تفسير الصّافي - ج ١

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ١

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٥٢٨

وفي اخبار أهل البيت أن المراد به أصحاب المهديّ في آخر الزمان

وفي المجمع والعيّاشيّ عن الرضا عليه السلام : أن لو قام قائمنا لجمع الله جميع شيعتنا من جميع البلدان.

وفي الإكمال والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : لقد نزلت هذه الآية في أصحاب القائم وإنهم المفتقدون من فرشهم ليلاً فيصبحون بمكّة وبعضهم يسير في السحاب نهاراً نعرف اسمه واسم أبيه وحليته ونسبه إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ على الإماتة والأحياء والجمع.

(١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ للسفر في البلاد فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إذا صلّيت وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وإن التوجه إلى الكعبة للحق الثابت المأمور به من ربك وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وقرئ بالياء.

(١٥٠) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ قيل كرّر الحكم لتعدّد علله فانه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل تعظيم الرسول ابتغاء لمرضاته وجري العادة الإلهيّة على أن يولي أهل كل ملّة وصاحب دعوة جهة يستقبلها ويتميز بها ودفع حجج المخالفين كما يأتي وقرن بكل علّة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله تقريباً وتقريراً مع أن القبلة لها شأن والنّسخ من مظان الفتنة والشبهة فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد أخرى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ علّة لقوله تعالى فَوَلُّوا ، والمعنى أن التولية عن بيت المقدس إلى الكعبة يدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة وان محمّداً يجحد ديننا ويتّبعنا في قبلتنا واحتجاج المشركين بأنّه يدّعي ملّة إبراهيم ويخالف قبلته إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ.

القمّيّ : إِلَّا هاهنا بمعنى ولا وليست استثناء يعني ولا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وقيل معناه الا الحجة الداحضة من المعاندين بأن قالوا ما تحول إلى الكعبة الا ميلاً إلى دين قومه وحباً لبلده أو بدا له فرجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم.

٢٠١

فَلا تَخْشَوْهُمْ فان مطاعنهم لا تضرّكم وَاخْشَوْنِي فلا تخالفوا ما أمرتكم به وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : تمام النعمة دخول الجنة. وعن أمير المؤمنين عليه السلام : تمام النعمة الموت على الإسلام.

أقول : لا تنافي بين الخبرين لتلازم الأمرين.

(١٥١) كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ أي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ كما أتممتها بإرسال رسول منكم يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ يحملكم على ما تصيرون به أزكياء قدّمه على التعليم باعتبار القصد وأخّره في دعوة إبراهيم باعتبار الفعل وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ بالفكر والنظر إذ لا طريق إلى معرفته سوى الوحي وكرر الفعل ليدل على أنّه جنس آخر.

(١٥٢) فَاذْكُرُونِي بالطاعة أَذْكُرْكُمْ بالثواب وَاشْكُرُوا لِي ما أنعمت به عليكم وَلا تَكْفُرُونِ بجحد النعم وعصيان الأمر أراد بالكفر كفر النعم كذا في الكافي. والعيّاشيّ عن الصادق ، والقمّيّ عن الباقر صلوات الله عليهما : ذكر الله لأهل الطاعة أكبر من ذكرهم إياه ألا ترى أنّه يقول فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.

وفي الخصال : عن أمير المؤمنين عليه السلام : اذكروا الله في كل مكان فانه معكم.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال : قال الله عزّ وجلّ : يا بن آدم اذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من مَلئِكَ. وعنه عليه السلام في حديث عيسى : يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي واذكرني في ملئك أذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميين.

وعنه عليه السلام : ان الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين الا ذكره بخير فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته.

وفي المجمع والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام قال قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : ان الملك ينزل الصحيفة من أول النهار وأول الليل يكتب فيها عمل ابن آدم

٢٠٢

فأملوا في أولها خيراً وفي آخرها خيراً فان الله يغفر لكم ما بين ذلك إن شاء الله فانه يقول فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.

وفي الخصال عنه عليه السلام : في البلاء من الله الصبر فريضة وفي القضاء من الله التسليم فريضة وفي النعمة من الله الشكر فريضة.

وعن السجّاد : من قال الحمد لله فقد أدى شكر كل نعم الله.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : شكر كل نعمة الورع عمّا حرّمه الله.

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنه سئل هل للشكر حدّ إذا فعله الرجل كان شاكراً قال نعم قيل وما هو قال الحمد لله على كل نعمة أنعمها علي وإن كان له فيما أنعم عليه حقّ أداه ومنه قول الله : سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا حتى عدّ آيات.

(١٥٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ عن المعاصي وحظوظ النفس وَالصَّلاةِ التي هي أم العبادات ومعراج المؤمنين ومناجاة ربّ العالمين إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصر وإجابة الدعوة.

في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام في كلام له قال : فمن صبر كرهاً ولم يشك إلى الخلق ولم يجزع بهتك ستره فهو من العام ونصيبه ما قال الله وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ أي بالجنة ومن استقبل البلايا بالرّحب وصبر على سكينة ووقار فهو من الخاص ونصيبه ما قال إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.

