صلة الباب السابع
في نبذة مما من
الله تعالى به على أهل الأندلس من توقد الأذهان
وقال الأديب أبو
عبد الله بن عائشة في فتى طرزت غلالة خده ، وركب من عارضه سنانا على صعدة قدّه : [الطويل]
إذا كنت تهوى
خدّه وهو روضة
|
|
به الورد غضّ
والأقاح مفلّج
|
فزد كلفا فيه
وفرط صبابة
|
|
فقد زيد فيه من
عذار بنفسج
|
وحلّاه في المطمح
بأن قال : اشتهر صونا وعفافا ، ولم يخطب بعقيلة حظوة زفافا ، فآثر انقباضا وسكونا ، واعتمد إليها ركونا ، إلى أن
أنهضه أمير المسلمين إلى بساطه فهبّ من مرقد خموله ، وشبّ لبلوغ جدوة مأموله ، فبدا منه في الحال انزواء ، في تسنّم تلك الرسوم
والتواء ، وقعود عن مراتب الأعلام ، وجمود لا يحمد فيه ولا يلام ، إلّا أنّ أمير
المسلمين ألقى عليه منه محبّه ، جلبت إليه مسرى الظهور ومهبّه ، وكان له أدب واسع
المدى ، يانع كالزهر بلّله الندى ، ونظم مشرق الصفحة ، عبق النفحة ، إلّا أنه
قليلا ما كان يحلّ ربعه ، ويذيل له طبعه ، وقد أثبتّ له منه ما يدع الألباب حائرة
، والقلوب إليه طائرة فمن ذلك قوله في ليلة سمحت لي بفتى كان يهواه ، ونفحت له
هبّة وصل أبدت جواه : [السريع]
لله ليل بات
عندي به
|
|
طوع يدي من
مهجتي في يديه
|
وبتّ أسقيه كؤوس
الطلا
|
|
ولم أزل أسهر
شوقا إليه
|
__________________
عاطيته حمراء
ممزوجة
|
|
كأنها تعصر من
وجنتيه
|
وخرج من بلنسية
يوما إلى منية الوزير الأجلّ أبي بكر ابن عبد العزيز ، وهي من أبدع منازل الدنيا ،
وقد مدّت عليها أدواحها الأفيا ، وأهدت إليها أزهارها العرف والرّيّا ، والنهر قد
غصّ بمائه ، والروض قد خصّ بمثل أنجم سمائه ، وكانت لبني عبد العزيز فيها أطراب ،
تهيّأ لهم فيها من الأيام آراب ، فلبسوا فيها الأنس حتى أبلوه ، ونشروا فيها الحظ وطووه ، أيام كانوا بذلك الأفق طلوعا ، لم تضمّ عليهم
النّوب ضلوعا ، فقعد أبو عبد الله مع لمّة من الأدباء تحت دوحة من أدواحها ، فهبّت
ريح أنس من أرواحها ، سطت بإعصارها ، وأسقطت لؤلؤها على باسم أزهارها ، فقال : [مخلع
البسيط]
ودوحة قد علت
سماء
|
|
تطلع أزهارها
نجوما
|
هفا نسيم الصّبا
عليها
|
|
فأرسلت فوقنا
رجوما
|
كأنما الجوّ غار
لمّا
|
|
بدت فأغرى بها
النسيما
|
وكان في زمان
عطلته ، ووقت اصفراره وعلّته ، ومقاساته من العيش أنكده ، ومن التخوّف أجهده ،
كثيرا ما ينشرح بجزيرة شقر ويستريح ، ويستطيب هبوب تلك الريح ، ويجول في أجارع واديها ، وينتقل من نواديها
إلى بواديها ، فإنها صحيحة الهواء ، قليلة الأدواء ، خضلة العشب والأزاهر ، قد
أحاط بها نهرها كما تحيط بالمعاصم الأساور ، والأيك قد نشرت ذوائبها على صفحيه ،
والروض قد عطّر جوانبه بريحه ، وأبو إسحاق ابن خفاجة هو كان منزع نفسه ، ومصرع
أنسه ، نفح له بالمنى عبق وشذا ، ومسح عن عيونه مسرّاته القذى ، وغدا على ما كان
وراح ، وجرى متهافتا في ميدان ذلك المراح ، قريب عهد بالفطام ، ودهره ينقاد في
خطام ، فلمّا اشتعل رأسه شيبا ، وزرّت عليه الكهولة جيبا ، أقصر عن تلك الهنات ،
واستيقظ من تلك السّنات ، وشبّ عن ذلك الطّوق ، وأقصر عن الهوى والشوق ، وقنع
بأدنى تحيّة ، وما يشعره في وصف تلك العهاد من أريحيّه ، فقال : [الطويل]
ألا خلّياني
والأسى والقوافيا
|
|
أردّدها شجوا
وأجهش باكيا
|
__________________
أآمن شخصا
للمسرّة باديا
|
|
وأندب رسما
للشبيبة باليا
|
تولّى الصّبا
إلّا توالي فكرة
|
|
قدحت بها زندا
وما زلت واريا
|
وقد بان حلو
العيش إلّا تعلّة
|
|
تحدّثني عنها
الأمانيّ خاليا
|
ويا برد هذا الماء
هل منك قطرة
|
|
تهلّ فأستسقي
غمامك صاديا
|
وهيهات حالت دون
حزوى وأهلها
|
|
ليال وأيام
تحاكي اللياليا
|
فقل في كبير
عاده صائد الظبّا
|
|
إليهنّ مهتاجا
وقد كان ساليا
|
فيا راكبا
يستعمل الخطو قاصدا
|
|
ألا عج بشقر
رائحا أو مغاديا
|
وقف حيث سال
النهر ينساب أرقما
|
|
وهبّ نسيم الأيك
ينفث راقيا
|
وقل لأثيلات
هناك وأجرع
|
|
سقيت أثيلات
وحيّيت واديا
|
انتهى ببعض
اختصار.
وابن عائشة أشهر
من أن يطال في أمره ، وليس الخبر كالعيان.
وقال أبو عمرو
يزيد بن عبد الله بن أبي خالد اللخمي الإشبيلي الكاتب في فتح المهدية سنة ٦٠٢ : [الكامل]
كم غادر الشعراء
من متردّم
|
|
ذخرت عظائمه
لخير معظّم
|
تبعا لمذخور
الفتوح فإنه
|
|
جاءت له بخوارق
لم تعلم
|
من كلّ سامية
المنال إذا انتمت
|
|
رفعت إلى
اليرموك صوت المنتمي
|
وتوسّطت في
النهروان بنسبة
|
|
كرمت ففازت
بالمحلّ الأكرم
|
وقال ابن الأبار
في «تحفة القادم» : هو صدر في نبهائها وأدبائها ، يعني إشبيلية ، وممّن
__________________
له قدر في منجبيها
ونجبائها ، وإلى سلفه ينسب المعقل المعروف «بحجر بن أبي خالد» ، وتوفي بها سنة ٦١٢
، وأورد له قوله : [الطويل]
ويا للجواري
المنشآت وحسنها
|
|
طوائر بين الماء
والجوّ عوّما
|
إذا نشرت في
الجوّ أجنحة لها
|
|
رأيت به روضا
ونورا مكمّما
|
وإن لم تهجه
الريح جاء مصافحا
|
|
فمدّت له كفّا
خضيبا ومعصما
|
مجاذف كالحيّات
مدّت رؤوسها
|
|
على وجل في
الماء كي تروي الظّما
|
كما أسرعت عدّا
أنامل حاسب
|
|
بقبض وبسط يسبق
العين والفما
|
هي الهدب في
أجفان أكحل أوطف
|
|
فهل صنعت من
عندم أو بكت دما
|
قال ابن الأبار :
أجاد ما أراد في هذا الوصف ، وإن نظر إلى قول أبي عبد الله بن الحداد يصف أسطول
المعتصم بن صمادح : [الخفيف]
هام صرف الردى
بهام الأعادي
|
|
أن سمت نحوهم
لها أجياد
|
وتراءت بشرعها
كعيون
|
|
دأبها مثل
خائفيها سهاد
|
ذات هدب من
المجاذيف حاك
|
|
هدب باك لدمعه
إسعاد
|
حمم فوقها من
البيض نار
|
|
كلّ من أرسلت
عليه رماد
|
ومن الخطّ في
يدي كلّ درّ
|
|
ألف خطّها على
البحر صاد
|
قال : وما أحسن
قول شيخنا أبي الحسن بن حريق في هذا المعنى من قصيدة أنشدنيها: [الكامل]
وكأنما سكن
الأراقم جوفها
|
|
من عهد نوح خشية
الطوفان
|
فإذا رأين الماء
يطفح نضنضت
|
|
من كلّ خرق حيّة
بلسان
|
قال : ولم يسبقهم
إلى الإحسان ، وإنما سبقهم بالزمان ، عليّ بن محمد الإيادي التونسي في قوله : [الكامل]
__________________
شرعوا جوانبها
مجاذف أتعبت
|
|
شادي الرياح لها
ولمّا تتعب
|
تنصاع من كثب
كما نفر القطا
|
|
طورا وتجتمع
اجتماع الرّبرب
|
والبحر يجمع
بينها فكأنه
|
|
ليل يقرّب عقربا
من عقرب
|
وكأنما البحر
استعار بزيّهم
|
|
ثوب الجمال من
الربيع المعجب
|
ومن هذه القصيدة
الفريدة في ذكر الشراع :
ولها جناح يستعار
يطيرها
|
|
طوع الرياح
وراحة المتطرّب
|
يعلو بها حدب
العباب مطاره
|
|
في كلّ لجّ زاخر
مغلولب
|
يسمو بآخر في
الهواء منصّب
|
|
عريان منسرح
الذؤابة شوذب
|
يتنزّل الملّاح
منه ذؤابة
|
|
لو رام يركبها
القطا لم يركب
|
وكأنما رام
استراقة مقعد
|
|
للسّمع إلّا أنه
لم يشهب
|
وكأنما جنّ ابن
داود هم
|
|
ركبوا جوانبها
بأعنف مركب
|
سجروا جواهم
بينها فتقاذفوا
|
|
منها بألسن مارج
متلهّب
|
من كل مسجون
الحريق إذا انبرى
|
|
من سجنه انصلت
انصلات الكوكب
|
عريان يقدمه
الدخان كأنه
|
|
صبح يكرّ على
ظلام غيهب
|
ومن أولها :
أعجب بأسطول
الإمام محمد
|
|
وبحسنه وزمانه
المستغرب
|
لبست به الأمواج
أحسن منظر
|
|
يبدو لعين
الناظر المتعجّب
|
من كلّ مشرفة
على ما قابلت
|
|
إشراف صدر
الأجدل المتنصب
|
ومنها :
جوفاء تحمل
موكبا في جوفها
|
|
يوم الرهان
وتستقلّ بموكب
|
__________________
وهي طويلة من غرر
القصائد ، وقد سرد جملة منها صاحب «المنهاج» وغيره ..
وقال أبو عمر
القسطلي : [الوافر]
وحال الموج بين
بني سبيل
|
|
يطير بهم إلى
القول ابن ماء
|
أغرّ له جناح من
صباح
|
|
يرفرف فوق جنح
من سماء
|
وأخذه أبو إسحاق
بن خفاجة فقال : [الوافر]
وجارية ركبت بها
ظلاما
|
|
يطير من الصباح
بها جناح
|
إذا الماء
اطمأنّ ورقّ خصرا
|
|
علا من موجه ردف
رداح
|
وقد فغر الحمام
هناك فاه
|
|
وأتلع جيده
الأجل المتاح
|
ولا يخفاك حسن هذه
العبارة الصقيلة المرآة ، فالله تعالى يرحم قائلها!
وقال ابن الأبار :
وقد قلت أنا في ذلك : [البسيط]
يا حبذا من بنات
الماء سابحة
|
|
تطفو لما شبّ
أهل النار تطفئه
|
تطيرها الريح
غربانا بأجنحة ال
|
|
حمائم البيض
للأشراك ترزؤه
|
من كلّ أدهم لا
يلفى به جرب
|
|
فما لراكبه
بالقار يهنؤه
|
يدعى غرابا
وللفتخاء سرعته
|
|
وهو ابن ماء
وللشاهين جؤجؤه
|
واجتمع ابن أبي
خالد وأبو الحسن بن الفضل الأديب عند أبي الحجاج بن مرطير الطبيب بحضرة مراكش ،
وجرى ذكر قاضيها حينئذ أبي عمران موسى بن عمران بينهم ، وما كان عليه من القصور
والبعد عمّا أتيح له ، وأوثر به ، فقال أبو الحجاج : [الرمل]
ليس فيه من أبي
موسى شبه
__________________
فقال أبو الحسن :
فأبوه فضّة وهو شبه
فقال ابن أبي خالد
:
كم دعاه إذ رآه
عرّة
|
|
وأباه إذ دعاه
يا أبه
|
وقال أبو العباس
الأعمى : [البسيط]
بهيمة لو جرى في
الخيل أكبرها
|
|
لغابت الريح في
الأحجال والغرر
|
تجري فللماء
ساقا عائم درب
|
|
وللرياح جناحا
طائر حذر
|
قد قسّمتها يد
التقدير بينهما
|
|
على السّواء فلم
تسبح ولم تطر
|
وقال عبد الجليل
بن وهبون يصف الأسطول : [الكامل]
يا حسنها يوما
شهدت زفافها
|
|
بنت الغضاء إلى
الخليج الأزرق
|
ورقاء كانت أيكة
فتصوّرت
|
|
لك كيف شئت من
الحمام الأورق
|
حيث الغراب يجرّ
شملة عجبه
|
|
وكأنه من غرّة
لم ينعق
|
من كلّ لابسة
الشباب ملاءة
|
|
حسب اقتدار
الصانع المتأنّق
|
شهدت لها
الأعيان أنّ شواهنا
|
|
أسماؤها فتصحّفت
في المنطق
|
من كلّ ناشرة
قوادم أجنح
|
|
وعلى معاطفها
وهادة سودق
|
زأرت زئير الأسد
وهي صوامت
|
|
وزحفن زحف مواكب
في مأزق
|
__________________
ومجاذف تحكي
أراقم ربوة
|
|
نزلت لتكرع من
غدير متأق
|
وقال ابن خفاجة : [مخلع البسيط]
سقيا لها من
بطاح خزّ
|
|
ودوح نهر بها
مطلّ
|
فما ترى غير وجه
شمس
|
|
أظلّ فيه عذار
ظلّ
|
وهو من بديع الشعر
، وكم لابن خفاجة من مثله.
وقال عبيد الله بن
جعفر الإشبيلي ، وقد زار صاحبا له مرّات ولم يزره هو ، فكتب على بابه : [البسيط]
يا من يزار على
بعد المحلّ ولا
|
|
يزورنا مرّة من
بين مرات
|
زر من يزورك
واحذر قول عاذلة
|
|
تقول عنك : فتّى
يؤتى ولا يأتي
|
ومن مجونياته
سامحه الله تعالى : [الوافر]
وأغيد ليس تعدوه
الأماني
|
|
ولو حكمت عليه
باشتطاط
|
سقيت الراح حتى
مال سكرا
|
|
ونام على النمارق
والبساط
|
وأسلم لي على
طول التجنّي
|
|
وأمكنني على فرط
التعاطي
|
فأولجت المقادر
جيد بكر
|
|
ولا كفران في سم
الخياط
|
وغناني بصوت من
حاشاه
|
|
فأطربني وبالغ
في نشاطي
|
فما نقر المثالث
والمثاني
|
|
بأطرب من تلاحين
الضراط
|
ولولا الريق لم
أظفر بشيء
|
|
على عدم اهتبالي
واحتياطي
|
فلا تسخر بريق
بعد هذا
|
|
فإنّ الريق
مفتاح اللواط
|
وقال أبو الحسن
علي بن جحدر الزجال : [الخفيف]
__________________
كيف أصبحت أيهذا
الحبيب؟
|
|
نحن مرضى الهوى
وأنت الطبيب
|
كلّ قلب إليك
يهفو غراما
|
|
وتجافى عليّ منك
القلوب
|
إن تلح حوّمت
عليك هياما
|
|
أو تغب حنّها
عليك الوجيب
|
غير أني من
بينهم مستريب
|
|
حين تبدو وليس
لي ما يريب
|
كلّ ما قد ألقاه
منك ومني
|
|
دون هذا له تشقّ
الجيوب
|
وقال أحمد المعروف
بالكساد ، في موسى الذي كان يتغزّل فيه شعراء إشبيلية : [الخفيف]
ما لموسى قد خرّ
لله لمّا
|
|
فاض نورا غشاه
ضوء سناه
|
وأنا قد صعقت من
نور موسى
|
|
لا أطيق الوقوف حين
أراه
|
ولله درّه في رثاء
موسى المذكور إذا قال : [السريع]
فرّ إلى الجنّة
حوريّها
|
|
وارتفع الحسن من
الأرض
|
وأصبح العشّاق
في مأتم
|
|
بعضهم يبكي إلى
بعض
|
وقوله فيه : [الرمل]
هتف الناعي بشجو
الأبد
|
|
إذ نعى موسى بن
عبد الصمد
|
ما عليهم ويحهم
لو دفنوا
|
|
في فؤادي قطعة
من كبدي
|
ولقب بالكساد
لقوله : [الوافر]
وبيع الشعر في سوق الكساد
وقال أبو القاسم
بن أبي طالب الحضرمي المنيشي : [المنسرح]
صاغت يمين
الرياح محكمة
|
|
في نهر واضح
الأسارير
|
فكلّما ضاعفت به
حلقا
|
|
قام لها القطر
بالمسامير
|
وقال أبو زيد عبد
الرحمن العثماني ، وهو من بيت إمارة : [الخفيف]
__________________
لا تسلني عن
حالتي فهي هذي
|
|
مثل حالي لا كنت
يا من يراني
|
ملّني الأهل
والأخلّاء لما
|
|
أن جفاني بعد
الوصال زماني
|
فاعتبر بي ولا
يغرّك دهر
|
|
ليس منه ذو غبطة
في أمان
|
وقال أبو زكريا
يحيى بن محمد الأركشي : [البسيط]
لا حبذا المال
والإفضال يتلفه
|
|
والبخل يحميه
والأقدار تعطيه
|
وقال : [البسيط]
لا تبكينّ
لإخوان تفارقهم
|
|
فإنني
قبلك استخبرت إخواني
|
فما حمدتهم في
حال قربهم
|
|
فكيف في حال
إبعاد وهجران
|
وقال أبو عمران
موسى الطرياني لما دخل يوم نيروز إلى بعض الأكابر ، وعادتهم أن يصنعوا في
مثل هذا اليوم مدائن من العجين لها صور مستحسنة ، فنظر إلى صورة مدينة ، فأعجبته ،
فقال له صاحب المجلس : صفها وخذها : [مجزوء الرجز]
مدينة مسوّره
|
|
تحار فيها
السّحره
|
لم تبنها إلّا
يدا
|
|
عذراء أو مخدّره
|
بدت عروسا تجتلى
|
|
من درمك مزعفره
|
وما لها مفاتح
|
|
إلّا البنان
العشره
|
وقال أبو عمرو بن
حكم : [السريع]
حاشا لمن أمّلكم
أن يخيب
|
|
وينثني نحو
العدا مستريب
|
هذا وكم أقرأني
بشركم
|
|
(نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ)
|
وقال أبو الحسن
علي بن الجعدي القرموني : [الكامل]
إياك من زلل
اللسان فإنه
|
|
قدر الفتى من
لفظه المسموع
|
__________________
فالمرء يختبر
الإناء بنقره
|
|
ليرى الصحيح به
من المصدوع
|
وقال الفقيه أبو
الحسن علي بن لبّال في محبرة عناب محلاة بفضة : [المنسرح]
منعلة بالهلال
ملجمة
|
|
بالنّسر مجدولة
من الشّفق
|
كأنما حبرها
تميّع في
|
|
فرضتها سائلا من
الغسق
|
فأنت مهما ترد
تشبهها
|
|
في كلّ حال
فانظر إلى الأفق
|
وقال في محبرة
آبنوس : [الكامل]
وخديمة للعلم في
أحشائها
|
|
كلف بجمع حرامه
وحلاله
|
لبست رداء الليل
ثم توشّحت
|
|
بنجومه وتتوّجت
بهلاله
|
وقال أبو العباس
أحمد بن شكيل الشّريشي : [المنسرح]
تفاحة بتّ بها
ليلتي
|
|
أبثّها سرّي
والشكوى
|
أضمّها معتنقا
لاثما
|
|
إذا ذكرت خدّ من
أهوى
|
وقال : [السريع]
تفاحة حامضة
عضّها
|
|
في ثمل من قطّب
الوجها
|
ولم أخل من
قبلها محسنا
|
|
يجزى عليه العضّ
والنجها
|
وقال أبو جعفر
أحمد الشريشي : [الطويل]
على حسن نور
الباقلاء أدرهما
|
|
على الصّبّ كأسي
خمرة وجفون
|
يذكّرني بلق
الحمام وتارة
|
|
يؤكّد للأشجان
شهل عيون
|
وقال أبو عمرو بن
غياث : [الطويل]
وقالوا مشيب قلت
وا عجبا لكم
|
|
أينكر صبح قد
تخلّل غيهبا
|
__________________
وليس مشيبا ما
ترون وإنما
|
|
كميت الصّبا
لمّا جرى عاد أشهبا
|
وقال الوزير أبو
بكر محمد ابن ذي الوزارتين أبي مروان عبد الملك بن عبد العزيز يخاطب ابن عبدون : [البسيط]
في ذمّة الفضل
والعلياء مرتحل
|
|
فارقت صبري إذ
فارقت موضعه
|
ضاءت به برهة
أرجاء قرطبة
|
|
ثم استقلّ فسدّ
البين مطلعه
|
عذرا إلى المجد
عني حين فارقني
|
|
ذاك الجلال
فأعيا أن أشيّعه
|
قد كنت أصحبته
قلبي وأقعدني
|
|
ما كان أودعني
عن أن أودعه
|
وفيهم يقول ابن
عبدون : [الوافر]
بحور بلاغة
ونجوم عزّ
|
|
وأطواد رواس من
جلال
|
وقال الوزير
الكاتب أبو القاسم بن أبي بكر بن عبد العزيز : [الوافر]
نديمي لا عدمتك
من نديم
|
|
أدرها في دجى
الليل البهيم
|
فخير الأنس أنس
تحت ستر
|
|
يصان عن السفيه
أو الحليم
|
وقال الثائر أبو
عبد الله الجزيري : : [المجتث]
في أمّ رأسي سرّ
|
|
يبدو لكم بعد
حين
|
لأبلغنّ مرادي
|
|
إن كان سعدي
معيني
|
أو لا فأكتب
ممّن
|
|
سعى لإظهار دين
|
وسبب قوله هذا أنّ
بني عبد المؤمن لمّا غيّروا رسم مهديهم ، وصيّروا الخلافة ملكا ، وتوسّعوا في
الرفاهية ، وأهملوا حقّ الرعيّة ، جعل يتستّر ، وقال هذه الأبيات ، وشاع سرّه في
مدة ناصر بني عبد المؤمن ، فطلبه ، ففرّ ، ولم يزل يتنقّل مستخفيا مع أصحابه إلى
أن حصل في حصن قولية من عمل مدينة بسطة ، فبينما هو ذات يوم في جامعها مع أصحابه
وهم يأكلون بطيخا ويرمون قشره في صحن الجامع ، إذ أنكر ذلك رجل من العامّة ، وقال
لهم : ما تتّقون
__________________
الله تعالى؟!
تتهاونون ببيت من بيوته؟ فضحكوا منه ، واستهزءوا به ، وأهل تلك الجهة لا تحتمل
شيئا من ذلك ، فصاح بفتية من العامة ، فاجتمع جمع وحملوا إلى الوالي فكان عند
الوالي من عرفه ، فقتلوا جميعا ، وأمر الناصر أن يرفع عن جميع أرض قولية جميع
تكاليف السلطان.
ولمّا عتب المنصور
بن أبي عامر على الكاتب عبد الملك الجزيري ، وسجنه في الزاهرة ، ثم صفح عنه ، قال
وكتب به إليه : [السريع]
عجبت من عفو أبي
عامر
|
|
لا بدّ أن تتبعه
منّه
|
كذلك الله إذا
ما عفا
|
|
عن عبده أدخله
الجنّه
|
فاستحسن ذلك ،
وأعاده إلى حاله.
وقال على لسان
بهار العامرية ، وهو النرجس : [الكامل]
حدق الحسان تقرّ
لي وتغار
|
|
وتضلّ في وصفي
النّهى وتحار
|
طلعت على قضبي
عيون تمائمي
|
|
مثل العيون
تحفّها الأشفار
|
وأخصّ شيء بي
إذا شبّهته
|
|
درّ تمنطق سلكه
دينار
|
أنا نرجس ، حقّا
بهرت عقولهم
|
|
ببديع تركيبي
فقيل بهار
|
وقال في بنفسجها :
[الكامل]
شهدت لنوّار
البنفسج ألسن
|
|
من لونه الأحوى
ومن إيناعه
|
بمشابه الشّعر
الأحمّ أعاره ال
|
|
قمر المنير
الطّلق نور شعاعه
|
ولربما جمد
النجيع من الطّلى
|
|
في صارم المنصور
يوم قراعه
|
فحكاه غير مخالف
في لونه
|
|
لا في روائحه
وطيب طباعه
|
وقال في القمر حين
جعل يختفي بالسحاب ويبدو أمام المنصور : [الوافر]
__________________
أرى بدر السماء
يلوح حينا
|
|
فيظهر ثم يلتحف
السّحابا
|
وذلك أنه لمّا
تبدّى
|
|
وأبصر وجهك
استحيا وغابا
|
وقال الحجاري في «المسهب»
: سألت أبا الحسن علي بن حفص الجزيري أن ينشدني شيئا من شعره ، فقال : يا أبا محمد ، إذا لم
ينظم الإنسان مثل قول شرف : [البسيط]
لم يبق للجور في
أيامكم أثر
|
|
إلّا الذي في
عيون الغيد من حور
|
فالأولى له أن
يترك نظم الشعر ، إلى أن خرجت معه يوما إلى سيف الجزيرة الخضراء ، فلقي غلاما قد
كدر رونق حسنه السفر ، وأثّر في وجهه كآثار الكلف في القمر ، فصافحه ، ثم قال :
[الكامل]
بأبي الذي
صافحته فتورّدت
|
|
وجناته وأناء
نحوي قدّه
|
قمر بدا كلف
السّرى في خدّه
|
|
لمّا توالى في
الترحل جهده
|
لكن معالم حسنه
تمّت كما
|
|
قد تمّ في صدإ
الحسام فرنده
|
فحفظتها من سمعه ،
ثم قلت له : قد أخذت عنك من نظمك ، بغير شكرك ، فضحك وقال : فاحفظ هذا ، وأنشد : [مجزوء
الرمل]
لا تقولنّ فلان
|
|
صاحب قبل اختبار
|
وانتظر ويحك نقد
اللي
|
|
ل فيه والنهار
|
أنا جرّبت فلم
أل
|
|
ف صديقا
باختياري
|
وأنشد : [الكامل]
كم قد بكرت إلى
الرياض وقضبها
|
|
قد ذكّرتني موقف
العشّاق
|
يا حسنها والريح
يلحف بعضها
|
|
بعضا كأعناق إلى
أعناق
|
والورد خدّ
والأقاحي مبسم
|
|
وغدا البهار
ينوب عن أحداق
|
__________________
لم أنفصل عنها
بكأس مدامة
|
|
حتى حملت محاسن
الأخلاق
|
ولمّا كتب أبو
الحسن بن سعيد إلى الأديب القائد أبي العباس أحمد بن بلال يستدعيه ليوم أنس بقوله
: [الوافر]
أبا العباس ، لو
أبصرت حولي
|
|
ندامى بادروا
العيش الهنيّا
|
يبيحون المدام
ولا انتقاد
|
|
وقارهم ويزدادون
غيّا
|
وهم مع ما بدا
لك من عفاف
|
|
يحبّون الصبيّة
والصبيّا
|
ويهوون المثالث
والمثاني
|
|
وشرب الراح صبحا
أو عشيّا
|
على الروض الذي
يهدي لطرف
|
|
وأنف منظرا بهجا
وريّا
|
فلا تلم السّريّ
على ارتياح
|
|
حكى طربا بجانبه
سريّا
|
وبادر نحو ناد
ما خلا من
|
|
نداك فقد عهدتك
لوذعيّا
|
أجابه بقوله : [الوافر]
أبيت سوى
المعالي يا عليّا
|
|
فما تنفك دهرك
أريحيّا
|
تميل إذا النسيم
سرى كغصن
|
|
وتسري للمكارم
مشرفيّا
|
وترتاح ارتياحا
بالمثاني
|
|
وتفتض الصبيّة
والصبيّا
|
وتهوى الروض
قلّده نداه
|
|
وألبسه مع الحلل
الحليّا
|
وإن غنّى الحمام
فلا اصطبار
|
|
وإن خفق الخليج
فنيت حيّا
|
تذكّرني الشباب
فلست أدري
|
|
أصبحا حين تذكر
أم عشيّا
|
فلو أدركتني
والغصن غضّ
|
|
لأدركت الذي
تهوى لديّا
|
ولم أترك وحقّك
قدر لحظ
|
|
وقد ناديتني ذاك
النّديّا
|
وقال بعض أهل
الأندلس : [الوافر]
وفرع كان يوعدني
بأسر
|
|
وكان القلب ليس
له قرار
|
فنادى وجهه لا
خوف فاسكن
|
|
«كلام الليل يمحوه النهار»
|
__________________
ولست على يقين أنّ
قائلهما أندلسي ، غير أني رأيت في كلام بعض الأفاضل نسبتهما لأهل الأندلس ، والله
تعالى أعلم.
وقال أبو الوليد
القسطلي : [الوافر]
وفوق الدوحة
الغنّا غدير
|
|
تلألأ صفحة وسجا
قرارا
|
إذا ما انصبّ
أزرق مستقيما
|
|
تدوّر في
البحيرة فاستدارا
|
يجرّده فم
الأنبوب صلتا
|
|
حساما ثم يفلته
سوارا
|
ولأبي كثير
الطريفي يمدح الناصر بن المنصور : [الطويل]
فتوح لها يهتزّ
شرق ومغرب
|
|
كما اطّردت في
السمهرية أكعب
|
تجلّت على
الدنيا شموس منيرة
|
|
فلم يبق في ليل
الكآبة غيهب
|
أقام بها
الإسلام شدو مغرّد
|
|
وظلت بأرض الشرك
بالخطب تخطب
|
فلا سمع إلّا
وهو قد مال نحوها
|
|
ولا قلب إلّا في
مناها يقلّب
|
وقال أبو عامر بن
الجد : [البسيط]
لله ليلة مشتاق
ظفرت بها
|
|
قطعتها بوصال
اللّثم والقبل
|
نعمت فيها
بأوتار تعلّلني
|
|
أحلى من المنّ
أو أمنيّة الغزل
|
أحبب إليّ بها
إذ كلّها سحر
|
|
أراحت الصّبّ من
عذر ومن عذل
|
وقال الكاتب أبو
عبد الله محمد الشلبي ، كاتب ملك إفريقية عبد الواحد بن أبي حفص: [السريع]
مدّ إلي الكاس
من لحظه
|
|
لا يحوج الشّرب
إلى الكاس
|
__________________
ومنذ حيّاني بآس
فلم
|
|
أيأس ولكن كان
لي آسي
|
وقال لو لا
الناس قبلته
|
|
ما أشأم الناس
على الناس
|
وقال أبو بكر محمد
بن الملح ، وهو من رجال الذخيرة ، على لسان حال سوار مذهب : [البسيط]
أنا من الفضّة
البيضاء خالصة
|
|
لكن دهتني خطوب
غيّرت جسدي
|
علّقت غصنا على
أحوى فأحسدني
|
|
جري الوشاح وهذي
صفرة الجسد
|
وما أحسن قوله من
قصيدة في المعتضد والد المعتمد : [المنسرح]
غرّته الشمس
والحيا يده
|
|
بينهما للنجيع
قوس قزح
|
وأمّا ابنه أبو
القاسم فهو من رجال «المسهب» وكان اشتغل أوّل أمره بالزهد ، وكتب
التصوّف ، فقال له أبوه : يا بنيّ ، هذا الأمر ينبغي أن يكون آخر العمر ، وأمّا
الآن فينبغي أن تعاشر الأدباء والظرفاء ، وتأخذ نفسك بقول الشعر ، ومطالعة كتب
الأدب ، فلمّا عاشرهم زيّنوا له الراح ، فتهتك في الخلاعة ، وفرّ إلى إشبيلية ،
وتزوّج بامرأة لا تليق بحاله ، وصار يضرب معها بالدف ، فكتب إليه أبوه : [مخلع
البسيط]
يا سخنة العين
يا بنيّا
|
|
ليتك ما كنت لي
بنيّا
|
أبكيت عيني ،
أطلت حزني
|
|
أمتّ ذكري وكان
حيّا
|
حططت قدري وكان
أعلى
|
|
في كلّ حال من
الثّريّا
|
أما كفاك الزّنى
ارتكابا
|
|
وشرب مشمولة
الحميّا
|
حتى ضربت الدفوف
جهرا
|
|
وقلت للشّرّ جيء
إليّا
|
فاليوم أبكيك ملء
عيني
|
|
إن كان يغني
البكاء شيّا
|
فأجاب أباه بقوله
: [مخلع البسيط]
__________________
يا لائم الصّبّ
في التصابي
|
|
ما عندك يغني
البكاء شيّا
|
أو جفت خيل
العتاب نحوي
|
|
وقبل أو ثبتها
إليّا
|
وقلت هذا قصير
عمر
|
|
فاربح من الدهر
ما تهيّا
|
قد كنت أرجو
المتاب ممّا
|
|
فتنت جهلا به
وغيّا
|
لو لا ثلاث شيوخ
سوء
|
|
أنت وإبليس
والحميّا
|
وقال أبو بكر محمد
بن عبد القادر الشّلبي يستدعي : [الطويل]
فديتك باكر نحو
قبّة روضة
|
|
تسيح بها
الأمواه والطير تهتف
|
وقد طلعت شمس
الدنان بأفقها
|
|
ونحن لديها في
انتظارك وقّف
|
فلا تتخلّف ساعة
عن محلة
|
|
صدودك عمّن حلّ
فيها تخلّف
|
وقال أخو إمام
نحاة الأندلس أبي محمد عبد الله بن السيد البطليوسي ، وهو أبو الحسن علي بن السيد
: [الكامل]
يا ربّ ليل قد
هتكت حجابه
|
|
بزجاجة وقّادة
كالكوكب
|
يسعى بها ساق
أغنّ كأنها
|
|
من خدّه ورضاب
فيه الأشنب
|
بدران بدر قد
أمنت غروبه
|
|
يسعى ببدر جانح
للمغرب
|
فإذا نعمت برشف
بدر طالع
|
|
فانعم ببدر آخر
لم يغرب
|
حتى ترى زهر
النجوم كأنها
|
|
حول المجرّة
ربرب في مشرب
|
والليل منحفز
يطير غرابه
|
|
والصبح يطرده
بباز أشهب
|
ولمّا مدح أبو بكر
محمد بن الروح الشّلبي الأمير إبراهيم الذي خطب به الفتح في القلائد ، وهو ابن
أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، وكان يدلّ عليه وينادمه ، بقصيدته التي أوّلها :
[الطويل]
__________________
أنا شاعر الدنيا
وأنت أميرها
|
|
فما لي لا يسري
إلي سرورها
|
أشار الأمير إلى
مضحك له كان حاضرا أن يحبق له لقوله «أنا شاعر الدنيا» فقال له ابن الروح : على من
حبقت؟ يعني أنه يحتمل أن يكون ذلك الفعل لقوله «أنا شاعر الدنيا» أو لقوله «وأنت
أميرها» ففطن الأمير لما قصده ، وضحك وتغافل.
وقال أبو بكر بن
المنخل الشلبي : [الكامل]
كم ليلة دارت
عليّ كواكب
|
|
للخمر تطلع ثم
تغرب في فمي
|
قبّلتها في كفّ
من يسعى بها
|
|
وخلطت قبلتها
بقبلة معصم
|
وكأنّ حسن بنانه
مع كأسه
|
|
غيم يشير لنا
ببعض الأنجم
|
وقال ذو الوزارتين
أبو بكر بن عمار : [المتقارب]
قرأت كتابك
مستشفعا
|
|
بوجه أبى الحسن
من ردّه
|
ومن قبل فضّ
ختام الكتاب
|
|
قرأت الشفاعة في
خدّه
|
وقال : [المجتث]
غزا القلوب غزال
|
|
حجّت إليه
العيون
|
قد خطّ في الخدّ
نونا
|
|
وآخر الحسن نون
|
قال الحجاري :
وإكثار ابن عمار في المعذّرين وإحسانه فيهم يدلّك على أنه ، كما قيل عنه ، كان
مشغوفا بالكاس ، والاستلقاء من غير نعاس.
وكان أبو الفضل بن
الأعلم من أجمل الناس وأذكاهم في علم الأدب والنحو ، وأقرأ علم النحو قبل أن يلتحي ،
فقال ابن صارة فيه : [الكامل]
أكرم بجعفر
اللبيب فإنه
|
|
ما زال يوضح
مشكل «الإيضاح»
|
__________________
ماء الجمال
بخدّه مترقرق
|
|
فالعين منه تجول
في ضحضاح
|
ما خدّه جرحته
عيني ، إنما
|
|
صبغت غلالته
دماء جراحي
|
لله زاي زبرجد
في عسجد
|
|
في جوهر في كوثر
في راح
|
ذي طرّة سبجيّة
ذي غرّة
|
|
عاجيّة كالليل
والإصباح
|
رشأ له خدّ
البريء ولحظه
|
|
أبدا شريك الموت
في الأرواح
|
وقال الرمادي : [مجزوء
الرجز]
ونور غيث مسبل
|
|
وقهوة تسلسل
|
تدور بين فتية
|
|
بخلقهم تمثّل
|
والأفق من سحابه
|
|
طلّ ضعيف ينزل
|
كأنه من فضّة
|
|
برادة تغربل
|
وقال : [السريع]
بدر بدا يحمل
شمسا بدت
|
|
وخدّها في الحسن
من خدّه
|
تغرب في فيه
ولكنها
|
|
من بعد ذا تطلع
في خدّه
|
ومن نظم أبي الفضل
بن الأعلم السابق الذكر : [الكامل]
وعشية كالسّيف
إلّا حدّه
|
|
بسط الربيع بها
لنعلي خدّه
|
عاطيت كأس الأنس
فيها واحدا
|
|
ما ضرّه أن كان
جمعا وحده
|
وهو جعفر ابن
الوزير أبي بكر محمد ابن الأستاذ الأعلم ، من رجال «القلائد» و «المسهب» و «سمط
الجمان» ، وكان قاضي شنتمرية ، والأستاذ الأعلم هو إمام نحاة زمانه أبو الحجاج
يوسف بن عيسى من رجال «الصلة» و «المسهب» و «السمط» ، وهو شارح الأشعار الست ، ومن
نظمه يخاطب المعتمد بن عباد : [البسيط]
يا من تملّكني
بالقول والعمل
|
|
ومبلغي في الذي
أمّلته أملي
|
__________________
كيف الثناء وقد
أعجزتني نعما
|
|
مالي بشكري
عليها الدهر من قبل
|
رفعت للجود
أعلاما مشهّرة
|
|
فبابك الدهر
منها عامر السبل
|
وقال أبو علي
إدريس بن اليماني العبدري : [المديد]
قبلة كانت على
دهش
|
|
أذهبت ما بي من
العطش
|
ولها في القلب
منزلة
|
|
لو عدتها النفس
لم تعش
|
طرقتني والدّجا
لبست
|
|
خلعا من جلدة
الحبش
|
وكأنّ النّجم
حين بدا
|
|
درهم في كفّ
مرتعش
|
وسأله المعتضد أن
يمدحه بقصيدة يعارض بها قصيدته السينية التي مدح بها ابن حمّود فقال له : أشعاري
مشهورة ، وبنات صدري كريمة ، فمن أراد أن ينكح بكرها ، فقد عرف مهرها ، وكانت
جائزته مائة دينار.
ومن مشهور شعره
بالمغرب والمشرق قوله : [الكامل]
ثقلت زجاجات
أتتنا فرّغا
|
|
حتى إذا ملئت
بصرف الراح
|
خفّت فكادت أن
تطير بما حوت
|
|
وكذا الجسوم
تخفّ بالأرواح
|
وكانت بين الأديب
الحسيب أبي عمرو بن طيفور والحافظ الهيثم مهاجاة ، فقال فيه الحافظ : [مجزوء الرمل]
لابن طيفور قريض
|
|
فيه شوك وغموض
|
عدمت فيه
القوافي
|
|
والمعاني
والعروض
|
وقال فيه ابن
طيفور : [مجزوء الرمل]
إنما الهيثم سفر
|
|
من كلام الناس
ضخم
|
لا تطالبه بفهم
|
|
ليس للديوان فهم
|
__________________
وقال أبو عمران بن
سعيد : أخبرني والدي أنه زار ابن حمدين بقرطبة في مدة يحيى بن غانية ، قال فوجدته
في هالة من العلماء والأدباء ، فقام وتلقّاني ، ثم قال : يا أبا عبد الله ، ما هذا
الجفاء؟ فاعتذرت بأني أخشى التثقيل ، وأعلم أنّ سيدي مشغول بما هو مكبّ عليه ،
فأطرق قليلا ثم قال : [الكامل]
لو كنت تهوانا
طلبت لقاءنا
|
|
ليس المحبّ عن
الحبيب بصابر
|
فدع المعاذر
إنما هي جنّة
|
|
لمخادع فيها ،
ولست بعاذر
|
فقلت : تصديق سيدي
عندي أحبّ إليّ وإن ترتبت عليّ فيه الملامة من منازعته منتصرا لحقّي ، فاستحسن
جوابي ، وقال لي : كرره فإنه والله ماح لكل ذنب ، ثم سألته كتب البيتين عنه ، فقال
لي : وما تكتب فيهما؟ فقلت : [أليس في الإنعام ذلك] لأجد ما أخبر به والدي إذا أبت إليه؟ فأملاهما عليّ ، فقلت
: من قائلهما؟ قال : قائلهما ، فعلمت أنهما له ، وقنعت بذلك.
وقال الحجاري صاحب
«المسهب» ، في أخبار المغرب» : [الكامل]
كم بتّ من أسر
السّهاد بليلة
|
|
ناديت فيها هل
لجنحك آخر
|
إذ قام هذا
الصبح يظهر ملّة
|
|
حكمت بأن ذبح
الظلام الكافر
|
وعلى ذكر «المسهب»
فقد كنت كثيرا ما أستشكل هذه التسمية ، لما قال غير واحد : إنّ المسهب إنما هو
بفتح الهاء ، كقولهم سيل مفعم ـ بفتح العين ـ والفقرة الثانية وهي «المغرب» تقتضي
أن يكون بكسر الهاء ، ولم يزل ذلك يتردّد في خاطري إلى أو وقفت على سؤال في ذلك
رفعه المعتمد بن عبّاد سلطان الأندلس إلى الفقيه الأستاذ أبي الحجاج يوسف بن
سليمان بن عيسى النحوي الشنتمري المشهور بالأعلم ، ونص السؤال:سألك ـ أبقاك الله ـ
الوزير الكاتب أبو عمرو بن غطمش ، سلّمه الله ، عن «المسهب» وزعم أنك تقول بالفتح والكسر ،
والذي ذكر ابن قتيبة في «أدب الكاتب» والزبيدي في «مختصر العين» أسهب الرجل فهو
مسهب إذا أكثر الكلام ، بالفتح خاصّة ، فبيّن لي ـ أبقاك الله تعالى! ـ ما تعتقد
فيه ، وإلى أي كتاب تسند القولين ، لأقف على صحّة من ذلك.
فأجابه : وصل إليّ
ـ أدام الله تعالى توفيك! ـ هذا السؤال العزيز ، ووقفت على ما
__________________
تضمّنه ، والذي
ذكرته من قول ابن قتيبة والزبيدي في الكتابين موضوع كما ذكرته ، والذي أحفظه
وأعتقده أن المسهب بالفتح المكثر من غير صواب ، وأن المسهب بالكسر البليغ المكثر
من الصواب ، إلّا أني لا أسند ذلك إلى كتاب بعينه ، ولكني أذكره عن
أبي علي البغدادي عن كتاب «البارع» أو غيره ، معلّقا في عدة نسخ من كتاب «البيان
والتبيين» على بيت في صدره لمكي بن سوادة وهو : [الخفيف]
حصر مسهب جريء
جبان
|
|
خير عيّ الرجال
عيّ السكوت
|
والمعلقة : «تقول
العرب : أسهب الرجل فهو مسهب وأحصن فهو محصن وألفج فهو ملفج ، إذا افتقر ، قال
الخليل : يقال رجل مسهب ومسهب ، قال أبو علي : أسهب الرجل فهو مسهب بالفتح إذا
أكثر في غير صواب ، وأسهب فهو مسهب بالكسر إذا أكثر وأصاب ، قال أبو عبيدة : أسهب
الرجل فهو مسهب إذا أكثر من خرف وتلف وذهن ، وقال أبو عبيد عن الأصمعي : أسهب الرجل فهو مسهب بالفتح إذا خرف وأهتر ،
فإن أكثر من الخطإ قيل : أفند فهو مفند» ، انتهت المعلقة. فرأي مملوكك ـ أيّدك
الله تعالى! ـ واعتقاده أنّ المسهب بالفتح لا يوصف به البليغ المحسن ، ولا المكثر
المصيب ، ألا ترى قول الشاعر «حصر مسهب» أنه قرن فيه المسهب بالحصر وذمّه بالصفتين
، وجعل المسهب أحقّ بالعيّ من الساكت والحصر فقال : [الخفيف]
خير عيّ الرجال عيّ السكوت
والدليل على أن
المسهب بالكسر يقال للبليغ المكثر من الصواب أنهم يقولون للجواد من الخيل مسهب
بالكسر خاصّة لأنها بمعنى الإجادة والإحسان ، وليس قول ابن قتيبة والزبيدي في
المسهب بالفتح هو المكثر من الكلام بموجب أنّ المكثر هو البليغ المصيب ؛ لأن
الإكثار من الكلام داخل في معنى الذمّ ، لأنه من الثرثرة والهذر ، ألا تراهم قالوا
: رجل مكثار ، كما قالوا : ثرثار ، ومهذار ، وقال الشاعر : [البسيط]
فلا تمارون إن ماروا بإكثار
فهذا ما عندي ،
والله تعالى الموفق للصواب.
قال الأعلم : ثم
نظمت السؤال العزيز والجواب المذكور ، فقلت : [المتقارب]
__________________
سلام الإله
وريحانه
|
|
على الملك
المجتبى المنتخل
|
سلام امرئ ظلّ
من سيبه
|
|
خصيب الجناب
رحيب المحل
|
أتاني سؤالك
أعزز به
|
|
سؤال مبرّ على
من سأل
|
يسائل عن حالتي
مسهب
|
|
ومسهب المبتلى
بالعلل
|
لم اختلفا في
بناءيهما
|
|
وحكمهما واحد في
فعل
|
أتى ذا على مفعل
لم يعلّ
|
|
وذاك على مفعل
قد أعل
|
فقلت مقالا على
صدقه
|
|
شهيد من العقل
لا يستزل
|
بناء البليغ أتى
سالما
|
|
سلامته من فضول
الخطل
|
وأسهب ذاك مسيئا
فزلّ
|
|
ذليلا ثنى متنه
فانخذل
|
وأحسن ذا فجرى
وصفه
|
|
على سنن المحسن
المستقل
|
فهذا مقالي
مستبصرا
|
|
ولست كمن قال
حدسا فضل
|
تقلّدت في رأيه
مذهبا
|
|
يخصّك بين
الظّبا والأسل
|
سمّوك في الروع
مستشرفا
|
|
إلى مهجة
المستميت البطل
|
كأنك فيها هلال
السما
|
|
يزيد بهاء إذا
ما أهلّ
|
بل أنت مطلّ كبدر
السما
|
|
ء يمضي الظلام
إذا ما أطل
|
قلت : رأيت في بعض
الحواشي الأندلسية : أنّ ابن السكيت ذكر في بعض كتبه في بعض ما جعله بعض العرب
فاعلا وبعضهم مفعولا : رجل مسهب ومسهب ، لكثير الكلام ، وهذا يدلّ على أنهما بمعنى
واحد ، انتهى.
وسأل بعض الأدباء
الأستاذ الأعلم المذكور عن المسألة الزنبورية ، المقترنة بالشهادة الزورية ،
الجارية بين سيبويه والكسائي أو الفراء ، والقضاء بينهم فيها ، وهي «ظننت أنّ
العقرب
__________________
أشدّ لسعة من
الزنبور ، فإذا هو هي ، أو إياها» وعن نسب سيبويه : هل هو صريح أو مولّى ؟ وعن سبب لزومه الخليل بعد أن كان يطلب الحديث والتفسير ،
وعن علّة تعرضه لمناظرة الكسائي والفراء ، وعن كتابه الجاري بين الناس : هل هو أول
كتاب أو أنشأه بعد كتاب أول ، ضاع كما زعم بعض الناس؟
فأجاب : أما
المسألة الزنبورية المأثورة بين سيبويه والكسائي ، أو بينه وبين الفراء على حسب
الاختلاف في ذلك ، بحضرة الرشيد ، أو بحضرة يحيى بن خالد البرمكي فيما يروى ، فقد
اختلفت الرواة فيها : فمنهم من زعم أنّ الكسائي أو الفراء قال لسيبويه : كيف تقول «ظننت
أنّ العقرب أشدّ لسعة من الزنبور ، فإذا هو هي ، أو إياها»؟ فأجاب سيبويه ـ بعد أن
أطرق شيئا ـ «فإذا هو إياها» في بعض الأقاويل ، وزعم آخرون أنه قال «فإذا هو هي»
ففيها من الاختلاف عنهم ما ترى ، فإن كان أجاب بإذا هو هي ، فقد أصاب لفظا ومعنى ،
ولم تدخل عليه في جوابه شبهة ، ولا علقة لمعترض ؛ لأن «إذا» في المسألة من حروف
الابتداء المتضمّنة للتعليق بالخبر ، فإذا اعتبرت المضمرين بعدها بالاسمين
المظهرين لزمك أن تقول «فإذا الزنبور العقرب» أو «اللسعة اللسعة » أي مثلها سواء ، فلو قلت «فإذا هو إياها» بنصب الضمير
الأخير للزمك أن تقول : فإذا الزنبور العقرب ، بالنصب ، وهذا لا
وجه له ، فإذا لم يجز نصب الخبر المظهر فكيف يجوز نصب الخبر المضمر الواقع موقعه؟
ويروى في المسألة أنّ الكسائي أو الفراء قال لسيبويه بعد أن أجاب برفع الضميرين
على ما يوجبه القياس : كيف تقول يا بصري «خرجت فإذا زيد قائم ، أو قائما؟» فقال
سيبويه : أقول «قائم» ولا يجوز النصب ، فقال الكسائي : أقول قائم وقائما ، والقائم
والقائم ، بالرفع والنصب في الخبر مع النكرة والمعرفة ، فتأول الكسائي والفراء في
اختيارهما «فإذا هو إياها» حمل الخبر المضمر في النصب على الخبر المظهر المعرفة مع
الإعراب بوجه النصب ، فكأنه قال : فإذا الزنبور العقرب ، كما تقول : فإذا زيد
القائم ، فيجري المعرفة في النصب مجرى النكرة ، وقولهما في هذا خطأ من جهتين :
إحداهما : أنّ نصب الخبر بعد إذا لا يكون إلّا بعد تمام الكلام الأول في الاسم مع
حرف المفاجأة ، ومع كون الخبر نكرة ، كقولك : خرجت فإذا زيد قائما؟ لأنك لو قلت «خرجت
فإذا زيد» تمّ الكلام ، لتعلّق المفاجأة بزيد على معنى حضوره ، ثم تبيّن حاله في
المفاجأة المتعلّقة به فتقول «قائما» أي : خرجت ففاجأني زيد في هذا الحال ، وقوله
في المسألة «إياها» لا يتم الكلام في
__________________
الاسم الأول دونها
، ألا ترى أنك لو قلت «ظننت أنّ العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فإذا هو» وسكتّ ، لم
يتمّ الكلام أولا ، ولا أفدت بذكر المفاجأة وتعليقها بالزنبور فائدة ، وإنما
المفاجأة للضمير الآخر ، فلابدّ من ذكره والاعتماد عليه ، وهذا يوجب الرفع في الخبر
؛ لأنّ الظرف له ، لا للمخبر عنه ، فهذا بيّن واضح ، والجهة الأخرى في غلطهما أنّ «إياها»
معرفة ، والحال لا تكون إلّا نكرة ، فقد اجتمع في قولهما أن أتيا بحال لم يتمّ
الكلام دونها ، معرفة ، والحال لا تكون إلّا بعد تمام الكلام ومع التنكير ، فقد
تبيّن خطؤهما وإصابة سيبويه في لزوم الرفع في الخبر فقط.
وأما من زعم عن
سيبويه أنه قال «خرجت فإذا زيد قائم» بالرفع لا غير فباطل ، وكيف ينسب إليه وهو
علّمنا أنّ الظرف إذا كان مستقرّا للاسم المخبر عنه نصب الخبر ، وإذا كان مستقرّا
للخبر رفع الخبر ، ونحن نقول «خرجت فإذا زيد» فيتمّ الكلام ، و «نظرت فإذا الهلال
طالع» فيتبعه الخبر رفعا ، كما تقول «في الدار زيد قائم ، وقائما» و «اليوم سيرك
سريع ، وسريعا» ولكن الخبر إذا كان الظرف له ولم يتعلّق إلّا به لم يكن إلّا رفعا
، كقولك «اليوم زيد منطلق ، وغدا عمرو خارج» ؛ لأنّ الظرف لا يكون مستقرّا للاسم
المخبر عنه إذا كان زمانا ، والمخبر عنه جثّة ، وكذلك المفاجأة إذا كانت للخبر لم
يكن إلّا مرفوعا ، معرفة كان أو نكرة ، فإذا كانت للمخبر عنه والخبر نكرة انتصب
على الحال ، فجرى قولك «ظننت أنّ العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فإذا هو هي ، وطننت
زيدا عالما فإذا هو جاهل» في لزوم الرفع في الخبر مجرى «اليوم زيد منطلق ، وغدا
عمرو خارج» كما جرى «خرجت فإذا زيد قائم ، وقائما» في جواز الرفع والنصب مجرى «في
الدار زيد جالس ، وجالسا» فتأمّل الفرق بينهما وحصّله ، فإنّ النحويين المتقدمين
والمتأخرين قد أغفلوا الفرق بين المفاجأتين.
وأمّا نصب الخبر
المعرفة بعد إذا ، تمّ الكلام أو لم يتمّ ، فباطل لا تقوله العرب ، ولا يجيزه إلّا
الكوفيون.
وإن كان سيبويه ،
رحمة الله تعالى ، أجاب بقوله «فإذا هو إياها» كما روى بعضهم فظاهر جوابه مدخول ؛
لما قدمت ، والخطأ فيه بيّن من جهة القياس كما ذكرنا ، فإن كان قاله والتزمه دون
الرفع فقد أخطأ خطأ لا مخرج له منه ، وإن كان قد قاله وهو يرى أن الرفع أولى وأحقّ
، إلّا أنه آثر النصب للإعراب حملا على المعنى الخفي ، دون ما يوجبه القياس واللفظ
الجلي ، فلجوابه عندي وجهان حسنان :
أحدهما : أن يكون
الضمير المنصوب وهو «إياها» كناية عن اللسعة ، لا عن العقرب ، والضمير المرفوع
كناية عن الزنبور ، فكأنه قال «ظننت أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا
الزنبور لسعة
العقرب» أي فإذا الزنبور يلسع لسعة العقرب ، فاختزل الفعل لما تقدّم من الدليل
عليه ، بعد أن أضمر اللسعة متّصلة بالفعل ، فكأنه قال «فإذا الزنبور يلسعها»
فاتّصل الضمير بالفعل لوجوده ، فلمّا اختزل الفعل انفصل الضمير ، لعدم الفعل.
ونظير هذا من كلام
العرب قولهم «إنما أنت شرب الإبل» أي : إنما أنت تشرب شرب الإبل ، فاختزل الفعل ،
وبقي عمله في المصدر ، ولم يرفع ، لأنه غير الاسم الأول ، فلو أضمرت شرب الإبل بعد
ما جرى ذكره فقلت «ما يشرب زيد شرب الإبل ، «إنما أنت تشربه» لاتّصل الضمير بالفعل
، فلو حذفته لانفصل الضمير فقلت إنما أنت إياه» فتدبره تجده منقادا صحيحا.
والوجه الآخر أن
يكون قوله «فإذا هو إياها» محمولا على المعنى الذي اشتمل عليه أصل الكلام من ذكر
الظن أولا وآخرا ، لأنّ الأصل في تأليف المسألة «ظننت أنّ العقرب أشدّ لسعة من
الزنبور فلمّا لسعني الزنبور ظننته هو إياها» فاختصر الكلام لعلم المخاطب ، وحذف
الظنّ آخرا لما جرى من ذكره أولا ، ودلّت «إذا» لما فيها من المفاجأة على الفعل
الواقع بعد لما الدالّة على وقوع الشيء لوقوع غيره ، فإذا جاز حذف الكلام إيثارا
للاختصار مع وجود الدليل على المحذوف كان قولنا «فإذا هو إياها» بمنزلة قولنا «فلمّا
لسعني الزنبور ظننته هو إياها» فحذف الظن مع مفعوله الأول ، وبقي الضمير الذي هو
العماد والفصل مؤكدا للضمير المحذوف مع الفعل ودالّا على ما يأتي بعده من الخبر
المحتاج إليه ، فيكون في حذف المخبر عنه لما تقدم من الدليل عليه مع الإتيان
بالعماد والفصل المؤكد له المثبت لما بعده من الخبر المحتاج إليه مثل قوله (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ
بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ)[سورة آل عمران ، الآية : ١٨٠] فحذف البخل الذي هو المفعول
الأول لقوله «يحسبن» وبقي الضمير مؤكدا له مثبتا لما بعده من الخبر ، وجاز حذفه
لدلالة «يبخلون» عليه ، والمعنى : لا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم ، فهو
في المسألة عماد مؤكد لضمير الزنبور المحمول على الظنّ المضمر ومثبت لما يجيء بعده
من الخبر الذي هو «إياها» فتفهّمه فإنه متمكّن من جهة المعنى ، وجار من الاختصار
لعلم المخاطب على قياس وأصل ، وشاهده القرآن في الحذف واستعمال العرب النظائر ،
وهي أكثر من أن تحصى ، فمنها قولهم «ما أغفله عنك شيئا» أي تثبّت شيئا ودع الشكّ ،
وقولهم لمن أنكر عليه ذكر إنسان ذكره «من أنت زيدا» أي : من أنت تذكر زيدا ، وربما
قالوا «من أنت زيد» بالرفع على تقدير : من أنت ذكرك زيد ، فحذفوا الفعل مرّة وأبقوا عمله ،
__________________
وحذفوا المبتدأ
أخرى وأبقوا خبره ، وكلّ ذلك اختصار ؛ لعلم المخاطب بالمعنى ، وكذلك قولهم «هذا
ولا زعماتك» أي هذا القول والزعم الحقّ ولا أتوهّم زعماتك ، فحذف هذا لعلم السامع
مع تحصّل المعنى وقيامه عند المخاطب ، والحمل في كلامهم على المعنى أكثر من أن
يحصى.
فإن كان الضمير
الأول في المسألة للزنبور والضمير الآخر للعقرب لم يجز البتّة إلّا رفع الضميرين
بالابتداء والخبر ، على حدّ قولك «ظننت زيدا عاقلا فإذا هو أحمق ، وحسبت عبد الله
قاعدا فإذا هو قائم» ولو تقدّم ذكر الخبر والمخبر عنه لقلت «فإذا هو هو» ولم يجز
فإذا هو إياه البتّة. ويجوز في المسألة أن تقول «فإذا هي هو» على التقديم والتأخير على
حدّ قولك «فإذا العقرب الزنبور» أي سواء في شدة اللسعة كما تقول «خرجت فإذا قائم
زيد» على تقدير فإذا زيد قائم ، ويجوز أن يكون «هو» كناية عن اللسع بدلالة اللسعة
عليه ، وتكون «هي» كناية عن اللسعة على تقدير : فإذا لسع الزنبور لسعة العقرب ،
ويجوز «فإذا هي هو» على إضمار اللسعة واللسع ، والتقدير : فإذا لسعة الزنبور لسع
العقرب ، وهذا كلّه لا يجوز فيه إلّا الرفع عند البصريين ؛ لأنّ الآخر هو الأول ،
والخبر معرفة متعلّق بالمفاجأة فلا يجوز فيه الحال ، والكوفيون يجيزون النصب كما
تقدّم ، وهو غلط بيّن ، وخطأ فاحش ، لا تقوله العرب ، ولا تعلّق له بقياس ،
فاعلمه.
ويجوز في المسألة «فإذا
هو هو» على تقدير : فإذا اللسع اللسع ، ويجوز «فإذا هي هي» على تقدير : فإذا
اللسعة اللسعة ، وفي هذا كفاية إن شاء الله تعالى.
وأمّا نسب سيبويه
ففارسي مولى لبني الحارث بن كعب بن علة بن خلدة بن مالك ، وهو مذحج ، واسمه عمرو
بن عثمان بن قنبر ، وكنيته أبو بشر ، ولقبه الذي شهر به سيبويه ، ومعناها
بالفارسية رائحة التفاح ، وكان من أطيب الناس رائحة ، وأجملهم وجها ، وقيل : معنى «سي»
ثلاثون ، ومعنى «بويه» رائحة ، فكأنّ معناها : الذي ضوعف طيب رائحته ثلاثين مرّة.
وأما سبب تعويله
على الخليل في طلب النحو ـ مع ما كان عليه من الميل إلى التفسير
والحديث ـ فإنه سأل يوما حماد بن سلمة فقال له : أحدّثك هشام بن عروة عن أبيه في
رجل رعف في الصلاة ، بضم العين ، فقال له حماد : أخطأت ، إنما هو رعف بفتح العين ،
فانصرف
__________________
إلى الخليل ، فشكا
إليه ما لقيه من حماد ، فقال له الخليل : صدق حماد ، ومثل حماد يقول هذا ، ورعف
بضم العين لغة ضعيفة ، وقيل : إنه قدم البصرة من البيداء من قرى شيراز من عمل فارس
، وكان مولده ومنشؤه بها ، ليكتب الحديث ويرويه ، فلزم حلقة حماد بن سلمة ، فبينما
هو يستملي على حماد قول النبي ، صلى الله عليه وسلم «ليس من أصحابي إلّا من لو شئت
لأخذت عليه ، ليس أبا الدرداء» فقال سيبويه «ليس أبو الدرداء» بالرفع ، وظنه اسم ليس ، فقال له حماد : لحنت يا سيبويه ، فقال سيبويه : سأطلب علما لا تلحنني فيه ، فلزم الخليل ،
وبرع في العلم.
وأمّا سبب وفوده
على الرشيد ببغداد وتعرّضه لمناظرة الكسائي والفراء ، فلما كانا عليه من تمكّن
الحال ، والقرب من السلطان ، وعلوّ همّته ، وطلبه للظهور مع ثقته بعلمه ؛ لأنه كان
أعلم أهل زمانه ، وكان بينه وبين البرامكة أقوى سبب ، فوفد على يحيى بن خالد بن
برمك وابنيه جعفر والفضل ، فعرض عليهم ما ذهب إليه من مناظرة الكسائي وأصحابه
فسعوا له في ذلك ، وأوصلوه إلى الرشيد ، فجرى بينه وبين الكسائي والفراء ما ذكر
واشتهر ، وكان آخر أمره أنّ الكسائي وأصحابه لما ظهروا عليه بشهادة الأعراب على
حسب ما لقّنوا أن قال يحيى بن خالد أو الكسائي للرشيد : يا أمير المؤمنين ، إن
رأيت أن لا يرجع خائبا فعلت ، فأمر له بعشرة آلاف درهم ، وانصرف إلى الأهواز ، ولم
يعرّج على البصرة ، وأقام هنالك مدّة إلى أن مات كمدا ، ويروى أنه ذربت معدته فمات ، فيرون أنه مات غمّا ، ويروى أنّ الكسائي لما
بلغه موته قال للرشيد : ده يا أمير المؤمنين ، فإني أخاف أن أكون شاركت في دمه ،
ولمّا احتضر وضع رأسه في حجر أخيه فقطرت دمعة من دموعه على خدّه ، فرفع عينيه وقال
: [الطويل]
أخيّين كنّا
فرّق الدهر بيننا
|
|
إلى الأمد
الأقصى ، ومن يأمن الدهرا
|
ومات على السنّة
والجماعة ، رحمة الله تعالى!
وأمّا كتابه
الجاري بين الناس فلم يصحّ أنه أنشأه بعد كتاب آخر قبله ، على أن ذلك قد ذكر.
__________________
فهذا ما حضر فيما
سألت عنه ؛ فمن قرأه وأشرف فيه على تقصير فليبسط العذر فإنه لساعتين من نهار ،
إملاء يوم الثلاثاء عشي النهار لثمان خلون لصفر سنة ٤٧٦ انتهى.
وقال الإلبيري ، رحمة الله تعالى : [الكامل]
لا شيء أخسر
صفقة من عالم
|
|
لعبت به الدنيا
مع الجهّال
|
فغدا يفرق دينه
أيدي سبا
|
|
ويذيله حرصا
بجمع المال
|
لا خير في كسب
الحرام ، وقلّما
|
|
يرجى الخلاص
لكاسب لحلال
|
فخذ الكفاف ولا
تكن ذا فضلة
|
|
فالفضل تسأل عنه
أيّ سؤال
|
وكان أبو الفضل بن
الأعلم من أحسن الناس وجها ، وأذكاهم في علم النحو والأدب ، وأقرأ النحو في صباه ، وفيه يقول
ابن صارة الأندلسي ، رحمة الله تعالى : [الكامل]
أكرم بجعفر
اللبيب فإنه
|
|
ما زال يوضح
مشكل «الإيضاح»
|
ماء الجمال
بوجهه مترقرق
|
|
فالعين منه تجول
في ضحضاح
|
ما خدّه جرحته
عيني ، إنما
|
|
صبغت غلالته
دماء جراحي
|
لله زاي زبرجد
في عسجد
|
|
في جوهر في كوثر
في راح
|
ذي طرّة سبجيّة
ذي غرّة
|
|
عاجيّة ، كالليل
والإصباح
|
رشأ له خدّ
البريء ، ولحظه
|
|
أبدا شريك الموت
في الأرواح
|
وقال محمد بن
هانىء الأندلسي من قصيدة : [الكامل]
السافرات كأنهنّ
كواكب
|
|
والناعمات
كأنهنّ غصون
|
ما ذا على حلل
الشقيق لو أنها
|
|
عن لابسيها في
الخدود تبين
|
لأعطّشنّ الروض
بعدهم ولا
|
|
يرويه لي دمع
عليه هتون
|
أأعير لحظ العين
بهجة منظر
|
|
وأخونهم؟ إني
إذن لخؤون
|
لا الجوّ جوّ
مشرق وإن اكتسى
|
|
زهوا ، ولا
الماء المعين معين
|
__________________
لا يبعدنّ إذ
العبير له ثرى
|
|
والبان روح ،
والشموس قطين
|
|
الظلّ لا متنقّل
، والحوض لا
|
|
متكدّر ، والأمن
لا ممنون
|
وقال القسطلي في
أسطول أنشأه المنصور بن أبي عامر من قصيدة : [الطويل]
تحمّل منه البحر
بحرا من القنا
|
|
يروع بها أمواجه
ويهول
|
بكلّ ممالات
الشّراع كأنها
|
|
وقد حملت أسد
الحقائق غيل
|
إذا سابقت شأو
الرياح تخيّلت
|
|
خيولا مدى
فرسانهنّ خيول
|
سحائب تزجيها
الرياح فإن وفت
|
|
أطافت بأجياد
النعام فيول
|
ظباء شمام ما
لهنّ مفاحص
|
|
وزرق حمام ما
لهنّ هديل
|
سواكن في
أوطانهنّ كأن سما
|
|
بها الموج حيث
الراسيات نزول
|
كما رفع الآل
الهوادج بالضّحى
|
|
غداة استقلّت
بالخليط حمول
|
أراقم تحوي ناقع
السمّ مالها
|
|
بما حملت دون
العداة مقيل
|
وقد أطنب الناس في
وصف السفن وأطابوا ، وقرطسوا القريض وأصابوا ، وقد ذكرنا نبذة من ذلك في هذا
الكتاب.
وقال أبو بحر
صفوان بن إدريس التّجيبي : حدّثني بعض الطلبة بمراكش أنّ أبا العباس الجراوي كان
في حانوت ورّاق بتونس ، وهناك فتى يميل إليه ، فتناول الفتى سوسنة صفراء ، وأومأ
بها إلى خدّيه مشيرا ، وقال : أين الشعراء؟ تحريكا للجراوي ، فقال ارتجالا : [الوافر]
علويّ الجمال
إذا تبدّى
|
|
أراك جبينه بدرا
أنارا
|
أشار بسوسن
يحكيه عرفا
|
|
ويحكي لون عاشقه
اصفرارا
|
قال أبو بحر : ثم
سألني أن أقول في هذا المعنى : فقلت بديها : [المنسرح]
أومى إلى خدّه
بسوسنة
|
|
صفراء صيغت من
وجنتي عبده
|
لم تر عيني من
قبله غصنا
|
|
سوسنه نابت إزا
ورده
|
__________________
أعملت زجري فقلت
ربّتما
|
|
قرّب خدّ المشوق
من خدّه
|
فحدّثني المذكور
أنه اجتمع مع أبي بكر بن يحيى بن مجبر ـ رحمه الله تعالى! ـ قبل اجتماعه بي في ذلك الموضع الذي
اجتمع فيه بي بعينه ، فحدّثه بالحكاية كما حدّثني ، وسأله أن يقول في تلك الحال ،
فقال بديها : [المنسرح]
بي رشأ وسنان
مهما انثنى
|
|
حار قضيب البان
في قدّه
|
مذولي الحسن
وسلطانه
|
|
صارت قلوب الناس
من جنده
|
أودع في وجنته
زهرة
|
|
كأنها تجزع من
صدّه
|
وقد تفاءلت على
فعله
|
|
أني أرى خدّي
على خدّه
|
فتعجبت من توارد
خاطرينا على معنى هذا البيت الأخير.
قال أبو بحر : ثم
قلت في تلك الحال : [السريع]
أبرز من وجنته
وردة
|
|
أودعها سوسنة
صفرا
|
وإنما صورته آية
|
|
ضمّنها من سوسن
عشرا
|
وقال بعضهم في
الباذنجان : [الطويل]
ومستحسن عند
الطعام مدحرج
|
|
غذاه نمير الماء
في كلّ بستان
|
تطلّع في أقماعه
فكأنه
|
|
قلوب نعاج في
مخاليب عقبان
|
وقال ابن خروف ،
ويقال : إنها في وصف دمشق : [الوافر]
إذا رحلت عروبة
عن حماها
|
|
تأوّه كلّ أوّاه
حليم
|
إلى سبت حكى
فرعون موسى
|
|
يجمع كلّ سحّار
عليم
|
فتبصر كلّ أملود
قويم
|
|
يميس بكلّ ثعبان
عظيم
|
إذا انسابت
أراقمها عليها
|
|
تذكرنا بها ليل
السليم
|
__________________
وشاهدنا بها في
كلّ حين
|
|
حبالا ألقيت نحو
الكليم
|
وقال أبو القاسم
بن هشام ارتجالا في وسيم عضّ وردة ثم رمى بها ، وسئل ذلك منه
امتحانا : [الكامل]
ومعجّز الأوصاف
والوصّاف في
|
|
بردي جمال طرّزا
بالتّيه
|
سوسان أنمله
تناول وردة
|
|
فغدا يمزّقها
أقاحي فيه
|
فكأنني شبهت
وجنته بها
|
|
فرمى بها غضبا
على التشبيه
|
وقال أيضا فيمن
عضّ كلب وجنته : [الطويل]
وأغيد وضّاح
المحاسن باسم
|
|
إذا قامر
الأسياف ناظره قمر
|
تعمّد كلب عضّ
وجنته التي
|
|
هي الورد إيناعا
وأبقى بها أثر
|
فقلت لشهب الأفق
كيف صماتكم
|
|
وقد أثر العوّاء
في صفحة القمر
|
وقال آخر يصف شجّة
في خدّ وسيم : [الطويل]
عذيري من ذي
صفحة يوسفية
|
|
بها شجّة جلّت
عن اللّثم واللّمس
|
يقولون من عجب :
أتحسن وصفها
|
|
فقلت : هلال لاح
في شفق الشمس
|
وقال القاضي أبو
الوليد الوقشي فيمن طرّ شاربه : [الكامل]
قد بيّنت فيه
الطبيعة أنها
|
|
لبديع أفعال
المهندس باهره
|
عنيت بمبسمه
فحطّت فوقه
|
|
بالمسك خطّأ من
محيط الدائره
|
وقال أبو الحسن بن
عيسى : [الكامل]
عابوه أسمر
ناحلا ذا زرقة
|
|
رمدا وظنّوا أنّ
ذاك يشينه
|
جهلوا بأنّ
السمهريّ شبيهه
|
|
وخضابه بدم
القلوب يزينه
|
وقال الأستاذ أبو
ذر الخشني : [السريع]
أنكر صحبي إذ
رأوا طرفه
|
|
ذا حمرة يشفى
بها المغرم
|
لا تنكروا ما
احمرّ من طرفه
|
|
فالسيف لا ينكر
فيه الدم
|
__________________
وقال أبو عبد الله
محمد بن أبي خالص الرندي : [الكامل]
يا شادنا برز
العذار بخدّه
|
|
وازداد حسنا ،
ليته لم يبرز
|
الآن أعلم حين
جدّ بي الهوى
|
|
كم بين مختصر
وبين مطرّز
|
وقال أبو الحسين
عبد الملك بن مفوّز المعافري : [الكامل]
ومعذّر من خدّه
ورقيبه
|
|
شغلان حلّا عقد
كلّ عزيمة
|
خدّ وخبّ عيل
صبري منهما
|
|
هذا بنمنمة وذا
بنميمة
|
وقال أبو الوليد
بن زيدون فيمن أصابه جدريّ : [الخفيف]
قال لي اعتلّ من
هويت ، حسود
|
|
قلت : أنت
العليل ويحك لا هو
|
ما الذي قد
أنكرت من بثرات
|
|
ضاعفت حسنه
وزانت حلاه
|
جسمه في الصفاء
والرقّة الما
|
|
ء فلا غرو أن
حباب علاه
|
وقال الهيثم : [الكامل]
قالوا : به جرب
فقلت لهم قفوا
|
|
تلك الندوب
مواقع الأبصار
|
هو روضة والقدّ
غصن ناعم
|
|
أرأيتم غصنا بلا
نوّار
|
وقال أبو بكر محمد
بن عياض القرطبي في مخضوبة الأنامل : [الكامل]
وعلقتها فتّانة
أعطافها
|
|
تزري بغصن
البانة الميّاد
|
من للغزالة
والغزال بحسنها
|
|
في الخدّ أو في
العين أو في الهادي
|
خضبت أناملها
السواد وقلّما
|
|
أبصرت أقلاما
بغير مداد
|
وقال أبو الحسين
النفزي : [المجزوء الخفيف]
بدا يوسفا وشدا
معبدا
|
|
فللعين ما تشتهي
والأذن
|
كأنّ بأعلاه
قمريّة
|
|
تغرّد من قدّه
في غصن
|
__________________
وقال ابن صارة : [مخلع
البسيط]
مقام حرّ بأرض
هون
|
|
عجز لعمري من
المقيم
|
سافر فإن لم تجد
كريما
|
|
فمن لئيم إلى
لئيم
|
وقال المعتمد بن
عباد رحمه الله تعالى : : [مخلع البسيط]
مولاي ، أشكو
إليك داء
|
|
أصبح قلبي به
قريحا
|
سخطك قد زادني
سقاما
|
|
فابعث إليّ
الرضا مسيحا
|
قال بعضهم : وقوله
«مسيحا» من القوافي التي يتحدّى بها.
وكتب إلى أبيه
جوابا عن تحفة : [السريع]
يا مالكا قد
أصبحت كفّه
|
|
ساخرة بالعارض
الهاطل
|
قد أفحمتني منّة
مثلها
|
|
يضيّق القول على
القائل
|
وإن أكن قصّرت
في وصفها
|
|
فحسنها عن وصفها
شاغلي
|
وكتب إلى وزيره
ابن عمار : [الكامل]
لمّا نأيت نأى
الكرى عن ناظري
|
|
ورددته لمّا
انصرفت عليه
|
طلب البشير
بشارة يجزى بها
|
|
فوهبت قلبي
واعتذرت إليه
|
وقال في جارية له
كان يحبّها ، وبينما هي تسقيه إذ لمع البرق فارتاعت : [السريع]
يروعها البرق
وفي كفّها
|
|
برق من القهوة
لمّاع
|
يا ليت شعري وهي
شمس الضحى
|
|
كيف من الأنوار
ترتاع
|
ومن توارد الخواطر
أنّ ابن عبّاد أنشد عبد الجليل بن وهبون البيت الأول ، وأمره أن يذيله ، فقال : [السريع]
ولن ترى أعجب من
آنس
|
|
من مثل ما يمسك
يرتاع
|
__________________
وقال المعتمد رحمه
الله تعالى : [الكامل]
داوى ثلاثته
بلطف ثلاثة
|
|
فثنى بذاك رقيبه
لم يشعر
|
أسراره بتستّر ،
وأواره
|
|
بتصبّر ، وخباله
بتوقّر
|
وكانت له جارية
اسمها «جوهرة» وكان يحبّها ، فجرى بينهما عتاب ، ورأى أن يكتب إليها يسترضيها ،
فأجابته برقعة لم تعنونها باسمها ، فقال : [السريع]
لم تصف لي بعد
وإلّا فلم
|
|
لم أر في
عنوانها جوهره
|
درت بأني عاشق
لاسمها
|
|
فلم ترد للغيظ
أن تذكره
|
قالت : إذا
أبصره ثابتا
|
|
قبّله ، والله
لا أبصره
|
وقال في هذه
الجارية : [السريع]
سرورنا بعدكم
ناقص
|
|
والعيش لا صاف
ولا خالص
|
والسّعد إن
طالعنا نجمه
|
|
وغبت فهو الآفل
الناكص
|
سمّوك بالجوهر
مظلومة
|
|
مثلك لا يدركه
غائص
|
وقال فيها أيضا : [مجزوء
الرمل]
جوهرة عذبني
|
|
منك تمادي الغضب
|
فزفرتي في صعد
|
|
وعبرتي في صبب
|
يا كوكب الحسن
الذي
|
|
أزرى بزهر
الشّهب
|
مسكنك القلب فلا
|
|
ترضي له بالوصب
|
وقال في جارية
اسمها وداد : [الخفيف]
اشرب الكأس في
وداد ودادك
|
|
وتأنّس بذكرها
في انفرادك
|
قمر غاب عن
جفونك مرآ
|
|
ه وسكناه في
سواد فؤادك
|
__________________
وقال : [الطويل]
لك الله كم
أودعت قلبي من أسى
|
|
وكم لك ما بين
الجوانح من كلم
|
لحاظك طول الدهر
حرب لمهجتي
|
|
ألا رحمة تثنيك
يوما إلى سلمي
|
وقال : [مجزوء
الرجز]
قلت متى ترحمني؟
|
|
قال ولا طول
الأبد
|
قلت فقد أيأستني
|
|
من الحياة قال
قد
|
وأهدى أبو الوليد
بن زيدون باكورة تفاح إلى المعتضد والد المعتمد ، وكتب له معها : [مجزوء الكامل]
يا من تزيّنت
الريا
|
|
سة حين ألبس
ثوبها
|
جاءتك جامدة
المدا
|
|
م فخذ عليها
ذوبها
|
وقال المعتمد وقد
أمره أبوه المعتضد أن يصف مجنّا فيه كواكب فضة : [المتقارب]
مجنّ حكى صانعوه
السما
|
|
لتقصر عنه طوال
الرماح
|
وقد صوّروا فيه
شبه الثّريّا
|
|
كواكب تقضي له
بالنجاح
|
وقال ابن
اللّبّانة : كنت بين يدي الرشيد بن المعتمد في مجلس أنسه ، فورد الخبر بأخذ يوسف
بن تاشفين غرناطة سنة ٤٨٣ ، فتفجّع وتلهّف ، واسترجع وتأسّف ، وذكر قصر غرناطة ،
فدعونا لقصره بالدوام ، ولملكه بتراخي الأيام ، وأمر عند ذلك أبا بكر الإشبيلي
بالغناء ، فغنّى : [البسيط]
يا دار ميّة
بالعلياء فالسند
|
|
أقوت وطال عليها
سالف الأبد
|
فاستحالت مسرّته ،
وتجهّمت أسرّته ، وأمر بالغناء من ستارته ، فغنّى : [البسيط]
إن شئت أن لا
ترى صبرا لمصطبر
|
|
فانظر على أيّ
حال أصبح الطّلل
|
فتأكّد تطيّره ،
واشتدّ اربداد وجهه وتغيره ، وأمر مغنية أخرى من سراريه بالغناء ، فغنّت:
[البسيط]
__________________
يا لهف نفسي على
مال أفرّقه
|
|
على المقلّين من
أهل المروءات
|
إنّ اعتذاري إلى
من جاء يسألني
|
|
ما لست أملك من
إحدى المصيبات
|
قال : فتلافيت
الحال بأن قلت : [البسيط]
محلّ مكرمة لا
هدّ مبناه
|
|
وشمل مأثرة لا
شتّت الله
|
البيت كالبيت
لكن زاد ذا شرفا
|
|
أنّ الرشيد مع
المعتدّ ركناه
|
ثاو على أنجم
الجوزاء مقعده
|
|
وراحل في سبيل
السعد مسراه
|
حتم على الملك
أن يقوى وقد وصلت
|
|
بالشرق والغرب
يمناه ويسراه
|
بأس توقد
فاحمرّت لواحظه
|
|
ونائل شبّ
فاخضرّت عذاراه
|
فلعمري لقد بسطت
من نفسه ، وأعادت عليه بعض أنسه ، على أني وقعت فيما وقع فيه الكل لقولي «البيت
كالبيت» وأمر إثر ذلك أبا بكر بالغناء ، فغنّى : [الطويل]
ولمّا قضينا من
منّى كلّ حاجة
|
|
ولم يبق إلّا أن
تزمّ الركائب
|
فأيقنّا أنّ هذا
التطيّر ، يعقبه التغير.
وقد كان المعتضد
بن عباد ـ حين تصرّمت أيامه ، وتدانى حمامه ـ استحضر مغنّيا يغنّيه ليجعل ما يبدأ
به فألا ، وكان المغنّي السوسي ، فأول شعر قاله : [البسيط]
نطوي المنازل
علما أن ستطوينا
|
|
فشعشعيها بماء
المزن واسقينا
|
فمات بعد خمسة
أيام ، وكان الغناء من هذا الشعر في خمسة أبيات.
وقال المعتمد بعد
ما خلع وسجن : [الرمل]
قبّح الدهر
فماذا صنعا؟
|
|
كلّما أعطى
نفيسا نزعا
|
قد هوى ظلما بمن
عاداته
|
|
أن ينادي كلّ من
يهوي : لعا
|
من إذا قيل
الخناصمّ وإن
|
|
نطق العافون
همسا سمعا
|
قل لمن يطمع في
نائله
|
|
قد أزال اليأس
ذاك الطمعا
|
راح لا يملك
إلّا دعوة
|
|
جبر الله العفاة
الضّيّعا
|
__________________
وقال ابن اللبانة
: كنت مع المعتمد بأغمات ، فلمّا قاربت الصّدر ، وأزمعت السفر ، صرف حيله ،
واستنفد ما قبله ، وبعث إليّ مع شرف الدولة ولده ـ وهذا من بنيه أحسن الناس سمتا ،
وأكثر هم صمتا ، تخجله اللفظة ، وتجرحه اللحظة ، حريص على طلب الأدب ، مسارع في
اقتناء الكتب ، مثابر على نسخ الدواوين ، مفتح فيها من خطّه زهر الرياحين ـ بعشرين
مثقالا مرابطية وثوبين ، غير مخيطين ، وكتب معها أبياتا منها : [الوافر]
إليك النّزر من
كفّ الأسير
|
|
وإن تقنع تكن
عين الشكور
|
تقبّل ما يذوب
له حياء
|
|
وإن عذرته حالات
الفقير
|
فامتنعت من ذلك
عليه ، وأجبته بأبيات منها : [الوافر]
تركت هواك وهو
شقيق ديني
|
|
لئن شقّت برودي
عن غدور
|
ولا كنت الطليق
من الرزايا
|
|
إذا أصبحت أجحف
بالأسير
|
جذيمة أنت ،
والزبّاء خانت
|
|
وما أنا من
يقصّر عن قصير
|
تصرّف في الندى
حيل المعالي
|
|
فتسمح من قليل
بالكثير
|
وأعجب منك أنك
في ظلام
|
|
وترفع للعفاة
منار نور
|
رويدك سوف
توسعني سرورا
|
|
إذا عاد ارتقاؤك
للسرير
|
وسوف تحلّني رتب
المعالي
|
|
غداة تحلّ في
تلك القصور
|
تزيد على ابن
مروان عطاء
|
|
بها وأزيد ثمّ
على جرير
|
تأهّب أن تعود
إلى طلوع
|
|
فليس الخسف
ملتزم البدور
|
وأتبعتها أبياتا
منها : [الخفيف]
حاش لله أن أجيح
كريما
|
|
يتشكّى فقرا وقد
سدّ فقرا
|
وكفاني كلامك
الرطب نيلا
|
|
كيف ألغي درّا
وأطلب تبرا
|
لم تمت إنما
المكارم ماتت
|
|
لا سقى الله
بعدك الأرض قطرا
|
ورأى ابن اللبانة
أحد أبناء المعتمد ، وهو غلام وسيم ، وقد اتّخذ الصياغة صناعة ، وكان
__________________
يلقّب أيام
سلطانهم من الألقاب السلطانية بفخر الدولة ، فنظر إليه وهو ينفخ الفحم بقصبة
الصائغ ، وقد جلس في السوق يتعلّم الصياغة ، فقال : [البسيط]
شكاتنا لك يا
فخر العلا عظمت
|
|
والرزء يعظم
ممّن قدره عظما
|
طوّقت من نائبات
الدهر مخنقة
|
|
ضاقت عليك وكم
طوّقتنا نعما
|
وعاد طوقك في
دكان قارعة
|
|
من بعد ما كنت
في قصر حكى إرما
|
صرّفت في آلة
الصوّاغ أنملة
|
|
لم تدر إلّا
الندى والسيف والقلما
|
يد عهدتك
للتقبيل تبسطها
|
|
فتستقلّ
الثّريّا أن تكون فما
|
يا صائغا كانت
العليا تصاغ له
|
|
حليا وكان عليه
الحلي منتظما
|
للنفخ في الصّور
هول ما حكاه سوى
|
|
هول رأيتك فيه
تنفخ الفحما
|
وددت إذ نظرت
عيني إليك به
|
|
لو أنّ عيني
تشكو قبل ذاك عمى
|
ما حطّك الدهر
لما حطّ عن شرف
|
|
ولا تحيّف من
أخلاقك الكرما
|
لح في العلا
كوكبا ، إن لم تلح قمرا
|
|
وقم بها ربوة ،
إن لم تقم علما
|
واصبر فربتما
أحمدت عاقبة
|
|
من يلزم الصبر
يحمد غبّ ما لزما
|
والله لو أنصفتك
الشهب لا نكسفت
|
|
ولو وفى لك دمع
الغيث لانسجما
|
أبكى حديثك حتى
الدّر حين غدا
|
|
يحكيك رهطا
وألفاظا ومبتسما
|
وقال لسان الدين
بن الخطيب رحمه الله تعالى : وقفت على قبر المعتمد بن عباد بمدينة أغمات في حركة
راحة أعملتها إلى الجهات المراكشية ، باعثها لقاء الصالحين ومشاهدة الآثار سنة ٧٦١
، وهو بمقبرة أغمات في نشز من الأرض ، وقد حفّت به سدرة ، وإلى جانبه قبر
اعتماد حظيّته مولاة رميك ، وعليهما هيئة التغرّب ومعاناة الخمول من بعد الملك ،
فلا تملّك العين دمعها عند رؤيتها ، فأنشدت في الحال : [البسيط]
قد زرت قبرك عن
طوع بأغمات
|
|
رأيت ذلك من
أولى المهمات
|
لم لا أزورك يا
أندى الملوك يدا
|
|
ويا سراج
الليالي المدلهمّات
|
وأنت من لو
تخطّى الدهر مصرعه
|
|
إلى حياتي لجادت
فيه أبياتي
|
__________________
أناف قبرك في
هضب يميّزه
|
|
فتنتحيه حفيّات
التحيّات
|
كرمت حيّا وميتا
واشتهرت علا
|
|
فأنت سلطان
أحياء وأموات
|
ما ريء مثلك في
ماض ، ومعتقدي
|
|
أن لا يرى
الدّهر في حال وفي آتي
|
وقد زرت أنا قبر
المعتمد بن عباد بمدينة أغمات سنة ١٠١٠ ، ورأيت فيه مثل ما ذكره لسان الدين رحمه
الله تعالى ، فسبحان من لا يبيد ملكه! لا إله إلّا هو.
وأخبار المعتمد
كثيرة.
وقال وزيره أبو
الوليد بن زيدون : [الوافر]
متى أخف الغرام
يصفه جسمي
|
|
بألسنة الضّنى
الخرس الفصاح
|
فلو أنّ الثياب
نزعن عنّي
|
|
خفيت خفاء خصرك
في الوشاح
|
وقال يخاطب
المعتمد : [المتقارب]
وطاعة أمرك فرض
أرا
|
|
ه من كلّ مفترض
أوكدا
|
هي الشّرع أصبح
دين الضمير
|
|
فلو قد عصاك لقد
ألحدا
|
وقال فيه : [الرمل]
يا ندى يمنى أبي
القاسم عم
|
|
يا سنا بشر
المحيّا أشمس
|
وارتشف معسول
ثغر أشنب
|
|
لحبيب من عجاج
ألعس
|
وقال : [الكامل]
مهما امتدحت
سواك قبل فإنما
|
|
مدحي إلى مدحي
لك استطراد
|
تغشى الميادين
الفوارس حقبة
|
|
كيما يعلّمها
النّزال طراد
|
وقال : [الوافر]
يحيّيني بريحان
التّجنّي
|
|
ويصحبني معتّقة
السماح
|
__________________
فها أنا قد ثملت
من الأيادي
|
|
إذا اتّصل
اغتباقي باصطباحي
|
وكتب إلى أبي عامر
يستدعيه : [السريع]
أبا المعالي ،
نحن في روضة
|
|
فانقل إلينا
القدم العالية
|
أنت الذي لو
نشتري ساعة
|
|
منه بدهر لم تكن
غاليه
|
وتذكّرت هنا قول
بعض المشارقة فيما أظنّ : [الكامل]
لله أيام مضت
مأنوسة
|
|
ما كان أحسنها
وأنضرها معا
|
لو ساعة منها
تباع شريتها
|
|
ولو انها بيعت
بعمري أجمعا
|
رجع ـ وقال أبو
القاسم أسعد من قصيدة المعتصم بن صمادح : [الطويل]
وقد ذاب كحل
الليل في دمع فجره
|
|
إلى أن تبدّى
الليل كاللمّة الشمطا
|
كأنّ الدّجا جيش
من الزنج نافذ
|
|
وقد أرسل
الإصباح في إثره القبطا
|
ومنها :
إذا سار سار
الجود تحت لوائه
|
|
فليس يحطّ المجد
إلّا إذا حطّا
|
وقال ابن خلصة
المكفوف النحوي من قصيدة : [البسيط]
ملك تملّك حرّ
المجد ، لا يده
|
|
نالت بظلم ولا
مالت إلى البخل
|
مهذّب الجد ماضي
الحدّ مضطلع
|
|
لما تحمّله
العلياء من ثقل
|
أغرّ ، لا وعده
يخشى له أبدا
|
|
خلف ولا رأيه
يؤتى من الزلل
|
قد جاوزت نطق
الجوزاء همّته
|
|
به ، وما زحلت
عن مرتقى زحل
|
يأبى له أن يحلّ
الذمّ ساحته
|
|
ما صدّ من جلل
أو سدّ من خلل
|
ومنها :
إن لم تكن بكم
حالي مبدّلة
|
|
فما انتفاعي
بعلم الحال والبدل
|
__________________
وقال ابن الحداد
يمدح المعتصم بن صمادح : [الكامل]
عج بالحمى حيث
الغياض العين
|
|
فعسى تعنّ لنا
مهاه العين
|
واستقبلن أرج
النسيم فدارهم
|
|
ندّيّة الأرجاء
لا دارين
|
أفق إذا ما رمت
لحظ شموسه
|
|
صدّتك للنّقع
المثار دجون
|
أنّى أراع لهم
وبين جوانحي
|
|
شوق يهوّن خطبهم
فيهون
|
أنّى أراع لهم
وبين جوانحي
|
|
شوق يهوّن خطبهم
فيهون
|
أنّي يصاب
ضرابهم وطعانهم
|
|
صبّ بألحاظ
العيون طعين
|
فكأنما بيض
الصّفاح جداول
|
|
وكأنما سمر
الرماح غصون
|
ذرني أسر بين
الأسنّة والظّبا
|
|
فالقلب في تلك
القباب رهين
|
يا ربّة القرط
المعير خفوقه
|
|
قلبي ، أما
لحراكه تسكين
|
توريد خدّك
للصبابة مورد
|
|
وفتور طرفك
للنفوس فتون
|
فإذا رمقت فوحي
حبّك منزل
|
|
وإذا نطقت فإنه
تلقين
|
ومنها في وصف قصر
:
رأس بظهر النّون
إلّا أنه
|
|
سام ، فقبّته
بحيث النّون
|
هو جنّة الدنيا
تبوّأ نزلها
|
|
ملك تملّكه
التّقى والدّين
|
فكأنما الرحمن
عجّلها له
|
|
ليرى بما قد كان
ما سيكون
|
وكأنّ بانيه
سنمّار فما
|
|
يعدوه تحسين ولا
تحصين
|
وجزاؤه فيه نقيض
جزائه
|
|
شتّان ما
الإحياء والتّحيين
|
ومنها في المديح :
لا تلقح الأحكام
حيفا عنده
|
|
فكأنها الأفعال
والتنوين
|
ومنها :
__________________
وبدا هلال الأفق
أحنى ناسخا
|
|
عهد الصّيام
كأنه العرجون
|
فكأنّ بين الصوم
خطّط نحوه
|
|
خطّا خفيّا بان
منه النّون
|
وقال عبد الجليل
بن وهبون : [الكامل]
زعموا الغزال
حكاه قلت لهم : نعم
|
|
في صدّه عن
عاشقيه وهجره
|
وكذا يقولون
المدام كريقه
|
|
يا ربّ ما علموا
مذاقة ثغره
|
وقال أبو الحسن
علي بن أحمد بن أبي وهب الأندلسي : [المنسرح]
قالوا : تدانيت
من وداعهم
|
|
ولم نر الصبر
عنك مغلوبا
|
فقلت : للعلم
إنني بغد
|
|
أسمع لفظ الوداع
مقلوبا
|
وهذا كقول بعض
شعراء اليتيمة : [مخلع البسيط]
إذا دهاك الوداع
فاصبر
|
|
ولا يرو عنّك
البعاد
|
وانتظر العود عن
قريب
|
|
فإنّ قلب الوداع
عادوا
|
وقال ابن
اللّبّانة : [الخفيف]
إن تكن تبتغي
القتال فدعني
|
|
عنك في حومة
القتال أحامي
|
خذ جناني عن
جنّة ، ولساني
|
|
عن سنان ،
وخاطري عن حسام
|
وقال القزاز يمدح
ابن صمادح ، وخلط النسيب بالمديح : [المتقارب]
نفى الحبّ عن
مقلتيّ الكرى
|
|
كما قد نفى عن
يديّ العدم
|
فقد قرّ حبّك في
خاطري
|
|
كما قرّ في
راحتيك الكرم
|
وفرّ سلوك عن
فكرتي
|
|
كما فرّ عن عرضه
كلّ ذمّ
|
فحبّي ومفخره
باقيا
|
|
ن لا يذهبان
بطول القدم
|
فأبقى لي الحبّ
خال وجدّ
|
|
وأبقى له الفخر
خال وعم
|
__________________
وقال أبو الحسن بن
الحاج : [الطويل]
أذوب اشتياقا
يوم يحجب شخصه
|
|
وإني على ريب
الزمان لقاسي
|
وأذعر منه هيبة
وهو المنى
|
|
كما يذعر
المخمور أول كاس
|
وقال : [المنسرح]
من لي بطرف
كأنني أبدا
|
|
منه بغير المدام
مخمور
|
ما أصدق
القائلين حين بدا :
|
|
عاشق هذا الجمال
معذور
|
وقال : [المتقارب]
أبا جعفر ، مات
فيك الجمال
|
|
فأظهر خدّك لبس
الحداد
|
وقد كان ينبت
نور الربيع
|
|
فقد صار ينبت
شوك القتاد
|
فهل كنت من عبد
شمس فأخشى
|
|
عليك ظهور شعار
السواد
|
وقال ، ما أحكمه :
[السريع]
ما عجبي من بائع
دينه
|
|
بلذة يبلغ فيها
هواه
|
وإنما أعجب من
خاسر
|
|
يبيع أخراه
بدنيا سواه
|
وقال من مخمسة
يرثي فيها ابن صمادح ، ويندب الأندلس زمن الفتنة : [الرجز]
من لي بمجبول
على ظلم البشر
|
|
صحّف في أحكامه
حاء الحور
|
مرّ بنا يسحب
أذيال الخفر
|
|
ما أحسد الظبي
له إذا نفر
|
وأشبه
الغصن به إذا خطر
|
كافورة قد طرّزت
بمسك
|
|
جوهرة لم تمتهن
بسلك
|
نبذت فيها ورعي
ونسكي
|
|
بعد لجاجي في
التقى ومحكي
|
فاليوم
قد صحّ رجوعي واشتهر
|
نهيت قدما ناظري
عن نظر
|
|
علما بما يجني
ركوب الغرر
|
__________________
وقلت عرّج عن
سبيل الخطر
|
|
فاليوم قد عاين
صدق الخبر
|
إذ
بات وقفا بين دمع وسهر
|
سقى الحيّا عهدا
لنا بالطاق
|
|
معترك الألباب
والأحداق
|
وملتقى الأنفس
والأشواق
|
|
أيأس فيه الدّهر
عن تلاقي
|
وربما
ساءك دهر ثم سرّ
|
أحسن به مطّلعا
ما أغربا
|
|
قابل من دجلة
مرأى معجبا
|
إن طلعت شمس وقد
هبّت صبا
|
|
حسبته ينشر بردا
مذهبا
|
بمنظر
فيه جلاء للبصر
|
يا ربّ أرض قد
خلت قصورها
|
|
وأصبحت آهلة
قبورها
|
يشغل عن زائرها
مزورها
|
|
لا يأمل العودة
من يزورها
|
هيهات
: ذاك الورد ممنوع الصّدر
|
تنتحب الدنيا
على ابن معن
|
|
كأنها ثكلى
أصيبت بابن
|
أكرم مأمول ولا
أستثني
|
|
أثني بنعماه ولا
أثنّي
|
والروض
لا ينكر معروف المطر
|
عهدي به والملك
في ذماره
|
|
والنصر فيما شاء
من أنصاره
|
يطلع بدر التّمّ
من أزراره
|
|
وتكمن العفّة في
إزاره
|
ويحضر
السؤدد أيان حضر
|
قل للنوى جدّ
بنا انطلاق
|
|
ما بعدت مصر ولا
العراق
|
إذا حدا نحوهما
اشتياق
|
|
ومن دواء الملل
الفراق
|
ومن
نأى عن وطن نال وطر
|
سار بذي برد من
الإصباح
|
|
راكب نشوى ذات
قصد صاح
|
__________________
مسودّة مبيضّة
الجناح
|
|
تسبح بين الماء
والرياح
|
بزورها
عن طافح الموج زور
|
يقتحم الهول بها
اغترارا
|
|
في فتية تحسبها
سكارى
|
قد افترشن المسد
المغارا
|
|
حتى إذا شارفت
المنارا
|
هبّ
كما بلّ العليل المحتضر
|
يؤمّ عدل الملك
الرضيّ
|
|
الهاشميّ الطاهر
النقيّ
|
والمجتبى من
ضئضىء النبيّ
|
|
من ولد السفّاح
والمهديّ
|
فخر
معدّ ونزار ومضر
|
حيث ترى العباس
يستسقى به
|
|
والشرف الأعظم
في نصابه
|
والأمر موقوفا
على أربابه
|
|
والدين لا تختلط
الدنيا به
|
وسيرة
الصّدّيق تمضي وعمر
|
وقال ابن خفاجة في
صفة قوس : [الكامل]
عوجاء تعطف ثم
ترسل تارة
|
|
فكأنما هي حيّة
تنساب
|
وإذا انتحت
والسهم منها خارج
|
|
فهي الهلال
انقضّ منه شهاب
|
وقال : [الكامل]
وعسى الليالي أن
تمنّ بنظمنا
|
|
عقدا كما كنّا
عليه وأكملا
|
فلربّما نثر
الجمان تعمّدا
|
|
ليعاد أحسن في
النظام وأجملا
|
وهو من قول مهيار
: [المتقارب]
عسى الله يجعلها
فرقة
|
|
تعود بأكمل
مستجمع
|
وقول المتنبي : [الوافر]
__________________
سألت الله يجعله
رحيلا
|
|
يعين على
الإقامة في ذراكا
|
وقال : [السريع]
اقض على خلّك أو
ساعد
|
|
عشت بجدّ في
العلا صاعد
|
فقد بكى جفني
دما سائلا
|
|
حتى لقد ساعده
ساعدي
|
وقال : [السريع]
وأسود يسبح في
بركة
|
|
لا تكتم الحصباء
غدرانها
|
كأنها في صفوها
مقلة
|
|
زرقاء والأسود
إنسانها
|
وقال : [الكامل]
حيّا بها
ونسيمها كنسيمه
|
|
فشربتها من كفّه
في ودّه
|
منساغة فكأنها
من ريقه
|
|
محمرّة فكأنها
من خدّه
|
وقال : [الطويل]
لعمري لو أوضعت
في منهج التقى
|
|
لكان لنا في كلّ
صالحة نهج
|
فما يستقيم
الأمر والملك جائر
|
|
وهل يستقيم
الظّلّ والعود معوجّ
|
وقال يرثي صديقا
من أبيات : [الطويل]
تيقّن أنّ الله
أكرم جيرة
|
|
فأزمع عن دار
الحياة رحيلا
|
فإن أقفرت منه
العيون فإنه
|
|
تعوّض منها
بالقلوب بديلا
|
ولم أر أنسا
قبله عاد وحشة
|
|
وبردا على
الأكباد عاد غليلا
|
ومن تلك أيام
السرور قصيرة
|
|
به كان ليل
الحزن فيه طويلا
|
وقال : [المتقارب]
تفاوت نجلا أبي
جعفر
|
|
فمن متعال ومن
منسفل
|
فهذا يمين بها
أكله
|
|
وهذا شمال بها
يغتسل
|
__________________
وقال ابن الرفاء :
[الطويل]
ولمّا رأيت
الغرب قد غصّ بالدّجا
|
|
وفي الشرق من
ضوء الصباح دلائل
|
توهّمت أنّ
الغرب بحر أخوضه
|
|
وأنّ الذي يبدو
من الشرق ساحل
|
وقال أبو محمد بن
عبد البر الكاتب : [مجزوء الكامل]
لا تكثرنّ
تأمّلا
|
|
وامسك عليك عنان
طرفك
|
فلربما أرسلته
|
|
فرماك في ميدان
حتفك
|
وقال أبو القاسم
السميسر : [مخلع البسيط]
يا آكلا كلّ ما
اشتهاه
|
|
وشاتم الطّبّ
والطبيب
|
ثمار ما قد غرست
تجني
|
|
فانتظر السّقم
عن قريب
|
يجتمع الداء كلّ
يوم
|
|
أغذية السّوء
كالذنوب
|
وكان كثير الهجاء
، وله كتاب سماه ب «شفاء الأمراض ، في أخذ الأعراض» والعياذ بالله تعالى
ومن قوله : [مخلع
البسيط]
خنتم فهنتم وكم
أهنتم
|
|
زمان كنتم بلا
عيون
|
فأنتم تحت كلّ
تحت
|
|
وأنتم دون كلّ
دون
|
سكنتم يا رياح
عاد
|
|
وكلّ ريح إلى
سكون
|
وقال : [مخلع
البسيط]
يا مشفقا من
خمول قوم
|
|
ليس لهم عندنا
خلاق
|
ذلّوا ويا طالما
أذلّوا
|
|
دعهم يذوقوا
الذي أذاقوا
|
وقال : [الطويل]
وليتم فما
أحسنتم مذ وليتم
|
|
ولا صنتم عمّن
يصونكم عرضا
|
__________________
وكنتم سماء لا
ينال منالها
|
|
فصرتم لدى من لا
يسائلكم أرضا
|
ستسترجع الأيام
ما أقرضتكم
|
|
ألا إنها تسترجع
الدّين والقرضا
|
وقال ابن شاطر
السّر قسطي : [الكامل]
قد كنت لا أدري
لأيّة علّة
|
|
صار البياض لباس
كلّ مصاب
|
حتى كساني الدهر
سحق ملاءة
|
|
بيضاء من شيبي
لفقد شبابي
|
فبذا تبين لي
إصابة من رأى
|
|
لبس البياض على
نوى الأحباب
|
وهذه عادة أهل
الأندلس ، ولهذا قال الحصري : [الوافر]
إذا كان البياض
لباس حزن
|
|
بأندلس فذاك من
الصواب
|
ألم ترني لبست
بياض شيبي
|
|
لأني قد حزنت
على الشباب
|
وما أحسن قوله
رحمه الله تعالى : [الكامل]
لو كنت زائرتي
لراعك منظري
|
|
ورأيت بي ما
يصنع التفريق
|
ولحال من دمعي
وحرّ تنفّسي
|
|
بيني وبينك لجّة
وحريق
|
وقال ابن عبد
الصمد يصف فرسا : [الطويل]
على سابح فرد
يفوت بأربع
|
|
له أربعا منها
الصّبا والشمائل
|
من الفتخ خوّار
العنان كأنه
|
|
مع البرق سار أو
مع السّيل سائل
|
وقال ابن عبد
الحميد البرجي : [الوافر]
أرح متن المهنّد
والجواد
|
|
فقد تعبا بجدّك
في الجهاد
|
قضيت بعزمة حقّ
العوالي
|
|
فقضّ براحة حقّ
الهوادي
|
وقال عبادة : [الرمل]
إنما الفتح هلال
طالع
|
|
لاح من أزراره
في فلك
|
خدّه شمس ، وليل
شعره
|
|
من رأى الشمس
بدت في حلك
|
__________________
وقال ابن المطرف
المنجم : [البسيط]
يرى العواقب في
أثناء فكرته
|
|
كأنّ أفكاره
بالغيب كهّان
|
لا طرفة منه
إلّا تحتها عمل
|
|
كالدهر لا دورة
إلّا لها شان
|
وقال أبو الحسن بن
اليسع : [مخلع البسيط]
راموا ملامي
وكان إغرا
|
|
وذمّ حبّي وكان
إطرا
|
لو علم العاذلون
ما بي
|
|
لانقلبت فيه
لامهم را
|
وقال : [المجتث]
لمّا قدمت وعندي
|
|
شطر من الشوق
وافي
|
قدّمت قلبي قبلي
|
|
فصنه حتى أوافي
|
ولمّا خاطب
المستنصر ملك إفريقية ابن سيد الناس بقوله : [البسيط]
ما حال عينيك يا
عين الزمان فقد
|
|
أورثتني حزنا من
أجل عينيكا
|
وليس لي حيلة
غير الدعاء فيا
|
|
ربّ براوي
الصحيحين حنانيكا
|
أجابه الحافظ أبو
المطرف بن عميرة المخزومي خدمة عن الحافظ أبي بكر بن سيد الناس : [البسيط]
مولاي حالهما
والله صالحة
|
|
لمّا سألت فأعلى
الله حاليكا
|
ما كان من سفر
أو كان من حضر
|
|
حتى تكون
الثّريّا دون نعليكا
|
وقال الأديب أبو
العباس الرصافي ، وهو من أصحاب أبي حيان : [الكامل]
هذا هلال الحسن
أطلع بيننا
|
|
وجميعنا بحلى
محاسنه شغف
|
لمّا رأى صلّ
العذار بخدّه
|
|
ماء النعيم أتى
إليه ليرتشف
|
فكأنّ ذاك الخدّ
أنكر أمره
|
|
فاحمرّ من حنق
عليه وقال قف
|
__________________
وقال : [الكامل]
وعشيّة نعمت بها
أرواحنا
|
|
والخمر قد أخذت
هنالك حقّها
|
وكأنما إبريقنا
لما جثا
|
|
ألقى حديثا
للكؤوس وقهقها
|
وقال الإمام
الحافظ أبو الربيع بن سالم : [السريع]
كأنما إبريقنا
عاشق
|
|
كلّ عن الخطو
فما أعمله
|
غازل من كأسي
حبيبا له
|
|
فكلّما قبّله
أخجله
|
وقال أبو القاسم
بن الأبرش : [الوافر]
رأيت ثلاثة تحكي
ثلاثا
|
|
إذا ما كنت في
التشبيه تنصف
|
فتنجو النيل
منفعة وحسنا
|
|
وشنترين مصر ،
وأنت يوسف
|
وقال في غريق ،
وقيل : إنه ممّا تمثّل به : [السريع]
الحمد لله على
كلّ حال
|
|
قد أطفأ الماء
سراج الجمال
|
أطفأه ما كان
محيا له
|
|
قد يطفئ الزيت
ضياء الذبال
|
وهو القائل أيضا :
[البسيط]
لو لم يكن لي
آباء أسود بهم
|
|
ولم يؤسس رجال
الغرب لي شرفا
|
ولم أنل عند ملك
العصر منزلة
|
|
لكان في سيبويه
الفخر لي وكفى
|
فكيف علم ومجد قد
جمعتهما
|
|
وكلّ مختلق في
مثل ذا وقفا
|
وقال أبو الحسن بن
حريق : [الرمل]
أصبحت تدمير
مصرا كاسمها
|
|
وأبو يوسف فيها
يوسفا
|
وقال أبو القاسم
بن العطار الإشبيلي في بعض الهوزنيين وقد غرق في نهر طلبيرة عند فتحها : [الطويل]
ولمّا رأوا أن
لا مقرّ لسيفه
|
|
سوى هامهم لاذوا
بأجرأ منهم
|
فكان من النهر
المعين معينهم
|
|
ومن ثلم السدّ
الحسام المثلم
|
__________________
فيا عجبا للبحر
غالته نطفة
|
|
وللأسد الضّرغام
أرداه أرقم
|
وقال أبو العباس
اللص : [المتقارب]
وقائلة والضّنا
شاملي
|
|
علام سهرت ولم
ترقد
|
وقد ذاب جسمك
فوق الفرا
|
|
ش حتى خفيت على
العوّد
|
فقلت وكيف أرى
نائما
|
|
ورائي المنيّة
بالمرصد
|
ولمّا قرىء عليه
ديوان أبي تمام ، ومرّ فيه وصف سيف ، قال : أنا أشعر منه حيث أقول : [الوافر]
تراه في غداة
الغيم شمسا
|
|
وفي الظّلماء
نجما أو ذبالا
|
يروعهم معاينة
ووهما
|
|
ولو ناموا
لروعهم خيالا
|
وقال أبو إسحاق
الإلبيري : [الطويل]
تمر لداتي واحدا
بعد واحد
|
|
وأعلم أني بعدهم
غير خالد
|
وأحمل موتاهم
وأشهد دفنهم
|
|
كأني بعيد عنهم
غير شاهد
|
فها أنا في علمي
لهم وجهالتي
|
|
كمستيقظ يرنو
بمقلة راقد
|
قيل : وقال في
البيت الثاني.
