كان عنواه ، فنزل من القصر بالقسر ، إلى قبضة الأسر ، فقيد للحين ، وحان له يوم شرّ ما ظنّ أنه يحين ، ولمّا قيّدت قدماه ، وذهبت عنه رقّة الكبل ورحماه ، قال يخاطبه : [الطويل]
إليك فلو كانت قيودك أسعرت |
| تضرّم منها كلّ كفّ ومعصم (١) |
مخافة من كان الرجال بسيبه |
| ومن سيفه في جنّة أو جهنم (٢) |
ولما آلمه عضّه ، ولازمه كسره ورضّه ، وأوهاه ثقله ، وأعياه نقله ، قال : [المتقارب]
تبدلت من عزّ ظلّ البنود |
| بذلّ الحديد وثقل القيود |
وكان حديدي سنانا ذليقا |
| وعضبا رقيقا صقيل الحديد |
فقد صار ذاك وذا أدهما |
| يعضّ بساقيّ عضّ الأسود |
ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت (٣) ، وضمّتهم جوانحها كأنهم أموات ، بعد ما ضاق عنهم القصر ، وراق منهم العصر ، والناس قد حشروا بضفتي الوادي ، وبكوا بدموع كالغوادي ، فساروا والنّوح يحدوهم ، والبوح باللوعة لا يعدوهم ، وفي ذلك يقول ابن اللّبّانة : [البسيط]
تبكي السماء بمزن رائح غاد |
| على البهاليل من أبناء عبّاد (٤) |
على الجبال التي هدّت قواعدها |
| وكانت الأرض منها ذات أوتاد |
عرّيسة دخلتها النائبات على |
| أساود لهم فيها وآساد (٥) |
وكعبة كانت الآمال تخدمها |
| فاليوم لا عاكف فيها ولا باد |
يا ضيف ، أقفر بيت المكرمات فخذ |
| في ضمّ رحلك واجمع فضلة الزاد |
ويا مؤمّل واديهم ليسكنه |
| خفّ القطين وجفّ الزرع بالوادي (٦) |
وأنت يا فارس الخيل التي جعلت |
| تختال في عدد منهم وأعداد |
ألق السلاح وخلّ المشرفيّ فقد |
| أصبحت في لهوات الضيغم العادي |
__________________
(١) تضرّم : التهب واشتعل.
(٢) السيب : العطاء.
(٣) الجواري المنشآت : السفن.
(٤) البهاليل : جمع بهلول ، وهو السيد الجامع لصفات الخير.
(٥) العريسة : مأوى الأسد. والأساود : جمع أسود ، وهو الحية العظيمة. والآساد : الأسود.
(٦) خف القطين : ارتحل القاطن مسرعا.