(١٥٤) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ أي هم أموات بَلْ أَحْياءٌ بل هم أحياء وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ ما حالهم.

في الكافي والتهذيب عن يونس بن ظبيان عن الصادق عليه السلام أنّه قال له : ما يقول الناس في أرواح المؤمنين قال يقولون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش فقال سبحان الله المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير يا يونس إذا كان ذاك أتاه محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم والملائكة المقرّبون فإذا قبضه الله تعالى صير تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا

٢٠٣

فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا.

وفي التهذيب عنه عليه السلام : أنه سئل عن أرواح المؤمنين فقال في الجنة على صور أبدانهم لو رأيته لقلت فلان.

(١٥٥) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ولنصيبنكم إصابة المختبر هل تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ أي بالجنّة كما مرّ.

وفي نهج البلاغة : إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكر متذكّر ويزدجر مزدجر.

وفي الإكمال عن الصادق عليه السلام : ان هذه علامات قيام القائم يكون من الله عزّ وجلّ للمؤمنين قال بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ من ملوك بني أميّة في آخر سلطانهم وَالْجُوعِ بغلاء أسعارهم وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ فساد التجارات وقلّة الفضل ونقص من الْأَنْفُسِ الموت الذريع ونقص من الثَّمَراتِ بقلّة ريع ما يزرع وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ عند ذلك بتعجيل خروج القائم عليه السلام ثمّ قال هذا تأويله ان الله عزّ وجلّ يقول وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.

(١٥٦) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ في الحديث : كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.

في نهج البلاغة : إن قولنا إِنَّا لِلَّهِ إقرار على أنفسنا بالملك وقولنا إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إقرار على أنفسنا بالهلك.

وفي المجمع : عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفاً صالحاً يرضيه ، وقال قال : من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعاً وان تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب.

وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام : ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند

٢٠٤

ذكره المصيبة ويصبر حين تفجأه الا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وكل ما ذكر مصيبة فاسترجع عند ذكره المصيبة غفر الله له كل ذنب فيما بينهما.

وعن الصادق عليه السلام : من ذكر مصيبة ولو بعد حين فقال إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ اللهمّ أجرني على مصيبتي واخلف علي أفضل منها كان له من الأجر مثل ما كان له عند أول صدمته.

وفي الخصال والعيّاشيّ : عنه عليه السلام عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : أربع خصال من كنّ فيه كان في نور الله الأعظم من كانت عصمة أمره شهادة أن لا إله إلَّا الله وأني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ومن إذا أصابته مصيبة قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ومن إذا أصاب خيراً قال الحمد لله ومن إذا أصابته خطيئة قال استغفر الله وأتوب إليه.

(١٥٧) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ قيل الصلاة من الله التزكية والمغفرة والرحمة واللطف والإحسان.

وفي الخصال والعيّاشيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : قال الله إنّي جعلت الدنيا بين عبادي فيضاً فمن أقرضني منها قرضاً أعطيته بكل واحدة منها عشراً إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك ومن لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه قسراً أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا الصلاة والهداية والرحمة إن الله تعالى يقول الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ الآية.

(١٥٨) إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ هما علما جبلين بمكّة مِنْ شَعائِرِ اللهِ من أعلام مناسكه جمع شعيرة وهي العلامة فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ الحجّ لغة القصد والاعتمار الزيارة فغلّبا شرعاً على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما العيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أي لا حرج عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنه سئل عن السعي بين الصفا

٢٠٥

والمروة فريضة أم سنة فقال فريضة قيل أوليس قال الله عزّ وجلّ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ، قال كان ذلك في عمرة القضاء ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة فتشاغل رجل عن السعي حتّى انقضت الأيّام وأعيدت الأصنام فجاءوا إليه فقالوا يا رسول الله إن فلاناً لم يسع بين الصفا والمروة وقد أعيدت الأصنام فأنزل الله تعالى : إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ إلى قوله فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أي وعليهما الأصنام.

والقمّيّ : أن قريشاً كانت وضعت أصنامهم بين الصفا والمروة ويتمسّحون بها إذا سعوا فلما كان من أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في غزوة الحديبيّة ما كان وصدّوه عن البيت وشرطوا له أن يخلوا له البيت في عام قابل حتّى يقضي عمرته ثلاثة أيام ثمّ يخرج عنه فلما كانت عمرة القضاء في سنة سَبْع من الهجرة دخل مكّة وقال لقريش ارفعوا أصنامكم حتّى أسعى فرفعوها الحديث كما في الكافي بأدنى تفاوت.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : أن المسلمين كانوا يظنون أن السعي ما بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون فأنزل الله هذه الآية ، وعنه عليه السلام : جعل السعي بين الصفا والمروة مذلّة للجبّارين. وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فأكثر الطواف أو فعل طاعة اخرى وقرئ بالياء وتشديد الطاء وجزم العين فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ مثيب عليه لا يخفى عليه.

أقول : الآية الآتية وما بعدها إلى قوله سبحانه : كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ مما وجد من تفسير أبي محمّد الزكيّ تفسيره ويكون بناء تفسيرنا فيها عليه كما كان فيما سبق فيما يوجد منه.