كأنّي عنهم غائب غير شاهد
لكان أحسن وأبدع
وأبرع في الصناعة الشعرية ، قاله ابن الأبار رحمه الله تعالى.
وقال الوزير أبو
الوليد بن مسلمة : [المتقارب]
إذا خانك الرزق
في بلدة
|
|
ووافاك من همّها
ما كثر
|
فمفتاح رزقك في
بلدة
|
|
سواها فردها تنل
ما يسر
|
كذا المبهمات
بوسط الكتا
|
|
ب مفتاحها أبدا
في الطّرر
|
وقال أبو الطاهر
إسماعيل الخشني الجياني المعروف بابن أبي ركب ، وقيل : إن أخاه الأستاذ أبا بكر هو المعروف بذلك : [مجزوء
الوافر]
__________________
يقول الناس في
مثل
|
|
تذكّر غائبا تره
|
فمالي لا أرى
سكني
|
|
ولا أنسى تذكّره
|
وأنشد أبو المعالي
الإشبيلي الواعظ بمسجد رحبة القاضي من بلنسية أبياتا منها : [مجزوءالرمل]
أنا في الغربة
أبكي
|
|
ما بكت عين غريب
|
لم أكن يوم
خروجي
|
|
من بلادي بمصيب
|
عجبا لي ولتركي
|
|
وطنا فيه حبيبي
|
وقال أبو القاسم
بن الأنقر السّرقسطي : [الكامل]
احفظ لسانك
والجوارح كلّها
|
|
فلكلّ جارحة
عليك لسان
|
واخزن لسانك ما
استطعت فإنه
|
|
ليث هصور والكلام
سنان
|
وقال أبو القاسم
خلف بن يحيى بن خطاب الزاهد ، ممّا نسبه لأبي وهب الزاهد : [الخفيف]
قد تخيرت أن
أكون مخفّا
|
|
ليس لي من
مطيّهم غير رجلي
|
فإذا كنت بين
ركب فقالوا
|
|
قدّموا للرحيل
قدّمت نعلي
|
حيثما كنت لا
أخلّف رحلا
|
|
من رآني فقد
رآني ورحلي
|
وقال أبو عبد الله
بن محمد بن فتح الأنصاري الثّغري : [البسيط]
كم من قويّ قويّ
في تقلّبه
|
|
مهذّب الرأي عنه
الرزق ينحرف
|
ومن ضعيف ضعيف
الرأي مختبل
|
|
كأنه من خليج
البحر يغترف
|
وقال أبو القاسم
محمد بن نصير الكاتب : [الوافر]
مضت أعمارنا
ومضت سنونا
|
|
فلم تظفر بذي
ثقة يدان
|
وجرّبنا الزمان
فلم يفدنا
|
|
سوى التخويف من
أهل الزمان
|
__________________
وحكي عن الفقيه
الأديب النحوي أبي عبد الله محمد بن ميمون الحسيني ، قال : كانت لي في صبوتي جارية
، وكنت مغرى بها ، وكان أبي ، رحمه الله ، يعذلني ويعرض لي ببيعها ؛ لأنها كانت
تشغلني عن الطلب والبحث عليه ، فكان عذله يزيدني إغراء بها ، فرأيت ليلة في المنام
كأنّ رجلا يأتيني في زيّ أهل المشرق كلّ ثيابه بيض ، وكان يلقى في نفسي أنه الحسين
بن علي بن أبي طالب ، رضي الله تعالى عنهما ، وكان ينشدني : [الكامل]
تصبو إلى ميّ ،
وميّ لا تني
|
|
تزهو ببلواك
التي لا تنقضي
|
وفخارك القوم
الألى ما منهم
|
|
إلّا إمام أو
وصيّ أو نبي
|
فاثن عنانك
للهدى عن ذي الهوى
|
|
وخف الإله عليك
ويحك وارعوي
|
قال : فانتبهت
فزعا مفكرا فيما رأيته ، فسألت الجارية : هل كان لها اسم قبل أن تتسمّى بالاسم
الذي أعرفه؟ فقالت : لا ، ثم عاودتها حتى ذكرت أنها كانت تسمى ميّة ، فبعتها حينئذ
، وعلمت أنه وعظ وعظني الله به عزّ وجلّ ، وبشرى.
وقال ابن الحداد
أوّل قصيدته «حديقة الحقيقة» : [الخفيف]
ذهب الناس
فانفرادي أنيسي
|
|
وكتابي محدّثي
وجليسي
|
صاحب قد أمنت
منه ملالا
|
|
واختلالا وكلّ
خلق بئيس
|
ليس في نوعه
بحيّ ولكن
|
|
يلتقي الحيّ منه
بالمرموس
|
وقال بعض أهل
الجزيرة الخضراء : [السريع]
ألحاظكم تجرحنا
في الحشا
|
|
ولحظنا يجرحكم
في الخدود
|
جرح بجرح
فاجعلوا ذا بذا
|
|
فما الذي أوجب
جرح الصدود
|
وقال ابن النعمة :
إنهما لابن شرف ، وقد ذكرناهما مع جوابهما في غير هذا الموضع.
وقال المعتمد بن
عباد : [البسيط]
اقنع بحظّك في
دنياك ما كانا
|
|
وعزّ نفسك إن
فارقت أوطانا
|
في الله من كلّ
مفقود مضى عوض
|
|
فأشعر القلب
سلوانا وإيمانا
|
__________________
أكلّما سنحت
ذكرى طربت لها
|
|
مجّت دموعك في
خدّيك طوفانا
|
أما سمعت بسلطان
شبيهك قد
|
|
بزّته سود خطوب
الدهر سلطانا
|
وطّن على الكره
وارقب إثره فرجا
|
|
واستغفر الله
تغنم منه غفرانا
|
وقال أبو عامر
البرياني في الصنم الذي بشاطبة : [البسيط]
بقيّة من بقايا
الروم معجبة
|
|
أبدى البناة بها
من علمهم حكما
|
لم أدر ما
أضمروا فيه سوى أمم
|
|
تتابعت بعد
سمّوه لنا صنما
|
كالمبرد الفرد
ما أخطا مشبّهه
|
|
حقّا لقد برد
الأيام والأمما
|
كأنه واعظ طال
الوقوف به
|
|
ممّا يحدّث عن
عاد وعن إرما
|
فانظر إلى حجر
صلد يكلّمنا
|
|
أسمى وأوعظ من
قسّ لمن فهما
|
قيل : لو قال مكان
«حكما» «علما» لأحسن.
وقال السميسر : [المتقارب]
إذا شئت إبقاء
أحوالكا
|
|
فلا تجر جاها
على بالكا
|
وكن كالطريق
لمجتازها
|
|
يمرّ وأنت على
حالكا
|
وقال : [مجزوء
الرمل]
هن إذا ما نلت
حظا
|
|
فأخو العقل يهون
|
فمتى حطّك دهر
|
|
فكما كنت تكون
|
وقال أبو الربيع
بن سالم الكلاعي : أنشدني أبو محمد الشلبي ، أنشدني أبو بكر بن منخل ، لنفسه : [الطويل]
مضت لي ستّ بعد
سبعين حجّة
|
|
ولي حركات بعدها
وسكون
|
فيا ليت شعري
أين أو كيف أو متى
|
|
يكون الذي لا
بدّ أن سيكون
|
__________________
وقال أبو محمد عبد
الحق الإشبيلي : [البسيط]
لا يخدعنّك عن
دين الهدى نفر
|
|
لم يرزقوا في
التماس الحقّ تأييدا
|
عمي القلوب عروا
عن كلّ فائدة
|
|
لأنهم كفروا
بالله تقليدا
|
وقال أبو محمد بن
صارة : [الوافر]
بنو الدنيا بجهل
عظّموها
|
|
فعزّت عندهم وهي
الحقيره
|
يهارش بعضهم
بعضا عليها
|
|
مهارشة الكلاب
على العقيره
|
وقال : [الكامل]
اسعد بمالك في
الحياة ولا تكن
|
|
تبقي عليه حذار
فقر حادث
|
فالبخل بين
الحادثين ، وإنما
|
|
مال البخيل
لحادث أو وارث
|
ودخل أبو محمد
الطائي القرطبي على القاضي أبي الوليد بن رشد ، فأنشده ارتجالا : [مخلع البسيط]
قد قام لي
السّيّد الهمام
|
|
قاضي قضاة الورى
الإمام
|
فقلت قم بي ولا
تقم لي
|
|
فقلّما يؤكل
القيام
|
وقال الحافظ أبو
محمد بن حزم : [الخفيف]
لا تلمني لأن
سبقت لحظّ
|
|
فات إدراكه ذوي
الألباب
|
يسبق الكلب وثبة
اللّيث في العد
|
|
وويعلو النّخال
فوق اللّباب
|
وقال أبو عبد الله
الجبلي الطبيب القرطبي : [البسيط]
اشدد يديك على
كلب ظفرت به
|
|
ولا تدعه فإنّ
الناس قد ماتوا
|
قلت : تذكرت بهذا
قول الآخر : [البسيط]
اشدد يديك بكلب
إن ظفرت به
|
|
فأكثر الناس قد
صاروا خنازيرا
|
وقال محمد بن عبد
الله الحضرمي مولى بني أمية : [مجزوء الخفيف]
__________________
عاشر الناس
بالجمي
|
|
ل وسدّد وقارب
|
واحترس من أذى
الكرا
|
|
م وجد بالمواهب
|
لا يسود الجميع
من
|
|
لم يقم بالنوائب
|
ويحوط الأذى وير
|
|
عى ذمام الأقارب
|
لا تواصل إلّا
الشري
|
|
ف الكريم
المناصب
|
من له خير شاهد
|
|
وله خير غائب
|
واجتنب وصل كلّ
وغ
|
|
د دنيء المكاسب
|
وقال الكاتب
الحافظ أبو عبد الله بن الأبّار : [مجزوء الكامل]
لله نهر كالحباب
|
|
ترقيشه سامي
الحباب
|
يصف السماء
صفاؤه
|
|
فحصاه ليس بذي
احتجاب
|
وكأنما هو رقّة
|
|
من خالص الذهب
المذاب
|
غارت على شطيه
أب
|
|
كار المنى عصر
الشباب
|
والظّلّ يبدو
فوقه
|
|
كالخال في خدّ
الكعاب
|
لا بل أدار عليه
خو
|
|
ف الشمس منه
كالنقاب
|
مثل المجرّة جرّ
في
|
|
ها ذيله جون
السحاب
|
وقال : [الكامل]
شتّى محاسنه ،
فمن زهر على
|
|
نهر تسلسل
كالحباب تسلسلا
|
غربت به شمس
الظهيرة لاتني
|
|
إحراق صفحته
لهيبا مشعلا
|
حتى كساه الدوح
من أفنانه
|
|
بردا بمزن في
الأصيل مسلسلا
|
وكأنما لمع
الظلال بمتنه
|
|
قطع الدماء جمدن
حين تحلّلا
|
__________________
وقال يمدح
المستنصر صاحب إفريقية : [الكامل]
إنّ البشائر
كلّها جمعت
|
|
للدين والدنيا
وللأمم
|
في نعمتين
جسيمتين هما
|
|
برء الإمام
وبيعة الحرم
|
قال ابن الأبار :
وأخبرني بعض أصحابنا ـ يعني أبا عمرو بن عبد الغني ـ أنه أنشدهما الخليفة فسبقه
إلى عجز البيت الثاني ، فقلت له على البديهة : [البسيط]
فخر لشعري على
الأشعار يحفظه
|
|
خليفة الله كان
الله حافظه
|
وأشار بقوله «وبيعة
الحرم» إلى ما ذكره ابن خلدون وغير واحد من المؤرخين أنّ أهل مكة خطبوا للمستنصر
صاحب تونس بعرفة ، وكتبوا له بيعة من إنشاء ابن سبعين المتصوف ، وقد ذكر ابن خلدون نصّ البيعة في
ترجمة المستنصر ، فليراجعها من أرادها.
وقال ابن الأبار :
[الوافر]
ألا اسمع في
الأمير مقال صدق
|
|
وخذه عن امرئ
خدم الأميرا
|
متى يكتب ترد
وشلا أجاجا
|
|
وإن يركب ترد
عذبا نميرا
|
وقال مجيبا
للتجاني : [الخفيف]
أيها الصاحب
الصفيّ ، مباح
|
|
لك عنّي فيما
نصصت الروايه
|
إن عناني إسعاف
قصدك فيها
|
|
فلكم لم تزل بها
ذا عنايه
|
ولها شرطها
فحافظ عليه
|
|
ثم كافىء وصيّتي
بالكفايه
|
وتحام الإخلال
جهدك ، لاقي
|
|
ت من الله عصمة
وحمايه
|
ونصّ استدعاء
التجاني : [الخفيف]
إن رأى سيدي
الذي حاز في العل
|
|
م مع الحلم
والعلا كل غايه
|
وحوى المجد عن
جدود كرام
|
|
كلّهم في السماح
والفضل آيه
|
أن أرى عنه
بالإجازة أروي
|
|
كلّ ما فيه لي
تصحّ الروايه
|
من حديث وكلّ
نظم ونثر
|
|
وفنون له بهنّ
درايه
|
__________________
فله في ذاك
الثواب من اللّ
|
|
ه ومنا الثناء
دون نهايه
|
دام في رفعة
وعزّ وسعد
|
|
وأمان ومكنة
وحمايه
|
ما تولى جيش
الظلام هزيما
|
|
وعلت للصباح في
الأفق رايه
|
ولابن الأبار
ترجمة واسعة ذكرتها في «أزهار الرياض ، في أخبار عياض ، وما يناسبها ممّا يحصل به
للنفس ارتياح وللعقل ارتياض» فلتراجع فيه.
وأمّا التجاني أبو
عبد الله هذا المذكور فقد وصفه قريبه أبو الفضل محمد حفيد عمّه في كتابه «الحلى
التيجانية ، والحلل التجانية» ؛ قال ابن رشيد : وجمعه باسمنا حفظه الله تعالى
وشكره ، وقال في موضع آخر : إنه باسمه واسم صاحبه الوزير ابن الحكيم ، رحمهما الله
تعالى! انتهى.
وقال ابن مفوّز
أبو الحسين : [مجزوء الرجز]
إذا عرتك عيلة
|
|
يعجز عنها ما
تجد
|
فلتقتصد فإنه
|
|
ما عال قطّ
مقتصد
|
وقال [أيضا] : [مجزوء
الخفيف]
حاز دنياه كلّها
|
|
محرزا أكبر
المنن
|
من حوى قوت يومه
|
|
آمنا سالم البدن
|
وقال [مجزوء الرجز]
أعن أخاك في
الذي
|
|
يأمله ويرتجيه
|
فالله في عون
الفتى
|
|
ما كان في عون
أخيه
|
وقال : [مجزوء
الرجز]
أنفس ما أودعته
|
|
قلبك ذكرى موقظه
|
وخير ما أتلفته
|
|
مال أفاد موعظه
|
وقال أبو البركات
القميحي : أنشدنا أبو العباس بن مكنون ، وقد رأى اهتزاز الثمار وتمايلها ، مرتجلا
: [الرجز]
__________________
حارت عقول الناس
في إبداعها
|
|
ألسكرها أم
شكرها تتأوّد
|
فيقول أرباب
البطالة : تنثني
|
|
ويقول أرباب
الحقيقة : تسجد
|
قال الشيخ أبو
البركات القميحي : قلت لابن مكنون : ما الذي يدلّ على أنهما في وصف الثمار؟ فقال :
وطّئ أنت لهما ، فقلت : [الكامل]
يا من أتى
متنزّها في روضة
|
|
أزهارها من
حسنها تتوقّد
|
أنظر إلى
الأشجار في دوحاتها
|
|
والريح تنسف
والطيور تغرّد
|
فترى الغصون
تمايلت أطرافها
|
|
وترى الطيور على
الغصون تعربد
|
قال ابن رشيد :
غلط المذكور في نسبته البيتين لابن مكنون ، وإنما هما لأبي زيد الفازازي من قصيدة
أولها : [الكامل]
نعم الإله بشكره
تتقيّد
|
|
فالله يشكر في
النوال ويحمد
|
مدّت إليه
أكفّنا محتاجة
|
|
فأنالها من جوده
ما تعهد
|
والبيتان في
أثنائها ، غير أنّ أولهما في ديوانه هكذا : [الكامل]
تاهت عقول الناس في حركاتها
انتهى.
ورأيت في «روضة
التعريف» للسان الدين بعدهما بيتا ثالثا ، وهو : [الكامل]
وإذا أردت الجمع
بينهما فقل
|
|
في شكر خالقها
تقوم وتقعد
|
وحكي أنّ حافظ الأندلس إمام الأدباء ، ورئيس المؤلّفين ، حسنة الزمان ، نادرة
الإحسان ، أبا محمد عبد الله بن إبراهيم الصنهاجي الحجاري صاحب كتاب «المسهب» كان
سبب اتّصاله بعبد الملك بن سعيد جدّ علي بن موسى صاحب «المغرب» أنه وفد عليه في
قلعته ، فلمّا وقف ببابه وهو بزيّ بداوة ازدراه البوّابون ، فقال لهم : استأذنوا لي
على القائد ، فضحكوا به ، وقالوا له : ما كان وجد القائد من يدخل عليه في هذه
الساعة إلّا أنت؟ فمدّ يده إلى دواة في حزامه وسحاءة ، وكتب بها : بباب القائد الأعلى ـ لا زال آهلا بأهل
الفضيلة ـ! رجل وفد عليه من شلب بقصيدة مطلعها : [الوافر]
__________________
عليك أحالني الذّكر الجميل
فإن رأى سيدي أن
يحجب من بلده شلب ومن قصيده هذا فهو أعلم بما يأتي ويذر ، ولا عتب على القدر ،
ورغب إلى أحد غلمانه ، فأوصل الورقة ، فلمّا وقف عليها القائد قال : من شلب ، وهذا
مطلع قصيدته ، ما لهذا إلّا شأن ، ولعلّه الوزير ابن عمّار ، وقد نشر إلى الدنيا ،
عجّلوا بالإذن له ، فدخل وبقي واقفا لم يسلّم ولا كلّم أحدا ، فاستثقله الحاضرون ،
واستبردوا مقصده ، ونسبوه للجهل وسوء الأدب ، فقال له أحدهم : ما لك لا تسلّم على
القائد ، وتدخل مداخل الأدباء والشعراء؟ فقال : حتى أخجل جميعكم قدر ما أخجلتموني
على الباب مع أقوام أنذال ، وأعلم أيضا من هو الكثير الفضول من أصحاب القائد أعزّه
الله تعالى فأكون أتّقيه إن قدّر لي خدمته ، فقال له عبد الملك : أتأخذنا بما فعل
السفهاء منّا؟ قال : لا ، والله ، بل أغفر لك ذنوب الدهر أجمع ، وإنما هي أسباب
نقصدها لنحاور بها مثلك أعزك الله تعالى ، ويتمكّن التأنيس ، وينحلّ قيد الهيبة ،
ثم أنشد من رأسه ولا ورقة في يده : [الوافر]
عليك أحالني
الذّكر الجميل
|
|
فصحّ العزم
واقتصر الرحيل
|
وودّعت الحبيب
بغير صبر
|
|
ولم أسمع لما
قال العذول
|
وأسلبت الظلام
عليّ سترا
|
|
ونجم الأفق
ناظره كليل
|
ولم أشك الهجير
وقد دعاني
|
|
إلى أرجائك
الظلّ الظليل
|
وهي طويلة ،
فأكرمه وقرّبه ، رحم الله تعالى الجميع!.
وأهديت للمعتمد بن
عباد شمعة ، فقال في وصفها أبو القاسم بن مرزقان الإشبيلي وهو ممّن قتل في فتنة
المعتمد : [السريع]
مدينة في شمعة
صوّرت
|
|
قامت حماة فوق
أسوارها
|
وما رأينا قبلها
روضة
|
|
تتّقد النار
بنوّارها
|
تصيّر الليل
نهارا إذا
|
|
ما أقبلت ترفل
في نارها
|
كأنها بعض
الأيادي التي
|
|
تحت الدّجى تسري
بأنوارها
|
من ملك معتمد
ماجد
|
|
بلاده أوطان
زوّارها
|
__________________
وقال أبو الأصبغ
بن رشيد الإشبيلي : لمّا هطلت بإشبيلية سحابة بقطر أحمر يوم السبت الثالث عشر من
صفر عام أربعة وستين وخمسمائة : [المتقارب]
لقد آن للناس أن
يقلعوا
|
|
ويمشوا على
السّنن الأقوم
|
متى عهد الغيث
يا غافلا
|
|
كلون العقيق أو
العندم
|
أظنّ الغمائم في
جوّها
|
|
بكت رحمة للورى
بالدم
|
وفيها أيضا : [الخفيف]
لا تكن دائم
الكآبة ممّا
|
|
قد غدا في الثرى
نميرا نجيعا
|
لطم البرق صفحة
المزن حتى
|
|
سال منه على
الرياض نجيعا
|
وله في دولاب : [البسيط]
ومنجنون إذا
دارت سمعت لها
|
|
صوتا أجشّ وظلّ
الماء ينهمل
|
كأنّ أقداسها
ركب إذا سمعوا
|
|
منها حداء بكوا
للبين وارتحلوا
|
وله فيمن اسمه
مالك : [الوافر]
غزاليّ الجفون
شقيق بدر
|
|
تبسّم عن عقيق
فوق درّ
|
له نفحات مسك
أيّ مسك
|
|
له نفثات سحر
أيّ سحر
|
شكوت له الهوى
والهجر منه
|
|
فقال : عليك
باسمي سوف تدري
|
تعلّمت القساوة
من سميّي
|
|
وأحرقت القلوب
بنار هجري
|
وقال أبو بكر بن
حجاج الغافقي في موسى وسيم إشبيلية الذي كان شعراؤها يتغزّلون فيه: [الكامل]
من مبلغ موسى
المليح رسالة
|
|
بعثت له من
كافري عشّاقه
|
ما كان خلق
راغبا عن دينه
|
|
لو لم تكن
توراته من ساقه
|
وقال : [السريع]
__________________
إنّ الزويليّ
فتى شاعر
|
|
قد أعجب العالم
من نظمه
|
وأنت يا موسى قد
اخترته
|
|
واختار موسى قبل
من قومه
|
وقال : [البسيط]
على معاذ قرون
لو يعاينها
|
|
فرعون ما قال
أوقد لي على الطين
|
قالت له عرسه إذ
جاء ينكحها
|
|
ما ذا دهيت به
من كل عنّين
|
هلّا استعنت
بميمون ، فقال لها
|
|
إني استعنت على
نفسي بميمون
|
وقال أبو وهب عبد الرؤوف النحوي ، وكان له حظّ في قرض الشعر ، وكان
سناطا:[السريع]
ليس لمن ليست له
لحية
|
|
بأس إذا حصّلته
، ليسا
|
وصاحب اللحية
مستقبح
|
|
يشبه في طلعته
التيسا
|
إن هبّت الريح
تلاهت به
|
|
وماست الريح به
ميسا
|
وقال أبو عبد الله
محمد بن يحيى القلفاط : [مجزوء الرمل]
يا غزالا عنّ لي
فاب
|
|
تزّ قلبي ثم
ولّى
|
أنت منّي بفؤادي
|
|
يا منى نفسي
أولى
|
وقال أحمد بن
المبارك الحبيبي في الناصر قبل أن يلي عهد جدّه : [السريع]
يا عابد الرحمن
فقت الورى
|
|
بهذه العليا
وهذا الكرم
|
ما جعل الله
الندى في امرئ
|
|
إلّا وقد جنّبه
كلّ ذم
|
واستدعى الوزير
عبيد الله بن إدريس أبا بكر أحمد بن عثمان المرواني ، ونادمه ليلة ، فلمّا قرب
الصباح قال له : أين ما يحدّث عنك من حسن الشّعر؟ فهذا موضعه ، فقال : الدواة
والقرطاس ، فأمر له بإحضارهما ، فجعل يفكر ويكتب إلى أن أنشده هذه الأبيات : [البسيط]
بتنا ندامى صفاء
يستحثّ لنا
|
|
في جامد الفضّة
التبر الذي سبكا
|
__________________
كلّ مصيخ إلى ما
قال صاحبه
|
|
ولا يبالي أصدقا
قال أم إفكا
|
موقّرون خفاف
عند شربهم
|
|
ولا يخافون فيما
أحدثوا دركا
|
لا تعد منّ إذا
أبصرتهم فرحا
|
|
أما ترى الصبح
من بشر بهم ضحكا
|
وقال أبو محمد عبد
الله المرواني في الخيري : [الطويل]
عجبت من الخيريّ
يكتم عرفه
|
|
نهارا ويسري
بالظلام فيعرب
|
فتجني عروس
الطيب منه يد الدجى
|
|
ويبدو له وجه
الصباح فيحجب
|
وقال إبراهيم بن
إدريس العلوي : [الكامل]
للبين في تعذيب
نفسي مذهب
|
|
ولنائبات الدهر
عندي مطلب
|
أمّا ديون
الحادثات فإنها
|
|
تأتي لوقت صادق
لا يكذب
|
وخرج الأديب
النحوي هذيل الإشبيلي يوما من مجلسه ، فنظر إلى سائل عاري الجسم ، وهو يرعد ويصيح : الجوع والبرد ، فأخذ بيده ، ونقله إلى موضع بلغته
الشمس ، وقال له : صح الجوع ، فقد كفاك الله مؤونة البرد.
ومرّ المعتمد بن
عباد ليلة مع وزيره ابن عمار بباب شيخ كثير التندير والتهكّم ، يمزج ذلك بانحراف يضحك الثكلى ، فقال لابن عمار
: تعال نضرب على هذا الشيخ الساقط بابه حتى نضحك معه ، فضربا عليه الباب ، فقال :
من هذا؟ فقال ابن عباد : إنسان يرغب أن تقد له هذه الفتيلة ، فقال : والله لو ضرب
ابن عباد بابي في هذا الوقت ما فتحته له ، فقال : فإني ابن عباد ، فقال : مصفوع
ألف صفعة ، فضحك ابن عباد حتى سقط إلى الأرض ، وقال لوزيره : امض بنا قبل أن
يتعدّى الصفع من القول إلى الفعل ، فهذا شيخ ركيك ، ولمّا كان من غد تلك الليلة
وجّه له ألف درهم ، وقال لموصلها : قل له هذه حقّ الألف صفعة التي كانت البارحة.
وكان في زمان
المعتمد السارق المشهور بالبازي الأشهب ، وكان له في السرقة كلّ
__________________
غريبة ، وكان
مسلطا على أهل البادية ، وبلغ من سرقته أنه سرق وهو مصلوب ؛ لأنّ ابن عباد أمر
بصلبه على ممرّ أهل البادية لينظروا إليه ، فبينما هو على خشبته على تلك الحال إذ
جاءت إليه زوجته وبناته ؛ وجعلن يبكين حوله ويقلن : لمن تتركنا نضيع بعدك؟ وإذا
ببدوي على بغل وتحته حمل ثياب وأسباب ، فصاح عليه : يا سيدي ، انظر في أي حالة أنا
، ولي عندك حاجة فيها فائدة لي ولك ؛ قال : وما هي؟ قال : انظر إلى تلك البئر ،
لمّا أرهقني الشّرط رميت فيها مائة دينار ، فعسى تحتال في إخراجها ، وهذه زوجتي
وبناتي يمسكن بغلك خلال ما تخرجها ، فعمد البدوي إلى حبل ودلّى نفسه في البئر بعد
ما اتفق معه على أن يأخذ النصف منها ، فلمّا حصل أسفل البئر قطعت زوجة السارق
الحبل ، وبقي حائرا يصيح ، وأخذت ما كان على البغل مع بناتها ، وفرّت به ، وكان
ذلك في شدّة حرّ ، وما سبّب الله شخصا يغيثه إلّا وقد غبن عن العين وخلصن ، فتحيّل
ذلك الشخص مع غيره على إخراجه ، وسألوه عن حاله ، فقال : هذا الفاعل الصانع احتال
عليّ حتى مضت زوجته وبناته بثيابي وأسبابي ، ورفعت هذه القصة إلى ابن عباد ، فتعجّب منها ، وأمر بإحضار البازي الأشهب ،
وقال له : كيف فعلت هذا مع أنك في قبضة الهلكة؟ فقال له : يا سيدي ، لو علمت قدر
لذّتي في السرقة خليت ملكك واشتغلت بها ، فلعنه وضحك منه ، ثم قال له : إن سرّحتك
وأحسنت إليك وأجريت عليك رزقا يقلك أتتوب من هذه الصنعة الذميمة؟ فقال : يا مولاي
، كيف لا أقبل التوبة وهي [التي] تخلصني من القتل؟ فعاهده وقدّمه على رجال أنجاد ، وصار من
جملة حراس أحواز المدينة.
ويحكى أنّ منصور
بني عبد المؤمن لمّا أراد بناء صومعة إشبيلية العظيمة القدر أحضر لها العرفاء
والصّنّاع من مظانّهم ، فعرّف بشيخ مغفّل صحيح المذهب عارف بالبناء الذي يجهله
كثير من الصناع ، فأحضر ، فقال له المنصور : كم تقدّر أن ينفق على هذه الصومعة؟
فضحك وقال:يا سيدي ، البنيان إنما هو مثل ذكر ليس يقدّر حتى يقوم ، فكاد المنصور
يفتضح من الضحك ، وصرف وجهه عنه ، وبقيت حكايته يضحك عليها زمانا.
وكان أحمد
المقريني المعروف بالكساد شاعرا وشّاحا زجّالا إشبيليّا ، وقال في موسى الذي تغزّل
فيه ابن سهل : [الخفيف]
ما لموسى قد خرّ
لله لمّا
|
|
فاض نور أغشاه
ضوء سناه
|
وأنا قد صعقت من
نور موسى
|
|
لا أطيق الوقوف
حين أراه
|
__________________
وقال في رثائه : [السريع]
فرّ إلى الجنّة
حوريّها
|
|
وارتفع الحسن من
الأرض
|
وأصبح العشّاق
في مأتم
|
|
بعضهم يبكي على
بعض
|
وقال فيه : [الرمل]
هتف الناعي بشجو
الأبد
|
|
إذ نعى موسى بن
عبد الصمد
|
ما عليهم ويحهم
لو دفنوا
|
|
في فؤادي قطعة
من كبدي
|
ولابن سهل
الإسرائيلي في موسى هذا ما هو مثبت في ديوانه.
وكان محمد بن أحمد
بن أبي بكر القرموطي المرسي من أعرف أهل الأندلس بالعلوم القديمة : المنطق
والهندسة والعدد والموسيقى والطب ، فيلسوفا طبيبا ماهرا ، آية الله في المعرفة
بالأندلس ، يقرئ الأمم بألسنتهم فنونهم التي يرغبون فيها وفي تعلّمها ، ولمّا
تغلّب طاغية الروم على مرسية عرف له حقّه ، فبنى له مدرسة يقرئ فيها المسلمين
والنصارى واليهود ، وقال له يوما وقد أدنى منزلته : لو تنصّرت وحصّلت الكمال كان لك عندي كذا ، وكنت كذا ، فأجابه بما
أقنعه ؛ ولمّا خرج من عنده قال لأصحابه : أنا عمري كلّه أعبد إلها واحدا ، وقد
عجزت عمّا يجب له ، فكيف حالي لو كنت أعبد ثلاثة كما طلب الملك مني؟ انتهى.
وقال أبو عبد الله
محمد بن سالم القيسي الغرناطي يخاطب السلطان على ألسنة أصحابه الأطباء الذين ببابه
مورّيا بأسمائهم : [الخفيف]
قد جمعنا ببابكم
سطر علم
|
|
لبلوغ المنى
ونيل الإراده
|
ومن اسمائنا لكم
حسن فال
|
|
سالم ثم غالب
وسعاده
|
وقال أبو عبد الله
بن عمر الإشبيلي الخطيب : [المتقارب]
وكلّ إلى طبعه
عائد
|
|
وإن صدّه المنع
عن قصده
|
كذا الماء من
بعد إسخانه
|
|
يعود سريعا إلى
برده
|
وقال الكاتب أبو
زيد عبد الرحمن العثماني لمّا تغيّر حاله بإشبيلية : [الخفيف]
لا تسلني عن
حالتي فهي هذي
|
|
مثل حالي لا كنت
يا من يراني
|
__________________
ملّني الأهل
والأخلّاء لمّا
|
|
أن جفاني بعد
الوصال زماني
|
فاعتبر بي ولا
يغرّك دهر
|
|
ليس منه ذو غبطة
في أمان
|
ودخل الأديب
النحوي أبو عمران موسى الطرياني إلى بعض الأكابر يوم نيروز ، وعادتهم أن يصنعوا في مثل هذا
اليوم مدائن من العجين لها صور مستحسنة ، فنظر إلى مدينة أعجبته ، فقال له صاحب
المجلس : صفها وخذها ، فقال : [مجزوء الرجز]
مدينة مسوّره
|
|
تحار فيها
السّحره
|
لم تبنها إلّا
يدا
|
|
عذراء أو مخدّره
|
بدت عروسا تجتلى
|
|
من درمك مزعفره
|
وما لها مفاتح
|
|
إلّا البنان
العشره
|
ورفع إلى القائد
أبي السرور صاحب ديوان سبتة قصيدة يعرّض له فيها بزاد ، وقد عزم على سفر ، فأنعم
عليه بذلك ، ثم أتبعه بتحف ممّا يكون في الديوان ممّا يجلبه الإفرنج إلى سبتة ،
ولم يكن التمس منه ذلك ولا خطر بخاطره ، فكتب إليه : [المتقارب]
أيا سابقا بالذي
لم يجل
|
|
بفكري ولم يبد
لي في خطاب
|
ويا غائصا في
بحار الندى
|
|
ويا فاتحا للعلا
كلّ باب
|
كذا فلتكن نعم
الأكرمين
|
|
تفاجي بنيل
المنى والطّلاب
|
ولم أر أعظم من
نعمة
|
|
أتتني ولم تك لي
في حساب
|
سأشكرها شكر عهد
الرضى
|
|
وأذكرها ذكر غضّ
الشباب
|
وكتب مجاهد صاحب
دانية إلى المنصور بن أبي عامر الأصغر ملك بلنسية رقعة ، ولم يضمّنها غير بيت
الحطيئة : [البسيط]
دع المكارم لا
ترحل لبغيتها
|
|
واقعد فإنك أنت
الطاعم الكاسي
|
فأحرجت المنصور ، وأقامته وأقعدته ، فأحضر وزيره أبا عامر بن
التاكرني فكتب عنه:[الكامل]
__________________
شتمت مواليها
عبيد نزار
|
|
شيم العبيد
شتيمة الأحرار
|
فسلا المنصور عمّا
كان فيه.
ومن شعر المذكور
في المنصور : [الكامل]
انهض على اسمك
إنه منصور
|
|
وارم العدوّ
فإنه مقهور
|
ولو اغتنيت عن
النهوض كفيتهم
|
|
فبذكر بأسك
كلّهم مذعور
|
ولتبلغنّ مدى
مرادك فيهم
|
|
ويكون يوم في
العدا مشهور
|
وقال له المنصور
يوما : والله لقد سئمت من هؤلاء الجند ، ووددت الراحة منهم ، فقال له:يصبر مولاي
فلا بدّ من السآمة ، فهي على حالتين : إمّا ممّن يكون أمرك إليه ، أو يكون أمره
إليك ، والحمد لله الذي رفعه عن الحالة الأولى!.
وقال بعض الهجائين
في رندة : [مجزوء الكامل]
قبحا لرندة مثل
ما
|
|
قبحت مطالعة
الذنوب
|
بلد عليه وحشة
|
|
ما إن يفارقه
القطوب
|
ما حلّها أحد
فين
|
|
وي بعد بين أن
يؤوب
|
لم آتها عند
الضّحى
|
|
إلّا وخيّل لي
الغروب
|
أفق أغمّ وساحة
|
|
تملا القلوب من
الكروب
|
وقال حبلاص الشاعر
الرندي : [الكامل]
لا تفرحن بولاية
سوّغتها
|
|
فالثور يعلف
أشهرا كي يذبحا
|
وله في بعض رؤساء
الملثمين من قصيدة : [الطويل]
ولو لم تكن
كالبدر نورا ورفعة
|
|
لما كنت غرّا
بالسحاب ملثّما
|
__________________
وما ذاك إلّا
للنوال علامة
|
|
كذا القطر مهما
لثم الأفق انهمى
|
فاهتزّ الملثّم
وأعجبه ، وأمر له بكسوة وذهب.
ولمّا ذكر أبو بكر
بن عمر الرندي في مجلس بعض الرؤساء بحضرة أبي الحسن علي بن سعيد ، وأطنب
في الثناء عليه ، وعمر المجلس بشكره ، وأخبر بذلك ، أطرق ساعة ثم قال : [الكامل]
لا تذكرن ما غاب
عني من ثنا
|
|
أطنبت فيه فليس
ذلك يجهل
|
فمتى حضرت بمجلس
وجرى به
|
|
خبري فإنّ الذكر
فيه يجمل
|
ولمّا نفى بنو ذي
النون أرقم من نسبهم لأنه كان ابن أمة مهينة ، واقعها أبو الظافر في حال سكره ،
ولم يكن فيهم من ينظم ويتولّع بالأدب غيره ، وولي ابنه يحيى ، وكان أحسد من طلعت
عليه الشمس ، فمال على أرقم بالأذيّة حتى فرّ عن مملكته ، وقال مرتجلا : [الطويل]
لئن طبتم نفسا
بتركي دياركم
|
|
فنفسي عنكم
بالتفرّق أطيب
|
إذا لم يكن لي
جانب في دياركم
|
|
فما العذر لي أن
لا يكون تجنّب
|
زعمتم بأني لست
فرعا لأصلكم
|
|
فهلّا علمتم
أنني عنه أرغب
|
وحسبي إذا ما
البيض لم ترع نسبة
|
|
بأني إلى سيفي
ورمحي أنسب
|
وإن مدّت الأيام
عمري للعلا
|
|
يشرّق ذكري في
الورى ويغرّب
|
وكتب الوزير
الكاتب أبو محمد بن سفيان إلى أبي أمية بن عصام قاضي القضاة بشرق الأندلس «عين زمانه» ،
فوقعت نقطة على العين ، فتوهّمها ، وظنّ أنه أبهمها واعتقدها ، وعددها وانتقدها ،
فقال : [الكامل]
لا تلزمنّي ما
جنته يراعة
|
|
طمست بريقتها
عيون ثناء
|
حقدت عليّ
لزامها فتحوّلت
|
|
أفعى تمجّ
سمامها بسحاء
|
__________________
غدر الزمان
وأهله عرف ولم
|
|
أسمع بغدر يراعة
وإباء
|
وشرب المأمون بن
ذي النون مع أبي بكر محمد بن أرفع رأسه الطليطلي وحفل من رؤساء ندمائه كان لبون
وابن سفيان وابن الفرج وابن المثنى ، فجرت مذاكرة في ملوك الطوائف في ذلك العصر ، فقال كلّ
واحد ما عنده بحسب غرضه ، فقال ابن أرفع رأسه ارتجالا : [البسيط]
دعوا الملوك
وأبناء الملوك فمن
|
|
أضحى على البحر
لم يشتق إلى نهر
|
ما في البسيطة
كالمأمون ذو كرم
|
|
فانظر لتصديق ما
أسمعت من خبر
|
يا واحدا ما على
علياه مختلف
|
|
مذ جاد كفّك لم
نحتج إلى المطر
|
وقد طلعت لنا
شمسا فما نظرت
|
|
عين إلى كوكب
يهدي ولا قمر
|
وقد بدوت لنا
وسطى ملوكهم
|
|
فلم نعرّج على
شذر ولا درر
|
فداخل ابن ذي
النون من الارتياح ما ليس عليه مزيد ، وأمر له بإحسان جزيل عتيد.
وقال أبو أحمد عبد
المؤمن الطليطلي : [الطويل]
رأيت حيائي
قادحا في معيشتي
|
|
ويصعب تركي
للحياء ويقبح
|
وقد فسد الناس
الذين عهدتهم
|
|
وقد طال تأنيبي
لمن ليس يصلح
|
وله : [الطويل]
ولمّا غدوا
بالغيد فوق جمالهم
|
|
طفقت أنادي لا
أطيق بهم همسا
|
عسى عيس من أهوى
تجود بوقفة
|
|
ولو كوقوف العين
لاحظت الشمسا
|
وقال الزاهد أبو
محمد عبد الله بن العسال : [الطويل]
أعندكم علم بأني
متيّم
|
|
وإلّا فما بال
المدامع تسجم
|
__________________
وما بال عيني لا
تغمّض ساعة
|
|
كأني في رعي
الدراري منجّم
|
وكان الوزير أبو
جعفر الوقشي تيّاها معجبا بنفسه ، ومن شعره في غرضه الفاسد : [الطويل]
إذا لم أعظّم
قدر نفسي وإنني
|
|
عليم بما حازته
من عظم القدر
|
فغيري معذور إذا
لم يبرّني
|
|
ولا يكبر
الإنسان شيء سوى الكبر
|
وله : [الطويل]
يرومون بي غير
المكان الذي له
|
|
خلقت ، وبعضي
منكر ذاك من بعضي
|
فقولوا لبدر
الأفق يترك سماءه
|
|
ويحتلّ من أجل
التواضع في الأرض
|
وقال : [الطويل]
تكبّر وإن كنت
الصغير تظاهرا
|
|
وباعد أخا صدق
متى ما اشتهى قربا
|
وكن تابعا للهرّ
في حفظ أمره
|
|
ألست تراه عندما
يبصر الكلبا
|
وقال له بعض ندماء
ملكه يوما صاحب جيان ، ابن همشك : يا أبا جعفر ، أنت جملة محاسن ، وفيك الأدوات
العلية التي هي أهل لكلّ فضيلة ، غير أنك قد قدحت في ذلك كلّه بكثرة عجبك ، وإذا
مشيت على الأرض تشمئزّ منها ، فقال له : كيف لا أشمئزّ من شيء أشترك معك في الوطء
عليه؟ فضحك جميع من حضر من جوابه. وله ، جوابا لمن اعتذر عن غيبته عنه : [الطويل]
لك الفضل في أن
لا تلوح لناظري
|
|
وتبعد عني ما
بقيت مدى الدهر
|
فوجهك في لحظي
كما صوّر الردى
|
|
ولفظك في سمعي
حديث عن الفقر
|
ومن حاز ما قد
حزته من ركاكة
|
|
وغاب فلا يحتج
إلى كلفة العذر
|
وله أيضا : [الخفيف]
لك يومان لم تلح
لعياني
|
|
ولك الفضل في
زيادة شهر
|
ولك الفضل في
زيادة عام
|
|
ولك الفضل في
زيادة دهر
|
__________________
ولك الفضل أن
تغيّب عني
|
|
ذلك الوجه ما
تطاول عمري
|
وله ، وقد شرب على
صهريج فاختنق الأسد الذي يرمي بالماء ، فنفخ فيه رجل أبخر ، فجرى : [السريع]
ليث بديع الشكل
لا مثل له
|
|
صيغ من الماء له
سلسله
|
يقذف بالماء على
حينه
|
|
كأنه عاف الذي
قبّله
|
صو قال أبو الوليد
هشام الوقشي : [السريع]
برّح بي أنّ
علوم الورى
|
|
اثنان ما إن
فيهما من مزيد
|
حقيقة يعجز
تحصيلها
|
|
وباطل تحصيله لا
يفيد
|
وقال : [السريع]
وفاره يركبه
فاره
|
|
مرّ بنا في يده
صعده
|
سنانها مشتمل
لحظه
|
|
وقدّها منتحل
قدّه
|
يزحف للنساك في
جحفل
|
|
من حسنه وهو يرى
وحده
|
قلت لنفسي حين
مدّت لها ال
|
|
آمال والآمال
ممتدّه
|
لا تطمعي فيه
كما الشّعر لا
|
|
يطمع في تسويده
خدّه
|
وقال : [الخفيف]
عجبا للمدام ما
ذا استعارت
|
|
من سجايا معذّبي
وصفاته
|
طيب أنفاسه وطعم
ثنايا
|
|
ه وسكر العقول
من لحظاته
|
|
وسنا وجهه
وتوريد خدّي
|
|
ه ولطف الديباج
من بشراته
|
والتداوي منها
بها كالتداوي
|
|
برضا من هويت من
سطواته
|
وهي من بعد ذا
عليّ حرام
|
|
مثل تحريمه جنى
رشفاته
|
ومن تآليفه «نكت
الكامل للمبرد» ، وقد مرّ ذكر هذا الرجل الفرد قبل هذا.
__________________
وحضر يوما مجلس
ابن ذي النون ، فقدّم نوع من الحلوى يعرف بآذان القاضي ، فتهافت جماعة من خواصّه
عليها يقصدون التندير فيه ، وجعلوا يكثرون من أكلها ، وكان فيما قدم من الفاكهة
طبق فيه نوع يسمى عيون البقر ، فقال له المأمون : يا قاضي ، أرى هؤلاء يأكلون
أذنيك ، فقال : وأنا أيضا آكل عيونهم ، وكشف عن الطبق ، وجعل يأكل منه ، وكان هذا
من الاتفاق الغريب.
وكان الفاضل أبو
الحسين ابن الوزير أبي جعفر الوقشي آية الله في الظرف ، وكيف لا ووالده الوزير أبو
جعفر ، وصهره أبو الحسين بن جبير ، وشيخه في علم الموسيقى والتهذيب والظرف
والتدريب أبو الحسين بن الحسن بن الحاسب شيخ هذه الطريقة ، وقد رزق أبو الحسن
المذكور فيها ذوقا مع صوت بديع ، أشهى من الكأس للخليع ، قال أبو عمران بن سعيد :
ما سمعته إلّا تذكّرت قول الرصافي : [الكامل]
ومطارح ممّا
تجسّ بنانه
|
|
لحنا أفاض عليه
ماء وقاره
|
يثني الحمام فلا
يروح لو كره
|
|
طربا ورزق بنيه
في منقاره
|
وكنت أرتاح إلى
لقائه ، ارتياح العليل إلى شفائه ، ولم أزل أقرع بابا بابا ، وأخرق للاتصال حجابا حجابا ، حتى هجمت مع شفيع لا
يرد عليه ، وجلست بين يديه ، فحينئذ حرّضه حسبه على الإكرام ، وتلقّى بما أوسع من
البشر والسلام ، وقال : ليعلم سيدي أني كنت أودّ الناس في لقائه ، وأحبّهم في
إخائه ، والحمد لله الذي جعلني أنشد : [الطويل]
وليس الذي
يتّبّع الوبل رائدا
|
|
كمن جاءه في داره
رائد الوبل
|
ثم قام إلى خزانة
، فأخرج منها عود غناء يطرب دون أن تحبس أوتاره ، وتلحن أشعاره ، واندفع يغنّي دون
أن أسأله ذلك ، ولا أتجشّم تكليفه الدخول في تلك المسالك : [الطويل]
وما زلت أرجو في
الزمان لقاءكم
|
|
فقد يسّر الرحمن
ما كنت أرتجي
|
__________________
فذكركم ما زلت
أتلوه دائبا
|
|
إذا ذكروا ما
بين سلمى ومنعج
|
فلمّا فرغ من
استهلاله وعمله قبّلت رأسه ، وقلت له : لا أدري علام أشكرك قبل ، هل على تعجيلك
بما لم تدعني أسألك في شأنه أم على ما تفردت بإحسانه؟ فما هذا الصوت؟ قال : هذا نشيد
خسروانيّ من تلحيني ، قال : وأنشدني لنفسه : [الطويل]
حننت إلى صوت
النواعير سحرة
|
|
فأضحى فؤادي لا
يقرّ ولا يهدا
|
وفاضت دموعي مثل
فيض دموعها
|
|
أطارحها تلك
الصبابة والوجدا
|
وزاد غرامي حين
أكثر عاذلي
|
|
فقلت له أقصر
ولا تقدح الزّندا
|
أهيم بهم في كلّ
واد صبابة
|
|
وأزداد مع طول
البعاد لهم ودّا
|
وأنشدني لنفسه : [الكامل]
ولقد مررت على
المنازل بعدهم
|
|
أبكي وأسأل عنهم
وأنوح
|
وأقول إن سألوا
بحالي في النوى
|
|
ما حال جسم
فارقته الروح
|
قال : وكتب إليّ :
[البسيط]
يا حسرة ما قضت
من لذّة وطرا
|
|
أين الزمان الذي
يرجى به الخلف
|
أبكيك ملء جفوني
ثم يرجعني
|
|
إلى التصبّر أني
سوف أنصرف
|
قال أبو عمران :
وكنت في أيام الفتنة إذا ركنت إلى الآمال ، هونت على نفسي ما ألقى من أهوالها
بقولي مع خاطري قوله :
أين الزمان الذي يرجى به الخلف
انتهى.
وكان أبو الحسين
علي بن الحمارة ممّن برع في الألحان وعلمها ، وهو من أهل غرناطة ، واشتهر
عنه أنه كان يعمد إلى الشّعراء ، فيقطع العود بيده ، ثم يصنع منه عودا
__________________
للغناء ، وينظم
الشعر ويلحنه ، ويغني به ، فيطرب سامعيه ، ومن شعره قوله : [الطويل]
إذا ظنّ وكرا
مقلتي طائر الكرى
|
|
رأى هدبها
فارتاع خوف الحبائل
|
وقال بعض العلماء
في حقّه : إنه آخر فلاسفة الأندلس ، قال : وأعجب ما وقع له في الشعر أنه دخل سلا
وقد فرغ ابن عشرة من بناء قصره ، والشعراء تنشده في ذلك ، فارتجل ابن الحمارة هذين
البيتين ، وأنشدهما بعدهم : [البسيط]
يا واحد الناس
قد شيّدت واحدة
|
|
فحلّ فيها محلّ
الشمس في الحمل
|
فما كدارك في
الدنيا لذي أمل
|
|
ولا كدارك في
الأخرى لذي عمل
|
وسيأتي ذكر هذين
البيتين.
وكان أهل الأندلس
في غاية الاستحضار للمسائل العلمية على البديهة ، قال ابن مسدي :
أملى علينا ابن
المناصف النحوي بدانية على قول سيبويه «هذا باب ما الكلم من العربية» عشرين كراسا
، بسط القول فيها في مائة وثلاثين وجها ، انتهى ..
وهذا وأشباهه
يكفيك في تبحّر أهل الأندلس في العلم ، وربما سئل العالم منهم عن المسألة التي
يحتاج في جوابها إلى مطالعة ونظر ، فلم يحتج إلى ذلك ، ويذكر من فكره ما لا يحتاج
معه إلى زيادة.
ومن الحكايات في
مثل ذلك أنّ الأديب البليغ الحافظ أبا بكر بن حبيش لمّا قال في تخميسه المشهور : [الطويل]
بماذا على كلّ من الحقّ أوجبت
اعترض عليه أبو
زكريا اليفرني بما نصّه : استعمل المخمّس «ما ذا» في البيت تكثيرا وخبرا ،
والمعروف من كلام العرب استعمالها استفهاما ، فجاوبه بقوله : أمّا استعمالها
استفهاما كما قال فكثير ، لا يحتاج إلى شاهد ، وأمّا استعمالها في ألسن فصحاء
العرب للكثرة فكثير لا يحتاج إلى شاهد لو وصل بحث ، واستعمل مكث ، فلم يعترض عليّ
ولي ، ولا تشكّك في جلي : [الوافر]
وليس يصحّ في
الأفهام شيء
|
|
إذا احتاج
النهار إلى دليل
|
قال الله تعالى في
سورة يونس (قُلِ انْظُرُوا ما ذا
فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ
__________________
عَنْ
قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١)) [سورة يونس ،
الآية : ١٠١] ووقع في صحيح البخاري في رثاء المقتولين من المشركين يوم بدر : [الوافر]
وما ذا بالقليب
قليب بدر
|
|
من الفتيان
والشّرب الكرام
|
وما ذا بالقليب
قليب بدر
|
|
من الشّيزى
تكلّل بالسنام
|
وفي السّير في
رثاء المذكورين أيضا : [مجزوء الكامل]
ما ذا ببدر
فالعقن
|
|
قل من مرازبة
جحاجح
|
وهذا الشعر لأميّة
بن أبي الصّلت الثقفي ، ووقع في الأغاني للوليد بن يزيد يرثي نديما له يعرف بابن
الطويل : [مجزوء الكامل]
لله قبر ضمّنت
|
|
فيه عظام ابن
الطويل
|
ما ذا تضمّن إذ
ثوى
|
|
فيه من الرأي
الأصيل
|
والخبر طويل ،
وأجلى من هذا وأعلى ، وأحقّ بكل تقديم وأولى ، ولكن الواو لا تفيد رتبة ، ولا
تتضمّن نسبة ، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ذا أنزل الليلة من الفتن» وهو
في الصحاح ، ووقع في الحماسة ، وقد أجمعوا على الاستشهاد بكل ما فيها : [الكامل]
ما ذا أجال
وثيرة بن سماك
|
|
من دمع باكية
عليه وباك
|
وفي الحماسة ،
أيضا وأظنّها لأبي دهبل : [البسيط]
ما ذا رزئنا غداة
الحلّ من زمع
|
|
عند التفرّق من
خيم ومن كرم
|
ووقع في نوادر
القالي لكعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار : [الطويل]
هوت أمّه ما
يبعث الصبح غاديا
|
|
وما ذا يردّ
الليل حين يؤوب
|
ووقع في شعر
الخنساء ترثي أخاها صخرا : [الطويل]
__________________
ألا ثكلت أمّ
الذين غدوا به
|
|
إلى القبر ما ذا
يحملون إلى القبر
|
وما ذا يواري
القبر تحت ترابه
|
|
من الجود في
بؤسى الحوادث والدهر
|
ولجرير وهو في
الحماسة : [الكامل]
إن الذين غدوا
بلبّك غادروا
|
|
وشلا بعينك لا
يزال معينا
|
غيّضن من
عبراتهن وقلن لي
|
|
ما ذا لقيت من
الهوى ولقينا
|
وفي الحماسة أيضا
: [البسيط]
ما ذا من العبد بين البخل والجود
ووقع في الحماسة
أيضا ، وهو لامرأة : [الطويل]
هوت أمّهم ما ذا
بهم يوم صرّعوا
|
|
بجيشان من أسباب
مجد تصرّما
|
أرادت ما ذا تصرّم
لهم يوم صرّعوا بجيشان من أسباب مجد تصرّما.
ومما يستظهر به
قول أبي الطيب المتنبي : [البسيط]
ما ذا لقيت من
الدنيا وأعجبها
|
|
أنّي بما أنا
باك منه محسود
|
وقوله أيضا : [المتقارب]
وما ذا بمصر من
المضحكات
|
|
ولكنه ضحك
كالبكا
|
ومن ملح المتأخرين
: كان بمرسية أبو جعفر المذكور في المطمح ، وكان يلقّب بالبقيرة ، فقال فيه بعض
أهل عصره : [البسيط]
قالوا البقيرة
يهجونا فقلت لهم
|
|
ما ذا دهيت به
حتى من البقر
|
هذا وليس بثور
بل هو ابنته
|
|
وأين منزلة
الأنثى من الذّكر
|
وأنشد صاحب الزهر
، ولا أذكر قائله : [البسيط]
ما ذا لقيت من
المستعربين ومن
|
|
قياس قولهم هذا
الذي ابتدعوا
|
إن قلت قافية
بكرا يكون لها
|
|
معنى يخالف ما
قالوا وما وضعوا
|
__________________
قالوا لحنت وهذا
الحرف منتصب
|
|
وذاك خفض وهذا
ليس يرتفع
|
وضرّبوا بين عبد
الله واجتهدوا
|
|
وبين زيد فطال
الضرب والوجع
|
وقال صاحب الزهر :
أنشد أبو حاتم ولم يسمّ قائله : [الطويل]
ألا في سبيل
الله ما ذا تضمّنت
|
|
بطون الثرى
واستودع البلد القفر
|
هذا ما حضر بفضل
الله من الاستشهاد على أنّ «ما ذا» تستعمل بمعنى الخبر والتكثير ، وو الله الذي لا
إله غيره ما طالعت عليه كتابا ، ولا فتحت فيه بابا ، وإنما هو ثمالة من حوض التذكار ، وصبابة ممّا علق به شرك الأفكار ، وأثر
ممّا سدك به السمع ، أيام خلوّ الذّرع ، وعقدت عليه الحبى ، في عصر
الصّبا ، ورحم الله من تصفّح ، وتلمّح فتسمّح ، وصحّح ما وقع إليه من الاعتلال ،
وأصلح ما وضع لديه من الاختلال ، فخير الناس ، من أخذ بالبر والإيناس ، فبصر من
جهله ، وادّكر عن وهله ، وإنما المؤمنون إخوة ، وتحابهم في الله رفعة وحظوة ، ولهم
في السلف الكريم ، ومحافظتهم على الودّ القديم ، أسوة كريمة وقدوة.
قال ابن الطراح :
انظر إلى تحصيل هذا الإمام الرئيس ، والأسمى النفيس ، واستحضاره كلام الأدباء ،
وسير النقّاد والبلغاء ، ومساجلته مع فرسان المعاني ، ووصفه تلك المغاني ، وقد كان حامل لواء الأدب ، وفائق أبناء جنسه في مراقب الطلب ، وهذه الكلمة ـ أعني «ما ذا» ـ جرت بسببها مناظرة
بين الأستاذ أبي الحسين بن أبي الربيع النحوي المشهور وبين مالك بن المرحّل بسبتة
، حتى ألّف مالك كتاب «الرمي بالحصا ، والضرب بالعصا» وفيه هنات لا ينبغي لعاقل أن
يذكرها ، ولا لذي طي في البيان أن ينشرها ، وفي ذلك قال الأستاذ أبو الحسين رحمه
الله تعالى : [المديد]
كان ما ذا ليتها
عدم
|
|
جنّبوها قربها
ندم
|
ليتني يا مال لم
أرها
|
|
إنها كالنار
تضطرم
|
وقوله «يا مال»
ترخيم مالك.
__________________
وحكى الأستاذ ابن
غازي أنهم اختلفوا : هل يقال : كان ما ذا أم لا؟ وقال : إنّ الأستاذ ابن أبي
الربيع تطفّل على مالك بن المرحّل في الشعر ، كما أنّ ابن المرحّل تطفّل عليه في
النحو ، قال : ومن نظم مالك بن المرحل في هذه القضية : [مجزوء الرمل]
عاب قوم كان ما
ذا
|
|
ليت شعري كان ما
ذا
|
إن يكن ذلك جهلا
|
|
منهم فكّان ما
ذا
|
ومن نظم ابن حبيش
المذكور قوله : [الوافر]
إذا ما شئت أن
تحيا هنيّا
|
|
رفيع القدر ذا
نفس كريمه
|
فلا تشفع إلى
رجل كبير
|
|
ولا تشهد ولا
تحضر وليمه
|
وله أيضا : [البسيط]
لأعملنّ إلى
لقياكم قدمي
|
|
ولو تجشّمت بين
الطين والماء
|
لأن يبلّ ثيابي
الغيث أهون بي
|
|
من أن تحرّق نار
الشوق أحشائي
|
وأبو زكريا
المعترض على ابن حبيش هو الفقيه النحوي الأديب أبو زكريا يحيى بن علي بن سلطان
اليفرني ، وله سنة ٦٤١ ، وبرع في العربية ، وكان يلقّب في المشرق «جبل
النحو» وكان عند نفسه مجتهدا ، وكان لا يجيز نكاح الكتابيات ، خلافا للإمام مالك ،
وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، ويتمسّك بقوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً) [سورة الروم ، الآية : ٢١] وكان يرى أنّ الطلاق لا يكون
إلّا مرتين : مرة للاستبراء ، ومرة للانفصال ، ولا يقول بالثلاث ، وهو خلاف
الإجماع ، وكان يقول في نهيه عليه الصلاة والسلام عن أكل ذي ناب من السباع : أي
مأكول كل ذي ناب ، وتبقى هي على الإباحة ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) [سورة المائدة ،
الآية : ٣] وكان يقول في قوله تعالى (إِنْ هذانِ
لَساحِرانِ) [سورة طه ، الآية
: ٦٣] إن الهاء اسم إنّ ، وذان لساحران جملة خبر لإنّ ، ولا تحتاج لرابط
لأنها تفسيرية ، والمعنى عنده وأسرّوا النجوى قالوا إنها أي نجوانا هذان لساحران ،
أي قولنا هذان لساحران ، تثبيطا للناس عن اتّباعهما ، وخطّ المصحف يرده ، لكن في
المصحف أشياء كتبت على غير المصطلح ، مثل (مال هذا) و (لا أوضعوا) و (لا أذبحه).
قال ابن الطراح : ورأيت هذا المعنى لغيره ، وأظنّه ابن النحاس ، وتوفي اليفرني
المذكور سنة ٧٠٠ ، ومن شعره : [البسيط]
__________________
ما ذا على الغصن
الميّاس لو عطفا
|
|
على صبابة صبّ
حالف الدّنفا
|
يا رحمة لفؤادي
من معذّبه
|
|
كم ذا يحمّله أن
يحمل الكلفا
|
ويا رعى الله
دهرا ظلّ يجمعنا
|
|
في ظلّ عيش صفا
من طيبه وضفا
|
مودّة بيننا في
الحبّ كاملة
|
|
ونحن لا نعرف
الإعراض والصّلفا
|
رجع إلى كلام
الأندلسيين.
قال صالح بن شريف
الرّندي رحمه الله تعالى في سكين الكتابة : [الخفيف]
أنا صمصامة
الكتابة ، مالي
|
|
من شبيه في
المرهفات الرّقاق
|
فكأني في الحسن
يوم وصال
|
|
وكأني في القطع
يوم فراق
|
وقال في المقصّ : [الوافر]
ومصطحبين ما
اتّهما بعشق
|
|
وإن وصفا بضمّ
واعتناق
|
لعمر أبيك ما
اجتمعا لشيء
|
|
سوى معنى
القطيعة والفراق
|
ولبعض الأندلسيين
: [الكامل]
هلّا اقتدى ذو
خلّة بفعالنا
|
|
فيكون واصل خلّه
كوصالنا
|
مهما يجيء أحد
ليقطع بيننا
|
|
نقطعه ثم نعد
لأحسن حالنا
|
وجرح بعض الكتّاب
يده بالمقص ، فأنشده أحد جلسائه ، وغالب ظني أنه أندلسي : [الوافر]
عداوة «لا»
لكفّك من قديم
|
|
فلا تعجب لمقراض
لئيم
|
لئن أدماك فهو
للا شبيه
|
|
وقد يعدو اللئيم
على الكريم
|
ولمّا ألّف ابن
عصفور كتابه «المقرب» في النحو انتقده جماعة من أهل قطره الأندلسيين وغيرهم ، منهم
ابن الصائغ وابن هشام والجزيري ، وله عليه «المنهج المعرب ، في الردّ على المقرب»
وفيه تخليط كثير وتعسّف : [الطويل]
__________________
وفي تعب من يحسد
الشمس نورها
|
|
ويأمل أن يأتي
لها بضريب
|
ومنهم ابن الحاج
وأبو الحسن حازم القرطاجني الخزرجي ، وسمّاه «شدّ الزيار ، على جحفلة الحمار» وابن مؤمن القابسي ، وبهاء الدين بن
النحاس.
ومن شعر حازم الأندلسي
المذكور قوله : [الكامل]
لم تدر إذ سألتك
ما أسلاكها
|
|
أبكت أسّى أم
قطعت أسلاكها
|
وعارضه التجاني
بقوله : [الكامل]
يا ساحر الألحاظ
يا فتّاكها
|
|
فتيا جواز
الصّدّ من أفتاكها
|
ومن حكاياتهم في
المجون وما يجري مجراه أنّ الوزير أبا بكر بن الملح كان له ابن شاب ، فاسترسل مع الأدب إلى أن خرج من القول إلى الفعل ، وأتى
بأشياء لا تليق بمثله ، فكتب إليه أبوه : [مخلع البسيط]
يا سخنة العين
يا بنيّا
|
|
ليتك ما كنت لي
بنيّا
|
أبكيت عيني ،
أطلت حزني
|
|
أمتّ صيتي وكان
حيّا
|
حططت قدري وكان
أعلى
|
|
في كلّ حال من
الثّريّا
|
أما كفاك الزّنى
ارتكابا
|
|
وشرب مشمولة
الحميّا
|
حتى ضربت الدفوف
جهرا
|
|
وقلت للشرّ :
جىء إليّا
|
فاليوم أبكيك
ملء عيني
|
|
لو كان يغني
البكاء شيّا
|
فأجابه ابنه بقوله
: [مخلع البسيط]
يا لائم الصبّ
في التصابي
|
|
ما عنك يغني
البكاء شيّا
|
أوجفت خيل
العتاب نحوي
|
|
وقبل وثّبتها
إليّا
|
وقلت عمر الهنا
قصير
|
|
فاربح من العيش
ما تهيّا
|
قد كنت أرجو
المتاب ممّا
|
|
فتنت جهلا به
وغيّا
|
لو لا ثلاث شيوخ
سوء
|
|
أنت وإبليس
والحميّا
|
__________________
وقال أبو جعفر بن
صفوان المالقي رحمه الله تعالى : [الرجز]
سألته الإتيان
نحوي مقبلا
|
|
فقال سل نحوي كي
تحصّلا
|
قرأت باب الجمع
من شوقي له
|
|
وهو بالاشتغال
عنّي قد سلا
|
للاستغاثة
ابتدأت تاليا
|
|
وهو لأفعال
التعدّي قد تلا
|
وكلّما طلبت منه
في الهوى
|
|
عطفا غدا يطلب
منّي بدلا
|
وإن أرم محض
إضافة له
|
|
أعمل في قطعي
عنه الحيلا
|
في ألف الوصل
ظللت باحثا
|
|
وهو بباب الفصل
قد تكفّلا
|
فلست موصولا
وليس عائدا
|
|
وليس حالي عن
أسى منتقلا
|
فيا منى نفسي
ومن لفهمه
|
|
دانت فهوم
الأذكياء النّبلا
|
وجدي موقوف عليك
لا أرى
|
|
عنك مدى الدهر
له تنقّلا
|
فما الذي يمنع
من تسكينه
|
|
والوقف بالتسكين
حكم أعملا
|
والحبّ مرفوع
إليك مفرد
|
|
فلم ترى لضمتي
مستثقلا
|
فالضّمّ للرفع
غدا علامة
|
|
في مفرد مثلي
فأوضح مشكلا
|
لا زلت للهيام
عنّي رافعا
|
|
للوصل ناصبا ،
لقولي معملا
|
للشوق مسكنا ،
لهجري صارفا
|
|
بالقرب من حال
البعاد مبدلا
|
تجزم أمرا في
الأماني ماضيا
|
|
وتبتدي بما تشا
مستقبلا
|
وقال محمد بن
إدريس القضاعي الأصطبوني : [الطويل]
علاه رياض أو
رقت بمحامد
|
|
تنوّر بالجدوى
وتثمر بالأمل
|
تسحّ عليها من
نداه غمامة
|
|
تروّي ثرى
المعروف بالعلّ والنّهل
|
وهل هو إلّا الشمس
نفسا ورفعة
|
|
فيقرب بالجدوى
ويبعد بالأمل
|
تعمّ أياديه
البريّة كلّها
|
|
فدان وقاص جود
كفّيه قد شمل
|
وقال محمد التطيلي
الهذلي ، من أعيان غرناطة : [الكامل]
__________________
جارت عليّ لواحظ
الآرام
|
|
لمّا رمت
أجفانها بسهام
|
حكمت عليّ
بحكمها فتبسّمت
|
|
فغدا الضنى منها
لدى أحكام
|
يا قاتلي عمدا
بسيف لحاظه
|
|
اغمد ظباه قبل
وقع حمام
|
كم رمت وصلك
والصدود يصدّني
|
|
ويفلّ عزمي أمره
ومرامي
|
إني عدمت النفس
يوم فراقكم
|
|
والبين أسلمها
إلى الإعدام
|
كيف المقام وأصل
جسمي ناحل
|
|
إنّ النفوس
مقيمة الأجسام
|
صعب العلاج فليس
يمكن برؤها
|
|
حتى يعود الشهر
مثل العام
|
قد كنت أفرح
بالسلوّ فها أنا
|
|
قد زمّ قلبي في
الهوى بزمام
|
مالت به نحو
الفتون بدائع
|
|
من شادن يحكيه
بدر تمام
|
فقوام أنفسنا
بلذّة وصله
|
|
وجميع أعيننا
عليه سوام
|
قد أبرزت خدّاه
روض محاسن
|
|
عظمت على
الأفكار والأوهام
|
تندى بماء شبيبة
وتنعّم
|
|
فيروق منها
الزهر في الأكمام
|
فكأنما وجناتها
في لونها
|
|
ورد الرياض ربا
بصوب غمام
|
وكأنما درع
الدّجى من شعره
|
|
قد حاكه منها يد
الإظلام
|
وكأنما ريق حواه
ثغره
|
|
مسك أذيف بعنبر
ومدام
|
وكأنما سيف نضت
ألحاظه
|
|
سيف الأمير
ممهّد الإسلام
|
ذاك الأمير محمد
بن محمد
|
|
ناهيك من ملك
أغرّ همام
|
ملك علا فوق
السّماك علاؤه
|
|
وسما فأدرك غاية
الإعظام
|
لو كان يعتقل
السّها لأتاه في
|
|
شكل الفتاة
ملثّما بلثام
|
أو كان يرضى
بالمجرّة أجردا
|
|
لجرت إلى
الإسراج والإلجام
|
__________________
فالسعد يفعل
للأماني قولها
|
|
والنصر يخدمه مع
الأيام
|
واليوم يعشقه
ويحسد ليله
|
|
فيه كعشق سيوفه
للهام
|
نامت عيون
الشّرك خوف سنانه
|
|
لولاه ما اكتحلت
بطيف منام
|
بهر الأنام
بسيفه وببأسه
|
|
فسبى وأنعم
أيّما إنعام
|
فالمعتفي يجني
جزيل هباته
|
|
والمعتدي يصلى
الردى بحسام
|
مهما استعنت به
فضيغم معرك
|
|
وإذا استجرت به
فطود شمام
|
أجرى مياه العدل
بعد جفوفها
|
|
وأزال نار الظلم
بعد ضرام
|
كم من كتيبة
جحفل قد هدّها
|
|
في معرك بمهنّد
صمصام
|
المقتفي الجرد
المذاكي عدّة
|
|
للكرّ في
الأعداء والإقدام
|
من كلّ مبيضّ
كأنّ أديمه
|
|
لون الصباح أتى
عقيب ظلام
|
ومنها :
يا خير من ركب
الجياد وقادها
|
|
تحت اللواء ،
وعمدة الأقوام
|
لا زلتم والسعد
يخدم أمركم
|
|
في غبطة موصولة
بدوام
|
حتى يصير الأمن
في أرجائنا
|
|
عبدا يقوم لنا
على الأقدام
|
والله ينصركم
ويعلي مجدكم
|
|
ما سجّ إثر
الصحو ماء غمام
|
وكان يحيى السّر
قسطي أديبا ، فرجع إلى الجزارين ، فأمر الحاجب ابن هود أبا الفضل بن حسداي أن
يوبّخه على ذلك ، فكتب إليه : [الوافر]
تركت الشعر من
عدم الإصابه
|
|
وملت إلى
التجارة والقصابه
|
فأجابه يحيى : [الوافر]
تعيب عليّ مألوف
القصابه
|
|
ومن لم يدر قدر
الشيء عابه
|
ولو أحكمت منها
بعض فنّ
|
|
لما استبدلت
منها بالحجابه
|
ولو تدري بها
كلفي ووجدي
|
|
علمت علام أحتمل
الصّبابه
|
__________________
وإنك لو طلعت
عليّ يوما
|
|
وحولي من بني
كلب عصابه
|
لهالك ما رأيت
وقلت هذا
|
|
هزبر صيّر
الأوضام غابه
|
وكم شهدت لنا
كلب وهرّ
|
|
بأنّ المجد قد
حزنا لبابه
|
فتكنا في بني
العنزيّ فتكا
|
|
أقرّ الذّعر
فيهم والمهابه
|
ولم نقلع عن
الثوريّ حتى
|
|
مزجنا بالدم
القاني لعابه
|
ومن يغترّ منهم
بامتناع
|
|
فإنّ إلى
صوارمنا إيابه
|
ويبرز واحد منّا
لألف
|
|
فيغلبهم وذاك من
الغرابه
|
ومنها :
أبا الفضل
الوزير أجب ندائي
|
|
وفضلك ضامن عنك
الإجابه
|
وإصغاء إلى شكوى
شكور
|
|
أطلت على صناعته
عتابه
|
وحقّك ما تركت
الشعر حتى
|
|
رأيت البخل قد
أوصى صحابه
|
وحتى زرت مشتاقا
خليلي
|
|
فأبدى لي
التحيّل والكآبه
|
وظنّ زيارتي
لطلاب شيء
|
|
فنافرني وغلّظ
لي حجابه
|
وقال الأديب أبو
الحسن بن الحداد : [مجزوء الكامل]
قالت وأبدت صفحة
|
|
كالشمس من تحت
القناع
|
بعت الدفاتر وهي
آ
|
|
خر ما يباع من
المتاع
|
فأجبتها ويدي
على
|
|
كبدي وهمّت
بانصداع
|
لا تعجبي ممّا
رأي
|
|
ت فنحن في زمن
الضّياع
|
وقال الأديب أبو
زكريا بن مطروح من أهل مدينة باغة ، وقد عزل وال فنزل المطر على إثره ، وهو من
أحسن شعر قاله ، وكان الوالي غير مرضي : [السريع]
وربّ وال سرّنا
عزله
|
|
فبعضنا هنّأه
البعض
|
__________________
وقد واصلتنا
السّحب من بعده
|
|
ولذّ في أجفاننا
الغمض
|
لو لم يكن من
نجس شخصه
|
|
ما طهّرت من
بعده الأرض
|
وقال القاضي أبو
البركات بن الحاج البلفيقي ، رحمه الله تعالى : [الكامل]
وعشيّة حكمت على
من تاب من
|
|
أهل الخلاعة أن
يعود لما مضى
|
جمعت لنا شمل
السرور بفتية
|
|
جمعوا اللذّات
شملا مرتضى
|
ما عاقني عن أن
أسير بسيرهم
|
|
إلّا الرياء مع
الخطابة والقضا
|
وقال أبو الحجّاج
يوسف الفهري من أهل دانية : [الطويل]
أبى الله إلّا
أن أفارق منزلا
|
|
يطالعني وجه
المنى فيه سافرا
|
كأنّ على الأيام
أن لا أحلّه
|
|
رويدا فما أغشاه
إلّا مسافرا
|
وقال بعضهم في
الرثاء : [الخفيف]
عبرات تفيض حزنا
وثكلا
|
|
وشجون تعمّ بعضا
وكلّا
|
ليس إلّا صبابة
أضرمتها
|
|
حسرة تبعث الأسى
ليس إلّا
|
ولأبي جعفر البغيل
أحد شعراء المريّة وكتاّبها : [الطويل]
عزاء على هذا
المصاب الذي دهى
|
|
وشتّت شمل الأنس
من بعد ما انتهى
|
بفرع علاء في
منابت سؤدد
|
|
تسامى رقيّا في
المعالي إلى السّها
|
أصبت به من بعد
ما تمّ مجده
|
|
وقد شمخت منه
الشماريح وازدهى
|
فأيّة شمس فيه
للمجد كوّرت
|
|
وأيّ بناء
للمكارم قد وهى
|
فصبرا عليه لا
رزئت بمثله
|
|
فمثلك من يعزى
إلى الحلم والنّهى
|
وقال الكاتب
الماهر أبو جعفر أحمد بن أيوب اللمائي المالقي : [الكامل]
__________________
طلعت طلائع
للربيع فأطلعت
|
|
في الروض وردا
قبل حين أوانه
|
حيّا أمير
المؤمنين مبشّرا
|
|
ومؤمّلا للنيل
من إحسانه
|
ضنّت سحائبه
عليه بمائه
|
|
فأتاه يستسقيه
ماء بنانه
|
دامت لنا أيامه
موصولة
|
|
بالعزّ والتمكين
في سلطانه
|
وقال أبو جعفر
أحمد بن طلحة من جزيرة شقر : [السريع]
يا هل ترى أظرف
من يومنا
|
|
قلّد جيد الأفق
طوق العقيق
|
وأنطق الورق
بعيدانها
|
|
مطربة كلّ قضيب
وريق
|
والشمس لا تشرب
خمر الندى
|
|
في الروض إلّا
بكؤوس الشقيق
|
وقال أبو جعفر
الغسّاني من أهل وادي آش ، واستوطن غرناطة ، ثم مات بالمرية ، فكتب على حمالة قراب
لموطّإ الإمام مالك ، بعد ما استنجد قرائح أدباء عصره ، واستصرخ اختراعاتهم لنصره
، فكلّهم قصّر عن غرضه ، وأداء مفترضه ، فقال هو : [المجتث]
يا طالبا لكمال
|
|
حفظي أتمّ كمالك
|
فما تقلّدت مثلي
|
|
إذ لم تقلّد
كمالك
|
وقال أبو بكر يحيى
بن بقيّ : [الكامل]
خذها على وجه
الربيع المخصب
|
|
لم يقض حقّ
الروض من لم يشرب
|
هممي سماء علا
وهمّي مارد
|
|
فارجمه من تلك
الكؤوس بكوكب
|
وهو رحمه الله
تعالى صاحب الأبيات المشهورة : [الكامل]
زحزحته عن أضلع
تشتاقه
|
|
كيلا ينام على
فراش خافق
|
وانتقد عليه بعض
اللطفاء فقال : إنه كان جافي الطبع حيث قال «زحزحته» ولو قال* باعدت عنه أضلعا تشتاقه*
لكان أحسن.
وقال السلطان
المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس يستدعي : [مخلع البسيط]
انهض أبا طالب
إلينا
|
|
واسقط سقوط
الندى علينا
|
__________________
فنحن عقد بغير
وسطى
|
|
ما لم تكن حاضرا
لدينا
|
وتذكّرت هنا قول
بعض المشارقة فيما أظنّ والله تعالى أعلم : [مجزوء الرمل]
نحن في مجلس أنس
|
|
ما به غير محبّك
|
فتصدّق بحضور
|
|
واجمع الوقت
بقربك
|
وخف الآن عتابي
|
|
مثل خوفي عند
عتبك
|
رجع ـ وقال أبو
عبد الله بن خلصة الضرير : [الطويل]
ولو جاد بالدنيا
وثنّى بمثلها
|
|
لظنّ من
استصغارها أنه ضنّا
|
ولا عيب في
إنعامه غير أنه
|
|
إذا منّ لم يتبع
مواهبه منّا
|
وله أيضا [الكامل]
يا مالكا حسدت
عليه زمانه
|
|
أمم خلت من قبله
وقرون
|
ما لي أرى
الآمال بيضا وضّحا
|
|
ووجوه آمالي
حوالك جون
|
أنا آمن فرق
وراج آيس
|
|
ورو صد ومسرّح
مسجون
|
لا تعدني أنواء
سيبك لا عدا
|
|
ك النصر
والتأييد والتمكين
|
وقال ابن
اللّبّانة : [الطويل]
كرمت فلا بحر
حكاك ولا حيا
|
|
وفتّ فلا عجم
شأتك ولا عرب
|
وأوليتني منك
الجميل فواله
|
|
عسى السحّ من
نعماك يتبعه السكب
|
وقال أبو علي بن
اليماني : [الخفيف]
أبنات الهديل
أسعدن أوعد
|
|
ن قليل العزاء
بالإسعاد
|
__________________
بيد أني لا
أرتضي ما فعلت
|
|
نّ فأطوقكنّ في
الأجياد
|
وقال أبو جعفر
أحمد بن الدودي من كلمة : [الكامل]
فغدت غوادي
الحيّ عنك عجائبا
|
|
وأسلن ألحاظ
الرّباب ربابا
|
وقال ابن أبي
الخصال في مليحة لها أربع جوار قبيحات : [المنسرح]
وليلة طولها على
سنة
|
|
بات بها الجفن
نادبا وسنه
|
بأربع بينهنّ
واحدة
|
|
كسيئات وبينها
حسنه
|
وقال غالب بن تمام
الملقب بالحجّام : [الوافر]
صغار الناس
أكثرهم قبيحا
|
|
وليس لهم بصالحة
نهوض
|
ألم تر في سباع
الطير نسرا
|
|
يسالمنا ،
ويؤذينا البعوض
|
وقال ابن عائشة : [مخلع البسيط]
وروضة قد علت
سماء
|
|
تطلع أزهارها
نجوما
|
هفا نسيم الصّبا
عليها
|
|
فخلتها أرسلت
رجوما
|
كأنما الجوّ غار
لمّا
|
|
بدت فأغرى بها
النسيما
|
وله يصف فرسا ،
وهو من بدائعه : [الكامل]
قصرت له تسع
وطالت أربع
|
|
وزكت ثلاث منها
للمتأمّل
|
وكأنما سال
الظلام بمتنه
|
|
وبدا الصباح
بوجهه المتهلّل
|
وكأنّ راكبه على
ظهر الصّبا
|
|
من سرعة أو فوق
ظهر الشمال
|
وقال : [المنسرح]
تربة مسك ، وجوّ
عنبرة
|
|
وغيم ندّ ، وطشّ
ما ورد
|
كأنما جائل
الحباب به
|
|
يلعب في جانبيه
بالنرد
|
__________________
وتروى هذه الأبيات
لغيره.
وقال : [الطويل]
هم سلبوني حسن
صبري إذ بانوا
|
|
بأقمار أطواق
مطالعها بان
|
لئن غادروني
باللوى إنّ مهجتي
|
|
مسايرة أظعانهم
حيثما كانوا
|
وقال أبو محمد بن
سفيان ، وهو من أبدع التخلص : [الطويل]
فقلت وجفني قد
تداعت شؤونه
|
|
وحرّ ضلوعي مقعد
ومقيم
|
لئن دهمت دهم
الخطوب وآلمت
|
|
فإنّ أبا عيسى
أغرّ كريم
|
وقال ابن الزقاق : [الكامل]
بأبي وغير أبي
أغنّ مهفهف
|
|
مهضوم ما تحت
الوشاح خميصه
|
لبس الفؤاد
ومزّقته جفونه
|
|
فأتى كيوسف حين
قدّ قميصه
|
وقال : [الطويل]
سلام على أيامكم
ما بكى الحيا
|
|
وسقيا لذاك
العهد ما ابتسم الزّهر
|
كأن لم نبت في
ظلّ أمن تضمّنا
|
|
عن الليلة
الظّلماء أردية خضر
|
ولم نغتبق تلك
الأحاديث قهوة
|
|
وكم مجلس طيب
الحديث به خمر
|
ألا في ضمان
الله في كلّ ساعة
|
|
يجدّد لي فيها
بشوقي له ذكر
|
يذكّرنيه البرق
جذلان باسما
|
|
ويذكرني إسفار
غرّته الفجر
|
وما رقّ زهر الروض
إلّا تمثّلت
|
|
لناظر عيني منه
آدابه الزّهر
|
وقال يحيى
السّرقسطي : [الخفيف]
هاتها عسجديّة
كوثريّه
|
|
بنت كرم رحيقة
عطريّه
|
كلّما شفّها
النحول تقوّت
|
|
فاعجبوا من
ضعيفة وقويّه
|
ربّ خمّارة سريت
إليها
|
|
والدّجا في
ثيابه الزّنجيّه
|
ومنها :
__________________
كم عقار بدّلته
بعقار
|
|
وثياب صبغتها
خمريّه
|
إنّ خير البيوع
ما كان نقدا
|
|
ليس ما كان آجلا
بنسيّه
|
وله : [السريع]
نسبتم الظلم
لعمالكم
|
|
ونمتم عن قبح
أعمالكم
|
والله لو حكمتم
ساعة
|
|
ما خطر العدل
على بالكم
|
وقال الرصافي في
الدولاب : [مخلع البسيط]
وفي حنين يكاد
شجوا
|
|
يختلس الأنفس
اختلاسا
|
إذا غدا للرياض
جارا
|
|
قال لها المحل :
لا مساسا
|
يبتسم الروض حين
يبكي
|
|
بأدمع ما رأين
باسا
|
من كلّ جفن يسلّ
سيفا
|
|
صار له عقده
رياسا
|
وخرج أبو بكر
الصابوني لنزهة بوادي إشبيلية ، وكان يهوى فتى اسمه علي ، فقال : [مجزوء الوافر]
أبا حسن أبا حسن
|
|
بعادك قد نفى
وسني
|
وما أنسى تذكّره
|
|
فهل أنسى
فيذكرني
|
ويشبه هذا قول أبي
الطاهر بن أبي ركب : [مجزوء الوافر]
يقول الناس في
مثل
|
|
تذكّر غائبا تره
|
فمالي لا أرى
سكني
|
|
وما أنسى تذكّره
|
وكتب بعض الأدباء
إلى ابن حزم الأندلسي بقوله : [المتقارب]
سألت الوزير
الفقيه الأجلّ
|
|
سؤال مدلّ على
من سأل
|
فقلت أيا خير
مسترشد
|
|
ويا خير من عن
إمام نقل
|
أيحرم أن نالني
قبلة
|
|
غزال ترشف فيه
الغزل
|
وعانقني والدّجا
خاضب
|
|
فبتنا ضجيعين
حتى نصل
|
__________________
وجئتك أسأل
مسترشدا
|
|
فبيّن فديت لمن
قد سأل
|
فأجابه ابن حزم
بقوله : [المتقارب]
إذا كان ما قلته
صادقا
|
|
وكنت تحرّيت جهد
المقل
|
وكان ضجيعك طاوي
الحشا
|
|
أعار المهاة
احمرار المقل
|
قريب الرضا وله
غنّة
|
|
تميت الهموم
وتحيي الجذل
|
ففي أخذ أشهب عن
مالك
|
|
عن ابن شهاب عن
الغير قل
|
بترك الخلاف على
جمعهم
|
|
على أنّ ذلك حلّ
وبل
|
ونظر الرصافي يوما
إلى صبي يبكي ، ويأخذ من ريقه ويبلّ عينيه ، كي يحكي أثر البكاء ، فارتجل الرصافي : [الطويل]
عذيري من جذلان
يبدي كآبة
|
|
وأضلعه ممّا
يحاوله صفر
|
أميلد ميّاس إذا
قاده الصّبا
|
|
إلى ملح الإدلال
أيّده السّحر
|
يبلّ مآقي
مقلتيه بريقه
|
|
ليحكي البكا
عمدا كما ابتسم الزّهر
|
أيوهم أنّ الدمع
بلّ جفونه
|
|
وهل عصرت يوما
من النرجس الخمر
|
وكان المذكور ـ أعني
الرصافي ـ يميل في شبيبته لبعض فتيان الطلبة ، وأجمع الطلبة على أن يصنعوا نزهة بالوادي الكبير بمالقة ، فركبوا
زورقا للمسير إلى الوادي ، فوافق أن اجتمع في الزورق شمل الرصافي بمحبوبه ، ثم إنّ
الريح الغربية عصفت وهاج البحر ، ونزل المطر ، فنزلوا من الزورق ، وافترق شمل
الرصافي من محبوبه ، فارتجل في ذلك ، ويقال : إنها من أول شعره : [مخلع البسيط]
غار بي الغرب إذ
رآني
|
|
مجتمع الشّمل
بالحبيب
|
فأرسل الماء عن
فراق
|
|
وأرسل الريح عن
رقيب
|
فلمّا سمع ذلك
أستاذه استنبله ، وقال له : إنك ستكون شاعر زمانك.
__________________
وحكي أنّ أبا بكر
بن مجبر قال في ابن لأبي الحسن بن القطان بمحضر والده :
[مجزوءالرجز]
جاء وفي يساره
|
|
قوس وفي اليمنى
قدح
|
كأنه شمس بدت
|
|
وحولها قوس قزح
|
يا لائمي في
حبّه
|
|
ما كلّ من لام
نصح
|
فقال ابن عياش
الكاتب : هذه أبيات لأندلسي استوطن المشرق في تركي ، فأقسم أبو بكر أنه لم يسمع
شيئا من ذلك ، وإنما ارتجلها ، وقيل : إنها لأبي الفتح محمد بن عبيد الله من أهل
بغداد ، وأوّلها :
جدّ بقلبي ومزح
فالله أعلم بحقيقة
الأمر.
وخرج أبو بكر بن
طاهر وأبو ذر الخشني والقاضي أبو حفص بن عمر ، وهو إذ ذاك وسيم ، فأثّرت الشمس في وجهه ، فقال أبو ذر :
[المديد]
وسمتك الشمس يا
قمر
|
|
سمة في القلب
تنتثر
|
فقال الآخر : [المديد]
علمت قدر الذي
صنعت
|
|
فأتت صفراء
تعتذر
|
وقال أبو الحسين البلنسي الصوفي : كان لي صديق أمي لا يقرأ ولا يكتب ، فعلق
فتى ، وكان خرج لنزهة فأثّرت الشمس في وجهه ، فأعجبه ذلك ، وأنشد : [البسيط]
رأيت أحمد لمّا
جاء من سفر
|
|
والشمس قد أثّرت
في وجهه أثرا
|
فانظر لما
أثّرته الشمس في قمر
|
|
والشمس لا ينبغي
أن تدرك القمرا
|
واجتمع أبو الوليد
الوقشي وأبو مروان عبد الملك بن سراج القرطبي ، وكانا فريدي عصرهما حفظا وتقدّما ،
فتعارفا ، وتسالما ، ثم بادر أبو الوليد بالسؤال ، وقال : كيف يكون قول
القائل: [الطويل]
__________________
ولو أنّ ما بي
بالحصا فعل الحصا
|
|
وبالريح لم يسمع
لهنّ هبوب
|
ما ينبغي أن يكون
مكان «فعل الحصا» فقال أبو مروان «فلق الحصا» فقال : وهمت ، إنما يكون «قلق الحصا»
ليكون مطابقا لقوله «لم يسمع لهنّ هبوب» يريد أنّ ما به يحرّك في شأنه السكون
ويسكن ما شأنه الحركة ، فقال أبو مروان : ما يريد الشاعر بقوله : [الطويل]
وراكعة في ظلّ
غصن منوطة
|
|
بلؤلؤة نيطت
بمنقار طائر
|
وكان اجتماعهما في
مسجد ، فأقيمت الصلاة إثر فراغ ابن سراج من إنشاد البيت ، فلمّا انقضت الصلاة قال
له الوقشي : ألغز الشاعر باسم أحمد ، فالراكعة الحاء ، والغصن كناية عن الألف ،
واللؤلؤة الميم ، ومنقار الطائر الدال ، فقال له ابن سراج : ينبغي أن تعيد الصلاة
لشغل خاطرك بهذا اللغز ، فقال له الوقشي : بين الإقامة وتكبيرة الإحرام فككته.
