ما زال كما كان مستعملا فى جميع الأزمان نصا ؛ بدليل قوله : «أبدا» ، غير أن العمل بهذا النص الشامل لجميع الأزمان لفظا قد أبطله الناسخ ؛ لأن استمرار العمل بالنص مشروط بعدم ورود ناسخ ينسخه. أيا كان ذلك النص وأيا كان ناسخه.
فإن سأل سائل : ما حكمة تأييد النص لفظا ، بينما هو مؤقت فى علم الله أزلا؟ أجبناه بأن حكمته ابتلاء الله لعباده : أيرضخون لحكمه مع تأبيده عليهم هذا التأبيد الظاهرى أم لا؟ فإذا ماز الله الخبيث من الطيب ، والمطمئن إلى حكمه من المتمرد عليه ، جاء النسخ لحكمة أخرى من التخفيف ونحوه.
(ثانيها) أن حكم ما خرج بالتخصيص لم يك مرادا من العامّ أصلا ، بخلاف ما خرج بالنسخ ، فإنه كان مرادا من المنسوخ لفظا.
(ثالثها) أن التخصيص لا يتأتى أن يأتى على الأمر لمأمور واحد ولا على النهى لمنهى واحد ، أما النسخ فيمكن أن يعرض لهذا كما يعرض لغيره ، ومن ذلك نسخ بعض الأحكام الخاصة به صلىاللهعليهوسلم.
(رابعها) أن النسخ يبطل حجية المنسوخ إذا كان رافعا للحكم بالنسبة إلى جميع أفراد العام ، ويبقى على شىء من حجيته إذا كان رافعا للحكم عن بعض أفراد العام دون بعض. أما التخصيص فلا يبطل حجية العام أبدا ، بل العمل به قائم فيما بقى من أفراده بعد تخصيصه :
(خامسها) أن النسخ لا يكون إلا بالكتاب والسنة ، بخلاف التخصيص فإنه يكون بهما وبغيرهما كدليل الحس والعقل. هذا قول الله سبحانه : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) قد خصصه قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا قطع إلا فى ربع دينار». وهذا قوله سبحانه : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) قد خصصه ما شهد به الحس من سلامة السماء والأرض ،
(٦ ـ مناهل العرفان ـ ٢)