• الفهرس
  • عدد النتائج:

كذلكم البيان اللغوى فى أية لغة ، ما هو إلا صناعة ، موادها وقواعدها واحدة فى المفردات والتراكيب ، ولكن البيان يختلف بعد ذلك باختلاف الطرائق والأساليب ، وإن شئت فقل : يختلف باختلاف الأذواق والمواهب التى انتقت هذه المفردات اللغوية ، واصطفت تلك الجمل التركيبية. حتى إنك لترى أهل اللغة الواحدة ، يؤدون الغرض الواحد بوجوه مختلفة من المفردات ، ومذاهب شتى من التراكيب ، يتفاوت حظها من الجودة والرداءة ، ومن الحسن والدمامة ، ومن القبول والرد ، بمقدار ما بينهم من اختلاف فى طرائق اختيارهم لما اختاروه من مواد اللغة إفرادا وتركيبا ، ولما لاحظوه من المناسبات مع هذا الاختيار ، فإذا سلم ذوق المتكلم وسمت حاسته البيانية ، حسن اختياره ، وسما كلامه ، سموا قد يأخذ عليك حسك ، ويملك قلبك ولبك. وإذا فسد ذوق المتكلم وانحطت حاسته البيانية ، ساء اختياره ، ونزل كلامه ، نزولا قد تتقزز منه نفسك ، ويتأذى به سمعك ، وربما فررت منه وأنت تتمثل بقول الشاعر :

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى

وصوّت إنسان فكدت أطير

بيان ذلك فى اللغة العربية :

بيان ذلك فى لغتنا المحبوبة العربية ، أن مفرداتها منها متآلف فى حروفه ومتنافر ، وواضح مستأنس ، وخفى غريب ، ورقيق خفيف على الاسماع ، وثقيل كريه تمجه الاسماع ، وموافق لقياس اللغة ومخالف له. ثم من هذه المفردات عام وخاص ، ومطلق ومقيد ، ومجمل ومبين ، ومعرف ومنكر ، وظاهر ومضمر ، وحقيقة ومجاز .. وكذلك التراكيب العربية ، منها ما هو حقيقة ومجاز ، ومنها متآلف الكلمات ومتنافرها ، وواضح المعانى ومعقدها. وموافق للقياس اللغوى والخارج عليه ، ومنها الاسمية والفعلية ، والخبرية والإنشائية ، وفيها النفى والإثبات ، والإيجاز والإطناب ، والتقديم والتأخير ، والفصل والوصل ، إلى غير ذلك مما هو مفصل فى علوم اللغة وكتبها.