والبيت الأول لعبد
الله بن الدمينة ، وبعده : [الطويل]
ولو أنني أستغفر
الله كلّما
|
|
ذكرتك لم تكتب
عليّ ذنوب
|
وقال الوزير أبو
الحسن بن أضحى : [الطويل]
ومستشفع عندي
بخير الورى عندي
|
|
وأولاهم بالشكر
منّي وبالحمد
|
وصلت فلمّا لم
أقم بجزائه
|
|
لففت له رأسي
حياء من المجد
|
وكان سبب قوله
هذين البيتين أنه كتب إليه أحد الوزراء شافعا لأحد الأعيان ، فلمّا وصل إليه برّه وأنزله
وأعطاه عطاء استعظمه واستجزله ، وخلع عليه خلعا ، وأطلعه من الأحمال بدرا لم يكن
مطلعا ، ثم اعتقد أنه قد جاء مقصّرا ، فكتب إليه معتذرا بالبيتين ، هكذا حكاه الفتح
، وقال بعد ذلك ما صورته : ومن باهر جلاله ، وطاهر خلاله ، أنه أعفّ الناس
بواطن ، وأشرفهم في التقى مواطن ، ما علمت له صبوة ، ولا حلّت له إلى مستنكر حبوة ، مع عدل لا شيء يعدله ، وتحجّب عمّا يتّقي ممّا يرسل عليه
حجابه ويسدله ، وكان لصاحب البلد الذي كان يتولّى القضاء به ابن من أحسن الناس
صورة ، وكانت محاسن الأقوال والأفعال عليه مقصورة ، مع ما شئت من لسن ، وصوت حسن ،
وعفاف ، واختلاط بالبهاء والتفاف ، قال
__________________
الفتح : وحملنا
لإحدى ضياعه بقرب من حضرة غرناطة فحللنا قرية على ضفة نهر ، أحسن من شادن مهر ، تشقّها جداول كالصّلال ؛ ولا ترمقها الشمس من تكاثف الظلال ، ومعنا جملة من
أعيانها ، فأحضرنا من أنواع الطعام ، وأرانا من فرط الإكرام والإنعام ، ما لا يطاق
ولا يحدّ ، ويقصر عن بعضه العدّ ، وفي أثناء مقامنا بدا لي من ذلك الفتى المذكور
ما أنكرته ، فقابلته بكلام أعتقده ، وملام أحقده ، فلمّا كان من الغد لقيت منه
اجتنابه ، ولم أر منه ما عهدته من الإنابة ، فكتبت إليه مداعبا له ، فراجعني بهذه
القطعة : [الطويل]
أتتني أبا نصر
نتيجة خاطر
|
|
سريع كرجع الطّرف
في الخطرات
|
فأعربت عن وجد
كمين طويته
|
|
بأهيف طاو فاتر
اللّحظات
|
غزال أحمّ
المقلتين عرفته
|
|
بخيف منّى للحين
أو عرفات
|
رماك فأصمى
والقلوب رميّة
|
|
لكلّ كحيل
الطّرف ذي فتكات
|
وظنّ بأنّ القلب
منك محصّب
|
|
فلبّاك من عينيه
بالجمرات
|
تقرّب بالنسّاك
في كلّ منسك
|
|
وضحّى غداة
النّحر بالمهجات
|
وكانت له جيّان
مثوى فأصبحت
|
|
ضلوعك مثواه
بكلّ فلاة
|
يعزّ علينا أن
تهيم فتنطوي
|
|
كئيبا على
الأشجان والزّفرات
|
فلو قبلت للناس
في الحبّ فدية
|
|
فديناك بالأموال
والبشرات
|
ومن إيثار ديانته
، وعلامة حفظه للشرع وصيانته ، وقصده مقصد المتورّعين ، وجريه جري المتشرعين ، أنّ
أحد أعيان بلده كان متّصلا به اتّصال الناظر بسواده ، محتلّا في عينه وفؤاده ، لا يسلمه إلى مكروه ، ولا يفرده في حادث يعروه ، وكان من
الأدب في منزلة تقتضي إسعافه ، ولا تورده من تشفيعه في مورد قد عافه ، فكتب إليه
ضارعا في رجل من خواصّه اختلط بمرأة طلّقها ، ثم تعلّقها ، وخاطبه في ذلك بشعر ،
فلم يسعفه ، وكتب إليه مراجعا : [المتقارب]
__________________
ألا أيها السيد
المجتبى
|
|
ويا أيها
الألمعيّ العلم
|
أتتني أبياتك
المحكمات
|
|
بما قد حوت من
بديع الحكم
|
ولم أر من قبلها
مثلها
|
|
وقد نفثت سحرها
في الكلم
|
ولكنه الدين لا
يشترى
|
|
بنثر ولا بنظام
نظم
|
وكيف أبيح حمّى
مانعا
|
|
وكيف أحلّل ما
قد حرم
|
ألست أخاف عقاب
الإله
|
|
ونارا مؤجّجة تضطرم
|
أأصرفها طالقا
بتّة
|
|
على أنوك قد طغى
واجترم
|
ولو أنّ ذاك
الغويّ الزريّ
|
|
تثبّت في أمره
ما ندم
|
ولكنه طاش
مستعجلا
|
|
فكان أحقّ الورى
بالندم
|
انتهى كلام الفتح
الذي أردت جلبه هنا.
ولا خفاء أنّ هذه
الحكاية ممّا يدخل في حكايات عدل قضاة الأندلس.
ومن نظم ابن أضحى
المذكور ما كتب به إلى بعض من يعز عليه : [البسيط]
يا ساكن القلب
رفقا كم تقطّعه
|
|
الله في منزل قد
ظلّ مثواكا
|
يشيّد الناس
للتحصين منزلهم
|
|
وأنت تهدمه
بالعنف عيناكا
|
والله والله ما
حبّي لفاحشة
|
|
أعاذني الله من
هذا وعافاكا
|
وله في مثل ذلك : [البسيط]
روحي إليك
فردّيه إلى جسدي
|
|
من لي على فقده
بالصبر والجلد
|
بالله زوري
كئيبا لا عزاء له
|
|
وشرّ فيه ومثواه
غداة غد
|
لو تعلمين بما
ألقاه يا أملي
|
|
بايعتني الودّ
تصفيه يدا بيد
|
عليك مني سلام
الله ما بقيت
|
|
آثار عينيك في
قلبي وفي كبدي
|
وإذ وصلت إلى هذا
الموضع من كلام أهل الأندلس ، فقد رأيت أن أذكر جملة من نساء أهل الأندلس اللاتي
لهنّ اليد الطولى في البلاغة ، كي يعلم أنّ البراعة في أهل الأندلس كالغريزة لهم ،
حتى في نسائهم وصبيانهم.
__________________
فمن النساء المشهورات بالأندلس : أم
السعد بنت عصام الحميري .
من أهل قرطبة ،
وتعرف بسعدونة ، ولها رواية عن أبيها وجدّها وغيرهما ، كما حكاه ابن الأبار في
ترجمتها من «التكملة».
وأنشدت لنفسها في
تمثال نعل النبيّ صلى الله عليه وسلم تكملة لقول غيرها ما صورته : [السريع]
سألثم التمثال
إذ لم أجد
|
|
للثم نعل
المصطفى من سبيل
|
لعلّني أحظى
بتقبيله
|
|
في جنّة الفردوس
أسنى مقيل
|
في ظلّ طوبى
ساكنا آمنا
|
|
أسقى بأكواس من
السلسبيل
|
وأمسح القلب به
علّه
|
|
يسكن ما جاش به
من غليل
|
فطالما استشفى
بأطلال من
|
|
يهواه أهل الحبّ
في كلّ جيل
|
وأنشدني ابن جابر
الوادي آشي عن شيخه المحدّث أبي محمد بن هارون القرطبي لجدّته سعدونة ، وأظنّها
هذه : [مجزوء الكامل]
آخ الرجال من
الأبا
|
|
عد والأقارب لا
تقارب
|
إنّ الأقارب
كالعقا
|
|
رب أو أشدّ من
العقارب
|
هكذا نقله الخطيب
ابن مرزوق ، ورأيت نسبة البيتين لابن العميد ، فالله أعلم.
ومنهن حسانة التميمية بنت أبي المخشّى الشاعر .
تأدّبت وتعلّمت
الشعر ، فلمّا مات أبوها كتبت إلى الحكم ، وهي إذ ذاك بكر لم تتزوّج : [لبسيط]
إني إليك أبا
العاصي موجّعة
|
|
أبا المخشّى
سقته الواكف الدّيم
|
قد كنت أرتع في
نعماه عاكفة
|
|
فاليوم آوي إلى
نعماك يا حكم
|
__________________
أنت الإمام الذي
انقاد الأنام له
|
|
وملّكته مقاليد
النّهى الأمم
|
لا شيء أخشى إذا
ما كنت لي كنفا
|
|
آوي إليه ولا
يعروني العدم
|
لا زلت بالعزّة
القعساء مرتديا
|
|
حتى تذلّ إليك
العرب والعجم
|
فلمّا وقف الحكم
على شعرها استحسنه ، وأمر لها بإجراء مرتب ، وكتب إلى عامله على إلبيرة فجهّزها
بجهاز حسن.
ويحكى أنها وفدت
على ابنه عبد الرحمن بشكية من عامله جابر بن لبيد والي إلبيرة ، وكان الحكم قد
وقّع لها بخطّ يده تحرير أملاكها ، وحملها في ذلك على البرّ والإكرام ، فتوسّلت
إلى جابر بخطّ الحكم ، فلم يفدها ، فدخلت إلى الإمام عبد الرحمن ، فأقامت بفنائه ،
وتلطّفت مع بعض نسائه ، حتى أوصلتها إليه ، وهو في حال طرب وسرور ، فانتسبت إليه ، فعرفها وعرف أباها ثم أنشدته : [الطويل]
إلى ذي الندى
والمجد سارت ركائبي
|
|
على شحط تصلى
بنار الهواجر
|
ليجبر صدعي إنه
خير جابر
|
|
ويمنعني من ذي
الظلامة جابر
|
فإني وأيتامي
بقبضة كفّه
|
|
كذي ريش اضحى في
مخالب كاسر
|
جدير لمثلي أن
يقال مروعة
|
|
لموت أبي العاصي
الذي كان ناصري
|
سقاه الحيا لو
كان حيّا لما اعتدى
|
|
عليّ زمان باطش
بطش قادر
|
أيمحو الذي
خطّته يمناه جابر
|
|
لقد سام
بالأملاك إحدى الكبائر
|
ولما فرغت رفعت إليه خطّ والده ، وحكت جميع أمرها ، فرقّ لها ، وأخذ خطّ
أبيه فقبّله ووضعه على عينيه ، وقال : تعدّى ابن لبيد طوره ، حتى رام نقض رأي الحكم ، وحسبنا أن نسلك سبيله بعده ، ونحفظ بعد
موته عهده ، انصرفي يا حسّانة ، فقد عزلته لك ، ووقّع لها توقيع أبيه الحكم ،
فقبّلت يده ، وأمر لها بجائزة ، فانصرفت وبعثت إليه بقصيدة منها : [البسيط]
ابن الهشامين
خير الناس مأثرة
|
|
وخير منتجع يوما
لروّاد
|
__________________
إن هزّ يوم
الوغى أثناء صعدته
|
|
روّى أنابيبها
من صرف فرصاد
|
قل للإمام أيا
خير الورى نسبا
|
|
مقابلا بين آباء
وأجداد
|
جوّدت طبعي ولم
ترض الظلامة لي
|
|
فهاك فضل ثناء
رائح غاد
|
فإن أقمت ففي
نعماك عاطفة
|
|
وإن رحلت فقد
زوّدتني زادي
|
ومنهنّ أم العلاء بنت يوسف الحجارية .
ذكرها صاحب «المغرب»
وقال : إنها من أهل المائة الخامسة ، ومن شعرها : [الرمل]
كلّ ما يصدر
منكم حسن
|
|
وبعلياكم تحلّى
الزمن
|
تعطف العين على
منظركم
|
|
وبذكراكم تلذّ
الأذن
|
من يعش دونكم في
عمره
|
|
فهو في نيل
الأماني يغبن
|
وعشقها رجل أشيب ،
فكتبت إليه : [السريع]
الشيب لا يخدع
فيه الصّبا
|
|
بحيلة فاسمع إلى
نصحي
|
فلا تكن أجهل من
في الورى
|
|
يبيت في الجهل
كما يضحي
|
ولها أيضا : [البسيط]
افهم مطارح
أحوالي وما حكمت
|
|
به الشواهد
واعذرني ولا تلم
|
ولا تكلني إلى
عذر أبيّنه
|
|
شرّ المعاذير ما
يحتاج للكلم
|
وكلّ ما جئته من
زلّة فبما
|
|
أصبحت في ثقة من
ذلك الكرم
|
والحجارية ـ بالراء
المهملة ـ نسبة إلى وادي الحجارة.
ومنهن أمة العزيز.
قال الحافظ أبو
الخطاب ابن دحية في كتاب «المطرب ، من أشعار المغرب » : أنشدتني أخت جدّي الشريفة الفاضلة أمة العزيز الشريفة
الحسينية لنفسها : [السريع]
لحاظكم تجرحنا
في الحشا
|
|
ولحظنا يجرحكم
في الخدود
|
__________________
جرح بجرح
فاجعلوا ذا بذا
|
|
فما الذي أوجب جرح
الصّدود
|
قلت : هذا السؤال
يحتاج إلى جواب ، وقد رأيت لبلدينا القاضي الإمام الفاضل أبي الفضل قاسم العقباني
التلمساني رحمه الله تعالى جوابه ؛ والغالب أنه من نظمه ، وهو قوله : [السريع]
أوجبه منّي يا
سيدي
|
|
جرح بخدّ ليس
فيه الجحود
|
وأنت فيما قلته
مدّع
|
|
فأين ما قلت
وأين الشهود
|
ومنهن أم الكرام بنت المعتصم بن صمادح
ملك المريّة .
قال ابن سعيد في «المغرب»
: كانت تنظم الشعر ، وعشقت الفتى المشهور بالجمال من دانية المعروف بالسمار ،
وعملت فيه الموشحات ، ومن شعرها فيه : [السريع]
يا معشر الناس
ألا فاعجبوا
|
|
ممّا جنته لوعة
الحبّ
|
لولاه لم ينزل
ببدر الدّجى
|
|
من أفقه العلويّ
للتّرب
|
حسبي بمن أهواه
لو أنه
|
|
فارقني تابعه
قلبي
|
ومنهن الشاعرة الغسانية البجانية
ـ بالنون ـ نسبة
إلى بجانة ، وهي كورة عظيمة ، وتشتهر بإقليم المرية ، وهي من أهل المائة الرابعة ،
فمن نظمها من أبيات : [الطويل]
عهدتهم والعيش
في ظلّ وصلهم
|
|
أنيق وروض الوصل
أخضر فينان
|
ليالي سعد لا
يخاف على الهوى
|
|
عتاب ولا يخشى
على الوصل هجران
|
ومنهنّ العروضية مولاة أبي المطرّف عبد الرحمن بن غلبون الكاتب.
سكنت بلنسية ، وكانت
قد أخذت عن مولاها النحو واللغة ، لكنها فاقته في ذلك ، وبرعت في العروض ، وكانت
تحفظ «الكامل» للمبرد و «النوادر» للقالي وتشرحهما ؛ قال أبو داود سليمان بن نجاح
: قرأت عليها الكتابين ، وأخذت عنها العروض ، وتوفيت بدانية بعد سيّدها في حدود
الخمسين والأربعمائة ، رحمها الله تعالى!
__________________
ومنهنّ حفصة بنت الحاج الركونية الشاعرة الأديبة المشهورة بالجمال ، والحسب والمال.
ذكرها الملاحي في
تاريخه ، وأنشد لها ممّا قالته في أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي ارتجالا بين
يديه : [المجتث]
يا سيّد الناس
يا من
|
|
يؤمّل الناس
رفده
|
امنن عليّ بطرس
|
|
يكون للدهر عدّه
|
تخطّ يمناك فيه :
|
|
الحمد لله وحده
|
وأشارت بذلك إلى
العلامة السلطانية عند الموحّدين ، فإنه كانت أن يكتب السلطان بيده بخطّ غليظ في
رأس المنشور «الحمد لله وحده».
وتذكّرت بذلك ،
والشيء بالشيء يذكر ، أنه لمّا قفل السلطان الناصر أمير المؤمنين ابن أمير
المؤمنين يعقوب المنصور ابن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن بن علي سلطان المغرب
والأندلس من إفريقية سنة ثلاث وستمائة بعد فتح المهدية هنّأته الشعراء بذلك ، ثم
اجتمع أبو عبد الله بن مرج الكحل بالشعراء والكتّاب ، فتذكّروا الفتح وعظمه ،
فأنشدهم ابن مرج الكحل في الوقت لنفسه : [الطويل]
ولمّا توالى
الفتح من كلّ وجهة
|
|
ولم تبلغ
الأوهام في الوصف حدّه
|
تركنا أمير
المؤمنين لشكره
|
|
بما أودع السّرّ
الإلهيّ عنده
|
فلا نعمة إلّا
تؤدي حقوقها
|
|
علامته بالحمد
لله وحده
|
فاستحسن الكتّاب
له ذلك ، ووقع أحسن موقع.
وحكى صاحب كتاب «روح
الشعر ، وروح السحر» وهو الكاتب أبو عبد الله محمد بن الجلاب الفهري أنّ أمير
المؤمنين يعقوب المنصور لمّا قفل من غزوة الأراكة المشهورة ، وكانت يوم الأربعاء
تاسع شعبان سنة إحدى وتسعين وخمسمائة ، ورد عليه الشعراء من كل قطر
__________________
يهنّئونه ، فلم
يمكن لكثرتهم أن ينشد كلّ إنسان قصيدته ، بل كان يختصّ منها بالإنشاد البيتين أو
الثلاثة المختارة ، فدخل أحد الشعراء فأنشده : [البسيط]
ما أنت في أمراء
الناس كلّهم
|
|
إلّا كصاحب هذا
الدّين في الرّسل
|
أحييت بالسيف
دين الهاشميّ كما
|
|
أحياه جدّك عبد
المؤمن بن علي
|
فأمر له بألفي
دينار ، ولم يصل أحدا غيره لكثرة الشعراء ، وأخذ بالمثل «منع الجميع ، أرضى للجميع»
قال : وانتهت رقاع القصائد وغيرها إلى أن حالت بينه وبين من كان أمامه لكثرتها ،
انتهى.
رجع إلى أخبار
حفصة :
وأنشد لها أبو
الخطاب في «المطرب» قولها : [الطويل]
ثنائي على تلك
الثّنايا لأنني
|
|
أقول على علم
وأنطق عن خبر
|
وأنصفها ، لا
أكذب الله ، إنني
|
|
رشفت بها ريقا
أرقّ من الخمر
|
وتولّع بها السيد
أبو سعيد بن عبد المؤمن ملك غرناطة ، وتغيّر بسببها على أبي جعفر بن سعيد ، حتى
أدّى تغيّره عليه أن قتله. وطلب أبو جعفر منها الاجتماع ، فمطلته قدر شهرين ، فكتب
لها : [المجتث]
يا من أجانب ذكر اسمه وحبّي علامه
ما إن أرى الوعد
يقضى
|
|
والعمر أخشى
انصرامه
|
اليوم أرجوك لا
أن
|
|
تكون لي في
القيامه
|
لو قد بصرت
بحالي
|
|
والليل أرخى
ظلامه
|
أنوح شوقا ووجدا
|
|
إذ تستريح
الحمامه
|
صبّ أطال هواه
|
|
على الحبيب
غرامه
|
لمن يتيه عليه
|
|
ولا يردّ سلامه
|
إن لم تنيلي
أريحي
|
|
فاليأس يثني
زمامه
|
فأجابته : [المجتث]
__________________
يا مدّعي في هوى
الحس
|
|
ن والغرام
الإمامه
|
أتى قريضك ، لكن
|
|
لم أرض منه
نظامه
|
أمدّعي الحبّ يثني
|
|
يأس الحبيب
زمامه
|
ضللت كلّ ضلال
|
|
ولم تفدك
الزعامه
|
ما زلت تصحب
مذكن
|
|
ت في السباق
السلامه
|
حتى عثرت وأخجل
|
|
ت بافتضاح
السآمه
|
بالله في كلّ
وقت
|
|
يبدي السحاب
انسجامه
|
والزهر في كلّ
حين
|
|
يشق عنه كمامه
|
لو كنت تعرف عذري
|
|
كففت غرب
الملامه
|
ووجّهت هذه
الأبيات مع موصل أبياته ، بعد ما لعنته وسبّته ، وقالت له : لعن الله المرسل
والمرسل! فما في جميعكما خير ، ولا لي برؤيتكما حاجة ، وانصرف بغاية من الخزي ،
ولمّا أطلّ على أبي جعفر وهو في قلق لانتظاره قال له : ما وراءك يا عصام؟ قال : ما
يكون وراء من وجهه خلف إلى فاعلة تاركة ، اقرأ الأبيات تعلم ، فلمّا قرأ الأبيات
قال للرسول : ما أسخف عقلك وأجهلك! إنها وعدتني للقبّة التي في جنّتي المعروفة
بالكمامة ، سر بنا ، فبادروا إلى الكمامة ، فما كان إلّا قليلا ، وإذا بها قد وصلت ، وأراد عتبها ،
فأنشدت : [الوافر]
دعي عدّ الذنوب
إذا التقينا
|
|
تعالي لا نعدّ
ولا تعدّي
|
وجلسا على أحسن
حالة ، وإذا برقعة الكتندي الشاعر لأبي جعفر ، وفيها : [الطويل]
أبا جعفر ، يا
ابن الكرام الأماجد
|
|
خلوت بمن تهواه
رغما لحاسد
|
فهل لك في خلّ
قنوع مهذّب
|
|
كتوم عليم
باختفاء المراصد
|
يبيت إذا يخلو
المحبّ بحبّه
|
|
ممتّع لذات بخمس
ولائد
|
فقرأها على حفصة ،
فقالت : لعنة الله! قد سمعنا بالوارش على الطعام والواغل على الشراب ، ولم نسمع اسما لمن يعلم
باجتماع محبّين فيروم الدخول عليهما ، فقال لها : بالله سمّيه لنكتب له بذلك ،
فقالت : أسمّيه الحائل ؛ لأنه يحول بيني وبينك إن وقعت عيني عليه ،
__________________
فكتب له في ظهر
رقعته : [المجتث]
يا من إذا ما
أتاني
|
|
جعلته نصب عيني
|
تراك ترضى جلوسا
|
|
بين الحبيب
وبيني
|
إن كان ذاك
فماذا
|
|
تبغي سوى قرب
حيني
|
والآن قد حصلت
لي
|
|
بعد المطال
بديني
|
فإن أتيت فدفعا
|
|
منها بكلتا
اليدين
|
أو ليس تبغي
وحاشا
|
|
ك أن ترى طير
بين
|
وفي مبيتك بالخم
|
|
س كلّ قبح وشين
|
فليس حقّك إلّا
ال
|
|
خلوّ بالقمرين
|
وكتب له تحت ذلك
ما كان منها من الكلام ، وذيّل ذلك بقوله : [مجزوء الكامل]
سمّاك من أهواه
حائل
|
|
إن كنت بعد
العتب واصل
|
مع أنّ لونك
مزعج
|
|
لو كنت تحبس
بالسلاسل
|
فلمّا رجع إليه
الرسول وجده قد وقع بمطمورة نجاسة ، وصار هتكة ، فلمّا قرأ الأبيات قال للرسول :
أعلمها بحالي ، فرجع الرسول ، وأخبرهما بذلك ، فكاد أن يغشى عليهما من الضحك ،
وكتب إليه ارتجالا كلّ واحد بيتا بيتا ، وابتدأ أبو جعفر فقال : [مجزوء الرجز]
قل للذي خلّصنا
|
|
منه الوقوع في
الخرا
|
ارجع كما شاء
الخرا
|
|
يا ابن الخرا
إلى ورا
|
وإن تعد يوما
إلى
|
|
وصالنا سوف ترى
|
يا أسقط الناس
ويا
|
|
أنذلهم بلا مرا
|
هذا مدى الدهر
تلا
|
|
قي لو أتيت في
الكرا
|
يا لحية تشغف في
ال
|
|
خرء وتشنا
العنبرا
|
__________________
لا قرّب الله
اجتما
|
|
عا بك حتى تقبرا
|
ومن شعرها : [المتقارب]
سلام يفتّح في
زهره ال
|
|
كمام وينطق ورق
الغصون
|
على نازح قد ثوى
في الحشا
|
|
وإن كان تحرم
منه الجفون
|
فلا تحسبوا
العبد ينساكم
|
|
فذلك والله ما
لا يكون
|
وقولها من أبيات :
[الطويل]
ولو لم يكن نجما
لما كان ناظري
|
|
وقد غبت عنه
مظلما بعد نوره
|
سلام على تلك
المحاسن من شج
|
|
تناءت بنعماه
وطيب سروره
|
وقولها : [الطويل]
سلوا البارق
الخفّاق والليل ساكن
|
|
أظلّ بأحبابي
يذكّرني وهنا
|
لعمري لقد أهدى
لقلبي خفقة
|
|
وأمطرني منهلّ
عارضه الجفنا
|
ونسب بعض إليها
البيتين المشهورين : [الوافر]
أغار عليك من
عيني رقيبي
|
|
ومنك ومن زمانك
والمكان
|
ولو أني خبأتك
في عيوني
|
|
إلى يوم القيامة
ما كفاني
|
والله تعالى أعلم.
وكتبت إلى أبي
جعفر : [الطويل]
رأست فما زال
العداة بظلمهم
|
|
وعلمهم النامي
يقولون ما رأس
|
وهل منكر أن ساد
أهل زمانه
|
|
جموح إلى العليا
حرون عن الدنس
|
وقال ابن دحية :
حفصة من أشراف غرناطة ، رخيمة الشعر ، رقيقة النظم والنثر ، انتهى.
ومن قولها في
السيد أبي سعيد ملك غرناطة تهنئة بيوم عيد ، وكتبت بذلك إليه:[الكامل المجزوء]
__________________
يا ذا العلا
وابن الخلي
|
|
فة والإمام
المرتضى
|
يهنيك عيد قد
جرى
|
|
فيه بما تهوى
القضا
|
وأتاك من تهواه
في
|
|
قيد الإنابة
والرضا
|
ليعيد من لذّاته
|
|
ما قد تصرّم
وانقضى
|
وذكر الملاحي في
تاريخه أنها سألتها امرأة من أعيان أهل غرناطة أن تكتب لها شيئا بخطّها ، فكتبت
إليها : [البسيط]
يا ربّة الحسن ،
بل يا ربّة الكرم
|
|
غضّي جفونك عمّا
خطّه قلمي
|
تصفّحيه بلحظ
الودّ منعمة
|
|
لا تحفلي برديء
الخطّ والكلم
|
واتّفق أن بات أبو
جعفر بن سعيد معها في بستان بحور مؤمّل ، على ما يبيت به الروض والنسيم ، من طيب
النفحة ونضارة النعيم ، فلمّا حان الانفصال ، قال أبو جعفر وكان يهواها كما سبق : [الطويل]
رعى الله ليلا
لم يرح بمذمّم
|
|
عشيّة وارانا
بحوز مؤمّل
|
وقد خفقت من نحو
نجد أريجة
|
|
إذا نفحت هبّت
بريّا القرنفل
|
وغرّد قمريّ على
الدّوح وانثنى
|
|
قضيب من الريحان
من فوق جدول
|
يرى الروض
مسرورا بما قد بدا له
:
|
|
عناق وضمّ
وارتشاف مقبّل
|
وكتب بها إليها
بعد الافتراق ، لتجيبه على عادتها في مثل ذلك ، فكتبت إليه بقولها : [الطويل]
لعمرك ما سرّ
الرياض بوصلنا
|
|
ولكنه أبدى لنا
الغلّ والحسد
|
ولا صفّق النهر
ارتياحا لقربنا
|
|
ولا غرّد
القمريّ إلّا لما وجد
|
فلا تحسن الظّنّ
الذي أنت أهله
|
|
فما هو في كلّ
المواطن بالرّشد
|
فما خلت هذا
الأفق أبدى نجومه
|
|
لأمر سوى كيما
تكون لنا رصد
|
وقال ابن سعيد في «الطالع
السعيد» : كتبت حفصة الركونية إلى بعض أصحابها : [الوافر]
أزورك أم تزور؟
فإنّ قلبي
|
|
إلى ما تشتهي
أبدا يميل
|
__________________
فثغري مورد عذب
زلال
|
|
وفرع ذؤابتي ظلّ
ظليل
|
وقد أمّلت أن
تظما وتضحى
|
|
إذا وافى إليك
بي المقيل
|
فعجّل بالجواب
فما جميل
|
|
إباؤك عن بثينة
يا جميل
|
قال التجاني :
تشبه أبيات حفصة هذه أبيات أنشدها ابن أبي الحصين في تاريخه لسلمى بنت القراطيسي
من أهل بغداد ، وكانت مشهورة بالجمال ، وهي : [الوافر]
عيون مها الصريم
فداء عيني
|
|
وأجياد الظباء
فداء جيدي
|
أزيّن بالعقود
وإنّ نحري
|
|
لأزين للعقود من
العقود
|
ولا أشكو من
الأوصاب ثقلا
|
|
وتشكو قامتي ثقل
النهود
|
وبلغت هذه الأبيات
المقتفي أمير المؤمنين فقال : اسألوا هل تصدق صفتها قولها؟ فقالوا : ما يكون أجمل
منها ، فقال : اسألوا عن عفافها ، فقالوا له : هي أعفّ الناس ، فأرسل إليها مالا جزيلا
، وقال : تستعين به على صيانة جمالها ، ورونق بهجتها ، انتهى.
رجع إلى حفصة ـ وقال
أبو جعفر بن سعيد : أقسم ما رأيت ولا سمعت بمثل حفصة ، ومن بعض ما أجعله دليلا على
تصديق عزمي ، وبرّ قسمي ، أني كنت يوما في منزلي مع من يحبّ أن يخلى معه من
الأجواد الكرام على راحة سمحت بها غفلات الأيام ، فلم نشعر إلّا بالباب يضرب ،
فخرجت جارية تنظر من الضارب ، فوجدت امرأة ، فقالت لها : ما تريدين؟ ادفعي لسيدك
هذه الرقعة ، فجاءت برقعة فيها : [الخفيف]
زائر قد أتى
بجيد الغزال
|
|
مطلع تحت جنحه
للهلال
|
بلحاظ من سحر
بابل صيغت
|
|
ورضاب يفوق بنت
الدّوالي
|
يفضح الورد ما
حوى منه خدّ
|
|
وكذا الثغر فاضح
للآلي
|
ما ترى في دخوله
بعد إذن
|
|
أو تراه لعارض
في انفصال
|
قال : فعلمت أنها
حفصة ، وقمت مبادرا للباب ، وقابلتها بما يقابل به من يشفع له حسنه وآدابه والغرام
به وتفضّله بالزيارة دون طلب في وقت الرغبة في الأنس به ، انتهى.
قلت : وإذ قد جرى
ذكر أبي جعفر بن سعيد سابق الحلبة فلنلمّ ببعض أحواله فنقول : هو
__________________
أبو جعفر أحمد بن
عبد الملك بن سعيد العنسي ، قال قريبه أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد في «المغرب» : سمعت أبي يقول : لا أعلم في بني سعيد أشعر منه ، بل لا
أعلم في بلده ، وعشق حفصة شاعرة الأندلس ، وكانا يتجاوبان تجاوب الحمام ، ولمّا
استبدّ والده بأمر القلعة حين ثار أهل الأندلس بسبب صولة بني عبد المؤمن على
الملثّمين اتخذه وزيرا ، واستنابه في أموره ، فلم يصبر على ذلك ، واستعفى ، فلم
يعفه ، وقال : أفي مثل هذا الوقت الشديد تركن إلى الراحة؟ فكتب إليه : [المجتث]
مولاي ، في أي
وقت
|
|
أنال في العيش
راحه
|
إن لم أنلها
وعمري
|
|
ما إن أنار صباحه
|
وللملاح عيون
|
|
تميل نحو
الملاحه
|
وكأس راحي ما إن
|
|
تملّ منّي راحه
|
والخطب عنّي
أعمى
|
|
لم يقترب لي
ساحه
|
وأنت دوني سور
|
|
من العلا
والرجاحه
|
فأعفني وأقلني
|
|
ممّا رأيت صلاحه
|
ما في الوزارة
حظّ
|
|
لمن يريد
ارتياحه
|
كلّ وقال وقيل
|
|
مما يطيل نباحه
|
أنسي أتى
مستغيثا
|
|
فاترك فديت
سراحه
|
فلمّا قرأ الأبيات
قال : لا ينفع الله بما لا يكون مركّبا في الطبع مائلة له النفس ، ثم وقّع على ظهر
ورقته : قد تركنا سراح أنسك ، وألحقنا يومك بأمسك. ولمّا رجع ثوار الأندلس إلى عبد
المؤمن وبايعه عبد الملك بن سعيد فغمره إحسانا وبراّ ، وولي السيد أبو سعيد بن عبد
المؤمن غرناطة طلب كاتبا من أهلها ، فوصف له فضل أبي جعفر وحسبه وأدبه ، فاستكتبه
، فطلب أن يعفيه ، فأبى إلى أن شرب أبو جعفر يوما مع بعض خواصّه ، وخرج ثاني يوم إلى الصيد وكان اليوم ذا غيم وبرد
، ولمّا اشتدّ البرد مالوا إلى خيمة ناطور ، وجعلوا يصطلون ويشربون على ما اصطادوا ، فحمل أبا جعفر
بقيّة السكر على أن قال يصف يومه ، ويستطرد بما في نفسه : [الطويل]
ويوم تجلّى
الأفق فيه بعنبر
|
|
من الغيم لذنا
فيه باللهو والقنص
|
__________________
وقد بقيت فينا
من الأمس فضلة
|
|
من السكر تغرينا
بمنتهب الفرص
|
ركبنا له صبحا
وليلا وبعضنا
|
|
أصيلا وكلّ إن شدا
جلجل رقص
|
وشهب بزاة قد
رجمنا بشهبها
|
|
طيورا يساغ
اللهو إن شكت الغصص
|
وعن شفق تغري
الصباح أو الدّجى
|
|
إذا أوثقت ما قد
تحرّك أو قمص
|
وملنا وقد نلنا
من الصيد سؤلنا
|
|
على قنص
اللّذّات والبرد قد قرص
|
بخيمة ناطور
توسّط عذبها
|
|
جحيم به من كان
عذّب قد خلص
|
أدرنا عليه مثله
ذهبيّة
|
|
دعته إلى الكبرى
فلم يجب الرخص
|
فقل لحريص أن
يراني مقيّدا
|
|
بخدمته : لا
يجعل الباز في القفص
|
وما كنت إلّا
طوع نفسي فهل أرى
|
|
مطيعا لمن عن
شأو فخري قد نقص
|
فكان من أصحابه من حفظ هذين البيتين ، ووشى بهما للسيد ، فعزله
أسوأ عزل ، ثم بلغه بعد ذلك أنه قال لحفصة الشاعرة : ما تحبّين في ذلك الأسود وأنا
أقدر أن أشتري لك من سوق العبيد عشرة خيرا منه؟ وكان لونه مائلا إلى السواد ،
فأسرّها في نفسه إلى أن فرّ عبد الرحمن بن عبد الملك بن سعيد إلى ملك شرق الأندلس
محمد بن مردنيش ، فوجد له بذلك سببا ، فقتله صبرا بمالقة.
وكان عبد الملك بن
سعيد يذكر ابنه أبا جعفر لعبد المؤمن ، وينشده من شعره رغبة في تشريفه بالحضور بين
يديه وإنشاده في مجلسه ، فأمره بحضوره ، فعندما دخل عليه قبّل يده وأنشد قصيدة
منها قوله : [الوافر]
عليك أحالني
داعي النجاح
|
|
ونحوك حثّني
حادي الفلاح
|
وكنت كساهر ليلا
طويلا
|
|
ترنّح حين بشّر
بالصباح
|
وذي جهل تغلغل
في قفار
|
|
شكا ظمأ فدلّ
على القراح
|
دعانا نحو وجهك
طيب ذكر
|
|
ويذكر للرياض
شذا الرياح
|
__________________
وله في غلام أسود
ساق ، ارتجالا : [الطويل]
أدار علينا
الكأس ظبي مهفهف
|
|
غدا نشره واللون
للعنبر الشحري
|
وزاد لنا حسنا
بزهر كؤوسه
|
|
وحسن ظلام الليل
بالأنجم الزّهر
|
وقوله فيه وقد لبس
أبيض : [المتقارب]
وغصن من الآبنوس
ارتدى
|
|
بعاج كليل علاه
فلق
|
يحاكي لنا الكأس
في كفّه
|
|
صباح بجنح علاه
شفق
|
وقوله ممّا كتب به
إلى أخيه محمد وقد ورد منه كتاب بإنعام : [المجتث]
وافى كتابك ينبي
|
|
عن سابغ الإنعام
|
فقلت درّ ودرّ
|
|
من زاخر وغمام
|
وقوله يذم حمّاما
: [السريع]
يا ربّ حمّام
لعنّا بما
|
|
أبدى إلينا كلّ
حمّام
|
أفق له قطر حميم
كما
|
|
أصمت سهام من
يدي رامي
|
يخرق سحبا
للدخان الذي
|
|
لاح كغيم العارض
الهامي
|
وقيّم يجذبني
جذبة
|
|
وتارة يكسر
إبهامي
|
ويجمع الأوساخ
من لؤمه
|
|
في عضدي قصدا
لإعلامي
|
وازدحم الأنذال
فيه وقد
|
|
ضجّوا ضجيجا دون
إفهام
|
وجملة الأمر
دخلنا بني
|
|
سام وعدنا كبني
حام
|
وله في ضدّ ذلك ،
والنصف الأخير لابن بقي : [البسيط]
لا أنس ما عشت
حمّاما ظفرت به
|
|
وكان عندي أحلى
من جنى الظّفر
|
نعّمت جسمي في
ضدين مغتنما
|
|
تنعّم الغصن بين
الشمس والمطر
|
وقال له السيد أبو
سعيد بن عبد المؤمن ، صاحب غرناطة : ما أنت إلّا حسن الفراسة ، وافر العقل ، فقال
: [الطويل]
__________________
نسبتم لمن
هذّبتموه فراسة
|
|
وعقلا ولولاكم
للازمه الجهل
|
وما هو أهل
للثناء وإنما
|
|
علاكم لتقليد
الأيادي له أهل
|
وما أنا إلّا
منكم وإليكم
|
|
وما فيّ من خير
فأنتم له أصل
|
وقال : [الطويل]
ولمّا رأيت
السّعد في صفح وجهه
|
|
منيرا دعاني ما
رأيت إلى الشكر
|
وأقبل يبدي لي
غرائب نطقه
|
|
وما كنت أدري
قبله منزع السحر
|
فأصغيت إصغاء
الجديب إلى الحيا
|
|
وكان ثنائي
كالرياض على القطر
|
وله : [المجتث]
لا تكثرنّ عتابي
|
|
إن طال عنك
فراقي
|
فما يضرّ بعاد
|
|
يطول والودّ
باقي
|
وله : [الخفيف]
ما خدمناكم لأن
تشفعوا في
|
|
نا بدار الجزاء
يوم الحساب
|
ذاك يوم أنا
وأنت سواء
|
|
فيه ، كلّ يخاف
سوء العقاب
|
إنما الشأن
الذبّ في هذه الدن
|
|
يا بسلطانكم عن
الأصحاب
|
وإذا ما
خذلتموهم بشكوى
|
|
وبخلتم عنهم
بردّ الجواب
|
فاعذروهم أن
يطلبوا من سواكم
|
|
نصرة وارفعوا
حجال العتاب
|
وإذا أرض مجدب
لفظته
|
|
فله العذر في
اتّباع السحاب
|
وله وقد تقدّم
أمامه في ليلة مظلمة أحد أصحابه ، فطفىء السراج في يده ، وفقال لوقته : [المجتث]
لي من جبينك
هادي
|
|
في الليل نحو
مرادي
|
فما أريد سراجا
|
|
يدلّني لرشاد
|
أنّى وكفّك سحب
|
|
يبدو بها ذا
اتّقاد
|
وله في قوّادة : [السريع]
__________________
قوّادة تفخر
بالعار
|
|
أقود من ليل على
سار
|
ولّاجة في كلّ
دار وما
|
|
يدري بها من
حذقها داري
|
ظريفة مقبولة
الملتقى
|
|
خفيفة الوطء على
الجار
|
لحافها لا ينطوي
دائما
|
|
أقلق من راية
بيكار
|
قد ربيت مذ عرفت
نفعها
|
|
ما بين فتّاك
وشطّار
|
جاهلة حيث ثوى
مسجد
|
|
عارفة حانة
خمّار
|
بسّامة مكثرة
برّها
|
|
ذات فكاهات
وأخبار
|
علم الرياضات
حوته وسا
|
|
سته بتقويم
وأسحار
|
منّاعة للنعل من
كيسها
|
|
موسرة في حال
إعسار
|
تكاد من لطف
أحاديثها
|
|
تجمع بين الماء
والنار
|
وما سمعنا في هذا
الباب أحسن من هذا ، والبيت السائر : [الوافر]
تقود من السياسة
ألف بغل
|
|
إذا حزنت بخيط
العنكبوت
|
وشرب ليلة مع
أصحاب له وفيهم وسيم ، فأعرض بجانبه وقطّب ، فتكدّر المجلس ، فقال أبو جعفر : [السريع]
يا من نأى عنّا
إلى جانب
|
|
صدّا كميل الشمس
عند الغروب
|
لا تزو عنّا
وجهك المجتلى
|
|
فالشمس لا يعهد
منها قطوب
|
إن دام هذا
الحال ما بيننا
|
|
فإننا عمّا قليل
نتوب
|
ما نشتكي الدهر
ولا خطبه
|
|
لولاك ما دارت
علينا خطوب
|
وله أيضا : [الطويل]
أيا لائمي في
حمل صحبة جاهل
|
|
قطوب المحيّا
سييء اللحظ والسّمع
|
لمنفعة ترجى
لديه صحبته
|
|
وإن كان ذا طبع
يخالفه طبعي
|
كما احتمل
الإنسان شرب مرارة ال
|
|
دواء لما يرجو
لديه من النفع
|
__________________
وله ، وقد أحسن ما
شاء : [الطويل]
تركتكم لا كارها
في جنابكم
|
|
ولكن أبى ردّي
إلى بابكم دهري
|
وما باختيار
فارق الخلد آدم
|
|
تنقّلني من كلّ
سهل إلى وعر
|
وما باختيار
فارق الخلد آدم
|
|
وما عن مراد لاذ
أيوب بالصبر
|
ولكنها الأيام
ليست مقيمة
|
|
على ما اشتهاه
مشته أمد العمر
|
وإنك إن فكّرت
فيما أتيته
|
|
تيقّنت أنّ
التّرك لم يك عن غدر
|
ولكن لجاج في
النفوس إذا انقضى
|
|
رجعت كما قد عاد
طير إلى وكر
|
وإني لمنسوب
إليكم وإن نأت
|
|
بي الدار عنكم
والغدير إلى القطر
|
وإني لمثن بالذي
نلت منكم
|
|
مقيم على ما
تعلمون من البرّ
|
وإن خنتكم يوما
فخانني المنى
|
|
وساء لديكم بعد
إحماده ذكري
|
على أنني أقررت
أني مذنب
|
|
وذو المجد من
يغني المقرّ عن العذر
|
وله يصف نارا : [الطويل]
نظرت إلى نار
تصول على الدّجى
|
|
إذا ما حسبناها
تدانت تبعّد
|
ترفّعها أيدي
الرياح ، وتارة
|
|
تخفّضها مثل
المكبر يسجد
|
وإلّا فمن لا
يملك الصبر قلبه
|
|
يقوم به غيظ
هناك ويقعد
|
لها ألسن تشكو
بها ما أصابها
|
|
وقد جعلت من
شدّة القرّ ترعد
|
وله على لسان
إنسان أخلقت بردته : [السريع]
مولاي ، هذي
بردتي أخلقت
|
|
وليس شيء دونها
أملك
|
وصرت من بأس ومن
فاقة
|
|
أبكي إذا
أبصرتها تضحك
|
وله يستدعي أحد
أبناء الرؤساء إلى يوم اجتماع : [الوافر]
تداركنا فإنّا
في سرور
|
|
وما بسواك يكتمل
السرور
|
أهلّة أنسنا بك
في تمام
|
|
أليس تتمّ
بالشمس البدور
|
وله ، وقد خطر على
منزله من إليه له ميل ، وقال : لو لا أخاف التثقيل لدخلت ،
__________________
وانصرف ، فلمّا
علم أبو جعفر كتب إليه : [السريع]
مولاي ، لم تقصد
تعذيب من
|
|
يهوى وما قصدك
مجهول
|
طلبت تخفيفا
ببعد وفي
|
|
تخفيف من نهواه
تثقيل
|
غيرك إن زار جنى
ضجرة
|
|
ولجّ منه القال
والقيل
|
وأنت إن زرت
حياة وما ال
|
|
عيش إذا ما طال
مملول
|
وله ، وقد جلس إلى
جانبه رجل تكلّم فأنبأ عن علوّ قدر ، فسأله عن بلده ، فقال : إشبيلة ، ففكر ثم قال
: [البسيط]
يا سيدا لم أكن
من قبل أعرفه
|
|
حتى تكلّم مثل
الروض بالعبق
|
وزادني أن غدا
في حمص منشؤه
|
|
لقد تشاكل بين
البدر والأفق
|
وله ، وقد حضر
مجلسا مع إخوان له في انبساط ومزاح ، فدخل عليهم أحد ظرفاء الغرببوجه طلق وبشاشة ، فاهتزّ لما سمع بينهم ، وجعل يصل ما
يحتاج من مزاحهم إلى صلة بأحسن منزع وأنبل مقصد ، فأنشده أبو جعفر ارتجالا : [السريع]
يا سيّدا قد
ضمّه مجلس
|
|
حلّ به للمزح
إخوان
|
لم نلق من فجأته
خجلة
|
|
ولا ثنانا عنه
كتمان
|
كأنه من جمعنا
واحد
|
|
لم ينب منّا عنه
إنسان
|
ولم نكن ندريه
لكن بدا
|
|
في وجهه للظّرف
عنوان
|
وله ، وقد لقي أحد
إخوانه ، وكان قد أطال الغيبة عنه ، فدار بينهما ما أوجب أن قال : [الكامل]
إن لحت لم تلمح
سواك الأعين
|
|
أو غبت لم تذكر
سواك الألسن
|
أنت الذي ما إن
يملّ حضوره
|
|
ومغيبه السلوان
عنه يؤمن
|
وله ، وهو من
آياته : [الكامل]
__________________
إني لأحمد طيفها
وألومها
|
|
والفرق بينهما
لديّ كبير
|
هي إن بدت لي
شيبة في جفوة
|
|
والطيف في حين
المشيب يزور
|
وإذا توالى
صدّها أو بينها
|
|
وافى على أنّ
المزار عسير
|
وله ، وقد سافر بعض الأراذل بماله ، فنكب في سفره ، وعاد فقيرا بأسوإ
أحواله : [البسيط]
اغد ولا يغن عنك
القيل والقال
|
|
فالجود مبتسم
والفضل يختال
|
قالوا فلان رماه
الله في سفر
|
|
رآه رأيا بما
حالت به الحال
|
فآب منه سليبا
مثل مولده
|
|
عليه ذلّ وتفجيع
وإقلال
|
فقلت لا خفّف
الرحمن عنه ، فلم
|
|
يكن لديه على
القصّاد إقبال
|
فقل له دام في
ذلّ ومسغبة
|
|
ولا أعيدت له في
المآل آمال
|
قد كان حمقك حسن
المال يستره
|
|
فاليوم أصبحت لا
عقل ولا مال
|
وله ، وقد سافر
أحد الرؤساء من أصحابه : [المتقارب]
أيا غائبا لم
يغب ذكره
|
|
ولا حال عن ودّه
حائل
|
لئن مال دهري بي
عنكم
|
|
فقلبي نحوكم
مائل
|
فإني شاهدت منكم
علا
|
|
من العجز قسّ
بها باقل
|
لئن طال بي
البعد عن لحظكم
|
|
فما في حياتي
إذن طائل
|
وله ، وهو من
حسناته : [السريع]
شقّت جيوب فرحا
عندما
|
|
آبت ، وفي البعد
تشقّ القلوب
|
فقلت هذا موقف
ما يشق
|
|
ق الجيب فيه غير
صبّ طروب
|
فابتسمت زهوا
وقالت كذا ال
|
|
أفق لعود الشمس
شقّ الجيوب
|
__________________
وله ، وقد أجمع رأيه على أن يفد على أمير المؤمنين عبد المؤمن ، فأخذ في
ذلك مع أصحاب له فجعلوا يثنونه عن ذلك ، وظهر عليهم الحسد له ، فقال : [السريع]
سر نحو ما تختار
لا تسمعن
|
|
ما قاله زيد ولا
عمرو
|
كلّهم يحسد ما
رمته
|
|
مهما يساعد رأيك
الدهر
|
عجبت ممّن رام
صدر العلا
|
|
يروم أن يصفو له
دهر
|
فقالوا له :
اتهمتنا في الودّ ، فقال : لو لم أتّهمكم كنت أتّهم عقلي ، والعياذ بالله تعالى من
ذلك ، وكيف لا أتهمكم وقد غدوتم تثنونني عن زيارة خليفة لوالدي عنده مكان ، وله
علينا إحسان ، ولي شافع عنده مقرب لمجلسه عقلي ولساني ، ولكني أنا المخطئ الذي
عدلت عن العمل بقول القائل : [الطويل]
ولم يستشر في
أمره غير نفسه
|
|
ولم يرض إلّا
قائم السيف صاحبا
|
وله في شعاع الشمس
والقمر على النهر : [الطويل]
ألا حبّذا نهر
إذا ما لحظته
|
|
أبى أن يردّ
اللحظ عن حسنه الأنس
|
ترى القمرين
الدهر قد عنيا به
|
|
يفضّضه بدر
وتذهبه شمس
|
وله في والده وقد
شن عليه درعا : [الطويل]
أيا قائد
الأبطال في كلّ وجهة
|
|
تطير قلوب الأسد
فيها من الذّعر
|
لقد قلت لمّا أن
رأيتك دارعا
|
|
أيا حسن ما لاح
الحباب على البحر
|
وأنشدت والأبطال
حولك هالة
|
|
أيا حسن ما دار
النجوم على البدر
|
وقوله ، وقد بلغه
أنّ حاسدا شكره : [المجتث]
متى سمعت ثناء
|
|
عمّن غدا لك
حاسد
|
__________________
فكان منك انخداع
|
|
به فرأيك فاسد
|
بصدره منك نار
|
|
لهيبها غير خامد
|
وغلّه لك ما زد
|
|
ت في السعادة
زائد
|
وإنما ذاك منه
|
|
كالحبّ في فخّ
صائد
|
وله : [مخلع
البسيط]
أبصره من يلوم
فيه
|
|
فقال ذا في
الجمال فائق
|
أما ترى ما دهيت
منه
|
|
كان عذولا فصار
عاشق
|
وله في أبيه ، وقد
سجنه عبد المؤمن : [الكامل]
مولاي ، إن
يحبسك خير خليفة
|
|
فبذاك فخرك
واعتلاء الشان
|
فالجفن يحبس
نوره من غبطة
|
|
والمرهفات تصان
في الأجفان
|
فابشر فنزع
الدّر من أصدافه
|
|
يعليه للأسلاك
والتيجان
|
ولئن غدا من ظلّ
دونك مطلقا
|
|
إنّ القذى ملقى
عن الأجفان
|
والعين تحبس
دائما أجفانها
|
|
وهداية الإنسان
بالإنسان
|
والطّرس يختم ما
حواه نفاسة
|
|
ويهان ما يبدو
من العنوان
|
فاهنأ به لكن
مليّا مكثه
|
|
سجنا لغير مذلّة
وهوان
|
فلتعلون رغم
الأعادي بعده
|
|
بذرى الخليفة في
ذرى كيوان
|
مولاي غيرك يعزّى
بما لم يزل يجري على الكرام ، ويذكّر تأنيسا له في الوحشة بما يطرأ من الكسوف
والخسوف على الشمس المنيرة والبدر التمام : [الوافر]
وأنت تعلّم
الناس التّعزّي
|
|
وخوض الموت في
الحرب السجال
|
وقد كان مولاي
أنشدني لعلي بن الجهم قائلا : إنّ أحدا لم يسلّ نفسه عمّا ناله من السجن بمثله : [الكامل]
قالوا سجنت فقلت
ليس بضائر
|
|
سجني ، وأيّ
مهنّد لا يغمد
|
__________________
الأبيات ، وما ذا تفيدك من العلم وصدرك ينبوعه ، وبخاطرك لا يزال غروبه
وطلوعه ، وإنما هي عادة تبعناها أدبا ، وقضينا بها ما في النفس من الإعلام
بالتوجّع والتفجّع أربا ، ولعلّ الله تعالى يتبع هذه التسلية بتهنئة ، ويعقب
بالنعمة هذه المرزئة. قال : فأمر الملك بتسريحه أثر ذلك ، فلمّا اجتمع وجهه بوجهه
جعل يحمد الله تعالى جهرا ويغرّد بهذه الأبيات ، وكان سراحه بكرة : [الطويل]
طلعت علينا
كالغزالة بالضحى
|
|
وعزّك طمّاح
ووجهك مشرق
|
فغفرا لذنب
الدهر أجمع إنه
|
|
أتى اليوم من
حسناه ما هو أليق
|
فلح في سماء
العزّ بالسعد طالعا
|
|
وقدرك سام أفقه
ليس يلحق
|
فقد سرحت لمّا
غدوت مسرّحا
|
|
قلوب وأفكار
وسمع ومنطق
|
فاهتزّ أبوه من
شدّة الطرب ، وقال له : والله إنك لتملأ الدلو إلى عقد الكرب .
وله يعتذر ، وقد
دعي إلى مجلس أنس : سيدي ، ساعدك سولك ، لمّا وصل إلى أخيك المعتدّ بك رسولك ،
قابله بما يجب من القبول ، وأبدي له من الشغل ما منع من الوصول : [الطويل]
ومن ذا الذي
يدعى لعدن فلا يرى
|
|
على الرأس
إجلالا إليها يبادر
|
ولكن الاضطرار ،
لا يكون معه اختيار ، وإني لأشوق الناس إلى مشاهدة تلك المكارم ، وأحبّهم في
محاضرة تلك الآداب المترادفة ترادف الغمائم ، ولكن شغلني عارض قاطع ، وبرغمي أني لدعوتك عاص وله طائع
، وإني بعد ذلك لحامل على تلك السجية الكريمة في الغفران ، مستجير بالخلاص الذي
أعهد من خرق فلان ومكر فلان ، فإني متى غبت لا أعدم مترصدا قرحة يقع عليها ذبابه ، ومستجمعا إذا أبصر فرصة سلّ عليها ذبابه : [الطويل]
ولكنني أدري
بأني نازح
|
|
ودان سواء عند
من يحفط العهدا
|
وإني لأقول وقد
غبت عن تلك الحضرة العليّة ، وجانبت ذلك الجناب السامي والمثابة السنيّة : [الطويل]
__________________
لئن غبت عمّن
نوره نور ناظري
|
|
فحسبي لديه أن
أغيب عقابا
|
وسوف أوافيه
مقرّا بزلّتي
|
|
وفي حلمه أن لا
يطيل حسابا
|
وله في قصر النهار
، ولو لم يكن له غيره لكفاه : [مجزوء الكامل]
لله يوم مسرّة
|
|
أضوا وأقصر من
ذباله
|
لمّا نصبنا
للمنى
|
|
فيه بأوتار
حباله
|
طار النهار به
كمر
|
|
تاع وأجفلت الغزاله
|
وهذا المعنى لم
يسبق إليه ، ولم يقدر أحد أن ينزعه من يديه.
ولمّا وصل صحبة
والده إلى إشبيلية افتتن بواديها ، واعتكف على الخلاعة فيها ، مصعدا ومنحدرا بين
بساتينه ومنازهه ، فمرّ ليلة بطريانة فمال نحو منزه فيه طرب سمعه ، فاستوقفه هنالك
، وهو في الزورق متكئ وأصحابه وأصحاب أبيه مظهرون انحطاطهم عنه في المرتبة ، فأخرج
رأسه أحد الأنذال المعتادين بالنادر من شرجب ، والشرجب : هو الدرابزين من خشب فيه
طاقات ؛ وطريانة مقابلة إشبيلية ، وبها المنازه والأبنية الحسنة ـ فضرط له ذلك
النذل بغاية ما قدر ، فرفع رأسه وقد أخذ منه السكر ، ولم يعتد مثل ذلك في بلده ،
وقال : يا سفلة ، أتقدم عليّ بهذا قبل معرفتي؟ فثنى عليه واحدة أخرى ، ثم رفع ثوبه
عن ذكره وهو منعظ ، وقال : يا وزير ، اجعل هذا عندك وديعة حتى أعرف من تكون ، ثم
رفع ما على استه من ثيابه وقال : واعمل من هذا غلافا للحيتك فإذا عرفناك ذهّبناه
لك ؛ فغلبه الضحك على الحرج ، وجعل أصحابه يقولون له : ما سمعت أن من دخل هذا
الوادي يعول على هذا وأمثاله ، فمال عن ذلك المنزه قليلا ، وأطرق ساعة وقال : [مجزوء
الرمل]
نهر حمص لا
عدمنا
|
|
ك فما مثلك نهر
|
فيك يلتذّ
ارتياح
|
|
أبد الدّهر وسكر
|
كلّ عمر قد خلا
من
|
|
ك فما ذلك عمر
|
خصّه الله بمعنى
|
|
فيه للألباب سرّ
|
يلعن الإنسان
فيه
|
|
وهو يصغي ويسرّ
|
ثم سأل بعد ذلك عن
ربّ المنزه ، فسمّي له ، وأعلم أنّ ابن سيد الشاعر المشهور باللصّ
__________________
كان حاضرا وأنه
أملى على السفلة ما قال وصنع ، فكتب له أبو جعفر : [الخفيف]
يا سميي ، وإن
أفاد اشتراك
|
|
غير ما يرتضيه
فضل وودّ
|
أكذا يزدرى
الخليل بأفق
|
|
أنت فيه ولم يكن
منك ردّ
|
لا أرى من سلّطت
وغدا ولكن
|
|
ليس يخفى عليك
من هو وغد
|
فلمّا وقف على هذه
الأبيات كتب له : يا مولاي وسيدي ، وأجلّ ذخري للزمان وعضدي ، الذي أفخر بمشاركة
اسمه ، وتتيه هذه الصناعة بذكره ورسمه : [الوافر]
وخير الشعر
أشرفه رجالا
|
|
وشرّ الشّعر ما
قال العبيد
|
سلام كتسنيم ، على ذلك المقام الكريم ، ورحمة الله تعالى وبركاته ، وإن
كان مولاي لم يفاتحني بالسلام ، ولا رآني أهلا لمقاومة الكرام ، لكن حطّ قدري عنده
ما نسب لي من الذنب المختلق ، ولا والله ما نطقت بلسان ولا كنت ممّن رمق ، بل الذي زوّر لسيدي في هذه الوشاية كان المعين عليها ، والملمّ إليها ، فبادر إليكم قبل أن أسبقه فاتّسم
بأسقط خطّتين : النذالة الأولى والوشاية الأخرى ، ولو لا أنّ المجالس بالأمانات ،
وأنّ الخلاعة بساط يطوى على ما كان فيه ، لكنت أسبق منه ، لكني يأبى ذلك خلقي ،
وما تأدّبت به ، ومع ذلك فإني أقول : [الطويل]
فإن كنت ذا ذنب
فقد جئت تائبا
|
|
ومثلك غفّار
ومثلك قابل
|
ولولا ما أخشى من
التثقيل ، وما أتوقّع من الخجل إذا التقى الوجهان ، لأتيت حتى بلغت في الاعتذار بالمشافهة ما لا يسع القرطاس ، لكنني متّكل
على حلم سيدي وإغضائه ، متوسّل إليه في الغفران بعلائه ، وكتب تحت ذلك شعرا طويلا
منه : [الطويل]
ولا غرو أن تعفو
وأنت ابن من غدا
|
|
تعوّد عفوا عن
كبار الجرائم
|
لكم ، آل عمّار
، بيوت رفيعة
|
|
تشيّد من كسب
الثنا بدعائم
|
إذا نحن أذنبنا
رجونا ثوابكم
|
|
ولم نقتنع
بالعفو دون المكارم
|
وإنك فرع من
أصول كريمة
|
|
ولا تلد الأزهار
غير الكمائم
|
وإني مظلوم لزور
سمعته
|
|
وقد جئت أرجو
العفو في زيّ ظالم
|
__________________
فأجابه أبو جعفر
بما نصّه : سيدي الذي أكبر قدره ، وأجلّ ذكره ، وأجزل شكره ، وصل جوابك الذي لو كان لك من الذنب ما
تحمّله ابن ملجم ، لأضربت لك عنه صفحا ، ونسيت بما تأخّر ما تقدّم ، ومعاذ
الله أن أنسب لفضلك عيبا ، فأذمّ لك حضورا أو غيبا ، وإنما قصدت بالمعاتبة ، ما
تحتها من المطارحة والمداعبة ، على أنّ سيدي لو تيقّنت أنه ظالم لأنشدت : [السريع]
منذ غدا طرفك لي
ظالما
|
|
آليت لا أدعو
على ظالم
|
لكنني أتيقّن خلاف
ذلك ، وأعلم حتى كأني حاضر ما كان هنالك ، وقد أطلت عليك ، وبعد هذا فلتعتمد على
أن تصل إلي أو أصل إليك ، فهذا يوم كما قال البستي : [الكامل]
يوم له فضل على
الأيام
|
|
مزج السحاب
ضياءه بظلام
|
فالبرق يخفق مثل
قلب هائم
|
|
والغيم يبكي مثل
جفن هام
|
فاختر لنفسك
أربعا هنّ المنى
|
|
وبهنّ تصفو لذة
الأيام
|
وجه الحبيب
ومنزلا مستشرفا
|
|
ومغنّيا غردا
وكأس مدام
|
وقد حضرت عند محبك
الثلاثة فكن رابعها ، ونادت بك همم الأماني فكن بفضلك سامعها ، ومركز أفلاك هذه
المسرّة حيت كتب هذه الرقعة إلى مجدك منزه مطلّ على جزيرة شنتبوس لا أزال أترنّم
فيه بقول ابن وكيع : [المنسرح]
قم فاسقني
والخليج مضطرب
|
|
والريح تثني
ذوائب القضب
|
كأنها والرياح
تعطفها
|
|
صفّ قنا سندسيّة
العذب
|
والجوّ في حلّة
ممسّكة
|
|
قد طرّزتها
البروق بالذهب
|
فإن كان سيدي في
مثل هذا المكان ، جرينا إليه جري الحلبة لخصل الرهان ، وإن كان في كسر بيته
فليبادر إلى محل تقصر عنه همّة قيصر وكسرى ، وإن أبطأ فإنّ الرقاع بالاستدعاء لا
تزال عليه تترى ، وإن كان لا يجدي هذا الكلام ، فما نقنع من العقوبة المؤلمة
بالملام ، وعلى المودّة المرعية الداعية أكمل ما يكون من السلام.
__________________
فعندما قرأ الرقعة
ركب إليه زورقا وصنع هذه الأبيات في طريقه ، فعند وصوله ينشده إيّاها : [الطويل]
ركبت إليك النهر
يا بحر فالقنا
|
|
بما يتلقّى جوده
كلّ قادم
|
بفيض ولكن من
مدام ، وهزّة
|
|
ولكن إلى بذل
الندى والمكارم
|
وكنّا نسمّي قبل
كونك حاتما
|
|
ومذ لحت فينا لم
نعد ذكر حاتم
|
بآل سعيد يفخر
السعد والعلا
|
|
فأيديهم تلغي
أيادي الغمائم
|
فامتلأ أبو جعفر
سرورا ، وخلع عليه ما كان عنده هنالك ، ووعده بغير ذلك ، فأطرق لينظم شيئا في شكره
، فأقسم عليه أن لا يشغل خاطره في ذلك الوقت عن الارتياح ، وحثّ أكؤس الراح ،
فأقبلوا على شأنهم ، وكان ابن سيد في ذلك الحين متسترا بشرب الراح ، وكان عند أبي
جعفر خديم كثير النادر والالتفات ، يخاف أهل التستّر من مثله ، فقال ابن سيد : هات
دواة وقرطاسا ، فأعطاه ذلك ، فكتب : [مخلع البسيط]
يا سيدي ، قد
علمت أني
|
|
بهذه الحال لا
أظاهر
|
أخشى أناسا لهم
عيون
|
|
نواظر منّي
المعاير
|
أحذرهم طاقتي
وإني
|
|
وثقت بالله فهو
غافر
|
ولا تقس حالتي
بحال
|
|
منك اعتذار
فالفرق ظاهر
|
فأنت إن كنت ذا
جهار
|
|
غير مبال فالجاه
ساتر
|
لا تخش من قول
ذي اعتراض
|
|
ولا حسود عليك
قادر
|
وإنني قد رأيت
ممّن
|
|
يكثّر القول وهو
ساخر
|
ما قد أراب
العفيف منه
|
|
ضحكك وظنّ به
يجاهر
|
أخشى إذا قيل
كيف كنتم
|
|
قال بحال تسرّ
ناظر
|
واللصّ ما بيننا
صريعا
|
|
بكلّ كأس عليه
دائر
|
مطرحا للصلاة
يصغي
|
|
لصولة الدف
والمزمار
|
فأغتدي سيدي
مشارا
|
|
إليّ مهما مررت
خاطر
|
وإن أتيت الملوك
أبغي
|
|
نوالهم قيل أيّ
شاعر
|
__________________
يذكر في شعره خلافا
|
|
وهو لزور المحال
ذاكر
|
بالأمس قد كان
ذا انتهاك
|
|
فما له بعد ذاك
عاذر
|
إن كان هذا فإنّ
حظي
|
|
وافى لربح فآب
خاسر
|
فقال له أبو جعفر
: يا أبا العباس ، اشرب هنيئا غير مقدر ما قدرت ، فلو كان هذا المضحك على الصفة
التي ذكرت كان الذنب منسوبا إليّ في كوني أحضر في مجلسي من يهتك ستر المستورين ، ومهما تره هنا بهذه الخفة والطيش
والتسرّع للكلام فإنه إذا فارقنا أثقل من جبل ، وأصمت من سمكة ، متزيّ بزيّ خطيب
في نهاية من السكون والوقار : [الطويل] :
وتحت الثياب العار لو كان باديا
فكن في أمن ما
شربت معي ، فإني والله لا أسمع أحدا من أصحابنا تكلّم في شأنك بأمر إلّا عاقبته
أشدّ العقاب ، والذنب في ذلك راجع إليّ. فسكن ابن سيد وجعل يحثّ الأقداح ، ويمرح
أشدّ المراح ، على ما كان يظهره من الانقباض ، تقيّة لما يخشاه من الاعتراض ، إلى
أن قاربت الشمس الغروب ، ومدّ لها في النهر معصم مخضوب ، فقال أبو جعفر : [المجتث]
انظر إلى الشمس
قد أل
|
|
صقت على الأرض
خدّا
|
فقال ابن سيد :
هي المراة ولكن
|
|
من بعدها الأفق
يصدا
|
فقال أبو جعفر :
مدّت طرازا على
النه
|
|
ر عندما لاح
بردا
|
فقال ابن سيد :
أهدت لطرفك منه
|
|
ما للأكارم يهدى
|
فقال أبو جعفر :
__________________
درع اللّجين
عليه
|
|
سيف من التّبر
مدّا
|
فقال ابن سيد :
فاشرب عليه
هنيئا
|
|
وزد سرورا وسعدا
|
ثم لمّا أظلم
الليل نظروا إلى منارة شنتبوس قد عكست مصابيحها في النهر ، وإلى النجوم قد طلعت
فيه ، فقال ابن سيد : [المجتث]
اخلع على النهر
ثوب ال
|
|
كرى فذلك واجب
|
فقال أبو جعفر :
وانظر إلى
السّرج فيه
|
|
كالزّهر ذات
الذوائب
|
وحين صفّق للأف
|
|
ق نقّطته
الكواكب
|
فقبّل ابن سيد
رأسه ، وقال : ما تركت بعد هذا مقالا لقائل ، ثم جعلوا يشربون.
فقال أبو جعفر : [مجزوء
الرمل].
سقّني والأفق
برد
|
|
بنجوم الليل
معلم
|
فقال ابن سيد :
وبساط النهر
منها
|
|
وهو فضّيّ مدرهم
|
فقال أبو جعفر :
ورواق الليل
مرخى
|
|
والشّذا بالروض
قد نم
|
فقال ابن سيد :
والنّدى في
الزهر منثو
|
|
ر على عقد منظّم
|
فقال أبو جعفر :
والصّبا جرّت
على مي
|
|
ت الطّلى كفّ
ابن مريم
|
فقال ابن سيد :
__________________
كان مبهوتا
فلمّا
|
|
نفخت فيه تكلّم
|
فقال أبو جعفر :
وكأنّ الكأس
والقه
|
|
وة دينار ودرهم
|
فقال ابن سيد :
وبدا الدّفّ
يناغي ال
|
|
عود والمزمار
هيّم
|
فقال أبو جعفر :
فأذاع الأنس
منّا
|
|
كلّ ما كان
مكتّم
|
فقال ابن سيد :
أيّ عيش يهتك
المس
|
|
تور لو كان ابن
أدهم
|
فقال أبو جعفر :
هكذا العيش
ودعني
|
|
من زمان قد
تقدّم
|
فقال ابن سيد :
حين لا خمر سوى
ما
|
|
بكؤوس البيض من
دم
|
فقال أبو جعفر :
والله ما تعديت ما جال الساعة في خاطري ، فإني ذكرت أيام الفتنة وما كابدنا فيها
من المحن ، وأنا لم نزل في مصادمة ومقارعة ، ثم رأيت ما نحن الآن فيه بهذه الدولة
السعيدة التي أمنت وسكنت ، فشكرت الله تعالى ، ودعوت بدوامها.
ثم لمّا طلع الفجر
قال أبو جعفر : [مجزوء الرمل]
نثر الطّلّ
عقوده
|
|
ونضا الليل
بروده
|
فقال ابن سيد :
وبدا الصبح بوجه
|
|
مطلع فينا سعوده
|
فقال أبو جعفر :
__________________
وغدا ينشر لمّا
|
|
فتر الليل بنوده
|
فقال ابن سيد :
فهلمّ اشرب
وقبّل
|
|
من غدا ينطق
عوده
|
فقال أبو جعفر :
ثم صافحه على رغ
|
|
م النوى وافرك
نهوده
|
فقال ابن سيد :
واجعل الشكر على
ما
|
|
نلته منه جحوده
|
فقال أبو جعفر :
يا أبا العباس ، إنك أغرت على التهامي في هذا البيت في قوله :
وشكر أيادي الغانيات جحودها
قال : فلم لقّبت
باللّص؟ لو لا هذا وأمثاله ما كان ذلك.
واللص المذكور
اسمه أحمد بن سيد ، يكنى أبا العباس ، وهو من مشهوري شعراء الأندلس.
ولمّا أنشد أمير
المؤمنين عبد المؤمن بن علي بجبل الفتح قوله : [البسيط]
غمّض عن الشمس
واستقصر مدى زحل
|
|
وانظر إلى الجبل
الراسي على جبل
|
قال له : أنت شاعر
هذه الجزيرة ، لو لا أنك بدأتنا بغمّض وزحل والجبل.
ومن بديع نظم اللص
قوله ؛ [المجتث]
سلبت قلبي بلحظ
|
|
أبا الحسين خلوب
|
فلم أسمّى بلصّ
|
|
وأنت لصّ القلوب
|
ولمّا اجتمع أبو
جعفر بن سعيد المترجم به باللصّ أبي العباس المذكور في جبل الفتح عندما وفد فضلاء
الأندلس على عبد المؤمن ، واستنشده ، فجعل ينشده ما استجفاه به لخروجه عن حلاوة
منزع أبي جعفر ، إلى أن أنشده قوله : [الوافر]
وما أفنى السؤال
لكم نوالا
|
|
ولكن جودكم أفنى
السؤالا
|
__________________
فقال له أبو جعفر
: لا جعلك الله في حلّ من نفسك ، يكون في شعرك مثل هذا وتنشدني ما كان يحملني على
أن أسأت معك الأدب؟ والله لو لم يكن لك غير هذا البيت لكنت به أشعر أهل الأندلس.
وكتب إلى أبي جعفر
أبو الحكم بن هرودس في يوم بارد بغرناطة : [الخفيف]
يا سميّي ، في
علم مجدك ما يح
|
|
تاج فيه هذا
النهار المطير
|
ندف الثلج فيه
قطنا علينا
|
|
ففررنا بعدلكم
نستجير
|
والذي أبتغيه في
اللحظ منه
|
|
ورضاب الذي هويت
نظير
|
يوم قرّ يودّ من
حلّ فيه
|
|
لو تبدّى
لمقلتيه سعير
|
فوجّه بما طلب ،
وجاوبه بما كتب : [الخفيف]
أيها السيد
الأجلّ الوزير
|
|
الذي قدره معلّى
خطير
|
قد بعثنا بما
أشرت إليه
|
|
دمت للأنس
والسرور تشير
|
كان لغزا فككته
دون فكر
|
|
إنّ فهمي بما
تريد خبير
|
ومن نظم أبي الحكم
: [الوافر]
إذا ضاقت عليك
فولّ عنها
|
|
وسر في الأرض
واختبر العبادا
|
ولا تمسك رحالك
في بلاد
|
|
غدوت بأهلها
خبرا معادا
|
ولمّا مدح أبو
القاسم أخيل بن إدريس الرندي عبد المؤمن في جبل الفتح بقصيدة أوّلها : [الكامل]
ما الفخر إلّا
فخر عبد المؤمن
|
|
أثنى عليه كلّ
عبد مؤمن
|
قال أبو جعفر بن
سعيد : دعاه التجنيس إلى الضعف والخروج عن المقصود ، والأولى أن لو قال «شاد
الخلافة وهو أوّل مبتني».
ومن هذه القصيدة :
أمّا ابن سعد
فهو أول مارق
|
|
يا ليته بأبيه
سعد يكتني
|
__________________
ما قدر مرسية
وحكمك نافذ
|
|
إن شئت من عدن
لأرض المعدن
|
فلمّا أكملها قال
له عبد المؤمن : أجدت ، فقال ارتجالا : [الكامل]
من لي ، أمير
المؤمنين ، بموقفي
|
|
هذا وقولك لي
أجدت ولم تن
|
فلقد مدحتك
خائفا أن لا يفي
|
|
لسني بما يعيي
جميع الألسن
|
ولابن إدريس
المذكور : [الخفيف]
أيها البدر ، هل
علمت بأني
|
|
لم أبت راعيا
محيّاك ودّا
|
أنا لو بات من
حكيت بجنبي
|
|
لم يكن عنه
ناظري يتعدّى
|
وله : [الكامل]
شتان ما بيني
وبينك في الهوى
|
|
أنا أبتغيك وأنت
عنّي تصدف
|
وإذا عتبتك
وارعويت يبين لي
|
|
في الحين منك
بأنّ ذاك تكلّف
|
يا ليت شعري كيف
يقضى وصلنا
|
|
والعمر يفنى
والمواعد تخلف
|
وقيل له لمّا هجره
عبد المؤمن : اكتب له واعتذر ، وبرهن عن نفسك ، فقال : ما يكون أمير المؤمنين
هجرني إلّا وقد صحّ عنده ، ولا أنسبه في أمري لقلّة التثبّت والجور ، وإنما أرغب في عفوه ورحمته ، فكأنّ هذا الكلام ألان عليه
قلب عبد المؤمن لما بلغه ، وكان قد نقل عنه حسّاده أنه قال : كيف تصحّ له الخلافة
، وليس بقرشي؟
ولا بأس أن نزيد
من أخبار اللصّ الذي جرى ذكرنا له مع أبي جعفر بن سعيد فنقول : هو النحوي المبرز
في الشعر أبو العباس أحمد بن سيد ، الإشبيلي ؛ ذكره ابن دحية في المطرب ، وأخبر أنه شيخه ، وختم كتاب
سيبويه مرتين على النحوي أبي القاسم بن الرماك ، واجتمع به أبو جعفر بن سعيد بجبل
الفتح كما سبق ، ولقّب اللص لإغارته على أشعار الناس.
وله : [البسيط]
شاموا الردى
فأشمّوا الترب أنفهم
|
|
ولم يبالوا بما
فيها من الشّمم
|
__________________
ثم جعل يقول : قطع
الله لساني إن كان اليوم على وجه الأرض من يعرف أن يسمعه ، فضلا عن أن يقوله.
وله القصيدة
الشهيرة : [الوافر]
نداك الغيث إن
محل توالى
|
|
وأنت الليث إن
شاؤوا القتالا
|
سلبت الليث شدّة
ساعديه
|
|
نعم ، وسلبت
عينيه الغزالا
|
وما أفنى السؤال
لكم نوالا
|
|
ولكن جودكم أفنى
السؤالا
|
وقد تقدم هذا
البيت في حكايته مع ابن سعيد.
وقال في حلقة خياط
، وهو من محاسنه : [البسيط]
كأنها بيضة وخز
الرماح بها
|
|
باد وقونسها
بالسيف قد قطعا
|
وقال : [البسيط]
فالليل إن واصلت
كالليل إن هجرت
|
|
أشكو من الطول
ما أشكو من القصر
|
رجع إلى أخبار أبي
جعفر بن سعيد :
قال في «الأزهار
المنثورة ، في الأخبار المأثورة» ما نصّه : لمّا قبض على الوزير أبي جعفر ابن عبد
الملك بن سعيد العنسي ، وثقف بمالقة ، دخل إليه ابن عمّه ، ووصل إلى الاجتماع به ريثما استؤذن السيد أبو
سعيد ابن الخليفة عبد المؤمن في أمره ، قال : فدمعت عيناي حين رأيته مكبولا ، فقال لي : أعليّ تبكي بعد ما بلغت من الدنيا أطايب
لذاتها ، فأكلت صدور الدجاج ، وشربت في الزجاج ، ولبست الديباج ، وتمتّعت بالسراري
والأزواج ، واستعملت من الشمع السراج الوهّاج ، وركبت كل هملاج ، وها أنا في يد الحجاج ، منتظر محنة الحلّاج ، قادم على غافر لا يحتاج إلى اعتذار ولا إلى احتجاج؟ قال : فقلت : أفلا يؤسف على من ينطق بهذا الكلام ،
ثم يفقد؟ وقمت عنه فكان آخر العهد به ، انتهى.
__________________
رجع إلى أخبار النساء.
ومن أشهر هنّ
بالأندلس ولّادة بنت المستكفي بالله محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن
الناصر لدين الله ، وكانت واحدة زمانها ، المشار إليها في أوانها حسنة المحاضرة ،
مشكورة المذاكرة ، كتبت بالذهب على الطراز الأيمن : [الوافر]
أنا والله أصلح
للمعالي
|
|
وأمشي مشيتي
وأتيه تيها
|
وكتبت على الطراز
الأيسر :
وأمكن عاشقي من
صحن خدّي
|
|
وأعطي قبلتي من
يشتهيها
|
وكانت مع ذلك
مشهورة بالصيانة والعفاف ، وفيها خلع ابن زيدون عذاره ، وقال فيها القصائد الطنانة
والمقطعات ، وكانت لها جارية سوداء بديعة المعنى ، فظهر لولّادة أنّ ابن زيدون مال
إليها ، فكتبت إليه : [الكامل]
لو كنت تنصف في
الهوى ما بيننا
|
|
لم تهو جاريتي
ولم تتخيّر
|
وتركت غصنا
مثمرا بجماله
|
|
وجنحت للغصن
الذي لم يثمر
|
ولقد علمت بأنني
بدر السما
|
|
لكن ولعت ،
لشقوتي ، بالمشتري
|
ولقّبت ابن زيدون
بالمسدس ، وفيه تقول : [الوافر]
ولقّبت المسدّس
وهو نعت
|
|
تفارقك الحياة
ولا يفارق
|
|
فلوطيّ ومأبون
وزان
|
|
وديّوث وقرنان
وسارق
|
وقالت فيه : [السريع]
إنّ ابن زيدون
على فضله
|
|
يعشق قضبان
السراويل
|
لو أبصر الأير
على نخلة
|
|
صار من الطير
الأبابيل
|
وقالت فيه أيضا : [السريع]
إنّ ابن زيدون
على فضله
|
|
يغتابني ظلما
ولا ذنب لي
|
__________________
يلحظني شزرا إذا
جئته
|
|
كأنني جئت لأخصي
علي
|
وقالت ولادة تهجو
الأصبحي : [السريع]
يا أصبحيّ اهنأ
فكم نعمة
|
|
جاءتك من ذي
العرش ربّ المنن
|
قد نلت باست
ابنك ما لم ينل
|
|
بفرج بوران
أبوها الحسن
|
وكتبت إليه لما
أولع بها بعد طول تمنّع : [الطويل]
ترقّب ، إذا جنّ
الظلام ، زيارتي
|
|
فإني رأيت الليل
أكتم للسّرّ
|
وبي منك ما لو
كان بالشمس لم تلح
|
|
وبالبدر لم يطلع
وبالنجم لم يسر
|
ووفت بما وعدت ،
ولمّا أرادت الانصراف ودعته بهذه الأبيات : [الرمل]
ودّع الصّبر
محبّ ودّعك
|
|
ذائع من سرّه ما
استودعك
|
يقرع السّنّ على
أن لم يكن
|
|
زاد في تلك
الخطا إذ شيّعك
|
يا أخا البدر
سناء وسنا
|
|
حفظ الله زمانا
أطلعك
|
إن يطل بعدك
ليلي فلكم
|
|
بتّ أشكو قصر
الليل معك
|
وكتبت إليه : [الطويل]
ألا هل لنا من
بعد هذا التفرّق
|
|
سبيل فيشكو كلّ
صبّ بما لقي
|
وقد كنت أوقات
التزاور في الشتا
|
|
أبيت على جمر من
الشوق محرق
|
فكيف وقد أمسيت
في حال قطعة
|
|
لقد عجّل
المقدور ما كنت أتّقي
|
تمرّ الليالي لا
أرى البين ينقضي
|
|
ولا الصّبر من
رقّ التشوّق معتقي
|
سقى الله أرضا
قد غدت لك منزلا
|
|
بكلّ سكوب هاطل
الوبل مغدق
|
فأجابها بقوله : [الطويل]
لحى الله يوما
لست فيه بملتق
|
|
محيّاك من أجل
النوى والتفرّق
|
وكيف يطيب العيش
دون مسرّة
|
|
وأيّ سرور
للكئيب المؤرّق
|
__________________
وكتب في أثناء
الكلام بعد الشعر : وكنت ربما حثثتني على أن أنبّهك على ما أجد فيه
عليك نقدا ، وإني انتقدت عليك قولك :
سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا
فإنّ ذا الرمة قد
انتقد عليه قوله مع تقديم الدعاء بالسلامة : [الطويل]
ألا يا اسلمي يا
دار ميّ على البلى
|
|
ولا زال منهلّا
بجرعائك القطر
|
إذ هو أشبه بالدعاء على المحبوب من الدعاء له ، وأمّا المستحسن
فقول الآخر : [الكامل]
فسقى ديارك غير
مفسدها
|
|
صوب الربيع
وديمة تهمي
|
وبسببها خاطب ابن
عبدوس بالرسالة المشهورة التي شرحها غير واحد من أدباء المشارقة كالجمال بن نباتة
والصفدي وغيرهما ، وفيها من التلميحات والتنديرات ما لا مزيد عليه.
وقد ذكر ولّادة
ابن بشكوال في «الصّلة» فقال : كانت أديبة ، شاعرة ، جزلة القول ، حسنة الشعر ،
وكانت تناضل الشعراء ، وتساجل الأدباء ، وتفوق البرعاء. وعمرت عمرا طويلا ، ولم
تتزوّج قطّ ، وماتت لليلتين خلتا من صفر سنة ثمانين ، وقيل : أربع وثمانين
وأربعمائة ، رحمها الله تعالى.
وكان أبوها
المستكفي بايعه أهل قرطبة لمّا خلعوا المستظهر ، كما ألمعنا به في غير هذا الموضع
، وكان خاملا ساقطا ، وخرجت هي في نهاية من الأدب والظرف : حضور شاهد ،
وحرارة أوابد ، وحسن منظر ومخبر ، وحلاوة مورد ومصدر ، وكان مجلسها بقرطبة منتدى
لأحرار المصر ، وفناؤها ملعبا لجياد النظم والنثر ، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرّتها
، ويتهالك أفراد الشعراء والكتّاب على حلاوة عشرتها ، وعلى سهولة حجابها ، وكثرة
منتابها ، تخلط ذلك بعلو نصاب ، وكرم أنساب ، وطهارة أثواب ، على أنها أوجدت للقول
فيها السبيل بقلّة مبالاتها ،
__________________
ومجاهرتها بلذاتها
، ولمّا مرّت بالوزير أبي عامر بن عبدوس وأمام داره بركة تتولّد عن كثرة الأمطار ،
وربما استمدّت بشيء ممّا هنالك من الأقذار ، وقد نشر أبو عامر كمّيه ، ونظر في
عطفيه ، وحشر أعوانه إليه ، فقالت له : [الكامل]
أنت الخصيب وهذه
مصر
|
|
فتدفّقا فكلا
كما بحر
|
فتركته لا يحير
حرفا ، ولا يردّ طرفا.
وقال في «المغرب»
بعد ذكره : إنها بالغرب كعلية بالشرق : إلّا أنّ هذه تزيد بمزية الحسن الفائق ، وأمّا الأدب
والشعر والنادر وخفّة الروح فلم تكن تقصر عنها ، وكان لها صنعة في الغناء ، وكان
لها مجلس يغشاه أدباء قرطبة وظرفاؤها فيمرّ فيه من النادر وإنشاد الشعر كثير لما
أقتضاه عصرها من مثل ذلك ، وفيها يقول ابن زيدون : [البسيط]
بنتم وبنّا فما
ابتلّت جوانحنا
|
|
شوقا إليكم ولا
جفّت مآقينا
|
وقال أيضا يخاطب
ابن عبدوس لاشتراكه معه في هواها : [المتقارب]
أثرت هزبر
الشّرى إذ ربض
|
|
ونبّهته إذ هدا
فاغتمض
|
وما زلت تبسط
مسترسلا
|
|
إليه يد البغي
لمّا انقبض
|
حذار حذار ،
فإنّ الكريم
|
|
إذا سيم خسفا
أبى فامتعض
|
وإنّ سكون
الشجاع النّهو
|
|
س ليس بمانعه أن
يعض
|
عمدت لشعري ولم
تتّئد
|
|
تعارض جوهره
بالعرض
|
أضاقت أساليب
هذا القري
|
|
ض أم قد عفا
رسمه فانقرض
|
لعمري ، فوقت
سهم النضال
|
|
وأرسلته ، لو
أصبت الغرض
|
ومنها :
وغرّك من عهد
ولّادة
|
|
سراب تراءى وبرق
ومض
|
هي الما يعزّ
على قابض
|
|
ويمنع زبدته من
مخض
|
__________________
ومن أخبار ولادة
مع ابن زيدون ما قاله الفتح في القلائد : إنّ ابن زيدون كان يكلف بولادة ويهيم ، ويستضيء بنور
محيّاها في الليل البهيم ، وكانت من الأدب والظرف ، وتتميم السمع والطرف ، بحيث
تختلس القلوب والألباب ، وتعيد الشّيب إلى أخلاق الشباب ، فلمّا حل بذلك الغرب ،
وانحلّ عقد صبره بيد الكرب ، فرّ إلى الزهراء ليتوارى في نواحيها ، ويتسلّى برؤية
موافيها ، فوافاها والربيع قد خلع عليها برده ، ونشر سوسنه وورده ، وأترع جداولها
، وأنطق بلابلها ، فارتاح ارتياح جميل بوادي القرى ، وراح بين روض يانع وريح طيّبة السّرى ،
فتشوّق إلى لقاء ولادة وحنّ ، وخاف تلك النوائب والمحن ، فكتب إليها يصف فرط قلقه
، وضيق أمده إليها وطلقه ، [ويعلمها أنه ما سلا عنها بخمر ، ولا خبا ما في ضلوعه
من ملتهب الجمر] ، ويعاتبها على إغفال تعهّده ، ويصف حسن محشره بها ومشهده
: [البسيط]
إني ذكرتك
بالزهراء مشتاقا
|
|
والأفق طلق ووجه
الأرض قد راقا
|
وللنسيم اعتلال
في أصائله
|
|
كأنما رقّ لي
فاعتلّ إشفاقا
|
والروض عن مائه
الفضّيّ مبتسم
|
|
كما حللت عن
اللبّات أطواقا
|
يوم كأيام لذّات
لنا انصرمت
|
|
بتنا لها حين
نام الدهر سرّاقا
|
نلهو بما يستميل
العين من زهر
|
|
جال الندى فيه
حتى مال أعناقا
|
كأنّ أعينه إذ
عاينت أرقي
|
|
بكت لما بي فجال
الدمع رقراقا
|
ورد تألّق في
ضاحي منابته
|
|
فازداد منه
الضّحى في العين إشراقا
|
سرى ينافحه
نيلوفر عبق
|
|
وسنان نبّه منه
الصبح أحداقا
|
كلّ يهيج لنا
ذكرى تشوّقنا
|
|
إليك ، لم يعد
عنها الصدر أن ضاقا
|
لو كان وفّى
المنى في جمعنا بكم
|
|
لكان من أكرم
الأيام أخلاقا
|
لا سكّن الله
قلبا عنّ ذكركم
|
|
فلم يطر بجناح
الشوق خفاقا
|
لو شاء حملي
نسيم الريح حين هفا
|
|
وافاكم بفتى
أضناه ما لاقى
|
__________________
يا علقي الأخطر
الأسنى الحبيب إلى
|
|
نفسي إذا ما
اقتنى الأحباب أعلاقا
|
كان التّجازي
بمحض الودّ مذ زمن
|
|
ميدان أنس جرينا
فيه أطلاقا
|
فالآن أحمد ما
كنّا لعهدكم
|
|
سلوتم وبقينا
نحن عشّاقا
|
وقال أيضا : إن
ابن زيدون لم يزل يروم دنوّ ولادة فيتعذّر ، ويباح دمه بها ويهدر ، لسوء أثره في
ملك قرطبة وواليها ، وقبائح كان ينسبها إليه ويواليها ، أحدقت بني جهور عليه ، وسدّدت أسهمهم إليه ، فلمّا يئس
من لقياها ، وحجب عنه محيّاها ، كتب إليها يستديم عهدها ، ويؤكّد ودّها ، ويعتذر
من فراقها بالخطب الذي غشيه ، والامتحان الذي خشيه ، ويعلمها أنه ما سلا عنها بخمر
، ولا خبا ما في ضلوعه من ملتهب الجمر ، وهي قصيدة ضربت في الإبداع بسهم ، وطلعت
في كل خاطر ووهم ، ونزعت منزعا قصر عنه ابن الجهم ، وأولها : [البسيط]
بنتم وبنّا فما
ابتلّت جوانحنا
|
|
شوقا إليكم ولا
جفّت مآقينا
|
تكاد حين
تناجيكم ضمائرنا
|
|
يقضي علينا
الأسى لو لا تأسّينا
|
وأخبار ولادة
كثيرة ، وفيما ذكرناه كفاية.
ومن المشهورات
بالأندلس «اعتماد» جارية المعتمد بن عباد ، وأم أولاده ، وتشتهر بالرّميكية ،
وفي المسهب والمغرب أنه ركب المعتمد في النهر ومعه ابن عمار ووزيره ، وقد زردت
الريح النهر ، فقال ابن عباد لابن عمار : أجز : [الرمل]
صنع الريح من الماء زرد
فأطال ابن عمار
الفكرة ، فقالت امرأة من الغسالات :
أيّ درع لقتال لو جمد
فتعجّب ابن عباد
من حسن ما أتت به ، مع عجز ابن عمار ، ونظر إليها فإذا هي صورة حسنة ، فأعجبته
فسألها : أذات زوج هي؟ فقالت : لا ، فتزوّجها ، وولدت له أولاده الملوك النجباء ،
رحمهم الله تعالى!
وحكى البعض منهم
صاحب «البداءة» بسنده إلى بعض أدباء الأندلس ، وسمّاه ولم يحضرني الآن ،
أنه هو الذي قال للمعتمد :
أيّ درع لقتال لو جمد
__________________
قال : فاستحسنه
المعتمد ، وكنت رابعا في الإنشاد فجعلني ثانيا ، وأجازني بجائزة سنيّة.
قال ابن ظافر :
وقد أخذت هذا المعنى ، فقلت أصف روضا : [الطويل]
فلو دام ذاك
النبت كان زبرجدا
|
|
ولو جمدت أنهاره
كان بلّورا
|
ولما قال ابن ظافر
: [الرجز]
قد أذكت الشمس على الما لهبا
قال القاضي الأعز
:
فكست الفضّة منه ذهبا
رجع ـ ولمّا خلع
المعتمد وسجن بأغمات قلت له : يا سيدي ، لقد هنّا هنا ، فقال :
[مجزوء الرجز]
قالت لقد هنّا
هنا
|
|
مولاي ، أين
جاهنا
|
قلت لها إلهنا
|
|
صيّرنا إلى هنا
|
وحكي أنها قالت له
وقد مرض : يا سيدي ، ما لنا قدرة على مرضاتك في مرضاتك .
ولمّا قال الوزير
ابن عمار قصيدته اللامية الشهيرة في المعتمد والرميكية أغرت المعتمد به حتى قتله ،
وضربه بالطبرزين ففلق رأسه ، وترك الطبرزين في رأسه ، فقالت الرميكية : قد بقي ابن
عمار هدهدا ، والقصيدة أوّلها : [المتقارب]
ألا حيّ بالغرب
حيّا حلالا
|
|
أنا خوا جمالا
وحازوا جمالا
|
وعرّج بيومين
أمّ القرى
|
|
ونم فعسى أن
تراها خيالا
|
ويومين : قرية
بإشبيلية كانت منها أوّلية بني عباد.
وفي هذه القصيدة
يقول معرضا بالرميكية :
تخيّرتها من
بنات الهجان
|
|
رميكية ما تساوي
عقالا
|
فجاءت بكلّ قصير
العذار
|
|
لئيم النّجارين
عمّا وخالا
|
__________________
قصار القدود
ولكنهم
|
|
أقاموا عليها
قرونا طوالا
|
أتذكر أيامنا
بالصّبا
|
|
وأنت إذا لحت
كنت الهلالا
|
أعانق منك
القضيب الرطيب
|
|
وأرشف من فيك
ماء زلالا
|
وأقنع منك بدون
الحرام
|
|
فتقسم جهدك أن
لا حلالا
|
سأهتك عرضك شيئا
فشيئا
|
|
وأكشف سترك حالا
فحالا
|
ومنها :
فيا عامر الخيل
يا زيدها
|
|
منعت القرى
وأبحت العيالا
|
وسبب قول ابن عمار
هذه القصيدة أنّ المعتمد ندّر به وذيّل على قصيدته الرائية المذكورة في القلائد بعد قوله : [الكامل]
كيف التفلت
بالخديعة من يدي
|
|
رجل الحقيقة من
بني عمار
|
وسخر به في أبيات
مشهورة.
قال الفتح في حق
المعتمد بعد كلام : وما زالت عقارب تلك الداخلة تدبّ ، وريحها العاصفة تهبّ ،
ونارها تقد ، وضلوعها تحنق وتحقد ، وتضمر الغدر وتعتقد ، حتى دخل البلد من واديه ،
وبدت من المكروه بواديه ، وكرّ عليه الدهر بعوائده وعواديه ، وهو مستمسك بعرى لذاته ، منغمس فيها بذاته ،
ملقى بين جواريه ، مغتر بودائع ملكه وعواريه ، التي استرجعت منه في يومه ، ونبّهه
فواتها من نومه ، ولمّا انتشر الداخلون في البلد ، وأوهنوا القوى والجلد ، خرج
والموت يتسعّر في ألحاظه ، ويتصوّر من ألفاظه ، وحسامه يعد بمضائه ، ويتوقّد عند
انتضائه ، فلقيهم برحبة القصر ، وقد ضاق بهم فضاؤها ، وتضعضعت من رجّتهم أعضاؤها ،
فحمل فيهم حملة صيّرتهم فرقا ، وملأتهم فرقا ، وما زال يوالي عليهم الكر المعاد ، حتى أوردهم النهر وما
بهم جواد ، وأودعهم حشاه كأنهم له فؤاد ، ثم انصرف وقد أيقن بانتهاء حاله ، وذهاب
ملكه وارتحاله ، وعاد إلى قصره واستمسك فيه يومه وليلته مانعا لحوزته ، دافعا
للذلّ عن عزّته ، وقد عزم على أفظع أمر ، وقال : بيدي لا بيد عمرو ، ثم صرفه تقاه ، عمّا
__________________
كان عنواه ، فنزل
من القصر بالقسر ، إلى قبضة الأسر ، فقيد للحين ، وحان له يوم شرّ ما ظنّ أنه يحين
، ولمّا قيّدت قدماه ، وذهبت عنه رقّة الكبل ورحماه ، قال يخاطبه : [الطويل]
إليك فلو كانت
قيودك أسعرت
|
|
تضرّم منها كلّ
كفّ ومعصم
|
مخافة من كان
الرجال بسيبه
|
|
ومن سيفه في
جنّة أو جهنم
|
ولما آلمه عضّه ،
ولازمه كسره ورضّه ، وأوهاه ثقله ، وأعياه نقله ، قال : [المتقارب]
تبدلت من عزّ
ظلّ البنود
|
|
بذلّ الحديد
وثقل القيود
|
وكان حديدي
سنانا ذليقا
|
|
وعضبا رقيقا
صقيل الحديد
|
فقد صار ذاك وذا
أدهما
|
|
يعضّ بساقيّ عضّ
الأسود
|
ثم جمع هو وأهله
وحملتهم الجواري المنشآت ، وضمّتهم جوانحها كأنهم أموات ، بعد ما ضاق عنهم القصر ،
وراق منهم العصر ، والناس قد حشروا بضفتي الوادي ، وبكوا بدموع كالغوادي ، فساروا
والنّوح يحدوهم ، والبوح باللوعة لا يعدوهم ، وفي ذلك يقول ابن اللّبّانة :
[البسيط]
تبكي السماء
بمزن رائح غاد
|
|
على البهاليل من
أبناء عبّاد
|
على الجبال التي
هدّت قواعدها
|
|
وكانت الأرض
منها ذات أوتاد
|
عرّيسة دخلتها
النائبات على
|
|
أساود لهم فيها
وآساد
|
وكعبة كانت
الآمال تخدمها
|
|
فاليوم لا عاكف
فيها ولا باد
|
يا ضيف ، أقفر
بيت المكرمات فخذ
|
|
في ضمّ رحلك
واجمع فضلة الزاد
|
ويا مؤمّل
واديهم ليسكنه
|
|
خفّ القطين وجفّ
الزرع بالوادي
|
وأنت يا فارس
الخيل التي جعلت
|
|
تختال في عدد
منهم وأعداد
|
ألق السلاح وخلّ
المشرفيّ فقد
|
|
أصبحت في لهوات
الضيغم العادي
|
__________________
لما دنا الوقت
لم تخلف له عدة
|
|
وكلّ شيء لميقات
وميعاد
|
إن يخلعوا فبنوا
العباس قد خلعوا
|
|
وقد خلت قبل حمص
أرض بغداد
|
حموا حريمهم حتى
إذا غلبوا
|
|
سيقوا على نسق
في حبل مقتاد
|
وأنزلوا عن متون
الشهب واحتملوا
|
|
فويق دهم لتلك
الخيل أنداد
|
وعيث في كلّ طوق
من دروعهم
|
|
فصيغ منهنّ
أغلال لأجياد
|
نسيت إلّا غداة
النهر كونهم
|
|
في المنشآت
كأموات بألحاد
|
والناس قد ملؤوا
العبرين واعتبروا
|
|
من لؤلؤ طافيات
فوق أزباد
|
حطّ القناع فلم
تستر مخدّرة
|
|
ومزّقت أوجه
تمزيق أبراد
|
حان الوداع
فضجّت كلّ صارخة
|
|
وصارخ من مفدّاة
ومن فاد
|
سارت سفائنهم
والنّوح يصحبها
|
|
كأنها إبل يحدو
بها الحادي
|
كم سال في الماء
من دمع
وكم حملت
|
|
تلك القطائع من
قطعات أكباد
|
انتهى ما قصد جلبه
من كلام الفتح رحمه الله تعالى وسامحه!
وقال ابن اللبانة
في كتاب «نظم السلوك ، في مواعظ الملوك ، في أخبار الدولة العبادية» إنّ طائفة من
أصحاب المعتمد خامرت عليه ، فأعلم باعتقادها ، وكشف له عن مرادها ، وحضّ على هتك
حرمها ، وأغري بسفك دمها ، فأبى ذلك مجده الأثيل ، ومذهبه الجميل ، وما خصّه الله
تعالى به من حسن اليقين ، وصحّة الدين ، إلى أن أمكنتهم الغرة فانتصروا ببغاث
مستنسر ، وقاموا بجمع غير مستبصر ، فبرز من قصره ، متلافيا لأمره
، عليه غلالة ترفّ على جسده ، وسيفه يتلظّى في يده : [الوافر]
كأن السيف راق
وراع حتى
|
|
كأنّ عليه شيمة
منتضيه
|
كأنّ الموت أودع
فيه سرّا
|
|
ليرفعه إلى يوم
كريه
|
فلقي على باب من
أبواب المدينة فارسا مشهورا بنجدة ، فرماه الفارس برمح التوى على
__________________
غلالته ، وعصمه
الله تعالى منه ، وصبّ هو سيفه على عاتق الفارس ، فشقّه إلى أضلاعه ، فخرّ صريعا
سريعا ، فرأيت القائمين عندما تسنموا الأسوار تساقطوا منها ، وبعد ما أمسكوا
الأبواب تخلّوا عنها ، وأخذوا على غير طريق ، وهوت بهم ريح الهيبة في مكان سحيق ،
فظننّا أنّ البلد من أقذائه قد صفا ، وثوب العصمة عليه قد ضفا ، إلى أن كان يوم
الأحد الحادي والعشرون من رجب فعظم الخطب في الأمر الواقع ، واتّسع الخرق فيه على الراقع ، ودخل البلد من جهة واديه
، وأصيب حاضره بعادية باديه ، بعد أن ظهر من دفاع المعتمد وبأسه ، وتراميه على
الموت بنفسه ، ما لا مزيد عليه ، ولا انتهى خلق إليه ، فشنّت الغارة في البلد ،
ولم يبق فيه على سبد لأحد ولا لبد ، وخرج الناس من منازلهم ، يسترون عوراتهم
بأناملهم ، وكشفت وجوه المخدّرات العذارى ، ورأيت الناس سكارى ، وما هم بسكارى ،
ورحل بالمعتمد وآله ، بعد استئصال جميع ماله ، لم يصحب معه بلغة زاد ، ولا بغية
مراد ، فأمضيت عزيمتي في اتّباعه ، فوصلت إليه بأغمات عقب ثقاف استنقذه الله منه ،
فذكرت به شعرا كان لي في صديق اتّفق له مثل ذلك في الشهر بعينه من العام الماضي ،
وهو الأمير أبو عبد الله بن الصفار ، وهو : [الخفيف]
لم تقل في
الثقاف كان ثقافا
|
|
كنت قلبا به
وكان شغافا
|
يمكث الزهر في
الكمام ولكن
|
|
بعد مكث الكمام
يدنو قطافا
|
وإذا ما الهلال
غاب لغيم
|
|
لم يكن ذلك
المغيب انكسافا
|
إنما أنت درّة
للمعالي
|
|
ركّب الدهر
فوقها أصدافا
|
حجب البيت منك
شخصا كريما
|
|
مثل ما تحجب
الدنان السلافا
|
أنت للفضل كعبة
ولو اني
|
|
كنت أسطيع لا
ستطعت الطوافا
|
قال أبو بكر :
وجرت بيني وبينه مخاطبات ألذّ من غفلات الرقيب ، وأشهى من رشفات الحبيب ، وأدلّ
على السماح ، من فجر على صباح ، انتهى.