(١٥٩) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ كأحبار اليهود الكاتمين للآيات الشاهدة على أمر محمّد وعلي عليهما السلام ونعتهما وحليتهما وكالنواصب الكاتمين لما نزل في فضل عليّ عليه السلام وَالْهُدى وكل ما يهدي إلى وجوب اتباعهما والايمان بهما مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ في التوراة وغيره أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ أي الذين يتأتى منهم اللّعن عليهم من الملائكة والثّقلين حتّى

٢٠٦

أنفسهم فان الكافرين يقولون لعن الله الكافرين.

والعيّاشيّ : عن الصادق عليه السلام : في قوله اللَّاعِنُونَ قال نحن هم وقد قالوا هوام الأرض.

وفي الاحتجاج وتفسير الإمام عليه السلام : في غير هذا الموضع : قال ابو محمّد عليه السلام قيل لأمير المؤمنين عليه السلام من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدّجى قال العلماء إذا صلحوا قيل فمن شرّ خلق الله بعد إبليس وفرعون وثمود وبعد المتسمّين بأسمائكم والمتلقّبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتآمرين في ممالككم قال العلماء إذا فسدوا هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق وفيهم قال الله عزّ وجلّ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ.

وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : من سئل عن علم يعلمه فكتمه الجم يوم القيامة بلجام من نار.

والقمّيّ مرفوعاً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه ومن لم يفعل فعليه لعنة الله.

والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أن رجلاً أتى سلمان الفارسيّ رضي الله عنه فقال حدّثني فسكت عنه ثمّ عاد فسكت ثمّ عاد فسكت فأدبر الرجل وهو يتلو هذه الآية : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ فقال له أقبل انا لو وجدنا أميناً لحدّثناه الحديث.

(١٦٠) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا عن الكتمان وَأَصْلَحُوا ما أفسدوا بالتدارك وَبَيَّنُوا ما ذكره الله من نعت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وصفته وما ذكره رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم من فضل علي وولايته لتتم توبتهم فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ بالقبول والمغفرة وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ المبالغ في قبول التوبة وإفاضة الرحمة.

(١٦١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا في ردّهم نبوة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم وولاية عليّ عليه السلام وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ استقر عليهم البعد من الرحمة.

٢٠٧

(١٦٢) خالِدِينَ فِيها في اللعنة في نار جهنم لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ يوماً ولا ساعة وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ يمهلون.

(١٦٣) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ قيل أي المستحق منكم للعبادة واحد لا شريك له يصحّ أن يعبد أو يسمى إلهاً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ تقرير للوحدانية وإزاحة لأن يتوهم ان في الوجود إلهاً ولكن لا يستحق منهم العبادة الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ كالحجة عليها.

(١٦٤) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بلا عمد من تحتها يمنعها من السقوط ولا علاقة من فوقها تحبسها من الوقوع عليكم وأنتم أيها العباد والإماء اسرائي في قبضتي الأرض من تحتكم لا منجى لكم منها أين هربتم والسماء من فوقكم لا محيص لكم عنها اين ذهبتم فان شئت أهلكتكم بهذه وإن شئت أهلكتكم بتلك ثمّ ما في السماوات من الشمس المنيرة في نهاركم لتنشروا في معايشكم ومن القمر المضيء في ليلكم لتبصروا في ظلمتها وألجأتكم بالاستراحة في الظلمة إلى ترك مواصلة الكدّ الذي ينهك أبدانكم وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ المتتابعين الكارين عليكم بالعجائب التي يحدثها ربكم في عالمه من إسعاد واشقاء وإعزاز وإذلال وإغناء وإفقار وصيف وشتاء وخريف وربيع وخصب وقحط وخوف وأمن وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ التي جعلها الله مطاياكم لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً ولا تقتضيكم علفاً ولا ماء وكفاكم بالرياح مئونة تسييرها بقواكم التي كانت لا تقوم بها لو ركدت عنها الرياح لتمام مصالحكم ومنافعكم وبلوغكم الحوائج لأنفسكم وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ وابلاً وهطلاً ورذاذاً لا ينزل عليكم دفعة واحدة فيغرقكم ويهلك معايشكم لكنه ينزل متفرقاً من علاء حتّى يعم الأوهاد والتلال والتلاع فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فيخرج نباتها وحبوبها وثمارها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ منها ما هي لأهلكم ومعايشكم ومنها سباع ضارية حافظة عليكم أنعامكم لئلا تشذّ عليكم خوفاً من افتراسها لها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ المربية لحبوبكم المبلّغة لثماركم النافية لركود الهواء والإقتار عنكم ، وقرئ بتوحيد : الريح وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ المذلّل الواقف بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ يحمل أمطارها ويجري بإذن الله ويصبّها حيث يؤمر لَآياتٍ دلائل واضحات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يتفكرون فيها بعقولهم.

٢٠٨

(١٦٥) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً من الأصنام ومن الرؤساء الذين يطيعونهم.

