعليه إجماع الصحابة ، روى عن عليّ عليه‌السلام ، انه سئل عن بعير ضربت رقبته بالسيف ، فقال يؤكل وعمران بن حصين قيل له في رجل ذبح بطة ، فأبان رأسها ، فقال تؤكل وعن ابن عمر نحوه ، ولا مخالف لهم هذا آخر كلامه رحمه‌الله في المسألة (٤).

وما أورده في نهايته لا دليل عليه من كتاب ، ولا سنّة مقطوع بها ، ولا إجماع ، وانما أورده إيرادا لا اعتقادا ، على ما تكرر قولنا في ذلك ، واعتذارنا له.

وإذا قطعت رقبة الذبيحة من قفاها ، فلحقت قبل قطع الحلقوم ، والمري ، والودجين ، وفيها حياة مستقرة ، وعلامتها ان تتحرك حركة قوية ، ومثلها يعيش اليوم

__________________

(١) في ص ١١١.

(٢) النهاية كتاب الصيد والذبائح باب الذبح وكيفيته.

(٣) سورة الانعام الآية ١١٨.

(٤) الخلاف كتاب الضحايا مسألة ١٣.

١٠٨

واليومين ، حل أكلها إذا ذبحت ، وان لم تكن فيها حركة قوية ، لم يحل أكلها ، لأنها ميتة.

ويكره ان ان يقلب السكين فتذبح الى فوق ، بل ينبغي ان يبتدئ من فوق الى ان يقطع الأعضاء الأربعة المقدم ذكرها.

وقال شيخنا في نهايته ، ولا يجوز ان يقلب السّكين ، فتذبح الى فوق.

قوله رحمه‌الله « ولا يجوز » على تغليظ الكراهية ، دون انّه لو فعله لكانت الذبيحة محرمة اللّحم ، لأنّ تحريمها يحتاج إلى دلالة شرعية ، ولا دليل على ذلك ، والأصل الإباحة ، وشرائط الأجزاء فقد فعلها ، من استقبال القبلة ، والتسمية ، وقطع الحلقوم ، والمري ، والودجين.

ويستحب إذا أراد ذبح شي‌ء من الغنم ، فليعقل يديه ، وفرد رجله ، ويطلق فرد رجله ، ويمسك على صوفه أو شعره الى ان يبرد ، ولا يمسك على شي‌ء من أعضائه.

وكذلك يستحب له إذا أراد ذبح شي‌ء من البقر أن يعقل يديه ورجليه ، ويطلق ذنبه.

وإذا أراد نحر شي‌ء من الإبل ، يستحب له ان يشد أخفافه إلى إباطه ، ويطلق رجليه.

وإذا أراد ذبح شي‌ء من الطير ، فليذبحه ، وليرسله ، ولا يمسكه ، ولا يعقله.

فان انفلت منه الطير ، جاز ان يرميه بالسهم بمنزلة الصيد ، فإذا لحقه ذكّاه.

وأورد شيخنا في نهايته ، انه لا يجوز ذبح شي‌ء من الحيوان صبرا ، وهو ان يذبح شيئا وينظر اليه حيوان آخر (١).

وهذه رواية (٢) أوردها إيرادا ، فإن صحت ، حملت على الكراهيّة ، دون الحظر ، لانه لا دليل على حظر ذلك ، وتحريمه من كتاب ، ولا سنّة ، ولا إجماع ، والأصل الإباحة.

__________________

(١) النهاية كتاب الصيد والذبائح باب الذبح وأحكامه.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب الذبائح.

١٠٩

وروى (١) انه لا يجوز ان تسلخ الذبيحة إلّا بعد بردها ، فان سلخت قبل ان تبرد ، أو سلخ شي‌ء منها لم يجز أكله ، أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢) إيرادا لا اعتقادا ، لانّه لا دليل على حظر ذلك من كتاب ، ولا سنة مقطوع بها ، ولا إجماع منعقد ، واخبار الآحاد لا يرجع بها عن الأصول المقرّرة الممهدة ، لأنّها لا توجب علما ولا عملا ، وكتاب الله تعالى أحق ان يتمسّك به ، ولا يلتفت الى هذه الرّواية الشاذة المخالفة لأصول المذهب ، وهو قوله تعالى « فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ » (٣) وهذا قد ذكر اسم الله عليه ، وذبح ذباحة شرعية ، وحصلت جميع الشّرائط المعتبرة في تحليل الذباحة ، فمن ادعى بعد ذلك حظرها ، يحتاج إلى دلالة شرعية لأنه قد ادعى حكما شرعيّا يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي. ولن يجده.