ثم قال : ولمّا
خلع المعتمد وذهب إلى أغمات طلب من حواء بنت تاشفين خباء عارية ، فاعتذرت بأنه ليس
عندها خباء ، فقال : [المتقارب]
__________________
هم أوقدوا بين
جفنيك نارا
|
|
أطالوا بها في
حشاك استعارا
|
أما يخجل المجد
أن زودوك
|
|
ولم يصحبوك خباء
معارا
|
فقد قنّعوا
المجد إن كان ذاك
|
|
وحاشاهم خزيا وعارا
|
يقلّ لعينيك أن
يجعلوا
|
|
سواد العيون
عليكم شعارا
|
ثم إنه بقي مأسورا
بأغمات إلى سنة ٤٨٦ ، فأخذ بمالقة رجل كبير يعرف بابن خلف ، فسجن مع أصحاب له ،
فنقبوا السجن وذهبوا إلى حصن منت ميور ليلا فأخرجوا قائدها ، ولم يضروه ، وبينما
هم كذلك إذ طلع عليهم رجل ، فسألوه فإذا هو عبد الجبار بن المعتمد ، فولوه على
أنفسهم ، وظنّ الناس أنه الراضي ، فبقي في الحصن ، ثم أقبل مركب من الغرب يعرف
بمركب ابن الزرقاء ، فانكسر بمرسى الشجرة قريبا من الحصن ، فأخذوا بنوده وطبوله
وما فيه من طعام وعدة فاتّسعت بذلك حالتهم ، ثم وصلت أم عبد الجبار إليه ، ثم
خاطبه أهل الجزيرة وأهل أركش فدخلها سنة ٤٨٨ ، ولمّا بلغ خبر عبد الجبار إلى ابن
تاشفين أمر بثقاف المعتمد في الحديد ، وفي ذلك يقول : [السريع]
قيدي أما تعلمني
مسلما
|
|
أبيت أن تشفق
أو ترحما
|
يبصرني فيك أبو
هاشم
|
|
فينثني القلب وقد
هشّما
|
وبقي إلى أن توفي
رحمه الله سنة ٤٨٨.
وقد ساق الفتح
قضية ثورة عبد الجبار بن المعتمد بعبارته البارعة فقال : وأقام بالعدوة برهة لا يروّع له سرب وإن لم يكن آمنا ،
ولا يثور له كرب وإن كان في ضلوعه كامنا ، إلى أن ثار أحد بنيه بأركش ـ معقل كان
مجاورا لإشبيلية مجاورة الأنامل للراح ، ظاهر على بسائط وبطاح ـ لا يمكن معه عيش ،
ولا يتمكن من منازلته جيش ، فغدا على أهلها بالمكاره وراح ، وضيّق عليهم المتسع من
جهاتها والبراح ، فسار نحوه الأمير سير بن أبي بكر ، رحمة الله عليه ، قبل أن
يرتدّ طرف استقامته إليه ، فوجده وشرّه قد تشمّر ، وصرده قد تنمّر ، وجمره متسعر ، وأمره متوعر ،
__________________
فنزل عدوته ، وحلّ
للحزم حبوته ، وتدارك داءه قبل إعضاله ، ونازله وما أعدّ آلات نضاله ، وانحشدت
إليه الجيوش من كل قطر ، وأفرغ من مسالكه كلّ قطر ، فبقي محصورا لا يشدّ إليه إلّا
سهم ، ولا ينفذ عنه إلّا نفس أو وهم ، وامتسك شهورا حتى عرضه أحد الرماة بسهم
فرماه ، فأصماه ، فهوى في مطلعه ، وخرّ قتيلا في موضعه ، فدفن إلى جانب سريره ،
وأمن عاقبة تغريره ، وبقي أهله ممتنعين مع طائفة من وزرائه حتى اشتدّ عليهم الحصر
، وارتدّ عنهم النصر ، وعمّهم الجوع ، وأغبّ أجفانهم الهجوع فنزلت منهم طائفة متهافتة ، وولّت بأنفاس خافتة ، فتبعهم
من بقي ، ورغب في التنعم من شقي ، فوصلوا إلى قبضة الملمات ، وحصلوا في غصّة
الممات ، فوسمهم الحيف ، وتقسّمهم السيف ، ولمّا زأر الشّبل خيفت سورة الأسد ، ولم
يرج صلاح الكلّ والبعض قد فسد ، فاعتقل المعتمد خلال تلك الحال وأثناءها ، وأحلّ
ساحة الخطوب وفناءها ، وحين أركبوه أساودا ، وأورثوه حزنا بات له معاودا ، قال : [الكامل]
غنّتك أغماتية
الألحان
|
|
ثقلت على
الأرواح والأبدان
|
قد كان كالثعبان
رمحك في الورى
|
|
فغدا عليك القيد
كالثعبان
|
متمرّدا يحميك
كلّ تمرّد
|
|
متعطّفا لا رحمة
للعاني
|
قلبي إلى الرحمن
يشكو بثّه
|
|
ما خاب من يشكو
إلى الرحمن
|
يا سائلا عن
شأنه ومكانه
|
|
ما كان أغنى
شأنه عن شان
|
هاتيك قينته
وذلك قصره
|
|
من بعد أيّ
مقاصر وقيان
|
ولما فقد من كان يجالسه ، وبعد عنه من كان يؤانسه ، وتمادى كربه ، ولم
تسالمه حربه ، قال : [الطويل]
تؤمّل للنفس
الشجية فرجة
|
|
وتأبى الخطوب
السود إلّا تماديا
|
لياليك في زاهيك
أصفى صحبتها
|
|
كذا صحبت قبلي
الملوك اللياليا
|
نعيم وبؤس ذا
لذلك ناسخ
|
|
وبعد هما نسخ
المنايا الأمانيا
|
ولمّا امتدت في
الثّقاف مدته ، واشتدّت عليه قسوة الكبل وشدّته ، وأقلقته همومه ، وأطبقته غمومه ،
وتوالت عليه الشجون ، وطالت لياليه الجون ، قال : [البسيط]
__________________
أنباء أسرك قد
طبّقن آفاقا
|
|
بل قد عممن جهات
الأرض إقلاقا
|
سرت من الغرب لا
تطوى لها قدم
|
|
حتى أتت شرقها
تنعاك إشراقا
|
فأحرق الفجع
أكبادا وأفئدة
|
|
وأغرق الدمع
آماقا وأحداقا
|
قد ضاق صدر
المعالي إذ نعيت لها
|
|
وقيل : إنّ عليك
القيد قد ضاقا
|
أنّى غلبت وكنت
الدهر ذا غلب
|
|
للغالبين
وللسّبّاق سبّاقا
|
قلت الخطوب
أذلّتني طوارقها
|
|
وكان غربي إلى
الأعداء طرّاقا
|
متى رأيت صروف
الدهر تاركة
|
|
إذا انبرت لذوي
الأخطار أرماقا
|
وقال لي من أثقه :
لمّا ثار ابنه حيث ثار ، وأثار من حقد أمير المسلمين عليه ما أثار ، جزع جزعا
مفرطا ، وعلم أنه قد صار في أنشوطة الشرّ متورّطا ، وجعل يتشكّى من فعله ويتظلّم ، ويتوجّع
منه ويتألّم ، ويقول : عرض بي للمحن ، ورضي لي أن أمتحن ، وو الله ما أبكي إلّا
انكشاف من أتخلّفه بعدي ، ويتحيّفه بعدي ، ثم أطرف ورفع رأسه وقد تهللت أسرّته ، وظللته مسرّته ،
ورأيته قد استجمع ، وتشوّف إلى السماء وتطلّع ، فعلمت أنه قد رجا عودة إلى سلطانه
، وأوبة إلى أوطانه ، فما كان إلّا بمقدار ما تنداح دائرة ، أو تلتفت مقلة حائرة ،
حتى قال: [المتقارب]
كذا يهلك السيف
في جفنه
|
|
إلى هزّ كفّي
طويل الحنين
|
كذا يعطش الرمح
لم أعتقله
|
|
ولم تروه من
نجيع يميني
|
كذا يمنع الطّرف
علك الشك
|
|
يم مرتقبا غرّة
في كمين
|
كأنّ الفوارس
فيه ليوث
|
|
تراعي فرائسها
في عرين
|
ألا شرف يرحم
المشرفيّ
|
|
ممّا به من شمات
الوتين
|
ألا كرم ينعش
السّمهريّ
|
|
ويشفيه من كل
داء دفين
|
ألا حنّة لابن
محنيّة
|
|
شديد الحنين
ضعيف الأنين
|
يؤمّل من صدرها
ضمّة
|
|
تبوّئه صدر كفر
معين
|
وكانت طائفة من
أهل فاس قد عاثوا فيها وفسقوا ، وانتظموا في سلك الطغيان واتّسقوا ،
__________________
ومنعوا جفون أهلها
السّنات ، وأخذوا البنين من حجور آبائهم والبنات ، وتلقّبوا بالإمارة ، وأركبوا
السوء نفوسهم الأمّارة ، حتى كادت أن تقفر على أيديهم ، وتدثر رسومها بإفراط
تعدّيهم ، إلى أن تدارك أمير المسلمين رحمه تعالى أمرهم ، وأطفأ جمرهم ، وأوجعهم
ضربا ، وأقطعهم ما شاء حزنا وكربا ، وسجنهم بأغمات ، وضمّتهم جوانح الملمّات ،
والمعتمد إذ ذاك معتقل هناك ، وكانت فيهم طائفة شعرية ، مذنبة أو بريّة ، فرغبوا إلى سجّانهم ، أن يستريحوا مع المعتمد من أشجانهم
، فخلّى ما بينهم وبينه ، وغمض لهم في ذلك عينه ، فكان المعتمد رحمه الله تعالى
يتسلّى بمجالستهم ، ويجد أثر مؤانستهم ، ويستريح إليهم بجواه ، ويبوح لهم بسرّه
ونجواه ، إلى أن شفع فيهم وانطلقوا من وثاقهم ، وانفرج لهم مبهم أغلاقهم ، وبقي
المعتمد في محبسه يشتكي من ضيق الكبل ، ويبكي بدمع كالوبل ، فدخلوا عليه مودعين ،
ومن بثّه متوجّعين ، فقال : [الطويل]
أما لانسكاب
الدمع في الخدّ راحة
|
|
لقد آن أن يفنى
، ويفنى به الخدّ
|
هبوا دعوة يا آل
فاس لمبتلى
|
|
بما منه قد
عافاكم الصّمد الفرد
|
تخلّصتم من سجن
أغمات والتوت
|
|
عليّ قيود لم
يحن فكّها بعد
|
من الدّهم أمّا
خلقها فأساود
|
|
تلوّى وأما
الأيد والبطش فالأسد
|
فهنيتم النعما ،
ودامت لكلكم
|
|
سعادته إن كان
قد خانني سعد
|
خرجتم جماعات
وخلّفت واحدا
|
|
ولله في أمري
وأمركم الحمد
|
ومرّ عليه في موضع
اعتقاله سرب قطا لم يعلق لها جناح ، ولا تعلّق بها من الأيام جناح ، ولا عاقها عن
أفراخها الأشراك ، ولا أعوزها البشام ولا الأراك ، وهي تمرح في الجو ،
وتسرح في مواقع النو ، فتنكّد بما هو فيه من الوثاق ، وما دون أحبّته من الرقباء
والأغلاق ، وما يقاسيه من كبله ، ويعانيه من وجده وخبله ، وفكّر في بناته
وافتقارهنّ إلى نعيم عهدنه ، وحبور حضرنه وشهدنه ، فقال : [الطويل]
بكيت إلى سرب
القطا إذ مررن بي
|
|
سوارح لا سجن
يعوق ولا كبل
|
ولم تك ، والله
المعيد ، حسادة
|
|
ولكن حنينا أنّ
شكلي لها شكل
|
__________________
فأسرح لا شملي
صديع ولا الحشا
|
|
وجيع ولا عيناي
يبكيهما ثكل
|
هنيئا لها إذ لم
يفرّق جميعها
|
|
ولا ذاق منها
البعد عن أهلها أهل
|
|
وإذ لم تبت مثلي
تطير قلوبها
|
|
إذا اهتزّ باب
السجن أو صلصل القفل
|
وما ذاك ممّا
يعتريه ، وإنما
|
|
وصفت التي في
جبلة الخلق من قبل
|
لنفسي إلى لقيا
الحمام تشوّف
|
|
سواي يحبّ العيش
في ساقه حجل
|
ألا عصم الله
القطا في فراخها
|
|
فإنّ فراخي
خانها الماء والظّلّ
|
وفي هذه الحالة
زاره الأديب أبو بكر بن اللّبّانة ، وهو أحد شعراء دولته المرتضين دررها ،
المنتجعين دررها ، وكان المعتمد رحمه الله تعالى يميزه بالشفوف والإحسان ، ويجوّزه
على فرسان هذا الشأن ، فلمّا رآه وحلقات الكبل قد عضّت بساقيه عضّ الأسود ، والتوت
عليه التواء الأساود السود ، وهو لا يطيق إعمال قدم ، ولا يريق دمعا إلّا ممزوجا
بدم ، بعد ما عهده فوق منبر وسرير ، ووسط جنّة وحرير ، وتخفق عليه الألوية ، وتشرق
منه الأندية ، وتكف الأمطار من راحته ، وتشرف الأقدار بحلول ساحته ، ويرتاع الدهر من أوامره ونواهيه ، ويقصر
النّسر أن يقارنه أو يضاهيه ، ندبه بكل مقال يلهب الأكباد ، ويثير فيها لوعة
الحارث بن عبّاد ، أبدع من أناشيد معبد ، وأصدع للكبد من مراثي أربد ، أو بكاء ذي الرمة بالمربد ، سلك فيها للاحتفاء طريقا لاحبا ، وغدا فيها لذيول الوفاء
ساحبا ، فمن ذلك قوله : [البسيط]
انفض يديك من
الدنيا وساكنها
|
|
فالأرض قد أقفرت
والناس قد ماتوا
|
وقل لعالمها
السفليّ قد كتمت
|
|
سريرة العالم
العلويّ أغمات
|
طوت مظلّتها لا
بل مذلّتها
|
|
من لم تزل فوقه
للعزّ رايات
|
__________________
من كان بين
الندى والبأس أنصله
|
|
هنديّة وعطاياه
هنيدات
|
رماه من حيث لم
تستره سابغة
|
|
دهر مصيباته نبل
مصيبات
|
أنكرت إلّا
التواءات القيود به
|
|
وكيف تنكر في
الروضات حيات
|
غلطت بين همايين
عقدن له
|
|
وبينها فإذا
الأنواع أشتات
|
وقلت هنّ ذؤابات
فلم عكست
|
|
من رأسه نحو
رجليه الذؤابات
|
حسبتها من قناه
أو أعنّته
|
|
إذا بها لثقاف
المجد آلات
|
دروه ليثا
فخافوا منه عادية
|
|
عذرتهم ، فلعدو
الليث عادات
|
لو كان يفرج عنه
بعض آونة
|
|
قامت بدعوته حتى
الجمادات
|
بحر محيط عهدناه
تجيء له
|
|
كنقطة الدارة
السبع المحيطات
|
لهفي على آل
عبّاد فإنّهم
|
|
أهلّة مالها في
الأفق هالات
|
راح الحيا وغدا
منهم بمنزلة
|
|
كانت لنا بكر
فيها وروحات
|
أرض كأنّ على
أقطارها سرجا
|
|
قد أوقدتهنّ
بالأدهان أنبات
|
وفوق شاطىء
واديها رياض ربا
|
|
قد ظلّلتها من
الأنشام دوحات
|
كأنّ واديها سلك
بلبّتها
|
|
وغاية الحسن
أسلاك ولبّات
|
نهر شربت بعبريه
على صور
|
|
كانت لها فيّ
قبل الراح سورات
|
وربما كنت أسمو
للخليج به
|
|
وفي الخليج لأهل
الراح راحات
|
وبالغروسات لا
جفّت منابتها
|
|
من النعيم
غروسات جنيّات
|
ولم تزل كبده
تتوقّد بالزفرات ، وخلده يتردّد بين النكبات والعثرات ، ونفسه تتقسّم بين الأشجان
والحسرات ، إلى أن شفته منيّته ، وجاءته بها أمنيته ، فدفن بأغمات ، وأريح من تلك
الأزمات : [الوافر]
وعطّلت المآثر
من حلاها
|
|
وأفردت المفاخر
من علاها
|
ورفعت مكارم
الأخلاق ، وكسدت نفائس الأعلاق ، وصار أمره عبرة في عصره ، وصاب أندى عبرة في مصره
. وبعد أيام وافى أبو بحر بن عبد الصمد شاعره المتّصل به ، المتوصّل إلى المنى
بسببه ، فلمّا كان يوم العيد وانتشر الناس ضحى ، وظهر كمل متوار وضحا ، قام على
__________________
قبره عند انفصالهم
من مصلاهم ، واختيالهم بزينتهم حلاهم ، وقال بعد أن طاف بقبره والتزمه ، وخرّ على
تربه ولثمه : [الكامل]
ملك الملوك ، أسامع
فأنادي
|
|
أم قد عدتك عن
السماع عوادي
|
لمّا خلت منك
القصور فلم تكن
|
|
فيها كما قد كنت
في الأعياد
|
قبّلت من هذا
الثرى لك خاضعا
|
|
وتخذت قبرك موضع
الإنشاد
|
وهي قصيدة أطال
إنشادها ، وبنى بها اللواعج وشادها ، فانحشر الناس إليه وانحفلوا ، وبكوا ببكائه
وأعولوا ، وأقاموا أكثر نهارهم مطيفين به طواف الحجيج ، مديمين للبكاء والعجيج ،
ثم انصرفوا وقد نزفوا ماء عيونهم ، وأقرحوا مآقيهم بفيض شؤونهم ، وهذه نهاية كل
عيش ، وغاية كل ملك وجيش ، والأيام لا تدع حيّا ، ولا تألو كلّ نشر طيّا ، تطرق
رزاياها كل سمع ، وتفرق مناياها كل جمع ، وتصمي كلّ ذي أمر ونهي ، وترمي كل مشيد بوهي ، ومن قبله طوت النعمان ابن الشقيقة ، ولوت مجازه في تلك الحقيقة. انتهى
ما قصدنا جلبه من كلام الفتح ممّا يدخل في أخبار المعتمد بن عباد المناسبة لما
مرّ.
وكلام الفتح كلّه
الغاية ، وليس الخبر كالعيان ، ولذا قال بعض من عرّف به : إنه أراد أن يفضح
الشعراء الذين ذكرهم في كتبه بنثره ، سامحه الله تعالى!
وأخبار المعتمد
رحمه الله تعالى تحتمل مجلّدات ، وآثاره إلى الآن بالغرب مخلّدات ، وكان من النادر
الغريب قولهم في الدعاء للصلاة على جنازته «الصّلاة على الغريب» بعد اتّساع ملكه ،
وانتظام سلكه ، وحكمه على إشبيلية وأنحائها ، وقرطبة وزهرائها ، وهكذا شأن الدنيا
في تدريسها نحو ندبتها وإغرائها.
وقد توجّه لسان
الدين الوزير بن الخطيب إلى أغمات لزيارة قبر المعتمد رحمه الله تعالى ، ورأى ذلك
من المهمات ، وأنشد على قبره أبياته الشهيرة التي ذكرتها في جملة نظمه الذي هو
أرقّ من النسيم ، وأبهج من المحيّا الوسيم.
قلت : وقد زرت أنا
قبر المعتمد والرّميكية أمّ أولاده ، حين كنت بمراكش المحروسة عام عشرة وألف ،
وعمّي عليّ أمر القبر المذكور ، وسألت عنه من تظن معرفته له ، حتى هداني إليه
__________________
شيخ طعن في السنّ
، وقال لي : هذا قبر ملك ملوك الأندلس ، وقبر حظيّته التي كان قلبه بحبّها خفّاقا غير
مطمئنّ ، فرأيته في ربوة حسبما وصفه ابن الخطيب رحمه الله تعالى في الأبيات ، وحصلت
لي من ذلك المحلّ خشية وادّكار ، وذهبت بي الأفكار ، في ضروب الآيات ، فسبحان من
يؤتي ملكه من يشاء لا إله غيره وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
وما أحسن قول
الوزير ابن عبدون في مطلع رائيته الشهيرة : [البسيط]
الدهر يفجع بعد
العين بالأثر
|
|
فما البكاء على
الأشباح والصّور
|
وهو القائل : [البسيط]
يا نائم اللّيل
في فكر الشّباب أفق
|
|
فصبح شيبك في
أفق النّهى بادي
|
غضّت عنانك أيدي
الدهر ناسخة
|
|
علما بجهل
وإصلاحا بإفساد
|
وأسلمت للمنايا
آل مسلمة
|
|
وعبّدت للرّزايا
آل عبّاد
|
لقد هوت منك
خانتها قوادمها
|
|
بكوكب في سماء
المجد وقّاد
|
ومنها :
ومالك كان يحمي
شول قرطبة
|
|
أستغفر الله ،
لا ، بل شول بغداد
|
شقّ العلوم
نطافا والعلا زهرا
|
|
فبين ما بين
روّاد ووراد
|
وأين هذه القصيدة
في مدحهم من قصيدة الغضّ منهم ، وهي قول أبي الحسن جعفر بن إبراهيم بن الحاج
اللورقي : [الطويل]
تعزّ عن الدنيا
ومعروف أهلها
|
|
إذا عدم المعروف
في آل عبّاد
|
حللت بهم ضيفا
ثلاثة أشهر
|
|
بغير قرى ثم
ارتحلت بلا زاد
|
__________________
وهذا يدلك على أن
الشعراء ، لم يسلم من لسانهم من أحسن فضلا عمن أساء ، من العظماء والرؤساء ، وما
أمدح قول أبي محمد بن غانم فيهم : [الكامل]
ومن الغريب غروب
شمس في الثّرى
|
|
وضياؤها باق على
الآفاق
|
وقال في المطمح في
حق بني عباد وأوليتهم ما صورته : الوزير أبو القاسم محمد بن عباد ، هذه بقية
منتماها في لخم ، ومرتماها إلى مفخر ضخم ، وجدّهم المنذر بن ماء السماء ، ومطلعهم
في جوّ تلك السماء ، وبنو عباد ملوك أنس بهم الدهر ، وتنفس منهم
عن أعبق الزهر ، وعمروا ربع الملك ، وأمروا بالحياة والهلك ، ومعتضدهم أحد من أقام
وأقعد ، وتبوّأ كاهل الإرهاب واقتعد ، وافترش من عريسته ، وافترس من مكايد فريسته ، وزاحم بعود ، وهدّ كل طود ، وأخمل كل ذي زي وشارة ، وختل بوحي وإشارة ، ومعتمدهم كان
أجود الأملاك ، وأحد نيّرات تلك الأفلاك ، وهو القائل ، وقد شغل عن منادمة خواص
دولته بمنادمة العقائل : [البسيط]
لقد حننت إلى ما
اعتدت من كرم
|
|
حنين أرض إلى
مستأخر المطر
|
فهاتها خلعا
أرضي السّماح بها
|
|
محفوفة في أكفّ
الشّرب بالبدر
|
وهو القائل وقد
حنّ في طريقه ، إلى فريقه : [الطويل]
أدار النوى كم
طال فيك تلذّذي
|
|
وكم عقتني عن
دار أهيف أغيد
|
حلفت به لو قد
تعرض دونه
|
|
كماة الأعادي في
النسيج المسرّد
|
لجرّدت للضرب
المهنّد فانقضى
|
|
مرادي وعزما مثل
حد المهند
|
والقاضي أبو
القاسم هذا جدهم ، وبه سفر مجدهم ، وهو الذي اقتنص لهم الملك النافر ، واختصّهم
منه بالحظ الوافر ، فإنه أخذ الرياسة من أيدي جبابر ، وأضحى من ظلالها أعيان أكابر
، عندما أناخت بها أطماعهم ، وأصاخت إليها أسماعهم ، وامتدت إليها من مستحقيها
اليد ، وأتلعوا أجيادا زانها الجيد ، وفغر عليها فمه حتى هجا بيت العبدي ، وتصدى
إليها من تحضر وتبدّى ، فاقتعد سنامها وغاربها ، وأبعد عنها عجمها وأعاربها ، وفاز
من الملك
__________________
بأوفر حصّة ، وغدت
سمته به صفة مختصة ، فيما يمح رسم القضاء ، ولم يتّسم بسمة الملك مع ذلك النفوذ والمضاء
، وما زال يحمي حوزته ، ويجلو عزته ، حتى حوته الرجام ، وخلت منه تلك الآجام ، وانتقل الملك
إلى ابنه المعتضد ، وحل منه في روض نمّق له ونضد ، ولم يعمر فيه ولم يدم ولاه ،
وتسمى بالمعتضد بالله ، وارتمى إلى أبعد غايات الجود بما أناله وأولاه ، لو لا بطش
في اقتضاء النفوس كدّر ذلك المنهل ، وعكر أثناء ذلك صفو العل والنّهل ، وما زال للأرواح قابضا ، وللوثوب عليها رابضا ، يخطف
أعداءه اختطاف الطائر من الوكر ، وينتصف منهم بالدهاء والمكر ، إلى أن أفضى الملك
إلى ابنه المعتمد ، فاكتحل منه طرفه الرّمد ، وأحمد مجده ، وتقلد منه أيّ بأس
ونجدة ، ونال به الحق مناه ، وجدّد سناه ، وأقام في الملك ثلاثا وعشرين سنة ، لم تعدم له فيها حسنة
ولا سيرة مستحسنة ، إلى أن غلب على سلطانه ، وذهب به من أوطانه ، فنقل ، إلى حيث
اعتقل ، وأقام كذلك إلى أن مات ، ووارته تربة أغمات ، وكان للقاضي جده أدب غض ، ومذهب مبيض ، ونظم يرتجله كل
حين ، وينفثه أعطر من الرياحين ، فمن ذلك قوله يصف النيلوفر : [البسيط]
يا ناظرين لذا
النّيلوفر البهج
|
|
وطيب مخبره في
الفوح والأرج
|
كأنّه جام درّ
في تألّقه
|
|
قد أحكموا وسطه
فصّا من السّبج
|
انتهى المقصود
منه.
وهو ـ أعني الفتح
ـ يشيد قصور الشرف إذا مدح ، ويهدم معاقلها إذا هجا وقدح.
ومن أغراضه قوله
في «المطمح» في حق الأديب أبي جعفر بن البنّي : رافع رايات القريض ، وصاحب آيات
التصريح والتعريض ، أقام شرائعه ، وأظهر بدائعه ، إذا نظم أزرى بالعقود ، وأتى
بأحسن من رقم البرود ، وكان أليف غلمان ، وحليف كفر لا إيمان ، ما نطق متشرعا ،
ولا رمق متورعا ، ولا اعتقد حشرا ، ولا صدق بعثا ولا نشرا ، وربما تنسك مجونا
__________________
وفتكا ، وتمسك
باسم التقى وقد هتكه هتكا ، لا يبالي كيف ذهب ، ولا بم تمذهب ، وكانت له أهاجي
جرّع بها صابا ، ودرّع منها أوصابا ، وقد أثبتّ له ما يرشف ريقا ، ويشرب تحقيقا ، فمن ذلك قوله يتغزل : [الكامل]
من لي بغرّة
فاتن يختال في
|
|
حلل الجمال إذا
بدا وحليّه
|
لو شبّ في وضح
النّهار شعاعها
|
|
ما عاد جنح
اللّيل بعد مضيّه
|
شرقت لآلي الحسن
حتّى خلّصت
|
|
ذهبيّه في الخدّ
من فضّيه
|
في صفحتيه من
الجمال أزاهر
|
|
غذيت بوسميّ
الحيا ووليّه
|
سلّت محاسنه
لقتل محبّه
|
|
من سحر عينيه
حسام سميّه
|
وله فيه : [مجزوء
الرمل]
كيف لا يزداد
قلبي
|
|
من جوى الشوق
خبالا
|
وإذا قلت عليّ
|
|
بهر الناس جمالا
|
هو كالغصن
وكالبد
|
|
ر قواما
واعتدالا
|
أشرق البدر
كمالا
|
|
وانثنى الغصن
اختيالا
|
إنّ من رام
سلوّي
|
|
عنه قد رام
محالا
|
لست أسلو عن
هواه
|
|
كان رشدا أو
ضلالا
|
قل لمن قصّر فيه
|
|
عذل نفسي أو
أطالا
|
دون أن تدرك هذا
|
|
تسلب الأفق
الهلالا
|
وكنت بميورقة وقد
حلها متّسما بالعبادة ، وهو أسرى إلى الفجور من خيال أبي عبادة ، وقد لبس أسمالا ، ولبّس منه أقوالا وأفعالا ، سجوده هجود
، وإقراره بالله جحود ، وكانت له
__________________
رابطة لم يكن
للوازمها مرتبطا ، ولا بسكناها مغتبطا ، سماها بالعقيق وسمى فتى كان يتعشقه بالحمى
، وكان لا يتصرف إلا في صفاته ، ولا يقف إلا بعرفانه ، ولا يؤرقه إلا جواه ، ولا
يشوقه إلا هواه ، فإذا بأحد دعاة حبيبه ، ورواة تشبيبه ، قال له : كنت البارحة
بحماه ، وذكر له خبرا ورّى به عني وعمّاه ، فقال : [الوافر]
تنفّس بالحمى
مطلول أرض
|
|
فأودع نشره نشرا
شمالا
|
فصبّحت العيون
إليّ كسلى
|
|
تجرّر فيه
أردانا خضالا
|
أقول وقد شممت
التّرب مسكا
|
|
بنفحتها يمينا
أو شمالا
|
نسيم جاء يبعث
منك طيبا
|
|
ويشكو من محبّتك
اعتلالا
|
ولما تقرر عند ناصر
الدولة من أمره ما تقرر ، وتردد على سمعه انتهاكه وتكرر ، أخرجه من بلده ونفاه ،
وطمس رسم فسقه وعفاه ، فأقلع إلى المشرق وهو جار ، فلما صار من ميورقة على ثلاثة
بحار ، نشأت له ريح صرفته عن وجهته ، إلى فقد مهجته ، فلما لحق بميورقة أراد ناصر
الدولة إماحته ، وأخذ ثار الدين منه وإراحته ، ثم آثر صفحه ، وأخمد ذلك
الجمر ولفحه ، وأقام أياما ينتظر ريحا علها تزجيه ، ويستهديها لتخلصه وتنجيه ، وفي
أثناء بلوته ، لم يتجاسر أحد على إتيانه من إخوته ، فقال يخاطبهم : [الوافر]
أحبّتنا الألى
عتبوا علينا
|
|
فأقصرنا وقد أزف
الوداع
|
لقد كنتم لنا
جذلا وأنسا
|
|
فهل في العيش
بعدكم انتفاع؟
|
أقول وقد صدرنا
بعد يوم
|
|
أشوق بالسّفينة
أم نزاع
|
إذا طارت بنا
حامت عليكم
|
|
كأنّ قلوبنا
فيها شراع
|
وله يتغزل : [الوافر]
بني العرب
الصّميم ألا رعيتم
|
|
مآثركم بآثار
السّماح
|
رفعتم ناركم
فعشا إليها
|
|
بوهن فارس الحيّ
الوقاح
|
فهل في القعب
فضل تنضحوه
|
|
به من مخض ألبان
اللّقاح
|
__________________
لعلّ الرّسل
شائبة الثّنايا
|
|
بشهد من ندى نور
الأقاح
|
وله أيضا [الكامل]
:
وكأنّما رشأ
الحمى لمّا بدا
|
|
لك في مضلّعة
الحديد المعلم
|
غصب الغمام
قسيّه فأراكها
|
|
من حسن معطفه
قويم الأسهم
|
وله أيضا : [الطويل]
نظرت إليه
فاتّقاني بمقلة
|
|
تردّ إلى نحري
صدور رماح
|
حميت الجفون
النّوم يا رشأ الحمى
|
|
وأظلمت أيّامي
وأنت صباحي
|
وقال : [البسيط]
قالوا تصيب طيور
الجوّ أسهمه
|
|
إذا رماها فقلنا
عندنا الخبر
|
تعلّمت قوسها من
قوس حاجبه
|
|
وأيّد السّهم من
ألحاظه الحور
|
يروح في بردة
كالنّقس حالكة
|
|
كما أضاء بجنح
اللّيلة القمر
|
وربّما راق في
خضراء مورقة
|
|
كما تفتّح في
أوراقه الزّهر
|
وقال في ترجمة أبي
الحسن بن لسان : شاعر سمح ، متقلد بالإحسان متشح ، أمّ الملوك والرؤساء ،
ويمّم تلك السعادة القعساء ، فانتجع مواقع خيرهم ، واقتطع ما شاء من ميرهم ، وتمادت أيامه إلى هذا الأوان ، فجالت به في ميدان الهوان
، فكسد نفاقه ، وارتدت آفاقه ، وتوالى عليه حرمانه وإخفاقه ، وأدركته وقد خبنته
سنونه ، وانتظرته منونه ، ومحاسنه كعهدها في الاتقاد ، وبعدها من الانتقاد ، وقد
أثبتّ منها ما يعذب جنى وقطافا ، ويستعذب استنزالا واستلطافا ، فمن ذلك قوله
يستنجد الأمير الأجل أبا إسحاق ابن أمير المسلمين [الكامل].
قل للأمير ابن
الأمير بل الّذي
|
|
أبدا به في
المكرمات وفي النّدى
|
__________________
والمجتني
بالزّرق وهي بنفسج
|
|
ورد الجراح
مضعّفا ومنضّدا
|
جاءتك آمال
العفاة ظوامئا
|
|
فاجعل لها من
ماء جودك موردا
|
وانثر على
المدّاح سيبك أنّهم
|
|
نثروا المدائح
لؤلؤا وزبرجدا
|
فالنّاس إن
ظلموا فأنت هو الحمى
|
|
والناس إن ضلّوا
فأنت هو الهدى
|
أخبرني وزير
السلطان أن هذه القطعة لما ارتفعت ، اعتنت بجملة الشعراء وشفعت ، فأنجز لهم
الموعود ، وأورق لهم ذلك العود ، وكثر اللغط في تعظيمها ، واستجادة نظيمها ، وحصل
له بها ذكر ، وانصقل له بسببها فكر.
وله من قطعة يصف
بها سيفا : [الخفيف]
كلّ نهر توقّدت
شفرتاه
|
|
كاتّقاد الشّهاب
في الظّلماء
|
فهو ماء مركّب
فوق نار
|
|
أو كنار قد
ركّبت فوق ماء
|
وكتب إليّ معزيا
عن والدتي : [المتقارب]
على مثله من
مصاب وجب
|
|
على من أصيب به
المنتجب
|
وقلب فروق ولبّ
خفوق
|
|
ونفس تشبّ وهمّ
نصب
|
فقد خشعت للتّقى
هضبة
|
|
ذؤابتها في صميم
العرب
|
من الجاعلات
محاريبها
|
|
هوادجها أبدا
والقتب
|
من القائمات
بظلّ الدّجى
|
|
ولا من تسامر
إلّا الشّهب
|
فكم ركعت إثرها
في الدجى
|
|
تناجى بها ربّها
من كثب
|
وكم سكبت في
أواني السّجود
|
|
مدامع كالغيث
لمّا انسكب
|
وقد خلّفت ولدا
باسلا
|
|
فصيحا إذا ما
قرا أو خطب
|
يفلّ السيوف
بأقلامه
|
|
ويكسر صمّ القنا
بالقصب
|
وكان القائد أبو
عمرو عثمان بن يحيى بن إبراهيم أجل من جال في خلد ، واستطال على جلد ، رشأ يحيى
باحتشامه ، ويسترد البدر بلثامه ، ويزري بالغصن تثنّيه ، ويثمر الحسن لو دنت
__________________
قطوفه لمجتنيه ،
مع لوذعية تخالها جريالا ، وسجية يختال فيها الفضل اختيالا ، وكان قد بعد عن أنسنا
بحمص ، وانتضى من تلك القمص ، وكان بثغر الأشبونة فسدّه ، ولم ينفرج لنا من الأنس
بعده ما يسدّ مسده ، إلى أن صدر ، فأسرع إلينا وابتدر ، فالتقينا وبتنا ليلة نام
عنها الدهر وغفل ، وقام لنا بما شئنا فيها وتكفل ، فبينا نحن نفضّ ختامها ، وننفض
عنا غبار الوحشة وقتامها ، إذا أنا بابن لسان هذا وقد دخل إذنه علينا فأمرناه بالنزول وتلقيناه بالترحيب
، وأنزلناه بمكان من المسرة رحيب ، وسقيناه صغارا وكبارا ، وأريناه إعظاما
وإكبارا ، فلما شرب ، طرب ، وكلما كرعها ، التحف السلوة وتدرعها ، وما زال يشرب
أقداحا ، وينشد فينا أمداحا ، ويفدي بنفسه ، ويستهدي الاستزادة من أنسه ، فهتكنا
الظلام بما أهداه من البديع ، واجتلينا محاسنه كالصديع ، وانفصلت ليلته عن أتم مسره ، وأعم مبره ، وارتحل عثمان أعزه الله إلى ثغره ، وأقام به برهة من
دهره ، فمشيت بها إليه مجدّدا عهدا ، ومتضلعا من مؤانسته شهدا ، فكتب ابن لسان هذه القطعة من القصيدة يذهب إلى شكره ، ويجتهد في تجديد
ذكره : [البسيط]
ما شام إنسان
إنسان كعثمان
|
|
ولا كبغيته من
حسن إحسان
|
بدر السّيادة
يبدو في مطالعه
|
|
من المحاسن
محفوفا بشهبان
|
له التّمام وما
بالأفق من قمر
|
|
متمّم دون أن
يرمى بنقصان
|
به الشّبيبة
تزهى من نضارتها
|
|
كما تساقط طلّ
فوق بستان
|
معصفر الحسن
للأبصار ناصعه
|
|
كأنّه فضّة شيبت
بعقيان
|
نبّئت عنه
بأنباء إذا نفحت
|
|
تعطّلت نفحات
المسك والبان
|
قامت عليه
براهين تصدّقها
|
|
كالشّكل قام
عليه كلّ برهان
|
قد زادها ابن
عبيد الله من وضح
|
|
ما زادت الشّمس
نور الفجر للرّاني
|
بالله بلّغه
تسليمي إذا بلغت
|
|
تلك الرّكاب
وعجّل غير ليّان
|
وليت أنّي لو
شاهدت أنسكما
|
|
على كؤوس وطاسات
وكيزان
|
__________________
فألفظ الكلم
المنثور بينكما
|
|
كأنّما هو من
درّ ومرجان
|
لله درّك يا ذا
الخطتين لقد
|
|
خططت بالمدح فيه
كلّ ديوان
|
كلاكما البحر في
جود وفي كرم
|
|
أو الغمامة تسقي
كلّ ظمآن
|
إن كان فارس
هيجاء ومعترك
|
|
فأنت فارس إفصاح
وتبيان
|
فاذكر أبا نصر
المعمور منزله
|
|
بالرّفد ما شئت
من مثنى ووحدان
|
قصائدا لأخي ودّ
وإن نزحت
|
|
بك الرّكاب إلى
أقصى خراسان
|
وقال في ترجمة
الأديب أبي بكر عبد المعطي : بيت شعر ونباهه ، وأبو بكر ممن انتبه خاطره للبدائع أيّ
انتباهه ، وله أدب باهر ، ونظم كما سفرت أزاهر ، وقد أثبتّ له
جمالا ، يبلغ آمالا ، فمن ذلك قوله ، وقد اجتمعنا في ليلة لم يضرب لها وعد ، ولم
يعزب عنها سعد ، وهو قعديّ ، قد شبّ عن طوق الأنس في النّديّ ، وما قال خلا عمرو
ولا عدا ، والكهولة قد قبضته ، وأقعدته عن ذلك وما أنهضته : [الوافر]
إمام النّثر
والمنظوم فتح
|
|
جميع النّاس ليل
وهو صبح
|
له قلم جليل لا
يجارى
|
|
يقرّ بفضله سيف
ورمح
|
يباري المزن ما
سحّت سماحا
|
|
وإن شحّت فليس
لديه شحّ
|
وكان مرتسما في
عسكر قرطبة ، وكان ابن سراج يقوم له بكل ما يبغي تطلبه ، خيفة من لسانه ، ومحافظة
على إحسانه ، ولما خرج إلى إقليش خرج معه ، وجعل يساير من شيّعه ، فلما حصلوا بفحص
سرادق ، وهو موضع توديع المفارق للمفارق ، قرب منه أبو الحسين بن سراج لوداعه ،
وأنشده في تفرق الشمل وانصداعه : [الطويل]
هم رحلوا عنّا
لأمر لهم عنّا
|
|
فما أحد منهم
على أحد حنّا
|
__________________
وما رحلوا حتّى
استفادوا نفوسنا
|
|
كأنّهم كانوا
أحقّ بها منّا
|
فيا ساكني نجد
لتبعد داركم
|
|
ظننّا بكم ظنّا
فأخلفتم الظّنّا
|
غدرتم ولم أغدر
، وخنتم ولم أخن
|
|
وقلتم ولم أعتب
، وجرتم وما جرنا
|
وأقسمتم أن لا
تخونون في الهوى
|
|
فقد وذمام الحبّ
خنتم وما خنّا
|
ترى تجمع
الأيّام بيني وبينكم
|
|
ويجمعنا دهر
نعود كما كنّا
|
فلما استتم إنشاده
لحق بالسلطان واعتذر إليه بمريض خلّفه ، وهو يخاف تلفه ، فأذن له بالانصراف ، وكتب
إلى أبي الحسين بن سراج : [الطويل]
أما والهدايا ما
رحلنا ولا حلنا
|
|
وإن عنّ من دون
التّرحّل ما عنّا
|
تركنا ثواب
الغزو والقصد للعدى
|
|
على مضض منّا
وعدنا كما كنّا
|
وليس لنا عنكم
على البين سلوة
|
|
وإن كان أنتم
عندكم سلوة عنّا
|
وجمعتنا عشية بربض
الزجالي بقرطبة ، ومعنا لمة من الإخوان وهو في جملتهم ، مناهض
لأعيانهم وحلّتهم ، بفضل أدبه ، وكثرة سحبه ، فجعل يرتجل ويروي ، وينشر
محاسن الآداب ويطوي ، ويمتعنا بتلك الأخبار ، ويقطعنا منها جانب اعتبار ، ويطلعنا
على إقبال الأيام وعلى الإدبار ، ثم قال : [الطويل]
أيا ابن عبيد
الله يا ابن الأكارم
|
|
لقد بخّلت يمناك
صوب الغمائم
|
لك القلم الأعلى
الذي عطّل القنا
|
|
وفلّ ظبات
المرهفات الصّوارم
|
وأخلاقك الزّهر
الأزاهر بالرّبا
|
|
ترفّ بشؤبوب
الغيوث السّواجم
|
بقيت لتشييد
المكارم والعلى
|
|
تظاهرها
بالسّالف المتقادم
|
واجتمع عند أبيه
لمة من أهل الأدب ، وذوي المنازل والرتب ، في عشية غيم أعقب مطرا ، وخط فيها البرق
أسطرا ، والبرد يتساقط كدرّ من نظام ، ويتراءى كثنايا غادة ذات ابتسام ، وهو غلام
ما نضا برد شبابه ، ولا انتضى مرهف آدابه ، فقال معرضا بهم ، ومتعرضا لتحقق أدبهم
: [المتقارب]
__________________
كأنّ الهواء
غدير جمد
|
|
بحيث البروق
تذيب البرد
|
خيوط وقد عقدت
في الهواء
|
|
وراحة ريح تحلّ
العقد
|
وشرب في دار ابن
الأعلم في يوم لم ير الدهر فيه إساءة ، وليل نسخ نور أنسه مساءه ، ومعهم جملة من
الشعراء ، وجماعة من الوزراء ، منهم أبناء القبطرنة فوقع بينهم عتاب وتعذال ،
وامتهان في ميدان المشاجرة وابتذال ، آل به إلى تجريد السيف ، وتكدير ما صفا بذلك
الخيف ، فسكنوه بالاستنزال ، وثنوه عن ذلك النزال.
وقال في المطمح في
حق أبي بكر يحيى بن بقي القرطبي صاحب الموشحات البديعة : كان نبيل السيرة والنظام
، كثير الارتباط في سلكه والانتظام ، أحرز خصالا ، وطرّز بمحاسنه بكرا وآصالا ،
وجرى في ميدان الإحسان إلى أبعد أمد وبنى من المعارف أثبت عمد ، إلا أن الأيام
حرمته ، وقطعت حبل رعايته وصرمته ، فلم تتم له وطرا ، ولم تسجم عليه الحظوة مطرا ،
ولا سوغت من الحرمة نصيبا ، ولا أنزلته مرعى خصيبا ، فصار راكب صهوات ، وقاطع
فلوات ، لا يستقر يوما ، ولا يستحسن نوما ، مع توهم لا يظفره بأمان ، وتقلب ذهن
كالزمان ، إلا أن يحيى بن علي بن القاسم نزعه من ذلك الطيش ، وأقطعه جانبا من
العيش ، ورقاه إلى سمائه ، وسقاه صيّب نعمائه ، وفيأه ظلاله ، وبوّأه أثر
النعمة يجوس خلاله ، فصرف به أقواله ، وشرف بعواقبه فعاله ، وأفرده منها
بأنفس در ، وقصده منها بقصائد غر ، انتهى المقصود جلبه من ترجمته في المطمح.
وقال في حقه في
القلائد : رافع راية القريض ، وصاحب آية التصريح فيه والتعريض ، أقام شرائعه ،
وأظهر روائعه ، وصار عصيّه طائعه ، إذا نظم أزرى بنظم العقود ، وأتى بأحسن من رقم البرود ، وطغى عليه حرمانه ، فما صفا له زمانه ، انتهى.
وابن بقي المذكور
هو القائل :
بأبي غزال
غازلته مقلتي
|
|
بين العذيب وبين
شطّي بارق
|
الأبيات المذكورة
في غير هذا الموضع.
ومن موشحاته قوله
:
__________________
عبث الشّوق
بقلبي فاشتكى
|
|
ألم الوجد فلبّت
أدمعي
|
أيها
الناس فؤادي شغف
|
هو
من بغي الهوى لا ينصف
|
كم
أداريه ودمعي يكف
|
أيّها الشادن من
علّمكا
|
|
بسهام اللّحظ
قتل السّبع
|
بدر
تمّ تحت ليل أغطش
|
طالع
في غصن بان منتشي
|
أهيف
القدّ بخدّ أرقش
|
ساحر الطّرف وكم
ذا فتكا
|
|
بقلوب الأسد بين
الأضلع
|
أيّ
ريم رمته فاجتنبا
|
وانثنى
يهتزّ من سكر الصّبا
|
كقضيب
هزّه ريح الصّبا
|
|
قلت هب لي يا
حبيبي وصلكا
|
|
واطّرح أسباب
هجري ودع
|
قال
خدّي زهره مذ فوّفا
|
جرّدت
عيناي سيفا مرهفا
|
حذرا
منه بأن لا يقطفا
|
إنّ من رام جناه
هلكا
|
|
فأزل عنك علال
الطّمع
|
ذاب
قلبي في هوى ظبي غرير
|
وجهه
في الدّجن صبح مستنير
|
وفؤادي
بين كفّيه أسير
|
لم أجد للصّبر
عنه مسلكا
|
|
فانتصاري
بانسكاب الأدمع
|
__________________
وقال رحمه الله
تعالى :
خذ حديث الشّوق
عن نفسي
|
|
وعن الدّمع
الّذي همعا
|
ما
ترى شوقي قد اتّقدا
|
وهمى
بالدّمع واطّردا
|
واغتدى
قلبي عليك سدى
|
آه من ماء ومن
قبس
|
|
بين طرفي والحشا
جمعا
|
بأبي
ريم إذا سفرا
|
أطلعت
أزراره قمرا
|
فاحذروه
كلّما نظرا
|
فبألحاظ الجفون
قسي
|
|
أنا منها بعض من
صرعا
|
أرتضيه
جار أو عدلا
|
قد
خلعت العذر والعذلا
|
إنّما
شوقي إليه جلا
|
كم وكم أشكو إلى
اللّعس
|
|
ظمئي لو أنّه
نفعا
|
صال
عبد الله بالحور
|
وبطرف
فاتر النّظر
|
حكمه
في أنفس البشر
|
مثل حكم الصّبح
في الغلس
|
|
إن تجلّى نوره
صدعا
|
شبّهته
بالرّشا الأمم
|
فلعمري
إنّهم ظلموا
|
فتغنّى
من به السّقم
|
__________________
أين ظبي القفر
والكنس
|
|
من غزال في
الحشا رتعا
|
انتهى ، وله أيضا
:
ما ردّني لابس
|
|
ثوب الضّنا
الدّارس إلا قمر
|
في غصن مائس
|
|
شعاعه عاكس ضوء
البصر
|
أسير كالسّيل
|
|
إليه لا باع
إلّا وداد
|
والطيف في خيل
|
|
لهنّ إسراع مع
الرّقاد
|
يا كوكب اللّيل
|
|
إن كنت ترتاع
فلم فؤادي
|
كالأسد العابس
|
|
لكنّه خانس من
الحور
|
ومن نظمه قصيدة
مدح يحيى بن علي بن القاسم المذكور بها ، منها في المديح قوله : [الكامل]
نوران ليسا
يحجبان عن الورى
|
|
كرم الطّباع ولا
جمال المنظر
|
وكلاهما جمعا
ليحيى فليدع
|
|
كتمان نور علائه
المتشهّر
|
في كلّ أفق من
جمال ثنائه
|
|
عرف يزيد على
دخان المجمر
|
رد في شمائله
ورد في جوده
|
|
بين الحديقة
والغمام الممطر
|
بدر عليه من
الوقار سكينة
|
|
فيها لقيطة كلّ
ليث مخدر
|
مثل الحسام إذا
انطوى في غمده
|
|
ألقى المهابة في
نفوس الحضّر
|
أربى على المزن
الملثّ لأنّه
|
|
أعطى كما أعطى
ولم يستعبر
|
ومنها :
أقبلت مرتادا
لجودك إنّه
|
|
صوب الغمامة بل
زلال الكوثر
|
ورأيت وجه
النّجح عندك أبيضا
|
|
فركبت نحوك كلّ
لجّ أخضر
|
__________________
وهي طويلة.
وقوله : «أربى على
المزن الملث ـ البيت» هو معنى تلاعب الشعراء بكرته ، وأورده كل منهم على حسب
مقدرته ، فقال بعض : [المنسرح]
من قاس جدواك
بالغمام فما
|
|
أنصف في الحكم
بين شيئين
|
أنت إذا جدت
ضاحك أبدا
|
|
وهو إذا جاد
دامع العين
|
وقال آخر : [الخفيف]
ما نوال الغمام
يوم ربيع
|
|
كنوال الأمير
يوم سخاء
|
فنوال الأمير
بدرة عين
|
|
ونوال الغمام
قطرة ماء
|
وهما من شواهد
البديع.
وقال أبو عبد الله
الحوضي التلمساني في قصيدة مدح بها سلطان تلمسان أبا عبد الله الزياني: [الخفيف]
أصبح المزن من
عطائك يحكي
|
|
يوم الاثنين
للأنام عطاء
|
كيف يدعى لك
الغمام شبيها
|
|
ولقد فقته سنا
وسناء
|
أنت تعطي إذا
تقصّر مالا
|
|
وهو يعطي إذا
تطوّل ماء
|
رجع ـ وذكر العماد
في الخريدة ابن بقي المذكور ، وأورد له جملة من المقطعات ، ومحاسنه كثيرة رحمه
الله تعالى ، وبقي على وزن علي.
رجع إلى بني عباد
رحمهم الله تعالى.
وقال ابن اللبانة
في بني عباد ما نصه : بماذا أصفهم وأحليهم ، وأي منقبة من الجلالة أوليهم ، فهم القوم الذي تجل مناقبهم عن العد والإحصاء ، ولا
يتعرض لها بالاستيفاء والاستقصاء ، ملوك بهم زينت الدنيا وتحلت ، وترقّت حيث شاءت وحلت ، إن ذكرت الحروب فعليهم
يوقف منها الخبر اليقين ، أو عدّت المآثر فهم في ذلك في درجة السابقين ،
__________________
أصبح الملك بهم
مشرق القسام ، والأيام ذات بهجة وابتسام ، حتى أناخ بهم الحمام ، وعطل
من محاسنهم الوراء والأمام ، فنقل إلى العدم وجودهم ، ولم يرع بأسهم وجودهم ، وكل
ملك آدمي فمفقود ، وما نؤخره إلا لأجل معدود ، فأول ناشئة ملكهم ، ومحصل الأمر تحت
ملكهم ، عظيمهم الأكبر ، وسابقة شرفهم الأجل الأشهر ، وزينهم الذي يعد في الفضائل
بالوسطى والخنصر ، محمد بن عباد ، ويكنى أبا القاسم ، واسم والده إسماعيل ، ومن
شعره قوله : [السريع]
يا حبّذا
الياسمين إذ يزهر
|
|
فوق غصون رطيبة
نضّر
|
قد امتطى للجبال
ذروتها
|
|
فوق بساط من
سندس أخضر
|
كأنّه والعيون
ترمقه
|
|
زمرّد في خلاله
جوهر
|
ولنذكر كلام ابن
اللبانة وغيره في حقهم فنقول : وصف المعتضد رحمه الله تعالى بما صورته : المعتضد
أبو عمرو عبّاد رحمه الله تعالى ، لم تخل أيامه في أعدائه من تقييد قدم ، ولا عطل
سيفه من قبض روح وسفك دم ، حتى لقد كانت في باب داره حديقة لا تثمر إلا رؤوسا ،
ولا تنبت إلا رئيسا ومرءوسا ، فكان نظره إليها أشهى مقترحاته ، وفي التلفت إليها
استعمل جلّ بكره وروحاته ، فبكى وأرق ، وشتت وفرق ، ولقد حكى عنه من أوصاف التجبر
ما ينبغي أن تصان عنه الأسماع ، ولا يتعرض له بتصريح ولا إلماع ، ومن نظمه عفا
الله عنه [مجزوء الرجز] :
تتك أمّ الحسن
|
|
تشدو بصوت حسن
|
تمدّ في ألحانها
|
|
من الغناء
المدني
|
تقود منّي ساكنا
|
|
كأنّني في رسن
|
أوراقها أستارها
|
|
إذا شدت في فنن
|
وقوله : [الطويل]
شربنا وجفن
اللّيل يغسل كحله
|
|
بماء صباح
والنّسيم رقيق
|
__________________
معتّقة كالتّبر
أمّا بخارها
|
|
فضخم وأمّا
جسمها فرقيق
|
وقوله : [المتقارب]
قد وجدنا الحبيب
يصفي وداده
|
|
وحمدنا ضميره
واعتقاده
|
قرّب الحبّ من
فؤاد محبّ
|
|
لا يرى هجره ولا
إبعاده
|
وقال عند حصول
رندة في ملكه : [مجزوء الكامل]
لقد حصّنت يا
رنده
|
|
فصرت لملكنا
عدّة
|
أفادتناك أرماح
|
|
وأسياف لها حدّه
|
وقال رحمه الله
تعالى : [مجزوء الكامل]
اشرب على وجه
الصّباح
|
|
وانظر إلى نور
الأقاح
|
واعلم بأنّك
جاهل
|
|
ما لم تقل
بالاصطباح
|
فالدّهر شيء
بارد
|
|
ما لم تسخّنه
براح
|
ومن حكايات
المعتضد عباد ما ذكره غير واحد أن ابن جاخ الشاعر ورد على حضرته ، فدخل الدار
المخصوصة بالشعراء ، فسألوه ، فقال : إني شاعر ، فقالوا : أنشدنا من شعرك ، فقال :
[الكامل]
إنّي قصدت إليك
يا عبّادي
|
|
قصد القليق
بالجري للوادي
|
فضحكوا منه
وازدروه ، فقال بعض عقلائهم : دعوه فإن هذا شاعر ، وما يبعد أن يدخل مع الشعراء
ويندرج في سلكهم ، فلم يبالوا بكلام الرجل ، وتنادروا على المذكور ، فبقي معهم ،
وكان لهم في تلك الدولة يوم مخصوص لا يدخل فيه على الملك غيرهم ، وربما كان يوم
الاثنين ، فقال بعض لبعض : هذه شنعة بنا أن يكون مثل هذا البادي يقدم علينا ،
ويجترئ على الدخول معنا ، فاتفقوا على أن يكون هو أول متكلم في اليوم المخصوص بهم
عند جلوس السلطان ، وقد رأوا أن يقول مثل ذلك الشعر المضحك فيطرده عنهم ، ويكون
ذلك حسما لعلة إقدام مثله عليهم ، فلما كان اليوم المذكور ، وقعد السلطان في مجلسه
، ونصب الكرسي لهم
__________________
ـ رغبوا منه أن
يكون هذا القادم أول متكلم في ذلك اليوم ، فأمر بذلك ، فصعد الكرسي ، وانتظروا أن
ينشد مثل الشعر المضحك المتقدم ، فقال : [الكامل]
قطّعت يا يوم
النّوى أكبادي
|
|
وحرمت عن عيني
لذيذ رقادي
|
وتركتني أرعى
النّجوم مسهّدا
|
|
والنّار تضرم في
صميم فؤادي
|
فكأنّما آلى
الظّلام أليّة
|
|
لا ينجلي إلّا
إلى ميعاد
|
لي بين بين أين
تقتاد النّوى
|
|
إبل الّذين
تحمّلوا بسعاد
|
ولربّ خرق قد
قطعت نياطه
|
|
واللّيل يرفل في
ثياب حداد
|
بشملّة حرف كأنّ
ذميلها
|
|
سرح الرّياح
وكلّ برق غادي
|
والنجم يحدوها
وقد ناديتها
|
|
يا ناقتي عوجي
على عبّاد
|
ملك إذا ما
أضرمت نار الوغى
|
|
وتلاقت الأجناد
بالأجناد
|
فترى الجسوم بلا
رؤوس تنثني
|
|
وترى الرّءوس
لقى بلا أجساد
|
يا أيّها الملك
المؤمّل والّذي
|
|
قدما سما شرفا
على الأنداد
|
إنّ القريض
لكاسد في أرضنا
|
|
وله هنا سوق
بغير كساد
|
فجلبت من شعري
إليك قوافيا
|
|
يفنى الزّمان
وذكرها متمادي
|
من شاعر لم
يضطلع أدبا ولا
|
|
خطّت يداه صحيفة
بمداد
|
فقال له الملك :
أنت ابن جاخ؟ فقال : نعم ، فقال : اجلس فقد وليتك رياسة الشعراء ، وأحسن إليه ، ولم يأذن في الكلام في ذلك اليوم
لأحد بعده. انتهى.
رجع إلى أخبار
بقية بني عباد :
المعتمد على الله
أبو القاسم محمد بن المعتضد أبي عمرو عباد ابن القاضي أبي القاسم ابن عباد رحمه
الله تعالى : ملك مجيد ، وأديب على الحقيقة مجيد ، وهمام تحلّى به للملك لبّة
__________________
وللنظم جيد ، أفنى
الطغاة بسيفه وأباد ، وأنسى بسيبه ذكر الحارث بن عباد ، فأطلع أيامه في الزمان
حجولا وغررا ، ونظم معاليه في أجيادها جواهر ودررا ، وشيد في كل معلوة فناءه ،
وعمر بكل نادرة مستغربة وبادرة مستظرفة أوقاته وآناءه ، فنفقت به للمحامد سوق ، وبسقت ثمرات
إحسانه أيّ بسوق ، منع وقرى ، وراش وبرى ، ووصل وفرى ، وكان له من أبنائه عدة أقمار نظمهم نظم
الملك ، وزين بهم سماء ذلك السلك ، فكانوا معاقل بلاده ، وحماة طارفه وتلاده ، إلى
أن استدار الزمان كهيئته ، وأخذ البؤس في فيئته ، واعتز الخلاف وظهر ، وسلّ الشتات سيفه وشهر ، والمعتمد رحمه الله
تعالى يطلب نفسه أثناء ذلك بالثّبات ، بين تلك الثّبات ، والمقام ، في ذلك المقام
، إلى أن بدل القطب بالواقع ، واتسع الخرق على الراقع ، فاستعضد بابن تاشفين فورد
عليه كتابه يشعر بالوفاء ، فثاب إليه فكر خاطره وفاء ، وثبت خلال تلك المدة للنّزال ، ودعا من رام حربه نزال ، إلى أن أصبح والحروب قد نهبته ، والأيام تسترجع منه ما
وهبته ، فثل ذلك العرش ، واعتدت الليالي حين أمنت من الأرش فنقل من صهوات الخيول إلى بطون الأجفان ، وهذه الدنيا جميع
ما لديها زائل وكل من عليها فان ، فما أغنت تلك المملكة وما دفعت ، وليتها ما ضرت
إذ لم تكن نفعت ، وكل يلقى معجله ومؤجله ، ويبلغ الكتاب أجله.
وقال الفقيه
القاضي أبو بكر بن خميس رحمه الله تعالى حين ذكر تاريخ بني عباد : وقد ذكر الناس
للمعتمد من أوصافه ، ما لا يبلغ مع كثرته إلى إنصافه ، وأنا الآن أذكر نبذا من
أخباره ، وأردفها بما وقفت عليه من منظومات أشعاره ، فإنه رحمه الله تعالى حمّ الأدب
رائقه ، عالي النظم فائقه ، كان يسمى بمحمد ، ويكنى بأبي القاسم ، على كنية
جده القاضي ، استبد بالأمر عند موت أبيه المعتضد ، وفي ذلك يقول الحصري رحمه الله
تعالى : [مجزوء الرمل]
مات عبّاد ولكن
|
|
بقي الفرع
الكريم
|
فكأنّ الميت حيّ
|
|
غير أنّ الضّاد
ميم
|
__________________
قال ابن اللبانة
رحمه الله تعالى : ولم يزل المعتمد بخير إلى أن كانت سنة خمس وسبعين وأربعمائة ،
ووصل اليهودي ابن شاليب لقبض الجزية المعلومة مع قوم من رؤساء النصارى ، وحلّوا
بباب من أبواب إشبيلية ، فوجه لهم المعتمد المال ، مع جماعة من وجوه دولته ، فقال
اليهودي : والله لا أخذت هذا العيار ، ولا آخذه منه إلا مشجرا ، وبعد هذا العام لا
آخذ منه إلا أجفان البلاد ، ردوه إليه ، فرد المال إلى المعتمد ، وأعلم بالقصة ،
فدعا بالجند ، وقال : ائتوني باليهودي وأصحابه ، واقطعوا حبال الخباء ، ففعلوا
وجاؤوا بهم ، فقال : اسجنوا النصارى ، واصلبوا اليهودي الملعون ، فقال اليهودي :
لا تفعل ، وأنا أفتدي منك بزنتي مالا فقال : والله لو أعطيتني العدوة والأندلس ما قبلتهما
منك ، فصلب ، فبلغ الخبر النصراني فكتب فيهم ، فوجّه إليه بهم ، فأقسم النصراني
أن يأتي من الجنود بعدد شعر رأسه حتى يصل إلى بحر الزقاق ، وأمير المسلمين يوسف بن
تاشفين إذ ذاك محاصر سبتة ، فجاز المعتمد إليه ، ووعده بنصرته ، فرجع وحث ملوك
الأندلس على الجهاد ، ثم وصل ابن تاشفين ، فكانت غزوة الزلّافة المشهورة ، ورجع
ابن تاشفين إلى المغرب ، ثم جاز بعد ذلك إلى الأندلس ، وتوهم ابن عباد أنه إذا أخذ
البلاد يأخذ أموالها ويترك الأجفان ، فعزم ابن تاشفين على أن يخلع ملوك الأندلس ،
ودارت إذ ذاك مكايد جمة ، ثم وجه ابن تاشفين من سبتة إلى المعتمد يطلب منه الجزيرة
الخضراء وفيها ابنه يزيد ، فكتب إليه معتذرا عنها ، فلم يكن إلا كلمح البصر وإذا
بمائة شراع قد أطلت على الجزيرة ، فطير ابنه الحمام إليه ، فأمره بإخلائها ، فظهر
عند ذلك ابن تاشفين ، وقيل : إنه لم يجز المرة الأولى حتى طلب من المعتمد الجزيرة
لتكون عدة له ، وكان ذلك بدسيسة بعض أهل الأندلس نصحا لابن تاشفين ، ثم شرع ابن
تاشفين في خلع ملوك الأندلس وقتالهم ، وأرسل إلى كل مملكة جماعة من أهل دولته
وأجناده يحاصرونها ، وأرسل إلى حضرة المعتمد إشبيلية ، وشرع في قتالها ، والناس قد
ملوا الدولة العبّادية وسئموها ، على ما جرت به العادة من حب الجديد ، لا سيما وقد
ظهر من ابن عباد من التهتك في الشرب والملاهي ما لا يخفى أمره ، فتمنى أكثر الناس
الراحة من دولتهم ، ولما اشتدّ مخنّق المعتمد وجه عن النصارى ، فأعدّ لهم ابن تاشفين من لقيهم في الطريق ، فهزمهم ،
وجهز ابن تاشفين
__________________
القطائع لإشبيلية
، جدّ في حصارها ، والمعتمد مع ذلك منغمس في لذاته ، وقد ألقى الأمور بيد ابنه
الرشيد ، فلم يشعر ابن عباد إلا والعسكر معه في البلد ، فأفاق من نومه ، وصحا من
سكره ، وركب فرسه وحسامه في يده ، وليس عليه إلا ثوب واحد ، فوافق العسكر قد دخل
من باب الفرج ، ووافى هنالك طبالا فضربه بسيفه ضربة قسمه بها نصفين ، ففر الناس
أمامه ، وتراموا من السور ، ووقف حتى بان الباب ، وفي ذلك يقول الأبيات المذكورة فيما يأتي «إن يسلب القوم
العدا ـ إلى آخره». فلما وصل إلى باب الصباغين وجد ابنه مالكا مقتولا ، فاسترحم له
، ودخل القصر ، وزاد الأمر بعد ذلك ، ودخل البلد من كل جهاته ، فطلب الأمان له
ولمن معه ، فأمن وجميع من له ، وأعدّت له مراكب ، واجتاز إلى طنجة ، فلقيه الحصري
الشاعر ، وكان قد ألف له كتاب «المستحسن من الأشعار» فلم يقض بوصوله إليه إلا وهو
على تلك الحالة ، فلما أخذ المعتمد الكتاب قال للحصري : ارفع ذلك البساط فخذ ما
تحته ، فو الله ما أملك غيره ، فوجد تحته جملة مال ، فأخذه ، ثم انتقل حتى وصل
أغمات ، ولم يزل بها إلى أن مات ، رحمه الله تعالى!.
وقال الفتح في
ترجمته ما نصه : ملك قمع العدا ، وجمع البأس والندى ، وطلع على الدنيا
بدر هدى ، لم يتعطل يوما كفه ولا بنانه ، آونة يراعه وآونة سنانه ، وكانت أيامه
مواسم ، وثغوره بواسم ، ولياليه كلها دررا ، وللزمان حجولا وغررا ، لم يغفلها من سمات عوارف ، ولم يضحها من ظل إيناس
وارف ، ولا عطلها من مأثرة بقي أثرها باديا ، ولقي معتفيه منها إلى الفضل هاديا ، وكانت حضرته مطمحا للهمم ، ومسرحا
لآمال الأمم ، ومقذفا لكل كميّ ، وموقفا لكل ذي أنف حمي ، لم تخل من وفد ، ولم يصح
جوها من انسجام رفد ، فاجتمع تحت لوائه من جماهير الكماه ، ومشاهير الحماه ، أعداد يغصّ بهم الفضاء ، وأنجاد يزهى بهم النفوذ والمضاء ، وطلع في سمائه كل نجم
متّقد ، وكل ذي فهم منتقد ، فأصبحت حضرته ميدانا لزهان الأذهان ، ومضمارا لإحراز
الخصل ، في كل معنى وفصل ، فلم يلتحق بزمامه إلا كل بطل نجد ، ولم يتسق في نظامه
إلا ذكاء ومجد ، فأصبح عصره أجمل عصر ، وغدا مصره أكمل مصر ، تسفح فيه ديم الكرم ، ويفصح فيه لسان سيف وقلم ،
__________________
ويفضح الرضا في
وصفه أيام ذي سلم ، وكان قومه وبنوه لتلك الحلبة زينا ، ولتلك الجملة عينا ، إن
ركبوا خلت الأرض فلكا يحمل نجوما ، وإن وهبوا رأيت الغمام سجوما ، وإن أقدموا أحجم عنترة العبسي ، وإن فخروا أفحم عرابة
الأوسي ، ثم انحرفت الأيام فألوت بإشراقه ، وأذوت يانع إيراقه ،
فلم يدفع الرمح ولا الحسام ، ولم تنقع تلك المنن الجسام ، فتملك بعد الملك ، وحط
من فلكه إلى الفلك ، فأصبح خائضا تحدوه الرياح ، وناهضا يزجيه البكاء والصياح ، قد
ضجت عليه أياديه ، وارتجت جوانب ناديه ، وأضحت منازله قد بان عنها الأنس والحبور ،
وألوت ببهجتها الصّبا والدّبور. فبكت العيون عليه دما ، وعاد موجود الحياة عدما ،
وصار أحرار الدهر فيه خدما ، فسحقا لدنيا ما رعت حقوقه ، ولا أبقت شروقه ، فكم
أحياها لبنيها ، وأبداها رائقة لمجتنيها ، وهي الأيام لا يتقي من تجنيها ، ولا تبقي على مواليها ومدانيها ، أدثرت آثار جلق ،
وأخمدت نار المحلق ، وذللت عزة ابن شداد ، وهدت القصر ذا الشّرفات من سنداد ، ونعمت ببؤس النعمان ،
وأكمنت غدرها له في طلب الأمان ، انتهى.
ثم ذكر الفتح من
أخباره وأشعاره ومجالس أنسه وغير ذلك من أمره نبذا ذكرنا بعضها في هذا الكتاب.
وقال في ترجمة
ابنه الراضي بالله أبي خالد يزيد بن المعتمد ما نصه : ملك تفرع من دوحة سناء ، أصلها ثابت وفرعها في السماء ،
وتحدّر من سلالة أكابر ، ورقاة أسرّة ومنابر ، وتصرف أثناء شبيبته بين دراسة معارف
، وإفاضة عوارف ، وكلف بالعلم حتى صار ملهج لسانه ، وروضة أجفانه ، لا يستريح منه
إلا إلى فرس سائل الغرّة ، ميمون الأسرّة ، يسابق به الرياح ، ويحاسن بغرّته البدر
الليّاح ، عريق في السناء ، عتيق الاقتناء ، سريع الوخد والإرقال ، من آل أعوج أو
ولد لذي العقال ، إلى أن ولاه أبوه الجزيرة الخضراء ، وضم إليها رندة
الغراء ، فانتقل من متن الجواد ، إلى ذروة الأعواد ، وأقلع عن الدراسة ، إلى تدبير
الرياسة ، وما
__________________
زال يدبّرها بجوده
ونهاه ، ويورد الآمل فيها مناه ، حتى غدت عراقا ، وامتلأت إشراقا ، إلى أن اتفق في أمر
الجزيرة ما اتفق ، وخاب فيها الرجاء وأخفق ، واستحالت بهجتها ، وأحالت عليها من
الحال لجتها ، فانتقل إلى رندة معقل أشب ، ومنزل للسّماك منتسب ، وأقام فيها رهين
حصار ، ومهين حماة وأنصار ، ولقيت ريحه كل إعصار ، حتى رمته سهام الخطوب عن قسيّها
، وأمكنت منه يدي مسيّها ، فحواه رمسه ، وطواه عن غده أمسه ، حسبما بسطنا القول
فيه ، فيما مر من أخبار أبيه ، انتهى.
والذي أشار إليه
هنا وأحال عليه فيما تقدم له من أخبار المعتمد هو قوله بعد حكايته قتل المأمون بن
المعتمد بقرطبة وسياقه أخبار ذلك ما نصه : ثم انتقلوا إلى رندة أحد معاقل الأندلس الممتنعة ، وقواعدها السامية المرتفعة ،
تطرد منها على بعد مرتقاها ، ودنوّ النجوم من ذراها ، عيون لانصبابها دويّ كالرعد
القاصف ، والرياح العواصف ، ثم تتكوّن واديا يلتوي بجوانبها التواء الشجاع ، ويزيدها في التوعر والامتناع ، وقد تجوّنت نواحيها
وأقطارها ، وتكوّنت فيها لباناتها وأوطارها ، لا يتعذر لها مطلب ، ولا يتصوّر فيها
عدوّ إلا عقله ناب أو مخلب ، فلما أناخوا منها على بعد ، وأقاموا من الرجاء فيها على غير وعد ،
وفيها ابنه الراضي لم يحفل بإناحتهم بإزائه ، ولا عدّها من أرزائه ، لامتناعه من
منازلتهم ، وارتفاعه عن مطاولتهم ، إلى أن انقضى في [أمر] إشبيلية ما انقضى ،
وأفضى أمر أبيه إلى ما أفضى ، فحمل على مخاطبته لينزل عن صياصيه ، ويمكنهم من
نواصيه ، فنزل برا بأبيه ، وإبقاء على أرماق ذويه ، بعد أن عاقدهم مستوثقا ، وأخذ
عليهم عهدا من الله وموثقا ، فلما وصل إليهم ، وحصل في يديهم ، مالوا به عن الحصن وجرعوه الردى ، وأقطعوه الثرى حين أودى ، وفي ذلك يقول
المعتمد يرثيهما ، وقد رأى قمرية بائحة بشجنها ، نائحة بفننها على سكنها ، وأمامها
وكر فيه طائران يرددان نغما ، ويغردان ترحة وترنما : [الطويل]
بكت أن رأت
إلفين ضمّهما وكر
|
|
مساء وقد أخنى
على إلفها الدّهر
|
وناحت فباحت
واستراحت بسرّها
|
|
وما نطقت حرفا
يباح به سرّ
|
__________________
فما لي لا أبكي
أم القلب صخرة
|
|
وكم صخرة في
الأرض يجري بها نهر
|
بكت واحدا لم
يشجها غير فقده
|
|
وأبكى لألّاف
عديدهم كثر
|
بنيّ صغير أو
خليل موافق
|
|
يمزّق ذا قفر
ويغرق ذا بحر
|
ونجمان زين للزّمان
احتواهما
|
|
بقرطبة النّكداء
أو رندة القبر
|
غدرت إذن إن ضنّ
جفني بقطرة
|
|
وإن لوّمت نفسي
فصاحبها الصّبر
|
فقل للنّجوم
الزّهر تبكيهما معي
|
|
لمثلهما فلتحزن
الأنجم الزّهر
|
وقال في ترجمة
الراضي ما صورته . وكان المعتمد رحمه الله تعالى كثيرا ما يرميه بملامه ،
ويصميه بسهامه ، فربما استلطفه بمقال أفصح من دمع المحزون ، وأملح من روض الحزون ، فإنه كان ينظم من بديع القول لآلىء وعقودا ، تسلّ من النفوس سخائم وحقودا ، وقد أثبت من كلامه في بث آلامه ، واستجارة عذله وملامه ،
ما تستبدعه ، وتحلّه النفوس وتودعه ، فمن ذلك ما قاله وقد أنهض جماعة من أخوته
وأقعده ، وأدناهم وأبعده : [الوافر]
أعيذك أن يكون
بنا خمول
|
|
ويطلع غيرنا
ولنا أفول
|
حنانك إن يكن
جرمي قبيحا
|
|
فإنّ الصّفح عن
جرمي جميل
|
ألست بفرعك
الزّاكي وما ذا
|
|
يرجّى الفرع
خانته الأصول
|
ثم قال الفتح بعد
كلام : ومرت عليه ـ يعني الراضي ـ هوادج وقباب ، فيها حبائب كن له وأحباب ، ألفهن
أيام خلائه من دوله ، وجال معهن في ميدان المنى أعظم جوله ، ثم انتزعوا منه ببعده
، وأودعوا الهوادج من بعده ، ووجّهوا هدايا إلى العدوة ، وألموا بها إلمام قريش
بدار الندوة ، فقال : [البسيط]
مرّوا بنا أصلا
من غير ميعاد
|
|
فأوقدوا نار
قلبي أيّ إيقاد
|
وأذكروني أيّاما
لهوت بهم
|
|
فيها ففازوا
بإيثاري وإحمادي
|
__________________
لا غرو أن زاد
في وجدي مرورهم
|
|
فرؤية الماء
تذكي غلّة الصّادي
|
ولما وصل المعتمد لورقة أعلم أن العدو قد جيش لها واحتشد ، ونهد نحوها وقصد
، ليتركها خاوية على عروشها ، طاوية الجوانح على وحوشها ، فتعرض له المعتمد دون
بغيته ، وطلع عليه من ثنيّته ، وأمر الراضي بالخروج إليه في عسكر جرّده لمحاربته ،
وأعده لمصادمته ، ومضاربته ، فأظهر التمرض والتشكي ، وأضمر التقاعس والتلكي ، فرارا من المصادمة ، وإحجاما عن
المساومة ، وجزعا من منازلة الأقران ، ومقابلة ذوابل المرّان ،
ومقاساة الطعان ، وملاقاة أبطال كالرّعان ، ورأى أن المطالعة ، أرجح من المقارعة ،
ومعاناة العلوم ، أربح من مداواة الكلوم ، فقد كان عاكفا على تلاوة ديوان ، عارفا بإجادة صدر
وعنوان ، فعلم المعتمد ما نواه ، وتحقق ما لواه ، فأعرض عنه ، ونفض يده منه ، ووجه
المعتدّ مع ذلك الجيش الذي لم تنشر بنوده ، ولا نصرت جنوده ،
فعندما لاقوا العدو لاذوا بالفرار ، وعاذوا بإعطاء الغرة بدلا من الغرار ، وتفرقوا
في تلك الأماريت ، وفرقوا من تخطف أولئك العفاريت ، فتحيف العدوّ من بقي مع
المعتد واهتضمه ، وخضم ما في العسكر وقضمه ، وغدت مضاربه مجرّ عواليه ، ومجرى
مذاكيه ، وآب أخسر من بائع السّدانة ، ومضيع الأمانة ، فانطبقت سماء المعتمد على أرضه ، وشغلته
عن إقامة نوافله وفرضه ، فكتب إليه الراضي : [البسيط]
لا يكر ثنّك خطب
الحادث الجاري
|
|
فما عليك بذاك
الخطب من عار
|
ما ذا على ضيغم
أمضى عزيمته
|
|
إن خانه حدّ
أنياب وأظفار
|
لئن أتوك فمن جبن
ومن خور
|
|
قد ينهض العير
نحو الضّيغم الضّاري
|
عليك للنّاس أن
تبقى لنصرتهم
|
|
وما عليك لهم
إسعاد أقدار
|
لو يعلم الناس
فيما أن تدوم لهم
|
|
بكوا لأنّك من
ثوب الصّبا عاري
|
__________________
ولو أطاقوا
انتقاصا من حياتهم
|
|
لم يتحفوك بشيء
غير أعمار
|
فحجب عنه وجه رضاه
، ولم يستنزله بذلك ولا استرضاه ، وتمادى على إعراضه ، وقعد عن إظهاره وإنهاضه
، حتى بسطته سوانح السّلوّ ، وعطفته عليه جوانح الحنو ، فكتب إليه بهزل ، غلب فيه
كل منزع جزل ، وهو : [مجزوء الكامل]
الملك في طيّ
الدّفاتر
|
|
فتخلّ عن قود
العساكر
|
طف بالسّرير
مسلّما
|
|
وارجع لتوديع
المنابر
|
وازحف إلى جيش
المعا
|
|
رف تقهر الحبر
المقامر
|
واطعن بأطراف
اليرا
|
|
ع نصرت في ثغر
المحابر
|
واضرب بسكّين الدّوا
|
|
ة مكان ماضي
الحدّ باتر
|
أولست رسطاليس
إن
|
|
ذكر الفلاسفة
الأكابر
|
وأبو حنيفة ساقط
|
|
في الرّأي حين
تكون حاضر
|
وكذاك إن ذكر
الخل
|
|
يل فأنت نحويّ
وشاعر
|
من هرمس من
سيبوي
|
|
ه من ابن فورك
إذ تناظر
|
هذي المكارم قد
حوي
|
|
ت فكن لمن حاباك
شاكر
|
واقعد فإنّك
طاعم
|
|
كاس وقل : هل من
مفاخر
|
لحجبت وجه رضاي
عن
|
|
ك وكنت قد تلقاه
سافر
|
أولست تذكر وقت
لو
|
|
رقة وقلبك ثمّ
طائر
|
لا يستقر مكانه
|
|
وأبوك كالضّرغام
خادر
|
|
هلّا اقتديت
بفعله
|
|
وأطعته إذ ذاك
آمر
|
__________________
قد كان أبصر
بالعوا
|
|
قب والموارد
والمصادر
|
فكتب إليه الراضي
مراجعا بقطعة منها : [مجزوء الكامل]
مولاي قد أصبحت
كافر
|
|
بجميع ما تحوي
الدّفاتر
|
وفللت سكّين الدّوا
|
|
ة وظلت للأقلام
كاسر
|
وعلمت أنّ الملك
ما
|
|
بين الأسنّة
والبواتر
|
والمجد والعلياء
في
|
|
ضرب العساكر
بالعساكر
|
لا ضرب أقوال
بأق
|
|
وال ضعيفات
مناكر
|
قد كنت أحسب من
سفا
|
|
ه أنّها أصل
المفاخر
|
فإذا بها فرع
لها
|
|
والجهل للإنسان
عاذر
|
لا يدرك الشّرف
الفتى
|
|
إلا بعسّال
وباتر
|
وهجرت من
سمّيتهم
|
|
وجحدت أنّهم
أكابر
|
لو كنت تهوى
ميتتي
|
|
لو جدتني للعيش
هاجر
|
ضحك الموالي
بالعبي
|
|
د إذا تؤمّل غير
ضائر
|
إن كان لي فضل
فمن
|
|
ك وهل لذاك
النّور ساتر
|
أو كان بي نقص
فمن
|
|
يّ غير أنّ
الفضل غامر
|
ذكّرت عبدك ساعة
|
|
يبقى لها ما عاش
ذاكر
|
يا ليته قد
غيّبت
|
|
ه عندها إحدى
المقابر
|
أتريد منّي أن
أكو
|
|
ن كمن غدا في
الدّهر غادر
|
هيهات ذلك مطمع
|
|
يعيي الأوائل
والأواخر
|
لا تنس يا مولاي
قو
|
|
لة ضارع لا قول
فاخر
|
ضبط الجزيرة
عندما
|
|
نزلت بعقوتها
العساكر
|
أيّام ظلت بها
فري
|
|
دا ليس غير الله
ناصر
|
__________________
إذ كان يعشي
ناظري
|
|
لمع الأسنّة
والبواتر
|
ويصمّ أسماعي
بها
|
|
قرع الحجارة
بالحوافر
|
وهي الحضيض
سهولة
|
|
لكن ثبتّ بها
مخاطر
|
هبني أسأت كما
أسأ
|
|
ت أما لهذا
العتب آخر
|
هب زلّتي
لبنوّتي
|
|
واغفر فإنّ الله
غافر
|
فقربه وأدناه ،
وصفح عما كان جناه ، ولم تزل الحال آخذة في البوار ، والأمور معتلة اعتلال حبّ الفرزدق للنّوار ، حتى مضوا لغير طيّة ، وقضوا بين الصوارم والرماح
الخطّيّة ، حسبما سردناه ، وعلى ما أوردناه ، وإذا أراد الله سبحانه إنفاد أمر سبق
في علمه ، فلا مرد له ولا معقّب لحكمه ، ولا إله إلا هو رب العالمين ، انتهى كلام
الفتح.
وعلى الجملة فكانت
دولة بني عباد بالأندلس من أبهج الدول في الكرم والفضل والأدب ، حتى قال ابن
اللبانة رحمه الله تعالى : إن الدولة العبّادية بالأندلس أشبه شيء بالدولة
العباسية ببغداد ، سعة مكارم ، وجمع فضائل ، ولذلك ألف فيها كتابا مستقلا سماه «الاعتماد
، في أخبار بني عباد» ولا يلتفت لكلب عقور نبح بقوله : [البسيط]
ممّا يزهّدني في
أرض أندلس
|
|
أسماء معتضد
فيها ومعتمد
|
ألقاب مملكة في
غير موضعها
|
|
كالهرّ يحكي
انتفاخا صورة الأسد
|
لأن هذه مقالة
متعسف كافر للنعم ، ومثل ذلك في حقهم لا يقدح ، وما زالت الأشراف تهجى وتمدح.
وللمعتمد أولاد
ملوك منهم المأمون والرشيد والراضي والمعتمد وغيرهم ، وقد سردنا خبر بعضهم.
وكان الداني
المذكور مائلا إلى بني عباد بطبعه ، إذ كان المعتمد هو الذي جذب بضبعه ، وله فيه
المدائح الأنيقة ، التي هي أذكى من زهر الحديقة ، فمن ذلك قوله من قصيدة يمدحه بها
ويذكر أولاده الأربعة ، الذين عمروا من المجد أربعه ، وهم الرشيد عبيد الله والراضي يزيد
__________________
والمأمون والمؤتمن
، وكانوا نجوم ذلك الأفق وغيوث ذلك الزمن ، ولقد أجاد في ذلك كل الإجادة ، وأطال
لمجدهم نجاده : [الطويل]
يغيثك في محل ،
يعينك في ردي
|
|
يروعك في درع ،
يروقك في برد
|
جمال وإجمال
وسبق وصولة
|
|
كشمس الضّحى
كالمزن كالبرق كالرّعد
|
بمهجته شاد
العلا ثمّ زادها
|
|
بناء بأبناء
جحاجحة لدّ
|
بأربعة مثل
الطّباع تركّبوا
|
|
لتعديل ذكر
المجد والشّرف العدّ
|
والمأمون بن
المعتمد قتله لمتونة بقرطبة ، والراضي يزيد قتلوه برندة كما سقنا خبره آنفا ، وفي
حالتهم هذه يقول الشاعر المشهور عبد الجبار بن حمديس الصقلي : [الطويل]
ولمّا رحلتم
بالنّدى في أكفّكم
|
|
وقلقل رضوى منكم
وثبير
|
رفعت لساني
بالقيامة قد دنت
|
|
فهذي الجبال
الرّاسيات تسير
|
وفي قضية المعتمد يقول الداني المذكور : [البسيط]
لكلّ شيء من
الأشياء ميقات
|
|
وللمنى في
مناياهنّ غايات
|
والدهر في صفة
الحرباء منغمس
|
|
ألوان حالاته
فيها استحالات
|
ونحن من لعب
الشّطرنج في يده
|
|
وطالما قمرت
بالبيدق الشّاة
|
انفض يديك من الدنيا
وزينتها
|
|
فالأرض قد أقفرت
والناس قد ماتوا
|
وقل لعالمها
الأرضيّ قد كتمت
|
|
سريرة العالم
العلويّ أغمات
|
وهي طويلة ذكرها
الفتح وغيره.
وللداني أيضا
قصيدة عملها في المعتمد وهو بأغمات سنة ٤٨٦ : [الطويل]
__________________
تنشّق بريحان
السّلام فإنّما
|
|
أفضّ به مسكا
عليك مختّما
|
وقل لي مجازا إن
عدمت حقيقة
|
|
لعلّك في نعمى
فقد كنت منعما
|
أفكّر في عصر
مضى بك مشرقا
|
|
فيرجع ضوء
الصّبح عندي مظلما
|
وأعجب من أفق
المجرّة إذ رأى
|
|
كسوفك شمسا كيف
أطلع أنجما
|
لئن عظمت فيك
الرّزيّة إنّنا
|
|
وجدناك منها في
الرّزيّة أعظما
|
قناة سعت للطّعن
حتى تقسّمت
|
|
وسيف أطال
الضّرب حتّى تثلّما
|
ومنها :
بكى آل عبّاد
ولا كمحمّد
|
|
وأولاده صوب
الغمامة إذ همى
|
حبيب إلى قلبي
حبيب لقوله
|
|
عسى طلل يدنو
بهم ولعلّما
|
صباحهم كنّا به
نحمد السّرى
|
|
فلمّا عدمناهم
سرينا على عمى
|
وكنّا رعينا
العزّ حول حماهم
|
|
فقد أجدب المرعى
وقد أقفر الحمى
|
وقد ألبست أيدي
اللّيالي قلوبهم
|
|
مناسج سدّى
الغيث فيها وألحما
|
قصور خلت من
ساكنيها فما بها
|
|
سوى الأدم تمشي حول
واقفة الدّمى
|
تجيب بها الهام
الصّدى ولطالما
|
|
أجاب القيان
الطائر المترنّما
|
كأن لم يكن فيها
أنيس ، ولا التقى
|
|
بها الوفد جمعا
والخميس عرمرما
|
ومنها :
حكيت وقد فارقت
ملكك مالكا
|
|
ومن ولهي أحكي
عليك متمّما
|
مصاب هوى
بالنّيّرات من العلا
|
|
ولم يبق في أرض
المكارم معلما
|
تضيق عليّ الأرض
حتى كأنما
|
|
خلقت وإياها
سوارا ومعصما
|
ندبتك حتى لم
يخلّ لي الأسى
|
|
دموعا بها أبكي
عليك ولا دما
|
__________________
وإنّي على رسمي
مقيم فإن أمت
|
|
سأجعل للباكين
رسمي موسما
|
بكاك الحيا
والريح شقّت جيوبها
|
|
عليك وناح
الرّعد باسمك معلما
|
ومزّق ثوب البرق
واكتست الضّحى
|
|
حدادا وقامت
أنجم الجوّ أفحما
|
وحار ابنك
الإصباح وجدا فما اهتدى
|
|
وغار أخوك البحر
غيضا فما طمى
|
وما حلّ بدر
التمّ بعدك دارة
|
|
ولا أظهرت شمس
الظّهيرة مبسما
|
قضى الله أن
حطّوك عن ظهر أشقر
|
|
بشمّ وأن أمطوك
أشأم أدهما
|
وكان قد انفكت عنه
القيود ، فأشار إلى ذلك بقوله فيها :
قيودك ذابت
فانطلقت لقد غدت
|
|
قيودك منهم
بالمكارم أرحما
|
عجبت لأن لان
الحديد وأن قسوا
|
|
لقد كان منهم
بالسّريرة أعلما
|
سينجيك من نجّى
من السّجن يوسفا
|
|
ويؤويك من آوى
المسيح بن مريما
|
ولأبي بكر الداني
المذكور في البكاء على أيامهم ، وانتثار نظامهم ، عدة مقطعات وقصائد ، هي قرة عين الطالب ونجعة الرائد ، وقد اشتمل
عليها جزء لطيف ، صدر عنه في هيئة تصنيف ، سماه «السلوك ، في وعظ الملوك» ووفد على
المعتمد وهو بأغمات ، عدّة وفادات ، لم يخل في جميعها من إفادات ، وقال في إحداها
: هذه وفادة وفاء ، لا وفادة اجتداء.
قال غير واحد : من
النادر الغريب أنه نودي على جنازته «الصلاة على
الغريب» بعد عظم سلطانه ، وسعة أوطانه ، وكثرة صقالبته وحبشانه ، وعظم أمره وشأنه
، فتبارك من له العزة والبقاء والدوام ، واجتمع عند قبره جماعة من الأقوام ، الذين
لهم في الأدب حصة ، ولقضية المعتمد في صدورهم غصّة ، منهم البالغ في البلاغة الأمد
، شاعره أبو بحر عبد الصمد ، وكان به خصيصا ، وكم ألبسه من بره حلة وقميصا ، فقال
من قصيدة طويلة أجاد فيها ماشا ، وجلب بها إلى أنفس الحاضرين بعد الأنس إيحاشا ،
مطلعها : [الكامل]
ملك الملوك أسامع
فأنادي
|
|
أم قد عدتك عن
السّماع عوادي
|
__________________
ومنها :
لمّا خلت منك
القصور ولم تكن
|
|
فيها كما قد كنت
في الأعياد
|
قبّلت في هذا
الثّرى لك خاضعا
|
|
وجعلت قبرك موضع
الإنشاد
|
فلما بلغ من
إنشاده ، إلى مراده ، قبل الثرى ومرّغ جسمه وعفر خده ، فبكى كل من حضر وحذفه ذلك
عن سرور العيد وصدّه ، إذ كانت هذه القصة يوم عيد ، فسبحان المبدىء المعيد.
ويحكى أن رجلا رأى
في منامه أثر الكائنة على المعتمد بن عباد كأن رجلا صعد منبر جامع قرطبة فاستقبل
الناس وأنشد هذه الأبيات متمثلا : [الرمل]
ربّ ركب قد
أناخوا عيسهم
|
|
في ذرا مجدهم
حين بسق
|
سكت الدّهر
زمانا عنهم
|
|
ثم أبكاهم دما
حين نطق
|
وعاش أبو بكر بن
اللبانة المعروف بالداني المذكور آنفا بعد المعتمد ، وقدم ميورقة آخر شعبان سنة
٤٨٩ ، ومدح ملكها مبشر بن سليمان بقصيدة مطلعها : [الكامل]
ملك يروعك في
حلى ريعانه
|
|
راقت برونقه
صفات زمانه
|
وأين هذا من
أمداحه في المعتمد؟!.
وتذكرت هنا من
أهوال الداني أنه دخل على ابن عمار في مجلس ، فأراد أن يندر به وقال له : اجلس يا
داني ، بغير ألف ، فقال له : نعم يا ابن عمار ، بغير ميم ، وهذا هو الغاية في سرعة الجواب والأخذ بالثأر في المزاح.
ونظيره ـ وإن كان
من باب آخر ـ أن المعتمد مر مع وزيره ابن عمار ببعض أرجاء إشبيلية فلقيتهما امرأة
ذات حسن مفرط ، فكشفت وجهها ، وتكلمت بكلام لا يقتضيه الحياء ، وكان ذلك بموضع
الجباسين الذين يصنعون الجبس والجيارين الصانعين للجير بإشبيلية ، فالتفت المعتمد إلى موضع الجيارين ، وقال : يا
ابن عمار الجيارين ، ففهم مراده ، وقال في الحال : يا مولاي والجباسين ، فلم يفهم
الحاضرون المراد ، وتحيروا ، فسألوا ابن عمار ، فقال له المعتمد : لاتبعها منهم
إلّا غالية ، وتفسيرها أن ابن عباد صحف «الحيا زين» بقوله الجيارين ، إشارة إلى أن
تلك المرأة لو كان لها حياء لازدانت ، فقال له والجباسين وتصحيفه «والخنا شين» أي
: هي وإن كانت جميلة بديعة الحسن لكن الخنا شانها ، وهذا شأو لا يلحق.
__________________
ومن أخبار المعتمد
أنه جلس يوما والبزاة تعرض عليه ، فاستحث الشعراء في وصفها ، فصنع ابن وهبون بديها
: [الكامل]
للصّيد قبلك
سنّة مأثورة
|
|
لكنّها بك أبدع
الأشياء
|
تمضي البزاة
وكلّما أمضيتها
|
|
عاطيتها بخواطر
الشّعراء
|
فاستحسنهما ،
وأسنى جائزته.
وذكر ابن بسّام أن
أبا العرب الصقلي حضر مجلس المعتمد يوما وقد حمل إليه حمول وافرة من قراريط الفضة
، فأمر له بكيسين منها ، وكان بين يديه تماثيل عنبر من جملتها جمل مرصّع بالذهب
واللآلئ ، فقال له أبو العرب معرّضا : ما يحمل هذين الكيسين إلا جمل ، فتبسم
المعتمد وأمر له به ، فقال أبو العرب بديها : [البسيط]
أهديتني جملا جونا
شفعت به
|
|
حملا من الفضّة
البيضاء لو حملا
|
نتاج جودك في
أعطان مكرمة
|
|
لا قد تصرف من
منع ولا عقلا
|
فاعجب لشأني
فشأني كلّه عجب
|
|
رفّهتني فحملت
الحمل والجملا
|
وذكر الحجاري هذه
القصة فقال : قعد المعتمد في مجلس احتفل في تنضيده ، وإحضار الطرائف الملوكية ،
وكان في الجملة تمثال جمل من بلور ، وله عينان من ياقوتتين ، وقد حلى بنفائس الدر
، فأنشده أبو العرب قصيدة ، فأمر له بذهب كثير مما كان بيده من السكة الجديدة ،
فقال معرضا بذلك الجمل : ما يحمل هذه الصلة إلا جمل! فقال : خذ هذا الجمل ، فإنه
حمال أثقال ، فارتجل شعرا منه :
رفّهتني فحملت الحمل والجملا
وذكر أن ذلك الجمل
بيع بخمسمائة مثقال ، فسارت بهذا الخبر الركائب ، وتهادته المشارق والمغارب.
وتباحث المعتمد
مرة مع الجلساء في بيت المتنبي الذي زعم أنه أمير شعره : [البسيط]
أزورهم وسواد
اللّيل يشفع لي
|
|
وأنثني وبياض
الصّبح يغري بي
|
فقال : ما قصر في
مقابلة كل لفظة بضدها إلا أن فيه نقدا خفيا ، ففكروا فيه ، فلما فكروا
__________________
قالوا له : ما
وقفنا على شيء ، فقال : الليل لا يطابق إلا بالنهار [ولا يطابق بالصبح] لأن الليل كلي والصبح جزئي ، فتعجب الحاضرون ، وأثنوا على
تدقيق انتقاده.
قال الصفدي : قلت
: ليس هذا بنقد صحيح ، والصواب مع أبي الطيب ، لأنه قال : «أزورهم وسواد الليل
يشفع لي» فهذا محب يزور أحبابه في سواد الليل خوفا ممن يشي به ، فإذا لاح الصبح
أغرى به الوشاة ، ودل عليه أهل النميمة والصبح أول ما يغري به قبل النهار ، وعادة
الزائر المريب أن يزور ليلا ، وينصرف عند انفجار الصبح خوفا من الرقباء ، ولم تجر
العادة أن الخائف يتلبث إلى أن يتوضح النهار ، ويمتلئ الأفق نورا ، فذكر الصبح هنا
أولى من ذكر النهار ، والله أعلم ، انتهى.
قلت : كان يختلج
في صدري ضعف ما قال الصفدي ، حتى وقفت على ما كتبه البدر البشتكي ، ومن خطه نقلت ما صورته : هو ما انتقد عليه المعنى ، إنما
انتقد عليه مطابقة الليل بالصبح ، فإن ذلك فاسد ، انتهى ، فحمدت الله على الموافقة
، انتهى.
وقال في بدائع
البداءة : جلس المعتمد للشرب وذلك في وقت مطر أجرى كل وهدة نهرا ،
وحلّى جيد كل غصن من الزهر جوهرا ، وبين يديه جارية تسقيه. وهي تقابل وجهها بنجم الكاس في راحة كالثريا
، تخجل الزهر بطيب العرف والريّا ، فاتفق أن لعب البرق بحسامه ، وأجال
سوطه المذهب يسوق به ركامه ، فارتاعت لخطفته ، وذعرت من خيفته ، فقال المعتمد
بديها : [السريع]
روّعها البرق
وفي كفّها
|
|
برق من القهوة
لمّاع
|
عجبت منها وهي
شمس الضّحى
|
|
كيف من الأنوار
ترتاع
|
واستدعى عبد الجليل بن وهبون المرسي ، وأنشده البيت الأول مستجيزا
، فقال عبد الجليل : [السريع]
__________________
ولن أرى أعجب من
آنس
|
|
من مثل ما يمسك
يرتاع
|
فاستحسنه ، وأمر
له بجائزة.
قال ابن ظافر :
وبيته عندي أحسن من بيت المعتمد ، انتهى.
