موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٦

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤١

فذكّره ابن معقل بمقالته السابقة ، فقال برير : أشهد أنّ هذا رأيي وقولي! فقال ابن معقل : فإنّي أشهد أنّك من الضالّين! فدعاه برير إلى المباهلة : يدعوان الله أن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحقّ المبطل منهما ، ثمّ يبرزان للقتال ، فأجابه ابن معقل ، فخرجا من صفّيهما وتقابلا ورفعا أيديهما إلى الله يدعوانه : أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحقّ المبطل ، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه ، فبادر ابن معقل فضرب بريرا ضربة لم تضرّه شيئا ، ثمّ ضربه برير ضربة شديدة قدّت مغفرة وبلغت دماغه ، فخرّ وسيف برير ثابت في رأسه.

فلما رأى ذلك ابن عمّه رضيّ بن منقذ العبدي برز إلى برير واعتركا ساعة حتّى غلبه برير فصرعه وقعد على صدره ، فاستغاث ابن منقذ بأصحابه ، فبرز إليه كعب بن جابر الأزدي برمحه وبرير على صدر ابن معقل العبدي ، حتّى طعن كعب الأزدي برمحه على ظهر برير حتّى ألقاه عن العبدي وقد غيّب السنان في ظهر برير ، ثمّ أقبل يضربه بسيفه حتّى قتله (١) رحمة الله عليه.

ابنا قرظة بن كعب الأنصاري :

كان قرظة بن كعب الأنصاري مع عليّ عليه‌السلام في مشاهده وحروبه حتّى توفي في الكوفة في الخمسين للهجرة ، وله ابنان : عليّ وعمرو ، خرج عليّ بن قرظة مع ابن سعد ، والتحق أخوه عمرو بالحسين عليه‌السلام بلا خبر في كيفيّة ذلك ، واليوم برز بعد مقتل برير يقاتل دون الحسين عليه‌السلام وهو يقول :

قد علمت كتيبة الأنصار

أنّي سأحمي حوزة الذّمار

ضرب غلام غير نكس شاري

دون حسين مهجتي وداري

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣١ عن أبي مخنف ، وليس في الإرشاد!

١٦١

ثمّ قاتل حتّى قتل رحمة الله عليه ، فلما رأى أخوه عليّ ذلك نادى : يا حسين! يا كذّاب ابن الكذّاب! أظللت أخي وغررته حتّى قتلته! فأجابه الإمام عليه‌السلام : إنّ الله لم يضلّ أخاك ولكنّه هدى أخاك وأضلّك! قال : قتلني الله إن لم أقتلك أو أموت دونك! ثمّ حمل على جانب الإمام عليه‌السلام.

فبرز إليه نافع بن هلال المراديّ الجمليّ فطعنه فصرعه فاستنقذه أصحابه (١).

وكان نافع بن هلال يقاتل وهو يقول : أنا الجملي أنا على دين عليّ! فبرز إليه مزاحم بن حريث يقول : أنا على دين عثمان! فأجابه نافع : أنت على دين شيطان! ثمّ حمل عليه فقتله (٢).

ولمّا خرج الحرّ الرياحي التميمي إلى الحسين عليه‌السلام ، كان يزيد بن سنان التميمي إلى جانب الحصين بن تميم التميمي وقال : أما والله لو أنّي رأيت الحرّ بن يزيد حين خرج إلى الحسين لأتبعته بالسنان في ظهره. وبرز الحرّ يحمل على القوم حتّى ضرب على حاجب فرسه وعلى اذنيه ودماؤه تسيل ، فتمثل الحرّ بقول عنترة في فرسه :

ما زلت أرميهم بثغرة نحره

ولبانه ، حتّى تسربل بالدم

فقال الحصين التميمي ليزيد بن سنان التميمي : هذا الحرّ بن يزيد الذي كنت تتمنّى! قال : نعم ، ثمّ خرج إليه وناداه يا حرّ بن يزيد هل لك في المبارزة؟ فأجابه : نعم ، ثمّ ما لبث الحرّ حين خرج إليه يزيد التميمي حتّى قتله (٣).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٣ و ٤٣٤ عن أبي مخنف ، وليس في الإرشاد.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٥ عن أبي مخنف ، وفي الإرشاد ٢ : ١٠٣.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٤ عن أبي مخنف ، ومختصره في الإرشاد ٢ : ١٠٢ ـ ١٠٣.

