تفسير الصّافي - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٥٢٨

(١١٨) لَعَنَهُ اللهُ أبعده عن الخير وَقالَ أي الشيطان لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً قدر لي وفرض قاله عداوة وبغضاً.

في المجمع عن تفسير الثمالي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية : من بني آدم تسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة ، وفي رواية أخرى : من كل الف واحد لله وسائرهم للنار ولإبليس.

(١١٩) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ عن الحق وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ الأماني الباطلة كطول العمر وان لا بعث ولا عقاب وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ قيل كانوا يشقون إذانها إذا ولدت خمسة أبطن والخامس ذكر وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : ليقطعن الأذن من أصلها وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ عنه عليه السلام : يريد دين الله وأمره.

وفيه ويؤيده قوله سبحانه فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ.

أقول : ويزيده تأييداً قوله عزّ وجلّ عقيب ذلك الدِّينُ الْقَيِّمُ وتفسيرهم عليهم السلام : فِطْرَتَ اللهِ بالإسلام ولعله يندرج فيه كل تغيير لخلق الله عن وجهه صورة أو صفة من دون اذن من الله كفقئهم (١) عين الفحل الذي طال مكثه عندهم واعفاؤه عن الركوب وخصاء العبيد وكل مثلة ولا ينافيه التفسير بالدين والأمر لأن ذلك كله داخل فيهما وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ بأن يؤثر طاعته على طاعة الله عزّ وجلّ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً إذ ضيع رأس ماله وبدل مكانه من الجنة بمكانه من النار.

(١٢٠) يَعِدُهُمْ ما لا ينجز وَيُمَنِّيهِمْ ما لا ينالون وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر وهذا الوعد اما بالخواطر الفاسدة أو بلسان أوليائه.

في المجالس عن الصادق عليه السلام : لما نزلت هذه الآية وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ صعد إبليس جبلاً بمكّة يقال له

__________________

(١) السقؤ بالهمزة الشق يقال فقأت عينه أفقؤها أي شققتها (م)

٥٠١

ثور فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لم دعوتنا قال نزلت هذه الآية فمن لها فقام عفريت من الشياطين فقال أنا لها قال بما ذا فقال له بكذا وكذا قال لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها فقال الوسواس الخناس أنا لها قال بما ذا قال أعدهم وأمنيهم حتّى يواقعوا الخطيئة فإذا أوقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار فقال أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة.

(١٢١) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً معدلاً ومهرباً.

(١٢٢) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً تأكيد بليغ.

(١٢٣) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ.

القمّيّ ليس ما تتمنون أنتم ولا أهل الكتاب أي أن لا تعذبوا بأفعالكم مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ عاجلاً أو آجلاً.

في العيون : أن إسماعيل قال للصادق عليه السلام يا أبتاه ما تقول في المذنب منا ومن غيرنا فقال لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ.

وفي المجمع عن أبي هريرة قال : لما نزلت هذه الآية بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء فقال أما والذي نفسي بيده انها لَكمَا نزلت ، ولكن ابشروا وقاربوا وسددوا أنّه لا يصيب أحداً منكم مصيبة الا كفر الله بها خطيئته حتّى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه.

أقول : معنى قاربوا وسددوا اقتصدوا في أموركم واطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة من غير غلو ولا تقصير.

وفي معنى هذا الحديث أخبار كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : لما نزلت هذه الآية مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ قال بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ما أشدها من آية فقال لهم رسول

٥٠٢

الله صلّى الله عليه وآله وسلم اما تبتلون في أنفسكم وأموالكم وذراريكم قالوا بلى قال هذا ممّا يكتب الله لكم به الحسنات ويمحو به السيئات.

وفي الكافي عنه عليه السلام : ان الله تعالى إذا كان من أمره أن يكرم عبداً وله ذنب ابتلاه بالحاجة فان لم يفعل ذلك به شدد عليه الموت ليكافيه بذلك الذنب (الحديث) وَلا يَجِدْ لَهُ لنفسه مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا من يواليه وَلا نَصِيراً يدفع عنه العذاب.

(١٢٤) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ بعضها مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وقرئ بضم الياء وفتح الخاء وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً بنقص شيء من الثواب ، النقير النقطة التي في النواة.

(١٢٥) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أخلص نفسه لله وَهُوَ مُحْسِنٌ آت بالحسنات.

وفي الحديث النبوي : الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ التي هي دين الإسلام والمتفق على صحتها يعني اقتدى بدينه وبسيرته وطريقته حَنِيفاً مائلاً عن سائر الأديان وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً اصطفاه وخصصه بكرامة الخلة.

في الكافي عنهما عليهما السلام : ان الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً وان الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً وان الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً وان الله اتخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً.

