• الفهرس
  • عدد النتائج:

ولا ريب أن وضع التشريع على هذا الوجه ، فيه متسع للجميع. وفيه إغراء للنفوس الضعيفة أن تتشرف باعتناق الإسلام ولو فى أدنى درجة من درجاته. حتى إذا أنست به وذاقت حلاوته ، تدرجت فى مدارج الرقى ، فمن إيمان إلى إسلام إلى أداء ركن إلى أداء فرض إلى أداء واجب إلى أداء مندوب مؤكد إلى أداء مندوب غير مؤكد. ومن ترك نفاق إلى ترك شرك وكفر إلى ترك كبيرة إلى ترك صغيرة إلى ترك مكروه تحريما إلى ترك مكروه تنزيها إلى ترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس. ومن مجرد أداء للنوافل إلى زيادة فيها وإكثار منها ، حتى يصل العبد إلى ذلك المقام الذى جاء فيه عن الله تعالى : «ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به ، وبصره الذى يبصر به ؛ ويده التى يبطش بها ، ورجله التى يمشى بها ، ولئن سألنى لأعطينه ، ولئن استعاذ بى لأعيدنه» رواه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يرويه عن ربه.

على ضوء هذه السياسة الشرعية الحكيمة التى نزل بها القرآن ، كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتدرج بالأقوام رويدا رويدا ، كما كان يتساهل معهم تأليفا لقلوبهم واستمالة لهم إلى اعتناق الدين على أى وجه. ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد بسنده عن نصر بن عاصم الليثى عن رجل منهم أنه أتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم على أن يصلى صلاتين (لا خمسا) فقبل منه وجاء فى رواية أخرى : على ألا يصلى إلا صلاة فقبل وعن وهب قال : سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت فقال : اشترطت على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد ، وأنه سمع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول بعد ذلك سيتصدقون ويجاهدون رواه أبو داود وعن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الرجل : «أسلم» قال أجدنى كارها قال : «أسلم وإن كنت كارها» رواه أحمد ، قال الشوكانى فى نيل الأوطار بعد أن سرد هذه الأحاديث : «فيها دليل على أنه يجوز مبايعة الكافر وقبول الإسلام منه وإن شرط شرطا باطلا».

والمراقب لنزول القرآن وسير التشريع الإسلامى ، يرى من مظاهر هذه السياسة