وإذا ذبحت الذبيحة ، فلم يخرج الدم ، أو لم يتحرك شي‌ء منها ، لم يجز أكلها ، فإن خرج الدم ، أو تحرك شي‌ء من أعضائها ، يدها ، أو رجلها ، أو غير ذلك ، جاز اكله ، فالمعتبر على الصحيح من المذهب ، أحد الشيئين في تحليل أكلها ، امّا خروج الدّم الذي له دفع ، أو الحركة القوية ، أيهما كان جاز أكلها.

وقال شيخنا المفيد في مقنعته ، الاعتبار في جواز الأكل بعد الذبح بمجموع الشيئين معا (٤).

والأوّل هو الأظهر ، لأنه يعضده ظواهر القرآن ، والاخبار المتواترة.

وإذا ذبح شاة ، أو غيرها ، ثم وجد في بطنها جنين ، فان كان قد أشعر ، أو أوبر ، ولم تلجه الروح ، فذكاته ذكاة امه ، فان لم يكن أشعر أو أو بر لم يجز اكله على حال ، الّا ان يكون فيه روح ، فان كانت فيه روح ، فان لم يشعر ولا أوبر وجبت تذكيته ، والّا فلا يجوز أكله ، إذا لم تدرك ذكاته.

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب الذبائح الّا ان عدم الحلية في روايات الباب منوط بأنه إذا سلخت قبل ان تموت.

(٢) النهاية كتاب الصيد والذبائح باب الذبح وأحكامه.

(٣) سورة الأنعام الآية ١١٨.

(٤) المقنعة باب الذبائح والأطعمة ص ٥٨٠.

١١٠

وروى (١) كراهية الذباحة بالليل ، الّا عند الضرورة والخوف من فوتها.

وكذلك روى (٢) انه يكره الذباحة بالنهار يوم الجمعة ، قبل الصّلاة.

باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة ، وحكم البيض والجلود

يحرم من الغنم والبقر والإبل ، وغير ذلك ممّا يحل اكله بالذبح ، ما عدا السّمك ، وان كان الحيوان مذكى ذكاة شرعية بالذبح ، أو النحر : الدم ، والفرث ، والطحال ، والمرارة ، والمشيمة ، والفرج ، ظاهره وباطنه ، والقضيب ، والأنثيان ، والنخاع ـ بضم النّون وكسرها معا ـ ، وقد قدّمنا (٣) شرح ذلك ، والعلباء ، ـ بكسر العين ، وهي عصبتان عريضتان صفراوان ممدودتان من الرقبة على الظهر ، الى عجب الذنب ـ والغدد ، وذات الأشاجع ، والأشاجع أصول الأصابع التي تتّصل بعصب ظاهر الكف ، الواحد أشجع ، ومنه قول لبيد :

وانه يدخل فيها ـ إصبعه

يدخلها حتى توارى اشجعه

والحدق ، الذي هو السّواد ، والخرزة ، تكون في الدّماغ ، والدّماغ المخ ، يخالف لونها لون المخ ، هي بقدر الحمصة إلى الغبرة ما يكون ، والمثانة بالثاء المنقطة بثلاث نقط ، وهي موضع البول ومحقنه.

وتكره الكليتان ، وليستا بمحظورتين.

ويحل من الميتة غير المذبوحة المذكاة ، الصوف والشعر والوبر ، والرّيش ، سواء قلع جميع ذلك ، أو جزّ ، الا انّه إذا قلع وعليه شي‌ء من الميتة ، أو فيه شي‌ء من ذلك ، وجب ازالة ذلك ، وغسله واستعماله بعد ذلك ، من غير ان يحرم إذا قلع.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ولا يحل شي‌ء منه إذا قلع منها (٤).