في الكافي عن الباقر عليه السلام والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : هم والله أولياء فلان وفلان اتخذوهم أئمة دون الامام الذي جعله الله للناس إماماً فلذلك قال وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الآية ثمّ قال والله هم أئمة الظلم وأشياعهم يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ قيل أي يعظمونهم ويطيعونهم كتعظيمه والميل إلى طاعته أي يسوّون بينهم وبينه في المحبة والطاعة وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ من هؤلاء المتخذين الأنداد مع الله لأندادهم لأن المؤمنين يرون الربوبية والقدرة لله لا يشركون به شيئاً فمحبّتهم خالصة له.

والعيّاشيّ عن الباقر والصادق عليهما السلام : هم آل محمّد عليهم السلام.

أقول : يعني الَّذِينَ آمَنُوا ويأتي تحقيق معنى محبة الله عزّ وجلّ في سورة آل عمران عند تفسير قوله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ إن شاء الله.

وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا باتخاذ الأصنام أنداداً لله سبحانه والكفّار والفجار مثالا لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام وقرئ بالتاء : إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ حين يرون العذاب الواقع بهم لكفرهم وعنادهم وقرئ بضمّ الياء أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ يعلمون أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً يعذّب من يشاء ويكرم من يشاء ولا قوة للكفار يمتنعون بها من عذابه وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ ويعلمون أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ وقيل جواب لو محذوف أي لندموا أشدّ الندم.

(١٦٦) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا أي لو يرى هؤلاء المتخذون الأنداد حين تبرأ الرؤساء مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الرعايا والاتباع وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ الوصلات التي كانت بينهم يتواصلون بها ففنيت حيلتهم ولا يقدرون على النجاة من عذاب الله بشيء.

(١٦٧) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الاتباع لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً يتمنون لو كان لهم رجعة إلى

٢٠٩

الدنيا فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ هناك كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا هنا كَذلِكَ كما تبرى بعضهم من بعض يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وذلك إنهم عملوا في الدنيا لغير الله أو على غير الوجه الذي أمر الله فيرونها لا ثواب لها ويرون أعمال غيرهم التي كانت لله قد عظم الله ثواب أهلها.

وفي الكافي والفقيه والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : في قوله عزّ وجلّ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله بخلاً ثمّ يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله أو معصية الله فان عمل به في طاعة الله رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له وإن كان عمل به في معصية الله. قواه بذلك المال حتى عمل به في معصيته عزّ وجلّ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ وقد كان عذابهم سرمداً دائماً إذ كانت ذنوبهم كفراً لا تلحقهم شفاعة نبي ولا وصي ولا خير من خيار شيعتهم.

(١٦٨) يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ من أنواع ثمارها وأطعمتها حَلالاً طَيِّباً لكم إذا أطعمتم ربكم في تعظيم من عظمه والاستخفاف لمن أهانه وصغّره وقيل نزلت في قوم حرّموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ما يخطو بكم إليه ويغريكم به من مخالفة الله عزّ وجلّ.

العيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : كل يمين بغير الله فهو من خُطُواتِ الشَّيْطانِ.

وفي المجمع عنهما عليهما السلام : ما في معناه إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.

(١٦٩) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ قيل كاتخاذ الأنداد وتحليل المحرمات وتحريم الطيبات.

أقول : فيه دلالة على المنع من اتباع الظنّ في المسائل الدينية رأساً.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك إياك ان تفتي الناس برأيك وتدين بما لا تعلم.

وعن الباقر عليه السلام : أنه سئل عن حقّ الله تعالى على العباد قال أن يقولوا ما

٢١٠

يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون.

(١٧٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ في كتابه قيل الضمير للناس وعدل عن الخطاب عنهم للنداء على ضلالتهم كأنّه التفت إلى العقلاء وقال لهم انظروا إلى هؤلاء الحمقى ما ذا يجيبون قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا حسبنا ما وجدنا عَلَيْهِ آباءَنا من الدين والمذهب أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ إلى الحق والصواب.

أقول : فيه دليل على وجوب اعمال البصيرة ولو في معرفة من يقلّده.

(١٧١) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا في عبادتهم الأصنام واتخاذهم الأنداد من دون محمّد وعلي كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ يصوت بِما لا يَسْمَعُ منه إِلَّا دُعاءً وَنِداءً لا يفهم ما يراد منه فيغيث المستغيث ويعين من استعانه.

وفي المجمع عن الباقر : أي مثلهم في دعائك إياهم إلى الايمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإنّما تسمع الصوت.

أقول : يعني بذلك أن مثل داعيهم كمثل داعي البهائم فإنهم لانهماكهم في التقليد لا يلقون أذهانهم إلى ما يتلى عليهم ولا يتأملون فيما يقرّر معهم فهم في ذلك كالبهائم التي ينعق بها فتسمع الصوت ولا تعرف مغزاه وتحس النداء ولا تفهم معناه وهذا المعنى مع افتقاره إلى الإضمار أوضح من الأول لأن الأصنام لا تسمع دعاء ولا نداء كما انها لا تفهم ما يراد منها الا أن يجعل ذلك من باب التمثيل المركب أو يجعل اتخاذهم الأنداد في الحديث تفسيراً لعبادتهم الأصنام وأريد بالأنداد والأصنام جميعاً أئمة الضلال.