١٦٢

فلمّا رأى ذلك عمرو بن الحجّاج الزبيدي ناداهم : يا حمقى! أتدرون من تقاتلون؟! تقاتلون فرسان المصر وقوما مستميتين ، فلا يبرزنّ إليهم أحد منكم ، فإنّهم قليل ، وقلّما يبقون ، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم! وسمعه ابن سعد فصدّقه وقال : صدقت ، الرأي ما رأيت ، ثمّ عزم على الناس أن : لا يبارز رجل منكم رجلا منهم (١).

الحملة الثانية :

ونادى عمرو بن الحجّاج بأصحابه يقول لهم : يا أهل الكوفة! الزموا طاعتكم وجماعتكم ، ولا ترتابوا في قتل من خالف الإمام! ومرق من الدين!

وسمعه الحسين عليه‌السلام وعرفه فناداه : يا عمرو بن الحجّاج! أعليّ تحرّض الناس! أنحن مرقنا (من الدين) وأنتم ثبتّم عليه! أما والله لو قد قبضت أرواحكم ومتّم على أعمالكم ، لتعلمنّ أيّنا مرق من الدين ومن هو أولى بصلي النار!

ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج في ميمنة ابن سعد من نحو الفرات على ميسرة الحسين عليه‌السلام فاضطربوا ساعة ، فصرع جمع من أصحاب الحسين عليه‌السلام منهم :

مسلم بن عوسجة الأسدي :

وتنادى أصحاب الحجّاج : قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي! فلمّا سمعهم شبث بن ربعي التميمي قال لمن حوله : ثكلتكم أمهاتكم! إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم! وتذلّلون أنفسكم لغيركم! أتفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة! أما والذي أسلمت له لربّ موقف له في المسلمين كريم.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٥ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١٠٣.

١٦٣

وانصرف عمرو بن الحجاج وأصحابه وارتفعت الغبرة فإذا بمسلم بن عوسجة صريع ، ومشى إليه الحسين عليه‌السلام ومعه حبيب بن مظاهر الأسدي فإذا به رمق ، فقال : رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة! ثمّ تلا قوله سبحانه : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(١).

ودنا منه حبيب بن مظاهر وقال له : يا مسلم عزّ عليّ مصرعك ، أبشر بالجنة. فأجابه مسلم بصوت ضعيف : بشّرك الله بخير! فقال حبيب : لو لا أنّي أعلم أنّي في إثرك لا حق بك من ساعتي هذه ، لأحببت أن توصيني بكلّ ما أهمّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين.

فرفع مسلم بن عوسجة يده وأشار إلى الحسين عليه‌السلام وقال لحبيب : بل أنا اوصيك بهذا رحمك الله أن تموت دونه! فقال له حبيب : أفعل وربّ الكعبة! ثمّ مات مسلم في أيديهم رحمه‌الله.

وكانت مع مسلم الأسدي جارية له فصاحت : يا سيّداه! يابن عوسجتاه (٢)!

الحملة الثالثة :

وكان شمر بن ذي الجوشن الكلابي على ميسرة ابن سعد ، فحمل بهم على ميمنة الحسين عليه‌السلام ، فثبتوا له وطاعنوه وأصحابه ، وقتل في الحملة من أصحاب الإمام عبد الله بن عمير الكلبي رحمه‌الله ، تعاون على قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي ، وبكير بن حيّ التميمي (٣) وخرجت إليه امرأته حتّى جلست عند رأسه وأخذت

__________________

(١) الأحزاب : ٢٣.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٦ عن أبي مخنف ، وفي الإرشاد ٢ : ١٠٣ مبتورا.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٦ عن أبي مخنف ، وليس في الإرشاد.

١٦٤

تمسح عنه التراب وتقول : هنيئا لك الجنة! فأمر شمر غلامه رستم فضرب رأسها فماتت إلى جانبه (١).