وفيه والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : لما اتخذ الله عزّ وجلّ إبراهيم خليلاً أتاه بشراه بالخلة فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماءً ودهناً فدخل إبراهيم الدار فاستقبله خارجاً من الدار وكان إبراهيم رجلاً غيوراً وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ مفتاحه معه ثمّ رجع ففتح فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون الرجال فأخذه بيده وقال يا عبد الله من أدخلك داري فقال ربها أدخلنيها فقال ربها أحق بها مني فمن أنت قال ملك الموت ففزع إبراهيم عليه السلام

٥٠٣

وقال جئتني لتسلبني روحي قال لا ولكن اتخذ الله عبداً خليلاً فجئت لبشارته قال فمن هو لعلي اخدمه حتّى أموت قال أنت هو فدخل على سارة فقال لها ان الله تعالى اتخذني خليلاً.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : إن إبراهيم كان أبا أضياف وكان إذا لم يكونوا عنده خرج يطلبهم وأغلق بابه وأخذ المفاتيح يطلب الأضياف وأنّه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدار فقال يا عبد الله بإذن من دخلت هذه الدار فقال دخلتها بإذن ربها يردد ذلك ثلاث مرّات فعرف إبراهيم عليه السلام أنّه جبرئيل فحمد ربّه ثمّ قال أرسلني ربك إلى عبد من عبيده يتخذه خليلاً قال إبراهيم عليه السلام اعلمني من هو أخدمه حتّى أموت قال فأنت قال وبم ذلك قال لأنك لم تسأل أحداً شيئاً قط ولم تُسأل شيئاً قط فقلت لا.

والقمّيّ عنه عليه السلام : ان إبراهيم عليه السلام هو أول من حول له الرمل دقيقاً وذلك أنّه قصد صديقاً له بمصر في قرض طعام فلم يجده في منزله فكره أن يرجع بالحمار خالياً فملأ جرابه رملاً فلما دخل منزله خلا بين الحمار وبين سارة استحياءً ودخل البيت ونام ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون فخبزت وقدمت إليه طعاماً طيباً فقال إبراهيم عليه السلام من أين لك هذا فقالت من الدقيق الذي حملته من عند خليلك المصري فقال إبراهيم اما إنّه خليلي وليس بمصري فلذلك أعطى الخلة فشكره وحمده وأكل.

وفي الاحتجاج عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم في حديث : قولنا إن إبراهيم عليه السلام خليل الله فإنما هو مشتق من الخلة (١) والخلة انما معناها الفقر والفاقة فقد كان خليلاً إلى ربّه فقيراً إليه منقطعاً وعن غيره متعففاً معرضاً مستغنياً وذلك أنّه لما أُريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله إلى جبرئيل فقال له أدرك عبدي فجاءه فلقيه في الهواء فقال كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك فقال بل حسبي الله ونعم الوكيل اني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلّا إليه فسماه خليله أي فقيره

__________________

(١) الخلة : الحاجة والفقر والخصاصة (ق)

٥٠٤

ومحتاجه والمنقطع إليه عما سواه قال وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنّه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به وبأموره ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله وإذا يعلمه بأسراره لم يكن خليله.

وفي العيون عن الصادق عليه السلام : انما اتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً لأنّه لم يرد أحداً ولم يسأل أحداً قط غير الله.

وفي العلل عنه عليه السلام : لكثرة سجوده على الأرض.

وعن الهادي عليه السلام : لكثرة صلواته على محمّد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.

وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : لاطعامه الطعام وصلاته بالليل والناس نيام.

أقول : لا تنافي بين هذه الأخبار لأنّها كلها مشترك في معنى انقطاعه إلى الله واستغنائه عما سواه وانه الموجب لاتخاذ الله إياه خليلاً وممّا يدلّ على هذا المعنى ما ورد في بعض الروايات : أن الملائكة قال بعضهم لبعض اتخذ ربّنا من نطفة خليلاً وقد أعطاه ملكاً عظيماً جزيلاً فأوحى الله تعالى إلى الملائكة اعمدوا على أزهدكم ورئيسكم فوقع الاتفاق على جبرئيل وميكائيل فنزلا إلى إبراهيم في يوم جمع غنمه وكان لإبراهيم عليه السلام أربعة آلاف راع وأربعة آلاف كلب في عنق كل كلب طوق وزن منّ من ذهب أحمر وأربعون الف غنمة حلابة وما شاء الله من الخيل والجمال فوقف الملكان في طرفي الجمع فقال أحدهما بلذاذة (١) صوت سبوح قدوس فجاوبه الثاني ربّ الملائكة والروح فقال أعيداهما ولكما نصف مالي ثمّ قال أعيداهما ولكما مالي وولدي وجسدي فنادت ملائكة السماوات هذا هو الكرم هذا هو الكرم فسمعوا منادياً من العرش يقول الخليل موافق لخليله.

(١٢٦) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقاً وأمراً وملكاً فهو مستغن عن

__________________

(١) اللذة نقيض الألم ج لذات لذه وبه لذاذاً ولذاذة والتذه وبه استلذه وجده لذيذاً (ق)

٥٠٥

جميع خلقه وجميع خلقه محتاجون إليه وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً علماً وقدرةً.