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ عن الهدى فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ امر الله سبحانه.

(١٧٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ على ما رزقكم وأحلّ لكم إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ.

أقول : يعني واشكروا له نعمه إن صح انّكم تختصونه بالعبادة وتقرّون انه مولى النعم فان عبادته لا تتم إلّا بالشكر بأن تعتقدوا بأن النعمة من الله وتصرفوا النعم

٢١١

فيما خلقت له وتحمدوا الله بألسنتكم ، وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : يقول الله تعالى إنّي والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وارزق ويشكر غيري.

(١٧٣) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث اذن الله وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ ما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح وهي التي تتقرب بها الكفّار بأسامي أندادهم التي اتخذوها من دون الله فَمَنِ اضْطُرَّ إلى شيء من هذه المحرّمات غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ وهو غير باغ عند الضرورة على إمام هدى ولا معتد قوّال بالباطل في نبوة من ليس بنبي وإمامة من ليس بإمام.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : الباغي الذي يخرج على الامام والعادي الذي يقطع الطريق لا تحل لهما الميتة.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام ما في معناه وفي رواية : الباغي الظالم والعادي الغاصب.

وفي التهذيب والعيّاشيّ عنه عليه السلام : الباغي باغي الصيد والعادي السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين.

وفيه وفي الفقيه عن الجواد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام : سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقيل له إنّا نكون بأرض عراق فتصيبنا المخمصة فمتى تحل لنا الميتة قال ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتقبوا بقلاً فشأنكم بهذا ، قال عبد العظيم فقلت له يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله فما معنى قول الله عزّ وجلّ : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فقال العادي السارق والباغي الذي يبغي الصيد بطراً ولهواً لا ليعود به على عياله ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار وليس لهما أن يقصّرا في صوم ولا صلاة في سفر ، الحديث.

فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ في تناول هذه الأشياء إِنَّ اللهَ غَفُورٌ ستار لعيوبكم رَحِيمٌ بكم حين

٢١٢

أباح لكم في الضرورة ما حرمه لكم في الرخاء.

في الفقيه عن الصادق عليه السلام : من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل شيئاً من ذلك حتّى يموت فهو كافر.

(١٧٤) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً عرضاً من الدنيا يسيراً وينالون به في الدنيا عند الجهّال رئاسة. أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ قيل أي ملء بطونهم يقال أكل في بطنه وأكل في بعض بطنه وفي الحديث كلوا في بعض بطنكم تعفوا إِلَّا النَّارَ بدلاً من إصابتهم اليسير من الدنيا لكتمانهم الحق وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ بكلام خير بل يلعنهم ويخزيهم وقيل هو كناية عن غضبه تعالى عليهم وتعريض لحرمانهم عن الزلفى من الله وَلا يُزَكِّيهِمْ من ذنوبهم قيل ولا يثني عليهم وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ موجع في النار.

(١٧٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى في الدنيا وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ في الآخرة بكتمان الحق للأغراض الدنيوية فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ما أجرأهم على عمل يوجب عليهم عذاب النار.

وفي الكافي والعيّاشيّ : ما أصبرهم على فعل ما يعلمون انه يصيّرهم إلى النار.

وفي المجمع : ما أعملهم بأعمال أهل النار.

والقمّيّ : ما أجرأهم على النار كلها عن الصادق عليه السلام.

(١٧٦) ذلِكَ العذاب بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ أي ما يوعدون به يصيبهم ولا يخطيهم وقيل نزل بالحق فرفضوا بالتكذيب والكتمان وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ بأن قال بعضهم سحر وقال آخر إنّه شعر وقال آخر انه كهانة إلى غير ذلك لَفِي شِقاقٍ خلاف بَعِيدٍ عن الحق كان الحق في شق وهم في شق غيره يخالفه.

(١٧٧) لَيْسَ الْبِرَّ الفعل المرضي وقرئ بالنصب أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إلى الكعبة قيل ردّ على الذين أكثروا الخوض في أمر القبلة من أهل الكتاب حين حوّلت إلى الكعبة مدّعياً كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلتها

٢١٣

والمشرق قبلة النصارى والمغرب قبلة اليهود.