وإنما كان فرسان أصحاب الإمام اثنتين وثلاثين فارسا فأخذوا يحملون على جوانب من خيل أهل الكوفة فلا يحملون على جانب منهم إلّا كشفوه وهزموهم. وكان على خيل أهل الكوفة عزرة بن قيس التميمي ، فلما رأى أنّ خيله تنكشف من كلّ جانب ، بعث إلى ابن سعد أن ابعث على أصحاب الحسين الرجّالة والرماة.

فعرض ابن سعد على شبث بن ربعي التميمي أن يتقدم بالرّماة إليهم ، فتمرّد شبث وقال : سبحان الله! أتعمد إلى شيخ مضر بل شيخ أهل المصر عامة تبعثه في الرّماة! ألا تجد غيري من تندبه لهذا ويجزي عنك؟!

فدعا ابن سعد الحصين بن تميم التميمي فبعث معه خمسمئة من الرّماة ولا بسي التجافيف من الرجّالة. فلما دنوا من الحسين عليه‌السلام رشقهم أصحابه بالنبال ، فعقرت النبال خيولهم وترجّلوا عنها ، وتراجعوا (٢).

وقاتلهم أصحاب الحسين عليه‌السلام أشدّ القتال ، وأعداؤهم لا يقدرون على أن يأتوهم إلّا من وجه واحد ، لاجتماع خيمهم وتقارب بعضها من بعض.

فلما رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالا يقوّضون الخيم يمينا وشمالا ليحيطوا بهم ، فتفرق أصحاب الحسين عليه‌السلام ثلاثة وأربعة بين الخيم يشدّون على المقوّضين للخيم يرمونهم فيعقرونهم ويقتلون منهم فنادى بهم ابن سعد قال : أحرقوها بالنار!

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٨ عن أبي مخنف ، وليس في الإرشاد.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٦ عن أبي مخنف ، ومختصر في الإرشاد ٢ : ١٠٤.

١٦٥

فحمل شمر بن ذي الجوشن ونادى : عليّ بالنار احرق هذا البيت على من فيه! وطعن الخيمة برمحه وكان فيها نساء فصحن وخرجن منها.

وصاح به الحسين عليه‌السلام : يابن ذي الجوشن! أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي! أحرقك الله بالنار (١)!

وجاءه شبث بن ربعي التميمي وقال له : ما رأيت مقالا أسوأ من قولك! ولا موقفا أقبح من موقفك! أصرت مرعبا للنساء!

وحمل عليه زهير بن القين في عشرة رجال من أصحابه فشدّ على شمر وأصحابه حتّى كشفهم عن البيوت وتراجعوا (٢).

الاستعداد لصلاة الظهر :

وزالت الشمس ، فتقدّم أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي الهمداني إلى الإمام عليه‌السلام وقال له :

يا أبا عبد الله! نفسي لك الفداء ، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك! ولا والله لا تقتل حتّى اقتل دونك إن شاء الله ، وأحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها.

فرفع الحسين عليه‌السلام رأسه إلى السماء وقال له : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين الذاكرين ، نعم ، هذا أوّل وقتها. ثمّ قال لهم : سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٧ عن أبي مخنف ، وليس في الإرشاد خبر التحريق. وهذا الخبر هو الذي اشتهر على الألسن بحرق مخيّم الإمام بعد مقتله ، وإنما كان نهبا بلا حرق مكرّر.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩ عن أبي مخنف ، وخبر زهير في الإرشاد ٢ : ١٠٥.

١٦٦

فسألوهم ، وكان الحصين بن تميم التميمي قريبا منهم فأجابهم : إنّها لا تقبل! فأجابه حبيب بن مظاهر الأسدي : زعمت أنّ الصلاة لا تقبل من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقبل منك يا حمار (١)!