(١٢٧) وَيَسْتَفْتُونَكَ ويسألونك الفتوى أي تبيين الحكم فِي النِّساءِ في ميراثهن.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : سئل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم عن النساء ما لهن من الميراث فأنزل الله الربع والثمن قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَ يبين لكم ما سألتم في شأنهن وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أي ويبين لكم أيضاً ما يقرأ عليكم في القرآن فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَ لا تعطونهن ما كُتِبَ لَهُنَ من الميراث كان أهل الجاهلية لا يورثون الصغير ولا المرأة وكانوا يقولون لا نورث إلّا من قاتل ودفع عن الحريم فأنزل الله تعالى آيات الفرائض التي في أول السورة وهو معنى قوله لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ كذا في المجمع عن الباقر عليه السلام ..

وزاد القمّيّ : وكانوا يرون ذلك في دينهم حسناً فلما أنزل الله فرائض المواريث وجدوا (١) من ذلك وجداً شديداً فقالوا انطلقوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فنذكر ذلك له لعله يدعه أو يغيره فأتوه فقالوا يا رسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها ويعطى الصبيّ الصغير الميراث وليس واحد منهما يركب الفرس ولا يحوز (٢) الغنيمة ولا يقاتل العدو فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بذلك أُمرت وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ عن نكاحهن.

القمّيّ : ان الرجل كان في حجره اليتيمة فتكون دميمة (٣) وساقطة يعني حمقاء فيرغب الرجل أن يتزوجها ولا يعطيها مالها فينكحها غيره من أجل مالها ويمنعها النكاح ويتربص بها الموت ليرثها فنهى الله عن ذلك وَالْمُسْتَضْعَفِينَ ويفتيكم في

__________________

(١) وجد في الحزن وجداً بالفتح وتوجدت لفلان حزنت له (مجمع)

(٢) الحوز الجمع وكل من ضم إلى نفسه شيئاً فقد حازه يحوزه حوزاً أو حيازة (ص)

(٣) الدميمة القبيحة المنظر والساقطة من لا رتبة لها والحمقاء تفسير للساقطة وهي من قل عقلها وحاصل المراد أن القبيحة لما لم يكن لها حسن ولا رتبة ورشد فكان الرجل يرغب عن نكاحها لكن يريد مالها لا يخليها تتزوج حتّى تموت فيرثها.

٥٠٦

المستضعفين مِنَ الْوِلْدانِ من الصبيان الصغار أن تعطوهم حقوقهم لأنّهم فيما يتلى عليكم وآتوا اليتامى أموالهم كما مضى وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ ويفتيكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط في أنفسهم وأموالهم وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ في أمر النساء واليتامى وغير ذلك فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً وعد لمن آثر الخير في ذلك.

(١٢٨) وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها توقعت لما ظهر لها من المخايل نُشُوزاً تجافياً عنها وترفعاً عن صحبتها وكراهة لها ومنعاً لحقوقها أَوْ إِعْراضاً بأن يقل مجالستها ومحادثتها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً.

في الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها أُريد أن أُطلقك فتقول له لا تفعل اني أكره أن يشمت بي ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت وما كان سوى ذلك من شيء فهو (١) لك ودعني على حالتي وهو قوله تعالى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً هذا هو الصلح.

والقمّيّ : ما في معناه مع ذكر سبب النزول وَالصُّلْحُ خَيْرٌ من الفرقة وسوء العشرة وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ لكونها مطبوعة عليه فلا تكاد المرأة تسمح باعراض الزوج عنها وتقصيره في حقها ولا الرجل يسمح بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحبّ غيرها.

القمّيّ : قال وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ فمنها من اختارته ومنها من لم تختره وَإِنْ تُحْسِنُوا في العشرة وَتَتَّقُوا النشوز والإِعراض ونقص الحق فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من الإِحسان والخصومة خَبِيراً فيجازيكم عليه.

(١٢٩) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ أن تسووا بينهن في المحبة والمودة بالقلب كما مضى في أوائل السورة من الكافي.

ورواه العيّاشيّ والقمّيّ عن الصادق عليه السلام.

__________________

(١) والحاصل أنّها تصالح زوجها على إباحة حقوقها من جهة الزوجية والمضاجعة والنفقة والمهر ونحوها جميعاً أو بعضاً على ما تراضيا عليه.

٥٠٧

وفي المجمع عنهما عليهما السلام : أن معناه التسوية في كل الأمور من جميع الوجوه وَلَوْ حَرَصْتُمْ على ذلك كل الحرص فان ذلك ليس إليكم ولا تملكونه ولا تكلفونه ولا تؤاخذون به.

في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : أنّه كان يقسم بين نسائه ويقول اللهمّ هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ بترك المستطاع والجور على المرغوب عنها فان ما لا يدرك كله لا يترك كله فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ التي ليست ذات بعل ولا أيماً.

في المجمع عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : أن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهن ، قال وروي : أن علياً عليه الصلاة والسلام كان له امرأتان فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى.