وقال ابن بسام : كان في قصر المعتمد فيل من الفضة على شاطىء بركة يقذف
الماء ، وهو الذي يقول فيه عبد الجليل بن وهبون من بعض قصيدة : [الوافر]
ويفرغ فيه مثل
النّصل بدع
|
|
من الأفيال لا
يشكو ملالا
|
رعى رطب اللّجين
فجاء صلدا
|
|
تراه قلّما يخشى
هزالا
|
فجلس المعتمد يوما
على تلك البركة والماء يجري من ذلك الفيل ، وقد أوقدت شمعتان من جانبيه ، والوزير
أبو بكر بن الملح عنده ، فصنع الوزير فيهما عدة مقاطيع بديها منها : [البسيط]
ومشعلين من
الأضواء قد قرنا
|
|
بالماء والماء
بالدّولاب منزوف
|
لاحا لعيني
كالنّجمين بينهما
|
|
خطّ المجرّة
ممدود ومعطوف
|
وقال أيضا : [البسيط]
كأنّما النّار
فوق الشّمعتين سنا
|
|
والماء من منفذ
الأنبوب منسكب
|
غمامة تحت جنح
اللّيل هامعة
|
|
في جانبيها خفاق
البرق يضطرب
|
وقال أيضا : [الطويل]
وأنبوب ماء بين
نارين ضمّنا
|
|
هدى لكؤوس الراح
تحت الغياهب
|
كأنّ اندفاع
الماء بالماء حيّة
|
|
يحرّكها في
الماء لمع الحباحب
|
وقال أيضا : [الطويل]
كأنّ سراجي
شربهم في التظائها
|
|
وأنبوب ماء
الفيل في سيلانه
|
كريم تولّى كبره
من كليهما
|
|
لئيمان في إنفاقه
يعذلانه
|
__________________
ولما مات والد
المعتمد واستقل بالملك قال ذو الوزارتين ابن زيدون يرثي المعتضد ويمدح المعتمد
بقصيدة طويلة أوّلها . [الطويل]
هو الدهر فاصبر
للّذي أحدث الدّهر
|
|
فمن شيم الأحرار
في مثلها الصبر
|
ستصبر صبر اليأس
أو صبر وحشة
|
|
فلا تؤثر الوجه
الذي معه الوزر
|
وإنّ متاتي لم
يضعه محمد
|
|
خليفتك العدل
الرّضي وابنك البرّ
|
هو الظّافر
الأعلى المؤيّد بالّذي
|
|
له في الّذي
وفّاه من صنعه سرّ
|
له في اختصاصي
ما رأيت وزداني
|
|
مزية زلفى من
نتائجها الفخر
|
وأرغم في بري
أنوف عصابة
|
|
لقاؤهم جهم
ولحظهم شزر
|
إذا ما استوى في
الدّست عاقد حبوة
|
|
وقام سماطا حفله
فلي الصّدر
|
وفي نفسه
العلياء لي متبوّأ
|
|
يساجلني فيه
السّماكان والنّسر
|
ومنها :
لك الخير إنّ
الرّزء كان غيابة
|
|
طلعت لنا فيها
كما طلع البدر
|
فقرّت عيون كان
أسخنها البكا
|
|
وقرّت قلوب كان
زلزلها الذّعر
|
ومنها :
ولمّا قدمت
الجيش بالأمر أشرقت
|
|
إليك من الآمال
آفاقها الغبر
|
فقضّيت من فرض
الصلاة لبانة
|
|
فشيّعها نسك
وقارنها طهر
|
ومن قبل ما
قدّمت مثنى نوافل
|
|
يلاقي بها من
صام من غيره فطر
|
ورحت إلى القصر
الذي غضّ طرفه
|
|
بعيد التّسامي
أن غدا غيره القصر
|
وأجمل عن
التّاوي العزاء فإن توى
|
|
فإنّك لا الواني
ولا الضّرع الغمر
|
وما أعطت
السّبعون قبل أولي الحجا
|
|
من اللّبّ ما
أعطاك عشروك والعمر
|
__________________
ألست الّذي إن
ضاق ذرع بحادث
|
|
تبلّج منه الوجه
واتّسع الصّدر
|
فلا تهض الدّنيا
جناحك بعده
|
|
فمنك لمن هاضت
نوائبها جبر
|
ولا زلت موفور
العديد بقرّة
|
|
لعينك مشدودا
بها ذلك الأزر
|
حذارك من أن
يعقب الرّزء فتنة
|
|
يضيق بها عن مثل
إيمانك العذر
|
إذا أسف الثّكل
اللّبيب فشفّه
|
|
رأى أفدح
الثّكلين أن يذهب الأجر
|
مصاب الّذي يأسى
بموت ثوابه
|
|
هو البرح لا
الميت الّذي أحرز القبر
|
حياة الورى نهج
إلى الموت مهيع
|
|
لهم فيه إيضاع
كما يوضع السّفر
|
ومنها :
إذا الموت أضحى
قصد كلّ معمّر
|
|
فإنّ سواء طال
أو قصر العمر
|
ألم تر أنّ
الدّين ضيم ذماره
|
|
فلم يغن أنصار
عديدهم دثر
|
بحيث استقلّ
الملك ثاني عطفه
|
|
وجرّر من أذياله
العسكر المجر
|
هو الضيم لو غير
القضاء يرومه
|
|
ثناه المرام
الصعب والمسلك الوعر
|
إذا عثرت جرد
العناجيج في القنا
|
|
بليل عجاج ليس
يصدعه فجر
|
ومنها :
أعبّاد يا أوفى
الملوك لقد عدا
|
|
عليك زمان من
سجيّته الغدر
|
إلى أن قال بعد
أبيات كثيرة :
ألا أيها المولى
الوصول عبيده
|
|
لقد رابنا أن
يتلو الصّلة الهجر
|
يغاديك داعينا
السلام كعهده
|
|
فما يسمع الداعي
ولا يرفع السّتر
|
أعتب علينا ذا
وعن ذلك الرضا
|
|
فتسمع أم بالمسمع
المعتلي وقر
|
ومنها :
وكيف بنسيان وقد
ملأت يدي
|
|
جسام أياد منك
أيسرها الوفر
|
__________________
وإن كنت لم أشكر
لك المنن التي
|
|
تملّيتها تترى
فلا بقي الكفر
|
فهل علم الشلو
المقدّس أنّني
|
|
مسوّغ حال حار
في كنهها الدّهر
|
فإنّك شمس في
سماء رياسة
|
|
تطلّع منها
حولنا أنجم زهر
|
شككنا فلم نثبت
لأيام دهرنا
|
|
بها وسن أم هزّ
أعطافها سكر
|
وما إن تغشّتها
مغازلة الكرى
|
|
وما إن تمشّت في
معاطفها الخمر
|
سوى نشوات من
سجايا مملّك
|
|
يصدّق في
عليائها الخبر الخبر
|
أرى الدهر إن
يبطش فأنت يمينه
|
|
وإن تضحك الدنيا
فأنت لها ثغر
|
وكم سائل بالغيب
عنك أجبته
|
|
هناك الأيادي
الشّفع والسودد الوتر
|
هناك التّقى
والعلم والحلم والنهى
|
|
وبذل اللها
والبأس والنظم والنثر
|
همام إذا لاقى
المناجز ردّه
|
|
وإقباله خطر
وإدباره حصر
|
محاسن ما للروض
سامره الندى
|
|
رواء إذا نصت
حلاها ولا نشر
|
متى انتشقت لم
تدر دارين مسكها
|
|
حياء ولم يفخر
بعنبره الشّحر
|
عطاء ولا منّ ،
وحكم ولا هوى
|
|
وحلم ، ولا عجز
، وعز ولا كبر
|
قد استوفت
النعماء فيك تمامها
|
|
علينا فمنا
الحمد لله والشّكر
|
__________________
وكتب ابن زيدون
المذكور إلى المعتمد رحمهما الله تعالى يشوقه إلى تعاطي الحميا ، في قصوره البديعة
التي منها المبارك والثريا : [الكامل]
فز بالنجاح
وأحرز الإقبالا
|
|
وحز المنى
وتنجّز الآمالا
|
وليهنك التأييد
والظفر اللّذا
|
|
صدقاك في السمة
العلية فالا
|
يا أيها الملك
الذي لولاه لم
|
|
تجد العقول
الناشدات كمالا
|
أما الثريا
فالثريا نسبة
|
|
وإفادة وإنافة
وجمالا
|
قد شاقها
الإغباب حتى إنها
|
|
لو تستطيع سرت
إليك خيالا
|
رفّه ورودكها
لتغنم راحة
|
|
وأطل مزاركها
لتنعم بالا
|
وتأمل القصر المبارك
وجنة
|
|
قد وسطت فيها
الثريا خالا
|
وأدر هناك من
المدام كؤوسها
|
|
وأتمها وأشفها
جريالا
|
قصر يقرّ العين
منه مصنع
|
|
بهج الجوانب لو
مشى لاختلالا
|
لا زلت تفترش
السرور حدائقا
|
|
فيه وتلتحف
النعيم ضلالا
|
وأهدى إليه تفاحا
، واعتقد أن يكتب معه قطعة ، فبدأ بها ، ثم عرض له غيرها فتركها ثم ابتدأ : [مجزوء الخفيف]
دونك الراح
جامده
|
|
وفدت خير وافده
|
وجدت سوق ذو بها
|
|
عندك اليوم
كاسده
|
فاستحالت إلى
الجمو
|
|
د وجاءت مكايده
|
وكتب إلى المعتمد : [السريع]
يا أيها الظافر
نلت المنى
|
|
ولا أتانا فيك
محذور
|
إن الخلال الزهر
قد ضمها
|
|
ثوب عليك الدهر
مزرور
|
__________________
لا زال للمجد
الذي شدته
|
|
ربع بتعميرك
معمور
|
وافاك نظم لي في
طيّه
|
|
معنى معمّى
اللفظ مستور
|
مرامه يصعب ما
لم يبح
|
|
بالسر قمريّ
وشحرور
|
وذكر أبياتا فيها
أسماء طيور عمّى بها عن بيت طيره فيها ، والبيت المطير فيه : [مجزوء الخفيف]
أنت إن تغز ظافر
|
|
فليطع من ينافر
|
ففكه المعتمد
وجاوبه : [السريع]
يا خير من يلحظه
ناظري
|
|
شهادة ما شانها
زور
|
ومن إذا خطب دجا
ليله
|
|
لاح به من رأيه
نور
|
جاءتني الطير
التي سرها
|
|
نظم به قلبي
مسرور
|
شعر هو السحر
فلا تنكروا
|
|
أنّي به ما عشت
مسحور
|
اللفظ والقرطاس
إن شبّها
|
|
قيل هما مسك
وكافور
|
هوى لحسن الطير
من فكرتي
|
|
صقر فولّى وهو
مقهور
|
ولاح لي بيت
فؤادي له
|
|
دأبا على ودك
مقصور
|
حظك من شكري يا
سيدي
|
|
حظ نما لي منك
موفور
|
قصرت في نظمي
فاعذر فمن
|
|
ضاهاك في
التقصير معذور
|
فأنت إن تنظم
وتنثر فقد
|
|
أعوز منظوم
ومنثور
|
لا يعدكم روض من
الح
|
|
ظ في الإكرام
والترفيع ممطور
|
فكتب إليه ابن
زيدون : [السريع]
حظّي من نعماك
موفور
|
|
وذنب دهري بك
مغفور
|
|
وجانبي إن رامه
أزمة
|
|
حجر لدى ظلك
محجور
|
يا ابن الذي سرب
الهدى آمن
|
|
منذ انبرى يحميه
مخفور
|
وآمر الدهر الذي
لم يزل
|
|
يصغي إليه منه
مأمور
|
__________________
ألبس منك الدهر
أسنى الحلى
|
|
بظافر منحاه
منصور
|
قام وفي المأثور
يا من له
|
|
مجد مع الأيام
مأثور
|
عبدك إن أكثر من
شكره
|
|
فهو بما توليه
مكثور
|
إن تعف عن
تقصيره منعما
|
|
فاليسر أن يقبل
معسور
|
إن حلال السحر
إن صغته
|
|
في صحف الأنفس
مسطور
|
نظم زهاني منه
إذ جاءني
|
|
علق عظيم القدر
مذخور
|
لا غرو أن أفتن
إذ لا حظت
|
|
فكري منه أعين
حور
|
تنم عن معناه
ألفاظه
|
|
كما وشى بالراح
بلّور
|
جهلت إذ عارضته
غير أن
|
|
لا بد أن ينفث
مصدور
|
يا آل عباد
موالاتكم
|
|
زاك من الأعمال
مبرور
|
إن الذي يرجو
موازاتكم
|
|
من المناوين
لمغرور
|
مكانه منكم كما
انحطّ عن
|
|
منزلة المرفوع
مجرور
|
لا زلتم في غبطة
ما انجلى
|
|
عن فلق الإصباح
ديجور
|
ولا يزل يجري
بما شئتم
|
|
أعماركم لله
مقدور
|
وكتب المعتمد إلى
ابن زيدون بعد أن فكّ معمى كتب به إليه ابن زيدون ما صورته : [المجتث]
العين بعدك تقذى
|
|
بكلّ شيء تراه
|
فليجل شخصك عنها
|
|
ما بالغيب جناه
|
وقد قدمنا من كلام
أبي الوليد بن زيدون رحمه الله تعالى ما فيه كفاية.
رجع إلى بني عباد
:
__________________
قال ابن حمديس :
لما قدمت وافدا على المعتمد بن عباد استدعاني وقال : افتح الطاق ، فإذا بكير زجاج
والنار تلوح من بابيه ، وواقده يفتحهما تارة ويسدّهما أخرى ، ثم أدام سد أحدهما ،
وفتح آخر ، فحين تأملتهما قال لي : أجز : [المنسرح]
انظر هما في الظلام قد نجما
فقلت : كما رنا في الدّجنّة الأسد
فقال : يفتح عينيه ثمّ يطبقها
فقلت : فعل امرئ في جفونه رمد
فقال : فابتزّه الدهر نور واحدة
فقلت : وهل نجا من صروفه أحد
فاستحسن ذلك
وأطربه ، وأمر لي بجائزة ، وألزمني الخدمة.
وعلى ذكر ابن
حمديس فما أحسن قوله : [الوافر]
أراك ركبت في
الأهوال بحرا
|
|
عظيما ليس يؤمن
من خطوبه
|
تسيّر فلكه شرقا
وغربا
|
|
وتدفع من صباه
إلى جنوبه
|
وأصعب من ركوب
البحر عندي
|
|
أمور ألجأتك إلى
ركوبه
|
ولغيره : [المجتث]
إنّ ابن آدم طين
|
|
والبحر ماء
يذيبه
|
لو لا الّذي فيه
يتلى
|
|
ما جاز عندي
ركوبه
|
وقال ابن حمديس في
هذا المعنى : [المجتث]
لا أركب البحر ،
أخشى
|
|
عليّ منه
المعاطب
|
طين أنا وهو ماء
|
|
والطّين في
الماء ذائب
|
__________________
رجع إلى بني عباد
رحمهم الله تعالى :
قال ابن بسام : أخبرني الحكيم النديم المطرب أبو بكر بن الإشبيلي ، قال
: حضرت مجلس الرشيد بن المعتمد بن عباد وعنده الوزير أبو بكر بن عمار ، فلما دارت الكأس ، وتمكن الأنس ، وغنيت أصواتا ذهب الطرب
بابن عمار كل مذهب ، فارتجل يخاطب الرشيد : [البسيط]
ما ضرّ أن قيل
إسحاق وموصله
|
|
ها أنت أنت وذي
حمص وإسحاق
|
أنت الرشيد فدع
من قد سمعت به
|
|
وإن تشابه أخلاق
وأعراق
|
لله درّك داركها
مشعشعة
|
|
واحضر بساقيك ما
قامت بنا ساق
|
وكان الرشيد هذا
أحد أولاد المعتمد النجبا ، وله أخبار في الكرم يقضي الناظر فيها من أمرها عجبا ،
وكذلك إخوته ، وقد ألمعنا في هذا الكتاب بجملة من محاسنهم ، وأمهم اعتماد الملقبة
بالرّميكية هي التي ترجمناها في هذا الموضع ، واقتضت المناسبة ذكر أمر بني عباد ، فلنعد إلى ما كنا بصدده من أخبارها رحمها الله
تعالى ، فنقول :
قال ابن سعيد في
بعض مصنفاته : كان المعتمد كثيرا ما يأنس بها ، ويستظرف نوادرها ، ولم تكن لها
معرفة بالغناء ، وإنما كانت مليحة الوجه ، حسنة الحديث ، حلوة النادر ، كثيرة
الفكاهة ، لها في كل ذلك نوادر محكية ، وكانت في عصرها ولادة بنت محمد بن عبد
الرحمن ، وهي أبدع منها ملحا ، وأحسن افتنانا ، وأجل منصبا ، وكان أبوها أمير
قرطبة ، ويلقب بالمستكفي بالله ، وأخبار أبي الوليد بن زيدون معها وأشعاره فيها
مشهورة ، انتهى ملخصا.
ومن أخبار
الرميكية القصة المشهورة في قولها «ولا يوم الطين» وذلك أنها رأت الناس يمشون في
الطين ، فاشتهت المشي في الطين ، فأمر المعتمد ، فسحقت أشياء من الطيب ، وذرّت في
ساحة القصر حتى عمته ، ثم نصبت الغرابيل ، وصبّ فيها ماء الورد على أخلاط الطيب ،
وعجنت بالأيدي حتى عادت كالطين ، وخاضتها مع جواريها ، وغاضبها في بعض
__________________
الأيام ، فأقسمت
أنها لم تر منه خيرا قط ، فقال : ولا يوم الطين؟ فاستحيت واعتذرت ، وهذا مصداق قول
نبينا صلى الله عليه وسلم في حق النساء «لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك
شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط».
قلت : ولعل
المعتمد أشار في أبياته الرائية إلى هذه القضية حيث قال في بناته : [البسيط]
يطأن في الطّين
والأقدام حافية
|
|
كأنّها لم تطأ
مسكا وكافورا
|
ويحتمل أن يكون
أشار بذلك إلى ما جرت به عادة الملوك من ذرّ الطيب في قصورهم حتى يطؤوه بأقدامهم ،
زيادة في التنعم.
وسبب قول المعتمد
ذلك ما حكاه الفتح فقال : وأول عيد أخذه ـ يعني المعتمد ـ بأغمات وهو سارح ، وما
غير الشجون له مسارح ، ولازي إلّا حالة الخمول ، واستحالة المأمول ، فدخل إليه
، من يسليه ويسلم عليه ، وفيهم بناته وعليهن أطمار ، كأنها كسوف وهن أقمار ، يبكين عند التساؤل ، ويبدين
الخشوع بعد التخايل ، والضياع قد غير صورهن ، وحير نظرهن ، وأقدامهن حافية ، وآثار
نعيمهن عافية ، فقال : [البسيط]
فيما مضى كنت
بالأعياد مسرورا
|
|
فساءك العيد في
أغمات مأسورا
|
ترى بناتك في
الأطمار جائعة
|
|
يغزلن للنّاس ما
يملكن قطميرا
|
برزن نحوك
للتّسليم خاشعة
|
|
أبصارهنّ حسيرات
مكاسيرا
|
يطأن في الطين
والأقدام حافية
|
|
كأنّها لم تطأ
مسكا وكافورا
|
لا خدّ إلا
تشكّى الجدب ظاهره
|
|
وليس إلّا مع
الأنفاس ممطورا
|
أفطرت في العيد
لا عادت مساءته
|
|
فكان فطرك
للأكباد تفطيرا
|
قد كان دهرك إن
تأمره ممتثلا
|
|
فردّك الدهر
منهيّا ومأمورا
|
من بات بعدك في
ملك يسرّ به
|
|
فإنّما بات
بالأحلام مغرورا
|
__________________
وقال الفتح أيضا : ولما نقل المعتمد من بلاده ، وأعرى من طارفه وتلاده ،
وحمل في السفين ، وأحلّ في العدوة محلّ الدفين ، تندبه منابره وأعواده ، ولا يدنو
منه زوّاره ولا عوّاده ، بقي أسفا تتصعد زفراته ، وتطرد اطراد المذانب عبراته ، لا يخلو بمؤانس ، ولا يرى إلا عرينا بدلا من تلك
المكانس ، ولما لم يجد سلوا ، ولم يؤمّل دنوا ، ولم ير وجه مسرة
مجلوّا ، تذكر منازله فشاقته ، وتصور بهجتها فراقته ، وتخيل استيحاش أوطانه ،
وإجهاش قصره إلى قطّانه ، وإظلام جوه من أقماره ، وخلوه من حرّاسه وسمّاره ، فقال
: [البسيط]
بكى المبارك في
إثر ابن عباّد
|
|
بكى على إثر
غزلان وآساد
|
بكت ثرياه
لاغمّت كواكبها
|
|
بمثل نوء
الثريّا الرّائح الغادي
|
بكى الوحيد ،
بكى الزاهي وقبته
|
|
والنهر والتاج ،
كل ذله بادي
|
ماء السماء على
أفيائه درر
|
|
يا لجّة البحر
دومي ذات إزباد
|
وفي ذلك يقول ابن
اللبانة : [البسيط]
أستودع الله
أرضا عندما وضحت
|
|
بشائر الصّبح
فيها بدّلت حلكا
|
كان المؤيّد
بستانا بساحتها
|
|
يجني النعيم وفي
عليائها فلكا
|
في أمره لملوك
الدّهر معتبر
|
|
فليس يغترّ ذو
ملك بما ملكا
|
نبكيه من جبل
خرّت قواعده
|
|
فكلّ من كان في
بطحائه هلكا
|
وكان القصر الزاهي من أجمل المواضع لديه وأبهاها ، وأحبها إليه
وأشهاها ، لإطلاله على النهر ، وإشرافه على القصر ، وجماله في العيون ، واشتماله
بالزهر والزيتون ، وكان له به من الطرب ، والعيش المزري بحلاوة الضّرب ، ما لم يكن بحلب لبني حمدان ، ولا لسيف بن ذي يزن في رأس
غمدان ، وكان كثيرا ما يدير به راحه ، ويجعل فيه انشراحه ، فلما
__________________
امتد الزمان إليه
بعدوانه ، وسد عليه أبواب سلوانه ، لم يحنّ إلا إليه ، ولم يتمن غير الحلول لديه ، فقال : [الطويل]
غريب بأرض
المغربين أسير
|
|
سيبكي عليه منبر
وسرير
|
وتندبه البيض
الصوارم والقنا
|
|
وينهلّ دمع
بينهنّ غزير
|
مضى زمن والملك
مستأنس به
|
|
وأصبح منه اليوم
وهو نفور
|
برأي من الدهر
المضلّل فاسد
|
|
متى صلحت
للصّالحين دهور
|
أذلّ بني ماء
السّماء زمانهم
|
|
وذلّ بني ماء
السّماء كبير
|
فيا ليت شعري هل
أبيتنّ ليلة
|
|
أمامي وخلفي
روضة وغدير
|
بمنبتة الزيتون
مورثة العلا
|
|
تغنّي حمام أو
ترنّ طيور
|
بزاهرها السّامي
الّذي جاده الحيا
|
|
تشير الثريّا
نحونا ونشير
|
ويلحظنا الزّاهي
وسعد سعوده
|
|
غيورين والصّبّ
المحبّ غيور
|
تراه عسيرا لا
يسيرا مناله
|
|
ألا كلّ ما شاء
الإله يسير
|
وقال الحجاري في «المسهب»
إن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين أهدى إلى المعتمد جارية مغنية قد نشأت بالعدوة ،
وأهل العدوة بالطبع يكرهون أهل الأندلس ، وجاء بها إلى إشبيلية وقد كثر الإرجاف
بأن سلطان الملثّمين ينتزع بلاد ملوك الطوائف منهم ، واشتغل خاطر ابن عباد بالفكر
في ذلك ، فخرج بها إلى قصر الزهراء على نهر إشبيلية ، وقعد على الراح ، فخطر بفكرها أن غنت
عندما انتشى هذه الأبيات : [الكامل]
حملوا قلوب
الأسد بين ضلوعهم
|
|
ولووا عمائمهم
على الأقمار
|
وتقلّدوا يوم
الوغى هندية
|
|
أمضى إذا انتضيت
من الأقدار
|
إن خوّفوك لقيت
كل كريهة
|
|
أو أمّنوك حللت
دار قرار
|
فوقع في قلبه أنها
عرّضت بساداتها ، فلم يملك غضبه ، ورمى بها في النهر ، فهلكت ، انتهى ، فقدر الله
تعالى أن كان تمزيق ملكه على يدهم تصديقا للجارية في قولها :
إن خوّفوك لقيت كلّ كريهة
__________________
وحصره جيوش لمتونة
الملثمين حتى أخذوه قهرا ، وسيق إلى أمير المسلمين ، والقصة مشهورة.
وقال الفتح في شأن
حصار المعتمد ما صورته : ولما تم في الملك أمده ، وأراد الله تعالى أن تخر عمده ،
وتنقرض أيامه ، وتتقوض عن عراص الملك خيامه ، نازلته جيوش أمير المسلمين ومحلاته ، وظاهرته فساطيطه
ومظلاته ، وبعد ما نثرت حصونه وقلاعه ، وسعّرت بالنكاية جوانحه وأضلاعه ، وأخذت
عليه الفروج والمضايق ، وانثنت إليه الموانع والعوائق ، وطرقته طوارقها بالإضرار ،
وأمطرته من النكاية كل ديمة مدرار ، وهو ساه بروض ونسيم ، لاه براح ومحيا وسيم ، زاه بفتاة
تنادمه ، ناه عن هدم أنس هو هادمه ، لا يصيخ إلى نبأة سمعه ، ولا ينيخ إلا على لهو
يفرق جموعه جمعه ، وقد ولى المدامة ملامه ، وثنى إلى ركنها طوافه واستلامه ، وتلك
الجيوش تجوس خلاله ، وتقلص ظلاله ، وحين اشتد حصاره ، وعجز عن المدافعة أنصاره ،
ودلّس عليه ولاته ، وكثرت أدواؤه وعلّاته ، فتح باب الفرج ، وقد لفح شواظ الهرج ،
فدخلت عليه من المرابطين زمره ، واشتعلت من التغلب جمره ، تأجج اضطرامها ، وسهل
بها إيقاد الفتنة وإضرامها ، وعندما سقط الخبر عليه خرج حاسرا عن مفاضته ، جامحا كالمهر قبل رياضته ، فلحق أوائلهم عند الباب
المذكور وقد انتشروا في جنباته ، وظهروا على البلد من أكثر جهاته ، وسيفه في يده
يتلمّظ للطّلى والهام ، ويعد بانفراج ذلك الاستبهام ، فرماه أحد الداخلين برمح
تخطّاه ، وجاوز مطاه ، فبادره بضربة أذهبت نفسه ، وأغربت شمسه ، ولقي ثانيا
فضربه وقسمه ، وخاض حشا ذلك الداء وحسمه ، فاجلوا عنه ، وولوا فرارا منه ، فأمر
بالباب فسد ، وبنى منه ما هد ، ثم انصرف وقد أراح نفسه وشفاها ، وأبعد الله تعالى
عنه الملامة ونفاها ، وفي ذلك يقول عندما خلع ، وأودع من المكروه ما أودع : [مجزوء
الكامل]
إن يسلب القوم
العدى
|
|
ملكي وتسلمني
الجموع
|
فالقلب بين
ضلوعه
|
|
لم تسلم القلب
الضّلوع
|
قد رمت يوم
نزالهم
|
|
أن لا تحصّنني
الدّروع
|
__________________
وبرزت ليس سوى
القمي
|
|
ص على الحشا شيء
دفوع
|
أجلي تأخّر لم
يكن
|
|
بهواي ذلي
والخشوع
|
ما سرت قط إلى
القتا
|
|
ل وكان من أملي
الرجوع
|
شيم الألى أنا
منهم
|
|
والأصل تتبعه
الفروع
|
وما زالت عقارب
تلك الداخلة تدب ، ثم ذكر الفتح تمام هذا الكلام فراجعه فيما مر بنحو ثلاث ورقات.
ومن حكايات مجالس
أنسه أيام ملكه ، قبل أن ينظمه صرف الدهر في سلكه ، ما حكاه الفتح عن ذخر الدولة أنه دخل عليه في دار المزينية والزهر يحسد
إشراق مجلسه ، والدر يحكي اتّساق تأنسه ، وقد رددت الطير شدوها ، وجودت طربها ولهوها ، وجدّدت كلفها وشجوها ، والغصون قد التحفت
بسندسها ، والأزهار تحيي بطيب تنفسها ، والنسيم يلم بها فتضعه بين أجفانها ،
وتودعه أحاديث آذارها ونيسانها ، وبين يديه فتى من فتيانه يتثنى تثني القضيب ، ويحمل
الكأس في راحة أبهى من الكف الخضيب ، وقد توشح وكأن الثريا وشاحه ، وأنار فكأن
الصبح من محياه كان اتضاحه ، فكلما ناوله الكأس خامرته سوره ، وتخيل أن الشمس تهديه نوره ،
فقال المعتمد [المنسرح] :
لله ساق مهفهف
غنج
|
|
قد قام يسقي
فجاء بالعجب
|
أهدى لنا من
لطيف حكمته
|
|
في جامد الماء
ذائب الذّهب
|
ولما وصل لورقة
استدعى ذا الوزارتين القائد أبا الحسن بن اليسع ليلته تلك في وقت لم يخف فيه زائر من مراقب ، ولم يبد فيه
غير نجم ثاقب ، فوصل وما للأمن إلى فؤاده وصول ، وهو يتخيل أن الجو صوارم ونصول ،
بعد أن وصى بما خلف ، وودع من تخلف ، فلما مثل بين يديه آنسه ، وأزال توجّسه ،
وقال له : خرجت من إشبيلية وفي النفس غرام طويته بين ضلوعي ، وكفكفت فيه غرب دموعي ، بفتاة هي الشمس أو كالشمس إخالها ، لا
يجول قلبها ولا خلخالها ، وقد قلت في يوم وداعها ، عند تفطر كبدي وانصداعها [الطويل]
:
__________________
ولمّا التقينا
للوداع غديّة
|
|
وقد خفقت في
ساحة القصر رايات
|
بكينا دما حتّى
كأنّ عيوننا
|
|
لجري الدّموع
الحمر منها جراحات
|
وقد زارتني هذه
الليلة في مضجعي وأبرأتني من توجّعي ومكنتني من رضابها ، وفتنتني بدلالها وخضابها
، فقلت : [الطويل]
أباح لطيفي
طيفها الخدّ والنّهدا
|
|
فعضّ بها تفّاحة
واجتنى وردا
|
ولو قدرت زارت
على حال يقظة
|
|
ولكن حجاب البين
ما بيننا مدّا
|
أما وجدت عنّا
الشّجون معرّجا
|
|
ولا وجدت منّا
خطوب النّوى بدّا
|
سقى الله صوب
القطر أمّ عبيدة
|
|
كما قد سقت قلبي
على حرّه بردا
|
هي الظّبي جيدا
، والغزالة مقلة ،
|
|
وروض الربا عرفا
، وغصن النّقا قدّا
|
فكرر استجادته ،
وأكثر استعادته ، فأمر له بخمسمائة دينار وولاه لورقة من حينه.
قال الفتح : وأخبرني ابن اللبانة أنه استدعاه ليلة إلى مجلس قد كساه
الروض وشيه ، وامتثل الدهر فيه أمره ونهيه ، فسقاه الساقي وحيّاه ، وسفر له الأنس
عن مونق محيّاه ، فقام للمعتمد مادحا ، وعلى دوحة تلك النعماء صادحا ، فاستجاد
قوله ، وأفاض عليه طوله ، فصدر وقد امتلأت يداه ، وغمره جوده ونداه ، فلما حل
بمنزله وافاه رسوله بقطيع وكاس من بلار ، قد أترعا بصرف العقار ، ومعهما : [الكامل]
جاءتك ليلا في
ثياب نهار
|
|
من نورها وغلالة
البلّار
|
كالمشتري قد لفّ
من مرّيخه
|
|
إذ لفّه في
الماء جذوة نار
|
لطف الجمود لذا
وذا فتألّفا
|
|
لم يلق ضد ضده
بنفار
|
يتحيّر الراءون
في نعتيهما
|
|
أصفاء ماء أم
صفاء دراري
|
وقال الفتح أيضا :
وأخبرني ذخر الدولة أنه استدعاه في ليلة قد ألبسها البدر رواءه ، وأوقد فيها
أضواءه ، وهو على البحيرة الكبرى ، والنجوم قد انعكست فيها تخالها زهرا ، وقابلتها
المجرة فسالت فيها نهرا ، وقد أرجت نوافج الند ، وماست معاطف الرّند ، وحسد النسيم
__________________
الروض فوشى
بأسراره ، وأفشى حديث آسه وعراره ، ومشى مختالا بين لبّات النّور وأزراره ، وهو وجم ، ودمعه منسجم ، وزفراته تترجم عن غرامه ،
وتجمجم عن تعذر مرامه ، فلما نظر إليه استدناه وقربه ، وشكا إليه من الهجران ما
استغربه ، وأنشده : [المتقارب]
أيا نفس لا
تجزعي واصبري
|
|
وإلا فإنّ الهوى
متلف
|
حبيب جفاك وقلب
عصاك
|
|
ولاح لحاك ولا
منصف
|
شجون منعن
الجفون الكرى
|
|
وعوّضنها أدمعا
تنزف
|
فانصرف ولم يعلمه
بقصته ، ولا كشف له عن غصّته ، انتهى.
وقال الفتح أيضا :
أخبرني ذخر الدولة بن المعتضد أنه دخل عليه في ليلة قد ثنى السرور منامها ، وامتطى الحبور غاربها وسنامها ، وراع الأنس فؤادها ، وستر بياض الأماني سوادها ، وغازل
نسيم الروض زوارها وعوّادها ، ونور السراج قد قلّص أذيالها ، ومحا من لجين الأرض نيالها ، والمجلس
مكتس بالمعالي ، وصوت المثاني والمثالث عالي ، والبدر قد كمل ، والتحف بضوئه القصر
واشتمل ، وتزين بسناه وتجمل ، فقال المعتمد : [الكامل]
ولقد شربت
الرّاح يسطع نورها
|
|
والليل قد مدّ
الظلام رداء
|
حتى تبدّى البدر
في جوزائه
|
|
ملكا تناهى بهجة
وبهاء
|
وتناهضت زهر
النجوم يحفّه
|
|
لألاؤها فاستكمل
اللألاء
|
لما أراد تنزها
في غربه
|
|
جعل المظلة فوقه
الجوزاء
|
وترى الكواكب
كالمواكب حوله
|
|
رفعت ثريّاها
عليه لواء
|
وحكيته في الأرض
بين كواكب
|
|
وكواعب جمعت سنا
وسناء
|
إن نشرت تلك
الدروع حنادسا
|
|
ملأت لنا هذي
الكؤوس ضياء
|
وإذا تغنت هذه
في مزهر
|
|
لم تأل تلك على
التّريك غناء
|
__________________
وأخبرني ابن إقبال
الدولة [بن مجاهد] أنه كان عنده في يوم قد نشر من غيمه رداء ندّ ، وأسكب من قطره ماء ورد ، وأبدى من برقه لسان نار ، وأظهر
من [قوس] قزحه حنايا قوس آس حفت بنرجس وجلّنار ، والروض قد بعث ريّاه ، وبث الشكر
لسقياه ، فكتب إلى الطبيب الأديب أبي محمد المصري : [الخفيف]
أيها الصاحب
الذي فارقت عي
|
|
ني ونفسي منه
السّنا والسناء
|
نحن في المجلس
الذي يهب الرا
|
|
حة والمسمع
الغنى والغناء
|
نتعاطى التي
تنسّي من الرّقّ
|
|
ة واللذة الهوى
والهواء
|
فأته تلف راحة
ومحيا
|
|
قد أعدّا لك
الحيا والحياء
|
فوافاه وألفى
مجلسه وقد أتلعت فيه الأباريق أجيادها ، وأقامت فيه خيل السرور طرادها ، وأعطته الأماني انطباعها
وانقيادها ، وأهدت الدنيا ليومه مواسمها وأعيادها ، وخلعت عليه الشمس شعاعها ،
ونشرت فيه الحدائق إيناعها ، فأديرت الراح ، وتعوطيت الأقداح ، وخامر النفوس
الابتهاج والارتياح ، وأظهر المعتمد من إيناسه ، ما استرق به نفوس جلّاسه ، ثم دعا
بكبير ، فشربه كما غربت الشمس في ثبير ، وعندما تناولها ، قام المصري ينشد أبياتا تمثلها : [البسيط]
اشرب هنيئا عليك
التّاج مرتفقا
|
|
بشاذمهر ودع
غمدان لليمن
|
فأنت أولى بتاج
الملك تلبسه
|
|
من هوذة بن عليّ
وابن ذي يزن
|
فطرب حتى زحف عن
مجلسه ، وأسرف في تأنسه ، وأمر فخلعت عليه خلع لا تصلح إلا للخلفاء ، وأدناه حتى
أجلسه مجلس الأكفاء ، وأمر له بدنانير عددا ، وملأ له بالمواهب يدا.
__________________
وله في غلام رآه
يوم العروبة من ثنيّات الوغى طالعا ، ولطلى الأبطال قارعا ، وفي الدماء والغا ، ولمستبشع كؤوس المنايا
سائغا ، وهو ظبي قد فارق كناسه ، وعاد أسدا [قد] صارت القنا أخياسه ، ومتكاثف العجاج قد مزقه إشراقه ، وقلوب الدارعين قد
شكتها أحداقه ، فقال : [الكامل]
أبصرت طرفك بين
مشتجر القنا
|
|
فبدا لطرفي أنه
فلك
|
أو ليس وجهك
فوقه قمرا
|
|
يجلى بنير نوره
الحلك
|
وقال فيه : [المتقارب]
ولما اقتحمت
الوغى دارعا
|
|
وقنّعت وجهك
بالمغفر
|
حسبنا محيّاك
شمس الضحى
|
|
عليها سحاب من
العنبر
|
وقد جمح بنا القلم
في ترجمة المعتمد بن عباد بعض جموح ، وما ذلك إلا لما علمنا أن نفوس الأدباء إلى
أخباره رحمه الله تعالى شديدة الطموح ، وقد جعل الله تعالى له كما قال ابن الأبار
في «الحلة السيراء» رقة في القلوب وخصوصا بالمغرب فإن أخباره وأخبار الرميكية إلى
الآن متداولة بينهم ، وإن فيها لأعظم عبرة ، رحم الله تعالى الجميع!.
رجع إلى أخبار النساء.
ومنهن العبادية جارية المعتضد عباد ، والد المعتمد ، أهداها إليه مجاهد العامري من دانية ،
وكانت أديبة ، ظريفة ، كاتبة ، شاعرة ، ذاكرة لكثير من اللغة ، قال ابن عليم في
شرحه لأدب الكاتب لابن قتيبة ، وذكر الموسعة وهي خشبة بين حمالين يجعل كل
واحد منهما طرفها على عنقه ، ما صورته : وبذكر الموسعة أغربت جارية لمجاهد أهداها
إلى عباد كاتبة شاعرة على علماء إشبيلية وبالغرمة التي تظهر في أذقان بعض الأحداث ، وتعتري بعضهم في الخدين عند
الضحك ، فأما التي في الذقن فهي النونة ، ومنه قول عثمان رضي الله تعالى عنه : رسموا
نونته لتدفع العين ، وأما التي في الخدين عند الضحك فهي الفحصة ، فما كان في
ذلك الوقت في إشبيلية من عرف منها واحدة.
__________________
وسهر عباد ليلة لأمر
حزبه وهي نائمة ، فقال : [المتقارب]
تنام ومدنفها
يسهر
|
|
وتصبر عنه ولا
يصبر
|
فأجابته بديهة
بقولها :
لئن دام هذا
وهذا له
|
|
سيهلك وجدا ولا
يشعر
|
ويكفيك هذا شاهدا
على فضلها رحمها الله تعالى [وسامحها].
ومنهن : بثينة بنت المعتمد بن عباد ، وأمها الرميكية السابقة الذكر ، وكانت بثينة هذه نحوا من
أمها في الجمال والنادرة ونظم الشعر ، ولما أحيط بأبيها ووقع النهب في قصره كانت
في جملة من سبي ، ولم يزل المعتمد والرميكية عليها في وله دائم لا
يعلمان ما آل إليه أمرها إلى أن كتبت إليهما بالشعر المشهور المتداول بين الناس
بالمغرب ، وكان أحد تجار إشبيلية اشتراها على أنها جارية سرّيّة ووهبها لابنه ،
فنظر من شأنها وهيّئت له ، فلما أراد الدخول عليها امتنعت ، وأظهرت نسبها ، وقالت
: لا أحل لك إلا بعقد النكاح إن رضي أبي بذلك ، وأشارت عليهم بتوجيه كتاب من قبلها
لأبيها ، وانتظار جوابه ، فكان الذي كتبته بخطها من نظمها ما صورته : [الكامل]
اسمع كلامي
واستمع لمقالتي
|
|
فهي السلوك بدت
من الأجياد
|
لا تنكروا أني
سبيت وأنني
|
|
بنت لملك من بني
عباد
|
ملك عظيم قد
تولّى عصره
|
|
وكذا الزمان
يؤول للإفساد
|
لما أراد الله
فرقة شملنا
|
|
وأذاقنا طعم
الأسى من زاد
|
قام النّفاق على
أبي في ملكه
|
|
فدنا الفراق ولم
يكن بمراد
|
فخرجت هاربة
فحازني امرؤ
|
|
لم يأت في
إعجاله بسداد
|
إذا باعني بيع
العبيد فضمّني
|
|
من صانني إلا من
الأنكاد
|
وأرادني لنكاح
نجل طاهر
|
|
حسن الخلائق من
بني الأنجاد
|
ومضى إليك يسوم
رأيك في الرضا
|
|
ولأنت تنظر في
طريق رشادي
|
__________________
فعساك يا أبتي
تعرّفني به
|
|
إن كان ممن
يرتجى لوداد
|
وعسى رميكية
الملوك بفضلها
|
|
تدعو لنا باليمن
والأسعاد
|
فلما وصل شعرها
لأبيها وهو بأغمات ، واقع في شراك الكروب والأزمات ، سرّ هو وأمها بحياتها ، ورأيا
أن ذلك للنفس من أحسن أمنياتها ، إذ علما مآل أمرها ، وجبر كسرها ، إذ ذاك أخف
الضررين ، وإن كان الكرب قد ستر القلب منه حجاب رين ، وأشهد على نفسه بعقد نكاحها من الصبي المذكور ، وكتب
إليها أثناء كتابه ما يدل على حسن صبره المشكور : [السريع]
بنيتي كوني به
برّة
|
|
فقد قضى الدّهر
بإسعافه
|
وأخبار المعتمد بن
عباد ، تذيب الأكباد ، فلنرجع إلى ذكر نساء الأندلس فنقول :
ومنهنّ حفصة بنت حمدون من وادي الحجارة ، ذكرها في «المغرب» وقال : إنها من أهل
المائة الرابعة ، ومن شعرها :
رأى ابن جميل أن
يرى الدهر مجملا
|
|
فكلّ الورى قد
عمهم سيب نعمته
|
له خلق كالخمر
بعد امتزاجها
|
|
وحسن فما أحلاه
من حين خلقته
|
بوجه كمثل الشمس
يدعو ببشره
|
|
عيونا ويعشيها
بإفراط هيبته
|
ولها أيضا : [الخفيف]
لي حبيب لا
ينثني لعتاب
|
|
وإذا ما تركته
زاد تيها
|
قال لي هل رأيت
لي من شبيه
|
|
قلت أيضا وهل
ترى لي شبيها
|
ولها تذم عبيدها :
[السريع]
يا ربّ إني من
عبيدي على
|
|
جمر الغضا ، ما
فيهم من نجيب
|
إما جهول أبله
متعب
|
|
أو فطن من كيده
لا يجيب
|
وقال ابن الأبار :
إنها كانت أديبة عالمة شاعرة ، وذكرها ابن فرج صاحب «الحدائق» وأنشد لها أشعارا
منها قولها : [مجزوء الكامل]
__________________
يا وحشتي
لأحبّتي
|
|
يا وحشة متماديه
|
يا ليلة ودعتهم
|
|
يا ليلة هي
ماهيه
|
ومنهن زينب المرية ، كانت أديبة شاعرة ، وهي القائلة : [البسيط]
يا أيها الراكب
الغادي لطيّته
|
|
عرّج أنبئك عن
بعض الذي أجد
|
ما عالج الناس
من وجد تضمّنهم
|
|
إلا ووجدي بهم
فوق الذي وجدوا
|
حسبي رضاه وأنّي
في مسرته
|
|
ووده آخر
الأيّام أجتهد
|
ومنهن غاية المنى ، وهي جارية أندلسية متأدبة ، قدمت إلى المعتصم بن صمادح ،
فأراد اختبارها فقال لها : ما اسمك؟ فقالت : غاية المنى ، فقال لها : أجيزي. [مجزور
الخفيف]
اسألوا غاية المنى
فقالت :
من كسا جسمي الضّنا
وأراني مولها
|
|
سيقول الهوى أنا
|
هكذا أورد السالمي
هذه الحكاية في تاريخه.
قال ابن الأبار :
وقرأت بخطّ الثقة حاكيا عن القاضي أبي القاسم بن حبيش قال : سيقت لابن صمادح جارية
لبيبة تقول الشعر وتحسن المحاضرة ، فقال : تحمل إلى الأستاذ ابن الفراء الخطيب
ليختبرها ، وكان كفيفا ، فلما وصلته قال : ما اسمك؟ فقالت : غاية المنى ، فقال :
أجيزي :
سل هوى غاية
المنى
|
|
من كسا جسمي
الضنا
|
فقالت تجيزه :
وأراني متيّما
|
|
سيقول الهوى أنا
|
فحكى ذلك لابن
صمادح ، فاشتراها ، انتهى.
__________________
ومنهن حمدة ، ويقال حمدونة بنت زياد
المؤدب من وادي آش ، وهي خنساء المغرب ، وشاعرة الأندلس ، ذكرها الملاحي وغيره
، وممن روى عنها أبو القاسم بن البراق.
ومن عجيب شعرها
قولها : [الطويل]
ولمّا أبى
الواشون إلّا فراقنا
|
|
وما لهم عندي
وعندك من ثار
|
وشنّوا على
أسماعنا كلّ غارة
|
|
قلّ حماتي عند
ذاك وأنصاري
|
غزوتهم من
مقلتيك وأدمعي
|
|
ومن نفسي
بالسّيف والسّيل والنّار
|
وبعض يزعم أن هذه
الأبيات لمهجة بنت عبد الرزاق الغرناطية ، وكونها لحمدة أشهر ، والله سبحانه
وتعالى أعلم.
وخرجت حمدة مرة
للوادي مع صبية ، فلما نضت عنها ثيابها وعامت قالت : [الوافر]
أباح الدمع
أسراري بوادي
|
|
له للحسن آثار
بوادي
|
فمن نهر يطوف
بكلّ روض
|
|
ومن روض يرفّ
بكلّ وادي
|
ومن بين الظّباء
مهاة أنس
|
|
سبت لبّي وقد
ملكت فؤادي
|
لها لحظ ترقّده
لأمر
|
|
وذاك الأمر
يمنعني رقادي
|
إذا سدلت
ذوائبها عليها
|
|
رأيت البدر في
أفق السّواد
|
كأن الصبح مات
له شقيق
|
|
فمن حزن تسربل
بالحداد
|
وقال ابن البراق
في سوق هذه الحكاية : أنشدتنا حمدة العوفية لنفسها ، وقد خرجت متنزهة بالرملة من
نواحي وادي آش فرأت ذات وجه وسيم أعجبها ، فقالت : ـ وبين الروايتين خلاف ـ أباح
الدمع ، إلى آخره ونسب بعضهم إلى حمدة هذه الأبيات الشهيرة بهذه البلاد المشرقية ،
وهي : [الوافر]
وقانا لفحة
الرمضاء واد
|
|
سقاه مضاعف
الغيث العميم
|
__________________
حللنا دوحه فحنا
علينا
|
|
حنوّ المرضعات
على الفطيم
|
وأرشفنا على ظمإ
زلالا
|
|
ألذ من المدامة
للنّديم
|
يصد الشّمس أنّى
واجهتنا
|
|
فيحجبها ويأذن
للنّسيم
|
يروع حصاه حالية
العذارى
|
|
فتلمس جانب
العقد النظيم
|
وممن جزم بذلك
الرعيني ، وقال : إن مؤرخي بلاد الأندلس نسبوها لحمدة من قبل أن يوجد المنازي الذي ينسبها له أهل
المشرق ، وقد رأيت أن أذكر كلامه برمته ونصه : كانت من ذوي الألباب ، وفحول أهل
الآداب ، حتى إن بعض المنتحلين تعلق بهذه الأهداب ، وادعى نظم هذين البيتين ـ يعني
ولما أبى الواشون ـ إلى آخره لما فيهما من المعاني والألفاظ العذاب ، وما غره في
ذلك إلا بعد دارها ، وخلو هذه البلاد المشرقية من أخبارها ، وقد تلبس بعضهم أيضا
بشعارها ، وادعى غير هذا من أشعارها ، وهو قولها وقانا لفحة الرمضاء واد إلى آخره
، وإن هذه الأبيات نسبها أهل البلاد للمنازي من شعرائهم ، وركبوا التعصب في جادة ادعائهم ، وهي أبيات لم يخلبها غير لسانها ، ولا رقم برديها غير إحسانها ، ولقد رأيت
المؤرخين من أهل بلادنا وهي الأندلس أثبتوها لها قبل أن يخرج المنازي من العدم إلى
الوجود ، ويتصف بلفظة الموجود ، انتهى.
وهو أبو جعفر
الأندلسي الغرناطي ، نزيل حلب.
وحكى ابن العديم
في تاريخ حلب ما نصه : وبلغني أن المنازي عمل هذه الأبيات ليعرضها على أبي العلاء
المعري ، فلما وصل إليه أنشده الأبيات ، فجعل المنازي كلما أنشد المصراع الأوّل من كل بيت سبقه أبو العلاء إلى المصراع
الثاني الذي هو تمام البيت كما نظمه ، ولما أنشده قوله :
نزلنا دوحه فحنا علينا
قال أبو العلاء :
حنوّ الوالدات على الفطيم
فقال المنازي :
إنما قلت «على اليتيم» فقال أبو العلاء : الفطيم أحسن. انتهى.
وهذا يدل على أن
الرواية عنده «حنوّ الوالدات» وقد تقدّم المرضعات ، والله تعالى أعلم.
__________________
وقال ابن سعيد :
يقال لنساء غرناطة المشهورات بالحسب والجلالة «العربيات» لمحافظتهنّ على المعاني
العربية ، ومن أشهرهن زينب بنت زياد الوادي آشى ، وأختها حمدة ، وحمدة هذه هي
القائلة وقد خرجت إلى نهر منقسم الجداول بين الرياض مع نسائها فسبحن في الماء
وتلاعبن :
أباح الدمع أسراري بوادي
الأبيات ، انتهى
ومنهن عائشة بنت أحمد القرطبية.
قال ابن حيان في «المقتبس»
لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعدلها علما وفهما وأدبا وشعرا وفصاحة ،
تمدح ملوك الأندلس وتخاطبهم بما يعرض لها من حاجة ، وكانت حسنة الخط ، تكتب
المصاحف ، وماتت عذراء لم تنكح سنة أربعمائة.
وقال في «المغرب»
إنها من عجائب زمانها ، وغرائب أوانها ، وأبو عبد الله الطبيب عمها ، ولو قيل : «إنها
أشعر منه» لجاز ، ودخلت على المظفر بن المنصور بن أبي عامر وبين يديه ولد ،
فارتجلت : [الوافر]
أراك الله فيه
ما تريد
|
|
ولا برحت معاليه
تزيد
|
فقد دلّت مخايله
على ما
|
|
تؤمّله وطالعه
السّعيد
|
تشوّقت الجياد
له وهزّ ال
|
|
حسام هوى وأشرقت
البنود
|
وكيف يخيب شبل
قد نمته
|
|
إلى العليا
ضراغمة أسود
|
فسوف تراه بدرا
في سماء
|
|
من العليا
كواكبه الجنود
|
فأنتم آل عامر
خير آل
|
|
زكا الأبناء
منكم والجدود
|
وليدكم لدى رأي
كشيخ
|
|
وشيخكم لدى حرب
وليد
|
وخطبها بعض
الشعراء ممن لم ترضه فكتبت إليه : [الكامل]
أنا لبوة لكنّني
لا أرتضي
|
|
نفسي مناخا طول
دهري من أحد
|
ولو انّني أختار
ذلك لم أجب
|
|
كلبا وكم غلّقت
سمعي عن أسد
|
__________________
ومنهنّ مريم بنت أبي يعقوب الأنصاري .
سكنت إشبيلية ،
وأصلها والله أعلم من شلب.
وذكرها ابن دحية
في «المطرب» وقال : إنها أديبة شاعرة مشهورة ، وكانت تعلم النساء الأدب ، وتحتشم لدينها وفضلها ، وعمرت عمرا طويلا ، سكنت إشبيلية
، واشتهرت بها بعد الأربعمائة ، وذكرها الحميدي ، وأنشد لها جوابها لما بعث المهدي
إليها بدنانير ، وكتب إليها : [البسيط]
ما لي بشكر الذي
أوليت من قبل
|
|
لو أنّني حزت
نطق اللّسن في الحلل
|
يا فذّة الظّرف
في هذا الزّمان ويا
|
|
وحيدة العصر في
الإخلاص في العمل
|
أشبهت مريما
العذراء في ورع
|
|
وفقت خنساء في
الأشعار والمثل
|
ونص الجواب منها :
[البسيط]
من ذا يجاريك في
قول وفي عمل
|
|
وقد بدرت إلى
فضل ولم تسل
|
ما لي بشكر الذي
نظّمت في عنقي
|
|
من اللآلي وما
أوليت من قبل
|
حلّيتني بحلى
أصبحت زاهية
|
|
بها على كلّ
أنثى من حلى عطل
|
لله أخلاقك
الغرّ التي سقيت
|
|
ماء الفرات
فرقّت رقّة الغزل
|
أشبهت مروان من
غارت بدائعه
|
|
وأنجدت وغدت من
أحسن المثل
|
من كان والده
العضب المهنّد لم
|
|
يلد من النّسل
غير البيض والأسل
|
ومن شعرها وقد
كبرت : [الطويل]
وما يرتجى من
بنت سبعين حجّة
|
|
وسبع كنسج
العنكبوت المهلهل
|
تدبّ دبيب
الطّفل تسعى إلى العصا
|
|
وتمشي بها مشي
الأسير المكبّل
|
ومنهنّ أسماء العامرية ، من أهل إشبيلية ، كتبت إلى عبد المؤمن بن علي رسالة نمت
فيها إليه بنسبها العامري ، وتسأله في رفع الإنزال عن دارها ، والاعتقال عن مالها ، وفي آخرها قصيدة
أولها : [الوافر]
__________________
عرفنا النّصر
والفتح المبينا
|
|
لسيّدنا أمير
المؤمنينا
|
إذا كان الحديث
عن المعالي
|
|
رأيت حديثكم
فينا شجونا
|
ومنها :
رويتم علمه
فعلمتموه
|
|
وصنتم عهده فغدا
مصونا
|
ومنهن أم الهناء بنت القاضي أبي محمد
عبد الحق بن عطية ، سمعت أباها ،
وكانت حاضرة النادرة ، سريعة التمثل ، من أهل العلم والفهم والعقل ، ولها تأليف في
القبور ، ولما ولي أبوها قضاء المرية دخل داره وعيناه تذرفان وجدا لمفارقة وطنه ،
فأنشدته متمثلة : [الكامل]
يا عين صار
الدمع عندك عادة
|
|
تبكين في فرح
وفي أحزان
|
وهذا البيت من
جملة أبيات هي : [الكامل]
جاء الكتاب من
الحبيب بأنّه
|
|
سيزورني
فاستعبرت أجفاني
|
غلب السرور عليّ
حتى إنّه
|
|
من عظم فرط
مسرّتي أبكاني
|
وبعده البيت ،
وبعده :
فاستقبلي بالبشر
يوم لقائه
|
|
ودعي الدموع
لليلة الهجران
|
ومنهن مهجة القرطبية صاحبة ولّادة
رحمهما الله تعالى ، وكانت من أجمل نساء زمانها ، وعلقت بها ولادة ، ولازمت تأديبها ، وكانت
من أخف الناس روحا ، ووقع بينها وبين ولادة ما اقتضى أن قالت : [السريع]
ولادة قد صرت
ولادة
|
|
من غير بعل ،
فضح الكاتم
|
حكت لنا مريم
لكنّه
|
|
نخلة هذي ذكر
قائم
|
قال بعض الأكابر :
لو سمع ابن الرومي هذا لأقر لها بالتقدم .
ومن شعرها : [الطويل]
لئن قد حمى عن
ثغرها كلّ حائم
|
|
فما زال يحمى عن
مطالبه الثّغر
|
فذلك تحميه
القواضب والقنا
|
|
وهذا حماه من
لواحظها السّحر
|
__________________
وأهدى إليها من
كان يهيم بها خوخا ، فكتبت إليه : [السريع]
يا متحفا بالخوخ
أحبابه
|
|
أهلا به من مثلج
للصدور
|
حكى ثديّ الغيد
تفليكه
|
|
لكنّه أخزى رؤوس
الأيور
|
ومنهن هند جارية أبي محمد عبد الله بن
مسلمة الشاطبي ، وكانت أديبة شاعرة
، كتب إليها أبو عامر بن ينّق يدعوها للحضور عنده بعودها : [الكامل]
يا هند هل لك في
زيارة فتية
|
|
نبذوا المحارم غير
شرب السّلسل
|
سمعوا البلابل
قد شدوا فتذكّروا
|
|
نغمات عودك في
الثّقيل الأوّل
|
فكتبت إليه في ظهر
رقعته : [الكامل]
يا سيّدا حاز
العلا عن سادة
|
|
شمّ الأنوف من
الطّراز الأوّل
|
حسبي من الإسراع
نحوك أنني
|
|
كنت الجواب مع
الرسول المقبل
|
ومنهن الشلبية ، قال ابن الأبار : ولم أقف على اسمها ، وكتبت إلى السلطان
يعقوب المنصور تتظلم من ولاة بلدها وصاحب خراجها : [الكامل]
قد آن أن تبكي
العيون الآبي
|
|
ولقد أرى أنّ
الحجارة باكيه
|
يا قاصد المصر
الذي يرجى به
|
|
إن قدر الرحمن
رفع كراهيه
|
ناد الأمير إذا
وقفت ببابه
|
|
يا راعيا إن
الرعية فانيه
|
أرسلتها هملا
ولا مرعى لها
|
|
وتركتها نهب
السّباع العاديه
|
شلب كلا شلب ،
وكانت جنّة
|
|
فأعادها
الطّاغون نارا حاميه
|
حافوا وما خافوا
عقوبة ربهم
|
|
والله لا تخفى
عليه خافيه
|
فيقال : إنها ألقيت
يوم جمعة على مصلى المنصور ، فلما قضى الصلاة وتصفحها بحث عن القضية فوقف على حقيقتها ، وأمر للمرأة بصلة.
وحكي أن بعض قضاة
لوشة كانت له زوجة فاقت العلماء في معرفة الأحكام والنوازل ، وكان قبل أن يتزوّجها
ذكر له وصفها فتزوّجها ، وكان في مجلس قضائه تنزل به النوازل ، فيقوم
__________________
إليها فتشير إليه
بما يحكم به ، فكتب إليه بعض أصحابه مداعبا بقوله : [المتقارب]
بخلوشة قاض له
زوجة
|
|
وأحكامها في
الورى ماضيه
|
فيا ليته لم يكن
قاضيا
|
|
ويا ليتها كانت
القاضيه
|
فأطلع زوجته عليه
حين قرأه فقالت : ناولني القلم ، فناولها ، فكتبت بديهة : [مجزوء الكامل]
هو شيخ سوء
مزدرى
|
|
له شيوب عاصيه
|
كلّا لئن لم
ينته
|
|
لنسفعا
بالنّاصيه
|
وسمعت بعض أشياخنا
يحكي القضية عن لسان الدين بن الخطيب ، وأنه هو الذي كتب يداعب زوج المرأة فكتبت
إليه : [مجزوء الكامل]
إنّ الإمام ابن
الخطيب
|
|
له شيوب عاصيه
|
إلى آخره ، فالله
أعلم.
ومنهن نزهون الغرناطية .
قال في «المغرب» :
من أهل المائة الخامسة ذكرها الحجاري في «المسهب» ووصفها بخفة الروح ، والانطباع
الزائد ، والحلاوة ، وحفظ الشعر ، والمعرفة بضرب الأمثال ، مع جمال فائق ، وحسن
رائق ، وكان الوزير أبو بكر بن سعيد أولع الناس بمحاضرتها ومذاكرتها ومراسلتها ،
فكتب لها مرة : [المجتث]
يا من له ألف
خلّ
|
|
من عاشق وصديق
|
أراك خلّيت
للنّا
|
|
س منزلا في
الطّريق
|
فأجابته : [الطويل]
حللت أبا بكر
محلّا منعته
|
|
سواك ، وهل غير
الحبيب له صدري
|
وإن كان لي كم
من حبيب فإنّما
|
|
يقدّم أهل الحقّ
حب أبي بكر
|
قيل : لو قالت «وإن
كان خلاني كثيرا ـ الخ» لكان أجود.
ولما قال فيها
المخزومي : [الطويل]
__________________
على وجه نزهون
من الحسن مسحة
|
|
وتحت الثّياب
العار لو كان باديا
|
قواصد نزهون
توارك غيرها
|
|
ومن قصد البحر
استقلّ السّواقيا
|
قالت : [المجتث]
إن كان ما قلت
حقّا
|
|
من بعض عهد كريم
|
فصار ذكري ذميما
|
|
يعزى إلى كلّ
لوم
|
وصرت أقبح شيء
|
|
في صورة
المخزومي
|
وقد تقدمت حكايتها
في «الباب الأوّل» من هذا فلتراجع.
وقال لها بعض
الثقلاء : ما على من أكل معك خمسمائة سوط؟! فقالت : [الطويل]
وذي شقوة لمّا
رآني رأى له
|
|
تمنّيه أن يصلى
معي جاحم الضّرب
|
فقلت له كلها
هنيئا فإنّما
|
|
خلقت إلى لبس
المطارف والشّرب
|
وقال ابن سعيد في
طالعه لما وصف وصول ابن قزمان إلى غرناطة واجتماعه بجنته بقرية الزاوية من خارجها
بنزهون القلاعية الأدبية ، وما جرى بينهما ، وأنها قالت له بعقب ارتجال بديع ـ وكان
يلبس غفارة صفراء على زي الفقهاء حينئذ ـ أحسنت يا بقرة بني إسرائيل ، إلا أنك لا
تسر الناظرين ، فقال لها : [إن لم أسر الناظرين] فأنا أسر السامعين ، وإنما يطلب سرور الناظرين منك يا
فاعلة يا صانعة ، وتمكن السكر من ابن قزمان ، وآل الأمر إلى أن تدافعوا معه حتى
رموه في البركة ، فما خرج إلا وهو قد شرب كثيرا من الماء ، وثيابه تهطل ، فقال :
اسمع يا وزير ، ثم أنشد : [السريع]
إيه أبا بكر ولا
حول لي
|
|
بدفع أعيان
وأنذال
|
وذات فرج واسع
دافق
|
|
بالماء يحكي حال
أذيالي
|
غرّقتني في
الماء يا سيّدي
|
|
كفّره بالتّغريق
في المال
|
__________________
فأمر بتجريد ثيابه
، وخلع عليه ما يليق به ، ومرّ لهم يوم بعد عهدهم بمثله ، ولم ينتقل ابن قزمان من
غرناطة إلا من بعد ما أجزل له الإحسان ، ومدحه بما هو ثابت له في ديوان أزجاله ، وحكى عنه فيما أظن ـ أعني ابن قزمان ـ ويحتمل أنه غيره
أنه تبع إحدى الماجنات ، وكان أحول ، فأطمعته في نفسها ، وأشارت إليه أن يتبعها ،
فاتبعها حتى أتت به سوق الصاغة بإشبيلية ، فوقفت على صائغ من صيّاغها ، وقالت له :
يا معلم مثل هذا يكون فص الخاتم الذي قلت لك عنه ، تشير إلى عين ذلك الأحول الذي
تبعها ، وكانت قد كلفت ذلك الصائغ أن يعمل لها خاتما يكون فصه عين إبليس ، فقال
لها الصائغ : جئيني بمثال ، فإني لم أر هذا ولا سمعت به قط [فجاءته به عن مثال] ، وحكاها بعضهم على وجه آخر وأنها ذهبت إلى الصائغ وقالت
له : صور لي صورة الشيطان ، فقال لها : ائتيني بمثال ، فلما تبعها ابن قزمان جاءته
به ، وقالت له : مثل هذا ، فسأل ابن قزمان الصائغ فأعلمه فخجل ولعنها.
وكتب [أبو بكر] بن قزمان على باب جنته : [السريع]
وقائل يا حسنها
جنّة
|
|
لا يدخل الحزن
على بابها
|
فقلت والحقّ له
صولة
|
|
أحسن منها مجد
أربابها
|
وله : [الوافر]
كثير المال
تمسكه فيفنى
|
|
وقد يبقى مع
الجود القليل
|
ومن غرست يداه
ثمار جود
|
|
ففي ظلّ الثناء
له مقيل
|
رجع إلى أخبار نزهون [بنت القليعي] حكي أنها كانت تقرأ على أبي بكر المخزومي الأعمى ، فدخل عليهما
أبو بكر الكتندي ، فقال يخاطب المخزومي : [الكامل]
لو كنت تبصر من تجالسه
فأفحم ، وأطال
الفكر فما وجد شيئا ، فقالت نزهون :
لغدوت أخرس من خلاخله
__________________
البدر يطلع من
أزرّته
|
|
والغصن يمرح في
غلائله
|
وكانت ماجنة ، ومن شعرها قولها : [البسيط]
لله درّ الليالي
ما أحيسنها
|
|
وما أحيسن منها
ليلة الأحد
|
لو كنت حاضرنا
فيها وقد غفلت
|
|
عين الرقيب فلم
تنظر إلى أحد
|
أبصرت شمس
الضّحى في ساعدي قمر
|
|
بل ريم خازمة في
ساعدي أسد
|
وهذا المعنى متفق
مع قول ابن الزقاق : [الطويل]
ومرتجّة الأرداف
أمّا قوامها
|
|
فلدن وأما ردفها
فرداح
|
ألمّت فبات
الليل من قصر بها
|
|
يطير ، ولا غير
السرور جناح
|
فبتّ وقد زارت
بأنعم ليلة
|
|
يعانقني حتّى
الصّباح صباح
|
على عاتقي من
ساعديها حمائل
|
|
وفي خصرها من
ساعديّ وشاح
|
وابن الزقاق هذا
له في النظم والغوص على المعاني الباع المديد ، ومن نظمه قوله : [الوافر]
رئيس الشّرق
محمود السّجايا
|
|
يقصّر عن مدائحه
البليغ
|
نسمّيه بيحيى
وهو ميت
|
|
كما أنّ السّليم
هو اللّديغ
|
يعاف الورد إن
ظمئت حشاه
|
|
وفي مال اليتيم
له ولوغ
|
وقوله : [المتقارب]
كتبت ولو أنّني
أستطيع
|
|
لإجلال قدرك بين
البشر
|
قددت اليراعة من
أنملي
|
|
وكان المداد
سواد البصر
|
وقوله : [الطويل]
غرير يباري
الصبح إشراق خدّه
|
|
وفي مفرق
الظلماء منه نصيب
|
ترفّ بفيه ضاحكا
أقحوانة
|
|
ويهتزّ في برديه
منه قضيب
|
__________________
وقوله : [الكامل]
ومهفهف نبت
الشقيق بخدّه
|
|
واهتزّ أملود
النقا في برده
|
ماء الشبيبة
والغرام أرقّ من
|
|
صقل الحسام
المنتقى وفرنده
|
يحيى الورى
بتحية من وصله
|
|
من بعد ما وردوا
الحمام بصدّه
|
إن كنت أهديت
الفؤاد له فقل
|
|
أيّ الجوى
بجوانح لم يهده
|
وقوله : [المتقارب]
أرقّ نسيم
الصّبا عرفه
|
|
وراق قضيب
النّقا عطفه
|
ومرّ بنا يتهادى
وقد
|
|
نضا سيف أجفانه
طرفه
|
ومدّ لمبسمه
راحة
|
|
فخلت الأقاح دنا
قطفه
|
أشارت بتقبيلها
للسلام
|
|
فقال فمي ليتني
كفه
|
وقوله : [الرمل]
بأبي من لم يدع
لي لحظه
|
|
في الهوى من رمق
حين رمق
|
جمعت نكهته في
ثغره
|
|
عبقا في نسق
يسبي الحدق
|
وبدت خجلته في
خدّه
|
|
شفقا في فلق تحت
غسق
|
وقال : [الكامل]
وعشيّة لبست
ملاء شقيق
|
|
تزهى بلون
للخدود أنيق
|
أبقت بها الشمس
المنيرة مثل ما
|
|
أبقى الحياء
بوجنتي معشوق
|
لو أستطيع
شربتها كلفا بها
|
|
وعدلت فيها عن
كؤوس رحيق
|
وقال في مسامرة
كتاب زعماء : [الكامل]
لله ليلتنا التي
استجدى بها
|
|
فلق الصّباح
لسدفة الإظلام
|
__________________
طرأت عليّ مع
النجوم بأنجم
|
|
من فتية بيض
الوجوه كرام
|
إن حوربوا فزعوا
إلى بيض الظّبا
|
|
أو خوطبوا فزعوا
إلى الأقلام
|
فترى البلاغة إن
نظرت إليهم
|
|
والبأس بين يراعة
وحسام
|
وقال : [الخفيف]
ومجدّين في
السرى قد تعاطوا
|
|
غفوات الهوى
بغير كؤوس
|
جنحوا وانحنوا
على العيس حتى
|
|
خلتهم يعتبون
أيدي العيس
|
نبذوا الغمض وهو
حلو إلى أن
|
|
وجدوه سلافة في
الرءوس
|
وقال : [الطويل]
وحبّب يوم السبت
عندي أنّني
|
|
ينادمني فيه
الّذي أنا أحببت
|
ومن أعجب
الأشياء أنّي مسلم
|
|
حنيف ولكن خير
أيامي السّبت
|
ولنقتصر من نساء
الأندلس على هذا المقدار ، ونعد إلى ما كنا فيه من جلب كلام بلغاء الأندلس ذوي
الأقدار ، فنقول :
قال الخفاجي رحمه
الله تعالى : [الطويل]
وهاتفة في البان
تملي غرامها
|
|
علينا وتتلو من
صبابتها صحفا
|
عجبت لها تشكو
الفراق جهالة
|
|
وقد جاوبت من
كلّ ناحية إلفا
|
ويشجي قلوب
العاشقين أنينها
|
|
وما فهموا مما
تغنّت به حرفا
|
ولو صدّقت فيما
تقول من الأسى
|
|
لما لبست طوقا
ولا خضبت كفّا
|
وقال الأستاذ أبو
محمد بن صارة [الطويل] :
متى تلتقي عيناي
بدر مكارم
|
|
تودّ الثريّا
أنّها من مواطئه
|
ولمّا أهلّ
المدلجون بذكره
|
|
وفاح تراب البيد
مسكا لواطئه
|
عرفنا بحسن
الذّكر حسن صنيعه
|
|
كما عرف الوادي
بخضرة شاطئه
|
وقال يتغزل [الكامل]
:
__________________
يا من تعرّض
دونه شحط النّوى
|
|
فاستشرفت لحديثه
أسماعي
|
إني لمن يحظى
بقربك حاسد
|
|
ونواظري يحسدن
فيك رقاعي
|
لم تطوك الأيام
عنّي إنّما
|
|
نقلتك من عيني
إلى أضلاعي
|
وقال الأديب أبو
القاسم بن العطار : [الطويل]
عبرنا سماء الجو
والنهر مشرق
|
|
وليس لنا إلا
الحباب نجوم
|
وقد ألبسته
الأيك برد ظلالها
|
|
وللشمس في تلك
البرود رقوم
|
وله أيضا : [الكامل]
لله بهجة نزهة
ضربت به
|
|
فوق الغدير رواقها
الأنسام
|
فمع الأصيل
النّهر درع سابغ
|
|
ومع الضّحى
يلتاح فيه حسام
|
وقال أيضا [الخفيف]
:
هبت الريح
بالعشيّ فحاكت
|
|
زردا للغدير
ناهيك جنّه
|
وانجلى البدر
بعد هدء فحاكت
|
|
كفه للقتال منه
أسنّه
|
وقال أيضا : [الكامل]
لله حسن حديقة
بسطت لنا
|
|
منها النفوس
سوالف ومعاطف
|
تختال في حلل
الربيع وحليه
|
|
ومن الربيع
قلائد ومطارف
|
وله : [المنسرح]
وسنان ما إن
يزال عارضه
|
|
يعطف قلبي بعطفة
اللام
|
أسلمني للهوى
فواحزني
|
|
أن بزّنى عفّتي
وإسلامي
|
__________________
لحاظه أسهم ،
وحاجبه
|
|
قوس ، وإنسان
عينه رامي
|
وارتجل أبو جعفر
بن خاتمة رحمه الله تعالى لما بات في قرية بيّش : [الكامل]
لله منزلنا
بقرية بيّش
|
|
كاد الهوى فيها
ادّكارا بي يشي
|
رحنا إليها
والبطاح كأنها
|
|
صحف مذهبة
بإبريز العشي
|
فأجازه الوزير ابن
جزى بقوله : [الكامل]
في فتية هزّت
حميّا الأنس من
|
|
أعطافهم فالكل
منها منتشي
|
يأتى علاهم
بالصحيح ، ولفظهم
|
|
بالمنتقى ،
وجمالهم بالمدهش
|
وقال السلطان أبو
الحجاج النصري مرتجلا أيام مقامه بظاهر جبل الفتح سنة ٨٢٥ : [الطويل]
ولم يتركوا
أوطانهم بمرادهم
|
|
ولكن لأحوال
أشابت مفارقي
|
أقام بها ليل
التّهاني تقلّبا
|
|
وقد سكنت جهلا
نفوس الخلائق
|
فعوّضتها ليل
الصبابة بالسّرى
|
|
وأنس التلاقي
بالحبيب المفارق
|
ولم يثنني طرف
من النور ناعس
|
|
ولا معطف للبان
وسط الحدائق
|
ولا منهض
الأشبال في عقر غيرهم
|
|
ولا ملعب
الغزلان فوق النّمارق
|
وعاطيتها صبح
الدّياجي مدامة
|
|
تميل بها
الركبان فوق الأيانق
|
إذا ما قطعنا
بالمطيّ تنوفة
|
|
دلجنا لأخرى
بالجياد السّوابق
|
بحيث التقى موسى
مع الخضر آية
|
|
عسى ترجع العقبى
كموسى وطارق
|
وله : [البسيط]
من عاذري من
غزال زانه حور
|
|
قد هام لمّا بدا
في حسنه البشر
|
ألحاظه كسيوف
الهند ماضية
|
|
لها بقلبي وإن
سالمتها أثر
|
__________________
وقال القاضي أبو
القاسم بن حاتم : [الوافر]
شكوت بما دهاك
وكان سرّا
|
|
لمن ليست مودّته
صحيحه
|
فتلك مصيبة عادت
ثلاثا
|
|
لصحبتها الشماتة
والفضيحه
|
وقال الفقيه محمد
بن سعيد الأندلسي مخاطبا للفقيه الفخار : [البسيط]
خفّف علينا
قليلا أيها العلم
|
|
فربّما كان فينا
من به ألم
|
لا يستطيع نهوضا
من تألّمه
|
|
وإن تمادى قليلا
خانت القدم
|
كفى وصية مولانا
وسيدنا
|
|
محمد فاسمعوا ما
قال والتزموا
|
وقال ابن جبير
اليحصبي فيمن أهدى إليه تفاحا : [الوافر]
خليل لم يزل
قلبي قديما
|
|
يميل بفرط صاغية
إليه
|
أتاني مقبلا
والبشر يبدي
|
|
وسائل برصة كرمت
لديه
|
وجاء بعرف تفّاح
ذكيّ
|
|
فقلت أتى الخليل
بسيبويه
|
فأهدى من جناه
بكلّ شكل
|
|
يلوح جمال
مهديها عليه
|
وقال قاضي مالقة
سيدي إبراهيم البدوي : [مخلع البسيط]
قطعت يأسي فصنت
وجهي
|
|
عن الوقوف لذي
وجاهه
|
قصدت ربّي فكان
حسبي
|
|
ألبسني فضله
وجاهه
|
فلا يرى ينثنى
عناني
|
|
مدى حياتي إلا
تجاهه
|
وقال ابن خليل
السكوني في فهرسته : شاهدت بجامع العدبس بإشبيلية ربعة مصحف في أسفار ينحى به لنحو خطوط الكوفة إلا
أنه أحسن خطا وأبينه وأبرعه وأتقنه ، فقال لي الشيخ الأستاذ أبو الحسين بن الطفيل بن عظيمة : هذا خط ابن مقلة ، وأنشد : [البسيط]
خطّ ابن مقلة من
أرعاه مقلته
|
|
ودّت جوارحه لو
أنّها مقل
|
ثم قسنا حروفه
بالضابط فوجدنا أنواعها تتماثل في القدر والوضع ، فالألفات على قدر واحد ،
واللامات كذلك ، والكافات والواوات وغيرها بهذه النسبة ، انتهى.
قلت : رأيت
بالمدينة المنوّرة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام مصحفا بخط ياقوت
__________________
المستعصمي بهذه
المثابة ، وهو من الأوقاف الرستمية ، ورأيت بالحجرة الشريفة على صاحبها الصلاة
والسلام مصحفا مكتوبا في آخره ما صورته : كتبته بقلم واحد فقط ما قطّ قط إلا مرة
فقط ، انتهى.
رجع ـ وقال ابن
عبدون رحمه الله تعالى : [الكامل]
أذهبن من فرق
الفراق نفوسا
|
|
ونثرن من درّ
الدّموع نفيسا
|
فتبعتها نظر
الشّجيّ فحدّقت
|
|
رقباؤها نحوي
عيونا شوسا
|
وحللن عقد
الصّبر إذ ودّعنني
|
|
فحللن أفلاك
الخدور شموسا
|
حلّته إذ حلّته
حتّى خلته
|
|
عرشا لها
وحسبتها بلقيسا
|
فازورّ جانبها
وكان جوابها
|
|
لو كنت تهوانا
صحبت العيسا
|
وهي طويلة.
قلت : ما أظن لسان
الدين نسج قصيدته من هذا البحر والروي إلا على منوال هذه ، وإن كان الحافظ التنسي
قال : إنه نسجها على [منوال] قصيدة أبي تمام حسبما ذكرنا ذلك في محله فليراجع.
وقال أبو عبد الله
بن المناصف قاضي بلنسية ومرسية رحمه الله تعالى : [المجتث]
ألزمت نفسي
خمولا
|
|
عن رتبة الأعلام
|
لا يخسف البدر
إلّا
|
|
ظهوره في تمام
|
وتذكرت به قول
غيره : [المجتث]
ليس الخمول بعار
|
|
على امرئ ذي
جلال
|
فليلة القدر
تخفى
|
|
وتلك خير
الليالي
|
وقال الوزير ابن
عمار ، وقد كتب له أبو المطرف بن الدباغ شافعا لغلام طرّ له عذار : [المتقارب]
__________________
أتاني كتابك
مستشفعا
|
|
بوجه أبى الحسن
من ردّه
|
ومن قبل فضّي
ختم الكتاب
|
|
قرأت الشفاعة في
خدّه
|
وقال القاضي
الأديب ، والفيلسوف الأريب ، أبو الوليد الوقشي قاضي طليطلة : [السريع]
برّح بي أنّ
علوم الورى
|
|
قسمان ما إن
فيهما مزيد
|
حقيقة يعجز
تحصيلها
|
|
وباطل تحصيله لا
يفيد
|
وقال أبو عبد الله
بن الصفار وهو من بيت القضاء والعلم بقرطبة : [السريع]
لا تحسب الناس
سواء متى
|
|
ما اشتبهوا
فالنّاس أطوار
|
وانظر إلى
الأحجار ، في بعضها
|
|
ماء ، وبعض ضمنه
نار
|
وهذا مثل قول غيره
: [السريع]
الناس كالأرض
ومنها هم
|
|
من خشن الطّبع
ومن ليّن
|
مرو تشكّى الرجل
منه الوجى
|
|
وإثمد يجعل في
الأعين
|
ومن نظم ابن
الصفار المذكور : [المجتث]
إذا نويت
انقطاعا
|
|
فاعمل حساب
الرّجوع
|
وقال أبو مروان
الجزيري : [الكامل]
ومن العجائب
والعجائب جمّة
|
|
أن يلهج الأعمى
بعيب الأعور
|
وقال حسان بن
المصيصي كاتب الظافر بن عباد ملك قرطبة : [الكامل]
لا تأمننّ من
العدوّ لبعده
|
|
إن امرأ القيس
اشتكى الطمّاحا
|
وقال الشيخ الأكبر
سيدي محيي الدين بن عربي [قدس سره العزيز] في كتاب «الإسفار ، عن نتائج الأسفار» : أنشدني الكاتب
الأديب أبو عمرو بن مهيب بإشبيلية أبياتا عملها في حمود بن إبراهيم بن أبي بكر
الهرغي ، وكان أجمل أهل زمانه ، رآه عندنا زائرا وقد خط
__________________
عذاره ، فقلت : يا
أبا عمرو ، ما تنظر إلى حسن هذا الوجه؟ فعمل الأبيات في ذلك ، وهي : [المتقارب]
وقالوا العذار
جناح الهوى
|
|
إذا ما استوى
طار عن وكره
|
وليس كذاك
فخبرهم
|
|
قياما بعذري أو
عذره
|
إذا كمل الحسن
في وجنة
|
|
فخاتمه ويك من
شعره
|
قال بعضهم : رأيت
آخر الكتاب المذكور بعد فراغه شعرا نسبه إليه ، وهو : [الكامل]
يا حاضرا بجماله
في خاطري
|
|
ومحجّبا بجلاله
عن ناظري
|
إن غبت عن عيني
فإنّك نورها
|
|
وضمير سرّك سائر
في سائري
|
ومن العجائب
أنني أبدا إلى
|
|
رؤياك ذو شوق
مديد وافر
|
مع أنّني ما كنت
قطّ بمجلس
|
|
إلا وكنت منادمي
ومسامري
|
وأنشد في «الإحاطة»
لعبد الله الجذامي : [الطويل]
أيا سيدي أشكو
لمجدك أنّني
|
|
صددت مرارا عن
مثولي بساحتك
|
شكاة اشتياق أنت
حقّا طبيبها
|
|
وما راحتي إلا
بتقبيل راحتك
|
قال : وهو عبد
الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد الجذامي ، فاضل ملازم للقراءة ، عاكف على الخير
، مشارك في العربية ، خاطب للرياسة الأدبية ، اختص بالأمير أبي علي المنصور ابن
السلطان أيام مقامه بالأندلس ، ومما خاطبه به معتذرا :
أيا سيدي ـ البيتين
انتهى
وقال في ترجمة عبد
الله بن أحمد المالقي قاضي غرناطة ، وكان فقيها بارع الأدب : إنه كتب إلى أبي نصر
صاحب «القلائد» و «المطمح» أثناء رسالة بقوله : [الوافر]
تفتّحت الكتابة
عن نسيم
|
|
نسيم المسك في
خلق كريم
|
أبا نصر رسمت
لها رسوما
|
|
تخال رسومها وضح
النجوم
|
وقد كانت عفت
فأنرت منها
|
|
سراجا لاح في
الليل البهيم
|
فتحت من الصناعة
كل باب
|
|
فصارت في طريق
مستقيم
|
__________________
فكتّاب الزّمان
ولست منهم
|
|
إذا راموا مرامك
في هموم
|
فما قسّ بأبدع
منك لفظا
|
|
ولا سحبان مثلك
في العلوم
|
وقال الذهبي ، وقد
جرى ذكر محمد بن الحسن المذحجي الأندلسي بن الكتاني : إنه أديب شاعر متفنن ذو تصانيف ، حمل عنه ابن حزم ، ومن شعره : [الطويل]
ألا قد هجرنا
الهجر واتصل الوصل
|
|
وبانت ليالي
البين واجتمع الشّمل
|
فسعدي نديمي ،
والمدامة ريقها ،
|
|
ووجنتها روضي ،
وتقبيلها النّقل
|
وقال العلامة محمد
بن عبد الرحمن الغرناطي : [الكامل]
الشعب ثم قبيلة
وعمارة
|
|
بطن وفخذ
والفصيلة تابعه
|
فالشعب مجتمع
القبيلة كلّها
|
|
ثم القبيلة
للعمارة جامعه
|
والبطن تجمعه
العمائر فاعلمن
|
|
والفخذ تجمعه
البطون الواسعه
|
والفخذ يجمع
للفصائل هاكها
|
|
جاءت على نسق
لها متتابعه
|
فخزيمة شعب ،
وإن كنانة
|
|
لقبيلة منها
الفصائل شائعه
|
وقريشها تسمى
العمارة يا فتى
|
|
وقصيّ بطن
للأعادي قامعه
|
ذا هاشم فخذ وذا
عبّاسها
|
|
أثر الفصيلة لا
تناط بسابعه
|
وكتبت هذه الأبيات
وإن لم تشتمل على بلاغة لما فيها من الفائدة ، ولأن بعض الناس سألني فيها لغرابتها
، والأعمال بالنيات.
ولما دخل أبو محمد
الكلاعي الجياني على القاضي ابن رشد قام له فأنشده أبو محمد بديهة
: [مخلع البسيط]
قام لي السيد
الهمام
|
|
قاضي قضاة الورى
الإمام
|
__________________
فقلت قم بي ،
ولا تقم لي
|
|
فقلّما يؤكل
القيام
|
وقال أبو عبد
الرحمن بن حجاف البلنسي : [الوافر]
لئن كان الزمان
أراد حطّي
|
|
وحاربني بأنياب
وظفر
|
كفاني أن
تصافيني المعالي
|
|
وإن عاديتني يا
أمّ دفر
|
فما اعتزّ
اللئيم وإن تسامى
|
|
ولا هان الكريم
بغير وفر
|
وقال أبو محمد بن
برطلة : [الطويل]
ألا إنما سيف
الفتى صنو نفسه
|
|
فنافس بأوفى ذمة
وإخاء
|
يزينك مرأى أو
يعينك حاجة
|
|
فيحسن حالي شدة
ورخاء
|
وقال أيضا : [الطويل]
أنفسي ، صبرا لا
يروعك حادث
|
|
بإرتاجه ،
واستشعري عاجل الفتح
|
فرب اشتداد في
الخطوب لفرجة
|
|
كما انشق ليل
طال عن فلق الصبح
|
وقال أيضا : [الوافر]
متى يدنو لوعدكم
انتجاز
|
|
ويبعد عن حقيقته
المجاز
|
أيجمل أن يؤمّكم
رجائي
|
|
فيوقف لا يرد
ولا يجاز
|
وجدّكم كفيل
بالأماني
|
|
ومطلوبي قريب
مستجاز
|
إذا ما أمكنت
فرص المساعي
|
|
فعجز أن يطاولها
انتهاز
|
وها أنا قد
هززتكم حساما
|
|
ويحسن للمهنّدة
اهتزاز
|
فما الإنصاف أن
ينضى كهام
|
|
ويودع غمده
العضب الجراز
|
كما نعم العراق
بعذب بحر
|
|
ويشقى بالظّما
البرح الحجاز
|
فأعيى الناس في
المقدار حلم
|
|
تجاذبه خمول
واعتزاز
|
وأنشد الشيخ أبو
بكر بن حبيش لابن وضاح البيت المشهور ، وهو : [البسيط]
__________________
أسرى وأسير في
الآفاق من قمر
|
|
ومن نسيم ومن
طيف ومن مثل
|
وابن حبيش المذكور
هو أبو بكر محمد بن الحسن بن يوسف بن حبيش ـ بفتح الحاء وقد عرف به تلميذه ابن
رشيد الفهري في رحلته ، فقال بعد كلام : أما النظم فبيده عنانه ، وأما النثر فإن
مال إليه توكّف له بنانه ، مع تواضع زائد ، على صلة مخبره عائد ، لقيته بمنزله
ليوم أو يومين من مقدمي على تونس ، فتلقى بكل فنّ يونس ، وصادفته بحالة مرض ، من
وثء في رجله عرض ، وعنده جملة من العواد ، من الصدور الأمجاد ، فأدنى وقرب ،
وسهّل ورحّب ، وتفاوض أولئك الصدور ، في فنون من الأدب كأنها الشذور ، إلى أن
خاضوا في الأحاجي ، واستضاءوا بأنوار أفكارهم في تلك الدّياجي ، فخضت معهم في الحديث ، وأنشدتهم بيتين كنت صنعتهما وأنا
حديث ، لقصة بلغتني عن أبي الحسن سهل بن مالك ، وهي أنه كان يسائل أصحابه وهو في
المكتب ويقول لهم : أخرجوا اسمي ، فكل ينطق على تقديره ، فيقول لهم : إنكم لم
تصيبوه مع أنه سهل ، فنظمت هذا المعنى فقلت : [الوافر]
وما اسم فكّه
سهل يسير
|
|
يكون مصغّرا نجم
يسير
|
مصحّفه له في
العين حسن
|
|
وقلبي عند صاحبه
أسير
|
وكان الشيخ أبو
بكر على فراشه ، فزحف مع ما به من ألم ، إلى محبرة وطرس وقلم ، وكتب البيتين بخطه
، وقال للحاضرين : ارووا هذين البيتين عن قائلهما.
ومن شيوخ ابن حبيش
المذكور أبو عبد الله بن عسكر المالقيّ ، كتب له ولأخيه أبي الحسين بخطه إجازة
جميع ما يجوز له ، وعنه ، وضمن آخرها هذه الأبيات : [الطويل]
أجبتكما لكن
مقرّا بأنّني
|
|
أقصر فيما رمتما
عن مداكما
|
فإنّكما بدران
في العلم أشرقا
|
|
فسلّم إذعانا
وقسرا عداكما
|
فسيروا على حكم
الوداد فإنني
|
|
أجود بنفسي أن
تكون فداكما
|
قال ابن رشيد :
وقد جمع صاحبنا أبو العباس الأشعري لابن حبيش فهرسة جامعة ،
__________________
ولما وقف عليها
ابن حبيش كتب في أوّلها ما نصه : الحمد لله حق حمده ، أحسن هذا الفاضل فيما صنع
أحسن الله إليه ، وبالغ فيما جمع بلغ الله تعالى به أشرف المراتب لديه ، غير أني
أقول واحده ، ما سريرتي لها بجاحده ، وأصرح بمقال ، لا يسعني كتمه بحال : والله ما
أنا للإجازة بأهل ، ولا مرامها لديّ بسهل ، إذ من شرط المجيز أن يعد فيمن
كمل ، ويعد العلم والعمل ، اللهم غفرا ، كيف ينيل من عدم وفرا ، أو يجيز من أصبح صدره من المعارف قفرا ،
وصحيفته من الصالحات صفرا ، وكيف يرتسم في ديوان الجلّة ، من يتّسم بالأفعال
المخلة ، ومتى يقترن الشّبه بالإبريز ، أو يوصف السكيت بالتبريز ، ومن ضعف النّهى
، مجانسة الأقمار بالسّها ، ومن أعظم التوبيخ ، تشييخ من لا يصلح للتشييخ ، وإن
هذا المجموع ليروق ويعجب ، ولكنه جمع لمن لا يستوجب ، وإن القراءة قد تحصلت ، ولكن
القواعد ما تأصلت ، وإن القارئ علم ، ولكن المقروء عليه عدم ، ولقد شكرت لهذا
السّريّ ما جلب ، وكتبت مسعفا له بما طلب ، وقرنت إلى درّه هذا المخشلب ، قلت
وحليي عطل ونطقي خطل ، مكره أخاك لا بطل ، والله سبحانه وتعالى ينفع بما أخلص
له عند الاعتقاد ، ويسمح للبهرج عند الانتقاد ، كتبه العبد المذنب محمد بن الحسن بن يوسف بن حبيش اللخمي حامدا لله تعالى
ومصليا على نبيه الكريم المصطفى وعلى آله أعلام الطهارة والهدى ومسلما تسليما.
وكتب أيضا رحمه
الله تعالى في جواب استجازة : المسؤول ، مبذول ، إن شاء الله تعالى على التنجيز ،
ولكن شروط الإجازة موجودة في المجاز معدومة في المجيز ، والله تعالى يصفح بكرمه
ومنّه ، ويشكر كل فاضل على تحسين ظنه ، وهو المسؤول سبحانه أن يحفظ بعنايته مهجاتهم ، ويرفع
بالعلم والعمل درجاتهم ، ويمتعهم بالكمال الرائق المعجب ، ويقر بالنجيبين عين
المنجب ، وكتبه ابن حبيش.
وقال الوزير
الكاتب أبو بكر بن القبطرنة بستجدي بازيا من المنصور بن الأفطس صاحب بطليوس : [الكامل]
يا أيّها الملك
الذي آباؤه
|
|
شمّ الأنوف من
الطّراز الأوّل
|
__________________
حلّيت بالنّعم
الجسام جسيمة
|
|
عنقي فحلّ يدي
كذاك بأجدل
|
وامنن به ضافي
الجناح كأنّما
|
|
جذبت قوائمه
بريح شمأل
|
متلفّتا والطّلّ
ينثر برده
|
|
منه على مثل
اليماني المخمّل
|
أغدو به عجبا
أصرّف في يدي
|
|
ريحا وآخذ مطلقا
بمكبّل
|
وأدخلت على
المعتمد يوما باكورة نرجس ، فكتب إلى ابن عمار يستدعيه : [مخلع البسيط]
قد زارنا النرجس
الذّكيّ
|
|
وآن من يومنا
العشيّ
|
وعندنا مجلس
أنيق
|
|
وقد ظمئنا وفيه
ريّ
|
ولي خليل غدا
سميّي
|
|
يا ليته ساعد
السّميّ
|
فأجابه ابن عمار :
[مخلع البسيط]
لبّيك لبّيك من
مناد
|
|
له النّدى الرحب
والنّديّ
|
ها أنا بالباب
عبد قنّ
|
|
قبلته وجهك
السّنيّ
|
شرّفه والداه
باسم
|
|
شرّفته أنت
والنّبيّ
|
واصطبح المعتمد يوم غيم مع أم الربيع ، واحتجب عن الندماء ، فكتب
إليه ابن عمار : [الطويل]
تجهّم وجه الأفق
واعتلّت النّفس
|
|
لأن لم تلح
للعين أنت ولا شمس
|
فإن كان هذا
منكما من توافق
|
|
وضمّكما أنس
فيهنيكما الأنس
|
فأجابه المعتمد
بقوله :
خليليّ قولا هل
عليّ ملامة
|
|
إذا لم أغب إلا
لتحضرني الشّمس
|
وأهدي بأكواس المدام
كواكبا
|
|
إذا أبصرتها
العين هشّت لها النّفس
|
سلام سلام أنتما
الأنس كلّه
|
|
وإن غبتما أمّ
الربيع هي الأنس
|
__________________
واستدعى جماعة من
إخوان ابن عمار منه شرابا في موضع هو فيه مفقود ، فبعث لهم به وبرمانتين وتفاحتين
، وكتب لهم مع ذلك : [الوافر]
خذاها مثل ما
استدعيتماها
|
|
عروسا لا تزفّ
إلى اللّئام
|
ودونكما بها
ثديي فتاة
|
|
أضفت إليهما
خدّي غلام
|
وشرب ذو الوزارتين
القائد أبو عيسى بن لبّون مع الوزراء والكتاب ببطحاء لورقة عند أخيه ، وابن اليسع
غائب ، فكتب إليه : [البسيط]
لو كنت تشهد يا
هذا عشيّتنا
|
|
والمزن يسكن
أحيانا وينحدر
|
والأرض مصفرّة
بالمزن طافية
|
|
أبصرت درّا عليه
التبر ينتثر
|
وقال الحجاري من
القصيدة المشهورة : [الوافر]
عليك أحالني الذكر الجميل
في وصف زيه البدوي
المستثقل وما في طيه : [الطويل]
ومثّلني بدنّ
فيه خمر
|
|
يخفّ به ومنظره
ثقيل
|
ولما انصرف عن ابن
سعيد إلى ابن هود عذله ابن سعيد على تحوله عنه ، فقال : النفس تواقة ، وما لي بغير
التغرب طاقة ، ثم قال : [الطويل]
يقولون لي ما ذا
الملال تقيم في
|
|
محلّ فعند الأنس
تذهب راحلا
|
فقلت لهم مثل
الحمام إذا شدا
|
|
على غصن أمسى
بآخر نازلا
|
وقد رأيت أن أكفر
ما تقدّم ذكره من الهزل الذي أتينا به على سبيل الإحماض بما لا بدّ منه من الحكم
والمواعظ وما يناسبها. فنقول :
قال أبو العباس بن
الخليل : [الكامل]
فهموا إشارات
الحبيب فهاموا
|
|
وأقام أمرهم
الرّشاد فقاموا
|
__________________
وتوسّموا بمدامع
منهلّة
|
|
تحت الدّياحي
والأنام نيام
|
وتلوا من الذّكر
الحكيم جوامعا
|
|
جمعت لها
الألباب والأفهام
|
يا صاح لو أبصرت
ليلهم وقد
|
|
صفت القلوب
وصفّت الأقدام
|
لرأيت نور هداية
قد حفّهم
|
|
فسرى السرور
وأشرق الإظلام
|
فهم العبيد
الخادمون مليكهم
|
|
نعم العبيد
وأفلح الخدّام
|
سلموا من الآفات
لما استسلموا
|
|
فعليهم حتى
الممات سلام
|
وقال العالم
الكبير الشهير صاحب التآليف أبو محمد عبد الحق الإشبيلي رحمه الله تعالى : [البسيط]
قالوا صف الموت
يا هذا وشدّته
|
|
فقلت وامتدّ
منّي عندها الصوت
|
يكفيكم منه أنّ
الناس إن وصفوا
|
|
أمرا يروّعهم
قالوا هو الموت
|
وقال الخطيب
الأستاذ أبو عبد الله محمد بن صالح الكناني الشاطبي نزيل بجاية : [الوافر]
جعلت كتاب ربّي
لي بضاعه
|
|
فكيف أخاف فقرا
أو إضاعه
|
وأعددت القناعة
رأس مال
|
|
وهل شيء أعز من
القناعه؟
|
وقال القاضي
الكبير الأستاذ الشهير أبو العباس أحمد بن الغماز البلنسي نزيل إفريقية : [الطويل]
هو الموت فاحذر
أن يجيئك بغتة
|
|
وأنت على سوء من
الفعل عاكف
|
وإيّاك أن تمضي
من الدّهر ساعة
|
|
ولا لحظة إلا
وقلبك واجف
|
وبادر بأعمال
تسرّك أن ترى
|
|
إذا نشرت يوم
الحساب الصّحائف
|
ولا تيأسن من
رحمة الله إنّه
|
|
لربّ العباد
بالعباد لطائف
|
وقال رحمه الله
تعالى : [المتقارب]
أما آن للنّفس
أن تخشعا
|
|
أما آن للقلب أن
يقلعا
|
__________________
أليس الثمانون
قد أقبلت
|
|
فلم تبق في لذة
مطمعا
|
تقضّى الزمان
ولا مطمع
|
|
لما قد مضى منه
أن يرجعا
|
تقضّى الزمان
فوا حسرتي
|
|
لما فات منه وما
ضيّعا
|
ويا ويلتاه لذي
شيبة
|
|
يطيع هوى النفس
فيما دعا
|
وبعدا وسحقا له
إذ غدا
|
|
يسمّع وعظا ولن
يسمعا
|
وقال الأستاذ
الزاهد أبو إسحاق الإلبيري الغرناطي رحمه الله تعالى : [الكامل]
كلّ امرئ فيما
يدين يدان
|
|
سبحان من لم يخل
منه مكان
|
يا عامر الدنيا
ليسكنها وما
|
|
هي بالتي يبقى
بها سكّان
|
تفنى وتبقى
الأرض بعدك مثل ما
|
|
يبقى المناخ
ويرحل الرّكبان
|
أأسرّ في الدنيا
بكل زيادة
|
|
وزيادتي فيها هي
النّقصان
|
وقال أيضا رحمه
الله تعالى : [المنسرح]
وذي غني أو
همّته همته
|
|
أن الغنيّ عنه
غير منفصل
|
يجرّ أذيال عجبه
بطرا
|
|
واختال للكبرياء
في الحلل
|
بزّته أيدي
الخطوب بزّته
|
|
فاعتاض بعد
الجديد بالسّمل
|
فلا تثق بالغني
فآفت
|
|
ه الفقر وصرف
الزمان ذو دول
|
كفى بنيل الكفاف
عنه غنى
|
|
فكن به فيه غير
محتفل
|
وقال رحمه الله
تعالى : [الكامل]
لا شيء أخسر
صفقة من عالم
|
|
لعبت به الدنيا
مع الجهّال
|
فغدا يفرّق دينه
أيدي سبا
|
|
ويديله حرصا
لجمع المال
|
لا خير في كسب
الحرام وقلّما
|
|
يرجى الخلاص
لكاسب لحلال
|
فخذ الكفاف ولا
تكن ذا فضلة
|
|
فالفضل تسأل عنه
أي سؤال
|
__________________
وقال رحمه الله
تعالى :
الشيب نبه ذا
النّهى فتنبها
|
|
ونهى الجهول فما
استقام ولا انتهى
|
فإلى متى ألهو
وأخدع بالمنى
|
|
والشيخ أقبح ما
يكون إذا لها
|
ما حسنه إلا
التقى لا أن يرى
|
|
صبّا بألحاظ
الجآذر والمها
|
أنى يقاتل وهو
مفلول الشّبا
|
|
كأبي الجواد إذا
استقل تأوّها
|
محق الزمان
هلاله فكأنما
|
|
أبقى له منه على
قدر السّها
|
فغدا حسيرا
يشتهي أن يشتهي
|
|
ولكم جرى طلق
الجموح كما اشتهى
|
إن أنّ أوّاه
وأجهش بالبكا
|
|
لذنوبه ضحك
الجهول وقهقها
|
ليست تنبهه
العظات ومثله
|
|
في سنه قد آن أن
يتنبّها
|
فقد اللدات وزاد
غيّا بعدهم
|
|
هلا تيقظ بعدهم
وتنبّها
|
يا ويحه ما باله
لا ينتهي
|
|
عن غيه والعمر
منه قد انتهى
|
وقال الأستاذ ولي
الله سيدي أبو عبد الله بن العريف : [الكامل]
من لم يشافه
عالما بأصوله
|
|
فيقينه في
المشكلات ظنون
|
من أنكر الأشياء
دون تيقن
|
|
وتثبّت فمعاند
مفتون
|
الكتب تذكرة لمن
هو عالم
|
|
وصوابها بمحالها
معجون
|
والفكر غوّاص
عليها مخرج
|
|
والحقّ فيها
لؤلؤ مكنون
|
وقال أبو القاسم
بن الأبرش : [الخفيف]
أيأسوني لما
تعاظم ذنبي
|
|
أتراهم هم
الغفور الرحيم
|
فذروني وما
تعاظم منه
|
|
إنما يغفر
العظيم العظيم
|
وقال أبو العباس
بن صقر الغرناطي أو المري ، وأصله من سرقسطة : [الكامل]
__________________
أرض العدوّ
بظاهر متصنّع
|
|
إن كنت مضطرا
إلى استرضائه
|
كم من فتى ألقى
بوجه باسم
|
|
وجوانحي تنقدّ
من بغضائه
|
وقال الكاتب
الشهير الشهيد أبو عبد الله محمد بن الأبار القضاعي البلنسي رحمه الله تعالى من
أبيات : [الرمل]
يا شقيق النفس
أوصيك وإن
|
|
شقّ في الإخلاص
ما تنتهجه
|
لا تبت في كمد
من كبد
|
|
ربّ ضيق عاد
رحبا مخرجه
|
وبلطف الله أصبح
واثقا
|
|
كل كرب فعليه
فرجه
|
ولابن الأبار
المذكور ترجمة طويلة استوفيت منها ما أمكنني في «أزهار الرياض ، في أخبار عياض ،
وما يناسبها مما يحصل به للنفس ارتياح وللعقل ارتياض».