مقتل حبيب بن مظاهر :

فغضب الحصين من كلام حبيب وحمل عليه ، فخرج حبيب إليه وهو يرتجز ويقول :

أنا حبيب وأبي مظاهر

فارس هيجاء وحرب تسعر

أنتم أعدّ عدة وأكثر

ونحن أوفى منكم وأصبر

ونحن أعلى حجّة وأظهر

حقّا ، وأتقى منكم ، وأعذر

أقسم لو كنّا لكم أعدادا

أو شطركم ، ولّيتم أكدادا

وضرب وجه فرس الحصين بسيفه فشبّ ووقع الحصين واستنقذه أصحابه ، وقاتل قتالا شديدا حتّى حمل عليه بديل بن صريم التميمي فضربه بسيفه على رأسه وطعنه تميمي آخر برمحه فوقع فعاد إليه الحصين وضربه بسيفه على رأسه ثمّ نزل إليه وحزّ رأسه (٢) ونادى الإمام عليه‌السلام : (عند الله) أحتسب نفسي وحماة أصحابي (٣)!

مقتل الحرّ الرياحي :

وأصاب أيّوب الخيواني فرس الحرّ بسهم دخل في جوفه فاضطرب وأرعد وكبا لوجهه ، فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث وهو ينادي :

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٩ عن أبي مخنف ، وليس في الإرشاد.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٩ ـ ٤٤٠ عن أبي مخنف ، وليس في الإرشاد.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٠ عن أبي مخنف ، وليس في الإرشاد.

١٦٧

إن تعقروا بي فأنا ابن الحرّ

أشجع من ذي لبد هزبر

وأخذ يفري الناس فريا (١) وهو راجل ، ولما قتل حبيب وهدّ قتله الحسين عليه‌السلام أخذ الحرّ يرتجز ويقول :

آليت لا اقتل حتّى أقتلا

ولن أصاب اليوم إلّا مقبلا

أضربهم بالسيف ضربا مقصلا

لانا كلا عنهم ولا مهلّلا

أضرب في أعناقهم بالسيف

عن خير من حلّ منى والخيف

وبرز معه زهير بن القين فقاتلا قتالا شديدا ، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم في الأعداء شدّ صاحبه حتّى يخلّصه ، ثمّ شدّ جمع من الرجّالة على الحرّ وتكاثروا عليه حتّى قتل (٢) رحمة الله عليه وعاد زهير إلى الحسين عليه‌السلام ليصلّي معه الزوال.

صلاة الحسين عليه‌السلام :

ما استجاب أصحاب ابن سعد لإمهال الإمام عليه‌السلام لصلاة الظهر واستمرّوا في رميهم بالنبال ، وتقدّم الإمام عليه‌السلام للصلاة ، فتقدّم أمامه سعيد بن عبد الله الحنفي التميمي يقيه النبال يمينا وشمالا ، فما زال قائما بين يديه يرمى حتّى سقط شهيدا رحمة الله عليه ، وصلّى الحسين عليه‌السلام بمن معه صلاة الخوف (٣) أي صلاة الحرب ركعتين ، معه في كلّ ركعة نصف من بقي من أصحابه وآخرون يقاومون الأعداء ، وتناوبوا.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٣٧ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١٠٤ ولم يعقّبا على قوله : ابن الحرّ! فلعلّه جدّه.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٠ ـ ٤٤١ عن أبي مخنف ، وليس في الإرشاد.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤١ عن أبي مخنف ، واختصره الإرشاد ٢ : ١٠٥.

١٦٨

مقتل زهير البجلي :

وإنّما عاد زهير البجلي ليصلّي مع الإمام عليه‌السلام ، فلمّا فرغ من صلاته ضرب بيده على منكب الإمام وقال له :

أقدم هديت راشدا مهديّا

فاليوم نلقى جدّك النبيّا

وحسنا والمرتضى عليّا

وذا الجناحين الفتى الكميّا

 وأسد الله الشهيد الحيّا

وبرز يرتجز ويقول :

أنا زهير وأنا ابن القين

أذودهم بالسيف عن حسين

فقاتل قتالا شديدا حتّى شدّ عليه مهاجرين أوس التميمي وكثير بن عبد الله الشعبي الهمداني فقتلاه (١) رحمة الله عليه.

مقتل نافع الجملي :

وكأنّ نافع الجملي بعد مبارزاته الأولى آثر أن يكتفي بالرّمي بسهامه ، وكانت له سهام كتب اسمه عليها ، فجعل يرمي بها فكلّما قتل بها رجلا منهم يقول : أنا الجملي أنا على دين علي! حتّى قتل اثني عشر رجلا منهم.