(١٣٠) وَإِنْ تُصْلِحُوا ما تفسدون من أمورهن وَتَتَّقُوا فيما يستقبل فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً يغفر لكم ما مضى من قبلكم وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ قيل يعني إذا أبى كل واحد منهما مصالحة الآخر ويتفرقا بالطلاق يغن الله كلا منهما عن الآخر ببدلٍ أو سلوٍ من غناه وقدرته ويرزقه من فضله وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : انه شكا رجل إليه الحاجة فأمره بالتزويج فاشتد به الحاجة فأمره بالمفارقة فأثرى (١) وحسن حاله فقال له أمرتك بأمرين أمر الله بهما قال تعالى وَأَنْكِحُوا الْأَيامى إلى قوله إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وقال وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ.

(١٣١) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لا يتعذر عليه الإغناء بعد الفرقة والإيناس بعد الوحشة تنبيه على كمال قدرته وسعة ملكه وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ من اليهود والنصارى وغيرهم وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ.

__________________

(١) أثرى الرجل إذا كثرت أمواله (ص)

٥٠٨

في مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام في هذه الآية : قد جمع الله ما يتواصى (١) به المتواصون من الأولين والآخرين في خصلة واحدة وهي التقوى وفيه جماع كل عبادة صالحة وبه وصل من وصل إلى الدرجات العلى وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مالك الملك كله لا يتضرر بكفرانكم وعصيانكم كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم وانما وصاكم لرحمته لا لحاجته وَكانَ اللهُ غَنِيًّا عن الخلق وعباداتهم حَمِيداً في ذاته حمد أو لم يحمد.

(١٣٢) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ كل يدلّ بحاجته على غناه وبما فاض عليه من الوجود والكمال على كونه حميداً وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً حافظاً للجميع لا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما وقيل راجع إلى قوله يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ فانه يوكل بكفايتهما وما بينهما تقرير لذلك.

(١٣٣) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ يفنكم أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ويوجد قوماً آخرين مكانكم وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ من الإِعدام والإيجاد قَدِيراً بليغ القدرة لا يعجزه مراد.

في المجمع ويروى : أنه لما نزلت هذه الآية ضرب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم يده على ظهر سلمان رضي الله عنه وقال هم قوم هذا يعني عجم الفرس.

(١٣٤) مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا كمن يجاهد للغنيمة فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فليطلب الثوابين جميعاً من عند الله وما باله يكتفي بأخسهما ويدع أشرفهما على أنّه لو طلب الأشرف لم يخطئه الأخس.

في الكافي والخصال عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال : كانت الحكماء والفقهاء إذا كاتب بعضهم بعضاً كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة من كانت الآخرة همته كفاه الله همته من الدنيا ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس.

وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام : الدنيا طالبة ومطلوبة فمن طلب الدنيا طلبه

__________________

(١) تواصى القوم أي أوصى بعضهم بعضاً (ص)

٥٠٩

الموت حتّى يخرجه منها ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتّى توفيه رزقه وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً عالماً بالأَغراض فيجازي كلا بحسب قصده.

(١٣٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ مواظبين على العدل مجتهدين في إقامته شُهَداءَ لِلَّهِ بالحق تقيمون شهاداتكم لوجه الله وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ولو كانت الشهادة على أنفسكم بأن تقروا عليها أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ المشهود عليه أو المشهود له غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة للغنيّ على الفقير لاستغناء المشهود له وفقر المشهود عليه ولا عن إقامة الشهادة للفقير الغنيّ تهاوناً بالفقير وتوقيراً للغني أو خشية منه أو حشمة له فَاللهُ أَوْلى بِهِما بالغني والفقير وأنظر لهما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا لأن تعدلوا عن الحق من العدول أو لأجل أن تعدلوا في الشهادة من العدل نهي عن متابعة الهوى في إقامتها كمراعاة صداقة أو عداوة أو وحشة أو عصبية أو غير ذلك وَإِنْ تَلْوُوا ألسنتكم عن شهادة الحق أَوْ تُعْرِضُوا عن أدائها.

في المجمع عن الباقر عليه السلام : إِنْ تَلْوُوا (١) أي تبدلوا الشهادة أَوْ تُعْرِضُوا أي تكتموها.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : إِنْ تَلْوُوا الأمر أَوْ تُعْرِضُوا عما أمرتم به. وقرئ ان تلوا على معنى ان وليتم إقامة الشهادة فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيجازيكم عليه.

(١٣٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بألسنتهم وظاهرهم آمَنُوا بقلوبكم وباطنكم بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ يعني القرآن وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ التوراة والإنجيل وغيرهما أُريد به الجنس وقرئ على البناء للمفعول فيهما وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ومن يكفر بشيء من ذلك فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً عن المقصد بحيث لا يكاد يعود الى طريقه.

(١٣٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا كاليهود آمنوا بموسى عليه السلام وكالمنافقين آمنوا بمحمد ثُمَّ كَفَرُوا ثم عبد اليهود العجل وارتد المنافقون ثُمَّ آمَنُوا عادوا إلى الإِيمان ثُمَّ كَفَرُوا

__________________

(١) لويت الحبل افتلته ولوى الرجل رأسه وألوى برأسه أمال وأعرض (صحاح)

٥١٠

كفر اليهود بعيسى وارتد المنافقون مرة اخرى ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم وتمادوا (١) في الغي وأصروا عليه حتّى ماتوا.