يعنى لا يحل استعماله إذا قلع قبل إزالة الميتة منه ، أو قبل غسله ، دون تحريمه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من أبواب الذبائح الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب الذبائح.

(٣) في ص ١٠٨.

(٤) النهاية ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ما يحلّ من الميّتة.

١١١

رأسا ، لأنه لا دليل على ذلك من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع.

ويحل أيضا العظم ، والناب ، والسن ، والظلف ، والحافر ، والقرن ، وكل من ذلك إذا قلع من الميتة ، أو لامسها ، لا يستعمل الّا بعد غسله وازالة ما عليه من الدسم.

وذكر شيخنا أبو جعفر ، في نهايته ، إلا نفحة ، ( بكسر الهمزة ، وفتح الفاء كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل ، فإذا أكل فهي كرش ) (١) واللبن والبيض ، إذا اكتسى الجلد الفوقاني ، وإذا لم يكتس ذلك ، فلا يجوز اكله (٢).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله اما اللبن فإنه نجس بغير خلاف عند المحصّلين من أصحابنا ، لأنه مائع في ميتة ، ملامس لها ، وما أورده شيخنا في نهايته ، رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب ، لا يعضدها كتاب الله تعالى ، ولا سنة مقطوع بها ، ولا إجماع ، ودليل الاحتياط يقتضي ما ذكرناه ، لانّه لا خلاف بين المسلمين ، انه إذا لم يأكل هذا اللبن ، فإنه غير معاقب ، ولا مأثوم ، وذمته برية من الآثام ، وإذا أكله فيه الخلاف ، والاحتياط يقتضي ما ذكرناه.

والى ما اخترناه يذهب شيخنا أبو يعلى سلار الطبرستاني رحمه‌الله ، في رسالته (٣).

ولأجل ذلك قالوا يحل البيض إذا كان قد اكتسى الجلد الصلب ، فاعتبروا الجلد الفوقاني والصلب ، فإذا لم يكن عليه الجلد الصلب ، فلا يحل ، لانّه يكون بمنزلة المائع ، ينجس بمباشرة الميتة له.

وإذا جعل الطحال في سفود مع اللحم ، ثمّ جعل في التنور ، فان كان مثقوبا وكان فوق اللحم ، لم يؤكل اللحم ، ولا ما كان تحته من الجوذاب ، وان كان الطحال المثقوب تحت اللحم ، أكل اللحم ولم يؤكل الجوذاب ، وان لم يكن الطحال مثقوبا ، جاز أكل جميع ما يكون تحته من اللحم وغيره.

__________________

(١) ما وقع في القوسين ليس في المصدر.

(٢) النهاية ، كتاب الصيد والذبائح ، باب ما يحلّ من الميتة.

(٣) المراسم ، ذكر الصيد والذبائح والعبارة هكذا ، ولا يؤكل ما يوجد في بطون الميتة إلّا ما لحقته الذكاة ..

١١٢

وإذا اختلط اللحم الذكي بلحم الميتة ، ولم يكن هناك طريق الى تمييزه منها ، لم يحلّ أكل شي‌ء منه ، ولا يجوز بيعه ، ولا الانتفاع به.

وقد روى (١) انه يباع على مستحل الميتة.

والأولى اطراح هذه الرواية ، وترك العمل بها ، لأنها مخالفة لأصول مذهبنا ، ولان الرسول عليه‌السلام ، قال ان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه (٢).

ولا يجوز ان يأكل الميتة إلّا إذا خاف تلف النفس ، فإذا خاف ذلك أكل منها ما يمسك رمقه ، وهو بقية الحياة ، ولا يجوز له الامتلاء منها.

والباغي الذي يبغى الصيد بطرا ولهوا وقال بعض أصحابنا ، الباغي هو الذي يبغى على امام المسلمين ، والعادي الذي يقطع الطريق ، لم يحل لهما أكل الميتة ، وان اضطرا إليها ، لقوله تعالى « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ » (٣).

ويؤكل من البيض ما كان بيض ما يؤكل لحمه على كل حال.

وإذا وجد الإنسان بيضا ، ولم يعلم اهو بيض ما يؤكل لحمه ، أو بيض ما لا يؤكل لحمه؟ اعتبر ، فما اختلف طرفاه أكل ، وما استوى طرفاه اجتنب.