ثمّ جرح وكسرت عضداه وأخذه أصحاب شمر أسيرا وساقوه مع شمر إلى ابن سعد والدماء تسيل على لحيته ، فلمّا أوقفوه أمامه وكان يعرفه قال له : ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك؟!

قال : إنّ ربي يعلم ما أردت ، والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت ، وما ألوم نفسي على الجهد ، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني!

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤١ عن أبي مخنف ، وصدره مبتورا في الإرشاد ٢ : ١٠٥.

١٦٩

ثمّ انتضى شمر سيفه ليقتله ، فقال له نافع : أما والله لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا! فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه! ثمّ قتله شمر (١) ، فرحمة الله على نافع الجملي.

الأخوان الغفاريان :

وكان مع الحسين عليه‌السلام أخوان غفاريان هما : عبد الله وعبد الرحمان ابنا عزرة ، فتقدّما إلى الإمام وقالا له : يا أبا عبد الله! حازنا العدوّ إليك فأحببنا أن نقتل بين يديك ، نمنع وندفع عنك ، فعليك السلام. فأجابهما الإمام عليه‌السلام : مرحبا بكما.

فجعلا يقاتلان وأحدهما يقول :

قد علمت حقّا بنو غفار

وخندف بعد بني نزار

لنضربنّ معشر الفجّار

بكلّ عضب صارم بتّار

يا قوم ذودوا عن بني الأحرار

بالمشرفي والقنا الخطّار (٢)

فقاتلا بين يديه قتالا شديدا حتّى قتلا رحمة الله عليهما.

الأخوان الجابريّان :

ثمّ تقدّم الأخوان الجابريان : سيف بن الحارث ومالك بن عبد وهما أخوان من أمّهما ، تقدما إلى الحسين عليه‌السلام وهما يبكيان! فسألهما قال : أي ابني أخي ما يبكيكما؟ فو الله أنا لأرجو أن تكونا قريري عين عن ساعة. فقالا له : جعلنا الله فداك! لا والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكنّا نبكي عليك! نراك قد احيط بك ولا نقدر

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ عن أبي مخنف ، وخلا منه الإرشاد.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٢ عن أبي مخنف ، وخلا منه الإرشاد.

١٧٠

على أن نمنعهم عنك! فقال عليه‌السلام : فجزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين. فقالا له : السلام عليك يابن رسول الله. فقال لهما : وعليكما السلام ورحمة الله. فقاتلا حتّى قتلا رحمة الله عليهما (١).

مقتل حنظلة الشبامي :

ثمّ تقدّم حنظلة بن أسعد الشبامي بين يدي الإمام عليه‌السلام ورفع صوته بتلاوة الآيات التالية على عسكر ابن سعد :

(يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ* مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ* وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ* يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ)(٢) ثمّ نادى : يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب!

فناداه حسين عليه‌السلام : يابن أسعد! رحمك الله! إنّهم قد استوجبوا العذاب حيث ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين! فقال حنظلة : صدقت جعلت فداك! أنت أفقه منّي وأحقّ بذلك ، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا؟ فقال : رح إلى خير من الدنيا وما فيها وإلى ملك لا يبلى.

فقال : السلام عليك أبا عبد الله ، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك ، وعرّف بيننا وبينك في جنّته. فقال عليه‌السلام : آمين آمين. فاستقدم حنظلة وقاتل حتّى قتل رحمة الله عليه (٣).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٢ ـ ٤٤٣ عن أبي مخنف ، وخلا منه الإرشاد.

(٢) غافر : ٣٠ ـ ٣٣.

(٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٣ عن أبي مخنف ، وخلا منه الإرشاد.

١٧١

مقتل عابس الشاكري ومولاه :

وكان عابس بن أبي شبيب الشاكري الهمداني الكوفي توافق مع شوذب أحد موالي بني شاكر أن يلتحقا بالإمام عليه‌السلام ، فالتحقا بالإمام ، بلا خبر في كيفية ذلك. فاليوم التفت عابس إلى شوذب وقال له : يا شوذب ، ما في نفسك أن تصنع؟ قال : اقاتل معك دون ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى اقتل! قال عابس : ذلك الظنّ بك! فتقدّم بين يدي أبي عبد الله حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه وحتّى أحتسبك أنا ، فإنّه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به منّي بك لسرّني أن يتقدّم بين يديّ حتّى أحتسبه ، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر بكلّ ما قدرنا عليه ، فإنّه لا عمل بعد اليوم ، وإنّما هو الحساب.