وفي تفسير الإمام عن السجّاد عليه السلام : قالت اليهود قد صلينا على قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة وفينا من يحيي الليل صلاة إليها وهي قبلة موسى التي أمرنا بها وقالت النصارى قد صلينا على قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة وفينا من يحيى الليل صلاة إليها وهي قبلة عيسى التي أمرنا بها وقال كل واحد من الفريقين أترى ربّنا يبطل أعمالنا هذه الكثيرة وصلاتنا إلى قبلتنا لأنّا لا نتّبع محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم على هواه في نفسه وأخيه فأنزل الله يا محمّد قل لَيْسَ الْبِرَّ الطاعة التي تنالون بها الجنان وتستحقون بها الغفران والرضوان أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ بصلواتكم قِبَلَ الْمَشْرِقِ يا ايها النصارى وقبل الْمَغْرِبِ يا ايها اليهود وأنتم لأمر الله مخالفون وعلى ولي الله مغتاظون وَلكِنَّ الْبِرَّ قرئ بتخفيف لكن ورفع البر مَنْ آمَنَ قيل يعني البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ أعطى في الله تعالى المستحقين من المؤمنين على حبّه للمال وشدة حاجته إليه يأمل الحياة ويخشى الفقر لأنّه صحيح شحيح ذَوِي الْقُرْبى أعطى قرابة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم الفقراء هدية وبرّاً لا صدقة لأن الله أجلّهم عن الصدقة وأعطى قرابة نفسه صدقة وبرّاً وَالْيَتامى من بني هاشم الفقراء برّاً لا صدقة ويتامى غيرهم صدقة وصلة وَالْمَساكِينَ مساكين الناس وَابْنَ السَّبِيلِ المجتاز المنقطع به لا نفقة معه وَالسَّائِلِينَ الذين يتكفّفون وَفِي الرِّقابِ في تخليصها يعني المكاتبين يعينهم ليؤدوا حقوقهم فيعتقوا وَأَقامَ الصَّلاةَ بحدودها وَآتَى الزَّكاةَ الواجبة عليه لإخوانه المؤمنين وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا قيل عطف على من آمن يشمل عهد الله والناس وَالصَّابِرِينَ نصبه على المدح ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال فِي الْبَأْساءِ يعني في محاربة الأعداء ولا عدو يحاربه أعدى من إبليس ومردته ويهتف به ويدفعه وإياهم بالصلاة على محمّد وآله الطيبين وَالضَّرَّاءِ الفقر والشدة ولا فقر أشدّ من فقر مؤمن يلجأ إلى التكفف من اعداء آل محمّد عليهم السلام يصبر على ذلك ويرى ما يأخذه من مالهم مغنماً يلعنهم به ويستعين بما يأخذ على تجديد ذكر ولاية الطّيبين الطاهرين وَحِينَ الْبَأْسِ عند شدة القتال يذكر الله ويصلي على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وعلى علي ولي الله

٢١٤

يوالي بقلبه ولسانه أولياء الله ويعادي كذلك أعداء الله أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا في إيمانهم وصدقوا أقاويلهم بأفاعيلهم وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لما أمروا باتقائه. قيل الآية كما ترى جامعة للكمالات الانسانية بأسرها دالة عليها صريحاً أو ضمناً فإنها بكثرتها وتشتّتها منحصرة في ثلاثة أشياء صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس وقد أُشير إلى الأول بقوله : مَنْ آمَنَ إلى ... وَالنَّبِيِّينَ وإلى الثاني بقوله : وَآتَى الْمالَ إلى وَفِي الرِّقابِ وإلى الثالث بقوله وَأَقامَ الصَّلاةَ إلى آخرها ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظراً إلى إيمانه واعتقاده وبالتقوى اعتباراً بمعاشرته للخلق ومعاملة مع الحق وإليه أشار النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم بقوله : من عمل بهذه الآية فقد استكمل الايمان.

(١٧٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ قيل أي فرض وأوجب عليكم الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى يعني المساواة وان يسلك بالقاتل في طريق المقتول الذي سلكه به لما قتله الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى.

العيّاشيّ : عن الصادق عليه السلام : هي لجماعة المسلمين ما هي للمؤمنين خاصّة.

وفي التهذيب عنه عليه السلام : لا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضرباً شديداً ويغرم دية العبد ولا يقتل الرجل بالمرأة إلّا إذا أدى أهلها إلى أهله نصف ديته.

والعيّاشيّ : ما في معناه قيل كان بين حيين من أحياء العرب دماء وكان لأحدهما على الآخر طول فأقسموا ليقتلن الحرّ بالعبد والذكر بالأنثى والرجلين بالرجل فلما جاء الإسلام تحاكموا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فنزلت فأمرهم أن يتكافئوا فَمَنْ عُفِيَ لَهُ أي الجاني الذي عفي له مِنْ أَخِيهِ الذي هو ولي الدم قيل ذكر بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من أخوة الإسلام شَيْءٌ من العفو وهو العفو من القصاص دون الديّة فَاتِّباعٌ فليكن اتباع من العافي أي مطالبة بالدية بِالْمَعْرُوفِ وهي وصية للولي بأن يطلب الدية بالمعروف بأن لا يظلم الجاني

٢١٥

بالزيادة ولا يعنّفه وَأَداءٌ إِلَيْهِ من الجاني إلى العافي بِإِحْسانٍ وصية للجاني بأن لا يماطله ولا يبخس حقه بل يشكره على عفوه.