وقد ذهب بعض أصحابنا الى ان بيض السمك ما كان منه خشنا ، فإنه يوكل ، ويجتنب الأملس ، والمنماع ، ولا دليل على صحّة هذا القول من كتاب ، ولا سنّة ، ولا إجماع.

ولا خلاف ان جميع ما في بطن السّمك طاهر ، ولو كان ذلك صحيحا لما حلت الضجباة.

فاما الجلود فعلى ضربين ، ضرب منها جلد ما يوكل لحمه ، فمتى ذكى ، جاز استعماله ولبسه ، والصّلاة فيه ، سواء دبغ أو لم يدبغ ، إذا كان خاليا من نجاسة ، وما لم يذك ومات ، فلا يجوز استعمال جلده ، ولا الانتفاع به في شي‌ء من الأشياء ،

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣٦ من كتاب الأطعمة والأشربة ح ١ ـ ٢.

(٢) لم نجده في المجاميع الروائية ، نعم في المستدرك الباب ٦ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٨ عن عوالي اللئالى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال ـ في حديث ـ : « ان الله تعالى إذا حرّم على قوم أكل شي‌ء حرّم عليهم ثمنه ».

(٣) سورة البقرة الآية ١٧٣.

١١٣

لا قبل الدباغ ولا بعده ، لأنه ميتة.

وما لا يوكل لحمه : فعلى ضربين ، ضرب منهما لا يجوز استعماله لا قبل الذكاة ولا بعدها ، دبغ أو لم يدبغ ، وهو جلد الكلب والخنزير.

والضرب الآخر يجوز استعماله بشرطين ، الذكاة الشرعية ، والدباغ ، فاما بيعه فيجوز بعد الذكاة وقبل الدباغ ، فاما استعماله لا يجوز الّا بعد الدباغ ، فإذا دبغ ، جاز استعماله في جميع الأشياء ، مائعا كان ، أو غير مائع ، لأنّه طاهر بغير خلاف ، إلّا في الصّلاة ، فإنّه لا يجوز الصّلاة فيه بغير خلاف بيننا مع الاختيار ، وهي جلود جميع السّباع كلها ، مثل النمر ، والذئب ، والفهد ، والسّبع ، والسمور ، والسنجاب ، والفنك ، والأرنب والثعلب ، وما أشبه ذلك من السّباع والبهائم وقد رويت (١) رخصة في جواز الصّلاة في السمور ، والسنجاب ، والفنك ، والأصل ما قدمناه (٢).

وهذا رجوع من شيخنا عما ذكره في الجزء الأول من نهايته ، في انه لا بأس بالصّلاة في السنجاب على ما قدمناه (٣).

ولا يجوز استعمال شي‌ء من هذه الجلود ما لم يذك ، فان استعمله إنسان قبل الذكاة ، نجست يده ، ووجب عليه غسلها عند الصّلاة.

وكذلك شعر الخنزير ، لا يجوز للإنسان استعماله مع الاختيار ، على الصحيح من أقوال أصحابنا ، وان كان قد ذهب منهم قوم الى جواز استعماله ، وتمسك بأنه لا تحله الحياة ، الّا أن أخبارنا (٤) متواترة عن الأئمة الأطهار ، بتحريم استعماله ، والاحتياط يقتضي ذلك ، فان اضطر الى استعماله فليستعمل منه ، ما لم يكن فيه دسم ، بان يتركه في فخار ، ويجعله في النّار ، فإذا ذهب دسمه ، استعمله عند الضرورة والحاجة اليه ، ويغسل يده عند حضور الصّلاة ، على ما وردت الاخبار (٥)

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣ ـ ٤ من أبواب لباس المصلي.

(٢) النهاية : كتاب الصيد والذبائح ، باب ما يحلّ من الميتة.

(٣) في الجزء الأول ص ٢٦٢.

(٤) وفي الجواهر ج ٣٦ ص ٣٩٩ بعد نقل كلام السرائر ، وان كنا لم نظفر بخبر واحد كما اعترف به في كشف اللثام.