فتقدّم شوذب فسلم على الحسين عليه‌السلام ثمّ مضى فقاتل حتّى قتل رحمة الله عليه.

ثمّ قال عابس بن أبي شبيب : يا أبا عبد الله! أما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لعملته ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، اشهد الله أني على هديك وهدي أبيك.

ثمّ مشى بالسيف مصلتا نحوهم وبه ضربة على جبينه من قبل (١) ، وأخذ ينادي : ألا رجل لرجل؟! فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة! فرموه بها من كل جانب! فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ثمّ شدّ على الناس ، فكان يطرد بين يديه أكثر من مئتين من الناس! ثمّ تعطّفوا عليه من كلّ جانب حتّى قتل رحمة الله عليه (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٤ عن أبي مخنف ، وخلا منه الإرشاد.

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٠ عن أبي مخنف ، وخلا منه الإرشاد.

١٧٢

مقتل أبي الشعثاء الكندي :

وكان أبو الشعثاء يزيد بن زياد الكندي الكوفي ممّن التحق بالإمام عليه‌السلام من الكوفة وكان راميا ، فجثى على ركبتيه بين يدي الإمام عليه‌السلام فرمى بمئة سهم ، ما سقط منها سوى خمسة أسهم ، وكلّما رمى قال : أنا ابن بهدلة ، فرسان العرجلة. وكان الإمام يقول : اللهمّ سدّد رميته واجعل ثوابه الجنة.

ثمّ برز وارتجز يقول :

أنا يزيد وأبي مهاصر

أشجع من ليث ـ بغيل ـ خادر (١)

يا ربّ إنّي للحسين ناصر

ولابن سعد تارك وهاجر

وقاتل قتالا شديدا حتّى قتل (٢) رحمة الله عليه.

مقتل الرجال الأربعة :

التحق بالإمام عليه‌السلام بعد لقائه بالحرّ ، مع الطرماح بن عدي الطائي من الكوفة : جابر بن الحارث السلماني ، ومجمّع بن عبد الله العائذي ، وعمر بن خالد الصيداوي الأسدي ومعه مولاه سعد ، فاليوم شدّ هؤلاء الأربعة بأسيافهم على عسكر ابن سعد وأوغلوا فيهم ، فعطفوا عليهم حتّى قطعوهم عن أصحابهم ، فحمل عليهم العباس بن عليّ حتّى استنقذهم وأخرجهم ، ثمّ شدّوا بأسيافهم ثانية وقاتلوهم قتالا شديدا حتّى قتلوا في مكان واحد (٣) رحمة الله عليهم.

وتقدّم بعدهم بشير بن عمرو الحضرمي فقاتل قتالا شديدا حتّى قتل رحمة الله عليه.

__________________

(١) الغيل : الشجر الكثير الملتف ، وخادر أي نائم.

(٢ و ٣) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٥ عن أبي مخنف ، وخلا منه الإرشاد.

١٧٣

وتقدّم بعده سويد بن عمرو الخثعمي فقاتل قتالا شديدا حتّى أثخن بالجراح وصرع مثخنا بالجراح بين القتلى من أصحاب الحسين عليه‌السلام (١).

