• الفهرس
  • عدد النتائج:

فلو كان محمد صاحب هذا التنزيل ، لخرج عن مستوى الخلق جملة ، ولظهر فى أفق الألوهية ، يطل على العالم بعظمة تنقطع دونها الأعناق وتخضع لها الرقاب ، وأن يحقق كل ما اقترحه معارضوه من الآيات ، ولكنه اعترف بعبوديته حينذاك ، وتبرأ من حوله وقوته إزاء هذا الكتاب وغيره من المعجزات وخوارق العادات. اقرأ فى سورة الإسراء : (وَقالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً* أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ. وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ. قُلْ : سُبْحانَ رَبِّي ، هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)؟.

الوجه الرابع عشر : تأثير القرآن ونجاحه

ومعنى هذا أن القرآن بلغ فى تأثيره ونجاحه مبلغا خرق به العادة فى كل ما عرف من كتب الله والناس. وخرج عن المعهود فى سنن الله من التأثير النافع بالكلام وغير الكلام. وبيان ذلك أن الإصلاح العام الذى جاء به القرآن والانقلاب العالمى الذى تركه هذا الكتاب ، ما حدث ولم يكن ليحدث فى أى عهد من عهود التاريخ قديمه وحديثه إلا على أساس من الإيمان العميق القائم على وجدان قوى ، بحيث يكون له من السلطان القاهر على النفوس ، والحكم النافذ على العواطف والميول ، ما يصد الناس عن نهجهم الأول فى عقائدهم التى توارثوها ، وعبادتهم التى ألفوها ، وأخلاقهم التى نشئوا عليها ، وعاداتهم التى امتزجت بدمائهم ، وما يحملهم على اعتناق هذا الدين الجديد الذى هدم تلك الموروثات فيهم ، وحارب تلك الأوضاع المألوفة لديهم.

وهذا الأساس الذى لا بد منه ، تقصر عنه فى العادة جميع الكتب التعليمية التى يؤلفها العلماء والمصلحون ، وتعجز عن إيجاده كافة القوانين البشرية التى يضعها القادة والمتشرعون ، لأن قصارى هذه الكتب والقوانين ـ إذا وفقت ـ أن تشرح الحقائق وتبين الواجبات ،