في الكافي والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : ينبغي للذي له الحق أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية وينبغي للذي عليه الحق أن لا يمطل أخاه إذا قدر على ما يعطيه ويؤدي إليه بإحسان ذلِكَ التخيير تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ لما فيه من التسهيل والنفع فانه لو لم يكن إلّا القتل والعفو لقل ما طابت نفس ولي المقتول بالعفو بلا عوض يأخذه فكان قل ما يسلم القاتل من القتل ، في العوالي : روي : أن القصاص كان في شرع موسى حتماً والدية كان حتماً في شرع عيسى فجاءت الحنفية السّمحة بتسويغ الأمرين معا قيل كتب على اليهود القصاص وحده وعلى النصارى العفو مطلقاً ، وخير هذه الأمة بينهما وبين الدية تيسيراً عليهم فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ بأن يقبل الدية أو يعفو أو يصالح ثمّ يجيء بعد فيمثل أو يقتل كذا في الكافي والعيّاشيّ عن الصادق فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ.

(١٧٩) وَلَكُمْ يا أمة محمد فِي الْقِصاصِ حَياةٌ لأن من همّ بالقتل فعرف أنه يقتصّ منه فكفّ لذلك عن القتل كان حياة للذي همّ بقتله وحياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل وحياة لغيرهما من الناس إذا علموا أن القصاص واجب لا يجترءون على القتل مخافة القصاص. قيل هذا من أوجز الكلام وأفصحه.

وفي الأمالي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : اربع قلت فأنزل الله تصديقي في كتابه وعدّ منها قلت القتل يقلّ القتل فأنزل الله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ أولي العقول قيل ناداهم للتأمل في حكمة القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

(١٨٠) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حضر أسبابه وظهر أماراته إِنْ تَرَكَ خَيْراً مالاً كثيراً.

في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه دخل على مولى له في مرضه وله سبع مائة درهم أو ستمائة درهم فقال ألا

٢١٦

أوصي قال لا إنّما قال الله إِنْ تَرَكَ خَيْراً وليس لك كثير مال الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ بالشيء الذي يعرف العقل أنّه لا جور فيه ولا جنف حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ

العيّاشي : عن أحدهما : هي منسوخة بآية المواريث وحملت على التقية لموافقتها مذهب العامّة ومخالفتها القرآن ولما في الكافي والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أنّه سئل عن الوصية للوارث فقال تجوز ثمّ تلا هذه الآية وفي معناه أخبار أُخر كثيرة.

أقول : نسخ الوجوب لا ينافي بقاء الجواز.

وفي المجمع والعيّاشيّ عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال : من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية.

وفي الفقيه والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنه شيء جعله الله تعالى لصاحب هذا الأمر قيل هل لذلك حدّ قال أدنى ما يكون ثلث الثلث.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : حقّ جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر قيل لذلك حدّ محدود قال نعم قيل كم قال أدناه السدس وأكثره الثلث.

(١٨١) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وعيد للمبدل بغير حق.

في الكافي عن أحدهما عليهما السلام والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : في رجل أوصى بماله في سبيل الله قال أعطه لمن أوصى به له وإن كان يهودياً أو نصرانياً إن الله يقول وتلا هذه الآية. وفي معناه أخبار كثيرة وفي عدة منها : أنه يغرمها إذا خالف.

(١٨٢) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ وقرئ بفتح الواو وتشديد الصاد توقع وعلم : جَنَفاً أَوْ إِثْماً ميلاً عن الحق بالخطإ أو التعمد كذا في المجمع عن الباقر عليه السلام ..

وفي العلل والعيّاشيّ عن الصادق : يعني إذا اعتدى في الوصية.

وزاد العيّاشيّ : على الثلث ويأتي له معنى آخر.

٢١٧

وفي الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام : ان الجنف في الوصية من الكبائر فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ بين الورثة والموصي لهم فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ في التبديل لأنّه تبديل باطل إلى الحق إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وعد للمصلح وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الإثم.

وفي الكافي والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أنه سئل عن قول الله تعالى فَمَنْ بَدَّلَهُ قال نسختها الآية التي بعدها فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ قال يعني الموصي إليه إن خاف جنفاً من الموصي فيما أوصى به إليه فيما لا يرضى الله به من خلاف الحق فلا إثم على الموصى إليه أن يرده إلى الحق وإلى ما يرضى الله به من سبيل الخير.

وفي رواية في الكافي : ان الله اطلق للموصى إليه أن يغير الوصية إذا لم تكن بالمعروف وكان فيها جنف ويردّها إلى المعروف لقوله تعالى فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : إذا أوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصي أن يغير وصيته بل يمضيها على ما أوصى إلّا أن يوصي بغير ما أمر الله فعصي في الوصية ويظلم فالموصى إليه جائز له أن يردها إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال كله لبعض ورثته ويحرم بعضها فالوصي جائز له أن يردها إلى الحق وهو قوله تعالى جَنَفاً أَوْ إِثْماً فالجنف الميل إلى بعض ورثتك دون بعض والإثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصي أن لا يعمل بشيء من ذلك.

(١٨٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : أنه سئل عن هذه الآية وعن قوله سبحانه كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ فقال هذه كلها يجمع الضلال والمنافقين وكل من أقرّ بالدعوة الظاهرة.