(٥) الوسائل ، الباب ٥٨ من أبواب ما يكتسب به والباب ٦٥ من كتاب الأطعمة الأشربة.

١١٤

بذلك.

وروى (١) انه يجوز أن يعمل من جلود الميتة دلو يستقى به الماء ، لغير وضوء الصّلاة ، والشرب.

وإذا قطع شي‌ء من أليات الغنم ، وهي أحياء ، لم يجز اكله ، ولا الاستصباح به ، لأنّه ميتة ، لا تحت السّماء ، ولا تحت الظلال ، وحمله على الدهن النجس قياس لا نقول به.

وروى (٢) انه يكره للإنسان أن يربّي شيئا من الغنم ، ثمّ يذبحه بيده ، بل إذا أراد ذبح شي‌ء من ذلك ، فليشتره في الحال وليس ذلك بمحظور.

__________________

(١) لم نجده في مجاميع الحديث.

(٢) الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب الصيد والذبائح ح ١ ـ ٢.

١١٥
١١٦

كتاب الأطعمة والأشربة

١١٧

كتاب الأطعمة والأشربة

باب الأطعمة المحظورة والمباحة

الترتيب في معرفة ما يحلّ أكله من الحيوان ، وما لا يحل ، ان يرجع الى الشرع ، فما أباحه الشرع ، فهو مباح ، وما حظره فهو محظور وما لم يكن له في الشرع ذكر أصلا ، فلا يخلو أن يكون حيوانا في حال حياته أو بعد أن تفارقه الحياة فإن كان في حال الحياة ، فهو محظور ، لان ذبح الحيوان محظور الا بالشرع ، وان لم يكن حيوانا كان مباحا ، لأن الأشياء على الأظهر عند محققي أصول الفقه ، على الإباحة.

فأمّا ما حرم شرعا فجملته ، ان الحيوان ضربان ، طاهر ونجس ، فالنجس ، الكلب ، والخنزير ، وما عداهما ، كله طاهر في حال حياته ، بدلالة إجماع أصحابنا المنعقد ، على انهم أجازوا شراب سؤرها ، والوضوء منه ، ولم يجيزوا ذلك في الكلب والخنزير ، وأجازوا استعمال جلودها بعد التذكية والدباغ ، ولم يجيزوا ذلك في الكلب والخنزير بحال.

فأما الصّلاة فيها فلا يجوز بحال على ما قدمناه (١).

فإذا ثبت هذا ، فكل ما كان نجسا في حال الحياة ، لم يحل اكله بلا خلاف.

وما كان طاهرا في حال الحياة ، فعلى ضربين ، مأكول اللحم وغير مأكول اللحم.

فالسباع كلها محرمة الأكل ، سواء كانت من البهائم ، أو من الطير ، بلا خلاف على ما أسلفنا القول فيه وبيناه (٢).

__________________

(١) في الجزء الأول ص ٢٦٢.

(٢) في الجزء الأول ص ٢٦٢.

١١٨

وكذلك حشرات الأرض ، كلها حرام ، مثل الحية ، والعقرب ، والفأرة ، والديدان ، والجعلان ، والذباب ، والخنافس ، والبق والزنابير ، والنحل.

والسباع كلها سواء كانت ذوات أنياب قوية تعدو على الناس ، كالسبع ، والنمر ، والذئب ، والفهد ، أو كانت ذوات أنياب ضعيفة لا تعدو على الناس ، مثل الضبع ، والثعلب ، والأرنب ، وما أشبه ذلك ، واليربوع ، والضب ، وابن آوى ، والسنور ، بريّا كان أو أهليا على ما قدمناه (١). والوبر ، والقنفذ ، والفيل ، والدبّ والقرد ، والمجثمة ، ـ بالجيم ، والثاء المنقطة ثلاث نقط ـ ، كلها حرام ، وهي من الوحش والطير ، التي تجعل غرضا ، ولا تزال ترمى بالنشاب حتى تموت.

والمصبورة أيضا حرام ، وهي التي تجرح وتحبس حتى تموت ، لنهي النبيّ عليه‌السلام (٢) عن تصبير البهائم ، وعن أكلها ، بلا خلاف.