قال الغبريني في «عنوان
الدراية» : لو لم يكن له من الشعر إلا قصيدته السينية التي رفعها
للأمير أبي زكريا رحمه الله تعالى يستنجده ويستصرخه لنصرة الأندلس لكان فيها كفاية
، وإن كان قد نقدها ناقد ، وطعن عليه فيها طاعن ، ولكن كما قال أبو العلاء المعري : [الطويل]
تكلّم بالقول
المضلل حاسد
|
|
وكلّ كلام
الحاسدين هواء
|
ولو لم يكن له من
التآليف إلا كتابه المسمى «بمعادن اللجين ، في مراثي الحسين» لكفاه في ارتفاع
درجته ، وعلوّ منصبه وسموّ رتبته. ثم قال : توفي بتونس ضحوة يوم الثلاثاء الموفي
عشرين لمحرم سنة ٦٥٨ ، ومولده آخر شهر ربيع سنة ٥٩٥ ببلنسية ، رحمه الله تعالى
وسامحه! ، انتهى.
وقال ابن علوان :
إنه يتصل سنده به من طرق ، منها من طريق الراوية أبي عبد الله
__________________
محمد بن جابر
القيسي الوادي آشي عن الشيخ المقري المحدث المتبحر أبي عبد الله محمد بن حيان
الأوسي الأندلسي نزيل تونس عنه ، ومن طريق والدي صاحب «عنوان الدراية» عن الخطيب أبي عبد الله بن صالح عنه
، انتهى.
قلت : وسندي إليه
عن العم عن التنسي عن أبيه عن ابن مرزوق عن جده الخطيب عن ابن جابر الوادي آشي به
كما مر.
وقال ابن عبد ربه
: [البسيط]
بادر إلى التوبة
الخلصاء مجتهدا
|
|
والموت ويحك لم
يمدد إليك يدا
|
وارقب من الله
وعدا ليس يخلفه
|
|
لا بد لله من
إنجاز ما وعدا
|
وقال الصدر أبو
العلاء بن قاسم القيسي : [البسيط]
يا واقف الباب
في رزق يؤمّله
|
|
لا تقنطنّ فإنّ
الله فاتحه
|
إن قدّر الله
رزقا أنت طالبه
|
|
لا تيأسن فإن
الله مانحه
|
وقال الأعمى التّطيلي
: [البسيط]
تنافس الناس في
الدنيا وقد علموا
|
|
أن سوف تقتلهم
لذّاتها بددا
|
قلّ للمحدّث عن
لقمان أو لبد
|
|
لم يترك الدهر
لقمانا ولا لبدا
|
وللّذي همّه
البنيان يرفعه
|
|
إن الرّدى لم
يغادر في الثّرى أحدا
|
ما لابن آدم لا
تفنى مطامعه
|
|
يرجو غدا وعسى
أن لا يعيش غدا
|
وقال أبو العباس
التطيلي : [البسيط]
والنّاس كالنّاس
إلّا أن تجرّبهم
|
|
وللبصيرة حكم
ليس للبصر
|
كالأيك مشتبهات
في منابتها
|
|
وإنّما يقع
التّفضيل في الثّمر
|
وقال القاضي أبو
العباس بن الغماز البلنسي : [الكامل]
من كان يعلم لا
محالة أنّه
|
|
لا بدّ أن يودي
وإن طال المدى
|
__________________
هلّا استعدّ
لمشهد يجزى به
|
|
من قد أعدّ من
اهتدى ومن اعتدى
|
وقال أيضا : [الطويل]
هو الموت فاحذر
أن يجيئك بغتة
|
|
وأنت على سوء من
الفعل عاكف
|
وإيّاك أن تمضي
من الدّهر ساعة
|
|
ولا لحظة إلا
وقلبك واجف
|
فبادر بأعمال
يسرّك أن ترى
|
|
إذا طويت يوم
الحساب الصّحائف
|
ولا تيأسن من
رحمة الله إنّه
|
|
لربّ العباد
بالعباد لطائف
|
ولما استوزر باديس
صاحب غرناطة اليهودي الشهير بابن نغدلة ، وأعضل داؤه المسلمين ، قال زاهد البيرة وغرناطة أبو
إسحاق الإلبيري قصيدته النونية المشهورة التي منها في إغراء صنهاجة باليهود : [المتقارب]
ألا قل لصنهاجة
أجمعين
|
|
بدور الزمان
وأسد العرين
|
مقالة ذي مقة
مشفق
|
|
صحيح النّصيحة
دنيا ودين
|
لقد زلّ سيدكم
زلّة
|
|
أقرّ بها أعين
الشّامتين
|
تخيّر كاتبه
كافرا
|
|
ولو شاء كان من
المؤمنين
|
فعزّ اليهود به
وانتموا
|
|
وسادوا وتاهوا
على المسلمين
|
وهي قصيدة طويلة ،
فثارت إذ ذاك صنهاجة على اليهود ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وفيهم الوزير المذكور
، وعادة أهل الأندلس أن الوزير هو الكاتب ، فأراح الله العباد والبلاد ، ببركة هذا الشيخ الذي نور الحق على كلامه باد.
وقال أبو الطاهر
الجياني المشهور بابن أبي ركب بفتح الراء وسكون الكاف : [مجزوء الوافر]
يقول النّاس في
مثل
|
|
تذكّر غائبا تره
|
فما لي لا أرى
سكنى
|
|
ولا أنسى تذكّره
|
وكان أبو الطاهر
هذا في جملة من الطلبة ، فمر بهم رجل معه محبرة آبنوس تأنّق في
__________________
حليتها واحتفل في
عملها ، فأراهم إياها ، وقال : أريد أن أقصد بها بعض الأكابر ، وأريد أن تتمموا
احتفالي بأن تصنعوا لي بينكم أبيات شعر أقدمها معها ، فأطرق الجماعة ، وقال أبو
الطاهر: [الكامل]
وافتك من عدد
العلا زنجيّة
|
|
في حلّة من حلية
تتبختر
|
صفراء سوداء
الحليّ كأنّها
|
|
ليل تطرزه نجوم
تزهر
|
فلم يغب الرجل
عنهم إلا يسيرا ، وإذ به قد عاد إليهم ، وفي يده قلم نحاس مذهب ، فقال لهم : وهذا [مما]
أعددته للدفع مع هذه المحبرة ، فتفضلوا بإكمال الصنيعة عندي بذكره ، فبدر. أبو
الطاهر وقال : [الكامل]
حملت بأصفر من
نجار حليها
|
|
تخفيه أحيانا
وحينا تظهر
|
خرسان إلّا حين
يرضع ثديها
|
|
فتراه ينطق ما
يشاء ويذكر
|
قال ابن الأبار في
«تحفة القادم» وحضر يوما في جماعة من أصحابه وفيهم أبو عبد الله ابن زرقون في شعبان في مكان ، فلما تملّئوا من الطعام قال أبو الطاهر لابن زرقون : أجز يا أبا عبد
الله ، وأنشد : [الطويل]
حمدت لشعبان
المبارك شبعة
|
|
تسهل عندي الجوع
في رمضان
|
كما حمد الصبّ
المتيم زورة
|
|
تحمل فيها الهجر
طول زمان
|
فقال :
دعوها بشعبانيّة
ولو انهم
|
|
دعوها بشبعانيّة
لكفاني
|
وقال أبو عبد الله
بن خميس الجزائري : [الوافر]
تحفّظ من لسانك
، ليس شيء
|
|
أحقّ بطول سجن
من لسان
|
وكن للصمت
ملتزما إذا ما
|
|
أردت سلامة في
ذا الزّمان
|
وقال أيضا : [البسيط]
__________________
كن حلس بيتك
مهما فتنة ظهرت
|
|
تخلص بدينك
وافعل دائما حسنا
|
وإن ظلمت فلا
تحقد على أحد
|
|
إن الضّغائن
فاعلم تنشىء الفتنا
|
وقال : [الوافر]
بدا لي أن خير
النّاس عيشا
|
|
من امّنه الإله
من الأنام
|
فليس لخائف عيش
لذيذ
|
|
ولو ملك العراق
مع الشآم
|
وله : [الكامل]
جانب جميع الناس
تسلم منهم
|
|
إن السلامة في
مجانبة الورى
|
وإذا رأيت من
امرئ يوما أذى
|
|
لا تجزه أبدا
بما منه ترى
|
وله : [مخلع
البسيط]
من أدّب ابنا له
صغيرا
|
|
قرّت به عينه
كبيرا
|
وأرغم الأنف من
عدوّ
|
|
يحسد نعماءه
كثيرا
|
وقال أبو محمد بن
هارون القرطبي : [الكامل]
بيد الإله مفاتح
الرّزق الذي
|
|
أبوابه مفتوحة
لم تغلق
|
عجبا لذي فقر
يكلّف مثله
|
|
في الوقت شيئا
عنده لم يخلق
|
وقال أيضا : [الطويل]
لعمرك ما
الإنسان يرزق نفسه
|
|
ولكنّما الرّبّ
الكريم يسخّره
|
وما بيد المخلوق
في الرّزق حيلة
|
|
تقدّمه عن وقته
أو تؤخّره
|
وقال الأديب
الأستاذ أبو محمد بن صارة رحمه الله تعالى : [البسيط]
يا من يصيخ إلى
داعي السّفاه وقد
|
|
نادى به
النّاعيان الشّيب والكبر
|
إن كنت لا تسمع
الذّكرى ففيم ثوى
|
|
في رأسك الواعيان
السّمع والبصر
|
ليس الأصمّ ولا
الأعمى سوى رجل
|
|
لم يهده
الهاديان العين والأثر
|
__________________
لا الدهر يبقى
ولا الدنيا ولا الفلك الأعل
|
|
ى ولا النّيّران
الشمس والقمر
|
ليرحلنّ عن
الدنيا وإن كرها
|
|
فراقها الثاويان
البدو والحضر
|
وقال رحمه الله
تعالى في ابنة ماتت له : [الوافر]
ألا يا موت كنت
بنا رؤوفا
|
|
فجدّدت الحياة
لنا بزوره
|
حماد لفعلك
المشكور لمّا
|
|
كفيت مؤنة وسترت
عوره
|
فأنكحنا الضّريح
بلا صداق
|
|
وجهزنا الفتاة
بغير شوره
|
وأنشد أبو عبد
الله بن الحاج البكري الغرناطي في بعض مجالسه قوله : [الرجز]
يا غاديا في
غفلة ورائحا
|
|
إلى متى تستحسن
القبائحا
|
وكم إلى كم لا
تخاف موقفا
|
|
يستنطق الله به
الجوارحا
|
يا عجبا منك
وكنت مبصرا
|
|
كيف تجنبت
الطريق الواضحا
|
كيف تكون حين
تقرا في غد
|
|
صحيفة قد ملئت
فضائحا
|
أم كيف ترضى أن
تكون خاسرا
|
|
يوم يفوز من
يكون رابحا
|
وممن روي عنه هذه
الأبيات الكاتب الرئيس أبو الحسن بن الجياب ، وتوفي ابن الحاج المذكور سنة ٧١٥
رحمه الله تعالى :
وقال حافظ الأندلس
ومحدثها أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي رحمه الله تعالى : [الطويل]
إلهي مضت للعمر
سبعون حجّة
|
|
ولي حركات بعدها
وسكون
|
فيا ليت شعري
أين أو كيف أو متى
|
|
يكون الذي لابدّ
أن سيكون
|
والصواب أنهما
لغيره كما ذكرته في غير هذا الموضع ، وبالجملة فهما من كلام الأندلسيين ، وإن لم
يحقق ناظمهما بالتعيين .
__________________
وقال أبو بكر يحيى
التطيلي رحمه الله تعالى : [الطويل]
إليك بسطت الكفّ
في فحمة الدّجى
|
|
نداء غريق في
الذّنوب عريق
|
رجاك ضميري كي
تخلّص جملتي
|
|
وكم من فريق
شافع لفريق
|
وحكي أن بعض
المغاربة كتب إلى الملك الكامل بن العادل بن أيوب رقعة في ورقة بيضاء ، إن قرئت في
ضوء السراج كانت فضية ، وإن قرئت في الشمس كانت ذهبية ، وإن قرئت في الظل كانت
حبرا أسود ، وفيها هذه الأبيات : [الطويل]
لئن صدّني البحر
عن موطني
|
|
وعيني بأشواقها
زاهره
|
فقد زخرف الله
لي مكة
|
|
بأنوار كعبته
الزّاهره
|
وزخرف لي بالنبي
يثربا
|
|
وبالملك الكامل
القاهره
|
فقال الملك الكامل
قل :
وطيّب لي
بالنّبي طيبة
|
|
وبالملك الكامل
القاهره
|
وأظن أن المغربي
أندلسي لقوله لئن صدني البحر عن موطني فلذلك أدخلته في أخبار الأندلسيين على غير
تحقيق في ذلك ، والله أعلم.
وأنشد أبو الوليد المعروف بابن الخليع قال : أنشدنا أبو عمر بن عبد البر
النمري الحافظ: [الطويل]
تذكّرت من يبكي
عليّ مداوما
|
|
فلم ألف إلا
العلم بالدّين والخبر
|
علوم كتاب الله
والسّنن التي
|
|
أتت عن رسول
الله مع صحة الأثر
|
وعلم الألى من
ناقديه وفهم ما
|
|
له اختلفوا في
العلم بالرّأي والنّظر
|
وأنشد له أيضا : [الطويل]
مقالة ذي نصح
وذات فوائد
|
|
إذا من ذوي
الألباب كان استماعها
|
عليكم بآثار
النّبيّ فإنّه
|
|
من افضل أعمال
الرّشاد اتّباعها
|
وقال أبو الحسن
عبد الملك بن عياش الكاتب الأزدي اليابري ، وسكن أبوه قرطبة : [الطويل]
__________________
عصيت هوى نفسي
صغيرا وعندما
|
|
رمتني الليالي
بالمشيب وبالكبر
|
أطعت الهوى عكس
القضية ليتني
|
|
خلقت كبيرا
وانتقلت إلى الصّغر
|
وقيل : إن ابنه
أبا الحسن علي بن عبد الملك قال بيتا مفردا في معنى ذلك ، وهو :
هنيئا له إذ لم
يكن كابنه الذي
|
|
أطاع الهوى في
حالتيه وما اعتبر
|
وقيل : إن هذا
البيت رابع أربعة أبيات .
وقال أبو إسحاق بن
خفاجة لما اجتمع به أبو العرب وسأله عن حاله وقد بلغ في عمره إحدى وثمانين سنة ،
فأنشده لنفسه : [الرمل]
أي عيش أو غذاء
أو سنه
|
|
لابن إحدى
وثمانين سنه
|
قلّص الشّيب به
ظلّ امرئ
|
|
طالما جرّ صباه
رسنه
|
تارة تسطو به
سيئة
|
|
تسخن العين
وأخرى حسنه
|
وقال أبو محمد عبد
الوهاب بن محمد القيسي المالقي : [السريع]
الموت حصاد بلا
منجل
|
|
يسطو على القاطن
والمنجلي
|
لا يقبل العذر
على حالة
|
|
ما كان من مشكل
او من جلي
|
وقال الشيخ عبد
الحق الإشبيلي الأزدي صاحب كتاب العاقبة والإحكام وغيرهما :
إن في الموت
والمعاد لشغلا
|
|
وادّكارا لذي
النّهى وبلاغا
|
فاغتنم خطّتين
قبل المنايا
|
|
صحّة الجسم يا
أخي والفراغا
|
وقال أبو الفضل
عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن حسان الغساني من أهل جليانة من عمل وادي آش : [الطويل]
ألا إنما الدنيا
بحار تلاطمت
|
|
فما أكثر الغرقى
على الجنبات
|
وأكثر من صاحبت
يغرق إلفه
|
|
وقلّ فتى ينجى
من الغمرات
|
__________________
وكان المذكور من
أهل العلم والأدب ، رحل وحج وتجوّل في البلاد ، ونزل القاهرة المعزية ، وكان أحد
السياحين في الأرض ، وله تآليف منها «جامع أنماط الوسائل ، في
القريض والخطب والرسائل» وأكثره نظمه ونثره ، رحمه الله تعالى!.
وقال عبد العليم
بن عبد الملك بن حبيب القضاعي الطّرطوشي : [الطويل]
وما الناس إلا
كالصّحائف عبرة
|
|
وألسنهم إلا
كمثل التّراجم
|
إذا اشتجر
الخصمان في فطنة الفتى
|
|
فمقوله في ذاك
أعدل حاكم
|
وقال أبو الحكم عبد
المحسن البلنسي : [البسيط]
من كان للدّهر
خدنا في تصرّفه
|
|
أبدت له صفحة
الدهر الأعاجيبا
|
من كان خلوا من
الآداب سربله
|
|
مرّ الليالي على
الأيام تأديبا
|
وقال أبو حاتم عمر
بن محمد بن فرج من أهل ميرتلة : مدينة بغرب الأندلس ، يمدح شهاب القضاعي : [الكامل]
شهب السّماء
ضياؤها مستور
|
|
عنا إذا أفلت
توارى النّور
|
فانزع هديت إلى
شهاب نوره
|
|
متألّق آماله
تبصير
|
تشفى جواهره
القلوب من العمى
|
|
ولطالما انشرحت
بهنّ صدور
|
فإذا أتى فيه
حديث محمّد
|
|
خذ في الصلاة
عليه يا مغرور
|
وترحّمنّ على
القضاعي الذي
|
|
وضع الشهاب
فسعيه مشكور
|
وقال الأستاذ أبو
محمد غانم بن الوليد المخزومي المالقي : [السريع]
ثلاثة يجهل
مقدارها
|
|
الأمن والصّحّة
والقوت
|
__________________
فلا تثق بالمال
من غيرها
|
|
لو أنّه درّ
وياقوت
|
وتذكرت بهذا قول
الآخر : [الهزج]
إذا ما القوت
يأتي ل
|
|
ك والصحة والأمن
|
وأصبحت أخا حزن
|
|
فلا فارقك الحزن
|
وكل ذلك أصله الحديث
النبوي «من أصبح آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، معه قوت يومه ، فكأنما سيقت له
الدنيا بحذافيرها» .
وأخبرنا شيخنا
القصار أبو عبد الله محمد بن قاسم القيسي مفتي مدينة فاس وخطيبها سنة عشر وألف ،
قال : حدثنا شيخنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل التونسي نزيل فاس الشهير بخروف
، حدثنا الإمام سيدي فرج الشريف الطحطحائي ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقول : «من
أصبح آمنا في سربه ـ الحديث».
رجع :
وقال الأستاذ
العارف بالله سيدي أبو العباس أحمد بن العريف الأندلسي دفين مراكش ، وقد زرت قبره
بها سنة ١٠١٠ : [الوافر]
إذا نزلت بساحتك
الرزايا
|
|
فلا تجزع لها
جزع الصّبيّ
|
فإنّ لكل نازلة
عزاء
|
|
بما قد كان من
فقد النبيّ
|
وقال رحمه الله
تعالى : [البسيط]
شدّوا الرحال
وقد نالوا المنى بمنّى
|
|
وكلّهم بأليم
الشوق قد باحا
|
راحت ركائبهم
تندى روائحها
|
|
طيبا بما طاب
ذاك الوفد أشباحا
|
نسيم قبر النبي
المصطفى لهم
|
|
راح إذا سكروا
من أجله فاحا
|
يا راحلين إلى
المختار من مضر
|
|
زرتم جسوما
وزرنا نحن أرواحا
|
__________________
إنا أقمنا على
شوق وعن قدر
|
|
ومن أقام على
عذر كمن راحا
|
وقال أبو محمد
المحاربي : [مجزوء الكامل]
داء الزّمان
وأهله
|
|
داء يعزّ له
العلاج
|
أطلعت في ظلمائه
|
|
رأيا كما سطع
السّراج
|
لمعاشر أعيا ثقا
|
|
في من قناتهم
اعوجاج
|
كالدر ما لم
تختبر
|
|
فإذا اختبرت فهم
زجاج
|
وقال أبو عبد الله
غريب الثقفي القرطبي : [الوافر]
تهددني بمخلوق
ضعيف
|
|
يهاب من المنية
ما أهاب
|
له أجل ولي أجل
وكل
|
|
سيبلغ حيث يبلغه
الكتاب
|
وما يدري لعل
الموت منه
|
|
قريب أينا قبل
المصاب
|
وله : [الرمل]
أيها الآمل ما
ليس له
|
|
طالما غر جهولا
أمله
|
ربما بات يمنّي
نفسه
|
|
خانه دون مناه
أجله
|
وفتى بكر في
حاجاته
|
|
عاجلا أعقب ريثا
عجله
|
قل لمن مثل في
أشعاره
|
|
يذهب المرء
ويبقى مثله
|
نافس المحسن في
إحسانه
|
|
فسيكفيك مسيئا
عمله
|
قال ابن الأبار :
وهذا البيت الأخير في برنامج الطبني.
وقال أبو الحسن
سليمان بن الطراوة النحوي المالقي : [الوافر]
وقائلة أتصبو
للغواني
|
|
وقد أضحى بمفرقك
النّهار
|
__________________
فقلت لها حثثت
على التصابي
|
|
(أحقّ الخيل بالرّكض المعار)
|
وقال الحافظ أبو
الربيع بن سالم : [الطويل]
إذا برمت نفسي
بحال أحلتها
|
|
على أمل ناء
فقرت به النّفس
|
وأنزل أرجاء
الرجاء ركائبي
|
|
إذا رام إلماما
بساحتي اليأس
|
وإن أو حشتني من
أمانيّ نبوة
|
|
فلي في الرضا
بالله والقدر الأنس
|
وقال أبو الحسن
سلام بن عبد الله بن سلام الباهلي الإشبيلي مما أنشده لنفسه في كتابه الذي سماه «بالذخائر
والأعلاق ، في أدب النفوس ومكارم الأخلاق» : [الطويل]
إذا تمّ عقل
المرء تمّت فضائله
|
|
وقامت على
الإحسان منه دلائله
|
فلا تنكر
الأبصار ما هو فاعله
|
|
ولا تنكر
الأسماع ما هو قائله
|
وكان أبو المذكور
من وزراء المعتمد بن عباد ، رحم الله تعالى الجميع!.
وقال أبو بكر
الزبيدي اللغوي : [الرمل]
اترك الهم إذا
ما طرقك
|
|
وكل الأمر إلى
من خلقك
|
وإذا أمل قوم
أحدا
|
|
فإلى ربك فامدد
عنقك
|
وقال القاضي أبو
الوليد هشام بن محمد القيسي الشّلبي المعروف بابن الطلا : فاوضت القاضي أبا محمد عبد الله بن شبرين ما يحذر من فتنة النظر إلى الوجوه الحسان ، فقلت
: [البسيط]
لا تنظرن إلى ذي
رونق أبدا
|
|
واحذر عقوبة ما
يأتي به النظر
|
فكم صريع رأيناه
صريع هوى
|
|
من نظرة قادها
يوما له القدر
|
فأجابني في المعنى
الذي انتحيته : [البسيط]
إذا نظرت فلا
تولع بتقليب
|
|
فربما نظرة عادت
بتعذيب
|
و «رب» هنا للتكثير.
__________________
وقال الأستاذ ابن
حوط الله : [الوافر]
أتدري أنّك
الخطّاء حقّا
|
|
وأنك بالذي تأتي
رهين
|
وتغتاب الألى
فعلوا وقالوا
|
|
وذاك الظن
والإفك المبين
|
قال في «الإحاطة»
أبو محمد عبد الله بن سليمان بن داود بن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي ، كان
فقيها جليلا أصوليا كاتبا أديبا شاعرا متفننا في العلوم ورعا دينا حافظا ثبتا
فاضلا ، درس كتاب سيبويه ومستصفى أبي حامد الغزالي ، وكان ـ رحمه الله تعالى! ـ مشهورا
بالعقل والفضل ، معظما عند الملوك ، معلوم القدر لديهم ، يخطب في مجالس الأمراء
والمحافل الجمهورية ، مقدما في ذلك بلاغة وفصاحة إلى أبعد مضمار ، ولي قضاء
إشبيلية وقرطبة ومرسية وسبتة وسلا وميورقة ، فتظاهر بالعدل ، وعرف بما أبطن من
الدين والفضل ، وكان من العلماء العاملين ، مجانبا لأهل البدع والأهواء ، بارع
الخط ، حسن التقييد ، وسمع الحديث ، فحصل له سماع لم يشاركه فيه أحد من أهل الغرب
، وسمع على الجهابذة كابن بشكوال وغيره ، وقرأ أكثر من ستين تأليفا بين كبار وصغار
، وكمل له على أبي محمد بن عبد الله بين قراءة وسماع نحو من ستة وثلاثين تأليفا ،
منها الصحيحان ، وأكثر عن ابن حبيش وابن الفخار والسهيلي وغيرهم ، ومولده في محرم
سنة ٥٤١ ، ومات بغرناطة سحر يوم الخميس ثاني ربيع الأول سنة ٦١٢ ،
ونقل منها في تابوته الذي ألحد فيه يوم السبت تاسع عشر شعبان من السنة المذكورة
إلى مالقة فدفن بها ، رحمه الله تعالى! انتهى ، وبعضه بالمعنى مختصرا.
وللمذكور ترجمة
واسعة جدا ، وألمعت بما ذكر على وجه التبرك بذكره ، رحمه الله تعالى ورضي عنه!.
وقال أبو المتوكل
الهيثم بن أحمد السكوني الإشبيلي : [البسيط]
يجفى الفقير
ويغشى الناس قاطبة
|
|
باب الغنى ، كذا
حكم المقادير
|
وإنما الناس
أمثال الفراش فهم
|
|
يرون حيث مصابيح
الدّنانير
|
وقال تلميذه ابن
الأبار : أنشدني بعض أصحابنا عنه هذين البيتين ، ولم أسمعهما منه ، انتهى.
__________________
قلت : وبهذا تعرف
وهم من نسب البيتين إلى عبد المهيمن الحضرمي [فإن هذا كان قبل أن يخلق والد عبد
المهيمن الحضرمي] ، وقد أنشدهما أيضا ابن الجلاب الفهري في «روح الشعر ،
وروح الشحر» .
وقال أبو محمد
القاسم بن الفتح الحجاري المعروف بابن افريولة : [الطويل]
ركابي بأرجاء
الرّجاء مناخة
|
|
ورائدها علمي
بأنك لي ربّ
|
وأنك علّام بما
أنا قائل
|
|
كما أنت علّام
بما أضمر القلب
|
لئن آدها ذنب
تولّت بعبئه
|
|
لقد قرعت بابا
به يغفر الذّنب
|
وقال أيضا : [الكامل]
عجبا لحبر قد
تيقّن أنّه
|
|
سيرى اقتراف
يديه في ميزانه
|
ثمّ امتطى ظهر
المعاصي جهرة
|
|
لم يثنه التأنيب
عن عصيانه
|
أنّى عصى ولكل
جزء نعمة
|
|
من نفسه وزمانه
ومكانه
|
وقال الشاعر
الكبير الشهير أبو بكر يحيى بن عبد الجليل بن مجبر الفهري : [البسيط]
إنّ الشّدائد قد
تغشى الكريم لأن
|
|
تبين فضل سجاياه
وتوضحه
|
كمبرد القين إذ
يعلو الحديد به
|
|
وليس يأكله إلا
ليصلحه
|
وقال : [السريع]
لا تغبط المجدب
في علمه
|
|
وإن رأيت الخصب
في حاله
|
إنّ الّذي ضيّع
من نفسه
|
|
فوق الذي ثمّر
من ماله
|
وقال أبو الحجاج
يوسف بن أحمد الأنصاري المنصفي البلنسي : [السريع]
قالت لي النّفس
أتاك الرّدى
|
|
وأنت في بحر
الخطايا مقيم
|
|
هل اتّخذت
الزّاد قلت اقصري
|
|
هل يحمل الزاد
لدار الكريم
|
وكان المنصفي
المذكور صالحا ، وله رحلة حج فيها ، ومال إلى علم التصوّف ، رحمه الله تعالى ، وله
فيه أشعار حملت عنه.
__________________
وقال أبو عبد الله
محمد بن عبد الله بن محمد بن الصائغ القرشي الأموي الأندلسي مخمسا أبيات عز الدين بن جماعة
قاضي القضاة رحمه الله تعالى : [البسيط]
همّ الأبيّ على
مقدار منصبه
|
|
وبسط راحته في طي
منصبه
|
ما أنت والدهر
تشكو من تقلّبه
|
|
يا مبتلى بقضاء
قد بليت به
|
عليك
بالصبر واحذر يا أخي جزعك
|
صبرا فللصبر في
حرب العدا عدد
|
|
ذر العدوّ يمته
الغيظ والحسد
|
ولا يكن لك إلا
الله معتمد
|
|
واعلم بأن جميع
الخلق لو قصدوا
|
أذاك
لم يقدروا والله قد رفعك
|
أعلاك في رتب غر
معظمة
|
|
بالعرف معروفة
بالعلم معلمة
|
ومن يناويك في
بهماء مظلمة
|
|
فاصرف هواك
وجانب كل مظلمة
|
واصحب
فديتك من بالنصح قد نفعك
|
قد اجتلبت من
الأيام تبصرة
|
|
وقد كفاك الهدى
والذكر تذكرة
|
فاشكر وقدم مع
الإخلاص معذرة
|
|
واسأل إلهك في
الإسحار مغفرة
|
منه
وكن معه حتى يكون معك
|
وتوفي المذكور
بالقاهرة في الطاعون العام سنة ٧٤٩.
وقال أبو عبد الله
الحميدي : [البسيط]
الناس نبت
وأرباب القلوب لهم
|
|
روض وأهل الحديث
الماء والزّهر
|
من كان قول رسول
الله حاكمه
|
|
فلا شهود له إلا
الألى ذكروا
|
وقال أيضا : [الكامل]
من لم يكن للعلم
عند فنائه
|
|
أرج فإن بقاءه
كفنائه
|
__________________
بالعلم يحيا
المرء طول حياته
|
|
فإذا انقضى
أحياه حسن ثنائه
|
وقال أيضا : [البسيط]
دين الفقيه حديث
يستضيء به
|
|
عند الحجاج وإلا
كان في الظلم
|
إن تاه ذو مذهب
في قفر مشكلة
|
|
لاح الحديث له
في الوقت كالعلم
|
ولما تعرض بعض من
لا يبالي بما ارتكب إلى أصحاب الحديث بقوله : [الطويل]
أرى الخير في
الدنيا يقل كثيره
|
|
وينقص نقصا
والحديث يزيد
|
فلو كان خيرا
كان كالخير كله
|
|
ولكنّ شيطان
الحديث مريد
|
ولابن معين في
الرجال مقالة
|
|
سيسأل عنها
والمليك شهيد
|
فإن يك حقا قوله
فهي غيبة
|
|
وإن يك زورا
فالقصاص شديد
|
أجابه الإمام أبو
عبد الله الحميدي بقصيدة طويلة ، منها : [الطويل]
وإنّي إلى إبطال
قولك قاصد
|
|
ولي من شهادات
النصوص جنود
|
إذا لم يكن خيرا
كلام نبينا
|
|
لديك فإن الخير
منك بعيد
|
وأقبح شيء أن
جعلت لما أتى
|
|
عن الله شيطانا
وذاك شديد
|
وما زلت في ذكر
الزيادة معجبا
|
|
بها تبدىء
التلبيس ثم تعيد
|
كلام رسول الله
وحي ومن يرم
|
|
زيادة شيء فهو
فيه عنيد
|
ومنها في ابن معين
: [الطويل]
وما هو إلا واحد
من جماعة
|
|
وكلهم فيما حكوه
شهود
|
فإن صد عن حكم
الشهادة جاهل
|
|
فإن كتاب الله
فيه عتيد
|
ولولا رواة
الدين ضاع وأصبحت
|
|
معالمه في
الآخرين تبيد
|
هم حفظوا الآثار
من كل شبهة
|
|
وغيرهم عما
اقتنوه رقود
|
وهم هاجروا في
جمعها وتبادروا
|
|
إلى كل أفق
والمرام كؤود
|
__________________
وقاموا بتعديل
الرواة وجرحهم
|
|
فدام صحيح النقل
وهو حديد
|
بتبليغهم صحت
شرائع ديننا
|
|
حدود تحرّوا
حفظها وعهود
|
وصح لأهل النقل
منها احتجاجهم
|
|
فلم يبق إلا
عاند وحقود
|
وحسبهم أن
الصحابة بلغوا
|
|
وعنهم رووا لا
يستطاع جحود
|
فن حاد عن هذا
اليقين فمارق
|
|
مريد لإظهار
الشكوك مريد
|
ولكن إذا جاء
الهدى ودليله
|
|
فليس لموجود
الضلال وجود
|
وإن رام أعداء
الديانة كيدها
|
|
فكيدهم
بالمخزيات مكيد
|
وقال أبو بكر محمد
بن محرز الزهري والبلنسي ، والتزم الراء في كل كلمة : [مجزوء الكامل]
اشكر لربك
وانتظر
|
|
في إثر عسر
الأمر يسرا
|
واصبر لربك
وادّخر
|
|
في ستر ضر الفقر
أجرا
|
فالدهر يعثر
بالورى
|
|
والصبر بالأحرار
أحرى
|
والوفر أظهر
معشرا
|
|
والفقر بالأخيار
يغرى
|
وقال أيضا : [الكامل]
اقنع بما أوتيته
تنل الغنى
|
|
وإذا دهتك ملمة
فتصبّر
|
واعلم بأن الرزق
مقسوم فلو
|
|
رمنا زيادة ذرّة
لم نقدر
|
والله أرحم بالعباد
فلا تسل
|
|
بشرا تعش عيش
الكرام وتؤجر
|
وإذا سخطت لضر
حالك مرة
|
|
ورأيت نفسك قد
عدت فاستبصر
|
وانظر إلى من
كان دونك تدّكر
|
|
لعظيم نعمته
عليك فتشكر
|
وقال الحافظ أبو
محمد بن حزم : أنشدني والدي أحمد بن سعيد بن حزم : [الطويل]
إذا شئت أن تحيا
غنيا فلا تكن
|
|
على حالة إلا
رضيت بدونها
|
وقال القاضي أبو
العباس أحمد بن الغماز البلنسي نزيل تونس : [الطويل]
__________________
وقالوا أما تخشى
ذنوبا أتيتها
|
|
ولم تك ذا جهل
فتعذر بالجهل
|
فقلت لهم هبني
كما قد ذكرتم
|
|
تجاوزت في قولي
وأسرفت في فعلي
|
أما في رضا مولى
الموالي وصفحه
|
|
رجاء ومسلاة
لمقترف مثلي
|
وأنشد رحمه الله
تعالى لنفسه في اليوم الذي مات فيه ، وهو آخر ما سمع منه ليلة عاشوراء سنة ٦٩٣ : [البسيط]
أدعوك يا رب
مضطرا على ثقة
|
|
بما وعدت كما
المضطر يدعوكا
|
دارك بعفوك عبدا
لم يزل أبدا
|
|
في كل حال من
الأحوال يرجوكا
|
طالت حياتي ولما
أتخذ عملا
|
|
إلا محبة أقوام
أحبوكا
|
وقال ابن الزقاق :
ويقال : إنها مكتوبة على قبره : [الطويل]
أإخواننا والموت
قد حال دوننا
|
|
وللموت حكم نافذ
في الخلائق
|
سبقتكم للموت
والعمر طيّة
|
|
وأعلم أن الكلّ
لا بدّ لاحقي
|
بعيشكم أو
باضطجاعي في الثرى
|
|
ألم نك في صفو
من العيش رائق
|
فمن مرّ بي
فليمض لي مترحّما
|
|
ولا يك منسيّا
وفاء الأصادق
|
وقال الخطيب أبو
عبد الله محمد بن صالح الكناني الشاطبي ، ومولده سنة ٦١٤ : [الطويل]
أرى العمر يفنى
والرجاء طويل
|
|
وليس إلى قرب
الحبيب سبيل
|
حباه إله الخلق
أحسن سيرة
|
|
فما الصبر عن
ذاك الجمال جميل
|
متى يشتفي قلبي
بلثم ترابه
|
|
ويسمح دهر
بالمزار بخيل
|
دللت عليه في
أوائل أسطري
|
|
فذاك بنيّ مصطفى
ورسول
|
وقال أيمن بن محمد
الغرناطي نزيل طيبة على ساكنها الصلاة والسلام : [الطويل]
أرى حجرات قد
أحاطت عراصها
|
|
ببحر محيط حصره
غير ممكن
|
__________________
بحار المعاني
والمعالي وإن طمت
|
|
لدى لجة تفنى
وعن هوله تني
|
محمد المحمود في
كل موطن
|
|
أبو القاسم
المختار من خير معدن
|
نبيّ إذا أبصرت
غرة وجهه
|
|
تيقنت أن العز
عز المهيمن
|
لك الله من بدر
إذا الشمس قابلت
|
|
محيّاه قالت إن
ذا طالع سني
|
وله : [الكامل]
كل القلوب مطيعة
لك في الهوى
|
|
جانب فديتك من
تشاء ووال
|
الحسن وال ،
والقلوب رعية
|
|
وعلى الرعية أن
تطيع الوالي
|
وقال أيضا : [الطويل]
ألا أيها الباكي
على ما يفوته
|
|
من الحظ في
الدنيا جهلت وما تدري
|
على فوت حظ من
جوار محمد
|
|
حقيق بأن تبكي
إلى آخر العمر
|
ستدري إذا قمنا
وقد رفع اللوا
|
|
وأحمدها دينا
إلى موقف الحشر
|
من الفائز
المغبوط في يوم حشره
|
|
أجار النبي
المصطفى أم أخو الوفر
|
وله : [الطويل]
فررت من الدنيا
إلى ساكن الحمى
|
|
فرار محبّ لائذ
بحبيب
|
لجأت إلى هذا
الجناب ، وإنما
|
|
لجأت إلى سامي
العماد رحيب
|
وناديت مولاي
الذي عنده الغنى
|
|
نداء عليل في
الزمان غريب
|
أمولاي إني قد
أتيتك لائذا
|
|
وأنت طبيبي يا
أجلّ طبيب
|
فقال لك البشرى
ظفرت من الرضا
|
|
بأوفر حظ مجزل
ونصيب
|
تناومت في أطلال
ليل شبيبتي
|
|
فأدركني بالفجر
صبح مشيبي
|
وقال أبو بكر
الزبيدي اللغوي : [السريع]
__________________
لو لم تكن نار
ولا جنة
|
|
للمرء إلا أنه
يقبر
|
لكان فيه واعظ
زاجر
|
|
ناه لمن يسمع أو
يبصر
|
ولقد صدق رحمه
الله تعالى ورضي عنه!.
ولبعض فقهاء
طلبيرة : [الوافر]
رأيت الانقباض
أجلّ شيء
|
|
وأدعى في الأمور
إلى السّلامه
|
فهذا الخلق
سالمهم ودعهم
|
|
فرؤيتهم تؤول
إلى النّدامه
|
ولا نعنى بشيء
غير شيء
|
|
يقود إلى خلاصك
في القيامه
|
وأمر الكاتب أبو
بكر بن مغاور بكتب هذه الأبيات على قبره ، وهي له : [الخفيف]
أيها الواقف
اعتبارا بقبري
|
|
استمع في قول
عظمي الرّميم
|
أودعوني بطن
الضريح وخافوا
|
|
من ذنوب كلومها
بأديمي
|
قلت لا تجزعوا
علي فإني
|
|
حسن الظنّ
بالرؤوف الرحيم
|
ودعوني بما
اكتسبت رهينا
|
|
غلق الرهن عند
مولى كريم
|
وقال الخطيب بن
صفوان : [الطويل]
رأيتك يدنيني
إليك تباعدي
|
|
فأبعدت نفسي
لابتغائي في القرب
|
هربت له مني
إليه فلم يكن
|
|
بي البعد في
قربي فصحّ به قربي
|
فيا رب هل نعمى
على العبد بالرضا
|
|
ينال بها فوزا
من القرب بالقرب
|
وقال الوادي آشي :
وهذا النظم معناه
جليل ، وتكرار القرب وإن قبح عند العروضي فهو عند المحب جميل ، وهم القوم يسلّم
لهم في الأفعال والأقوال ، وترتجى بركتهم في كل الأحوال ، انتهى.
وقال بعض قدماء
الأندلس : [المتقارب]
سئمت الحياة على
حبها
|
|
وحقّ لذي السقم
أن يسأما
|
__________________
فلا عيش إلا لذي
صحة
|
|
تكون له للتقى
سلّما
|
وذيله آخر منهم
فقال : [المتقارب]
ولا داء إلا لمن
لم يزل
|
|
يقارب في دينه
مأثما
|
فلست تعالج جرح
الهوى
|
|
هديت بمثل التقى
مرهما
|
وقال أبو جعفر
أحمد السياسي القيسي المري : [الطويل]
إذا ما جنى يوما
عليك جناية
|
|
ظلوم يدق السّمر
بأسا ويقصف
|
فلا تنتقم يوما
عليه بما جنى
|
|
وكل أمره للدهر
فالدهر منصف
|
وقال أيضا : [الخفيف]
ليس حلم الضعيف
حلما ، ولكن
|
|
حلم من لو يشاء
صال اقتدارا
|
من تغاضى عن
السفيه بحلم
|
|
أصبح الناس دونه
أنصارا
|
من يزوّج كريمة
الهمة العل
|
|
يا علوّا فقد
أجاد الخيارا
|
ستريه عند
الولاد بنيها العل
|
|
م والحلم
والأناة كبارا
|
وقال الخطيب
الصالح أبو إسحاق بن أبي العاصي : [الكامل]
اعمل بعلمك تؤت
علما إنما
|
|
جدوى علوم المرء
نهج الأقوم
|
وإذا الفتى قد
نال علما ثم لم
|
|
يعمل به فكأنه
لم يعلم
|
وقال موطئا على
البيت الأخير : [المتقارب]
أمولاي أنت
العفو الكريم
|
|
لبذل النوال
وللمعذره
|
علي ذنوب
وتصحيفها
|
|
ومن عندك الجود
والمغفره
|
وقال الخطيب
المتصوف الشهير أبو جعفر أحمد بن الزيات من بلش مالقة : [الوافر]
يقال خصال أهل
العلم ألف
|
|
ومن جمع الخصال
الألف سادا
|
ويجمعها الصلاح
فمن تعدّى
|
|
مذاهبه فقد جمع
الفسادا
|
__________________
وقال أيضا : [البسيط]
إن شئت فوزا
بمطلوب الكرام غدا
|
|
فاسلك من العمل
المرضيّ منهاجا
|
واغلب هوى النفس
لا يغررك خادعه
|
|
فكل شيء يحط
القدر منهاجا
|
وقال الأديب
الكبير الشهير أبو محمد عبد الله بن صارة البكري الشنتريني رحمه الله تعالى: [الوافر]
بنو الدنيا بجهل
عظّموها
|
|
فجلّت عندهم وهي
الحقيره
|
يهارش بعضهم
بعضا عليها
|
|
مهارشة الكلاب
على العقيره
|
وقال : [الخفيف]
أي عذر يكون لا
أي عذر
|
|
لابن سبعين مولع
بالصّبابه
|
وهو ماء لم تبق
منه الليالي
|
|
في إناء الحياة
إلا صبابه
|
وقال أيضا : [الوافر]
ولقد طلبت رضا
البرية جاهدا
|
|
فإذا رضاهم غاية
لا تدرك
|
وأرى القناعة
للفتى كنزا له
|
|
والبر أفضل ما
به يتمسك
|
وقال أبو محمد ابن
صاحب الصلاة الداني ، ويعرف بعبدون : [الطويل]
وعجّل شيبي أنّ
ذا الفضل مبتلى
|
|
بدهر غدا ذو
النقص فيه مؤمّلا
|
ومن نكد الدنيا
على المرء أن يرى
|
|
بها الحرّ يشقى
واللئيم مموّلا
|
متى ينعم المعتر
عينا إذا اعتفى
|
|
جوادا مقلا أو
غنيّا مبخّلا
|
وقال أبو الحكم
عبيد الله الأموي مولاهم الأندلسي : [الطويل]
__________________
إذا كان إصلاحي
لجسمي واجبا
|
|
فإصلاح نفسي لا
محالة أوجب
|
وإن كان ما يفنى
إلى النفس معجبا
|
|
فإن الذي يبقى
إلى العقل أعجب
|
وقال الفقيه
الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن مسعود الإلبيري رحمه الله تعالى : [الكامل]
أكياس جفوا
أوطانهم
|
|
فالأرض أجمعها
لهم أوطان
|
جالت عقولهم
مجال تفكر
|
|
وجلالة فبدا لها
الكتمان
|
ركبت بحار الفهم
في فلك النهى
|
|
وجرى بها
الإخلاص والإيمان
|
فرست بهم لما
انتهوا بجفونهم
|
|
مرسى لهم فيه
غنى وأمان
|
وقال أبو جعفر بن
خاتمة رحمه الله تعالى : [البسيط]
يا من يغيث
الورى من بعد ما قنطوا
|
|
ارحم عبادا أكفّ
الفقر قد بسطوا
|
عوّدتهم بسط
أرزاق بلا سبب
|
|
سوى جميل رجاء
نحوه انبسطوا
|
وعدت بالفضل في
ورد وفي صدر
|
|
بالجود إن
أقسطوا والحلم إن قسطوا
|
عوارف ارتبطت شم
الأنوف لها
|
|
وكل صعب بقيد
الجود يرتبط
|
يا من تعرّف
بالمعروف فاعترفت
|
|
بجم إنعامه
الأطراف والوسط
|
وعالما بخفيّات
الأمور فلا
|
|
وهم يجوز عليه
لا ولا غلط
|
عبد فقير بباب
الجود منكسر
|
|
من شأنه أن
يوافي حين ينضغط
|
مهما أتى ليمدّ
الكف أخجله
|
|
قبائح وخطايا
أمرها فرط
|
يا واسعا ضاق
خطو الخلق عن نعم
|
|
منه إذا خطبوا
في شكرها خبطوا
|
وناشرا بيد
الإجمال رحمته
|
|
فليس يلحق منه
مسرفا قنط
|
ارحم عبادا بضنك
العيش قد قنعوا
|
|
فأينما سقطوا
بين الورى لقطوا
|
إذا توزعت
الدنيا فما لهم
|
|
غير الدجنّة لحف
والثّرى بسط
|
لكنهم من ذرا
علياك في نمط
|
|
سام رفيع الذرا
ما فوقه نمط
|
__________________
ومن يكن بالذي
يهواه مجتمعا
|
|
فما يبالي أقام
الحي أم شحطوا
|
نحن العبيد وأنت
الملك ليس سوى
|
|
وكل شيء يرجّى
بعد ذا شطط
|
وقال رحمه الله
تعالى : [الوافر]
ملاك الأمر تقوى
الله فاجعل
|
|
تقاه عدّة لصلاح
أمرك
|
وبادر نحو طاعته
بعزم
|
|
فما تدري متى
يمضي بعمرك
|
وقال أيضا : [المتقارب]
إذا كنت تعلم أن
الأمور
|
|
بحكم الإله كما
قد قضى
|
ففيم التّفكر
والحكم ماض
|
|
ولا رد للحكم
مهما مضى
|
فخلّ الوجود كما
شاءه
|
|
مدبّره وابغ منه
الرّضا
|
وقال : [الوافر]
إذا ما الدّهر
نابك منه خطب
|
|
وشدّ عليك من
حنق عقاله
|
فكل لله أمرك لا
تفكّر
|
|
ففكرك فيه خبط
في حباله
|
وقال : [الوافر]
عدوّك داره ما
اسطعت حتّى
|
|
يعود لديك
كالخلّ الشّفيق
|
فما في الأرض
أردى من عدوّ
|
|
وما في الأرض
أجدى من صديق
|
وقال : [الكامل]
إن أعرضت دنياك
عنك بوجهها
|
|
وغدت ومنها في
رضاك نزاع
|
فاحذر بنيها
واحتفظ من شرّهم
|
|
إن البنين لأمهم
أتباع
|
وقال : [الخفيف]
يا مجيب المضطر
عند الدّعاء
|
|
منك دائي وفي
يديك دوائي
|
جذبتني الدنيا
إليها بضبعي
|
|
ودعتني لمحنتي
وشقائي
|
يا إلهي وأنت
تعلم حالي
|
|
لا تذرني شماتة
الأعداء
|
__________________
وقال الحافظ
الكبير الشهير أبو عبد الله الحميدي صاحب «الجمع بين الصحيحين» رحمه الله تعالى : [الوافر]
كتاب الله عز وجلّ
قولي
|
|
وما صحت به
الآثار ديني
|
وما اتفق الجميع
عليه بدأ
|
|
وعودا فهو عن حق
مبين
|
فدع ما صدّ عن
هذي وخذها
|
|
تكن منها على
عين اليقين
|
وقال : [الوافر]
طريق الزهد أفضل
ما طريق
|
|
وتقوى الله
بادية الحقوق
|
فثق بالله يكفك
، واستعنه
|
|
يعنك ، وذر
بنيّات الطّريق
|
وقال أبو بكر مالك
بن جبير رحمه الله تعالى : [الوافر]
رحلت وإنني من
غير زاد
|
|
وما قدّمت شيئا
للمعاد
|
ولكني وثقت بجود
ربي
|
|
وهل يشقى المقل
مع الجواد
|
وتوفي المذكور
بأريولة ـ أعادها الله تعالى إلى الإسلام! ـ سنة ٥٦١.
وقال ابن جبير
اليحصبي وهو الكاتب أبو عبد الله محمد : [الخفيف]
كلما رمت أن
أقدم خيرا
|
|
لمعادي ورمت أني
أتوب
|
صرفتني بواعث
النفس قسرا
|
|
فتقاعست والذنوب
ذنوب
|
ربّ قلّب قلبي
لعزمة خير
|
|
لمتاب ففي يديك
القلوب
|
ولتعلم أن كلام
أهل الأندلس بحر لا ساحل له ، ويرحم الله تعالى لسان الدين بن الخطيب حيث قال في
صدر الإحاطة : وهذا الغرض الذي وضعنا له هذا التأليف يطلبنا فيه ما
__________________
قصدنا به من
المباهاة والافتخار بالإكثار ، واستيعاب النّظام والنّثار ، ويحملنا فيه خوف
السآمة على الاختصار والاقتصار ، وكفى بهذا جلاء في الأعذار ، والله تعالى مقيل
العثار ، وساتر العيب المثار ، بفضله ، انتهى.
ولنختم هذا الباب
بقول أبي زكريا يحيى بن سعد بن مسعود القلني : [مجزوء الرمل]
عفوك اللهم عنّا
|
|
خير شيء نتمنّى
|
رب إنا قد جهلنا
|
|
في الذي قد كان
منا
|
وخطينا وخطلنا
|
|
ولهونا ومجنّا
|
إن نكن ربّ
أسأنا
|
|
ما أسأنا يك
ظنّا
|
وذيلته بقولي :
فأنلنا الختم بالحسنى وإنعاما ومنّا
__________________
الباب الثامن
ذكر تغلب العدو النصراني على الأندلس
في ذكر تغلّب
العدو الكافر ، على الجزيرة بعد صرفه وجوه الكيد إليها ، وتضريبه بين ملوكها ورؤسائها بمكره ، واستعماله في أمرها حيل فكره
، حتى استولى ـ دمّره الله تعالى! ـ عليها ، ومحاملها التوحيد واسمه ، وكتب على مشاهدها ومعاهدها وسمه ، وقرر مذهب التثليث ، والرأي الخبيث ، لديها ، واستغاث أهلها استغاثة ملهوف بالنظم والنثر ، أهل ذلك العصر ، من سائر الأقطار ، حتى
تعذرت بحصارها ، مع قلة حماتها وأنصارها ، المآرب والأوطار ، وجاءها الأعداء من
خلفها ومن بين يديها ، أعاد الله تعالى إليها كلمة الإسلام ، وأقام فيها شريعة سيد
الأنام ، عليه أفضل الصلاة والسلام! ورفع يد الكفر عنها وعما حواليها! آمين ، يا
معين
قال غير واحد من
المؤرخين : أول من جمع فلّ النصارى بالأندلس ـ بعد غلبة العرب لهم ـ علج يقال له
بلاي ، من أهل اشتوريش من [أهل] جليقية ، كان رهينة عن طاعة أهل بلده ، فهرب من قرطبة أيام
الحر بن عبد الرحمن الثقفي الثاني من أمراء العرب بالأندلس ، وذلك في السنة
السادسة من افتتاحها ، وهي سنة ثمان وتسعين من الهجرة ، وثار النصارى معه على نائب
الحر بن عبد الرحمن ، فطردوه ، وملكوا البلاد ، وبقي الملك فيهم إلى الآن وكان
عدّة من ملك منهم إلى آخر أيام الناصر لدين الله اثنين وعشرين ملكا ، انتهى.
__________________
وقال عيسى بن أحمد
الرازي : في أيام عنبسة بن سحيم الكلبي قام بأرض جليقية علج خبيث يقال له بلاي من وقعة أخذ النصارى بالأندلس ، وجدّ
الفرنج في مدافعة المسلمين عما بقي بأيديهم ، وقد كانوا لا يطمعون في ذلك ، ولقد
استولى المسلمون بالأندلس على النصرانية ، وأجلوهم ، وافتتحوا بلادهم ، حتى بلغوا
أريولة من أرض الفرنجة ، وافتتحوا بلبلونة من جليقية ، ولم يبق إلا الصخرة فإنه لاذ بها ملك يقال له بلاي ، فدخلها في ثلاثمائة رجل ، ولم يزل
المسلمون يقاتلونه حتى مات أصحابه جوعا ، وبقي في ثلاثين رجلا وعشر نسوة ، ولا
طعام لهم إلا العسل يشتارونه من خروق بالصخرة فيتقوتون به ، حتى أعيا المسلمين أمرهم ،
واحتقروا بهم ، وقالوا : ثلاثون علجا ما عسى أن يجيء منهم؟ فبلغ أمرهم بعد ذلك من
القوة والكثرة ما لا خفاء به.
وفي سنة ١٣٣ أهلك الله تعالى بلاي المذكور ، وملك ابنه فافله بعده ،
وكان ملك بلاي تسع عشرة سنة ، وابنه سنتين.
فملك بعدهما
أذفونش بن بيطر جد بني أذفونش هؤلاء الذين اتصل ملكهم إلى اليوم ، فأخذوا ما كان
المسلمون أخذوه من بلادهم ، انتهى باختصار.
وقال المسعودي بعد
ذكره غزوة سمورة أيام الناصر ، ما صورته : وأخذ ما كان بأيدي المسلمين من ثغور الأندلس مما يلي
الفرنجة ، ومدينة أربونة خرجت عن أيدي المسلمين سنة ٣٣٠ مع غيرها مما كان بأيديهم من المدن والحصون ، وبقي ثغر
المسلمين في هذا الوقت وهو سنة ٣٣٦ من شرق الأندلس طرطوشة ، وعلى سائر بحر الروم
مما يلي طرطوشة آخذا في الشمال إفراغه على نهر عظيم ثم لا ردة. انتهى.
ومن أول ما استرد
الإفرنج من مدن الأندلس العظيمة مدينة طليطلة من يد ابن ذي النون سنة ٤٧٥ ، وفي
ذلك يقول عبد الله بن فرج اليحصبي المشهور بابن العسال . [البسيط]
__________________
يا أهل أندلس
حثّوا مطيكم
|
|
فما المقام بها
إلا من الغلط
|
الثوب ينسل من
أطرافه وأرى
|
|
ثوب الجزيرة
منسولا من الوسط
|
|
ونحن بين عدوّ
لا يفارقنا
|
|
كيف الحياة مع
الحيّات في سفط
|
ويروى صدر البيت
الثالث هكذا : [البسيط]
من جاور الشّرّ
لا يأمن بوائقه
|
|
كيف الحياة مع
الحيات في سفط
|
وتروى الأبيات
هكذا :
حثوا رواحلكم يا
أهل أندلس
|
|
فما المقام بها
إلا من الغلط
|
السلك ينثر من
أطرافه ، وأرى
|
|
سلك الجزيرة
منثورا من الوسط
|
من جاور الشر لا
يأمن عواقبه
|
|
كيف الحياة مع
الحيّات في سفط
|
وقال آخر : [البسيط]
يا أهل أندلس
ردّوا المعار فما
|
|
في العرف عارية
إلّا مردات
|
ألم تروا بيدق
الكفار فرزنه
|
|
وشاهنا آخر
الأبيات شهمات
|
وقال بعض المؤرخين
: أخذ الأذفونش طليطلة من صاحبها القادر بالله بن المأمون يحيى بن ذي
النون بعد أن حاصرها سبع سنين ، وكان أخذه لها في منتصف محرم سنة ٤٧٨ ، انتهى.
وفيه بعض مخالفة
لما قبله في وقت أخذها ، وسيأتي قريبا بعض ما يؤيده.
قال : وهي مدينة
حصينة ، قديمة أزلية ، من بناء العمالقة ، على ضفة النهر الكبير ، ولها قصبة حصينة
في غاية المنعة ، ولها قنطرة واحدة عجيبة البنيان على قوس واحد ، والماء يدخل تحته
بعنف وشدة جري ، ومع آخر النهر ناعورة ارتفاعها في الجو تسعون ذراعا ، وهي تصعد
الماء إلى أعلى القنطرة ، ويجري الماء على ظهرها فيدخل المدينة ، وطليطلة هذه دار
مملكة الروم ، وبها كان البيت المغلق الذي كانوا يتحامون فتحه حتى فتحه لذريق فوجد
فيه صورة العرب ، انتهى.
__________________
وقد تقدم شيء من
هذا فيما مر من هذا الكتاب.
وقد حكى ابن بدرون
في شرح العبدونية أن المأمون يحيى بن ذي النون صاحب طليطلة بنى بها قصرا تأنق
في بنائه ، وأنفق فيه مالا كثيرا ، وصنع فيه بحيرة ، وبنى في وسطها قبة ، وسيق
الماء إلى رأس القبة على تدبير أحكمه المهندسون ، فكان الماء ينزل من أعلى القبة
حواليها محيطا بها متصلا بعضه ببعض ، فكانت القبة في غلالة من ماء سكب لا يفتر ، والمأمون بن ذي النون قاعد فيها لا يمسه من
الماء شيء ، ولو شاء أن يوقد فيها الشمع لفعل ، فبينما هو فيها إذ سمع منشدا ينشد
: [الطويل]
أتبني بناء
الخالدين ، وإنما
|
|
بقاؤك فيها ، لو
علمت ، قليل
|
لقد كان في ظل
الأراك كفاية
|
|
لمن كلّ يوم
يعتريه رحيل
|
فلم يلبث بعد هذا
إلا يسيرا حتى قضى نحبه ، انتهى.
وقال ابن خلكان إن طليطلة أخذت يوم الثلاثاء مستهل صفر سنة ٤٧٨ بعد حصار
شديد ، انتهى.
وقال ابن علقمة :
إن طليطلة أخذت يوم الأربعاء لعشر خلون من المحرم سنة ٤٧٨ ، وكانت وقعة الزلّاقة
في السنة بعدها ، انتهى.
وقد رأيت أن أذكر هنا وقعة الزلاقة التي نشأت عن أخذ طليطلة وما
يتبع ذلك من كلام صاحب «الروض المعطار» وغيره فنقول : إنه لما ملك يوسف بن تاشفين اللمتوني المغرب
، وبنى مدينتي مراكش وتلمسان الجديدة ، وأطاعته البربر مع شكيمتها الشديدة ،
وتمهدت له الأقطار الطويلة المديدة ، تاقت نفسه إلى العبور لجزيرة الأندلس ، فهمّ
بذلك ، وأخذ في إنشاء المراكب والسفن ليعبر فيها ، فلما علم بذلك ملوك الأندلس
كرهوا إلمامه بجزيرتهم ، وأعدوا له العدّة والعدد ، وصعبت عليهم مدافعته ، وكرهوا
أن يكونوا بين عدوّين الفرنج عن شمالهم والمسلمين عن جنوبهم ، وكانت الفرنج تشتد وطأتها عليهم ، وتغير
__________________
وتنهب ، وربما يقع
بينهم صلح على شيء معلوم كل سنة يأخذونه من المسلمين ، والفرنج ترهب ملك المغرب
يوسف بن تاشفين ، إذ كان له اسم كبير وصيت عظيم ، لنفاذ أمره وسرعة تملكه بلاد
المغرب ، وانتقال الأمر إليه في أسرع وقت ، مع ما ظهر لأبطال الملثّمين ومشايخ
صنهاجة في المعارك من ضربات السيوف التي تقدّ الفارس ، والطعنات التي تنظم الكلى ،
فكان له بسبب ذلك ناموس ورعب في قلوب المنتدبين لقتاله ، وكان ملوك الأندلس يفيؤون
إلى ظله ، ويحذرونه خوفا على ملكهم ، مهما عبر إليهم وعاين بلادهم ، فلما رأوا ما
دلهم على عبوره إليهم وعلموا ذلك ، راسل بعضهم بعضا يستنجدون آراءهم في أمره ،
وكان مفزعهم في ذلك إلى المعتمد ابن عباد ، لأنه أشجع القوم ، وأكبر هم
مملكة ، فوقع اتفاقهم على مكاتبته لما تحققوا أنه يقصدهم يسألونه الإعراض عنهم ،
وأنهم تحت طاعته ، فكتب عنهم كاتب من أهل الأندلس كتابا ، وهو : أما بعد فإنك إن
أعرضت عنا نسبت إلى كرم ، ولم تنسب إلى عجز ، وإن أجبنا داعيك نسبنا إلى عقل ، ولم
ننسب إلى وهن ، وقد اخترنا لأنفسنا أجمل نسبتينا ، فاختر لنفسك أكرم
نسبتيك ، فإنك بالمحل الذي لا يجب أن تسبق فيه إلى مكرمة ، وإن في استبقائك ذوي
البيوت ما شئت من دوام لأمرك وثبوت ، والسلام ، فلما وصله الكتاب مع تحف وهدايا ،
وكان يوسف بن تاشفين لا يعرف باللسان العربي ، لكنه ذكي الطبع ، يجيد فهم المقاصد
وكان له كاتب يعرف اللغتين العربية والمرابطية ، فقال له : أيها الملك ، هذا
الكتاب من ملوك الأندلس يعظمونك فيه ، ويعرفونك أنهم أهل دعوتك ، وتحت طاعتك ،
ويلتمسون منك أن لا تجعلهم في منزلة الأعادي ، فإنهم مسلمون وذوو بيوتات ، فلا
تغير بهم ، وكفى بهم من وراءهم من الأعادي الكفار ، وبلدهم ضيق لا يحتمل العساكر ،
فأعرض عنهم إعراضك عمن أطاعك من أهل المغرب ، فقال يوسف بن تاشفين لكاتبه : فما ترى أنت؟ فقال : أيها
الملك أعلم أن تاج الملك وبهجته شاهده الذي لا يرد ، فإنه خلق بما حصل في يده من
الملك والمال أن يعفو إذا استعفى ، وأن يهب إذا استوهب ، وكلما وهب جليلا جزيلا كان لقدره
أعظم ، فإذا عظم قدره تأصل ملكه ، وإذا تأصل ملكه تشرف الناس بطاعته ، وإذا كانت
طاعته شرفا جاءه الناس ، ولم يتجشم المشقة إليهم ، وكان وارث الملك من غير
__________________
إهلاك لآخرته ،
وأعلم أن بعض الملوك الحكماء الأكابر البصراء بطريق تحصيل الملك قال : من جاد ساد
، ومن ساد قاد ، ومن قاد ملك البلاد ، فلما ألقى الكاتب هذا الكلام على السلطان
يوسف بلغته فهمه وعلم صحته ، فقال للكاتب : أجب القوم ، واكتب بما يجب في ذلك ،
واقرأ على كتابك ، فكتب الكاتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، من يوسف بن تاشفين ،
سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، تحية من سالمكم وسلّم عليكم ، وإنكم مما في
أيديكم من الملك في أوسع إباحة ، مخصوصين منا بأكرم إيثار وسماحة ، فاستديموا
وفاءنا بوفائكم ، واستصلحوا إخاءنا بإصلاح إخائكم ، والله ولي التوفيق لنا ولكم ،
والسلام ، فلما فرغ من كتابه قرأه على يوسف بن تاشفين بلسانه ، فاستحسنه ، وقرن به ما يصلح لهم من التحف ودرق اللّمط التي لا توجد
إلا ببلاده ، وأنفذ ذلك إليهم ، فلما وصلهم ذلك وقرؤوا كتابه فرحوا به ، وعظموه ،
وسرّوا بولايته ، وتقوّت نفوسهم على دفع الفرنج عنهم ، وأزمعوا إن رأوا من الفرنج
ما يريبهم أنهم يرسلون إلى يوسف بن تاشفين ليعبر إليهم ، أو يمدّهم بإعانة منه.
وكان ملك الإفرنج
الأذفونش لما وقعت الفتنة بالأندلس وثار الخلاف ، وكان كل من حاز بلدا وتقوّى فيه
ملكه وادعى الملك وصاروا مثل ملوك الطوائف ، فطمع فيهم الأذفونش بسبب ذلك ، وأخذ
كثيرا من ثغورهم ، فقوي شأنه ، وعظم سلطانه ، وكثرت عساكره ، وأخذ طليطلة من
صاحبها القادر بالله بن المأمون يحيى بن ذي النون بعد أن حاصرها سبع سنين ، وكان
أخذه لها في منتصف محرم سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ، فزاد لعنه الله تعالى بملكه
طليطلة قوّة إلى قوّته ، وأخذ يجوس خلال الديار ، ويستفتح المعاقل والحصون.
قال ابن الأثير في
«الكامل » : وكان المعتمد بن عباد أعظم ملوك الأندلس ، ومتملك أكثر بلادها ، مثل قرطبة وإشبيلية ، وكان ـ مع ذلك ـ يؤدي
الضريبة إلى الأذفونش كل سنة ، فلما تملك الأذفونش طليطلة أرسل إليه المعتمد
الضريبة المعتادة ، فلم يقبلها منه ، وأرسل إليه يهدّده ويتوعده بالمسير إلى قرطبة
ليفتحها ، إلا أن يسلم إليه جميع الحصون المنيعة ، ويبقي السهل للمسلمين ، وكان الرسول في جمع كثير نحو
خمسمائة فارس ، فأنزله المعتمد ، وفرق
__________________
أصحابه على قواد
عسكره ، ثم أمر قواده أن يقتل كل منهم من عنده من الكفرة ، وأحضر الرسول وصفعه حتى
خرجت عيناه ، وسلم من الجماعة ثلاثة نفر ، فعادوا إلى الأذفونش وأخبروه الخبر ،
وكان متوجها إلى قرطبة ليحاصرها ، فرجع إلى طليطلة ليجمع آلات الحصار ، ويكثر العدد
والعدّة ، انتهى.
وقال الفقيه أبو
عبد الله عبد الله بن عبد المنعم الحميري في كتابه «الروض المعطار ، في ذكر
المدن والأقطار» إنه لما اشتغل المعتمد بغزو ابن صمادح صاحب المريّة حين تأخر الوقت الذي كان يدفع فيه الضريبة للأذفونش وأرسلها إليه
بعد ذلك استشاط الطاغية غضبا ، وتشطط ، وطلب بعض الحصون زيادة على الضريبة ، وأمعن
في التّجنّي ، وسأل في دخول امرأته القمجيطة إلى جامع قرطبة لتلد فيه ، إذ كانت حاملا ، لما أشار عليه
بذلك القسيسون والأساقفة لمكان كنيسة كانت في الجانب الغربي منه معظمة عندهم عمل
عليها المسلمون الجامع الأعظم ، وسأل أن تنزل امرأته المذكورة بالمدينة الزهراء
غربي مدينة قرطبة ، وهي التي أنشأ بناءها الناصر لدين الله ، وأمعن في بنائها ،
وأغرب في حسنها ، وجلب إليها الرخام الملون والمرمر الصافي والحوض المشهور من
البلاد والأقطار ، وكان يثيب على السارية بكذا وكذا غير الثمن وأجرة الحمل ، وأنفق
فيها الأموال العظيمة ، واشتغل بها ، وكان يباشر الصناع بنفسه ، حتى تخلف عن حضور
الجمعة ثلاث مرات متواليات ، وحضر في الرابعة ، وكان الخطيب يومئذ الفقيه الزاهد
منذر بن سعيد البلّوطي ، فعرض به في الخطبة ، ووبخه على رؤوس الملأ ، وقصته في ذلك
مشهورة ، وبناء الزاهر أيضا من أعظم مباني الإسلام ، فمن أراد الوقوف على ذلك فعليه بتاريخ ابن
حيان.
ولنرجع إلى
الأذفونش فإن الأطباء والقسوس لما أشاروا أن تكون المرأة المذكورة ساكنة بالزهراء ،
وتتردد إلى الجامع المذكور حتى تكون ولادتها بين طيب نسيم الزهراء وفضيلة موضع
الكنيسة من الجامع المذكور ، وكان السفير في ذلك يهوديا كان وزير الأذفونش ،
فامتنع ابن عبّاد من ذلك ، فراجعه ، فأباه وأيأسه من ذلك ، فراجعه اليهودي في ذلك
، وأغلظ له في
__________________
القول ، وواجهه
بما لم يحتمله ابن عباد ، فأخذ ابن عباد محبرة كانت بين يديه وضرب بها رأس اليهودي
، فأنزل دماغه في حلقه ، وأمر به فصلب منكوسا بقرطبة ، واستفتى لما سكن غضبه
الفقهاء عن حكم ما فعله باليهودي ، فبادره الفقيه محمد بن الطلاع بالرخصة في ذلك
لتعدي الرسول حدود الرسالة إلى ما استوجب به القتل ، إذ ليس له ذلك ، وقال للفقهاء
: إنما بادرت بالفتوى خوفا أن يكسل الرجل عما عزم عليه من منابذة العدوّ ، وعسى
الله أن يجعل في عزيمته للمسلمين فرجا ، وبلغ الأذفونش ما صنعه ابن عباد ، فأقسم
بآلهته ليغزونه بإشبيلية ، وليحاصرنه في قصره ، فجرد جيشين جعل على أحدهما كلبا من مساعير كلابه
وأمره أن يسير على كورة باجة من غرب الأندلس ويغير على تلك التخوم والجهات ، ثم
يمر على لبلة إلى إشبيلية ، وجعل موعده أمام طريانة للاجتماع معه ، ثم زحف الأذفونش بنفسه في جيش آخر
عرمرم ، فسلك طريقا غير الطريق التي سلكها الآخر ، وكلاهما عاث في البلاد وخرّب
ودمر ، حتى اجتمعا لموعدهما بضفة النهر الأعظم قبالة قصر ابن عباد ، وفي أيام
مقامه هنالك كتب إلى ابن عباد زاريا عليه : كثر بطول مقامي في مجلسي الذباب ، واشتد على الحر ، فأتحفني من قصرك بمروحة أروّح بها على
نفسي ، وأطرد بها الذباب عن وجهي ، فوقع له ابن عباد بخط يده في ظهر الرقعة : قرأت
كتابك ، وفهمت خيلاءك وإعجابك ، وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية تروّح منك
لا تروح عليك ، إن شاء الله تعالى ، فلما وصلت الأذفونش رسالة ابن عباد ، وقرئت
عليه ، وعلم مقتضاها ، طرق إطراق من لم يخطر له ذلك ببال ، وفشا في الأندلس توقيع
ابن عباد ، وما أظهر من العزيمة على جواز يوسف بن تاشفين ، والاستظهار به على
العدو ، فاستبشر الناس ، وفرحوا بذلك ، وفتحت لهم أبواب الآمال ، وأما ملوك طوائف
الأندلس فلما تحققوا عزم ابن عباد وانفراده برأيه في ذلك ، اهتموا منه ، ومنهم من
كاتبه ، ومنهم من كلمه مواجهة ، وحذّروه عاقبة ذلك ، وقالوا له : الملك عقيم ،
والسيفان لا يجتمعان في غمد واحد ، فأجابهم ابن عباد بكلمته السائرة مثلا : رعي
الجمال خير من رعي الخنازير ، ومعناه أن كونه مأكولا ليوسف بن تاشفين أسيرا يرعى
جماله في الصحراء خير من كونه ممزقا للأذفونش أسيرا له يرعى خنازيره في قشتالة ،
وقال لعذاله ولوّامه : يا قوم إني من أمري على حالين : حالة يقين ، وحالة شك ،
ولابد لي من إحداهما ، أما حالة الشك فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى
الأذفونش ففي الممكن أن يفي له ويبقى على وفائه ، ويمكن أن
__________________
لا يفعل ، فهذه
حالة الشك ، وأما حالة اليقين فإني إن استندت إلى ابن تاشفين فإني
أرضي الله ، وإن استندت إلى الأذفونش أسخطت الله تعالى ، فإذا كانت
حالة الشك فيها عارضة ، فلأي شيء أدع ما يرضي الله وآتي ما يسخطه؟ فحينئذ قصّر
أصحابه عن لومه.
ولما عزم أمر صاحب
بطليوس المتوكل عمر بن محمد وعبد الله بن حبّوس الصنهاجي صاحب غرناطة أن يبعث إليه
كل منهما قاضي حضرته ، ففعلا ، واستحضر قاضي الجماعة بقرطبة أبا بكر عبيد الله بن
أدهم ، وكان أعقل أهل زمانه ، فلما اجتمع عنده القضاة بإشبيلية أضاف إليهم وزيره
أبا بكر بن زيدون ، وعرفهم أربعتهم أنهم رسله إلى يوسف بن تاشفين ، وأسنه إلى
القضاة ما يليق بهم من وعظ يوسف بن تاشفين وترغيبه في الجهاد ، وأسند إلى وزيره ما
لابد منه في تلك السّفارة من إبرام العقود السلطانية ، وكان يوسف بن تاشفين لا
تزال تفد عليه وفود ثغور الأندلس مستعطفين ، مجهشين بالبكاء ، ناشدين بالله والإسلام ، مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء
دولته ، فيسمع إليهم ، ويصغي لقولهم ، وترقّ نفسه لهم.
فما عبرت رسل ابن
عباد البحر إلا ورسل يوسف بالمرصاد ، ولما انتهت الرسل إلى ابن تاشفين أقبل عليهم
، وأكرم مثواهم ، واتصل ذلك بابن عباد ، فوجه من إشبيلية أسطولا نحو صاحب
سبتة ، فانتظمت في سلك يوسف ، ثم جرت بينه وبين الرسل مراوضات ، ثم انصرفت إلى
مرسلها ، ثم عبر يوسف البحر عبورا سهلا ، حتى أتى الجزيرة الخضراء ، ففتحوا له ،
وخرج إليه أهلها بما عندهم من الأقوات والضيافات ، وأقاموا له سوقا جلبوا إليه ما
عندهم من سائر المرافق ، وأذنوا للغزاة في دخول البلد والتصرف فيها ، فامتلأت
المساجد والرحبات بالمطّوّعين ، وتواصوا بهم خيرا ، هذا مساق صاحب «الروض المعطار».
وأما ابن الأثير
فإنه لما ذكر وقعة الزلّاقة ذكر ما تقدم من فعل المعتمد بالأرسال وقتلهم ، وتخوف أكابر الأندلس من الأذفونش ، وأنه اجتمع منهم
رؤساء ، وساروا إلى القاضي عبد الله بن محمد ، وقالوا : ألا تنظر [إلى] ما فيه المسلمون من الصّغار
والذلة وإعطائهم الجزية ، بعد أن كانوا يأخذونها ، وقالوا : قد غلب على البلاد
الفرنج ، ولم يبق إلا القليل ، وإن دام هذا الأمر عادت نصرانية كما كانت أولا ، وقد رأينا رأيا
نعرضه عليك ،
__________________
قال : وما هو؟
قالوا : نكتب إلى عرب إفريقية ، ونبذل لهم إذا وصلوا إلينا شطر أموالنا ، ونخر
معهم مجاهدين في سبيل الله ، فقال لهم : إنا نخشى إن وصلوا إلينا أن يخربوا بلادنا
كما فعلوا بإفريقية ، ويتركوا الإفرنج ويبدؤوا بنا ، والمرابطون أصلح منهم ، وأقرب
إلينا ، فقالوا له : فكاتب أمير المسلمين ، واسأله العبور إلينا أو إعانتنا بما
تيسر من الجند ، فبينما هم في ذلك يتراوضون إذ قدم عليهم المعتمد بن عباد قرطبة ،
فعرض عليه القاضي ابن أدهم ما كانوا فيه ، فقال له المعتمد ابن عباد : أنت رسولي
إليه في ذلك ، فامتنع ، وإنما أراد أن يبرئ نفسه من ذلك ، فألح عليه المعتمد ،
فسار إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، فوجده بسبتة ، وأبلغه الرسالة ، وأعلمه
بما فيه المسلمون من الخوف من الأذفونش ، ففي الحال أمر بعبور العساكر إلى الأندلس
، وأرسل إلى مراكش في طلب من بقي من العساكر ، فأقبلت إليه يتلو بعضها بعضا ، فلما تكاملت عنده عبر البحر ، واجتمع بالمعتمد بن
عباد بإشبيلية ، وكان المعتمد قد جمع عساكره أيضا ، وخرج من أهل قرطبة عسكر كثير ،
وقصده المطّوّعة من سائر بلاد الأندلس ، ووصلت الأخبار إلى الأذفونش فجمع عساكره ،
وحشد جنوده ، وسار من طليطلة ، وكتب إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين كتابا كتبه
له بعض غواة أدباء المسلمين يغلظ له في القول ، ويصف ما معه من القوة والعدد
والعدد ، وبالغ في ذلك ، فلما وصله وقرأه يوسف أمر كاتبه أبا بكر بن القصيرة أن يجيبه ، وكان
كاتبا مفلقا ، فكتب وأجاد ، فلما قرأه على أمير المسلمين قال : هذا كتاب طويل ،
وأحضر كتاب الأذفونش وكتب في ظهره : الذي يكون ستراه ، وأرسله إليه ، فلما وقف
عليه الأذفونش ارتاع له ، وعلم أنه بلي برجل لا طاقة له به.
وذكر ابن خلكان أن يوسف بن تاشفين أمر بعبور الجمال فعبر منها ما أغصّ
الجزيرة ، وارتفع رغاؤها إلى عنان السماء ، ولم يكن أهل الجزيرة رأوا جملا قط ولا
خيلهم ، فصارت الخيل تجمح من رؤية الجمال ومن رغائها ، وكان ليوسف في عبور الجمال
رأي مصيب ، فكان يحدق بها عسكره ، ويحضرها للحرب ، فكانت خيل الفرنج تجمح منها ،
وقدم يوسف بين يديه كتابا للأذفونش يعرض عليه فيه الدخول في الإسلام أو الجزية أو
الحرب ، كما هي السنة ، ومن جملة ما في الكتاب : بلغنا يا أذفونش أنك دعوت إلى
الاجتماع بنا ، وتمنيت أن تكون لك
__________________
سفن تعبر فيها
البحر إلينا ، فقد عبرنا إليك ، وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك ،
وسترى عاقبة دعائك (وَما دُعاءُ
الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) [غافر : ٥٠] انتهى
بمعناه ، وأكثره بلفظه.
ولنرجع إلى كلام
صاحب «الروض المعطار» فإنه أقعد بتاريخ الأندلس ، إذ هو منهم ، وصاحب البيت أدرى
[بالذي فيه] ، قال رحمه الله تعالى : فلما عبر يوسف وجميع جيوشه إلى
الجزيرة الخضراء انزعج إلى إشبيلية على أحسن الهيئات ، جيشا بعد جيش ، وأميرا بعد
أمير ، وقبيلا بعد قبيل ، وبعث المعتمد ابنه إلى لقاء يوسف ، وأمر عمال البلاد
بجلب الأقوات والضيافات ، ورأى يوسف من ذلك ما سره ونشطه ، وتواردت الجيوش مع
أمرائها على إشبيلية ، وخرج المعتمد إلى لقاء يوسف من إشبيلية في مائة فارس ووجوه
أصحابه ، فلما أتى محلة يوسف ركض نحو القوم ، وركضوا نحوه ، فبرز إليه يوسف وحده ،
والتقيا منفردين ، وتصافحا ، وتعانقا ، وأظهر كل منهما لصاحبه المودة والخلوص ،
وشكرا نعم الله تعالى ، وتواصيا بالصبر والرحمة ، وبشرا أنفسهما بما استقبلاه من
غزو أهل الكفر ، وتضرعا إلى الله تعالى في أن يجعل ذلك خالصا لوجهه ، مقربا إليه ،
وافترقا ، فعاد يوسف لمحلته ، وابن عباد إلى جهته ، وألحق ابن عباد ما كان أعده من
هدايا وتحف وضيافات أوسع بها على محلة يوسف بن تاشفين ، وباتوا تلك الليلة ، فلما
أصبحوا وصلّوا الصبح ركب الجميع ، وأشار ابن عباد على يوسف بالتقدم نحو إشبيلية ،
ففعل ، ورأى الناس من عزة سلطانهم ما سرهم ، ولم يبق من ملوك الطوائف بالأندلس إلا من بادر
أو أعان وخرج أو أخرج ، وكذلك فعل الصحراويون مع يوسف كل صقع من أصقاعه رابطوا
وكابدوا ، وكان الأذفونش لما تحقق الحركة والحرب استنفر جميع أهل
بلاده وما يليها وما وراءها ورفع القسيسون والرهبان والأساقفة صلبانهم ، ونشروا
أناجيلهم ، فاجتمع له من الجلالقة والإفرنجة ما لا يحصى عدده ، وجواسيس كل فريق
تتردد بين الجميع ، وبعث الأذفونش إلى ابن عباد أن صاحبكم يوسف قد تعنى من بلاده ،
وخاض البحور وأنا أكفيه العناء فيما بقي ، ولا أكلفكم تعبا ، أمضي
إليكم وألقاكم في بلادكم رفقا بكم وتوفيرا عليكم ، وقال لخاصته وأهل مشورته : إني رأيت أني إن مكنتهم من الدخول إلى بلادي ، فناجزوني فيها
وبين جدرها ، وربما كانت الدائرة علي ،
__________________
يستحكمون البلاد ،
ويحصدون من فيها غداة واحدة ، ولكني أجعل يومهم معي في حوز بلادهم ، فإن كانت علي اكتفوا
بما نالوه ، ولم يجعلوا الدروب وراءهم إلا بعد أهبة أخرى فيكون في ذلك صون لبلادي
، وجبر لمكاسري ، وإن كانت الدائرة عليهم كان مني فيهم وفي بلادهم ما خفت أنا أن
يكون فيّ وفي بلادي إذا ناجزوني في وسطها ، ثم برز بالمختار من جنوده ، وأنجاد
جموعه على باب دربه ، وترك بقية جموعه خلفه ، وقال حين نظر إلى ما اختاره منهم :
بهؤلاء أقاتل الجن والإنس وملائكة السماء ، فالمقلل يقول : المختارون أربعون ألف
دراع ، ولكل واحد أتباع.
أما النصارى
فيعجبون ممن يزعم ذلك ، ويرون أنهم أكثر من ذلك كله ، واتفق الكل أن عدد المسلمين
أقل من الكفرة ، ورأى الأذفونش في نومه كأنه راكب فيل يضرب نقيرة طبل ، فهالته
الرؤيا ، وسأل عنها القسوس والرهبان فلم يجبه أحد ، فدسّ يهوديا عمن يعلم تأويلها
من المسلمين ، فدل على معبّر ، فقصّهما عليه ، ونسبها لنفسه ، فقال له المعبر
: كذبت ، ما هذه الرؤيا لك ، ولا أعبرها لك إلا إن صدقتني بصاحب الرؤيا ، فقال له
: اكتم علي ، الرؤيا للأذفونش ، فقال المعبّر : صدقت ولا يراها غيره ، والرؤيا تدل
على بلاء عظيم ، ومصيبة فادحة فيه وفي عسكره ، وتفسيرها قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِأَصْحابِ الْفِيلِ) [الفيل :
١] وأما ضربه
النقيرة فتأويلها (فَإِذا نُقِرَ فِي
النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) [المدثر : ٨ ـ ٩]
الآية ، فانصرف اليهودي وذكر للأذفونش ما وافق خاطره ، ثم خرج [الأذفونش ووقف على
الدروب ، ومال بجيوشه إلى الجهة الغربية] من بلاد الأندلس ، وتقدم السلطان يوسف فقصده ، وتأخر ابن
عباد لبعض مهماته ، ثم انزعج يقفو أثره بجيش فيه حماة الثغور ، ورؤساء الأندلس ،
وجعل ابنه عبد الله على مقدمته ، وسار وهو ينشد لنفسه متفائلا مكملا البيت المشهور
: [مجزوء الكامل]
لابدّ من فرج
قريب
|
|
يأتيك بالعجب
العجيب
|
غزو عليك مبارك
|
|
سيعود بالفتح
القريب
|
لله سعدك إنّه
|
|
نكس على دين
الصليب
|
__________________
لابدّ من يوم
يكو
|
|
ن له أخا يوم
القليب
|
ووافت الجيوش كلها
بطليوس ، فأناخوا بظاهرها ، وخرج إليهم صاحبها المتوكل عمر بن محمد بن الأفطس ،
فلقيهم بما يجب من الضيافات والأقوات وبذل المجهود ، وجاءهم الخبر بشخوص الأذفونش
، ولما ازدلف بعضهم إلى بعض أذكى المعتمد عيونه في محلات الصحراويين خوفا عليهم من
مكايد الأذفونش ، إذ هم غرباء لا علم لهم بالبلاد ، وجعل يتولى ذلك بنفسه ، حتى
قيل : إن الرجل من الصحراويين لا يخرج على طرف المحلة لقضاء أمر أو حاجة إلا ويجد
ابن عباد بنفسه مطيفا بالمحلة ، بعد ترتيب الخيل والرجال على أبواب المحلات ، وقد
تقدم كتاب السلطان يوسف إلى الأذفونش يدعوه إلى إحدى الثلاث المأمور بها شرعا ،
فامتلأ الكافر غيظا ، وعتا ، وطغا ، وراجعه بما يدل على شقائه ، وقامت الأساقفة
والرهبان ورفعوا ، صلبانهم ، ونشروا أناجيلهم ، وتبايعوا على الموت ، ووعظ
يوسف وابن عباد أصحابهما ، وقام الفقهاء والصالحون مقام الوعظ ، وحضوهم على الصبر والثبات ،
وحذروهم من الفشل والفرار ، وجاءت الطلائع تخبر أن العدوّ مشرف عليهم صبيحة يومهم
، وهو يوم الأربعاء ، فأصبح المسلمون وقد أخذوا مصافّهم ، فكعّ الأذفونش ، ورجع إلى إعمال المكر والخديعة ، فعاد الناس إلى محلاتهم
، وباتوا ليلتهم ، ثم أصبح يوم الخميس ، فبعث الأذفونش إلى ابن عباد يقول : غدا
يوم الجمعة ، وهو عيدكم ، والأحد عيدنا ، فليكن لقاؤنا بينهما ، وهو يوم السبت ،
فعرّف المعتمد بذلك السلطان يوسف ، وأعلمه أنها حيلة منه وخديعة ، وإنما قصده
الفتك بنا يوم الجمعة ، فليكن الناس على استعداد له يوم الجمعة كلّ النهار ، وبات
الناس ليلتهم على أهبة واحتراس ، وبعد مضيّ جزء من الليل انتبه الفقيه الناسك أبو
العباس أحمد بن رميلة القرطبي ـ وكان في محلة ابن عباد ـ فرحا مسرورا يقول : إنه
رأى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة في النوم فبشره بالفتح والموت على
الشهادة في صبيحة تلك الليلة ، فتأهب ودعا وتضرع ودهن رأسه وتطيب ، وانتهى ذلك إلى
ابن عباد ، فبعث إلى يوسف يخبره بها تحقيقا لما توقعه من غدر الكافر بالله تعالى ،
ثم جاء بالليل فارسان من طلائع المعتمد يخبران أنهما أشرفا على محلة الأذفونش
وسمعا ضوضاء الجيوش واضطراب الأسلحة ، ثم تلاحق بقية الطلائع متحققين بتحرك
الأذفونش ، ثم جاءت الجواسيس من داخل محلتهم تقول :
__________________
استزقنا السمع
فسمعنا الأذفونش يقول لأصحابه : ابن عباد مسعر هذه الحروب ، وهؤلاء الصحراويون وإن كانوا أهل حفاظ وذوي بصائر في
الحروب فهم غير عارفين بهذه البلاد ، وإنما قادهم ابن عباد ، فاقصدوه واهجموا عليه
، واصبروا ، فإن انكشف لكم هان عليكم الصحراويون بعده ، ولا أرى ابن عباد يصبر لكم
إن صدقتموه الحملة ، فعند ذلك بعث ابن عباد الكاتب أبا بكر بن القصيرة إلى السلطان
يوسف يعرفه بإقبال الأذفونش ، ويستحث نصرته ، فمضى ابن القصيرة يطوي المحلات حتى
جاء يوسف بن تاشفين ، فعرفه بجليّة الأمر ، فقال له : قل له : إني سأقرب منه إن
شاء الله تعالى ، وأمر يوسف بعض قواده أن يمضي بكتيبة رسمها له حتى يدخل محلة
النصارى فيضرمها نارا ما دام الأذفونش مشتغلا مع ابن عباد ، وانصرف ابن القصيرة
إلى المعتمد ، فلم يصله إلا وقد غشيته جنود الطاغية ، فصدم ابن عباد صدمة قطعت
آماله ، ومال الأذفونش عليه بجموعه ، وأحاطوا به من كل جهة ، فهاجت الحرب ، وحمي
الوطيس ، واستحرّ القتل في أصحاب ابن عباد ، وصبر ابن عباد صبرا لم يعهد
مثله لأحد ، واستبطأ السلطان يوسف وهو يلاحظ طريقه ، وعضته الحروب ، واشتد عليه وعلى من معه البلاء ، وأبطأ عليه الصحراويون
وساءت الظنون ، وانكشف بعض أصحاب ابن عباد وفيهم ابنه عبد الله ، وأثخن ابن عباد
جراحات ، وضرب على رأسه ضربة فلقت هامته حتى وصلت إلى صدغه وجرحت يمنى يديه ، وطعن
في أحد جانبيه ، وعقرت تحته ثلاثة أفراس كلما هلك واحد قدّم له آخر ، وهو يقاسي
حياض الموت ، ويضرب يمينا وشمالا ، وتذكر في تلك الحالة ابنا له صغيرا كان مغرما
به تركه في إشبيلية عليلا ، وكنيته أبو هاشم فقال : [المتقارب]
أبا هاشم
هشّمتني الشّفار
|
|
فلله صبري لذاك
الأوار
|
ذكرت شخيصك تحت
العجاج
|
|
فلم يثنني ذكره
للفرار
|
ثم كان أوّل من
وافى ابن عباد من قوّاد ابن تاشفين داود بن عائشة ، وكان بطلا شجاعا شهما ، فنفّس
بمجيئه عن ابن عباد ، ثم أقبل يوسف بعد ذلك ، وطبوله تصعد أصواتها إلى الجوّ ،
فلما أبصره الأذفونش وجه حملته إليه ، وقصده بمعظم جنوده ، فبادر إليهم السلطان
__________________
يوسف ، وصدمهم
بجمعه ، فردهم إلى مركزهم ، وانتظم به شمل ابن عباد ، واستنشق ريح الظفر ، وتباشر
بالنصر ، ثم صدقوا جميعا الحملة فتزلزلت الأرض بحوافر خيولهم ، وأظلم النهار
بالعجاج والغبار ، وخاضت الخيل في الدماء ، وصبر الفريقان صبرا عظيما ، ثم تراجع
ابن عباد إلى يوسف ، وحمل معه حملة جاء معها النصر ، وتراجع المنهزمون من أصحاب
ابن عباد حين علموا بالتحام الفئتين ، وصدقوا الحملة ، فانكشف الطاغية ، ومرّ هاربا
منهزما وقد طعن في إحدى ركبتيه طعنة بقي يخمع بها بقية عمره.
وعلى سياق ابن
خلكان أن ابن تاشفين نزل على أقل من فرسخ من عسكر العدو في يوم الأربعاء ، وكان
الموعد في المناجزة في يوم السبت ، فغدر الأذفونش ومكر ، فلما كان سحر يوم الجمعة
منتصف رجب أقبلت طلائع ابن عباد ، والروم على أثرها ، والناس على طمأنينة ، فبادر ابن عباد للركوب ، وبث الخبر
في العساكر فماجت بأهلها ، ووقع البهت ، ورجفت الأرض ، وصار الناس فوضى على غير
تعبية ولا أهبة ، ودهمتهم خيل العدو ، فأحاطت بابن عباد ، وحطّمت ما تعرض لها ،
وتركت الأرض حصيدا خلفها ، وجرح ابن عباد جرحا أساءه ، وفر رؤساء الأندلس وتركوا
محلاتم وأسلموها ، وظنوا أنه وهي لا يرقع ، ونازلة لا تدفع ، وظن الأذفونش أن السلطان يوسف
في المنهزمين ، ولم يعلم أن العاقبة للمتقين ، فركب أمير المسلمين ، وأحدق به جياد
خيله ورجله من صنهاجة رؤساء القبائل ، وقصدوا محلة الأذفونش فاقتحموها ودخلوها ،
وفتكوا فيها ، وقتلوا ، وضربت الطبول ، وزعقت البوقات ، فاهتزت الأرض ، وتجاوبت
الجبال والآفاق ، وتراجع الروم إلى محلاتهم بعد أن علموا أن أمير المسلمين فيها ،
فصدموا أمير المسلمين ، فخرج لهم عنها ، ثم كر عليهم فأخرجهم منها ، ثم كروا عليه
فخرج لهم عنها ، ولم تزل الكرات بينهم تتوالى إلى أن أمر أمير المسلمين حشمه
السودان فترجل منهم زهاء أربعة آلاف ، ودخلوا المعترك بدرق اللمط وسيوف الهند ومزاريق الزان ، فطعنوا الخيل فرمحت بفرسانها ، وأحجمت أعن أقرانها ، وتلاحق الأذفونش بأسود نفذت مزاريقه ، فأهوى
ليضربه بالسيف ، فلصق به الأسود ، وقبض على عنانه ، وانتضى خنجرا كان متمنطقا به ،
فأثبته في فخذه ، فهتك حلق درعه ، ونفذ من
__________________
فخذه مع بداد سرجه
، وكان وقت الزوال ، وهبت ريح النصر ، فأنزل الله سكينته على المسلمين ، ونصر
دينه القويم ، وصدقوا الحملة على الأذفونش وأصحابه ، فأخرجوهم عن محلتهم ، فولوا
ظهورهم ، وأعطوا أعناقهم ، والسيوف تصفعهم ، والرماح تطعنهم ، إلى أن لحقوا ربوة
لجؤوا إليها واعتصموا بها ، وأحدقت بهم الخيل ، فلما أظلم الليل انساب الأذفونش
وأصحابه من الربوة ، وأفتلوا بعد ما تشبثت بهم أظفار المنية ، واستولى المسلمون على ما كان في محلتهم
من الآلات والسلاح والمضارب والأواني وغير ذلك ، وأمر ابن عباد بضم رؤوس قتلى
المشركين ، فاجتمع من ذلك تل عظيم ، انتهى ، وبعضه بالمعنى.
رجع إلى كلام صاحب
«الروض المعطار» قال : ولجأ الأذفونش إلى تل كان يلي محلته في نحو خمسمائة فارس
كل واحد منهم مكلوم ، وأباد القتل والأسر من عداهم من أصحابهم ، وعمل المسلمون من
رؤوسهم مآذن يؤذنون عليها ، والمخذول ينظر إلى موضع الوقيعة ومكان الهزيمة فلا يرى
إلا نكالا محيطا به وبأصحابه ، وأقبل ابن عباد على السلطان يوسف وصافحه ، وهنأه ،
وشكره ، وأثنى عليه ، وشكر يوسف صبر ابن عباد ، ومقامه ، وحسن بلائه ، وجميل صبره
، وسأله عن حاله عندما أسلمته رجاله بانهزامهم عنه ، فقال له : هم هؤلاء قد حضروا
بين يديك فليخبروك.
وكتب ابن عباد إلى
ابنه بإشبيلية كتابا مضمونه : كتابي هذا من المحلة المنصورية يوم الجمعة الموفي
عشرين من رجب ، وقد أعز الله الدين ، ونصر المسلمين ، وفتح لهم الفتح المبين ،
وهزم الكفرة المشركين ، وأذاقهم العذاب الأليم ، والخطب الجسيم ، فالحمد لله على
ما يسره وسنّاه من هذه المسرة العظيمة ، والنعمة الجسيمة ، في تشتيت شمل الأذفونش
، والاحتواء على جميع عساكره ، أصلاه الله نكال الجحيم! ولا أعدمه الوبال العظيم
المليم! بعد إتيان النّهب على محلاته ، واستئصال القتل في جميع أبطاله وحماته ،
حتى اتخذ المسلمون من هاماتهم صوامع يؤذنون عليها ، فلله الحمد على جميل صنعه ، ولم يصبني والحمد لله إلا جراحات يسيرة ألمت لكنها فرجت
بعد ذلك ، فلله الحمد والمنة ، والسلام.
واستشهد في ذلك
اليوم جماعة من الفضلاء والعلماء وأعيان الناس ، مثل ابن رميلة صاحب الرؤيا
المذكورة ، وقاضي مراكش أبي مروان عبد الملك المصمودي ، وغير هما ، رحمهم الله
تعالى!.
__________________
وحكي أن موضع
المعترك كان على اتساعه ما كان فيه موضع قدم إلا على ميت أو دم ، وأقامت العساكر
بالموضع أربعة أيام ، حتى جمعت الغنائم ، واستؤذن في ذلك السلطان يوسف ، فعفّ عنها
، وآثر بها ملوك الأندلس ، وعرفهم أن مقصده الجهاد والأجر العظيم ، وما عند الله
في ذلك من الثواب المقيم ، فلما رأت ملوك الأندلس إيثار يوسف لهم بالغنائم
استكرموه ، وأحبوه وشكروا له ذلك.
ولما بلغ الأذفونش
إلى بلاده وسأل عن أبطاله وشجعانه وأصحابه ففقدهم ولم يسمع إلا نواح الثّكلى عليهم
، اهتم ولم يأكل ولم يشرب حتى هلك غما وهما ، وراح إلى أمه الهاوية ، ولم يخلف إلا بنتا واحدة جعل الأمر إليها ، فتحصنت
بطليطلة.
ورحل المعتمد إلى
إشبيلية ومعه السلطان يوسف بن تاشفين ، فأقام السلطان يوسف بن تاشفين بظاهر
إشبيلية ثلاثة أيام ، ووردت عليه من المغرب أخبار تقتضي العزم ، فسافر ، وذهب معه
ابن عباد يوما وليلة ، فحلف ابن تاشفين وعزم عليه في الرجوع ، وكانت جراحاته
تورّمت عليه ، فسير معه ولده عبد الله إلى أن وصل البحر ، وعبر إلى المغرب.
ولما رجع ابن عباد
إلى إشبيلية جلس للناس ، وهنّئ بالفتح ، وقرأت القراء ، وقامت على رأسه الشعراء ، فأنشدوه ، قال عبد الجليل بن وهبون :
حضرت ذلك اليوم ، وأعددت قصيدة أنشدها بين يديه ، فقرأ القارئ (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ
اللهُ) [التوبة : ٤٠]
فقلت : بعدا لي ولشعري! والله ما أبقت لي هذه الآية معنى أحضره وأقوم به.