__________________

(١) وبقي به رمق من الحياة حتّى قتل الحسين عليه‌السلام فسمعهم يقولون : قتل الحسين ، وقد اخذ سيفه وبقي معه سكّين ووجد في نفسه إفاقة ، فقام يقاتل بسكّينه حتّى عطف عليه رجلان منهم فقتلاه ، تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٥ و ٤٤٦ و ٤٥٣ وخلا منه الإرشاد. وإلى هنا قبل مقتل هذين الحضرمي والخثعمي ، كان الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني عند لحوقه بالإمام قال له : على أن اقاتل عنك ما رأيت مقاتلا. فإذا لم أر مقاتلا فأنا في حلّ للانصراف عنك! وكان الإمام قد قبله على ذلك ، فلمّا رأى أنّ خيولهم تعقر أدخل فرسه في أوساط الخيم ، فكان يدافع عنهم راجلا حتّى قطع يد أحدهم وقتل رجلين منهم ، فهنا قال للإمام : يابن رسول الله قد علمت ما كان بيني وبينك؟ فقال له : صدقت ، إن قدرت على ذلك فأنت في حلّ. فلمّا أذن له استخرج فرسه وركبها وأوغل في القوم فأفرجوا له ثمّ اتبعه خمسة عشر رجلا منهم حتّى قرية شفاثه على شاطئ الفرات ثمّ عطف عليهم ، فعرفه ثلاثة من الهمدانيين منهم فدافعوا عنه وشفعوا له فكفّ عنه سائرهم ، فنجا منهم. تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٥ ، وبقي هذا مصدرا لغير واحد من أخبارهم يومئذ. فلعلّه لذا وافقه الإمام عليه‌السلام.

١٧٤

أخبار عاشوراء

(٢)

مقاتل الهاشميين

من أنصار الحسين عليه‌السلام

١٧٥
١٧٦

مقتل عليّ الأكبر :

مرّ الخبر عن مولد عليّ بن الحسين السجاد عليه‌السلام في منتصف شهر جمادى الأولى يوم انتصار جدّه الأمير عليه‌السلام بالبصرة سنة (٣٦ ه‍) (١) وكانت أمه إحدى ابنتي يزدجرد الساساني اللتين أهداهما عثمان للحسنين عليهما‌السلام عام (٣١ ه‍) (٢) ويبدو أنّ الحسين عليه‌السلام كان قد تزوج قبلها بليلى ابنة أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي فولدت له عليّا الأكبر في الحادي عشر من شعبان سنة (٣٣ ه‍) (٣) فكان عمره يوم عاشوراء سبعا وعشرين سنة ، وكان قد تزوّج جارية ولم يعرف له عقب (٤).

__________________

(١) الإقبال ٣ : ١٥٦ عن حدائق الرياض للمفيد ، وراجع هذه الموسوعة ٤ : ٦٥٢.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢٨ ، الباب ٣٥ ، الحديث ٦ ، وراجع هذه الموسوعة ٣ : ٣٥٧.

(٣) انظر : عليّ الأكبر للمقرّم : ١٢ ، ومقتله : ٣١٨ ، والسرائر الحاوي لتحرير الفتاوي للحلي ١ : ٦٥٥.

(٤) انظر عليّ الأكبر للمقرّم : ١٤.

١٧٧

وكان أوّل قتيل من بني أبي طالب (١).

فلمّا برز يوم عاشوراء إلى الأعداء أرخى الحسين عليه‌السلام عينيه فبكى ثمّ قال : اللهمّ كن أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الخلق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) خلقا وخلقا ومنطقا (٣).

فناداه رجل من أهل الكوفة : إنّ لك رحما بأمير المؤمنين يزيد ، فإن شئت أمّناك! يريد أمّ ليلى وهي ميمونة بنت أبي سفيان ، فأجابه : ويلك لقرابة رسول الله أحقّ أن ترعى (٤) أو قال : إن رحم رسول الله أحرى أن ترعى من رحم ابن آكلة الأكباد (٥) أو قرابة أبي سفيان (٦) ثمّ شدّ عليهم وهو يرتجز ويقول :

أنا عليّ بن الحسين بن علي

نحن ـ وبيت الله ـ أولى بالنبي

من شبث هذا ومن شمر الدني!

أضربكم بالسيف حتّى يلتوي

ضرب غلام هاشميّ علوي

ولا أزال اليوم أحمي عن أبي

 والله لا يحكم فينا ابن الدعي (٧)

فجعل يشدّ عليهم ، ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول : يا أبة العطش! فيقول له

__________________

(١) وقعة الطف : ٢٧٦.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٧٧ عن ابن عقدة الزيدي.

(٣) مقتل الخوارزمي ٢ : ٣٠ ، عن الفتوح لابن الأعثم ٥ : ١٣.