القمّيّ نزلت في الذين آمنوا برسول الله إقراراً لا تصديقاً ثمّ كفروا لما كتبوا الكتاب فيما بينهم أن لا يردوا الأمر في أهل بيته أبداً فلما نزلت الولاية وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الميثاق عليهم لأمير المؤمنين عليه السلام آمنوا إقراراً لا تصديقاً فلما قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كفروا فازدادوا كفراً.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام قال : هما والثالث والرابع وعبد الرحمن وطلحة وكانوا سبعة (الحديث) وذكر فيه مراتب ايمانهم وكفرهم.

وعن الصادق عليه السلام : نزلت في فلان وفلان وفلان آمنوا برسول الله في أول الأمر ثمّ كفروا حين عرضت عليهم الولاية حيث قال من كنت مولاه فعليّ مولاه ثمّ آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام حيث قالوا له بأمر الله وأمر رسوله فبايعوه ثمّ كفروا حيث مضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فلم يقروا بالبيعة ثمّ ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء ، وفي رواية أخرى عنهما عليهما السلام : نزلت في عبد الله بن أبي سرح الذي بعثه عثمان إلى مصر قال وازدادوا كفراً حتّى لم يبق فيه من الايمان شيء. وفي أخرى : من زعم أن الخمر حرام ثمّ شربها ومن زعم أن الزنا حرام ثمّ زنى ومن زعم أن الزكاة حقّ ولم يؤدها لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً الى الجنة لأن بصائرهم عميت عن الحق فلا يتأتى منهم الرجوع إليه.

(١٣٨) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.

(١٣٩) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ يتعززون بموالاتهم فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً لا يتعزز إلّا من أعزه الله وقد كتب العزة لأوليائه كما قال عزّ وجلّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.

__________________

(١) تمادى في الذنوب إذا لج وداوم وتوسع فيها ومثله تمادى في الجهل وتمادى في غيه (مجمع)

٥١١

القمّيّ نزلت في بني أميّة حيث حالفوا على أن لا يردوا الأمر في بني هاشم.

(١٤٠) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ القرآن أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.

القمّيّ آياتِ اللهِ هم الأئمة عليهم السلام.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام والعيّاشيّ عن الرضا عليه السلام في تفسيرها : إذا سمعت الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع (١) في أهله فقم من عنده ولا تقاعده.

وعن الصادق عليه السلام : وفرض الله على السمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرم الله وأن يعرض عما لا يحل له ممّا نهى الله عنه والإصغاء إلى ما أسخط الله فقال في ذلك وقد نزل عليكم الْآيَةَ قال ثمّ استثنى موضع النسيان فقال وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ في الكفران رضيتم به وإلّا ففي الإثم لقدرتكم على الإِنكار والإِعراض إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ القاعدين والمقعود معهم فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً.

(١٤١) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ ينتظرون وقوع أمر بكم فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ مظاهرين لكم فأسهموا لنا فيما غنمتم وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ من الحرب قالُوا للكافرين أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم فأبقينا عليكم والاستحواذ الاستيلاء وكان القياس أن يقال ألم نستحذ فجاءت على الأصل وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بأن أخذلناهم عنكم بتخييل ما ضعفت به قلوبهم وتوانينا في مظاهرتهم وكنا عيوناً لكم حتّى انصرفوا عنكم وغلبتموهم فأشركونا فيما أصبتم قيل انما سمى ظفر المسلمين فتحاً وظفر الكافرين نصيباً لخسة حظهم فانه مقصور على أمر دنيوي سريع الزوال فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يفصل بينكم بالحق وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً بالحجة ان جاز أن يغلبوهم بالقوة.

في العيون عن الرضا عليه السلام : قيل له ان في سواد الكوفة قوماً يزعمون أن

__________________

(١) وقع في الناس وقيعة اغتابهم (م)

٥١٢

النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه السهو فقال كذبوا لعنهم الله ان الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلّا هو قيل وفيهم قوم يزعمون أن الحسين بن علي صلوات الله عليهما لم يقتل وأنّه القي شبهة على حنظلة بن سعد الشاميّ وأنّه رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم عليه السلام ويحتجون بهذه الآية وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً فقال كذبوا عليهم غضب الله ولعنته وكفروا بتكذيبهم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم في إخباره بأن الحسين عليه السلام سيقتل والله لقد قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهما وقتل من كان خيراً من الحسين أمير المؤمنين والحسن بن عليّ عليهما السلام وما منا الا مقتول واني والله لمقتول باغتيال (١) من يغتالني أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من رسول الله أخبره به جبرئيل عن ربّ العالمين. فاما قوله عزّ وجلّ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً فانه يقول لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة ولقد أخبر الله تعالى عن كفّار قتلوا نبيين بغير حقّ ومع قتلهم إياهم لن يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلاً من طريق الحجة.