ولما عزم السلطان
يوسف بن تاشفين إلى بلاده ترك الأمير سير بن أبي بكر أحد قوّاده المشاهير ، وترك معه جيشا برسم غزو
الفرنج ، فاستراح الأمير المذكور أياما قلائل ، ودخل بلاد الأذفونش ، وأطلق الغارة
، ونهب وسبى ، وفتح الحصون المنيعة ، والمعاقل الصعبة العويصة ، وتوغل في البلاد ،
وحصل أموالا وذخائر عظيمة ، ورتب رجالا وفرسانا في جميع ما أخذه ، وأرسل للسلطان
يوسف جميع ما حصله ، وكتب له يعرفه أن الجيوش بالثغور مقيمة على مكابدة العدوّ
وملازمة الحرب والقتال في أضيق العيش وأنكده ، وملوك الأندلس في بلادهم وأهليهم في
أرغد عيش وأطيبه ، وسأله مرسومه ، فكتب إليه أن يأمرهم بالنقلة والرحيل إلى
__________________
أرض العدوة ، فمن
فعل فذاك ، ومن أبى فحاصره وقاتله ، ولا تنفس عليه ، ولتبدأ بمن والى الثغور ، ولا
تتعرض للمعتمد بن عباد ، إلا بعد استيلائك على البلاد ، وكل بلد أخذته فولّ فيه
أميرا من عساكرك ، فأوّل من ابتدأ به من ملوك الأندلس بنو هود ، وكانوا بروطة ـ بضم
الراء المهملة ، وبعدها واو ساكنة ، وطاء مهملة مفتوحة ، وبعدها هاء ساكنة ـ وهي
قلعة منيعة من عاصمات الذرى ، وماؤها ينبع من أعلاها ، وفيها من الأقوات والذخائر
المختلفات ما لا تفنيه الأزمان ، فحاصرها فلم يقدر عليها ، ورحل عنها ، وجنّد
أجنادا على هيئة الفرنج وزيهم ، وأمرهم أن يقصدوها ويغيروا عليها ، وكمن هو وأصحابه بقرب منها ، فلما رآهم أهل القلعة استضعفوهم ،
فنزلوا إليهم ، ومعهم صاحب القلعة ، فخرج عليه سير المذكور ، وقبضه باليد ، وتسلم الحصن ، ثم نازل بني طاهر
بشرق الأندلس ، فأسلموا له البلاد ، ولحقوا ببر العدوة ، ثم نازل بني صمادح
بالمريّة ، ولها قلعة حصينة ، فحاصرهم ، وضيق بهم ، ولما علم ابن صمادح الغلب أسف
ومات غبنا ، فأخذ القلعة ، واستولى على المرية وجميع أعمالها ، ثم قصد بطليوس ،
وكان بها المتوكل عمر بن محمد بن الأفطس المتقدّم ذكره ، فحاصره ، وأخذه ، واستولى على جميع أعماله وماله ، ولم يبق له إلا المعتمد
بن عباد ، فكتب للسلطان يوسف يعرفه بما فعل ، ويسأله مرسومه في ابن عباد ، فكتب
إليه يأمره أنه يعرض عليه النقلة لبر العدوة بجميع الأهل والعشيرة ، فإن رضي ،
وإلا فحاصره وخذه وأرسل به كسائر أصحابه ، فواجهه وعرفه بما رسم به السلطان يوسف ،
وسأله الجواب ، فلم يجب بنفي ولا إثبات ، ثم إنه نازل إشبيلية ، وحاصره بها ، وألح
عليه ، فأقام الحصار شهرا ، ودخل البلد قهرا ، واستخرجه من قصره ، فحمل وجميع أهله
وولده إلى العدوة فأنزل بأغمات ، وأقام بها إلى أن مات ، رحمه الله تعالى وعفا عنه!.
وأما ابن الأثير
ففي كلامه تقديم وتأخير وبعض خلاف لما مر.
وأخبار المعتمد بن
عباد ، وما رآه من الملك والعز في كل حاضر وباد ، وما قاساه في الأسر ، من الضيق والعسر ، وسوء العيش أمر
عجيب ، يتعظ به العاقل الأريب ، وأما ما مدحته به الشعراء وأجوبته لهم في حالي يسره
وعسره ، وملكه وأسره ، وطيه ونشره ، وتجهّمه وبشره ، فهو كثير ، وفي كتب التواريخ منه
نظيم ونثير ، وقد قدمنا منه في هذا الكتاب ما يبعث
__________________
الاعتبار ويثير ،
وخصوصا في الباب السابع من هذا التأليف الذي هو عند المنصف أثير ، وفي المعتمد وأبيه المعتضد يقول بعض الشعراء [الخفيف] :
من بني منذر
وذاك انتساب
|
|
زاد في فخرهم
بنو عبّاد
|
فتية لم تلد
سواها المعالي
|
|
والمعالي قليلة
الأولاد
|
وقال ابن القطاع
في كتابه «لمح الملح» في حق المعتمد : إنه أندى ملوك الأندلس راحة ، وأرحبهم ساحة ، وأعظمهم ثمادا ، وأرفعهم عمادا ، ولذلك
كانت حضرته ملقى الرحال ، وموسم الشعراء ، وقبلة الآمال ، ومألف الفضلاء ، حتى أنه
لم يجتمع بباب أحد من الملوك من أعيان الشعراء ، وأفاضل الأدباء ، ما كان يجتمع
ببابه ، وتشتمل عليه حاشيتا جنابه.
وقال ابن بسام في «الذخيرة»
: للمعتمد شعر ، كما انشق الكمام عن الزّهر ، لو صار مثله ممن جعل الشعر صناعة ،
واتخذه بضاعة ، لكان رائقا معجبا ، ونادرا مستغربا ، فمنه قوله: [الكامل]
أكثرت هجرك غير
أنّك ربّما
|
|
عطفتك أحيانا
عليّ أمور
|
فكأنّما زمن
التّهاجر بيننا
|
|
ليل ، وساعات
الوصال بدور
|
قال : وهذا المعنى
ينظر إلى قول بعضهم من أبيات : [السريع]
أسفر ضوء الصبح
عن وجهه
|
|
فقام ذاك الخال
فيه بلال
|
كأنّما الخال
على خدّه
|
|
ساعات هجر في
زمان الوصال
|
وعزم على إرسال
حظاياه من قرطبة إلى إشبيلية فخرج معهن يشيعهن فساير هنّ من أول الليل إلى الصبح ،
فودعهن ورجع ، وأنشد أبياتا منها : [الكامل]
سايرتهم والليل
عقّد ثوبه
|
|
حتّى تبدّى
للنّواظر معلما
|
فوقفت ثمّ
مودّعا وتسلّمت
|
|
منّي يد الإصباح
تلك الأنجما
|
وهذا المعنى في
نهاية الحسن ، ثم ذكر من كلامه جملة.
عود وانعطاف ـ ولما
جاء أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى ناحية غرناطة ، ـ بعد ما
__________________
حصر بعض حصون
الفرنج ، فلم يقدر عليه ـ خرج إلى لقائه صاحب غرناطة عبد الله بن بلكين ، فسلم عليه ، ثم عاد إلى
بلده ليخرج له التقادم ، فغدر به ، ودخل البلد ، وأخرج عبد الله ، ودخل قصره فوجد
فيه من الذخائر والأموال ما لا يحد ولا يحصى ، ثم رجع إلى مراكش وقد أعجبه حسن
بلاد الأندلس وبهجتها ، وما بها من المباني والبساتين والمطاعم وسائر الأصناف التي
لا توجد في [سائر] بلاد العدوة ، إذ هي بلاد بربر وأجلاف عربان ، فجعل خواصّ
يوسف يعظمون عنده بلاد الأندلس ، ويحسنون له أخذها ، ويوغرون قلبه على المعتمد
بأشياء نقلوها عنه ، فتغير على المعتمد ، وقصد مشارفة الأندلس.
وحكى ابن خلدون أن
علماء الأندلس أفتوا ابن تاشفين بجواز خلع المعتمد وغيره من ملوك الطوائف ، وبقتالهم
إن امتنعوا ، فجهز يوسف العساكر إلى الأندلس ، وحاصر سير بن أبي بكر أحد عظماء
دولة يوسف إشبيلية وبها المعتمد ، فكان من دفاعه وشدة ثباته ما هو معلوم ، ثم أخذ
أسيرا ، وصار طرف الملك بعده حسيرا.
وفي وصف ذلك يقول
صاحب القلائد بعد كلام : ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت ، وضمتهم جوانحها كأنهم أموات ، بعد ما ضاق عنهم القصر ،
وراق منهم المصر ، والناس قد حشروا بضفتي الوادي ، يبكون بدموع كالغوادي ، فساروا والنوح يحدوهم ، والبوح باللوعة لا يعدوهم ،
انتهى.
ولما فرغ أمير
المسلمين يوسف بن تاشفين من أمر غزوة الزلّاقة المتقدم ذكرها ورجع تكرّم له ابن
عباد ، وسأله أن ينزل عنده ، فعرج إلى بلاده إذ أجابه إلى ما طلب ، فلما انتهى ابن
تاشفين إلى إشبيلية مدينة المعتمد ـ وهي من أجل المدن وأحسنها منظرا ـ وأمعن يوسف النظر فيها وفي محلها ،
وهي على نهر عظيم متبحر تجري فيه السفن بالبضائع جالبة من بر المغرب وحاملة إليه ،
وفي غربيها رستاق عظيم مسيرة عشرين فرسخا يشتمل على آلاف من الضياع كلها تين وعنب
وزيتون ، وهذا هو المسمى بشرف إشبيلية ، وتمتار بلاد المغرب كلها بهذه الأصناف منه ، وفي جانب المدينة
المعتمد وأبيه المعتضد في غاية الحسن والبهاء ، وفيها
__________________
أنواع ما يحتاج
إليه من المطعوم والمشروب والملبوس والمفروش وغير ذلك ، فأنزل المعتمد يوسف بن
تاشفين في أحدها ، وتولى من إكرامه وخدمته ما أوسع شكر ابن تاشفين له ، وكان مع
ابن تاشفين أصحاب له ينبهونه على حسن تلك الحال وتأملها ، وما هي عليه من النعمة
والإتراف ، ويغرونه باتخاذ مثلها ، ويقولون له : إن فائدة الملك قطع العيش فيه
بالتنعم واللذة ، كما هو المعتمد وأصحابه ، وكان ابن تاشفين [داهية] عاقلا مقتصدا في أموره ، غير متطاول ولا مبذر ، غير سالك
نهج الترف والتأنق في اللذة والنعيم ، إذ ذهب صدر عمره في بلاده بالصحراء في شظف
العيش ، فأنكر على من أغراه بذلك الإسراف ، وقال له : الذي يلوح لي من أمر هذا
الرجل ـ يعني المعتمد ـ أنه مضيّع لما في يده من الملك ، لأن هذه الأموال الكثيرة
التي تصرف في هذه الأحوال لابد أن يكون لها أرباب لا يمكن أخذ هذا القدر منهم على
وجه العدل أبدا ، فأخذه بالظلم وإخراجه في هذه التّرّهات من أفحش الاستهتار ، ومن
كانت همته في هذا الحد من التصرف فيما لا يعدو الأجوفين متى يستجدّ همة في ضبط بلاده وحفظها؟ وصون رعيته والتوفير لمصالحها ، ولعمري لقد صدق في كل ذلك.
ثم إن يوسف بن
تاشفين سأل عن أحوال المعتمد في لذاته : هل تختلف فتنقص عما عليه في بعض الأوقات؟
فقيل له : بل كل زمانه على هذا ، فقال : أفكلّ أصحابه وأنصاره على عدوّه ومنجديه
على الملك ينال حظا من ذلك؟ فقالوا : لا ، قال : فكيف ترون رضاهم عنه؟ فقالوا : لا
رضا لهم عنه ، فأطرق وسكت ، وأقام عند المعتمد على تلك الحال أياما.
وفي أثنائها
استأذن رجل على المعتمد فدخل وهو ذو هيئة رثّة ، وكان من أهل البصائر ، فلما مثل
بين يديه قال : أصلحك الله أيها السلطان! وإن من أوجب الواجبات شكر النعمة ، وإن
من شكر النعمة إهداء النصائح ، وإني رجل من رعيتك حالي في دولتك إلى الاختلال ،
أقرب منها إلى الاعتدال ، ولكنني مع ذلك مستوجب لك من النصيحة ما للملك على رعيته
، فمن ذلك خبر وقع في أذني من بعض أصحاب ضيفك هذا يوسف بن تاشفين يدلّ على أنهم يرون
أنفسهم وملكهم أحقّ بهذه النعمة منك ، وقد رأيت رأيا ، فإن آثرت الإصغاء إليه قلته
، فقال المعتمد له : قله ، فقال له : رأيت أن هذا الرجل الذي أطلعته على ملكك
مستأسد على الملوك ، قد حكم على رفقائه ببر العدوة ، وأخذ الملك من أيديهم ، ولم يبق على واحد
منهم ، ولا يؤمن أن يطمح إلى الطمع في ملكك ، بل في ملك جزيرة الأندلس كلها ، لما قد
__________________
عاينه من هناءة
عيشك ، وإني لمتخيل مثل ذلك لسائر ملوك الأندلس ، وإن له من الولد والأقارب
وغيرهم من يودّ له الحلول بما أنت فيه من خصب الجناب ، وقد أردى الأذفونش وجيشه ،
واستأصل شأفتهم ، وأعدمك منه أقوى ناصر عليه لو احتجت إليه ، فقد كان لك منه أقوى
عضد وأوقى مجنّ ، وبعد فإنه إن فات الأمر في الأذفونش فلا يفتك الحزم فيما
هو ممكن اليوم ، فقال له المعتمد : وما هو الحزم اليوم؟ فقال : أن تجمع أمرك على
قبض ضيفك هذا ، واعتقاله في قصرك ، وتجزم أنك لا تطلقه حتى يأمر كل من بجزيرة
الأندلس من عسكره أن يرجع من حيث جاء ، حتى لا يبقى منهم أحد بالجزيرة طفل فمن
فوقه ، ثم تتفق أنت وملوك الجزيرة على حراسة هذا البحر من سفينة تجري فيه له ، ثم
بعد ذلك تستحلفه بأغلظ الأيمان ألّا يضمر في نفسه عودا إلى هذه الجزيرة إلا باتفاق
منكم ومنه ، وتأخذ منه على ذلك رهائن فإنه يعطيك من ذلك ما تشاء ، فنفسه أعز عليه
من جميع ما يلتمس منه ، فعند ذلك يقتنع هذا الرجل ببلاده التي لا تصلح إلا له ،
وتكون قد استرحت منه بعد ما استرحت من الأذفونش ، وتقيم في موضعك على خير حال ،
ويرتفع ذكرك عند ملوك الجزيرة ، ويتسع ملكك ، وينسب هذا الاتفاق لك إلى سعادة وحزم
، وتهابك الملوك ، ثم اعمل بعد هذا ما يقتضيه حزمك في مجاورة من عاملته هذه
المعاملة ، واعلم أنه قد تهيأ لك من هذا أمر سماوي تتفانى الأمم وتجري بحار الدم
دون حصول مثله ، فلما سمع المعتمد كلام الرجل استصوبه ، وجعل يفكر في انتهاز الفرصة.
وكان للمعتمد
ندماء قد انهمكوا معه في اللذات ، فقال أحدهم لهذا الرجل الناصح : ما كان المعتمد
على الله ـ وهو إمام أهل المكرمات ـ ممن يعامل بالحيف ، ويغدر بالضّيف ، فقال الرجل : إنما الغدر أخذ الحق من يد
صاحبه ، لا دفع الرجل عن نفسه المحذور إذا ضاق به ، فقال ذلك النديم : ضيم مع وفاء
، خير من حزم مع جفاء.
ثم إن ذلك الناصح
استدرك الأمر ، وتلافاه ، فشكر له المعتمد ، ووصله بصلة.
واتصل هذا الخبر
بيوسف فأصبح غاديا ، فقدّم له المعتمد الهدايا السنية والتّحف الفاخرة ، فقبلها ثم
رحل ، انتهى خبر وقعة الزلاقة وما يتبعه ملخصا من كتب التاريخ.
__________________
ولما انقرض
بالأندلس ملك ملوك الطوائف بني عباد وبني ذي النون وبني الأفطس وبني صمادح
وغيرهم انتظمت في سلك اللّمتونيين ، وكانت لهم فيها وقعات بالأعداء مشهورة في كتب
التواريخ.
ولما مات يوسف بن
تاشفين سنة خمسمائة قام بالملك بعده ابنه أمير المسلمين علي بن يوسف ، وسلك سنن
أبيه وإن قصّر عنه في بعض الأمور ، ودفع العدو عن الأندلس مدة ، إلى أن قيض الله
تعالى للثورة عليه محمد بن تومرت الملقب بالمهدي الذي أسّس دولة الموحدين ، فلم
يزل يسعى في هدم بنيان لمتونة إلى أن مات ولم يملك حضرة سلطنتهم مراكش ، ولكنه ملك
كثيرا من البلاد ، فاستخلف عبد المؤمن بن علي ، فكان من استيلائه على مملكة اللمتونيين
ما هو معروف ، ثم جاز إلى الأندلس وملك كثيرا منها ، ثم أخرج الإفرنج من مهدية
إفريقية ، وملك بلاد إفريقية وضخم ملكه ، وتسمّى بأمير المؤمنين .
ولما كانت سنة ٥٤٥
سار الأذفونش صاحب طليطلة وبلاد الجلالقة إلى قرطبة ومعه أربعون ألف فارس ،
فحاصرها ، وكان أهلها في غلاء شديد ، فبلغ الخبر عبد المؤمن ، فجهز إليهم جيشا
يحتوي على اثني عشر ألف فارس ، فلما أشرفوا على الأذفونش رحل عنها ، وكان فيها
القائد أبو الغمر السائب ، فسلمها إلى صاحب جيش عبد المؤمن بن يحيى بن ميمون ،
فبات فيها ، فلما أصبح رأى الفرنج عادوا إلى مكانهم ، ونزلوا في المكان الذي كانوا
فيه ، فلما عاين ذلك رتب هنالك ناسا ، وعاد إلى عبد المؤمن ، ثم رحل الفرنج إلى
ديارهم.
وفي السنة بعدها
دخل جيش عبد المؤمن إلى الأندلس في عشرين ألفا عليهم الهنتاتي ، فصار إليه صاحب غرناطة ميمون وابن همشك وغيرهما ، فدخلوا
تحت طاعة الموحّدين ، وحرصوا على قصد ابن مردنيش ملك شرق الأندلس ، وبلغ ذلك ابن مردنيش
، فخاف وأرسل إلى صاحب برشلونة من الإفرنج يستنجده ، فتجهز إليه في عشرة آلاف من الإفرنج عليهم فارس ، وسار
صاحب جيش عبد المؤمن إلى أن قارب ابن مردنيش ، فبلغه أمر البرشلوني الإفرنجي ،
فرجع ، ونازل مدينة المريّة وهي بأيدي الروم ، فحاصرها ، فاشتد الغلاء
__________________
في عسكره ، فرجع
إلى إشبيلية ، فأقام فيها ، وسار عبد المؤمن إلى سبتة فجهز الأساطيل وجمع العساكر.
ثم سار عبد المؤمن
سنة ٥٤٧ إلى المهدية فملكها ، وملك إفريقية ، وضخم ملكه كما قدمناه.
ولما مات بويع
بعده ولده يوسف بن عبد المؤمن ، ولما تمهدت له الأمور ، واستقرت قواعد ملكه ، رحل
إلى جزيرة الأندلس لكشف مصالح دولته ، وتفقد أحوالها ، وكان ذلك سنة ست وستين وخمسمائة ، وفي صحبته مائة ألف
فارس من الموحّدين والعرب ، فنزل بحضرة إشبيلية ، وخافه ملك شرق الأندلس مرسية وما
انضاف إليها الأمير الشهير أبو عبد الله محمد بن سعد المعروف بابن مردنيش ، وحمل على قلب ابن
مردنيش ، فمرض مرضا شديدا ومات ، وقيل : إنه سم ، ولما مات جاء أولاده وأهله إلى
أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن وهو بإشبيلية ، فدخلوا تحت حكمه ، وسلّموا
لأحكامه البلاد ، فصاهرهم ، وأحسن إليهم ، وأصبحوا عنده في أعز مكان ، ثم شرع في
استرجاع البلاد التي استولى عليها الإفرنج ، فاتسعت مملكته بالأندلس ، وصارت
سراياه تعبر إلى باب طليطلة ، وقيل : إنه حاصرها ، فاجتمع الفرنج كافة
عليه ، واشتد الغلاء في عسكره ، فرجع عنها إلى مراكش حضرة ملكه ، ثم ذهب إلى
إفريقية ، فمهّدها ، ثم رجع إلى حضرته مراكش ، ثم جاز البحر إلى الأندلس سنة
ثمانين خمسمائة ومعه جمع كثيف ، وقصد غربي بلادها ، فحاصر مدينة شنترين ، وهي من
أعظم بلاد العدو ، وبقي محاصرا لها شهرا ، فأصابه المرض ، فمات في السنة المذكورة
، وحمل في تابوت إلى إشبيلية ، وقيل : أصابه سهم من قبل الإفرنج ، والله سبحانه
وتعالى أعلم بحقيقة الحال.
وفي ابنه السيد [أبي]
إسحاق يقول مطرف التجيبي رحمه الله تعالى : [السريع]
سعد كما شاء
العلا والفخار
|
|
تصرّف الليل به
والنّهار
|
ما دانت الأرض
لكم عنوة
|
|
وإنّما دانت
لأمر كبار
|
__________________
مهدتموها فصفا
عيشها
|
|
واتّصل الأمن ،
فنعم القرار
|
ومنها :
فالشّاة لا
يختلها ذئبها
|
|
وإن أقامت معه
في وجار
|
ولما مات يوسف قام
بالأمر بعده ابنه الشهير أمير المؤمنين يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن ،
فقام بالأمر أحسن قيام ، ولما مات يوسف المذكور رثاه أديب الأندلس أبو بكر يحيى بن
مجبر بقصيدة طويلة أجاد فيها ، وأولها : [الكامل]
جلّ الأسى فأسل
دم الأجفان
|
|
ماء الشؤون لغير
هذا الشّان
|
ويعقوب المنصور هو
الذي أظهر أبهة ملك الموحدين ، ورفع راية الجهاد ، ونصب ميزان العدل ، وبسط
الأحكام الشرعية ، وأظهر الدين ، وأمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر ، وأقام الحدود
على القريب والبعيد ، وله في ذلك أخبار ، وفيه يقول الأديب أبو إسحاق إبراهيم بن
يعقوب الكاتمي الأسود الشاعر المشهور : [الوافر]
أزال حجابه عنّي
وعيني
|
|
تراه من المهابة
في حجاب
|
وقرّبني تفضّله
ولكن
|
|
بعدت مهابة عند
اقترابي
|
وكثرت الفتوحات في
أيامه ، وأول ما نظر فيه عند صيرورة الأمر إليه بلاد الأندلس ، فنظر في شأنها ،
ورتب مصالحها ، وقرر المقاتلين في مراكزهم ، ورجع إلى كرسي مملكته مراكش المحروسة
، وفي سنة ٥٨٦ بلغه أن الإفرنج ملكوا مدينة شلب وهي من غرب الأندلس ، فتوجه إليها
بنفسه ، وحاصرها ، وأخذها ، وأنفذ في الوقت جيشا من الموحّدين والعرب ، ففتح أربع
مدن مما بأيدي الإفرنج من البلاد التي كانوا أخذوها من المسلمين قبل ذلك بأربعين
سنة ، وخافه صاحب طليطلة ، وسأله الهدنة والصلح ، فهادنه خمس سنين ، وعاد إلى
مراكش ، وأنشد القائد أبو عبد الله بن وزير الشّلبي وهو من أمراء كتائب إشبيلية قصيدة يخاطب بها يعقوب المنصور فيما جرى في وقعة
مع الفرنج كان الشّلبي المذكور مقدما فيها : [الطويل]
__________________
ولما تلاقينا
جرى الطّعن بيننا
|
|
فمنّا ومنهم
طائحون عديد
|
وجال غرار الهند
فينا وفيهم
|
|
فمنّا ومنهم
قائم وحصيد
|
فلا صدر إلّا
فيه صدر مثقّف
|
|
وحول الوريد
للحسام ورود
|
صبرنا ولا كهف
سوى البيض والقنا
|
|
كلانا على حرّ
الجلاد جليد
|
ولكن شددنا شدّة
فتبلدوا
|
|
ومن يتبلّد لا
يزال يحيد
|
فولّوا وللسّمر
الطوال بهامهم
|
|
ركوع وللبيض
الرّقاق سجود
|
رجع إلى أخبار
المنصور بعد هدنة الإفرنج : ولما انقضت مدة الهدنة ، ولم يبق منها إلا القليل ،
خرج طائفة من الإفرنج في جيش كثيف إلى بلاد المسلمين ، فنهبوا وسعوا وعاثوا عيثا
فظيعا ، فانتهى الخبر إليه ، فتجهز لقصدهم في جيوش موفرة وعساكر مكتّبة ، واحتفل في ذلك ، وجاز إلى الأندلس سنة ٥٩١ ، فعلم به
الإفرنج ، فجمعوا جمعا كثيرا من أقاصي بلادهم وأدانيها ، وأقبلوا نحوه ، وقيل :
إنه لما أراد الجواز من مدينة سلا مرض مرضا شديدا ، ويئس منه أطباؤه ، فعاث
الأذفونش في بلاد المسلمين بالأندلس ، وانتهز الفرصة ، وتفرقت جيوش المسلمين بسبب
مرض السلطان ، فأرسل الأذفونش يتهدد ويتوعد ، ويرعد ويبرق ، ويطلب بعض الحصون
المتاخمة له من بلاد الأندلس ، وخلاصة الأمر أن المنصور توجه بعد ذلك إلى لقاء
النصارى ، وتزاحف الفريقان ، فكان المصافّ شمالي قرطبة على قرب قلعة رباح في يوم
الخميس تاسع شعبان سنة ٥٩١ ، فكانت بينهم وقعة عظيمة استشهد فيها جمع كبير من
المسلمين.
وحكي أن يعقوب
المنصور جعل مكانه تحت الأعلام السلطانية الشيخ أبا يحيى بن أبي حفص عم السلطان
أبي زكريا الحفصي الذي ملك بعد ذلك إفريقية ، وخطب له ببعض الأندلس ، فقصد الإفرنج
الأعلام ظنا أن السلطان تحتها ، فأثروا في المسلمين أثرا قبيحا ، فلم يرعهم إلا
والسلطان يعقوب قد أشرف عليهم بعد كسر شوكتهم ، فهزمهم شر هزيمة ، وهرب الأذفونش في طائفة يسيرة ، وهذه وقعة الأرك
الشهيرة الذكر.
وحكي أن الذي حصل
لبيت المال من دروع الإفرنج ستون ألفا ، وأما الدواب على اختلاف أنواعها فلم يحصر
لها عدد ، ولم يسمع بعد وقعة الزلاقة بمثل وقعة الأرك هذه ، وربما صرح بعض المؤرخين بأنها أعظم من وقعة الزلاقة.
__________________
وقيل : إن فل الإفرنج هربوا إلى قلعة رباح ، فتحصنوا بها ، فحاصرها
السلطان يعقوب حتى أخذها ، وكانت قبل للمسلمين ، فأخذها العدو ، فردت في هذه المرة
، ثم حاصر طليطلة ، وقاتلها أشد قتال ، وقطع أشجارها ، وشنّ الغارات على أرجائها ،
وأخذ من أعمالها حصونا ، وقتل رجالها ، وسبى حريمها ، وخرب منازلها ، وهدم أسوارها
، وترك الإفرنج في أسوأ حال ، ولم يبرز إليه أحد من المقاتلة ، ثم رجع إلى إشبيلية
، وأقام إلى سنة ٥٩٣ ، فعاد إلى بلاد الفرنج ، وفعل فيها الأفاعيل ، فلم يقدر
العدو على لقائه ، وضاقت على الإفرنج الأرض بما رحبت ، فطلبوا الصلح ، فأجابهم
إليه ، لما بلغه من ثورة الميرقي عليه بإفريقية مع قراقوش مملوك بني أيوب سلاطين
مصر والشام.
ثم توفي السلطان
يعقوب سنة ٥٩٥.
وما يقال «إنه ساح
في الأرض ، وتخلى عن الملك ، ووصل إلى الشام ، ودفن بالبقاع» لا أصل له ، وإن حكى
ابن خلكان بعضه.
وممن صرح ببطلان
هذا القول الشريف الغرناطي في شرح مقصورة حازم ، وقال : إن ذلك في هذيان العامة ،
لولوعهم بالسلطان المذكور.
وولي بعده ولده
محمد الناصر المشؤوم على المسلمين ، وعلى جزيرة الأندلس بالخصوص ، فإنه جمع جموعا
اشتملت على ستمائة ألف مقاتل فيما حكاه صاحب «الذخيرة السنية ، في تاريخ الدولة
المرينية» ودخله الإعجاب بكثرة من معه من الجيوش ، فصافّ الإفرنج ،
فكانت عليه وعلى المسلمين وقعة العقاب المشهورة التي خلا بسببها أكثر المغرب ،
واستولى الإفرنج على أكثر الأندلس بعدها ، ولم ينج من الستمائة ألف مقاتل غير عدد
يسير جدا لم يبلغ الألف فيما قيل ، وهذه الوقعة هي الطامة على الأندلس ، بل
والمغرب جميعا ، وما ذاك إلا لسوء التدبير ، فإن رجال الأندلس العارفين بقتال
الإفرنج استخفّ بهم الناصر ووزيره ، فشنق بعضهم ، ففسدت النيات ، فكان ذلك من بخت الإفرنج ، والله غالب على أمره ، وكانت وقعة العقاب هذه المشؤومة
سنة ٦٠٩ ، ولم تقم بعدها للمسلمين قائمة تحمد.
ولما مات الناصر
سنة عشرين وستمائة ولي بعده ابنه يوسف المستنصر ، وكان مولعا بالراحة ، فضعفت
الدولة في أيامه ، وتوفي سنة ٦٢٠.
__________________
فتولى عم أبيه عبد
الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن ، فلم يحسن التدبير ، وكان إذ ذاك بالأندلس العادل
بن المنصور ، فرأى أنه أحق بالأمر ، فاستولى على ما بقي في أيدي المسلمين من
الأندلس بغير كلفة ، ولما خلع عبد الواحد وخنق بمراكش ثارت الإفرنج على العادل
بالأندلس ، وتصافّ معهم ، فانهزم ومن معه من المسلمين هزيمة شنعاء ، فكانت الأندلس
قرحا على قرح ، فهرب العادل ، وركب البحر يروم مراكش ، وترك بإشبيلية أخاه أبا
العلاء إدريس ، ودخل العادل مراكش بعد خطوب ، ثم قبض عليه الموحّدون ، وقدموا يحيى بن الناصر صغير
السن غير مجرب للأمور ، فادعى حينئذ الخلافة أبو العلاء إدريس بإشبيلية ، وبايعه
أهل الأندلس ، ثم بايعة أهل مراكش وهو مقيم بالأندلس ، فثار على أبي العلاء
بالأندلس الأمير المتوكل محمد بن يوسف الجذامي ، ودعا إلى بني العباس ، فمال الناس
إليه ، ورجعوا عن أبي العلاء ، فخرج عن الأندلس ـ أعني أبا العلاء ـ وترك ما وراء
البحر لابن هود ، ولم يزل أبو العلاء يتحارب مع يحيى بن الناصر إلى أن قتل يحيى ،
وصفا الأمر لأبي العلاء بالمغرب ، دون الأندلس ، ثم مات سنة ٦٣٠.
وبويع ابنه الرشيد
، وبايعه بعض أهل الأندلس ، ثم توفي سنة ٦٤٠.
وولي بعده أخوه
السعيد ، وقتل على حصن بينه وبين تلمسان سنة ٦٤٦.
وولى بعده المرتضى
عمر بن إبراهيم بن يوسف بن عبد المؤمن ، وفي سنة ٦٦٥ دخل عليه الواثق المعروف بأبي
دبوس ، ففر ، ثم قبض ، وسيق إلى الواثق ، فقلته ، ثم قتل الواثق بنو مرين سنة ٦٦٨
، وبه انقرضت دولة بني عبد المؤمن ، وكانت من أعظم الدولة الإسلامية ، فاستولى بنو
مرين على المغرب ، وأما المتوكل بن هود فملك معظم الأندلس ، ثم كثرت عليه الخوارج
قريب موته ، وقتله غدرا وزيره ابن الرميمي بالمرية ، واغتنم الإفرنج الفرصة
بافتراق الكلمة ، فاستولوا على كثير مما بقي بأيدي المسلمين من البلاد والحصون.
ثم آل الأمر إلى
أن ملك بنو الأحمر ، وخطب ببعض الأندلس لأبي زكريا الحفصي صاحب إفريقية ، وقد سبق الكلام
على أكثر المذكور هنا ، وأعدناه لتناسق الحديث ، ولما في بعضه من زيادة الفائدة
على البعض الآخر ، وذلك لا يخفى على المتأمل ، وقد بسطنا في الباب الثالث أحوال ابن
هود وابن الأحمر وغيرهما ، رحم الله تعالى الجميع!.
__________________
ثم استفحل ملك يعقوب بن عبد الحق صاحب المغرب وحضرة ملك فاس ، فانتصر
به أهل الأندلس على الإفرنج الذين تكالبوا عليهم ، فاجتاز إلى الأندلس وهزم
الإفرنج أشد هزيمة ، حتى قال بعضهم : ما نصر المسلمون من العقاب حتى دخل يعقوب
المريني وفتك في بعض غزواته بملك من النصارى يقال له ذوننه ، ويقال : إنه قتل من جيشه أربعين ألفا ، وهزمهم أشد هزيمة
، ثم تتابعت غزواته بالأندلس وجوازه للجهاد ، وكان له من بلاد الأندلس رندة
والجزيرة الخضراء وطريف وجبل طارق وغير ذلك ، وأعز الله تعالى به الدين ، بعد تمرد
الفرنج المعتدين.
ولما مات ولي بعده
ابنه يوسف بن يعقوب ، ففر إليه الأذفونش ملك النصارى لائذا به ، وقبّل يده ، ورهن عنده تاجه ، فأعانه على استرجاع ملكه.
ولم يزل ملوك بني
مرين يعينون أهل الأندلس بالمال والرجال ، وتركوا منهم حصة معتبرة من أقارب
السلطان بالأندلس غزاة ، فكانت لهم وقائع في العدو مذكورة ، ومواقف مشكورة ، وكان عند ابن الأحمر منهم جماعة بغرناطة
، وعليهم رئيس من بيت ملك بني مرين يسمونه شيخ الغزاة.
ولما أفضى الملك
إلى السلطان الكبير الشهير أبي الحسن المريني ، وخلص له المغرب وبعض بلاد الأندلس
أمر بإنشاء الأساطيل الكثيرة برسم الجهاد بالأندلس واهتم بذلك غاية الاهتمام ،
فقضى الله تعالى أن استولى الإفرنج على كثير من تلك المراكب بعد أخذهم الجزيرة
الخضراء ، وكان الإفرنج جمعوا جموعا كثيرة برسم الاستيلاء على ما بقي للمسلمين
بالأندلس ، فاستنفر أهل الأندلس السلطان أبا الحسن المذكور ، فجاء بنفسه إلى سبتة
فرضة المجاز ومحل أساطيل المسلمين ، فإذا بالإفرنج جاؤوا بالسفن التي
لا تحصى ، ومنعوه العبور ، وأغاثه أهل الأندلس حتى استولوا على الجزيرة الخضراء ،
وأنكوه في مراكبه أعظم نكاية ، ولله الأمر.
وقد أفصح عن ذلك
كتاب صدر من السلطان أبي الحسن المذكور إلى سلطان مصر والشام والحجاز الملك الصالح
بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي الألفي ، رحم الله تعالى
الجميع!.
__________________
وهذه نسخة الكتاب
المذكور الذي خاطب به أمير المسلمين السلطان أبو الحسن المريني المذكور ملك المغرب
رحمه الله تعالى السلطان الملك الصالح بن السلطان الملك الشهير الكبير الناصر محمد
بن قلاوون ، ووصل إلى مصر في النصف ـ وقيل : في العشر الأواخر ـ من شعبان المكرم
سنة ٧٤٥ بعد البسملة والصلاة : من عند أمير المسلمين ، المجاهد في سبيل الله رب العالمين ، المنصور بفضل الله
المتوكل عليه ، المعتمد في جميع أموره لديه ، سلطان البرين ، حامي العدوتين ، مؤثر
المرابطة والمثاغرة ، موازر حزب الإسلام حقّ الموازرة ، ناصر الإسلام ، مظاهر
دين الملك العلّام ، ابن مولانا أمير المسلمين ، المجاهد في سبيل رب العالمين ،
فخر السلاطين ، حامي حوزة الدين ، ملك البرين ، إمام العدوتين ، ممهد البلاد ،
مبدّد شمل الأعاد ، مجند الجنود ، المنصور الرايات والبنود ، محط الرحال ، مبلغ الآمال ، أبي سعيد بن مولانا أمير
المسلمين ، المجاهد في سبيل رب العالمين ، حسنة الأيام ، حسام الإسلام ، أبي
الأملاك ، مشجي أهل العناد والإشراك ، مانع البلاد ، رافع علم الجهاد ، مدوّخ
أقطار الكفار ، مصرخ من ناداه للانتصار ، القائم لله بإعلاء دين الحق ، أبي
يوسف يعقوب بن عبد الحق ، أخلص الله لوجهه جهاده! ويسر في قهر عداة الدين مراده!.
إلى محل ولدنا
الذي طلع في أفق العلاء بدرا تمّا ، وصدع بأنواع الفخار فجلا ظلاما وظلما ، وجمع
شمل المملكة الناصرية فأعلى منها علما وأحياها رسما ، حائط الحرمين ، القائم بحفظ
القبلتين ، باسط الأمان ، قابض كف العدوان ، الجزيل النوال ، الكفيل تأمينه بحياطة
النفوس والأموال ، قطب المجد وسماكه ، حبّ الحمد وملاكه ، السلطان الجليل الرفيع الأصيل ، الحافل العادل ، الفاضل
الكامل ، الشهير الخطير ، الأضخم الأفخم ، المعان المؤزر ، المؤيد المظفر ، الملك
الصالح أبو الوليد إسماعيل ، ابن محل أخينا الشهير علاؤه ، المستطير في الآفاق
ثناؤه ، زين الأيام والليال ، كمال عين إنسان المجد وإنسان عين الكمال ، وارث الدول
، النافث بصحيح رأيه في عقود أهل الملل والنحل ، حامي القبلتين بعدله وحسامه ،
النامي في حفظ الحرمين أجر اضطلاعه بذلك وقيامه ، هازم أحزاب المعاندين وجيوشها ،
هادم الكنائس والبيع فهي خاوية على عروشها ، السلطان الأجل ، الهمام الأحفل ،
الأفخم الأضخم ، الفاضل العادل ، الشهير الكبير ، الرفيع الخطير ، المجاهد المرابط
، المقسط عدله في الجائر والقاسط ، المؤيد المظفر ، المنعم المقدس المطهر ، زين السلاطين
، ناصر الدنيا والدين ، أبي
__________________
المعالي محمد ،
ابن الملك الأرضى ، الهمام الأمضى ، والد السلاطين الأخيار ، عاقد لواء النصر في
قهر الأرمن والفرنج والتتار ومحيي رسوم الجهاد ، معلي كلمة الإسلام في البلاد ، جمال
الأيام ، ثمال الأعلام ، فاتح الأقالم ، صالح ملوك عصره المتقادم ، الإمام المؤيد ، المنصور
المسدد ، قسيم أمير المؤمين فيما تقلد ، الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون ،
مكن الله له تمكين أوليائه ، ونمّى دولته التي أطلعها [له] السعد شمسا في سمائه ، وأحسن إيزاعه للشكر أن جعله وارث
آبائه!.
سلام كريم يفاوح
زهر الربا مسراه ، وينافح نسيم الصبا مجراه ، يصحبه رضوان يدوم ما دامت تقل الفلك
حركاته ، ويتولاه روح وريحان تحييه به رحمة الله وبركاته.
أما بعد حمد الله
مالك الملك ، جاعل العاقبة للتقوى صدعا باليقين ودفعا للشك ، وخاذل من أسرّ في
النفاق النجوى فأصر على الدخن والإفك ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله الذي محا بأنوار
الهدى ظلم الشرك ، ونبيه الذي ختم به الأنبياء وهو واسطة ذلك السّلك ، ودحا به حجة
الحق فمادت بالكفرة محمولة الأفلاك وماجت بهم حاملة الفلك ، والرضا عن آله
وصحبه الذين سلكوا سبيل هداه فسلك في قلوبهم أجمل السّلك ، وملكوا أعنّة هواهم
فلزموا من محجّة الصواب أنجح السلك ، وصابروا في جهاد الأعداء فزاد خلوصهم مع
الابتلاء والذهب يزيد خلوصا على السّبك ، والدعاء لأولياء الإسلام ، وحماته
الأعلام ، بنصر لمضائه في العدا أعظم الفتك ، ويسر بقضائه درك آمال الظهور وأحفل بذلك
الدرك ، فكتبناه إليكم ، كتب الله لكم رسوخ القدم وسبوغ النعم! من حضرتنا بمدينة
فاس المحروسة ، وصنع الله سبحانه يعرّف مذاهب الألطاف ، ويكيف مواهب تلهج الألسنة في القصور عن شكرها بالاعتراف ، ويصرف من أمره العظيم ،
وقضائه المتلقّى بالتسليم ، ما يتكوّن بين النون والكاف ، ومكانكم العتيد سلطانه ،
وسلطانكم المجيد مكانه ، وولاؤكم الصحيح برهانه ، وعلاؤكم الفسيح في مجال الجلال
ميدانه ، وإلى هذا زاد الله سلطانكم تمكينا ، وأفاد مقامكم تحصينا وتحسينا ، وسلك
بكم من سنن من خلفتموه سبيلا مبينا.
__________________
فلا خفاء بما كانت
عقدته أيدي التقوى ، ومهدته الرسائل التي على الصفاء تطوى ، بيننا وبين والدكم نعم
الله روحه وقدّسه ، وبقربه مع الأبرار في عليين آنسه ، من مواخاة أحكمت منها
العهود تالية الكتب والفاتحة ، وحفظ عليها محكم الإخلاص معوّذتاها المحبة والنية
الصالحة ، فانعقدت على التقوى والرضوان ، واعتضدت بتعارف الأرواح عند تنازح
الأبدان ، حتى استحكمت وصلة الولاء ، والتأمت كلحمة النسب لحمة
الإخاء ، فما كان إلا وشيكا من الزمان ، ولا عجب قصر زمن الوصلة أن يشكوه الخلان ،
ورد وارد أورد رنق المشارب ، وحقق قول ومن «يسأل الركبان عن كل غائب» أنبأ باستئثار
الله تعالى بنفسه الزكية ، وإكنان درته السنية ، وانقلابه إلى ما أعدّ له من
المنازل الرضوانية ، بجليل ما وقر لفقده في الصدور ، وعظيم ما تأثرت له النفوس
لوقوع ذلك المقدور ، حنانا للإسلام بتلك الأقطار ، وإشفاقا من أن يعتور قاصدي بيت الله الحرام من جراء الفتن عارض الإضرار ،
ومساهمة في مصاب الملك الكريم ، والولي الحميم ، ثم عميت الأخبار ، وطويت طي السجل
الآثار ، فلم نر مخبرا صدقا ، ولا معلما بمن استقر له ذلكم الملك حقا ، وفي أثناء
ذلك حفزنا للحركة عن حضرتنا استصراخ أهل الأندلس وسلطانها ، وتواتر
الأخبار بأن النصارى أجمعوا على خراب أوطانها ، ونحن أثناء ذلكم الشأن ، نستخبر
الوراد من تلكم البلدان ، عما أجلي عنه ليل الفتن بتلكم الأوطان ، فبعد لأي وقعنا
منها على الخبير ، وجاءنا بوقاية حرم الله بكم البشير ، وتعرفنا أن الملك استقر
منكم في نصابه ، وتداركه الله تعالى منكم بفاتح الخير من أبوابه ، فأطفأ بكم نار
الفتنة وأخمدها ، وأبرأ من أدواء النفاق ما أعل البلاد وأفسدها ، فقام سبيل الحج سابلا ،
وتعبّد طريقه لمن جاء قاصدا وقافلا ، ولما احتفّت بهذا الخبر
القرائن ، وتواتر بنقل الحاضر [له و] المعاين ، أثار حفظ الاعتقاد البواعث ، والود
الصحيح تجره حقا الموارث ، فأصدرنا لكم هذه المخاطبة المتفننة الأطوار ، الجامعة
بين الخبر والاستخبار ، الملبسة من العزاء والهناء ثوبي الشعار والدثار ، ومثل
ذلكم الملك رضوان الله عليه من تجل المصائب لفقدانه ، وتحل عرا الاصطبار بموته
ولات حين أوانه ، لكن الصبر أجمل ما ارتداه ذو عقل حصين ، والأجر أولى ما اقتناه
ذو دين متين ، ومثلكم من لا يخفّ وقاره ، ولا يشف عن ظهور الجزع الحادث اصطباره ،
ومن خلفكم فما مات ذكره ، ومن قمتم بأمره فما زال بل زاد فخره ، وقد طالت والحمد
لله العيشة الراضية بالحقب ، وطاب بين مبداه ومحتضره هنيئا بما من الأجر اكتسب ،
__________________
وصار حميدا إلى
خير المنقلب ، ووفد من كرم الله على أفضل ما منح موقنا ووهب ، فقد ارتضاكم الله
بعده لحياطة أرضه المقدّسة ، وحماية زوّار بيته مقيلة أو معرسة .
ونحن بعد بسط هذه
التعزية ، نهنيكم بما خوّلكم الله أجمل التهنية ، وفي ذات الله الإيراد والإصدار ،
وفي مرضاته سبحانه الإضمار والإظهار ، فاستقبلوا دولة ألقى العز عليها رواقه ،
وعقد الظهور عليها نطاقه ، وأعطاها أمان الزمان عقده وميثاقه ، ونحن على ما عاهدنا
عليه الملك الناصر رضوان الله عليه من عهود موثّقة ، وموالاة محقّقة ، وثناء
كمائمه عن أذكى من الزهر غبّ القطر مفتّقه ، ولم يغب عنكم ما كان من بعثنا
المصحفين الأكرمين اللذين خطتهما منا اليمين ، وأوت بهما الرغبة من الحرمين
الشريفين إلى قرار مكين ، وإنه كان لوالدكم الملك الناصر تولاه الله برضوانه ،
وأورده موارد إحسانه ، في ذلكم من الفعل الجميل ، والصنع الجليل ، ما ناسب مكانه
الرفيع ، وشاكله فضله من البر الذي لا يضيع ، حتى طبّق فعله الآفاق ذكرا ، وطوّق
أعناق الورّاد والقصّاد برا ، وكان من أجمل ما به تحفّى وأتحف ، وأعظم ما بعرفه
إلى رضا الملك العلام في ذلك تعرف ، إذنه للمتوجهين إذ ذاك في شراء رباع توقف على
المصحفين ، ورسم المراسم المباركة بتحرير ذلك الوقف مع اختلاف الجديدين ، فجرت أحوال القراء فيهما بذلك الخراج المستفاد ، ريثما
يصلحهم من خراج ما وقفناه عليهم بهذه البلاد ، على ما رسمه رحمة الله عليه من
عناية بهم متصلة ، واحترام في تلك الأوقاف فوائدها به متوفرة متحصّلة ، وقد أمرنا
مؤدّي هذا لكما لكم ، وموفده على جلالكم ، كاتبنا الأسنى الفقيه الأجل ، الأحظي الأكمل ، أبا المجد ، ابن كاتبنا الشيخ الفقيه الأجل الحاج
الأتقى ، الأرضي الأفضل ، الأحظى الأكمل ، المرحوم أبي عبد الله بن أبي مدين حفظ
الله عليه رتبته ، ويسر في قصد البيت الحرام بغيته ، بأن يتفقد أحوال تلك الأوقاف
، ويتعرف تصرف الناظر عليها وما فعله من سداد وإسراف ، وأن يتخير لها من يرتضي
لذلك ، ويحمد تصرفه فيما هنالك ، وخاطبنا سلطانكم في هذا الشأن ، جريا على الود
الثابت الأركان ، وإعلاما بما لوالدكم رحمه الله تعالى في ذلك من الأفعال الحسان ،
وكمالكم يقتضي تخليد ذلكم البر الجميل ، وتجديد عمل ذلكم الملك الجليل ، وتشييد ما
اشتمل عليه من الشكر الأصيل ، والأجر الجزيل ، والتقدم بالإذن السلطاني في
إعانة هذا الوافد بهذا الكتاب ، على ما يتوخاه في ذلك
__________________
الشان من طرق
الصواب ، وثناؤنا عليكم الثناء الذي يفاوح زهر الرّبا ، ويطارح نغم حمام الأيك
مطربا ، وبحسب المصافاه ، ومقتضى الموالاة ، نشرح لكم المتزايدات ، بهذه الجهات ،
وننبئكم بموجب إبطاء إنفاذ هذا الخطاب على ذلكم الجناب ، وذلك أنه لما وصلنا من
الأندلس الصّريخ ، ونادى مناد للجهاد عزما لمثل ندائه يصيخ ، أنبأنا أن الكفار قد جمعوا أحزابهم من كل صوب ، وحتم
عليهم باباهم اللعين التناصر من كل أوب ، وأن تقصد طوائفهم البلاد الأندلسية
بإيجافها ، وتنقص بالمنازلة أرضها من أطرافها ، ليمحوا كلمة الإسلام منها ،
ويقلّصوا ظلّ الإيمان عنها ، فقدمنا من يشتغل بالأساطيل من القوّاد ، وسرنا على
إثرهم إلى سبتة منتهى المغرب الأقصى وباب الجهاد ، فما وصلناها إلا وقد أخذ أخذه
العدو الكفور ، وسدت أجفان الطواغيت على التعاون مجاز العبور ، وأتوا من أجفانهم
بما لا يحصى عددا ، وأرصدوها بمجمع البحر حيث المجاز إلى دفع العدا ، وتقلصوا عن
الانبساط في البلاد ، واجتمعوا إلى الجزيرة الخضراء أعادها الله بكل من جمعوه من
الأعاد ، لكنا مع انسداد تلك السبيل ، وعدم أمور نستعين بها في ذلكم العمل الجليل
، حاولنا إمداد تلكم البلاد بحسب الجهد ، وأصرخناهم بمن أمكن من الجند ، وجهزنا أجفانا مختلسين فرصة الإجازة ،
تتردد على خطر بمن جهز للجهاد جهازه ، وأمرنا لصاحب الأندلس من المال ، بما يجهز
به حركته لمداناة محلة حزب الضلال ، وأجرينا له ولجيشه العطاء الجزل مشاهرة ،
وأرضخنا لهم في النوال ما نرجو به ثواب الآخرة ، وجعلت أجفاننا
تتردد في ميناء السواحل ، وتلج أبواب الخوف العاجل ، لإحراز الأمن الآجل ، مشحونة
بالعدد الموفورة ، والأبطال المشهورة ، والخيل المسوّمة ، والأقوات المقوّمة ، فمن
ناج حارب دونه الأجل ، وشهيد مضى لما عند الله عز وجل ، وما زالت الأجفان تتردد
على ذلك الخطر ؛ حتى تلف منها سبع وستون قطعة غزوية أجرها عند الله يدّخر ، ثم لم
نقنع بهذا العمل في الأمداد ، فبعثنا أحد أولادنا أسعدهم الله تعالى مساهمة به
لأهل تلك البلاد ، فلقي من هول البحر وارتجاجه ، وإلحاح العدو ولجاجه ، ما به الأمثال تضرب ، وبمثله يتحدث ويستغرب ، ولما خلص
لتلك العدوة بمن أبقته الشدائد ، نزل بإزاء الكافر الجاحد ، حتى كان منه بفرسخين أو
أدنى ، وقد ضرب بطعن يصابح العدو ويماسيه بحرب بها يمنى .
__________________
وقد كان من مددنا
بالجزيرة جيش شريت شرارته ، وقويت في الحرب إدارته ، يبلون البلاء الأصدق ، ولا
يبالون بالعدو وهم منه كالشامة البيضاء في البعير الأورق ، إلا أن المطاولة بحصرها في البحر مدة ثلاثة أعوام ونصف ،
ومنازلتها في البر نحو عامين معقودا عليها الصف بالصف ، أدّى إلى فناء الأقوات في
البلد ، حتى لم يبق لأهله قوت نصف شهر مع انقطاع المدد ، وبه من الخلق ما يربي على عشرة آلاف دون الحرم والولد ، فكتب إلينا سلطان
الأندلس يرغب في الإذن له في عقد الصلح ، ووقع الاتفاق على أنه لاستخلاص المسلمين
من وجوه النجح ، فأذنّا له فيه الإذن العام ، إذ في إصراخه وإصراخ من بقطره من
المسلمين توخّينا ذلك المرام ، هنالك دعي النصارى إلى السلم فاستجابوا ، وقد كانوا
علموا فناء القوت وما استرابوا ، فتم الصلح إلى عشر سنين ، وخرج من بها من فرسان
ورجال وأهل وبنين ، ولم يرزؤوا مالا ولا عدّة ، ولا لقوا في خروجهم غير النزوح عن أول أرض مس الجلد ترابها شدة ، ووصلوا إلينا فأجزلنا
لهم العطاء ، وأسليناهم عما جرى بالحباء ، فمن خيل تزيد على الألف عتاقها ، وخلع
تربى على عشرة آلاف أطواقها ، وأموال عمت الغنيّ والفقير ، ورعاية شملت الجميع بالعيش
النّضير ، وكف الله ضر الطواغيت عما عداها ، وما انقلبوا بغير مدرة عفا رسمها وصم
صداها.
وقد كان من لطف
الله حين قضى بأخذ هذا الثغر ، أن قدّر لنا فتح جبل طارق من أيدي الكفر ، وهو المطلّ على هذه
المدرة ، والفرصة منها إن شاء الله متيسّرة ، حتى يفرق عقد الكفار ، ويفرج بهذه الجهة منهم مجاور وهذه
الأقطار ، فلولا إجلابهم من كل جانب ، وكونهم سدوا مسلك العبور بما لجميعهم من
الأجفان والمراكب ، لما بالينا بإصعاقهم ، ولحللنا بعون الله عقد اتفاقهم ، ولكن
للموانع أحكام ، ولا راد لما جرت به الأقلام ، وقد أمرنا لذلك الثغر بمزيد المدد ،
وتخيرنا له ولسائر تلك البلاد العدد والعدد ، وعدنا لحضرتنا فاس لتستريح الجيوش من
وعثاء السفر ، وترتبط الجياد وتنتخب العدد لوقت الظهور المنتظر ، وتكون
على أهبة الجهاد ، وعلى مرقبة الفرصة عند تمكنها في الأعاد ،
__________________
وعند عودنا من تلك
المحاولة ، تيسر الركب الحجازي موجّها إلى هنا لكم رواحله ، فأصدرنا إليكم هذا
الخطاب ، إصدار الود الخالص والحب اللّباب ، وعندنا لكم ما عند أحنى الآباء ، واعتقادنا فيكم في ذات الله لا يخشى جديده من البلاء ،
وما لكم من غرض بهذه الأنحاء ، فموفّى قصده على أكمل الأهواء ، موالي تتميمه على
أجمل الآراء ، والبلاد باتحاد الود متحدة ، والقلوب والأيدي على ما فيه مرضاة الله
عز وجل منعقدة ، جعل الله ذلكم خالصا لرب العباد ، مدخورا ليوم التّناد ، مسطورا في الأعمال الصالحة يوم المعاد ، بمنه وفضله ،
وهو سبحانه وتعالى يصل إليكم سعدا تتفاخر به سعود الكواكب ، وتتضافر على الانقياد له صدور المواكب ، وتتقاصر عن نيل مجده
متطاولات المناكب ، والسلام الأتم يخصكم كثيرا أثيرا ورحمة الله وبركاته ، وكتب في
يوم الخميس السادس والعشرين لشهر صفر المبارك من عام خمسة وأربعين وسبعمائة ،
وصورة العلامة ، وكتب في التاريخ المؤرخ.
ونسخة الجواب عن
ذلك من إنشاء خليل الصفدي شارح «لامية العجم» في سادس شهر رمضان سنة خمس وأربعين
وسبعمائة ، بعد البسملة ، في قطع النصف بقلم الثلث : عبد الله ووليه ، صورة العلامة ، ولده إسماعيل بن محمد
السلطان الملك الصالح السيد العالم العادل المؤيد المجاهد المرابط المثاغر المظفر
المنصور عماد الدنيا والدين ، سلطان الإسلام والمسلمين ، محيي العدل في العالمين ،
منصف المظلومين من الظالمين ، وارث الملك ، ملك العرب والعجم والترك ، فاتح
الأقطار ، واهب الممالك والأمصار ، إسكندر الزمان ، مملك أصحاب المنابر والأسرّة
والتخوت والتيجان ، ظلّ الله في أرضه ، القائم بسنته وفرضه ، مالك البحرين ، خادم
الحرمين الشريفين ، سيد الملوك والسلاطين ، جامع كلمة الموحّدين ، ولي أمير
المؤمنين ، أبو الفداء إسماعيل بن السلطان الشهيد السعيد الملك الناصر ناصر الدنيا
والدين أبي الفتح محمد بن السلطان الشهيد السعيد الملك المنصور سيف الدنيا والدين
قلاوون ، خلد الله تعالى سلطانه! وجعل الملائكة أنصاره وأعوانه! يخصّ المقام العالي
الملك الأجلّ الكبير المجاهد المؤيد المرابط المثاغر المعظم المكرم المظفر المعمر الأسعد الأصعد الأوحد الأمجد
الأنجد ، السني السري المنصور أبا الحسن علي بن أمير المسلمين أبي سعيد بن أمير
__________________
المسلمين أبي يوسف
يعقوب بن عبد الحق ، أمدّه الله بالظفر ، وقرن عزمه بالتأييد في الآصال والبكر !.
سلام وشّت البروق
وشائعه ، وادّخرت الكواكب ودائعه ، استوعب الزمان ماضيه ومستقبله
ومضارعه ، وثناء اتخذ النفحات المسكية طلائعه ، ونبه للتغريد في الروض سواجعه ،
وجلّى في كاسه من الشفق المحمر مدامه من النجوم فواقعه.
[أما] بعد حمد الله على نعم أدت لنا الأمانة في عود سلطنة والدنا
الموروثة ، وأجلستنا على سرير مملكة زرابيّها بين النجوم مبثوثة ، وأحسنت بنا الخلف عن سلف عهوده في الأعناق غير منكورة
ولا منكوثة ، وصلاته على سيدنا محمد عبده ورسوله ، وعلى آله وصحبه الذين بلغ
بجهادهم في الكفرة غاية أمله ورسوله ، صلاة تحط بالرضوان سيولها ، وتجر بالغفران
ذيولها ، ما تراسل أصحاب ، وتواصل أحباب ، ويوضح للعلم الكريم ، وورد كتابكم
العظيم ، وخطابكم الفائق على الدر النظيم ، تفاخر الخمائل سطوره ، ويصبغ خدّ الورد
بالخجل منثوره ، ويحكي الرياض اليانعة فالألفات غصونه والهمزات عليها طيوره ،
ويخلع على الآفاق حلل الأيام والليالي فالطّرس صباحه والنّقس ديجوره ، لفظه يطرب ، ومعناه يعرب فيغرب ، وبلاغته تدلّ على أنه
آية لأن شمس بيانها طلعت من المغرب ، فاتخذنا سطوره ريحانا ، ورجّعنا ألفاظه
ألحانا ، ورجعنا إلى الجدّ فشبهنا ألفاته بظلال الرماح ، وورقه بصقال الصّفّاح ،
وحروفه المفرقة بأفواه الجراح ، وسطوره المنتظمة بالفرسان المزدحمة في يوم الكفاح
، وانتهينا إلى ما أودعتموه من اللفظ المسجوع ، والمعنى الذي يطرب طائره المسموع ،
والبلاغة التي فضح المتطبع بيانها المطبوع.
فأما العزاء
بأخيكم الوالد قدّس الله روحه وسقى عهده ، وأحسن لسلفه خلفنا بعده ، فلنا برسول
الله أسوة حسنة ، ولو لا الوثوق بأنه في عدّة الشهداء ما رأى القلب قراره ولا
الطرف وسنه ، عاش سعيدا يملك الأرض ، ومات شهيدا يفوز بالجنة يوم
العرض ، قد خلد الله
__________________
ذكره يسير مسير
الشمس في الآفاق ، ويوقف على نضارة حدائقه نظرات الأحداق ، وورثنا منه حسن الإخاء
لكم ، والوفاء بعهود مودة تشبه في اللطف شمائلكم ، وأما الهناء بوراثة ملكه ،
والانخراط مع الملوك في سلكه ، قد شكرنا لكم منحى هذه المنحة ، وقابلناها بثناء
يعطّر النسيم في كل نفحه ، ووقفنا عليها حمدا جعل الود علينا إيراده وعلى أنفاس سرحة الروض شرحه ، وتحققنا به حسن ودكم الجميل
، وكريم إخائكم الذي لا يميد طود رسوخه ولا يميل .
وأما ما ذكرتموه
من أمر المصحفين الشريفين اللذين وقفتموهما على الحرمين المنيفين ، وأنكم جهزتم
كاتبكم الفقيه الأجلّ الأسنى الأسمى أبا المجد ابن كاتبكم أبي عبد الله بن أبي
مدين أعزه الله تعالى لتفقد أحوالهما ، والنظر في أمر أوقافهما ، فقد وصل المذكور
بمن معه في حرز السلامة وأكرمنا نزلهم ، وسهلنا بالترحيب سبلهم ، وجمعنا على بذل
الإحسان إليهم شملهم ، وحضر المذكور بين أيدينا وقربناه ، وسمعنا كلامه وخاطبناه ،
وأمرنا في أمر المصحفين الشريفين بما أشرتم ، ورسمنا لنوابنا في نواحي أوقافهما
بما ذكرتم ، وهذا الوقف المبرور جار على أحسن عادة ألفها ، وأثبت قاعدة عرفها ،
مرعيّ الجوانب ، محمي المنازل والمضارب ، آمن من إزالة رسمه ، أو إزالة حكمه ،
بدره أبدا في مطالع تمه ، وزهره دائما يرقص على كمه ، لا يزداد إلا تخليدا ، ولا إطلاق ثبوته إلا تقييدا ،
ولا عنق اجتهاده إلا تقليدا ، جريا على قاعدة أوقاف ممالكنا ، وعادة تصرفاتنا في مسالكنا ، وله مزيد الرعاية ، وإفادة الحماية
، ووفادة العناية.
وأما ما وصفتموه
من أمر الجزيرة الخضراء وما لاقاه أهلها ، ومني به من الكفار حزنها وسهلها ، فإنه شقّ علينا سماعه الذي أنكى أهل الإيمان ، وعدّد به
نوب الزمان ، كل قلب بأنامل الخفقان ، وطالما فزتم بالظفر ، ورزقتم
النصر على عدوّكم فجر ذيل الهزيمة وفرّ ، ولكن الحروب سجال ، وكل زمان لدوائه دولة
ولرجائه رجال ، ولو أمكنت المساعدة لطارت بنا إليكم عقبان الجياد المسوّمة ، وسالت
على عدوّكم أباطحهم بقسينا المعوجة وسهامنا المقوّمة ، وكحلنا عيون النجوم بمراود
الرماح ، وجعلنا ليل العجاج ممزقا ببروق الصفاح ،
__________________
واتخذنا رؤوسهم
لصوالج القوائم كرات ، وفرجنا مضايق الحرب بتوالي الكرّات ، وعطفنا عليهم الأعنّة ، وخضنا جداول السيوف ودسنا شوك الأسنّة ، وفلقنا
الصخرات بالصرخات ، وأسلنا العبرات بالرعبات ، ولكن أين الغاية من هذا المدى
المتطاول؟ وأين الثريا من يد المتناول؟ وما لنا غير إمدادكم بجنود الدعاء الذي
نرفعه نحن ورعايانا ، والتوجّه الصادق الذي تعرفه ملائكة القبول من سجايانا.
وأما ما فقدتموه
من الأجفان التي طرقها طيف التلاف ، وأمّ حرم فنائها الفناء وطاف به بعد الإلطاف ،
فقد روّع هذا الخبر قلب الإسلام ، ونوّع له الحزن على اختلاف الإصباح والإظلام ،
وهذه الدار ما يخلو صفوها من كدر القدر ، وطالما أنامت بالأمن أوّل الليل وخاطبت
بالخطب في السّحر ، ولكن في بقائكم ما يسلي من خطب العطب ، ومع سلامة نفسكم
الكريمة فالأمر هين لأن الدر يفدى بالذهب.
وأما ما رأيتموه
من الصلح فرأى عقده مبارك ، وأمر ما فيه فارط عزم وإن كان فيتدارك ، والأمر يجيء
كما يحب لا كما نحب ، والحروب يزورها نصرها تارة ويغب ، ومع اليوم غدا ، وقد يردّ الله الردى ، ويعيد الظفر
بالعدا.
وأما عودكم إلى
فاس المحروسة طلبا لإراحة من عندكم من الجنود ، وتجهيزا لمن يصل من عندكم إلى
الحجاز الشريف من الوفود ، فهذا أمر ضروري التدبير ، سروري التثمير ، لأن النفوس
تمل وثير المهاد ، فكيف ملازمة صهوات الجياد ، وتسأم من مجالسة الشّرب ، فكيف بممارسة الحرب ، وتعرض عن دوام اللذة ، فكيف
بمباشرة المنايا الفذّة ، وهذا جبل طارق الذي فتح الله به عليكم ، وساق هدى هديته
إليكم ، لعله يكون سببا إلى ارتجاع ما شرد ، وحسما لهذا الطاغية الذي مرد ، وردّا
لهذا النازل الذي قدم ورد الصبر لما ورد ، فعادة الألطاف الإلهية بكم معروفة ،
وعزماتكم إلى جهات الجهاد مصروفة ، وقد تفاءلنا لكم من هذا الجبل بأنه طارق خير من
الرحمن يطرق ، وجبل يعصم من سهم يمر من قسيّ الكفار ويمرق.
وأما ما منحتموه
من الخيل العتاق ، والملابس التي تطلع بدور الوجوه من مشارق الأطواق ، والأموال
التي زكت عند الله تعالى ونمت على الإنفاق ، فعلى الله عز وجل خلفها ،
__________________
ولكم في منازل
الدنيا والآخرة [سرفها] وشرفها ، وإليكم تساق هدايا أثنيتها وتحفكم تحفها ، وإذا وصل وفدكم الحاج ، وأثار له بوجه
إقبالنا عليهم ليلهم الداج ، كانوا مقيمين تحت ظل إكرامنا ، وشمول إسعافنا لهم وإنعامنا
، يتخوّلون تحفا أنتم سببها ، ويتناولون طرفا في كؤوس الاعتناء بهم تنضد حببها ،
وإذا كان أوان الرحيل إلى الحج فسحنا لهم الطريق ، وسهلنا لهم الرفيق ، وبلغناهم
بحول الله تعالى مناهم من منى ، وسؤلهم ممن إذا زاروا حجرته الشريفة حازوا الراحة من العنا ،
وفازوا بالغنى ، وإذا عادوا عاملناهم بكل جميل ينسيهم مشقة ذلك الدّرب ، ويخيل
إليهم أن لا مسافة لمسافر بين الشرق والغرب ، وغمرناهم بالإحسان في العود إليكم ،
وأمرناهم بما ينهونه شفاها لديكم ، وعناية الله تعالى تحوط ذاتكم ، وتوفر لأخذ
الثار حماتكم ، وتخصكم بتأييد تنزلون روضه الأنضر ، وتجنون به ثمر النصر اليانع من
ورق الحديد الأخضر ، وتتحفكم بسعد لا يبلى قشيبه ، وعز لا يمحو شبابه مشيبه ،
وتحيته المباركة تغاديكم وتراوحكم ، وتفاوحكم أنفاسها المعنبرة وتنافحكم ، بمنه وكرمه ، انتهى.
ورأيت بخط منشئ
هذا الجواب الصلاح الصّفدي رحمه الله تعالى أثر ذكره ما نصه : أما بعد حمد الله تعالى على نعمائه ، وصلاته
على سيدنا محمد عبده ورسوله خاتم أنبيائه ، فقد قرأ الشيخ الإمام العالم العامل
العلامة المفيد القدوة عز الدين أبو يعلى حمزة بن الرئيس الكبير الفاضل القاضي قطب
الدين موسى بن أحمد بن شيخ السلامية الأحمدي أمتع الله بفوائده! ـ الكتاب الوارد من سلطان المغرب الملك
المجاهد المرابط أبي الحسن المريني صاحب مراكش تغمده الله تعالى برحمته والجواب
عنه عن السلطان الشهيد الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن السلطان الشهيد الملك
الناصر محمد قدس الله تعالى روحهما من إنشائي ، وأنا أسمع ذلك جميعا من أولهما إلى
آخرهما ، قراءة أطربت السمع لفصاحتها ، وأمالت العطف لرجاحتها. [السريع]
وأخجلت ورق
الحمى باللّوى
|
|
إن صدحت في ذروة
الغصن
|
تكاد من لطف ومن
رقّة
|
|
تدخل في الأذن
بلا إذن
|
__________________
وذلك في مجلس واحد
في ذي القعدة سنة ٧٥٦ ، بالجامع الأموي بدمشق المحروسة فإن رأى رواية ذلك عني
فله علو الرأي في تشريفي بذلك ، وكتبه خليل بن أيبك الصفدي الشافعي عفا الله عنه!
انتهى.
وكان السلطان أبو
الحسن المريني المذكور كتب ثلاثة مصاحف شريفة بخطه ، وأرسلها إلى المساجد الثلاثة
التي تشدّ إليها الرحال ، ووقف عليها أوقافا جليلة كتب توقيعه سلطان مصر والشام بمسامحتها
من إنشاء الأديب الشهير جمال الدين بن نباتة المصري ، ونص ما يتعلق به الغرض منه
هنا قوله : وهو الذي مدّ يمينه بالسيف والقلم فكتب في أصحابها ، وسطر الختمات
الشريفة فأيّد الله حزبه بما سطر من أحزابها ، واتصلت ملائكة النصر بلوائه تغدو وتروح ، وكثرت فتوحه لأملياء
الغرب فقالت أوقاف الشرق : لابد للفقراء من فتوح ، ثم وصلت ختمات شريفة كتبها بقلمه
المجيد المجدي ، وخطّ سطورها بالعربي وطالما خط في صفوف الأعداء بالهندي ، ورتب عليها أوقافا تجري أقلام الحساب في إطلاقها وطلقها ، وحبس أملاكا شامية تحدث بنعم الأملاك
التي سرت من مغرب الأرض إلى مشرقها ، والله تعالى يمتع من وقف هذه الختمات بما سطر
له في أكرم الصحائف ، وينفع الجالس من ولاة الأمور في تقريرها ويتقبل من الواقف ،
انتهى.
قلت : وقد رأيت
أحد المصاحف المذكورة ، وهو الذي ببيت المقدس ، وربعته في غاية الصنعة.
وقال بعض المشارقة
في حق السلطان أبي الحسن ، ما صورته : ملك أضاء المغرب بأنوار هلاله ، وجرت إلى
المشرق أنواء نواله ، وطابت نسماته ، واشتهرت عزماته ، كان حسن الكتابة ، كثير
الإنابة ، ذا بلاغة وبراعة ، وشهامة وشجاعة ، كتب بخطه ثلاثة مصاحف ووقفها على
المساجد الثلاثة ، أقام في الملك عشر سنين وسبعة أيام ، ثم صرف بولده أبي عنان بعد
حروب يطول شرحها ، انتهى من كتاب نزوهة الأنام.
ولما ذكر الإمام
الخطيب أبو عبد الله بن مرزوق في كتابه «المسند الصحيح الحسن ، من
__________________
أخبار السلطان أبي
الحسن» أمر الربعة التي أرسلها السلطان أبو الحسن بخطه قال ما ملخصه : وأرسل معها
للسلطان الملك الناصر بن قلاوون صاحب الديار المصرية من أحجار الياقوت العظيم
القدر والثمن ثمانمائة وخمسة وعشرين ، ومن الزمرد مائة وثمانية وعشرين ، ومن
الزبرجد مائة وثمانية وعشرين ، ومن الجوهر النفيس الملوكي ثلاثمائة وأربعة وستين ،
وأرسل حللا كثيرة منها مذهبة ثلاثة عشر ، ومن الإناق عشرين مذهبة ، ومن الخلادي
ستة وأربعين ، ومن القنوع ستة وعشرين مذهبة ، ومن المحررات المختمة ثمانمائة ، ومن
الرصان عشرين شقة ، والأكسية المحررة أربعة وعشرين ، والبرانس المحررة ثمانية عشر
، والمشففات مائة وخمسين ، وأحارم الصوف المحررة عشرين ، ومن شقق الملف
الرفيع ستة عشر ، ومن الفضالي المنوعة والفرش والمخاد المنبوق والحلل ثمانمائة ،
وأوجه اللحف المذهبة عشرين ، وحائطان حلة وحنابل مائة واثني عشر كلها حرير ، وفرش
جلد مخروز بالذهب والفضة ، ومن السيوف المحلاة بالذهب المنظم بالجوهر عشرة ،
والسروج عشرة بركب ذهب ومهاميز ذهب كذلك ، وثلاث ركب فضة ، وستة مزججة ومذهبة ، ومضمتان من ذهب مما
يليق بالملوك ، وشاشية حرير مطوقة بذهب مكلل بالجوهر ، ومن لزمات الفضة عشرة ، وسرج مخروزة
بالفضة عشرة ، وعشر علامات معششة مذهبة ،
وعشر رايات مذهبة ، وعشر براقع مذهبة ، وعشر أمثلة مرقومة ، وثلاثين جلدا شرك ، وأربعة آلاف درقة لمط منها مائتان بنهود الذهب وثمانية
عشر بنهود الفضة ، وخباء قبة كبيرة من مائة بنيقة لها أربعة أبواب ، وقبة أخرى
مضربة من ست وثلاثين بنيقة مبطنة بحلة مذهبة ، وهي حرير أبيض ومرابطها حرير ملوّن
وعمودها عاج وآبنوس ، وأكبارها من فضة مذهبة ، ومن البزاة الأحرار المنتقاة أربعة
وثلاثين ، ومن عتاق الخيل العراب ثلاثمائة وخمسا وثلاثين ، ومن البغال الذكور والإناث مائة وعشرين ، ومن الجمال
سبعمائة ، وتوجهت مع هذه الهدية أمم برسم الحج مع الرّبعة المكرمة ، وأعطى الحرة
أم أخته أم ولد أبيه مريم ثلاثة آلاف وخمسمائة ذهبا ، ولقاضي الركب ثلاثمائة وكسوة
، ولقائد الركب أربعمائة وكساوي متعددة وبغلات ، وللرسول المعين للهدية ألفا ،
ولشيخ الركب أحمد بن يوسف بن أبي محمد صالح خمسمائة ، ولجماعة الضعفاء من الحجاج
ستمائة ، وبرسم العطاء للعرب ثلاثة آلاف وثمانمائة ، ولشراء ريع ستة عشر ألفا وخمسمائة ذهبا ، انتهى.
__________________
وذكر في الكتاب
المذكور أن السلطان أبا الحسن الموصوف أهدى هدايا غير هذه لكثير من الملوك ، ومنها
لصاحب الأندلس صلة وصدقة [وهدية] في مرات ، ومنها لملوك النصارى بعد هداياهم ، ومنها
لسلاطين السودان كصاحب مالي ، ومنها لصاحب إفريقية ، ومنها لصاحب تلمسان ، انتهى.
وقال مؤرخ مصر
المقريزي في كتاب «السلوك» في سنة ٧٣٨ ما نصه : وفي ثاني عشرين من رمضان قدمت
الحرة من عند السلطان أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب المريني صاحب فاس تريد الحج
، ومعها هدية جليلة إلى الغاية ، نزل لحملها من الإصطبل السلطاني ثلاثون قطارا من
بغال النقل سوى الجمال ، وكان من جملتها أربعمائة فرس منها مائة حجرة ومائة فحل ومائتا بغل وجميعها بسرج ولجم مسقطة بالذهب
والفضة ، وبعضها سرجها وركبها كلها ذهب ، وكذلك لجمها ، وعدتها اثنان وأربعون رأسا
منها سرجان من ذهب مرصع بجوهر ، وفيها اثنان وثلاثون بازا ، وفيها سيف قرابه ذهب مرصع ، وحياصه ذهب مرصع ، وفيها مائة كساء ، وغير ذلك من القماش العال ،
وكان قد خرج المهمندار إلى لقائهم ، وأنزلهم بالقرافة قريب مسجد الفتح ، وهم جمع
كثير جدا ، وكان يوم طلوع الهدية من الأيام المذكورة ، ففرق السلطان الهدية على
الأمراء بأسرهم على قدر مراتبهم ، حتى نفدت كلها سوى الجواهر واللؤلؤ فإنه اختص به
، فقدرت قيمة هذه الهدية ما يزيد على مائة ألف دينار ، ثم نقلت الحرة إلى الميدان
بمن معها ، ورتب لها من الغنم والدجاج والسكر والحلوى والفاكهة في كل يوم بكرة
وعشية ما عمهم وفضل عنهم ، فكان مرتبهم كل يوم عدة ثلاثين رأسا من الغنم ، ونصف
أردب أرز ، وقنطار حب رمان ، وربع قنطار سكر ، وثمان فانوسيات شمع ، وتوابل الطعام
، وحمل إليها برسم النفقة مبلغ خمسة وسبعين ألف درهم ، وأجرة حمل أثقالهم مبلغ
ستين ألف درهم ، ثم خلع على جميع من قدم مع الحرة ، فكانت عدة الخلع مائتين وعشرين
خلعة على قدر طبقاتهم ، حتى خلع على الرجال الذين قادوا الخيول ، وحمل إلى
__________________
الحرة من الكسوة
ما يجل قدره ، وقيل لها أن تملي ما تحتاج إليه ولا يعوزها شيء ، وإنما تريد عناية
السلطان بإكرامها وإكرام من معها حيث كانوا ، فتقدم السلطان إلى النشو وإلى الأمير
أحمد أقبغا بتجهيزها اللائق بها ، فقاما بذلك ، واستخدما لها السقائين والضوية ، وهيّآ كل ما تحتاج إليه في سفرها من أصناف الحلاوات
والسكر والدقيق والبقسماط ، وطلبا الحمالة لحمل جهازها وأزودتها ، وندب السلطان
للسفر معها جمال الدين متولي الجيزة ، وأمره أن يرحل بها في مركب لها بمفردها قدام
المحمل ، ويمتثل كل ما تأمر به ، وكتب لأميري مكة والمدينة
بخدمتها أتم خدمة.
وقال في سنة خمس
وأربعين وسبعمائة ما نصه : وفي نصف شعبان قدمت الحرة أخت صاحب المغرب في جماعة
كثيرة ، وعلى يدها كتاب السلطان أبي الحسن يتضمن السلام ، وأن يدعو له الخطباء في
يوم الجمعة ومشايخ الصلاح وأهل الخير بالنصر على عدوهم ، ويكتب إلى أهل الحرمين
بذلك ، وذلك أن في السنة الخالية كانت بينه وبين الفرنج وقعة عظيمة قتل فيها ولده
، ونصره الله تعالى بمنه على العدو ، وقتل كثيرا منهم ، وملكوا منهم الجزيرة
الخضراء ، فعمر الفرنج مائتي شيني ، وجمعوا طوائفهم ، وقصدوا المسلمين ، وأوقعوا بهم على حين
غفلة ، فاستشهد عالم كثير ، ونجا أبو الحسن في طائفة من ألزامه بعد شدائد ، وملك
الفرنج الجزيرة ، وأسروا وسبوا وغنموا شيئا يجل وصفه ، ثم مضوا إلى جهة غرناطة ،
ونصبوا عليها مائة منجنيق حتى صالحهم على قطيعة يقومون بها ، وتهادنوا مدة عشر
سنين ، ا ه كلامه.
وقد تقدم نص هذا
الكتاب الموجه من السلطان أبي الحسن فليراجع قريبا.
وقال ابن مرزوق في
«المسند الصحيح الحسن» بعد كلام ما ملخصه : وكان يعني السلطان أبا الحسن ـ مجتهدا
في الجهاد بنفسه وحرمه ، وجاز للآندلس برسم ذلك بنفسه ، وأظهر آثاره الجميلة ،
ومنها ارتجاع جبل الفتح ليد المسلمين بعد أن أنفق عليه الأموال ، وصرف إليه الجنود والحشود ، إذ كان من عمالته هو والجزيرة ورندة
، ونازلته جيوشه مع ولده وخواصه وضيقوا به إلى أن استرجعوه ليد المسلمين ، وأنفق
على بنائه أحمال مال ، واعتنى بتحصينه ، وبنى حصنه وأبراجه وسوره وجامعه ودوره
ومخازنه ، ولما كاد يتم ذلك نازله العلو برا وبحرا ، فصبر المسلمون صبر الكرام ،
فخيب الله تعالى أمل العدو ، وعاد خاسرا ، والمنة لله ، فرأى
__________________
أن يحصن سفح الجبل
بسور محيط به من جميع جهاته حتى لا يطمع عدو في منازلته ، ولا يجد سبيلا للتضييق
عند محاصرته ، ورأى الناس ذلك من المحال ، فأنفق الأموال ، وأنصف العمال ، فأحاط
بمجموعه إحاطة الهالة بالهلال ، وأما بناؤه للمحاسن والطوالع فأمر غير مجهول ، اه.
وقد رأيت أن أذكر
هنا بعض إنشاء لسان الدين بن الخطيب في شأن ما يتعلق بجبل الفتح وغيره من بلاد
الأندلس ، وحال العدو الكافر ، وما ينخرط في هذا السلك : فمن ذلك على لسان سلطانه
يخاطب به أحد السلاطين من أولاد السلطان أبي الحسن المريني ، ونصه :
المقام الذي يصرخ
وينجد ، ويتهم في الفضل وينجد ، ويسعف ويسعد ، ويبرق في سبيل الله ويرعد ، فيأخذ الكفر
من عزماته المقيم المقعد ، حتى ينجز من نصر الله تعالى الموعد ، مقام محل أخينا
الذي حسن الظن بمجده جميل ، وحدّ الكفر بسعده كليل ، وللإسلام فيه رجاء وتأميل ،
ليس للقلوب عنه مميل ، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ، أبقاه الله تعالى وعزمه
الماضي لصولة الكفر قامعا ، وتدبيره الناجح لشمل الإسلام جامعا ، وملكه الموفّق
لنداء الله مطيعا سامعا ، معظم مقداره ، وملتزم إجلاله وإكباره ، المعتدّ في الله
بكرم شيمته وطيب نجاره ، المستظهر على عدوّ بإسراعه إلى تدمير الكافر وبداره.
سلام كريم عليكم
ورحمة الله وبركاته ، أما بعد حمد الله مجيب دعوة السائل ، ومتقبل الوسائل ، ومتيح
النعم الجلائل ، مربح من عامله في هذا الوجود الزائف الزائل ، والأيام القلائل ،
بالمتاع الدائم الطائل ، والنعيم غير الحائل ، ومقيم أود الإسلام المائل ، بأولي المكارم من أوليائه
والفضائل ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله المنقذ من الغوائل ،
المنجي من الرّوع الهائل ، الصادع بدعوة الحق الصائل ، بين العشائر والفصائل ،
الذي ختم به وبرسالته ديوان الرسل والرسائل ، وجعله في الأواخر شرف الأوائل ، فحبه
كنز العائل ، والصلاة عليه زكاة القائل ، والرضا عن آله وصحبه وعترته وحزبه تيجان
الأحياء والقبائل ، المتميزين بكرم السجايا وطيب الشمائل ، والدعاء لمقام أخوّتكم
في البكر والأصائل ، بالسعد الصادق المخايل ، والصنع الذي تتبرج مواهبه تبرج
العقائل ، والنصر الذي تهز له الصّعاد
__________________
الملد عطف
المترانح المتخايل ، فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم عزا يانع الخمائل ، ونصرا
يكفل للكتائب المدونة في الجهاد ومرضاة رب العباد بسرد المسائل وإقناع السائل ، من
حمراء غرناطة حرسها الله تعالى! ولا زائد بفضل الله سبحانه إلا استبصار في التوكل
على من بيده الأمور ، وتسبب مشروع تتعلق به بإذن الله تعالى أحكام القدر المقدور ،
ورجاء فيما وعد به من الظهور ، يتضاعف على توالي الأيام وترادف الشهور ، والحمد
لله كثيرا كما هو أهله ، فلا فضل إلا فضله ، ومقامكم المعروف محله ، الكفيل
بالإرواء نهله وعلّه ، وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم ، وحرس مجدكم ، ووالى النعم
عندنا وعندكم ، فإننا في هذه الأيام ، أهمنا من أمر الإسلام ، ما رنّق الشراب ونغض الطعام ، وذاد المنام ، لما تحققنا من عمل الكفر على مكايدته ، وسعى الضّلّال ،
والله الواقي ، في استئصال بقيته ، وعقد النوادي للاستشارة في شانه ، وشروع الحيل
في هد أركانه ، ومن يؤمّل من المسلمين لدفع الردى وكشف البلوى وبث الشكوى ، وأهله
حاطهم الله تعالى وتولاهم ، وتمم عوائد لطفه الذي أولاهم ، فهو مولاهم ، في غفلة
ساهون ، وعن المغبة فيه لاهون ، قد شغلتهم دنياهم عن دينهم ، وعاجلهم عن آجلهم
، وطول الأمل ، عن نافع العمل ، إلا من نوّر الله تعالى قلبه بنور الإيمان وتململ
بمناصحة الله تعالى والإسلام تململ السليم ، واستدل بالمشاهد على الغائب ، وصرف الكفر إلى مطالب الأمم النوائب ، فلما رأينا أن
الدولة المرينية التي على ممر الأيام شجا العدا ، ومتوعد من يكيد الهدى ، وفئة الإسلام التي
إليها يتحيز ، وكهفه الذي إليه يلجأ ، قد أذن الله تعالى في صلاح أمورها ، ولمّ
شعثها ، وإقامة صغاها ، بأن صرف الله تعالى عنها هنات الغدر ، وأراحها من مس
الضر ، ورد قوسها إلى يد باريها ، وصير حقها إلى وارثها ، وأقام لرعي مصالحها من
حسن الظنّ بحسبه ودينه ، ورحي الخير من ثمرات نصحه ، ومن لم يعلم إلا الخير من
سعيه والسداد من سيرته ، ومن لا يستريب المسلمون بصحة عقده ، واستقامة قصده ،
أردنا أن نخرج لكم عن العهدة في هذا الدين الحنيف الذي وسمت دعوته وجوه أحبابكم
شملهم الله تعالى بالعافية ، وتشبثت به أنفس من صار إلى الله تعالى من السلف
تغمدهم الله بالرحمة والمغفرة ، وفي هذا القطر الذي بلاده ما بين مكفول يجب رعيه
طبعا وشرعا ، وجار يلزم حقه دينا ودنيا وحمية وفضلا ، وعلى الحالين فعليكم بعد
الله المعوّل ،
__________________
وفيكم المؤمل ،
فأرعونا أسماعكم المباركة نقصّ عليكم ما فيه رضا الله ، والمنجاة من نكيره
، والفخر والأجر وحفظ النعم ، والخلف في الذرية ، بهذا وعدت الكتب المنزلة ،
والرسل المرسلة ، وهو أن هذا القطر الذي تعددت فيه المحاريب والمنابر ، والراكع والساجد والذاكر ، والعابد والعالم واللفيف ، والأرملة والضعيف ، قد انقطع عنه إرفاد
الإسلام ، وشحت الأيدي به منذ أعوام ، وسلم إلى عبدة الأصنام ، وقوبلت ضرائره
بالأعذار ، والمواعيد المستغرقة للأعمار ، وإن عرضت شواغل وفتن ، وشواغب وإحن ، فقد كانت بحيث لا يقطع السبب بجملته ، ولا يذهب المعروف
بكليته : [الطويل]
ولا بدّ من شكوى
إلى ذي مروءة
|
|
يواسيك أو يسليك
أو يتوجّع
|
ولو كانت الأشغاب
تقطع المعروب وتصرف عن الواجب لم يفتح المقدّس والدكم جبل الفتح وهو منازل أخاه
بسجلماسة ، ولا أمدّه ولده السلطان أبو عنان وهو بمراكش ، وبالأحس
بعثنا إلى الجبل وسماته في جملة ما أهمنا مبلغ جهد وسداد من عوز ، وقد فضلت عن
ضرائرنا أموال فرضت من أجل الله على عباده ، وطعام سمحنا به على الاحتياج إليه في
سبيل جهاده ، فلم يسهم المتغلب منها لجانب الله بحبة ، ولا أقطعه منها ذرة مستخفا
به جل وعلا ، متهاونا بنكيره الذي هو أحق أن يخشى ، فضاعت الأمور ، واختلت الثغور
، وتشذبت الحامية ، وتبدّدت العدد ، وخلت المخازن ، وهلكت بها الجراذن ، وعظمت بها
حسرة الإسلام ، أضعاف ما عظمت حبرته أيام ما كانت تكفلها همم الملوك الكرام
والخلفاء العظام ، والوزراء والنصحاء ، والأشياخ الأمجاد ، قدّس الله تعالى
أرواحهم! وضاعف أنوارهم! ولا كالحسرة في الجبل باب الأندلس وركاب الجهاد وحسنة بني
مرين ومآثر آل يعقوب وكرامة الله للسلطان المقدّس أبي الحسن والد الملوك وكبير
الخلفاء والمجاهدين والدكم الذي ترد على قبره مع الساعات والأنفاس وفود الرحمة ،
وهدايا الزلفة ، وريحان الجنة ، فلو لا أنكم على علم من أحواله لشرحنا المجمل ،
وشكلنا المهمل ، إنما هو اليوم شيخ مائد ، وطلل بائد ، لو لا أن الله تعالى شغل العدا عنه بفتنة لم
يصرف وجهه إلا إليه ، ولا حوّم طيره إلا عليه ، ولكان بصدد أن يتخذه الصليب دارا ،
وأن يقر به عينا ، والعدوة فضلا عن الأندلس ، قد أوسعها شرا ، وأرهق ما يجاوره
عسرا ، نسأل الله تعالى بنور وجهه أن لا يسوّد الوجوه
__________________
بالفجع فيه ، ولا
يسمع المسلمين الثكلة ، وما دونه فهو ـ وإن أنعش بالتعليل عليله ، ووقع بالجهد
خلقه ـ لحم على وضم ، إلا أن يصل الله تعالى وقايته ، ويوالي دفاعه وعصمته ،
لا إله إلا هو الولي النضير ، وما زلنا نشكو إلى غير المصمت ، ونمدّ اليد إلى
المدبر عن الله المعرض ، ونخطب له زكاة الأموال من المباني الضخمة ، والخزائن
الثرّة ، والأهراء الطامية ، والحظ التافه من المفترض برسمه ، فتمضي الأيام لا
تزيد الضرائر فيها إلا ضيقا ، ولا الأحوال إلا شدّة ، ولا الثغر إلا ضعة ، ولا
نعلم أن نظرا وقع له فكرا أعمل فيه إلا ما كان من تسخير رعيته الضعيفة ، وبلالة
مجباه السخيفة ، في بناء قصر بمنت ميور من جباله : [الخفيف]
شاده مرمزا
وجلّله كل
|
|
سا فللطّير في
ذراه وكور
|
جلب إليه الزليج ،
واختلفت فيه الأوضاع في رأس نيق ، لأمل نزوة ، وسوء فكرة ، فلما تم أقطع الهجران ،
فهو اليوم ممتنع البوم وحظ الخراب ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، حتى جاء أمر الله
خالي الصحيفة من البر ، صفر اليد من العمل الصالح ، نعوذ بالله من ذلك ، ونسأله الإلهام والسّداد ، والتوفيق والرشاد ، وقد بذلنا
جهدنا قولا وفعلا ، وموعظة ونصحا ، واستدعينا لتلك الجهة صدقة المسلمين محمولة على
أكتاد العباد الضعفاء الذين كانت صدقات فاتحيه رضي الله تعالى عنهم ترفدهم ،
ونوافلهم تتعهدهم ، فما حرك ذلك الجؤار حلوبا ، ولا استدعى مطلوبا ، ولا رفدا مجلوبا ، فإلى متى
تنضى ركاب الصبر وقد بلغ الغاية ، واستنفد البلالة ، بعد أن أعاد الله تعالى العهد
، وجبر المال ، وأصلح السعي ، وأجرى ينابيع الخير ، وأنشق رياح الإقالة ، وجملة ما
نريد أن نقرره فهو الباب الجامع ، والقصد الشامل ، والداعي والباعث أن صاحب قشتالة
لما عاد إلى ملكه ، ورجع إلى قطره ، جرت بيننا وبينه المراسلة التي أسفرت بعدم
رضاه عن كدحنا لنصره ، ومظاهرتنا إياه على أمره ، وإن كنا قد بلغنا جهدا ، وأبعدنا
وسعا ، وأجلت عن شروط ثقيلة لم نقبلها ، وأغراض صعبة لم نكملها ، ونحن نتحقق
__________________
إنه إما أن تهيج
حفيظته ، وتثور إحنته ، فيكشف وجه المطالبة مستكثرا بالأمة التي داس بها أهل
قشتالة ، فراجع أمره غلابا ، وحقه ابتزازا واستلابا ، أو يصرفها ويهادن المسلمين
بخلال ما لا يدع جهة من جهات دينه الغريب إلا عقد معها صلحا ، وأخذ عليها بإعانتها
إياه عهدا ، ثم تفرغ إلى شفاء غليله ، وبلوغ جهده ، ولا شك أنها تجيبه صرفا لبأسه
عن نحورها ، ومقارضة كما وقع باطريرة من مضيق صدورها ، ومؤسف جمهورها ، وكل من له
دين ما فهو يحرص على التقرب إلى من دانه به وكلفه وظائف تكليف ، رجاء لو عده وخوفا
من وعيده ، وبالله ندفع ما لا نطيق من جموع تداعت من الجزر ووراء البحور والبر
المتصل الذي لا تقطعه الرفاق ، ولا تحصي ذرعه الحذاق ، وقد أصبحنا بدار غربة ، ومحل روعة ، ومفترس نبوة ، ومظنة
فتنة ، والإسلام عدده قليل ، ومنتجعه في هذه البقعة جديب ، وعهده بالإرفاد
والإمداد من المسلمين بعيد ، (رَبَّنا لا
تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) [البقرة : ٢٨٦]
إلى آخر السورة.
وإذا تداعت أمم
الكفر نصرة لدينها المكذوب ، وحمية لصليبها المنصوب ، فمن يستدعي لنصر دين الله
وحفظ أمانة نبيه إلا أهل ذلك الوطن؟ حيث المآذن بذكر الله تعالى تملأ الآفاق ،
وكلمة الإسلام قد عمت الربا والوهاد ، إنما الإسلام غريق قد تشبّث بأهدابكم ،
يناشدكم الله في بقية الرمق ، وقبل الرمي تراش السهام ، وهذا أوان الاعتناء ، واختيار الحماة ، وإعداد الأقوات ،
قبل أن يضيق المجال ، وتمنع الموانع ، وقد وجهنا هذا الوفد المبارك للحضور بين
يديكم مقرّرا الضرورة ، منهيا الرغبة ، مذكرا بما يقرب عند الله ، مذكّرا لذمام
الإسلام ، جالبا على من وراءهم بحول الله تعالى من المسلمين البشرى التي تشرح
الصدور ، وتسني الآمال ، وتستدعي الدعاء والثناء ، فالمؤمن كثير بأخيه ، ويد الله
مع الجماعة ، والمسلمون يد على من سواهم ، والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد
بعضه بعضا ، والتعاون على البر والتقوى مشروع ، وفي الذكر الحكيم مذكور ، وحق
الجار مشهور ، وما كان جبريل يوصي به في الصحيح مكتوب ، وكما راع المسلمين اجتماع كلمة الكفر ، فنرجو أن يروّع
الكفر من العز بالله ، وشدّ الحيازيم في سبيل الله ، ونفير النفرة لدين الله ،
والشعور لحماية الثغور وعمرانها ، وإزاحة عللها ، وجلب الأقوات إليها ،
وإنشاء الأساطيل ، وجبر ما تلف من عدة البحر أمور
__________________
تدل على ما وراءها
، وتخبر بمشيئة الله تعالى عما بعدها ، (وَما تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) [البقرة : ١٩٦]
ومن خطب علي رضي الله تعالى عنه : أما بعد ، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن
تركه رهبة ألبسه الله تعالى سيما الخسف ، ووسمه بالصّغار ، وما بعد الدنيا إلا الآخرة ، وما بعد الآخرة إلا إحدى
داري البقاء ، أفي الله شك؟ (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ
نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر : ٩]
والاعتناء بالجبل عنوان هذا الكتاب ، ومقدمة هذا الباب ، والغفلة عنه منذ أعوام قد
صيرتنا لا نقنع باليسير ، وقد أبرمته المواعيد ، وغيّر رسومه الانتظار ، ومن
المنقول «ارحموا السائل ولو جاء على فرس» والإسراف في الخير أرجح في هذا المنحل من
عكسه ، وكان بعض الأجواد يقول وقد أقتر : اللهم هب لي الكثير ، فإن حالي لا تقوم على القليل ،
وعسى أن يكون النظر له بنسبة الغفلة عنه ، والامتعاض له مكافئا للإزراء به ، وخلو
البحر يغتنم لإمداده وإرفاده ، قبل أن يثوب نظر الكفر إلى قطع المدد وسد البحر ،
ومن ضيع الحزم ندم ، ولا عذر لمن علم ، والله عز وجل يطلع من قبلكم على ما فيه
شفاء الصدور ، وجبر القلوب ، وشعب الصدوع ، وما نقص مال من صدقة ، وطعام الواحد
كافي الاثنين ، والدين دينكم ، والبلاد بلادكم ، ومحل رباطكم وجهادكم ،
وسوق حسناتكم ، (فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ، ٨]
وقد قلدنا العهد الحفيظ علينا ، المصروف العناية بفضل الله تعالى إلينا ، والله
المستعان ، وعليه التكلان ؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ انتهى.
وفي اعتقادي أن
هذا المكتوب للسلطان أبي فارس عبد العزيز بن السلطان أبي الحسن المريني ؛ وأن
المراد بالمتغلب الوزير عمر بن عبد الله ظفر به أبو فارس المذكور واستقل بالملك
بعد محو أثره ؛ حسبما ذكرناه في غير هذا المحل ؛ والله سبحانه أعلم.
ومن إنشاء لسان
الدين على لسان سلطانه في استنهاض عزم صاحب فاس السلطان المريني لنصرة الأندلس ،
ما نصه : المقام الذي يؤثر حظ الله إذا اختلفت الحظوظ وتعدّدت المقاصد ، ويشرع الأدنى
منه إذا تفاضلت المشارع وتمايزت الموارد ، وتشمل عادة حلمه وفضله الشارد ، ويسع
وارف ظله الصادر والوارد ، والغائب والشاهد ، ويعيد من نصر الله للإسلام العوائد ،
ويسدّ الذرائع ويدرّ الفوائد ، مقام محل أخينا الذي حسنت في الملك سيره ، وتعاضد
في الفضل خبره وخبره ، ودلت شواهد مداركه للحقوق ، وتغمده للعقوق ، على
أن
__________________
الله تعالى لا
يهمله ولا يذره ، فسلك فخره متسقة درره ، ووجه ملكه شادخة غرره ، السلطان الكذا
ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا أبقاه الله رفيعا علاؤه! هامية لديه منن الله
تعالى وآلاؤه ! مزدانة بكواكب السعد سماؤه! محروسة بعز النصر أرجاؤه!
مكملا من فضل الله تعالى في نصر الإسلام ، وكبت عبدة الأصنام ، أمله ورجاؤه! معظم
قدره الذي يحق له التعظيم ، وموقر سلطانه الذي له الحسب الأصيل والمجد الصّميم ،
الداعي إلى الله تعالى باتّصال سعادته حتى ينتصف من عدوّ الإسلام الغريم ، ويتاح على يد سلطانه الفتح الجسيم ، فلان.
سلام كريم ، طيب
عميم ، ورحمة الله وبركاته.