(٤) الحدائق الوردية لأئمة الزيدية للمجلى : ٩٩ ، بواسطة ذخيرة الدارين للحائري : ٢٥٨.

(٥) انظر علي الأكبر للمقرّم : ١٠ ، عن سرّ السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري ، في أنساب العلويين ونسب قريش : ٥٧.

(٦) ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام من الطبقات : ٧٣.

(٧) مقاتل الطالبيين : ٧٦.

١٧٨

الحسين : اصبر حبيبي فإنّك لا تمسي حتّى يسقيك رسول الله بكأسه (١) فجعل يكرّ كرة بعد كرّة حتّى رمي بسهم وقع في حلقه فخرقه (٢).

وبصر به مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي ، وكان صاحب راية عبد القيس في صفّين مع عليّ عليه‌السلام (٣) فقال لمن حوله : عليّ آثام العرب إن مرّ بي هذا يفعل مثل ما يفعل إن لم أثكله أباه! فمرّ يشدّ على الناس بسيفه ، فاعترضه مرّة بن منقذ العبدي فطعنه فصرع (٤) ، وأخذ يتقلّب في دمه ، ثمّ نادى : يا أبتاه! عليك السلام ، هذا جدّي رسول الله يقرئك السلام ويقول : عجّل القدوم إلينا (٥) واحتواه الناس فقطّعوه بأسيافهم! حتّى شهق شهقة وفارق الدنيا.

فجاء الحسين عليه‌السلام حتى وقف عليه فقال : قتل الله قوما قتلوك يا بنيّ! ما أجرأهم على الرحمان وعلى انتهاك حرمة الرسول؟ وانهملت عيناه بالدموع ثمّ قال : على الدنيا بعدك العفاء!

وخرجت زينب أخت الحسين مسرعة تنادي : يا اخيّاه! وابن اخيّاه! وجاءت حتّى أكبّت عليه! فأخذ الحسين بيدها فردّها إلى الفسطاط ، وعاد إلى ابنه وسارع إليه فتيانه فقال لهم : احملوا أخاكم! فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه (٦)!

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٧٧ وليس فيه الأوفى ، والأوفى مؤنث لا يوصف به الكأس المذكّر ، كما في إبصار العين للسماوي : ٥٣ ، وأقدم ما فيه الأوفى : الفتوح لابن الأعثم ٥ : ١٣١ وعنه في مقتل الخوارزمي ٢ : ٣٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) تاريخ الطبري ٤ : ٥٢٢.

(٤) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٦ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١٠٦.

(٥) مقاتل الطالبيين : ٧٧ عن ابن عقدة الزيدي.

(٦) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٦ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١٠٦.

١٧٩

القاسم بن الحسن عليه‌السلام :

روى أبو مخنف عن حميد بن مسلم قال : خرج إلينا غلام كأنّ وجهه شقّة قمر ، في يده السيف ، عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنّها اليسرى. فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي : والله لأشدن عليه! فقلت له : سبحان الله! وما تريد إلى ذلك! يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتووه. فقال : والله لأشدنّ عليه! ثمّ شدّ عليه ، فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسيف ، فوقع الغلام لوجهه وقال : يا عمّاه!

فجلّى الحسين كما يجلّي الصقر ثمّ شدّ شدّة ليث اغضب ، فضرب عمرا بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنّها من لدن المرفق ، وجالت الخيل فوطئته حتّى مات! وانجلت الغبرة فإذا بالحسين قائم على رأس الغلام ، والغلام يفحص برجليه ، وحسين عليه‌السلام يقول : بعدا لقوم قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك! عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك ثم لا ينفعك! صوت والله كثر واتره وقلّ ناصره! ثمّ احتمله. قال حميد بن مسلم : فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض ، وقد وضع الحسين صدره على صدره ، فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه عليّ بن الحسين ، وحوله قتلى من أهل بيته! فسألت عن الغلام فقيل : هو القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (١).

مقتل العباس وإخوته :

ثمّ إنّ العباس بن علي عليه‌السلام قال لإخوته من أمّه : عبد الله وجعفر وعثمان : يا بني امّي تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله ، فإنّه لا ولد لكم.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٤٧ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ١٠٧ ـ ١٠٨.

١٨٠