(١٤٢) إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ مضى تفسيره في أول سورة البقرة وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى متثاقلين كالمكره على الفعل وقرئ كَسَالَى بالفتح يُراؤُنَ النَّاسَ ليخالوهم مؤمنين وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً إذ المرائي لا يفعل الا بحضرة من يرائيه.

في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام : من يذكر الله في السر فقد ذكر الله كثيراً ان المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر فقال الله عزّ وجلّ يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً.

(١٤٣) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ مرددين بين الإِيمان والكفر من الذبذبة وهو جعل الشيء مضطرباً وأصله الذب بمعنى الطرد وقرئ بكسر الذال بمعنى يذبذبون قلوبهم أو دينهم لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ لا يصيرون إلى المؤمنين بالكلية ولا إلى الكافرين كذلك يظهرون الإِيمان كما يظهره المؤمنون ولكن لا يضمرونه كما يضمرون

__________________

(١) غاله الشيء واغتاله إذا أخذه من حيث لم يدر إلى أن قال واغتاله قتله غيلة (ص)

٥١٣

ويضمرون الكفر كما يضمره الكافرون ولكن لا يظهرونه كما يظهرون وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً طريقاً ومذهباً نظيره قوله وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ.

(١٤٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ (١) مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فانه صنيع المنافقين وشعارهم أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً حجة بينة فان موالاة الكافرين دليل النفاق.

(١٤٥) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ فان للنار دركات كما أن للجنة درجات سميت بهذا لأنّها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض والأسفل منها هي التي في قعر جهنم وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً يخرجهم منه.

(١٤٦) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا عن النفاق وَأَصْلَحُوا ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ ووثقوا به وتمسكوا بدينه وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ لا يريدون بطاعتهم الا وجهه فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ من عدادهم في الدارين وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً فيساهمونهم فيه.

(١٤٧) ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ يتشفى به غيظاً أو يدفع به ضرراً أو يستجلب به نفعاً سبحانه هو الغني المتعال عن النفع والضرر وانما يعاقب المصر على كفره لأن إصراره عليه كسوء مزاج يؤدي إلى مرض فإذا زال بالإِيمان والشكر ونقى نفسه عنه تخلص من تبعته وانما قدم الشكر لأن الناظر يدرك النعمة أولاً فيشكر شكراً مبهماً ثمّ يمعن النظر حتّى يعرف المنعم فيؤمن به كذا قيل وَكانَ اللهُ شاكِراً مثيباً يقبل اليسير ويعطي على القليل الجزيل عَلِيماً بحق شكركم وايمانكم.

(١٤٨) لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ.

في المجمع عن الباقر عليه السلام : لا يُحِبُّ اللهُ الشتم في الانتصار إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين وفيه ونظيره وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا.

__________________

(١) قوله عزّ وجلّ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ في المقام وغيره كالصفة الموضحة إشارة إلى أن ولاية الكفّار لا يجتمع وصف الإِيمان.

٥١٤

والقمّيّ ما يقرب منه قال وفي حديث آخر في تفسيرها : إن جاءك رجل وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل الصالح فلا تقبله منه وكذبه فقد ظلمك.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : أنه الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه أن يذكر سوء ما فعله.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : في هذه الآية من أضاف قوماً فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه.

وعنه عليه السلام : الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ أن يذكر الرجل بما فيه وَكانَ اللهُ سَمِيعاً لما يجهر به من سوء القول عَلِيماً بصدق الصادق وكذب الكاذب فيجازي كلًّا بعمله.

(١٤٩) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً تظهروا طاعة وبراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ مع قدرتكم على الانتقام من دون جهر بالسوء من القول وهو المقصود ذكره وما قبله تمهيد له ولذا رتب عليه قوله فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً لم يزل يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام وهو حث للمظلوم على العفو بعد ما رخص له في الانتصار حملاً على مكارم الأخلاق.

(١٥٠) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض كما فعلته اليهود صدّقوا موسى (ع) ومن تقدمه من الأنبياء وكذبوا عيسى ومحمّداً (ع) وكما فعلت النصارى صدقوا عيسى ومن تقدمه وكذبوا محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ بين الإِيمان والكفر سَبِيلاً طريقاً الى الضلالة مع ان الإِيمان بالله لا يتمّ إلّا بالايمان برسله كلهم وتصديقهم فيما بلغوا عنه كله فالكافر ببعض ذلك كافر بالكل فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ.

(١٥١) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ الكاملون في الكفر حَقًّا تأكيد لئلا يتوهم ان قولهم نؤمن ببعض يخرجهم عن حيز الكفّار وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً يهينهم ويذلهم.

٥١٥

القمّيّ قال هم الذين أقروا برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأنكروا أمير المؤمنين عليه السلام.

(١٥٢) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ بل آمنوا بجميعهم أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ نعطيهم أُجُورَهُمْ الموعدة لهم سمي الثواب أجراً للدلالة على استحقاقهم لها والتصدير بسوف للدلالة على أنّه كائن لا محالة وان تأخر وقرأ يؤتيهم بالياء وَكانَ اللهُ غَفُوراً لم يزل يعفي ما فرط منهم من المعاصي رَحِيماً يتفضّل عليهم بأنواع الإِنعام.