وفي المجمع عنه عليه السلام قال : لذة النداء أزال تعب العبادة والعناء كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ من الأنبياء والأمم ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام : أن أولهم آدم يعني أنّه عبادة قديمة ما أخلى الله أمة من إيجابها عليهم لم يوحيها عليكم وحدكم وفيه ترغيب على الفعل وتطييب عن النفس لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ المعاصي فان الصيام يكسر

٢١٨

الشهوة التي هي معظم أسبابها وفي الحديث : من لم يستطع الباه فليصم فان الصوم له وجاء.

(١٨٤) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ قيل أي قلائل فان القليل يعد عداً والكثير يهال هيلاً أو موقتات بعدد معلوم فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً مرضاً يضرّه الصوم ويعسر كما يدلّ عليه قوله تعالى : وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ أَوْ عَلى سَفَرٍ راكب سفر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فعليه عدة من أيّام أُخر وهذا نص في وجوب الإفطار على المريض والمسافر كما ورد عن أئمتنا عليهم السلام في أخبار كثيرة حتّى قالوا : الصائم شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر رواه في الكافي والتهذيب والفقيه وفي الثلاثة في حديث الزهري عن السجّاد : من صام في السفر أو المرض فعليه القضاء لأن الله تعالى يقول فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، وعن الباقر عليه السلام قال : سمى رسول الله صلّى الله عليه وآله قوماً صاموا حين أفطر وقصر عصاة قال وهم العصاة إلى يوم القيامة وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا.

وعن الصادق عليه السلام : أنه سئل عمن صام في السفر فقال إذا كان بلغه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء وإن لم يكن بلغه فلا شيء عليه.

وفي رواية أخرى : وإن صامه بجهالة لم يقض وعنه عليه السلام : أنه سئل ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام قال بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ ٠ بَصِيرَةٌ وهو أعلم بما يطيقه.

وفي الكافي عنه عليه السلام : هو مؤتمن عليه مفوّض إليه فان وجد ضعفاً فليفطر وإن وجد قوة فليصم كان المريض على ما كان.

وفيه : أنّه عليه السلام سئل عن حدّ المرض الذي يترك منه الصوم قال إذا لم يستطع أن يتسحّر.

وفي الفقيه عنه عليه السلام : الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر وعنه

٢١٩

عليه السلام : كلما أضر به الصوم فالإفطار له واجب. واما حدّ السفر الذي يفطر فيه فقصد ثمانية فراسخ فصاعداً ذهاباً أو مع الإياب ما لم ينقطع سفره دونها بعزم إقامة عشرة أيّام أو مضي ثلاثين يوماً عليه متردداً في بلد أو بالوصول إلى بلد يكون له فيه منزل يقيم فيه ستة أشهر فان انقطع بأحدها فقد صار سفرين بينهما حضور وأن لا يكون السفر عمله إلّا إذا جدّ به السير وشق عليه مشقّة شديدة وأن يكون السفر جائزاً له وأن يتوارى عن جدران البلد أو يخفى عليه أذانه هذا ما استفدناه من أخبار أئمتنا عليهم السلام في شرائط السفر الموجب للإفطار في الصيام والتقصير في الصلاة وبينّاه في كتابنا المسمى بالوافي من أراد الاطلاع عليه فليراجع إليه.

وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ إن أفطروا فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ في الجوامع عن الباقر عليه السلام : طعام مساكين وقرأ به قيل كان القادر على الصيام الذي لا عذر له مخيراً بينه وبين الفدية لكل يوم نصف صاع وقيل مد وكان ذلك في بدو الإسلام حين فرض عليهم الصيام ولم يتعودوا فرخص لهم في الإفطار والفدية ثمّ نسخ ذلك بقوله عز وجل فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وقيل إنّه غير منسوخ بل المراد بذلك الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن والشيخ والشيخة فانه لما ذكر المرض المسقط للفرض وكان هناك أسباب أُخر ليست بمرض عرفاً لكن يشق معها الصوم وذكر حكمها فيكون تقديره وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ثم عرض لهم ما يمنع الطاقة فِدْيَةٌ وهذا هو المروي عن الصادق عليه السلام ويؤيده ما ورد في شواذ القراءة عن ابن عبّاس وَعَلَى الَّذِينَ يُطًيٍقُونَهُ أي يتكلّفونه وعلى هذا يكون قوله وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ كلاماً مستأنفاً لا تعلق له بما قبله وتقديره وإن صومكم خير عظيم لكم هذا ما قالوا في معنى الآية ويخطر بالبال أنّه لا حاجة بنا إلى مثل هذه التكلفات البعيدة من القول بالنسخ تارة مع دلالة الأخبار المعصومية على خلافه والتزام الحذف والتقدير وفصل ما ظاهره الوصل اخرى مع عدم ثبوت تلك الروايات المشار إليها وذلك لأن الله سبحانه لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها كما قاله في محكم كتابه والوسع دون الطاقة كما ورد في تفسيره عن أهل البيت عليهم السلام فلا تكلف نفس بما هو على قدر طاقتها أي بما يشق عليها تحمله عادة ويعسر فالذين يطيقون الصوم يعني يكون الصوم بقدر طاقتهم ويكونون معه على

٢٢٠