وقال قوم : « المجثمة » هي ان ترميها وهي جاثمة ، وقيل هي الشاة ، تشد ثم ترمى ، كأنها تقتل صبرا.

فاما الطائر فعلى ضربين ، ذي مخلب ، وغير ذي مخلب.

فاما ذو المخلب ، فهو الذي يقتل بمخاليبه ، ويعدو على الطائر والحمام ، كالبازي والصقر ، والعقاب ، والباشق ، والشّاهين ، ونحو هذا ، فجميعه حرام اكله على ما قدمناه فيما مضى وشرحناه (٣).

فاما ما لا مخلب له ، فعلى ضربين ، ما يأكل الخبائث ، كالميتة ونحوها ، فكله حرام ، مثل النسر ، والرخم ، والبغاث التي لا تفرس ، فلا يؤكل لحمها.

قال الجاحظ في كتاب الحيوان وان الطير كله سبع وبهيمة وهمج.

والسباع من الطير على ضربين ، فمنها العتاق ، والأحرار ، والجوارح ، ومنها البغاث ، وهو كل ما عظم من الطير ، إذا لم يكن من ذوات السّلاح والمخاليب

__________________

(١) في ص ١٠١ وص ٩٨.

(٢) صحيح البخاري الباب ٢٥ من كتاب الذبائح الحديث ١ ( الرقم ٥١٦٥ ) ج ٢٠ ص ١٠٤ فيه عن انس نهى النبي عن تصبر البهائم. وفي صحيح مسلم ، الباب ١٢ من كتاب الصيد ، الرقم ١٩٦٥ ، ج ٣ ، ص ١٥٤٩ ، مثله.

(٣) في ص ١٠٤.

١١٩

المعققة ، كالنّسر ، والزمج ، وأشباههما ، من لئام السباع ، والسّبع من الطير ما أكل اللحم خالصا ، والبهيمة ما أكل الحب خالصا ، والغراب الا بقع ، والأغبر ، والغداف ، على ما قدمنا القول في جميع ذلك (١) ، لان جميع ذلك مستخبث ، وداخل في تحريم الخبائث.

فاما المستطاب من الطائر ، كالحمام ، إنسيّة ، ووحشيّة ، والفواخت ، وكل مطوق كالقماري ، والدباسي ، والورشان ، والدرّاج ، والدجاج ، والقباج ، والطيهوج ، والكراكي ، والكروان ، والحبارى ، ونحو ذلك كله حلال اكله.

وكل طعام حصل فيه شي‌ء من الخمر ، أو النبيذ ، أو المسكر ، أو الفقاع ، قليلا ، كان ما حصل فيه ، أو كثيرا ، فإنه ينجس ذلك الطعام ، ولا يجوز استعماله على حال.

وان كانت القدر تغلي على النار ، فوقع فيها شي‌ء من الخمر أهريق ما فيها من المرق ، وغسل اللحم ، والتوابل ، وأكل بعد ذلك.

فان حصل فيها شي‌ء من الدم فكذلك سواء كان الدم قليلا أو كثيرا ، إذا كان دما نجسا ، لأن في الدماء ما هو طاهر عندنا بغير خلاف ، وهو دم السّمك.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، فان حصل فيها شي‌ء من الدم ، وكان قليلا ، ثم على ، جاز أكل ما فيها ، لان النار تحيل الدم ، فان كان كثيرا لم يجز أكل ما وقع فيه (٢).

وهو رواية (٣) شاذة مخالفة لأصول المذهب ، أوردها في كتابه إيرادا ، ولا يرجع عن الأدلة القاهرة ، إلّا بمثلها.

قوله « وان كان قليلا ثمّ غلى جاز أكل ما فيها لأنّ النّار تحيل الدم » قول عجيب ، هب ، انّ النّار احالته ، المائع الذي قد وقع فيه أليس قد نجسه وقت وقوعه فيه؟! والنّار ، لعمري ما أذهبت جميع المرق ، وما عهدنا ، ولا ذهب أحد من أصحابنا ، الى

__________________

(١) في ص ١٠٤.

(٢) النهاية ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب الأطعمة المحظورة والمباحة.

(٣) الوسائل ، الباب ٤٤ من كتاب الأطعمة والأشربة ح ٢.

١٢٠