(١٥٣) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ.

في المجمع روي : أن كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود قالوا يا محمّد ان كنت نبياً فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى عليه السلام بالتوراة جملة فنزلت فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ أي لا يعظمن عليك سؤالهم إياك انزل الكتاب من السماء فإنهم سألوا موسى أعظم من ذلك بعد ما أتاهم بالبينات الظاهرة والمعجزات الباهرة وهذا السؤال وإن كان من آبائهم أسند إليهم لأنّهم كانوا آخذين بمذهبهم تابعين لهم والغرض أن عرقهم (١) راسخ في ذلك وان ما اقترحوا عليك ليس بأول جهالاتهم فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً عياناً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ بسبب ظلمهم وهو تعنتهم وسؤالهم لما يستحيل ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ عبدوه مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ المعجزات الباهرات فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ لسعة رحمتنا وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً حجة بينة تبين عن صدقه.

(١٥٤) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ الجبل بِمِيثاقِهِمْ ليقبلوه وَقُلْنا لَهُمُ على لسان موسى عليه السلام ادْخُلُوا الْبابَ باب حطة سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ على لسان موسى وداود لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ لا تتجاوزوا في يوم السبت ما أُبيح لكم إلى ما حرم عليكم وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً على ذلك.

(١٥٥) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ يعني فحالفوا ونقضوا ففعلنا بهم ما فعلنا بسبب

__________________

(١) قوله عرقهم راسخ في ذلك أي أصلهم ثابت عليه وانطبع على قلوب هؤلاء حتّى كأنهم ينشئون على الإبرام والمحاجة.

٥١٦

نقضهم وما مزيدة للتأكيد ويجوز أن يكون الباء متعلقة بحرمنا عليهم طيبات متقدمة عليه وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ بحججه وأدلته وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ.

القمّيّ قال هؤلاء لم يقتلوا الأنبياء وانما قتلهم أجدادهم فرضي هؤلاء بذلك فألزمهم الله القتل بفعل أجدادهم وكذلك من رضي بفعل فقد لزمه وان لم يفعله وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ أوعية للعلوم أو في أكنة كما مرّ تفسيره بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فجعلها محجوبة عن العلم وخذلها ومنعها التوفيق للتدبر في الآيات والتذكر بالمواعظ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً منهم أو إيماناً قليلاً لا عبرة به لنقصانه.

(١٥٦) وَبِكُفْرِهِمْ بعيسى عليه السلام وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً يعني نسبتها إلى الزنا.

في المجالس عن الصادق عليه السلام : ان رضى الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط ألم ينسبوا مريم ابنة عمران إلى أنّها حملت بعيسى عليه السلام من رجل نجار (١) اسمه يوسف.

(١٥٧) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ يعني رسول الله بزعمه نظيره إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ وذلك لما رفعه الله إليه وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ قد مضى ذكر هذه القصة في سورة آل عمران عند قوله تعالى إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ قيل انما أَذمهم الله بما دل عليه الكلام من جرأتهم على الله وقصدهم قتل نبيه المؤيد بالمعجزات القاهرة وبتجحجحهم (٢) به لا لقولهم هذا على حسب حسبانهم وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ قيل لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس فقال بعض اليهود انه كان كاذباً فقتلناه حقاً وتردد آخرون فقال بعضهم ان كان هذا عيسى عليه السلام فأين صاحبنا

__________________

(١) وفي بعض النسخ المصحّحة بخار بتقديم الباء الموحدة على الخاء المعجمة أي بايع البخورات.

(٢) الجحجح بتقديم الجيم المفتوحة ثمّ الحاء الساكنة ثمّ الجيم المفتوحة ثمّ الحاء وزان سلسل السيّد وكسلسال أيضاً (ج) كسلاسل وجبابرة وحواصيل وكهدهد الكبش العظيم والمراد هنا التسيد والافتخار وإظهار القوّة والشجاعة.

٥١٧

وقال بعضهم الوجه وجه عيسى عليه السلام والبدن بدن صاحبنا وقال من سمع منه ان الله يرفعني إلى السماء رفع إلى السماء وقال قوم صلب (١) الناسوت وصعد اللاهوت ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ ولكنهم يتبعون الظنّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً قتلاً يقيناً كما زعموه أو تأكيد لنفي القتل يعني حقاً.

(١٥٨) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ رد وإنكار لقتله واثبات لرفعه.

في الفقيه عن السجّاد عليه السلام : ان لله بقاعاً في سماواته فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه ألا تسمع الله يقول في قصة عيسى بن مريم بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ.

القمّيّ رفع وعليه مدرعة من صوف.

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام قال : رفع عيسى بن مريم بمدرعة صوف من غزل مريم ومن نسج مريم ومن خياطة مريم فلما انتهى إلى السماء نودي يا عيسى الق عنك زينة الدنيا.

وفي الإكمال عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : أن عيسى بن مريم أتى إلى بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغبهم فيما عند الله ثلاثة وثلاثين سنة حتّى طلبته اليهود وادعت أنّها عذبته ودفنته في الأرض حياً وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه وما كان الله ليجعل لهم سلطاناً عليه وإنّما شبه لهم وما قدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله وصلبه لأنّهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيباً لقوله ولكن رفعه الله إليه بعد أن توفاه وقد سبق صدر هذا الحديث في سورة آل عمران وَكانَ اللهُ عَزِيزاً لا يغلب على ما يريده حَكِيماً فيما دبر لعباده

(١٥٩) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قيل يعني ما من اليهود والنصارى أحد إلّا ليؤمنن بأن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله قبل أن يموت ولو حين تزهق روحه ولا ينفعه إيمانه وبه رواية عنهم عليهم السلام وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ

__________________

(١) قوله صلب الناسوت : يعني في عالم الناسوت وصعد إلى عالم اللاهوت.

٥١٨

عَلَيْهِمْ شَهِيداً فيشهد على اليهود بالتكذيب وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله.

والقمّيّ عن شهر بن حوشب قا : ل قال لي الحجاج يا شهر آية في كتاب الله قد أعيتني فقلت أيها الأمير أية آية هي فقال وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ والله لأنّي أمر باليهود والنصراني فيضرب عنقه ثمّ أرمقه (١) بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يخمد (٢) فقلت أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت قال كيف هو قلت إن عيسى عليه السلام ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا غيره إلّا آمن به قبل موته ويصلي خلف المهديّ عليه السلام قال ويحك أنى لك هذا ومن أين جئت به فقلت حدّثني به محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم فقال جئت بها من عين صافية.

قال القمّيّ وروي : أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إذا رجع آمن به الناس كلهم.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام في تفسيرها : ليس من أحد من جميع الأديان يموت إلّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين صلوات الله عليهم حقاً من الأولين والآخرين.

وعن الصادق عليه السلام : انما ايمان أهل الكتاب انما هو بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلم.

وفي المجمع في أحد معانيها : لَيُؤْمِنَنَ بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم قبل موت الكتابي قال ورواه أصحابنا ..

وفي الجوامع عنهما عليهما السلام : حرام على روح أن تفارق جسدها حتّى ترى محمّداً وعلياً والأخبار في هذا المعنى كثيرة (٣).

__________________

(١) رمقه بعينه رمقاً من باب قتل أطال النظر إليه (مجمع)

(٢) خمد المريض أغمي عليه أو مات (م)

(٣) منها ما رواه الإماميّة ان المحتضرين من جميع الأديان يرون رسول الله وخلفائه عند الموت ويروون في ذلك عن عليّ عليه السلام أنه قال للحارث الهمداني : يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا ، يعرفني طرفه وأعرفه ، بعينه

٥١٩

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنه سئل عن هذه الآية فقال هذه نزلت فينا خاصّة أنّه ليس رجل من ولد فاطمة يموت ولا يخرج من الدنيا حتّى يقر للإمام وبإمامته كما أقر ولد يعقوب ليوسف حين قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا.

أقول : يعني أن ولد فاطمة هم المعنيون بأهل الكتاب هنا وذلك لقوله سبحانه ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فإنهم المرادون بالمصطفين هناك كما يأتي ذكره عند تفسيره.

(١٦٠) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا فبظلم عظيم منهم حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ قيل هي التي ذكرت في قوله سبحانه وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ (الآية).

وفي الكافي والعيّاشيّ والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : من زرع حنطة في أرض ولم يزك زرعه فخرج زرعه كثير الشعير فبظلم عمله في ملك رقبة الأرض أو بظلم لمزارعيه وأكرته (١) لأن الله يقول فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ يعني لحوم الإِبل والبقر والغنم وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (٢)

(١٦١) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ بالرشوة وغيرها من الوجوه المحرمة وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً دون من تاب وآمن.

(١٦٢) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ قيل يعني ويؤمنون بالمقيمين الصلاة يعني الأنبياء وقيل بل نصب على المدح وقرئ في الشواذ بالرفع وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ

__________________

واسمه وما فعلا ، والمراد برؤيتهم في ذلك الحال العلم بثمرة ولايتهم وعداوتهم علم اليقين بعلامات يجدونها من نفوسهم ومشاهدة أحوال يدركونها كما قد روي : ان الإنسان إذا عاين الموت أري في تلك الحالة ما يدله على أنّه من أهل الجنة أو من أهل النار.

(١) في الحديث ذكر الأكار بالفتح والتشديد وهو الزراع والأكرة بالضم الحفرة وبها سمي الأكار وأكرت النهر من باب ضرب شققته (م)

(٢) وبمنعهم عباد الله عن دينه وسبيله التي شرعها لعباده صداً كثيراً وكان صدهم عن سبيل الله بقولهم على الله الباطل وادعائهم ان ذلك على الله وتبديلهم كتاب الله وخريفهم معانيه عن وجوهه وأعظم من ذلك كله جحدهم نبوة محمّد (ص) تركهم بيان ما عملوه من أمره لمن جهله من الناس عن مجاهد وغيره (مجمع البيان)

٥٢٠