أما بعد حمد الله
الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ولا يخيب لمن أخلص الرغبة إليه أملا ، وموفي من
ترك له حقه أجره المكتوب متمما مكملا ، وجاعل الجنة لمن اتقاه حق تقاته نزلا ، ملك
الملوك الذي جل وعلا ، وجبار الجبابرة الذي لا يجدون عن قدره محيصا ولا من دونه
موئلا ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد الذي أنزل الله تعالى عليه الكتاب مفصّلا ، وأوضح طريق الرشد وكان مغفلا ، وفتح باب
السعادة ولولاه كان مقفلا ، والرضا عن آله وأصحابه ، وعترته وأحزابه ، الذين
ساهموه فيما مرّ وما حلا ، وخلفوه من بعد بالسّير التي راقت مجتلى ، ورفعوا عماد
دينه فاستقام لا يعرف ميلا ، وكانوا في الحلم والعفو مثلا ، والدعاء لمقامكم
الأسمى بالنصر الذي يلفى نصه صريحا لا متأوّلا ، والصنع الذي يبهر حالا ومستقبلا ،
والعز الذي يرسو جبلا ، والسعد الذي لا يبلغ أمدا ولا أجلا ، فإنا كتبناه إليكم
أصحب الله تعالى ركابكم حلف التوفيق حلّا ومرتحلا ، وعرفكم عوارف اليمن الذي يثير جذلا ، ويدعو وافد ـ الفتح المبين فيرد مستعجلا ، من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل
الله سبحانه ثم بما عندنا من التشيع لمقامكم حرس الله تعالى سلطانه ، ومهّد أوطانه
، إلا الخير الذي نسأل بعده تحسين العقبى ، وتوالي عادة الرحمى ، والحمد لله على التي هي أزكى ،
وسدل جناح الستر الأضفى ، وصلة اللطائف التي هي أكفل وأكفى ، وأبر وأوفى ، ومقامكم
عندنا العدّة التي بها نصول ونرهب ، والعمدة التي نطيل في ذكرها ونسهب ، وقد
__________________
أوفدنا عليكم كل
ما زاد لدينا ، أو فتح الله تعالى به علينا ، ونحن مهما شد المخنق بكم نستنصر ، أو
تراخى ففي ودكم نستبصر ، أو فتح الله تعالى فأبوابكم نهني ونبشر ، وقررنا عندكم أن
العدوّ في هذه الأيام توقف عن بلاد المسلمين فلم نصل منه إليها سريّة ، ولا بطشت
له يد جريّة ، ولا افترعت من تلقائه ثنيّة ، ولا ندري ألمكيدة تدبر ،
أم آراء تنقض بحول الله وتتبّر ، أو لشاغل في الباطن لا يظهر ، وبعد ذلك وردت على بابنا
من بعض كبارهم ، وزعماء أقطارهم ، مخاطبات يندبون فيها إلى جنوحها للسلم في سبيل
النصح ، لأياد سلفت منّا لهم قررها ، ورسائل ذكرها ، فلم يخف عنا أنه أمر دبّر
بليل ، وخبية تحت ذيل ، فظهر لنا أن نسبر الغور ، ونستفسر الأمر ، فوجهنا إليه ،
على عادتنا مع سلفه لنعتبر ما لديه ، وننظر إلى بواطن أمره ، ونبحث عن زيد قومه
وعمره ، فتأتي ذلك وجر مفاوضة في الصلح أعدنا لأجلها الرسالة ، واستشعرنا البسالة
، ووازنا الأحوال واختبرنا ، واعتززنا في الشروط ما قدرنا ، ونحن نرتقب ما يخلق
الله تعالى من مهادنة تحصل بها الأفوات المهيأة للانتساف ، وتسكن ما ساء البلاد المسلمة من هذا
الإرجاف ، ونفرغ الوقت لمطاردة هذه الآمال العجاف ، أو حرب يبلغ الاستبصار فيه غايته ، حتى يظهر الله تعالى
في نصر الفئة القليلة آيته ، ولم نجعل سبب الاعتزاز فيما أردناه ، وشموخ الأنف
فيما أصدرناه ، إلا ما أشعنا من عزمكم على نصرة الإسلام ، وارتقاب خفوق الأعلام ،
والنهوض إلى دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وأن الأرض حمية لله تعالى قد اهتزت
، والنفرة قد غلبت النفوس واستفزت ، واستظهرنا بكتبكم التي تضمنت ضرب
المواعد ، وشمرت عن السواعد ، وأن الخيل قد أطلقت إلى الجهاد في سبيل الله الأعنّة
، والثنايا سدتها بروق الأسنّة ، وفرض الجهاد قد قام به المؤمنون ، والأموال قد سمح بها
المسلمون ، وهذه الأمور التي تمشت بقريبها أو بعيدها أحوال الإسلام ، والأماني
المعدة لتزجية الأيام ، ثم اتصل بنا الخبر الكارث بما كان من حور العزائم المؤمنة بعد كورها ،
__________________
وتسويف مواعد
النصرة بعد استشعار فورها ، وأن الحركة معملة إلى مراكش الجهة التي في يديكم
زمامها ، وإليكم وإن تراخى الطول ترجع أحكامها ، والقطر الذي لا يفوتكم مع الغفلة
، ولا يعجزكم عن الصولة ، ولا يطلبكم إن تركتموه ، ولا يمنعكم إن طرقتموه وعركتموه
، فسقط في الأيدي الممدودة ، واختلفت المواعد المحدودة ، وخسئت الأبصار المرتقبة ،
ورجفت المعاقل الأشبة ، وساءت الظنون ، وذرفت العيون ، وأكذب الفضلاء الخبر ، ونفوا
أن يعتبر ، وقالوا : هذا لا يمكن حيث الدين الحنيف ، والملك المنيف ، والعلماء
الذين أخذ الله تعالى ميثاقهم ، وحمّل النصيحة أعناقهم ، هذا المفترض الذي يبعد ،
والقائم الذي يقعد ، يأباه الله تعالى والإسلام ، وتأباه العلماء الأعلام ، وتأباه المآذن والمنابر ، وتأباه الهمم والأكابر ،
فبادرنا نستطلع طلع هذا النبأ الذي إذا كان باطلا فهو الظن ، ولله المن ، وإن كان
خلافه لرأي ترجّح ، وتنفّق بقرب الملك وتبجح ، فنحن نوفد كل من يقدم إلى الله
تعالى بهذا القطر في شفاعه ، ويمد إليه كف ضراعه ، ومن يوسم بصلاح وعباده ، ويقصد
في الدين بثّ إفاده ، يتطارحون عليكم في نقض ما أبرم ، ونسخ ما أحكم ، فإنكم تجنون
به على من استنصركم عكس ما قصد ، وتحلون عليه ما عقد ، وهب العذر يقبل في عدم
الإعانة ، وضرورة الاستعانة والاستكانة ، أي عذر يقبل في الإطراح ، والإعراض
الصّراح ؟ كأن الدين غير واحد ، كأن هذا القطر لكلمة الإسلام جاحد ،
كأن ذمام الإسلام غير جامع ، كأن الله غير راء ولا سامع ، فنحن نسألكم الله الذي
تساءلون به والأرحام ، ونأنف لكم من هذا الإحجام ، ونتطارح عليكم أن تتركوا حظكم
في أهل تلك الجهة حتى يحكم الله بيننا وبين العدو الذي يتكالب علينا بإدباركم ،
بعد ما تضاءل لاستنفاركم ولا نكلفكم غير اقتراب داركم ، وما سامكم المسلمون بها شططا
، ولا حملوكم إلا قصدا وسطا ، وما ذهبتم إليه لا يفوت ، ولا يبعد وقد تجاورت البيوت
، إنما الفائت ما وراءكم ، من حديث تأنف من سماعه أودّاؤكم ، ودين يشمت به أعداؤكم ، فأسعفوا بالشفاعة فيمن بتلك
الجهة المراكشية قصدنا ، وحاشا إحسانكم أن يرى فيه ردّنا ، وأنتم بعد بالخيار فيما
يجريه الله على يديكم من قدره ، أو يلهمكم إليه من نصره ،
__________________
وجوابكم مرتقب بما
يليق بكم ، ويجمل بحسبكم ، والله سبحانه يصل سعدكم ، ويحرس مجدكم ، والسلام الكريم عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
ومن إنشاء لسان
الدين أيضا في مخاطبة سلطان فاس والمغرب على لسان سلطان غرناطة فيما يقرب من
الأنحاء السابقة ، ما نصه :
المقام الذي أقمار
سعده في انتظام واتّساق ، وجياد عزه إلى الغاية القصوى ذات استباق ، والقلوب على
حبه ذات اتفاق ، وعناية الله تعالى عليه مديدة الرّواق ، وأياديه الجمة في الأعناق
، ألزم من الأطواق ، وأحاديث مجده سمر النوادي وحديث الرفاق ، مقام محل أبينا الذي
شأن قلوبنا الاهتمام بشأنه ، وأعظم مطلوبنا من الله تعالى سعادة سلطانه ، السلطان
الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ، أبقاه الله تعالى والصنائع الإلهية
تحط ببابه ، والألطاف الخفية تعرّس في جنابه ، والنصر العزيز يحفّ بركابه ، وأسباب التوفيق متصلة
بأسبابه ، والقلوب الشجية لفراقه مسرورة باقترابه ، معظم سلطانه الذي له الحقوق المحتومة ، والفواضل
المشهورة المعلومة ، والمكارم المسطورة المرسومة ، والمفاخر المنسوقة المنظومة ،
الداعي إلى الله تعالى في وقاية ذاته المعصومة ، وحفظها على هذه الأمة المرحومة ،
الأمير عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر.
سلام كريم ، طيب
برّ عميم ، كما سطعت في غيهب الشدة أنوار الفرج ، وهبت نواسم ألطاف الله عاطرة الأرج ، يخص مقامكم الأعلى ، ورحمة الله وبركاته.
أما بعد حمد الله
جالي الظلم بعد اعتكارها ، ومقيل الأيام من عثارها ، ومزيّن سماء الملك بشموسها
المحتجبة وأقمارها ، ومريح القلوب من وحشة أفكارها ، ومنشئ سحاب الرحمة على هذه
الأمة بعد افتقارها ، وشدة اضطرابها واضطرارها ، ومتداركها باللطف الكفيل بتمهيد
أوطانها وتيسير أوطارها ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله صفوة
النبوّة ومختارها ، ولباب مجدها السامي ونجارها ، نبي الملاحم وخائض تيّارها ، ومذهب رسوم الفتن ومطفئ
نارها ، الذي لم ترعه الشدائد باضطراب بحارها ، حتى بلغت كلمة الله ما شاءت من
سطوع أنوارها ، ووضوح آثارها ، والرضا عن آله وأصحابه الذين تمسكوا بعهده على
إجلاء الحوادث وإمرارها ، وباعوا نفوسهم في إعلاء دعوته الحنيفية وإظهارها ،
والدعاء لمقامكم
__________________
الأعلى باتصال
السعادة واستمرارها ، وانسحاب العناية الإلهية وإسدال أستارها ، حتى تقف الأيام
ببابكم موقف اعتذارها ، وتعرض على مثابتكم ذنوبها رغبة في اغتفارها ، فإنا كتبناه
إليكم كتب الله تعالى لكم أوفى ما كتب لصالحي الملوك من مواهب إسعاده ، وعرّفكم
عوارف الآلاء في إصدار أمركم الرفيع وإيراده ، وأرجى الفلك الدوار بحكم مراده ،
وجعل العاقبة الحسنى كما وعد به محكم كتابه المبين للصالحين من عباده ،
من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ، وليس بفضل الله الذي عليه في الشدائد الاعتماد
، وإلى كنف فضله الاستناد ، ثم ببركة جاه نبينا الذي وضح بهدايته الرشاد ، إلا
الصنائع التي تشام بوارق اللطف من خلالها ، وتخبر سيماها بطلوع السعود واستقبالها ، وتدلّ مخايل
يمنها على حسن مآلها ، لله الحمد على نعمه التي نرغب في كمالها ، ونستدرّ عذب
زلالها ، وعندنا من الاستبشار باتساق أمركم وانتظامه ، والسرور بسعادة أيامه ،
والدعاء إلى الله تعالى في إظهاره وإتمامه ، ما لا تفي العبارة بأحكامه ، ولا
تتعاطى حصر أحكامه ، وإلى هذا أيد الله تعالى أمركم وعلاه ، وصان سلطانكم وتولاه ، فقد علم الحاضر والغائب ، وخلص
الخلوص الذي لا تغيره الشوائب ، ما عندنا من الحب الذي وضحت منه المذاهب ، وأننا
لما اتصل بنا ما جرت به الأحكام من الأمور التي صحبت مقامكم فيها العناية من الله
والعصمة ، وجعل على العباد والبلاد الوقاية والنعمة ، لا يستقر بقلوبنا القرار ،
ولا تتأتى بأوطاننا الأوطار ، تشوّفا لما تتيحه لكم الأقدار ، ويبرزه من سعادتكم الليل والنهار ، ورجاؤنا
في استئناف سعادتكم يشتد على الأوقات ويقوى ، علما بأن العاقبة للتقوى ، وفي هذه
الأيام عمّيت الأنباء ، وتكالبت في البر والبحر الأعداء ، واختلفت الفصول والأهواء
، وعاقت الوارد الأنواء ، وعلى ذلك من فضل الله الرجاء ، ولو كنا نجد
للاتصال بكم سببا ، أو نلفي لإعانتكم مذهبا ، لما شغلنا البعد الذي بيننا اعترض ،
والعدو بساحتنا في هذه الأيام ربض ، وكان خديمكم الذي رفع من الوفاء راية خافقة ،
وافتنى منه في سوق الكساد بضاعة نافقة ، الشيخ الأجل الأوفى ، الأودّ
الأخلص الأصفى ، أبو محمد ابن أحبانا سنى الله مأموله ، وبلغه من سعادة أمركم سوله
، وقد ورد على بابنا ، وتحيز إلى اللحاق
__________________
بجنابنا ، ليتيسر
له من جهتنا القدوم ، ويتأتى له بإعانتنا الغرض المروم ، فبينما نحن ننظر في تتميم
غرضه ، وإعانته على الوفاء الذي قام بمفترضه ، إذ اتصل بنا خبر قرقورتين من
الأجفان التي استعنتم بها على الحركة ، والعزيمة المقترنة بالبركة ، حطت إحداهما
بمرسى المنكّب والأخرى بمرسى المريّة ، في كنف العناية الإلهية ، فتلقينا من
الواصلين فيها الأنباء المحققة بعد التباسها ، والأخبار التي يغني نصّها عن قياسها
، وتعرفنا ما كان من عزمكم على السفر ، وحركتكم المعروفة باليمن والظفر ، وأنكم
استخرتم الله تعالى في اللحاق بالأوطان التي يؤمّن قدومكم خائفها ، ويؤلف طوائفها
ويسكن راجفها ، ويصلح أحوالها ، ويسكن أهوالها ، وأنكم سبقتم حركتها بعشرة أيام
مستظهرين بالعزم المبرور ، والسعد الموفور ، واليمن الرائق السفور ، والأسطول
النصور ، فلا تسألوا عن انبعاث الآمال بعد سكونها ، ونهوض طيور الرجاء من وكونها ، واستبشار الأمة المحمدية منكم بقرة عيونها ، وتحقق
ظنونها ، وارتياح البلاد إلى دعوتكم التي ألبستها ملابس العدل والإحسان ، وقلدتها
قلائد السير الحسان ، وما منها إلا من باح بما يخفيه من وجده ، وجهر بشكر الله
تعالى وحمده ، وابتهل إليه في تيسير غرض مقامكم الشهير وتتميم قصده ، واستئناس نور
سعده ، وكم مطل الانتظار بديون آمالها ، والمطاولة من اعتلالها ، وأما نحن فلا تسألوا عمن استشعر
دنوّ حبيبه ، بعد طول مغيبه ، إنما هو صدر راجعه فؤاده ، وطرف ألفه رقاده ، وفكر ساعده مراده ، فلما بلغنا هذا الخبر بادرنا إلى
إنجاز ما بذلنا لخديمكم المذكور من الوعد ، واغتنمنا ميقات هذا السعد ، ليصل سببه
بأسبابكم ، ويسرع لحاقه بجنابكم ، فعنده خدم نرجو أن ييسر الله تعالى أسبابها ،
ويفتح بنيتكم الصالحة أبوابها ، وقد شاهد من امتعاضنا لذلك المقام الذي ندين له
بالتشيع الكريم الودد ، ونصل له على بعد المزار ونزوح الأقطار سبب الاعتداد ، ما يغني عن القلم والمداد ، وقد ألقينا إليه من ذلك كله ما يلقيه إلى مقامكم الرفيع
العماد ، وكتبنا إلى من بالسواحل من ولاتنا نحدّ لهم ما يكون عليه عملهم في برّ من
يرد عليهم من جهة أبوّتكم الكريمة ، ذات الحقوق العظيمة والأيادي
الحديثة والقديمة ، وهم يعملون في ذلك بحسب المراد ، وعلى شاكلة جميل الاعتقاد ،
ويعلم
__________________
الله تعالى أننا
لو لم تعق العوائق الكبيرة ، والموانع الكثيرة ، والاعداء الذين دهيت بهم في الوقت هذه الجزيرة ، ما قدمنا عملا على اللحاق بكم
، والاتصال بسببكم ، حتى نوفي لأبوّتكم الكريمة حقها ، ونوضح من المسرة طرقها ،
لكن الأعذار واضحة وضوح المثل السائر ، والله العالم بالسرائر ، وإلى الله تعالى
نبتهل في أن يوضح لكم من التيسير طريقا ، يجعل السعد لكم مصاحبا ورفيقا ، ولا
يعدمكم عناية منه وتوفيقا ، ويتم سرورنا عن قريب بتعرف أنبائكم السارة ، وسعودكم الدارّة ، فذلك منه سبحانه غاية
آمالنا ، وفيه إعمال ضراعتنا وابتهالنا ، هذه ما عندنا بادرنا لإعلامكم به أسرع البدار ، والله
تعالى يوفد علينا أكرم الأخبار ، بسعادة ملككم السامي المقدار ، وييسر ماله من
الأوطار ، ويصل سعدكم ، ويحرس مجدكم ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ،
انتهى.
وكان طاغية
النصارى الملعون لكثرة ما مارس من أمور الأندلس وسلاطين فاس كثيرة ما يدسّ لأقارب
الملوك القيام على صاحب الأمر ، ويزين له الثورة ، ويعده بالإمداد بالمال والعدّة
، وقصده بذلك كله توهين المسلمين ، وإفساد تدبيرهم ، ونسخ الدول بعضها ببعض ، لما له في ذلك
من المصلحة ، حتى بلغ أبعده الله تعالى من أمله الغاية.
ومن إنشاء لسان
الدين بن الخطيب ـ رحمه الله تعالى! ـ عن سلطان الأندلس إلى سلطان فاس المريني ،
يعتذر عن فرار الأمير أبي الفضل المريني الذي كان معتقلا بغرناطة ، فتحيل الطاغية
في أمره حتى خرج طالبا للملك ، ما نصه :
المقام الذي شهد
الليل والنهار بأصالة سعادته ، وجرى الفلك الدوّار بحكم إرادته ، وتعود الظفر بمن
يناويه فاطرد والحمد لله جريان عادته ، فوليّه متحقق لإفادته ، وعدوه مرتقب
لإبادته ، وحلل الصنائع الإلهية تضفو على أعطاف مجادته ، مقام محل أخينا الذي سهم سعده صائب ،
وأمل من كاده خاسر خائب ، وسير الفلك المدار في مرضاته دائب ، وصنائع الله تعالى
له تصحبها الألطاف العجائب ، فسيان شاهد منه في عصمة وغائب ، السلطان الكذا ابن
السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ، أبقاه الله تعالى مسدّد السهم! ماضي العزم! تجل
سعوده عن تصور الوهم! ولا زال مرهوب الحد ممتثل الرسم! موفور الحظ من نعمة الله
تعالى عند تعدد القسم! فائزا بفلج الخصام عند لد الخصم! معظم قدره ، وملتزم بره ، المبتهج بما يسببه
الله تعالى له من إعزاز نصره ، وإظهار أمره ، فلان.
__________________
سلام كريم ، طيب برعميم
، يخص مقامكم الأعلى ، ومثابتكم الفضلى ، التي حازت في الفخر الأمد البعيد ، وفازت من
التأييد والنصر بالحظ السعيد ، ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد حمد الله
الذي فسح لملككم الرفيع في العز مدى ، وعرفه عوارف آلائه وعوائد النصر على أعدائه
يوما وغدا ، وحرس سماه علائه بشهب ما قدره وقضائه (فَمَنْ يَسْتَمِعِ
الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) [الجن : ٩] وجعل
نجح آماله وحسن مآله قياسا مطردا ، فربّ مريد ضره ضر نفسه وهاد إليه أهدى وما هدى
، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيه ورسوله الذي ملأ الكون نورا وهدى ،
وحيا مراسم الحق وقد صارت طرائق قددا ، أعلى الأنام يدا ، وأشرفهم محتدا ، الذي بجاهه نلبس أثواب السعادة جددا ، ونظفر بالنعيم
الذي لا ينقطع أبدا ، والرضا عن آله وأصحابه الذين رفعوا لسماء سنته عمدا ،
وأوضحوا من سبيل اتباعه مقصدا ، وتقبلوا شيمه الطاهرة ركعا وسجّدا ، سيوفا على من
اعتدى ، ونجوما لمن اهتدى ، حتى علت فروع ملته صعدا ، وأصبح بناؤها مديدا مخلدا ، والدعاء لمقامكم الأسمى
بالنصر الذي يتوالى مثنى وموحدا ، كما جمع لملككم ما تفرق من الألقاب ، على توالي
الأحقاب ، فجعل سيفكم سفّاحا وعلمكم منصورا ورأيكم رشيدا وعزمكم مؤيدا ، فإنا
كتبناه إليكم كتب الله تعالى لكم صنعا يشرح للإسلام خلدا ، ونصرا يقيم للدين
الحنيف أودا ، وعزما يملأ أفئدة الكفر كمدا ، وجعلكم ممن هيأ له من
أمره رشدا ، ويسر لكم العاقبة الحسنى كما وعد به في كتابه العزيز والله أصدق موعدا
، من حمراء غرناطة حرسها الله ولا زائد بفضل الله سبحانه إلا استطلاع سعودكم في
آفاق العناية ، واعتقاد جميل صنع الله في البداية والنهاية ، والعلم بأن ملككم
تحدّى من الظهور على أعدائه بآية ، وأجرى جياد السعد في ميدان لا يحد بغاية ، وخرق
حجاب المعتاد بما لم يظهر إلا لأصحاب الكرامة والولاية ، ونحن على ما علمتم من
السرور بما يهز لملككم المنصور عطفا ، ويسدل عليه من العصمة سجفا نقاسمه الارتياح
__________________
لمواقع نعم الله
تعالى نصفا ونصا ، ونعقد بين أنباء مسرته وبين الشكر لله حلفا ، ونعدّ التشيع له
مما يقربنا إلى الله زلفى ، ونؤمل من إمداده ونرتقب من جهاده وقتا يكفل به الدين
ويكفى ، وتروى غلل النفوس وتشفى ، وإلى هذا وصل الله سعدكم ، ووالى نصركم وعضدكم ،
فإنا من لدن صدر عن أخيكم أبي الفضل ما صدر من الانقياد لخدع الآمال ، والاغترار
بموارد الآل ، وفال رأيه في اقتحام الأهوال ، وتورط في هفوة حار فيها حيرة أهل
الكلام في الأحوال ، وناصب من أمركم السعيد جبلا قضى الله له بالاستقراء ،
والاستقبال ، ومن ذا يزاحم الأطواد ويزحزح الجبال؟ وأخلف الظن منّا في وفائه ،
وأضمر عملا استأثر عنا بإخفائه ، واستعان من عدو الدين بمعين قلما يورى لمن استنصر به رند ، ولا خفق لمن تولاه بالنصر بند ، وإن الطاغية أعانه وأنجده ورأى أنه سهم على المسلمين
سدده وعضب للفتنة جرّده ، فسخر له الفلك ، وأمل أن يستخدمه بسبب ذلك الملك ،
فأورده الهلك والظلم الحلك ، علمنا أن طرف سعادته كاب ، وسحاب آماله غير ذات
انسكاب ، وقدم عزته لم يستقر من السداد في غرز ركاب ، فإن نجاح أعمال النفوس مرتبط
بنيّاتها ، وغايات الأمور تظهر في بداياتها ، وعوائد الله تعالى فيمن نازع قدرته
لا تجهل ، ومن غالب أمر الله خاب منه المعوّل ، فبينما نحن نرتقب خسار تلك الصفقة
المعقودة ، وخمود تلك الشعلة الموقودة ، وصلنا كتابكم يشرح الصدور ويشرح الأخبار ،
ويهدي طرف المسرات على أكف الاستبشار ، ويعرب بلسان حال المسارعة والابتدار ، عن
الود الواضح وضوح النهار ، والتحقق بخلوصنا الذي يعلمه عالم الأسرار ، فأعاد في
الإفادة وأبدى ، وأسدى من الفضائل الجلائل ما أسدى ، فعلم منه مآل من رام أن يقدح
زند الشتات من بعد الالتئام ، ويثير عجاجة المنازعة من بعد ركود القتام ، هيهات تلك قلادة الله تعالى التي ما كان يتركها بغير
نظام ، ولم يدر أنكم نصبتم له من الحزم حبالة لا يفلتها قنيص ، وسدّدتم له من السعد سهما ما له عنه من محيص ، بما كان من إرسال جوارح الأسطول السعيد في مطاره ، حائلا
بينه وبين أوطاره ، فما كان إلا التسمية والإرسال ، ثم الإمساك والقتال ، ثم
الاقتيات والاستعمال ، فيا له من زجر استنطق لسان الوجود فجدله ، واستنصر البحر فخذله ، وصارع القدر فجدله لما جد له ،
وإن خدامكم استولوا على ما كان فيه
__________________
من مؤمل غاية
بعيدة ، ومنتسب إلى نسبة غير سعيدة ، وشانىء غمرته من الكفار ، خدام الماء وأولياء
النار ، تحكمت فيهم أطراف العوالي وصدور الشّفار ، وتحصل منهم من تخطاه الحمام في قبضة الإسار ، فعجبنا من
تيسير هذا المرام ، وإخماد الله لهذا الضّرام ، وقلنا : تكييف لا يحصل في الأوهام
، وتسديد لا تستطيع إصابته السهام ، كلما قدح الخلاف زندا أطفأ سعدكم شعلته ، أو
أظهر الشتات ألما أبرأ يمن طائركم علته ، ما ذاك إلا لنية صدقت معاملتها في جنب
الله تعالى وصحت ، واسترسلت بركتها وسحّت ، وجهاد نذرتموه إذا فرغت شواغلكم وتمت ،
واهتمام بالإسلام يكفيه الخطوب التي أهمّت ، فنحن نهنيكم بمنح الله ومننه ونسأله
أن يلبسكم من إعانته أوقى جننه ، فأملنا أن تطرد آمالكم ، وتنجح في مرضاة الله
أعمالكم فمقامكم هو العمدة التي يدفع العدوّ بسلاحها ، وتنبلج ظلمات صفاحها ، وكيف لا نهنيكم بصنع على جهتنا يعود ،
وبآفاقنا تطلع منه السعود ، فتيقنوا ما عندنا من الاعتقاد الذي رسومه قد استقلت
واكتفت ، وديمه بساحة الود قد وكفت ، والله عز وجل يجعل لكم الفتوح عادة ، ولا يعدمكم عناية
وسعادة ، وهو سبحانه يعلي مقامكم ، وينصر أعلامكم ، ويهني الإسلام أيامكم ،
والسلام الكريم يخصكم ، ورحمة الله وبركاته. انتهى.
وكان سلطان
الأندلس في الأزمان المتأخرة كثيرا ما يشم أرج الفرج في سلم الكفار ومهادنتهم ، حيث لم يقدر في الغالب
على مقاومتهم ، ولذلك لما قتل السلطان أبو الحجاج الذي كان لسان الدين كاتبه
ووزيره ، وقام بالأمر بعده ابنه محمد الغني بالله الذي ألقى مقاليده للسان الدين ـ
أكّد أمر السلم ، وانتظم ما يبرمه القضاء الجزم ، والقدر الحتم.
ومن إنشاء لسان
الدين في ذلك على لسان الغني مخاطبا لسلطان فاس والمغرب أبي عنان ما صورته :
المقام الذي يغني
عن كل مفقود بوجوده ، ويهز إلى جميل العوائد أعطاف بأسه وجوده ، ونستضيء عند إظلام الخطوب بنور سعوده ، ونرث من الاعتماد عليه أسنى
ذخر يرثه الولد
__________________
عن آبائه وجدوده ،
مقام محل أبينا الذي رعي الأذمة شانه ، وضلة الرعى سجية انفرد بها سلطانه ، ومواعد
النصر ينجزها زمانه ، والقول والفعل في ذات الله تعالى تكفلت بهما يده الكريمة
ولسانه ، وتطابق فيهما إسراره وإعلانه ، السلطان الكذا بين السلطان الكذا ابن
السلطان الكذا ، أبقاه الله تعالى محروسا من غير الأيام جنابه ، موصولة بالوقاية الإلهية أسبابه ، مسدولا على ذاته
الكريمة ستر الله تعالى وحجابه ، مصروفا عنه من صروف القدر ما يعجز عن رده بوّابه ، ولا زال ملجأ تنفق لديه الوسائل التي تدخرها لأولادها أولياؤه وأحبابه ،
ويسطر في صحف الفخر ثوابه ، وتشتمل على مكارم الدين والدنيا أثوابه ، وتتكفل بنصر
الإسلام وجبر القلوب عند طوارق الأيام كتائبه وكتّابه ، معظّم ما عظم من حقه السائر من إجلاله وشكر خلاله على
لاحب طرقه ، المستضيء في ظلمة الخطب بنور أفقه ، الأمير عبد الله محمد ابن أمير
المسلمين أبي الحجاج ابن أمير المسلمين أبي الوليد بن فرج بن نصر.
سلام كريم ، طيب
بر عميم ، يخص مقامكم الأعلى ، ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد حمد الله
الذي لا راد لأمره ولا معارض لفعله ، مصرف الأمر بقدرته وحكمته وعدله ، الملك الحق الذي بيده ملاك الأمر كله ، مقدر
الآجال والأعمال فلا يتأخر شيء عن ميقاته ولا يبرح عن محله ، جاعل الدنيا مناخ
قلعة لا يغتبط العاقل بمائه ولا بظله ، وسبيل رحلة فما أكثب ظعنه من حله ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد
صفوة خلقه وخيرة أنبيائه وسيد رسله ، الذي نعتصم بسببه الأقوى ونتمسك بحبله ، ونمد
يد الافتقار إلى فضله ، ونجاهد في سبيله من كذب به أو حاد عن سبله ، ونصل إليه
ابتغاء مرضاته ومن أجله ، والرضا عن آله وأحزابه وأنصاره وأهله ، المستولين من
ميدان الكمال على خصله ، والدعاء لمقامكم الأعلى بعز نصره ومضاء فضله ، فإنا
كتبناه إليكم ـ كتب الله تعالى لكم وقاية لا تطرق الخطوب حماها ، وعصمة ترجع عنها
سهام النوائب كلما فوّقها الدهر ورماها ، وعناية لا تغير الحادث اسمها ولا مسمّاها ، وعزا يزاحم
أجرام الكواكب منتماها! ـ من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ونعم الله سبحانه
تتواتر لدينا دفعا ونفعا ، وألطافه نتعرفها وترا وشفعا ،
__________________
ومقامكم الأبوي هو
المستند الأقوى ، والمورد الذي ترده آمال الإسلام فتروى ، وتهوي إليه أفئدتهم فتجد
ما تهوى ، ومثابتكم العدّة التي تأسست مبانيها على البر والتقوى ،
وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم ، وأبقى مجدكم ، فإننا لما نعلم من مساهمة مجدكم
التي تقتضيها كرام الطباع وطباع الكرم ، وتدعو إليها ذمم الرعي ورعي الذمم ،
نعرفكم بعد الدعاء لملككم بدفاع الله تعالى عن ارتقائه ، وإمتاع المسلمين ببقائه ،
بما كان من وفاة مولانا الوالد نفعه الله تعالى بالشهادة ، التي ألبسه حلتها ، والشهادة التي في أعماله الزكية
كتبها ، والدرجة العالية التي حتمها له وأوجبها ، وبما تصير إلينا من أمره ، وضم بنا من نشره ،
وسدل على من خلفه من ستره ، وإنها لعبرة لمن ألقى السمع ، وموعظة تهز الجمع وترسل
الدمع ، وحادثة أجمل الله سبحانه فيها الدفع ، وشرح مجملها وإن أخرس اللسان هولها
، وأسلم العبارة قوتها وحولها ، أنه رضي الله تعالى عنه لما برز لإقامة سنة هذا
العيد ، مستشعرا شعار كلمة التوحيد ، مظهرا سمة الخضوع للمولى الذي تضرع بين يديه رقاب العبيد ، آمنا بين قومه
وأهله ، متسربلا في حلل نعم الله تعالى وفضله ، قرير العين باكتمال عزه واجتماع
شمله ، قد احترس بأقصى استطاعته ، واستظهر بخلصان طاعته ، والأجل المكتوب قد حضر ،
والإرادة الإلهية قد أنفذت القضاء والقدر ، وسجد بعد الركعة الثانية من صلاته ،
أتاه أمر الله لميقاته ، على حين الشباب غضّ جلبابه ، والسلاح زاخر عبابه ، والدين بهذا القطر قد أينع بالأمن
جنابه ، وأمر من يقول للشيء كن فيكون قد بلغ كتابه ، ولم يرعه وقد اطمأنت بذكر
الله تعالى القلوب ، وخلصت الرغبات إلى فضله المطلوب ، إلّا شقي قيضه الله لسعادته
غير معروف ولا منسوب ، وخبيث لم يكن بمعتبر ولا محسوب ، تخلّل الصفوف المعقودة ،
وتجاوز الأبواب المسدودة ، وخاض الجموع المشهودة ، والأمم المحشورة إلى طاعة الله المحشودة ، لا تدل العين عليه شارة ولا بزّة
، ولا تحمل على الحذر من مثله أنفة ولا عزة ، وإنما هو خبيث ممرور ، وكلب عقور ،
وحية سمها وحيّ محذور ، وآلة مصرّفة لينفذ بها قدر مقدور ، فلما طعنه وأثبته
، وأعلق به
__________________
شرك الحين فما أفلته ، قبض عليه من الخلصان الأولياء من خبر ضميره ،
وأحكم تقريره ، فلم يجب عند الاستفهام جوابا يعقل ، ولا عثر منه على شيء عنه ينقل
، لطفا من الله أفاد براءة الذمم ، وتعاورته للحين أيدي التمزيق ، وأتبع شلوه
بالتحريق ، واحتمل مولانا الوالد رحمه الله تعالى إلى القصر وبه ذماء لم يلبث بعد الفتكة العمرية إلا أيسر من اليسير ، وتخلف
الملك ينظر من الطّرف الحسير ، وينهض بالجناح الكسير ، وقد عاد جمع السلامة إلى
التكسير ، إلا أن الله تعالى تدارك هذا القطر الغريب بأن أقامنا مقامه لوقته وحينه
، ورفع بناء عماد ملكه ولم شعث دينه ، وكان جميع من حضر المشهد من شريف الناس
ومشروفهم ، وأعلامهم ولفيفهم ، قد جمعه ذلك الميقات ، وحضر الأولياء الثقات ، فلم
تختلف علينا كلمة ، ولا شذت منهم عن بيعتنا نفس مسلمة ، ولا أخيف بريّ ، ولا حذر
جريّ ، ولا فري فريّ ، ولا وقع لبس ، ولا استوحشت نفس ، ولا نبض للفتنة عرق ، ولا
أغفل للدين حق ، فاستند النقل إلى نصه ، ولم يعدم من فقيدنا غير شخصه ، وبادرنا
إلى مخاطبة البلاد نمهدها ونسكنها ، ونقرر الطاعة في النفوس ونمكنها ، وأمرنا
الناس بها بكف الأيدي ، ورفع التعدّي ، والعمل من حفظ شروط المسالمة المعقودة بما
يجدي ، ومن شره منهم للفرار ، وعاجلناه بالإنكار ، وصرفنا على النصارى ما أوصاه مصحبا
بالاعتذار ، وخاطبنا صاحب قشتالة نرى ما عنده في صلة السلم إلى أمدها من الأخبار ،
واتصلت بنا البيعات من جميع الأقطار ، وعفّى على حزن المسلمين بوالدنا ما ظهر
عليهم بولايتنا من الاستبشار ، واستبقوا تطير بهم أجنحة الابتدار ، جعلنا الله
تعالى ممن قابل الحوادث بالاعتبار ، وكان على حذر من تصاريف الأقدار ، واختلاف
الليل والنهار ، وأعاننا على إقامة دينه في هذا الوطن الغريب المنقطع بين العدو
الطاغي والبحر الزخّار ، وألهمنا من شكره ما يتكفل بالمزيد من نعمه ، ولا قطع عنا عوائد كرمه ، وإن فقدنا
والدنا فأنتم لنا من بعده الوالد ، والذخر الذي تكرم منه العوائد ، والحبّ يتوارث
كما ورد في الأخبار التي صحت منها الشواهد ، ومن أعدّ مثلكم لبنيه ، فقد تيسرت من بعد
الممات أمانيه ، وتأسست قواعد ملكه وتشيدت مبانيه ، والاعتقاد الجميل موصول ،
والفروع لها في
__________________
التشيع إليكم أصول
، وفي تقرير فخركم محصول ، وأنتم ردء المسلمين بهذه البلاد المسلمة الذي يعينهم بإرفاده ، وينصرهم
بإنجاده ، ويعامل الله تعالى فيها بصدق جهاده.
وعندما استقر هذا
الأمر الذي تبعت المحنة فيه المنحة ، وراقت من فضل الله تعالى ولطفه فيه الصفحة ،
وأخذنا البيعة من أهل حضرتنا بعد استدعاء خواصّهم وأعيانهم ، وتزاحمت على رقّها
المنشور خطوط أيمانهم ، وتأصلت قواعد ألفاظها ومعانيها في قلوبهم
وآذانهم ، وضمنوا الوفاء بما عاهدوا الله عليه وقد خبر سلفنا والحمد لله وفاء
ضمانهم ، بادرنا تعريف مقامكم الذي نعلم مساهمته فيما ساء وسر وأحلى وأمر ، عملا
بمقتضى الخلوص الذي ثبت واستقر ، والحب الذي ما مال يوما ولا ازورّ وما أحق تعريف مقامكم بوقوع هذا الأمر المحذور ، وانجلاء
ليله عن صبح الصنع البادي السّفور ، وإن كنا قد خاطبنا من خدامكم من يبادر إعلامكم
بالأمور ، إلا أنه أمر له ما بعده ، وحادث يأخذ حدّه ، ونبعث إلى بابكم من شاهد
الحال ما بين وقوعها إلى استقرارها رأي العيان ، وتولى تسديد الأمور بأعماله الكريمة ومقاصده الحسان ،
ليكون أبلغ في البر وأشرح للصدر وأوعب للبيان ، فوجهنا إليكم وزير أمرنا ، وكاتب سرنا ، الكذا أبا فلان
، وألقينا إليه من تقرير تعويلنا على ذلك المقام الأسنى ، واستنادنا من التشيع
إليه إلى الركن الوثيق المبني ، ما نرجو أن يكون له فيه المقام الأعنى ، والثمرة
العذبة المجنى ، فلاهتمامه بهذا الغرض الأكيد الذي هو أساس بنائنا ، وقامع أعدائنا
، آثرنا توجيهه على توفر الاحتياج إليه ، ومدار الحال عليه ، والمرغوب من أبوتكم
المؤملة أن يتلقاه قبولها بما يليق بالملك العالي ، والخلافة السامية المعالي ،
والله عز وجل يديم أيامكم لصلة الفضل المتوالي ، ويحفظ مجدكم من غير الأيام والليالي ، وهو سبحانه يصل سعدكم ، ويحرس مجدكم ، ويوالي نصركم
وعضدكم ، والسلام الكريم يخصكم ، ورحمة الله وبركاته. انتهى.
وقوله في هذه
الرسالة «فوجهنا إليكم وزير أمرنا ـ إلى آخره» هو لسان الدين رحمه الله تعالى! إذ
هو كان الوزير إذ ذاك والسفير في هذه القضية ، ومن صفحات هذا الكلام يتضح لك ما
نال لسان الدين رحمه الله تعالى من الرياسة والجاه ونفوذ الكلمة بالأندلس وبالمغرب
__________________
رحمه الله تعالى!
وقد أكرمه السلطان أبو عنان في هذه الوفادة وغيرها غاية الإكرام ، وكان المقصود
الأعظم من هذه الوفادة استعانة سلطان الأندلس الغني بالله بالسلطان أبي عنان على
طاغية النصارى ، كما ألمعنا بذلك في الباب الثاني من القسم الثاني الذي تعلق بلسان
الدين.
وكان السلطان أبو
عنان ابن السلطان أبي الحسن معتنيا بالأندلس غاية الاعتناء ، وخصوصا بجبل الفتح ،
حتى إنه بلغ من اعتنائه به أن أمّر عليه ولده أبا بكر السعيد ، وهو الذي تولى الملك
بعده.
ومن إنشاء لسان الدين بن الخطيب رحمه
الله تعالى على لسان سلطانه ما خاطب به الأمير السعيد المذكور إذ قلّده والده جبل
الفتح ، وهو :
الإمارة التي أشرق
في سماء الملك شهابها ، واتصلت بأسباب العز أسبابها ، واشتملت على الفضل والطهارة
أثوابها ، وأجيلت قداح المفاخر فكان إلى جهة الله تعالى انتدابها ، إمارة محلّ
أخينا الذي تأسس على مرضاة الله تعالى أصيل فخره ، واتّسم بالمرابط المجاهد على
اقتبال سنه وجدّة عمره ، وبدأ بفضل الجهاد صحيفة أجره ، وافتتح بالرباط والصلاح
ديوان نهيه وأمره ، لما يسّره من سعادة نصبته وحباه من عز نصره ، الأمير الأجل
الأعز الأرفع الأسنى الأطهر الأظهر الأمنع الأصعد الأسمى الموفق الأرض ، محل أخينا
العزيز علينا ، المهداة أنباء مأمول جواره إلينا ، أبي بكر السعيد ابن محل والدنا
الذي مقاصده للإسلام وأهله على مرضاة الله تعالى جارية ، وعزائمة على نصر الملة
الحنيفية متبارية ، السلطان الكذا أبو عنان ابن السلطان الكذا أبي الحسن ابن
السلطان الكذا أبي سعيد ابن السلطان يعقوب بن عبد الحق ، أبقاه الله تعالى سديدة
آراؤه ناجحة أعماله ، ميسّرة أغراضه من فضل الله تعالى متممة آماله ، رحيبا في العدل مجاله ، يكنفه من الله تعالى ومحل أبينا غمام وارفة ظلاله ، هامر
نواله ، حتى يرضى الله تعالى مصاعه بين يديه ومصاله ، وتمضي في الأعداء أمام رايته المنصورة نصاله ، أخوه
المسرور بقربه ، المنطوي على مضمر حبه ، أمير المسلمين محمد ابن أمير المسلمين أبي
الحجاج ابن أمير المسلمين أبي الوليد بن فرج بن نصر.
__________________
سلام كريم ، طيب
بر عميم ، يخص أخوّتكم الفضلى ، وإمارتكم التي آثار فضلها بحول الله تتلى ، ورحمة
الله تعالى وبركاته.
أما بعد حمد الله
على ما كيف من ألطافه المشرقة الأنوار ، ويسّره لهذه الأوطان بنصرته من الأوطار ،
فكلما دجت بها شدة طلع الفرج عليها طلوع النهار ، وكلما اضطرب منها جانب
أعاده بفضل الله تعالى من أقامه لذلك واختاره إلى حال السكون والقرار ، والصلاة
والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله المصطفى المختار ، الذي أكد عليه جبريل
صلوات الله عليه حقّ الجوار ، حتى كاد يلحقه بالوسائل والقرب الكبار ، الذي وصانا
بالالتئام ، واتصال اليد في نصرة الإسلام ، فنحن نقابل وصاته بالبدار ، ونجري على نهجه الواضح الآثار ، ونرتجي باتباعه
الجمع بين سعادة هذه الدار وتلك الدار ، والرضا عن آله وأصحابه ، وأنصاره وأحزابه ، أكرم الآل
والأصحاب والأحزاب والأنصار ، الذين كانوا كما أخبر الله تعالى عنهم على لسان
الصادق الأخبار «رحماء بينهم أشدّاء على الكفار» والدعاء لإمارتكم السعيدة بالتوفيق الذي تجري به الأمور
على حسب الاختيار ، والعز المنيع الذّمار ، والسعد القويم المدار ، والوقاية التي يأمن بها أهلها من
الشرار ، فإنا كتبناه إليكم كتب الله تعالى لكم أسنى ما كتب للأمراء الأرضياء
الأخيار ، ومتعكم من بقاء والدكم بالعدة العظمى والسيرة الرحمى والجلال الرفيع
المقدار ، من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم ببركة
سيدنا ومولانا محمد رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أوضح برهانه إلا ألطاف باهرة ،
وعناية من الله تعالى باطنة وظاهرة ، وبشارة بالقبول واردة وبالشكر صادرة ، والله
تعالى يصل لدينا نعمه ، ويوالي فضله وكرمه ، وإلى هذا فإننا اتصل بنا في هذه
الأيام ما كان من عناية والدكم محلّ أبينا أبقاه الله تعالى بهذه البلاد المستندة
إلى تأميل مجده ، وإقطاعها الغاية التي لا فوقها من حسن نظره وجميل قصده ،
وتعيينكم إلى المقام بجبل الفتح إبلاغا في اجتهاده الديني وجدّه ، فقلنا : هذا خبر
إن صدق مخبره ، وتحصل منتظره ، فهو فخر تجددت أثوابه ، واعتناء تفتحت أبوابه ،
وعمل عند الله تعالى ثوابه ، فإن الأندلس عصمها الله تعالى وإن أنجدته عدده
وأمواله ، ونجحت في نصرها مقاصده الكريمة وأعماله ، لا تدري موقع النظر لها من
نفسه ، وزيادة يومه في العناية
__________________
على أمسه ، حتى
يسمح لها بولده ، ويخصها بقرة عينه وفلذة كبده ، فلما ورد منه الخبر ، الذي راقت
منه الحبر ، ووضحت من سعادته الغرر ، بإجازتكم البحر ، واختياركم في حال الشبيبة
الفخر ، وصدق مخيلة الدين فيكم ، واستقراركم في الثغر الشهير الذي افتتحه سيف
جدّكم واستنقذه سعد أبيكم ، سررنا بقرب المزار ، ودنوّ الدار ، وقابلنا صنع الله تعالى بالاستبشار ، ووثقنا وإن لم نزل
على ثقة من عناية الله تعالى وعناية محل والدنا بهذه الأقطار ، وحمدنا الله تعالى
على هذه الآلاء المشرقة ، والنعم المغدقة ، والصنائع المتألقة ، بادرنا نهنّي أخوّتكم أو لا بما يسره الله تعالى لكم من
سلامة المجاز ، ثم بما منحكم الله تعالى من فضل الاختصاص بهذا الغرض والامتياز ،
فإمارتكم الإمارة التي أخذت بأسباب السماء ، وركبت إلى الجهاد في سبيل الله تعالى
جياد الخيل والماء ، وأصبحت على حال الشبيبة شجا في حلوق الأعداء ، ونحن أحق بهذا
الهناء ، ولكنها عادة الود وسنّة الإخاء ، فالله عز وجل يجعله مقدما ميمون الطائر ، متهلل البشائر ، تتهّلل بصنع الله بعده وجوه القبائل والعشائر ، ويجري خبر سعادتكم
مجرى المثل السائر ، ويشكر محل والدنا فيما كان من اختياره ، ومزيد إيثاره ،
ويجازيه جزاء من سمح في ذاته بمظنة ادّخاره ، ومذ رأينا أن هذا الغرض لا يجتزى فيه بالكتابة ، دون الاستنابة ، وجهنا لكم من يقوم بحقه ،
ويجري من تقرير ما لدينا على أوضح طرقة ، وهو القائد الكذا ، ومجدكم يصغي لما يلقيه ، ويقابل بالقبول ما من ذلك يؤديه ، والله تعالى
يصل سعدكم ، ويحرس مجدكم ، والسلام.
وكان الطاغية الملعون
أيام السلطان أبي عنان رحمه الله تعالى نازل جبل الفتح ثم كفى الله تعالى شره في
ذلك التاريخ.
ومن إنشاء لسان
الدين على لسان سلطانه أبي الحجاج يخاطب أبا عنان سلطان فاس والمغرب وذلك بما نصه
:
المقام الذي رمى
له الملك الأصيل بأفلاذه ، وأدّى منه الإسلام إلى ملجئه الأحمى وملاذه ، وكفلت
السعود بإمضاء أمره المطاع وإنفاذه ، وشأي حلبة الكرم فكان وحيد آحاده وفذّ أفذاذه ، وابتدع غرائب
الجود فقال لسان الوجود : نعمت البدعة هذه ، مقام محل أخينا
__________________
الذي أركان مجده
راسية راسخة ، وغرر عزه بادية باذخة ، وأعلام فخره سامية شامخة ، وآيات سعده محكمة
ناسخة ، السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ، أبقاه الله تعالى
يجري بسعده الفلك ، ويجلي بنور هديه الحلك ، ويسطر حسنات ملكه الملك ، ويشهد بفضل بأسه ونداه النادي والمعترك ، معظّم حقوقه التي تأكد فرضها ، المثني على
مكارمه التي أعيا الأوصاف البليغة بعضها ، أمير المسلمين عبد الله يوسف ابن أمير
المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر.
سلام كريم ، طيب
برّ عميم ، يخص أخوّتكم الفضلى ، ورحمة الله وبركاته.
أما بعد حمد الله
الذي هيأ لملة الإسلام ، بمظاهرة ملككم المنصور الأعلام ، إظهارا وإعزازا ، وجعل
لها العاقبة الحسنى بيمن مقامكم الأسنى تصديقا لدعوة الحق وإنجازا ، وسهل لها
بسعدكم كل صعب المرام وقد سامتها صروف الأيام ليّا وإعوازا ، وأتاح لها منكم وليّا يسوم أعداءها استلابا وابتزازا ، ويسكن آمالها وقد استشعرت انحفازا ، حمدا يكون على حلل
النعم العميمة والآلاء الكريمة طرازا ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد
رسوله الذي بهرت آياته وضوحا وإعجازا ، واستحقت الكمال صفاته حقيقة لا مجازا ،
ونبيه الذي بين للخلق أحكام دينه الحق امتناعا وجوازا ، ويسّر لهم وقد ضلوا في
مفاوز الشك مفازا ، والرضا عن آله وأصحابه المستولين على ميادين فضائل الدنيا
والدين اختصاصا بها وامتيازا ، فكانوا غيوثا إن وجدوا محلا وليوثا إن شهدوا برازا والدعاء لمقام أخوّتكم الأسمى بنصر على أعدائه تبدي له
الجياد الجرد ارتياحا والرماح الملد اهتزازا ، وعز يطأ من أكناف البسيطة وأرجائها
المحيطة سهلا وعزازا ، ويمن يشمل من بلاد الإيمان أقطارا نازحة ويعم أحوازا ، وسعد تجول في ميدان ذكره المذاع أطراف ألسنة اليراع
إسهابا وإيجازا ، وفخر يجوب جيوب الأقطار جوب المثل السيار عراقا وحجازا ، ولا زالت
كتائب سعده تنتهز فرص الدهر انتهازا ، وتوسع مملكات
__________________
الكفر انتهابا
واحتيازا ، فإنا كتبناه إلى مقامكم كتب الله تعالى لكم سعدا ثابت المراكز ، وعزا
لا تلين قناتة في يد الغامز ، وثناء لا يثني عنان سراه عرض المفاوز ، وصنعا رحيب
الجوانب رغيب الجوائز ، من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى وفضله عز وجل قد أدال
العسر يسرا وأحال القبض بسطا ، وقرّب نوازح الآمال بعد أن تناءت ديارها شحطا ، وراض مركب الدهر الذي كان لا يلين لمن استمطى ، وقرب غريم الرجاء في هذه الأرجاء وكان مشتطا ، والتوكل
عليه سبحانه وتعالى قد أحكم منه اليقين والاستبصار المبين ربطا ، ومشروط المزيد من
نعمه قد لزم من الشكر شرطا ، ومقامكم هو عدّة الإسلام إذا جدّ حفاظه ، وظله الظليل
إذا لفح للكفر شواظه ، وملجؤه الذي تنام في كنف أمنه أيقاظه ، ووزره الذي إلى نصرة
تمدّ أيديه وتشير ألحاظه ، ففي أرجاء ثنائه تسرح معانيه وألفاظه ، ولخطب تمجيده وتحميده
يقول قسّه وتحتفل عكاظه ، وتشيّعنا إلى ذلك الجناب الكريم طويل عريض ،
ومقدمات ودنا إياه لا يعترضها نقيض ، وأفلاك تعظيمنا له ليس لأوجها الرفيع حضيض ، وأنوار اعتقادنا الجميل فيه يشف سواد الحبر عن أوجهها
البيض ، وإلى هذا ألبسكم الله تعالى ثوب السعادة المعادة فضفاضا ، كما صرف ببركة
إيالتكم الكريمة على ربوع الإسلام وجوه الليالي والأيام وقد أزورت إعراضا ، وبسطت
آمالها وقد استشعرت انقباضا ، فإننا ورد علينا كتابكم الذي كرم أنحاء وأغراضا ،
وجالت البلاغة من طرسه الفصيح المقال رياضا ، ووردت الأفكار من معانيه الغرائب
وألفاظه المزرية بدرر النحور والتّرائب بحورا صافية وحياضا ، فاجتلينا منه حلة من
حلل الود سابغة ، وحجة من حجج المجد بالغة ، وشمسا في فلك السعد بازغة ،
الذي بيّن المقاصد الكريمة وشرحها ، وجلا الفضائل العميمة وأوضحها ، فما أكرم شيم
ذلك الجلال وأسمحها ، وأفضل خلال ذلك الكمال وأرجحها ، حثثتم فيه على إحكام السلم التي تحوط الأنفس
والحريم بسياج ، ويداوي القطر العليل منها بأنجع علاج ، والحال ذات احتياج ، وساحة
الجبل
__________________
عصمه الله تعالى ميدان
هياج ، ومتبوّأ أعلاج ، ومظنة اختلاف للظنون الموحشة واختلاج ، فحضر لدينا محتمله وزيركم الشيخ الأجل الأعظم الموقر الأسمى الخاصة الأحظى
أبو علي ابن الشيخ الوزير الأجل الحافل الفاضل المجاهد الكامل أبي عبد الله بن محلى والشيخ الفقيه الأستاذ الأعرف
الفاضل الكامل أبو عبد الله ابن الشيخ الفقيه الأجل العارف الفاضل الصالح المبارك
المبرور المرحوم أبي عبد الله القشتالي ، وصل الله سبحانه سعادتهما ، وحرس مجادتهما ، حالين من
مراتب ترفيعنا أعلى محل الإعزاز ، وواردين على أحلى القبول الذي لا تشاب حقيقته بالمجاز ، عملا بما يجب علينا لمن يصل إلينا من تلك
الأنحاء الكريمة والأحواز ، فتلقينا ما اشتملت عليه الإحالة السلطانية من الود
الذي كرم مفهوما ونصا ، والبر الذي ذهب من مذاهب الفضل والكمال الأمد الأقصى ، وقد
كان سبقهما صنع الله جلّ جلاله بما أخلف الظنون ، وشرح الصدور وأقر العيون ، فلم
يصلا إلينا إلا وقد أهلك الله تعالى الطاغية ، ومزق أحزابه الباغية ، نعمة منه
سبحانه وتعالى ومنه ملأت الصدور انشراحا ، وعمت الأرجاء أفراحا ، وعنوانا على سعد
مقامك الذي راق غررا في المكرمات وأوضاحا ، ومد يده إلى سهام المواهب الإلهية فحاز
أعلاها قداحا ، فتشوّفت نفوس المسلمين إلى ما كانت تؤمله من فضل الله تعالى وترجوه
، وبدت في القضية التي أشرتم بأعمالها الوجوه ، وانبعثت الآمال إلى ما آلت إليه هذه الحال انبعاثا ، والتاثت أمور العدو قصمه
الله تعالى التياثا ، وانتقض غزله من بعد قوّته بفضل الله تعالى أنكاثا ، واحتملت المسألة التي تفضلتم بعرضها وأشرتم إلى فرضها
مأخذا وأبحاثا ، فألقينا في هذه الحال إلى رسوليكم أعزهما الله تعالى ما يلقيانه
إلى مقامكم الأعلى ، ومثابتكم الفضلى ، وما يتزيد عندنا من الأمور فركائب التعريف
بها إليكم محثوثة ، وحزئياتها بين يدي مقامكم الرفيع مبثوثة ، وقد اضطربت أحوال
الكفر وفالت
__________________
آراؤه ، واستحكم بالشتات داؤه ، وارتجّت بزلزال الفتن أرجاؤه ، وتيسرت آمال الإسلام
بفضل الله تعالى ورجاؤه ، وما هو إلا السعد يذلل لكم صعب العدو ويروضه ، والله
سبحانه يهيئ لكم فضل الجهاد حتى تقضى بكم فروضه ، وأما الذي لكم عندنا من الخلوص
الصافية شرائعه ، والثناء الذي هو الروض تأرّج ذائعه ، فأوضح من فلق الصبح إذا
أشرقت طلائعه ، جعله الله تعالى في ذاته ، ووسيلة إلى مرضاته! ورسولاكم يشرحان لكم
الحال بجزئياته ، ويقرران ما عندنا من الود الذي سطع نور آياته ، وهو سبحانه
وتعالى يصل لكم سعدا سامي المراتب والمراقي ، ويجمع لكم بعد بعد المدى وتمهيد دين
الهدى بين نعيم الدنيا والنعيم الباقي ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. انتهى.
وأبين من هذا في
القضية كتاب آخر من إنشاء لسان الدين رحمه الله تعالى صورته :
من أمير المسلمين
عبد الله يوسف ابن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر ، إلى محل
أخينا الذي نثني على مجادته أكرم الثناء ، ونجدد له ما سلف بين الأسلاف الكرام من
الولاء ، ونتحفه من سعادة الإسلام وأهله بالأخبار السارة والأنباء ، السلطان الكذا
ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ، أبقاه الله تعالى رفيع المقدار ، كريم
المآثر والآثار ، وعرّفه من عوارف فضله كلّ مشرق الأنوار ، كفيل بالحسنى وعقبى
الدار .
سلام كريم ، برّ
عميم ، يخص جلالكم الأرفع ، ورحمة الله وبركاته.
أما بعد حمد الله
على عميم آلائه ، وجزيل نعمائه ، ميسّر الصعب بعد إبائه ، والكفيل بتقريب الفرج
وإدنائه ، له الحمد والشكر ملء أرضه وسمائه ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا
محمد خاتم رسله الكرام وأنبيائه ، الهادي إلى سبيل الرشد وسوائه ، مطلع نور الحق يجلو ظلم الشك بضيائه ، والرضا عن آله
وأصحابه وأنصاره وأحزابه وخلفائه ، السائرين في الدنيا والآخرة تحت لوائه ،
الباذلين نفوسهم في إظهار دينه القويم وإعلائه ، والدعاء لمقامكم بتيسير أمله من
فضل الله سبحانه ورجائه ، واختصاصه بأوفر الحظوظ من اعتنائه ، فإنا كتبناه إليكم
كتبكم الله تعالى فيمن ارتضى قوله وعمله من أوليائه ، وعرفكم عوارف السعادة
المعادة
__________________
في نهاية كل أمر
وابتدائه ، من حمراء غرناطة ـ حرمها الله تعالى! ـ ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم
ببركة سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم الذي أوضح برهانه ، وعظم أمره ورفع شأنه ،
ثم بما عندنا من الود الكريم وتجديد العهد القديم لمقامكم أعلى الله تعالى سلطانه
، إلا الخير الهامي السحاب ، والتيسير المتين الأسباب ، واليمن المفتح الأبواب ، والسعد الجديد
الأثواب ، ومقامكم معتمد بترفيع الجناب ، متعهد بالود الخالص والاعتقاد اللّباب ، معلوم له فضل الدين وأصالة الأحساب ، وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم
مديد الأطناب ، ثاقب الشّهاب ، وأطلع عليكم وجوه البشائر سافرة النقاب ، فإنه
قد كان بلغكم ما آلت الحال إليه بطاغية قشتالة الذي كلب على هذه الأقطار الغربية
من وراء البحار ، وما سامها من الأوصاب والإضرار ، وأنه جرى في ميدان الإملاء والاغترار ، ومحّص
المسلمون على يده بالوقائع العظيمة الكبار ، وأنه نكث العهد الذي عقده ، وحل
الميثاق الذي أكّده ، وحمله الطمع الفاضح على أن أجلب على بلاد المسلمين بخيله
ورجله ، ودهمها بتيار سيله وقطع ليله ، وأمل أن يستولي على جبل الفتح الذي يدعي منه
فتحها ، وطلع للملة المحمدية صبحها ، فضيقه حصارا ، واتخذه دارا ، وعندما عظم
الإشفاق ، وأظلمت الآفاق ، ظهر فينا لقدرة الله تعالى الصنع العجيب ، ونزل الفرج
القريب ، وقبل الدعاء السميع المجيب ، وطرق الطاغية ، جند من جنود الله تعالى أخذه
أخذة رابية ، ولم يبق له من باقية ، فهلك على الجبل حتف أنفه ، وغالته غوائل حتفه
، فتفرقت جموعه وأحزابه ، وانقطعت أسبابه ، وتعجل لنار الله تعالى مآبه ، وأصبحت
البلاد مستبشرة ، ورحمة الله منتشرة ، ورأينا أن هذه البشارة التي يأخذ منها كل
معلم بالنصيب الموفور ، ويشارك فيما جلبته من السرور ، أنتم أولى من نتحفه بطيب
ريّاها. ونطلع عليه جميل محيّاها ، لما تقرر عندنا من دينكم المتين ، وفضلكم
المبين ، وعملكم في المساهمة على شاكلة صالحي السلاطين ، فما ذلك إلا فضل نيتكم
للمسلمين في هذه
__________________
البلاد ، وأثر ما
عندكم من جميل الاعتقاد ، وقد ورد علينا رسولكم القائد أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح ، أعزه الله تعالى!
مقرّرا ما لديكم من الود الراسخ القواعد ، والخلوص الصافي الموارد ، الواضح
الشواهد ، وأثنى على مكارمكم الأصيلة ، وألقى ما عندكم من المذاهب الجميلة ، فقابلنا ذلك بالشكر
الذي يتصل سببه ، ويتضح مذهبه ، وسألنا الله أن يجعله ودّا في ذاته ، ووسيلة إلى
مرضاته ، وتعرفنا ما كان من تفضلكم بالطريدة المفتوحة المؤخر ، وما صدر عن الرئيس
المعروف بالناظر من خدام دار الصنعة بالمرية من قبح محاولته ، وسوء معاملته ،
فأمرنا بقطع جرايته وثقافه بمطمورة القصة جزاء لجنايته ، ولو لا أننا توقفنا أن
يكون عظيم عقابه مما لا يقع من مقامكم بوفقه ، لمشهور عفافه ورفقه ، لجعلناه نكالا
لأمثاله ، وعبرة لأشكاله ، وقد وجهنا جفنا سفريا لإيساق الخيل التي
ذكرتم ، وإيصال ما إليه من ذلك أشرتم ، ويكمل القصد إن شاء الله تعالى تحت لحظ
اعتنائكم ، وفضل ولائكم ، هذا ما تزيد عندنا عرفناكم به ، عملا على شاكلة الود
الجميل ، والولاء الكريم الجملة والتفصيل ، فعرفونا بما يتزيد عندكم يكن من جملة
أعمالكم الفاضلة ، ومكارمكم الحافلة ، والله تعالى يصل سعدكم ، ويحرس مجدكم ،
والسلام الكريم عليكم ورحمة الله وبركاته. انتهى.
ومن إنشاء لسان
الدين فيما يتعلق بالأندلس وانقطاعها ، وأنها لا غنى لها عن العدوة وغير ذلك ، ما
صورته :
المقام الذي بنور
سعادته تنجلي الغمّاء وتتصل النعماء ، من نيته قد حصل منها لجانب الله تعالى
الانتماء ، واتفقت منها المسمّيات والأسماء ، مقام محل أبينا الذي تتفيأ هذه
الجزيرة الغربية أفياء نيته الصالحة وعمله ، وتثق بحسن العاقبة اعتمادا على وعد
الله تعالى المنزل على خيرة رسله ، وتجتني ثمار النجح من أفنان آرائه المتألقة
تألق الصبح حالي ريثه وعجله ، وتتعرف حالي المودود والمكروه عارفة الخير والخيرة من
قبله ، أبقاه الله تعالى يحسم الأدواء
__________________
كلما استشرت ، ويحلي موارد العاقبة كلما أمّرت ، ويعفّي على آثار الأطماع الكاذبة مهما خدعت
بخلّبها وغرت ، ويضمن سعده عودة الأمور إلى أفضل ما عليه استقرت ، معظم مقامه الذي
هو بالتعظيم حقيق ، وموقر ملكه الذي لا يلتبس منه في الفخر والعز طريق ، ولا يختلف
في فضله العميم ومجده الكريم فريق.
أما بعد حمد الله
المثيب المعاقب ، الكفيل لأهل التقوى بحسن العواقب ، المشيد بالعمل الصالح إلى
أرفع المراقي والمراقب ، يهدي من يشاء ويضل من يشاء فبقضائه وقدره اختلاف المسالك
والمذاهب ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الحاشر العاقب ، ونبيه
الكريم الرؤوف الرحيم ذي المفاخر السامية والمناقب ، والرضا عن آله وأصحابه
وأنصاره وأحزابه الذين ظاهروه في حياته بإعمال السّمر العوالي والبيض القواضب ، وخلفوه في أمته بخلوص الضمائر عن شوب الشوائب ، فكانوا في سماء ملته كالنجوم الثواقب ، والدعاء لمقامكم
الأسمى بالسعادة المعادة في الشاهد من الزمن والغائب ، والنصر الذي يقضي بعز
الكتائب ، والصنع الذي تطلع من ثناياه غرر الصنائع العجائب ، من حمراء غرناطة
حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم بما عندنا من الاعتداد بمقامكم
أعلى الله تعالى سلطانه ، وشمل بالتمهيد أوطانه ، إلّا نشيّع ثابت ويريد ، وإخلاص ما عليه في ميدان الاستطاعة مزيد ، وتعظيم أشرق منه جيد ، وثناء راق فوق رياضه تحميد وتمجيد ، وإلى هذا
وصل الله تعالى سعدكم ، وحرس الطاهر الكريم مجدكم ، فقد وصلنا كتابكم الذي هو على
الخلوص والاعتقاد عنوان ، وفي الاحتجاج على الرضا والقبول برهان ، تنطق بالفصل فصوله ، وتشير إلى كرم العقد فروعه الزكية وأصوله ، ويحق
أن ينسب إلى ذلك الفخر الأصيل محصوله ، عرفتمونا بما ذهب إليه عيسى بن الحسين من
الخلاف الذي ارتكبه ، وسبيل الصواب الذي انتكبه ، وتنبهون على ما حده الحق في مثل ذلك وأوجبه ، حتى لا يصل أحد من
جهتنا سببه ، ولا
__________________
يظاهره مهما ندبه
، ولا يسعف في الإيواء طلبه ، فاستوفينا ما استدعاه ذلك البيان الصريح وجلبه ،
وخطه القلم الفصيح وكتبه ، وليعلم مقامكم وهو من أصالة النظر غنيّ عن الإعلام ،
ولكن لابد من الاستراحة بالكلام ، والتنفث بنفثات الأقلام ، أننا إنما نجري أمورنا
مع هذا العدو الكافر الذي رمينا بجواره ، وبلينا والحمد لله بمصادمة تيّاره ، على
تعداد أقطاره ، واتساع براريه وبحاره ، بأن تكون الأمّة المحمدية بالعدوتين تحت
وفاق ، وأسواق النّفاق غير ذات نفاق ، والجماهير تحت عهد من الله تعالى وميثاق ، فمهما تعرفنا
أن اثنين اختلف منهما بالعدوتين عقد ، ووقع بينهما في قبول الطاعة رد ، ساءنا
واقعه ، وعظمت لدينا مواقعه ، وسألنا أن يتدارك الخرق راقعه ، لما نتوقعه من
التشاغل عن نصرنا ، وتفرغ العدو إلى ضرنا ، فكيف إذا وقعت الفتنة في صقعنا وقطرنا
، إنما هي شعلة في بعض بيوتنا وقعت ، وحادثة إلى جهتنا أشرعت ، وإن كان لسوانا
لفظهما فلنا معناها ، وعلى وطننا يعود جناها ، فنحن أحرص الناس على إطفائها
وإخمادها ، وأسعى في إصلاح فسادها ، والمثابرة على كفها واستئسادها ، وما الظن بدار فسد بابها ، وآمال رثّت أسبابها ، وجزيرة لا تستقيم أحوال من بها إلا بالسكون ، وسلم العدو
والمغرور المفتون ، حتى تقضى منه بإعانتكم الديون ، وإن اضطرابها إنما هو داء
نستبصر من رأيكم فيه بطبيب ، وهدف خطب نرميه من عزمكم بسهم مصيب ،
وأمر نضرع في تداركه إلى سميع للدعاء مجيب ، ونحن فيه يد أمام يدكم ، ومقصدنا فيه
تبع لقصدكم ، وتصرفنا على حد إشارتكم جار ، وعزمنا إلى منتهى مرضاتكم متبار ،
وعقدنا في مشايعة أمركم غير متوار ، وقد كنا لأول اتصال هذا الخبر ، القبيح العين
والأثر ، بادرنا تعريفكم بجميع ما اتصل بنا في شأنه ، ولم نطو عنكم شيئا من إسراره
ولا إعلانه ، وبعثنا رسولنا إلى بابكم العلي نعتدّ بسلطانه ، ونرتجي تمهيد هذا
الوطن بتمهيد أوطانه ، وبادرنا بالمخاطبة من وجبت مخاطبته من أهل مربلة وأسطبونة
نثبت بصائرهم في الطاعة ونقويها ، ونعدهم بتوجيه من يحفظ جهاتهم ويحميها ، وعجلنا
إلى بعضها مددا من الرماة والسلاح ليكون ذلك عدّة فيها ، وعلمنا ما أوجب الله تعالى من الأعمال التي يزلف بها ويرتضيها ، وكيف لا نظاهر أمركم الذي هو العدة المذخورة ،
والفئة الناصرة المنصورة ، والباطل سراب يخدع ، والحق إليه يرجع ، والبغي
__________________
يردي ويصرع ، وكم
تقدم في الدهر منتز شذ عن الطاعة ، وخرج عن الجماعة ، ومخالف على الدول ، في
العصور الأول ، بهرج الحقّ زائفه ، ورجمت شهب الأسنة طائفه ، وأخذت عليه الضيقة
وهاده وتنائفه ، فتقلص ظله ، ونبا به عن الحق محله ، وكما قال يذهب
الباطل وأهله ، لا سيما وسعادة ملككم قد وطأت المسالك ومهّدتها ، وقهرت الأعداء وتعبدتها
، وأطفأت جداول سيوفكم النار التي أوقدتها ، وكأن بالأمور إذا أعملتم فيها رأيكم
السديد وقد عادت إلى خير أحوالها ، والبلاد بيمن تدبيركم قد شفى ما ظهر من
اعتلالها ، وعلى كل حال فإنما نحن إلى تكميل مرضاتكم مبادرون ، وفي أغراضكم الدينية واردون وصادون ،
ولإشاراتكم التي تتضمن الخير والخيرة منتظرون ، عندنا من ذلك عقائد لا يحتمل نصّها
التأويل ، ولا يقبل صحيحها التعليل ، فلتكن أبوّتكم من ذلك على أوضح سبيل ، فشمس
النهار لا تحتاج إلى دليل ، والله تعالى يسنّي لكم عوائد الصنع الجميل ، حتى لا
يدع عزمكم مغصوبا إلا رده ، ولا ثلما في ثغر الدين إلا سدّه ، ولا هدفا متعاصيا
إلا هدّه ، ولا عرقا من الخلاف إلا حده ، وهو سبحانه يبقى ملككم ويصل سعده ، ويعلي أمره ويحرس
مجده ، والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله وبركاته. انتهى.
ومن إنشائه رحمه
الله تعالى من جملة رسالة على لسان سلطانه أبي الحجاج يخاطب الرعايا ، ما نص محل
الحاجة منه :
وإلى هذا فقد
علمتم ما كانت الحال آلت إليه من ضيقة البلاد والعباد بهذا الطاغية الذي جرى في
ميدان الأمل جري الجموح ، ودارت عليه خمرة النخوة والخيلاء مع الغبوق والصّبوح ،
حتى طمح بسكر اغتراره ، ومحّص المسلمون على يده بالوقائع التي تجاوز منتهى مقداره
، وتوجهت إلى استئصال الكلمة مطامح أفكاره ، ووثق بأنه يطفئ نور الله بناره ، ونازل جبل الفتح
فشد مخنّق حصاره ، وأدار أشياعه في البر والبحر دور السوار على أسواره ، وانتهز
الفرصة بانقطاع الأسباب وانبهام الأبواب ، والأمور التي لم تجر للمسلمين بالعدوتين
__________________
على مألوف الحساب
، وتكالب التثليث على التوحيد ، وساءت الظنون في هذا القطر الوحيد ، المنقطع بين الأمة
الكافرة والبحور الزاخرة والمرام البعيد ، وإننا صابرنا بالله تعالى تيّار سيله ،
واستضأنا بنور التوكل عليه في جنح هذا الخطب ودجنّة ليله ، ولجأنا إلى من بيده نواصي الخلائق ، واعتلقنا من حبله المتين بأوثق العلائق ، وفسحنا مجال الأمل في ذلك
الميدان المتضايق ، وأخلصنا لله مقيل العثار ومؤوي أولي الاضطرار قلوبنا ، ورفعنا
إليه أمرنا ووقفنا عليه مطلوبنا ، ولم نقصر مع ذلك في إبرام العزم ، واستشعار
الحزم ، وإمداد الثغور بأقصى الإمكان ، وبعث الجيوش إلى ما يلينا من بلاد على
الأحيان ، فرحم الله تعالى انقطاعنا إلى كرمه ، والتجاءنا إلى حرمه ، فجلّى بفضله
سبحانه ظلم الشدة ، ومد على الحريم والأطفال ظلال رحمته الممتدة ، وعرفنا عوارف
الصنع الذي قدم به العهد على طول المدّة ، ورماه بجيش من جيوش قدرته أغنى عن إيجاف
الركاب ، واحتشاد الأحزاب ، وأظهر فينا قدرة ملكه عند انقطاع الأسباب ،
واستخلاص العباد والبلاد من بين الظّفر والناب ، فقد كان جعجع على الحق بأباطيله ، وسد المجاز بأساطيله ، ورمى الجزيرة الأندلسية بشؤبوب شرّه ، وصيرها فريسة بين غربان بحره وعقبان برّه ، فلم
يخلص إلى المسلمين من إخوانهم مرقبة إلا على الخطر الشديد ، والإفلات من يد العدوّ
العنيد مع توفر العزائم والحمد لله على العمل الحميد ، والسعي فيما يعود على الدين
بالتأييد ، وبينما شفقتنا على جبل الفتح تقيم وتقعد ، وكلب الأعداء عليه يبرق
ويرعد ، واليأس والرجاء خصمان هذا يقرب وهذا يبعد ، إذا طلع علينا البشير بانفراج
الأزمة ، وحلّ تلك العزمة ، وموت شاه تلك الرقعة ، وإبقاء الله تعالى على تلك
البقعة ، وأنه سبحانه أخذ الطاغية أكمل ما كان اغترارا ، وأعظم أنصارا ، وزلزلت أرض عزه وقد أصابت قرارا ، وأن شهاب سعده قد أصبح آفلا ،
وعلم كبره انقلب سافلا ، وأن من بيده ملكوت السماوات والأرض طرقه بحتفه ، وأهلكه برغم أنفه ، وأن محلته عاجلها التّباب والتّبار ،
وعاثت في منازلها النار ، وتمخض عن سوء عاقبتها الليل والنهار ، وأن حماتها يخبرون بيوتهم
بأيديهم ، وينادي بشتات الشمل لسان مناديهم ، وتلاحق الفرسان من جبل الفتح المعقل
الذي عليه من عناية الله تعالى رواق مضروب ، والرباط الذي من حاربه فهو المحروب،
__________________
فأخبرت بانفراج
الضيق ، وارتفاع العائق لها عن الطريق ، وبرء الداء الذي أشرق بالريق ، وأن النصارى
دمرها الله تعالى جدت في ارتحالها ، وأسرعت بجيفة طاغيتها إلى سوء مآلها وحالها ،
وسمحت للنار والنهب بأسلابها وأموالها ، فبهرنا هذا الصنع الإلهي الذي مهد الأقطار
بعد رجفانها ، وأنام العيون بعد سهاد أجفانها ، وسألنا الله تعالى أن يعيننا على شكر هذه النعمة التي إن
سلطت عليها قوى البشر فضحتها ، ورجحتها ، ورأينا سر الطائف الخفية كيف سريانه في
الوجود ، وشاهدنا بالعيان أنوار اللطائف الإلهية والجود ، وقلنا : إنما هو الفتح
الأوّل شفع بثان ، وقواعد الدين الحنيف أيدت من صنع الله تعالى ببنيان ، اللهم لك
الحمد على نعمك الباطنة والظاهرة ، ومننك الوافرة ، إنك ولينا في الدنيا والآخرة.
انتهى.
ومن إنشاء لسان
الدين رحمه الله تعالى من أخرى مما يتعلق بضيق حال المسلمين بالأندلس ما صورته :
وإن تشوّفتم إلى أحوال هذا القطر ومن به من المسلمين ، بمقتضى الدين
المتين والفضل المبين ، فاعلموا أننا في هذه الأيام ندافع من العدوّ تيارا ،
ونكابر بحرا زخّارا ، ونتوقع إلا إن وقى الله تعالى خطوبا كبارا ، ونمد اليد إلى
الله تعالى انتصارا ، ونلجأ إليه اضطرارا ، ونستمد دعاء المسلمين بكل قطر استعدادا
به واستظهارا ، ونستشير من خواطر الفضلاء ما يحفظ أخطارا ، وينشئ ريح
روح الله طيبة معطارا ، فإذا القومس الأعظم قيوم دين النصرانية الذي يأمرها فتطيع ، ومخالفته
لا تستطيع ، رمي هذه الأمة الغريبة المنقطعة منهم بجراد لا يسد طريقها ، ولا يحصى
فريقها ، التفت على أخي صاحب قشتالة وعزمها أن تملكه بدله ، وتبلغه أمله ، ويكون
الكل يدا واحدة على المسلمين ، ومناصبة هذا الدين ، واستئصال شأفة المؤمنين ، وهي
شدة ليس لأهل هذا الوطن بها عهد ، ولا عرفها نجد ولا وهد ، وقد اقتحموا الحدود القريبة ، والله تعالى ولي هذه الأمة
الغريبة ، وقد جعلنا مقاليد أمورنا بيد من يقوّي الضعيف ، ويدرأ الخطب المخيف ، ورجونا أن نكون ممن قال الله تعالى فيهم (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ
النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا
حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران : ١٧٣]
، وهو سبحانه المرجو
__________________
في حسن العقبى
والمآل ، ونصر فئة الهدي على فئة الضلال ، وما قل من كان الحقّ كنزه ، ولا ذلّ من
استمد من الله عزّه (قُلْ هَلْ
تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة : ٥٢]
ودعاء من قبلكم من المسلمين مدد موفور ، والله سبحانه على كل حال محمود مشكور.
انتهى.
ومن أخرى طويلة من
جملتها ما صورته :
وقد اتصل بنا
الخبر الذي يوجب نصح الإسلام ، ورعي الجوار والذّمام ، وما جعل الله تعالى للمأموم
على الإمام ، إيقاظكم من مراقدكم المستغرقة ، وجمع أهوائكم المتفرقة ، وتهييئكم
إلى مصادمة الشدائد المرعدة المبرقة ، وهو أن كبير دين النصرانية الذي إليه
ينقادون ، وفي مرضاته يصادقون ويعادون ، وعند رؤية صليبه يكبرون ويسجدون ، لما رأى
الفتن قد أكلتهم خضما وقضما ، وأوسعتهم هضما ، فلم تبق عصبا ولا عظما ، ونثرت ما كان
نظما ، أعمل نظره فيما يجمع منهم ما افترق ، ويرفع ما طرق ، ويرفو ما مزّق الشتات
وخرق ، فرمى الإسلام بأمة عددها القطر المنثال ، وأمرهم وشأنهم الامتثال ، أن
يدمنوا لمن ارتضاه من أمته الطاعة ، ويجمعوا في ملته الجماعة ،
ويطلع الكل على هذه الفئة القليلة الغريبة بغتة كقيام الساعة ، وأقطعهم قطع الله
تعالى بهم العباد والبلاد ، والطارف والتّلاد ، وسوّغهم الحريم والأولاد ، وبالله تعالى نستدفع ما لا
نطيقه ، ومنه نسأل عادة الفرج فما سدّت طريقه ، إلا أنا رأينا غفلة الناس مؤذنة
البوار ، وأشفقنا للدين المنقطع من وراء البحار ، وقد أصبح مضغة
في لهوات الكفار ، وأردنا أن نهزكم بالموعظة التي تكحل البصائر بميل الاستبصار ،
فإن جبر الله تعالى الخواطر بالضراعة إليه والانكسار ، ونسخ الإعسار بالإيسار ،
وأنجد اليمين بأختها اليسار ، وإلا فقد تعين في الدنيا والآخرة حظ الخسار ، فإن من
ظهر عليه عدو دين الله تعالى وهو من الله مصروف ، وبالباطل مشغوف ، وبغير العرف
معروف ، وعلى الحطام المسلوب عنه ملهوف ، فقد تلّه الشيطان للجبين ، وقد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران
المبين ، ومن نفذ فيه أوله قدر الله عن أداء الواجب وبذل المجهود ، وأفرد
بالعبودية وجه الواحد الأحد المعبود ، ووطّن النفس على الشهادة المبوّئة دار
الخلود ، العائدة بالحياة الدائمة والوجود ، أو الظهور
__________________
على عدوّه المحشور
إليه المحشود ، صبرا على المقام المحمود ، وبيعا من الله تعالى تكون الملائكة فيه
الشهود ، حتى يعين يد الله في ذلك البناء [المهدوم بقوة الله و] المهدود ، والسواد الأعظم الممدود ، كان على أمريه بالخيار
المردود (قُلْ هَلْ
تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة : ٥٢]. انتهى.
وقال صاحب «مناهج
الفكر» بعد وصفه لجزيرة الأندلس وأقطارها ، ما صورته :
ولم تزل هذه
الجزيرة منتظمه لمالكها في سلك الانقياد والوفاق ، إلى أن طما بمترفيها سيل العناد
والنفاق ، فامتاز كل رئيس منهم بصقع كان مسقط رأسه ، وجعله معقلا يعتصم فيه من
المخاوف بأفراسه ، فصار كل منهم يشنّ الغارة على جاره ، ويحاربه في عقر داره ، إن
أن ضعفوا عن لقاء عدوّ في الدين يعادي ، ويراوح معاقلهم بالعيث ويغادي ، حتى لم يبق في أيديهم منها إلا ما هو في ضمان هدنة
مقدّرة ، وإتاوة في كل عام على الكبير والصغير مقررة ، كان ذلك في الكتاب مسطورا
وقدرا في سابق علم الله مقدورا ، انتهى.
وهذا قاله قبل أن
يستولي العدو على جميعها ، والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
ولنرجع إلى ما كنا
بصدده من أخذ النصارى قواعد الأندلس فنقول :
قد قدمنا أوائل
هذا الباب أن طليطلة أعادها الله تعالى من أول ما أخذ الكفار من المدن العظام
بالأندلس.
قال ابن بسام : لما توالت على أهل طليطلة الفتن المظلمة ، والحوادث
المصطلمة وترادف عليهم البلاء والجلاء ، واستباح الفرنج لعنهم الله
تعالى أموالهم وأرواحهم ، كان من أعجب ما جرى من النوادر الدالة على الخذلان أن
الحنطة كانت تقيم عندهم مخزونة خمسين سنة لا تتغير ، ولا يؤثر فيها طول المدة بما
يمنع من أكلها ، فلما كانت السنة التي استولى عليها العدوّ فيها لم ترفع الغلة من
الأندر حتى أسرع فيها الفساد ، فعلم الناس أن ذلك بمشيئة الله
تعالى لأمر أراده ، من شمول البلوى ، وعموم الضراء ، فاستولى العدوّ على طليطلة ،
وأنزل من
__________________
بها على حكمه ،
وخرج ابن ذي النون منها على أقبح صورة ، وأفظع سيرة ، ورآه الناس وبيده اصطرلاب
يأخذ به وقتا يرحل فيه ، فتعجب منه المسلمون ، وضحك عليه الكافرون ، وبسط الكافر
العدل على أهل المدينة ، وحبب التنصر إلى عامة طغامها ، فوجد المسلمون من ذلك ما لا يطاق حمله ، وشرع في تغيير
الجامع كنيسة في ربيع الأول سنة ست وتسعين وأربعمائة.
ومما جرى في ذلك
اليوم أن الشيخ الأستاذ المغامي رحمه الله تعالى صار إلى الجامع ، وصلى فيه ، وأمر مريدا
له بالقراءة ، ووافاه الفرنج لعنهم الله تعالى وتكاثروا لتغيير القبلة ، فما جسر
أحد منهم على إزعاج الشيخ ولا معارضته ، وعصمه الله تعالى منهم ، إلى أن أكمل
القراءة ، وسجد سجدة ، ورفع رأسه ، وبكى على الجامع بكاء شديدا ، وخرج ولم يعرض
أحد له بمكروه.
وقيل لملك النصارى
: ينبغي أن تلبس التاج كمن كان قبلك في هذا الملك ، فقال : حتى نأخذ قرطبتهم ،
وأعد لذلك ناقوسا تأنق فيه وفيما رصّع به من الجواهر ، فأكذبه الله وأزعجه .
وورد أمير
المسلمين وناصر الدين يوسف بن تاشفين ، فما قصر فيما أثر من إذلال المشركين ،
وإرغام الكافرين ، واستدراك أمور المسلمين ، انتهى ملخصا ، وقد مر مطولا.
وكانت قبلها وقعة
بطرنة سنة ست وخمسين وأربعمائة ، وذلك أن الفرنج ـ خذلهم الله تعالى! ـ انتدبت
منهم قطعة كثيفة ، ونزلت على بلنسية في السنة المذكورة ، وأهلها جاهلون بالحرب ،
معرضون عن أمر الطعن والضرب ، مقبلون على اللذات من الأكل والشرب
، وأظهر الفرنج الندم على منازلتها ، والضعف عن مقاومة من فيها ، وخدعوهم بذلك
فانخدعوا ، وأطمعوهم فطمعوا ، وكمن في عدة أماكن جماعة من الفرسان ، وخرج أهل البلد بثياب
زينتهم ، وخرج معهم أمير هم عبد العزيز بن أبي عامر ، فاستدرجهم العدو لعنهم الله
تعالى ، ثم عطفوا عليهم فاستأصلوهم بالقتل والأسر ، وما نجا منهم إلا من حصّنه
أجله ، وخلص الأمير نفسه ، ومما حفظ عنه أنه أنشد لما أعياه الأمر : [الطويل]
خليليّ ليس
الرّأي في صدر واحد
|
|
أشيرا عليّ
اليوم ما تريان
|
__________________
وفي أهل بلنسية
يقول بعض الشعراء حين خرجوا في ثياب الزينة والترفه : [الكامل]
لبسوا الحديد
إلى الوغى ولبستم
|
|
حلل الحرير
عليكم ألوانا
|
ما كان أقبحهم
وأحسنكم بها
|
|
لو لم يكن
ببطرنة ما كانا
|
قال ابن بسام :
وهكذا جرى لأهل طليطلة ، فإن العدو ـ خذله الله تعالى! ـ استظهر عليهم ، وقتل جماهيرهم ، وكان من جملة ما غنمه الفرنج من أهلها
لما خرجوا إليهم في ثياب الترفه ألف غفارة خارجا عما سواها.
وقال ابن حيان :
وكان تغلب العدو ـ خذله الله تعالى! ـ على بربشتر قصبة بلد برطانية ، وهي تقرب من
سرقسطة ، سنة ست وخمسين وأربعمائة ، وذلك أن جيش الأرذمليس نازلها وحاصرها ، وقصّر يوسف بن سليمان بن هود في حمايتها
، ووكل أهلها إلى نفوسهم ، فأقام العدو عليها أربعين يوما ، ووقع فيما بين أهلها
تنازع في القوت لقلته ، واتصل ذلك بالعدو ، فشدّد القتال عليها والحصر لها حتى دخل
المدينة الأولى في خمسة آلاف مدرّع ، فدهش الناس ، وتحصنوا بالمدينة الداخلة ،
وجرت بينهم حروب شديدة قتل فيها خمسمائة إفرنجي ، ثم اتفق أن القناة التي كان
الماء يجري فيها من النهر إلى المدينة تحت الأرض في سرب موزون انهارت وفسدت ، ووقعت فيها صخرة عظيمة سدت السّرب
بأسره ، فانقطع الماء عن المدينة ، ويئس من بها من الحياة ، فلاذوا بطلب الأمان
على أنفسهم خاصة دون مال وعيال ، فأعطاهم العدو الأمان ، فلما خرجوا نكث بهم وغدر
، وقتل الجميع إلا القائد ابن الطويل والقاضي ابن عيسى في نفر من الوجوه ، وحصل
للعدو من الأموال والأمتعة ما لا يحصى ، حتى إن الذي خص بعض مقدّمي العدو لحصنه وهو
قائد خيل رومة نحو ألف وخمسمائة جارية أبكارا ، ومن أوقار الأمتعة والحلي والكسوة
خمسمائة جمل ، وقدّر من قتل وأسر مائة ألف نفس ، وقيل : خمسون ألف نفس ، ومن نوادر
ما جرى على هذه المدينة لما فسدت القناة وانقطعت المياه أن المرأة كانت تقف على
السور وتنادي من يقرب منها أن يعطيها جرعة ماء لنفسها أو ولدها ، فيقول لها : اعطيني ما معك ، فتعطيه ما معها من كسوة وحلي
وغيره.
__________________
قال : وكان السبب
في قتلهم أنه خاف من يصل لنجدتهم وشاهد من كثرتهم ما هاله ، فشرع في القتل لعنه
الله تعالى ، حتى قتل منهم نيفا على ستة آلاف قتيل ، ثم نادى الملك بتأمين من بقي
وأمر أن يخرجوا فازدحموا في الباب إلى أن مات منهم خلق عظيم ، ونزلوا من الأسوار
في الحبال للخشية من الازدحام في الأبواب ومبادرة إلى شرب الماء ، وكان قد تحيز في
وسط المدينة قدر سبعمائة نفس من الوجوه وحاروا في نفوسهم ، وانتظروا ما ينزل بهم ،
فلما خلت ممن أسر وقتل وأخرج من الأبواب والأسوار ، وهلك في الزحمة نودي في تلك البقية بأن يبادر كل منهم إلى داره بأهله ،
وله الأمان ، وأرهقوا وأزعجوا ، فلما حصل كل واحد [منهم] بمن معه من أهله في منزله اقتسمهم الإفرنج لعنهم الله
تعالى بأمر الملك ، وأخذ كل واحد [منهم] دارا بمن فيها من أهلها ، نعوذ بالله تعالى.
وكان من أهل
المدينة جماعة قد عاذوا برءوس الجبال ، وتحصنوا بمواضع منيعة ، وكادوا يهلكون من
العطش ، فأمنهم الملك على نفوسهم ، وبرزوا في صور الهلكى من العطش ، فأطلق سبيلهم
، فبينما هم في الطريق إذا لقيتهم خيل الكفر ممن لم يشهد الحادثة ، فقتلوهم إلا
القليل ممن نجا بأجله.
قال : وكان الفرنج
لعنهم الله تعالى ، لما استولوا على أهل المدينة يفتضّون البكر بحضرة أبيها ،
والثيب بعين زوجها وأهلها ، وجرى من هذه الأحوال ما لم يشهد
المسلمون مثلة قط فيما مضى من الزمان ، ومن لم يرض منهم أن يفعل ذلك في خادم أو
ذات مهنة أو وخش أعطاهن خوله وغلمانه يعيثون فيهن عيثة ، وبلغ الكفرة منهم يومئذ ما لا تلحقه الصفة على
الحقيقة ، ولما عزم ملك الروم على القفول إلى بلده تخير من بنات المسلمين الجواري
الأبكار والثيبات ذوات الجمال ، ومن صبيانهم الحسان ألوفا عدة حملهم معه ليهديهم
إلى من فوقه ، وترك من رابطة خيله ببر بشتر ألفا وخمسمائة ، ومن الرجالة ألفين.
انتهى.
قال ابن حيان :
وأختم هذه الأخبار الموقظة لقلوب أولي الألباب بنادرة منها يكتفى باعتبارها عما
سواها ، وهي أن بعض تجار اليهود جاء برّ بشتر بعد الحادثة ملتمسا فدية بنات
__________________
بعض الوجوه ممن
نجا من أهلها حصلن في سهم قومس من الرابطة فيها كان يعرفه ، قال : فهديت إلى منزله فيها ، واستأذنت عليه ، فوجدته
جالسا مكان رب الدار ، مستويا على فراشه ، رافلا في نفيس ثيابه ، والمجلس والسرير
كما خلّفهما ربهما يوم محنته لم يغير شيئا من رياشهما وزينتهما ،
ووصائفه مضمومات الشعور ، قائمات على رأسه ساعيات في خدمته ، فرحّب بي ، وسألني عن
قصدي ، فعرفته وجهه ، وأشرت إلى وفور ما أبذله في بعض اللواتي على رأسه وفيهن كانت
حاجتي ، فتبسم وقال بلسانه : ما أسرع ما طمعت فيمن عرضناه لك! أعرض عمن هنا وتعرّض
لمن شئت ممن صيرته لحصني من سبيي وأسراي أقاربك فيمن شئت منهن ، فقلت له : أما الدخول إلى الحصن فلا رأي
لي فيه ، وبقربك أنست ، وفي كنفك اطمأننت ، فسمني ببعض من هنا فإني أصير إلى رغبتك
، فقال : وما عندك؟ قلت : العين الكثير الطيب والبز الرفيع الغريب ، فقال : كأنك تشهيني ما ليس عندي ، يا مجة ، ينادي بعض أولئك الوصائف ، يريد «يا بهجة» فغيره بعجمته
، قومي فاعرضي عليه ما في ذلك الصندوق ،؟؟؟؟ إليه وأقبلت ببدر الدنانير وأكياس
الدراهم وأسفاط الحلى ، فكشف وجعل بين يدي العلج حتى كادت تواري شخصه ، ثم قال لها
: أدني إلينا من تلك التخوت ، فأدنت منه عدة من قطع الوشي والخز والديباج الفاخر
مما حار له ناظري وبهت ، واسترذلت ما عندي ، ثم قال لي : لقد كثر هذا عندي حتى ما
ألذ به ، ثم حلف بإلاهه أنه لو لم يكن عنده شيء من هذا ثم بذل له بأجمعه في ثمن
تلك ما سخت بها يدي ، فهي ابنة صاحب المنزل ، وله حسب في قومه ، اصطفيتها لمزيد
جمالها لولادتي حسبما كان قومها يصنعون بنسائنا نحن أيام دولتهم ، وقد رد لنا
الكرة عليهم ، فصرنا فيما تراه ، وأزيدك بأن تلك الخودة الناعمة ، وأشار إلى جارية أخرى قائمة إلى ناحية أخرى ، مغنية
والدها التي كانت تشدو له على نشواته ، إلى أن أيقظناه من نوماته ، يا فلانة ،
يناديها بلكنته ، خذي عودك فغني زائرنا بشجوك ، قال :
__________________
فأخذت العود ،
وقعدت تسويه ، وإني لأتأمل دمعها يقطر على خدها ، فتسارق العلج مسحه ، واندفعت
تغني بشعر ما فهمته أنا فضلا عن العلج ، فصار من الغريب أن حثّ شربه هو عليه ، وأظهر الطرب منه ، فلما يئست مما عنده قمت منطلقا عنه ،
وارتدت لتجارتي سواه ، واطلعت لكثرة ما لدي القوم من السبي والمغنم على ما طال
عجبي به ، فهذا فيه مقنع لمن تدبره ، وتذكر لمن تذكره.
قال ابن حيان : قد
أشفينا بشرح هذه الحالة الفادحة مصائب جليلة مؤذنة بوشك القلعة طالما حذر أسلافنا
لحاقها بما احتملوه عمن قبلهم من أثارة ، ولا شك عند ذوي الألباب أن ذلك مما دهانا من داء التقاطع
وقد أمرنا بالتواصل والألفة ، فأصبحنا من استشعار ذلك والتمادي عليه على شفا جرف
يؤدي إلى الهلكة لا محالة. انتهى ببعض اختصار.
وذكر بعده كلاما
في ذم أهل ذلك الزمان من أهل الأندلس ، وأنهم يعللون أنفسهم بالباطل ، وأن من أدل
الدلائل على جهلهم اغترارهم بزمانهم ، وبعدهم عن طاعة خالقهم ، ورفضهم وصية نبيهم
، وغفلتهم عن سدّ ثغورهم ، حتى أطل عدوّهم الساعي لإطفاء نورهم ، يجوس خلال ديارهم
، ويستقري بسائط بقاعهم ، ويقطع كل يوم طرفا ، ويبيد أمة ، ومن لدينا وحوالينا من
أهل كلمتنا صموت عن ذكرهم ، لهاة عن بثهم ، ما إن سمع عندنا بمسجد من مساجدنا أو محفل من محافلنا ،
مذكر لهم أو داع ، فضلا عن نافر إليهم أو ماش لهم ، حتى كأنهم ليسوا منا أو كأنّ
بثقهم ليس بمفض إلينا ، وقد بخلنا عليهم بالدعاء بخلنا عليهم بالغناء ، عجائب فاتت
التقدير ، وعرضت للتغيير ، ولله عاقبة الأمور ، وإليه المصير.
ولقد صدق رحمه
الله تعالى ، فإن البثق سرى إليهم جميعا كما ستراه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال قبله : إن بر
بشتر هذه تناسختها قرون المسلمين منذ ثلاثمائة وثلاث وستين سنة ، من عهد الفتوح
الإسلامية بجزيرة الأندلس ، فرسخ فيها الإيمان ، وتدورس القرآن ، إلى أن طرق
الناعي بها قرطبتنا صدر رمضان من العام ، فصك الأسماع ، وأطار الأفئدة ، وزلزل أرض
الأندلس قاطبة ، وصير لكلّ شغلا يشغل الناس في التحدث به ، والتساؤل عنه ، والتصور
لحلول مثله ، أياما لم يفارقوا فيها عادتهم من استبعاد الوجل ، والاغترار بالأمل ، والاستناد
__________________
إلى أمراء الفرقة
الهمل ، الذين هم منهم ما بين فشل ووكل ، يصدونهم عن سواء السبيل ، ويلبسون عليهم
الدليل ، ولم تزل آفة الناس منذ خلقوا في صنفين هم كالملح فيهم
الأمراء والفقهاء بصلاحهم يصلحون وبفسادهم يفسدون ، فقد خص الله تعالى هذا القرن
الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا بما لا كفاية له ولا مخلص منه ، فالأمراء
القاسطون قد نكبوا عن نهج الطريق ذيادا عن الجماعة ، وجريا إلى
الفرقة ، والفقهاء أئمتهم صموت عنهم صدوف عما أكده الله تعالى عليهم من التبيين
لهم ، قد أصبحوا ما بين آكل من حلوائهم ، وخابط في أهوائهم ، وبين مستشعر مخافتهم
، آخذ في التّقية من صدقهم ، وأولئك هم الأقلون فيهم ، فما القول في أرض فسد ملحها
الذي هو المصلح لجميع أغذيتها؟ وما هي إلا مشفية من بوارها ، ولقد طما العجب من أفعال هؤلاء الأمراء ، لم يكن عندهم
لهذه الحادثة إلا الفزع لحفر الخنادق ، وتعلية الأسوار ، وشدّ الأركان ، وتوثيق
البنيان ، كاشفين لعدوّهم عن السّوأة السّوأى من إلقائهم يومئذ بأيديهم إليه أمورا
قبيحات الصور ، مؤذيات الصدور بأعجاز الغير. [الوافر]
أمور لو تدبّرها
حكيم
|
|
إذا لنهى وهبّب
ما استطاعا
|
ثم قال ابن حيان :
فلما كان عقب جمادى الأولى سنة ٤٥٧ شاع الخبر بقرطبة برجوع المسلمين إليها ، وذلك
أن أحمد المقتدر بن هود المفرط فيها ، والمتهم على أهلها ، لانحرافهم إلى أخيه ،
صمد لها مع إمداد لحليفه عبّاد ، وسعى لإصمات سوء المقالة عنه ، وقد كتب الله تعالى
عليه منها ما لا يمحوه إلا عفوه ، فتأهّب لقصد بر بشتر في جموع من المسلمين ،
فجالدوا الكفار بها جلادا ارتاب منه كل جبان ، وأعز الله سبحانه أهل الحفيظة
والشجعان ، وحمي الوطيس بينهم إلى أن نصر الله تعالى أولياءه ، وخذل أعداءه ،
وولّوا الأدبار مقتحمين أبواب المدينة ، فاقتحمها المسلمون عليهم ، وملكوهم أجمعين
، إلا من فر من مكان الوقعة ، ولم يدخل المدينة ، فأجيل السيف في الكافرين ،
واستؤصلوا أجمعين ، إلا من استرق من أصاغرهم ، وفدي من أعاظمهم ، وسبوا جميع من
كان فيها من عيالهم وأبنائهم ، وملكوا
__________________
المدينة بقدرة
الخالق البارئ ، وأصيب في منحة النصر المتاح طائفة من حماة المسلمين الجادين في نصر الدين
، نحو الخمسين ، كتب الله تعالى شهادتهم ، وقتل فئة من أعداء الله الكافرين نحو ألف فارس وخمسة آلاف راجل ،
فغسلها المسلمون من رجس الشرك ، وجلوها من صدإ الإفك. انتهى.
وليت طليطلة
البائسة استرجعت كهذه ، ومع هذا فقد غلب العدو بعد على الكل ، والله سبحانه المرجو
في الإدالة.
وقال ابن اليسع :
أخذ العدو مدينة تطيلة وأختها طرشونة سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، ولما صار أمر بلنسية إلى
الفقيه القاضي أبي أحمد بن جحاف قاضيها صيرها لأمير المسلمين يوسف بن تاشفين ،
فحصره بها القادر بن ذي النون الذي مكن الأذفونش من طليطلة ، فهجم عليه القاضي في
لمة من المرابطين ، وقتله ، ودفع ابن جحاف لما لم يعهد من تدبير السلطان ، ورجعت
عنه طائفة الملثّمين الذي كان يعتد بهم ، وجعل يستصرخ إلى أمير المسلمين فيبطىء
عليه ، وفي أثناء ذلك أنهض يوسف بن أحمد بن هود صاحب سرقسطة لذريق الطاغية للاستيلاء على بلنسية ، فدخلها ، وعاهده القاضي
ابن جحاف ، واشترط عليه إحضار ذخيرة كانت للقادر بن ذي النون ، فأقسم أنها ليست
عنده ، فاشترط عليه أنه إن وجدها عنده قتله ، فاتفق أنه وجدها عنده ، فأحرقه
بالنار ، وعاث في بلنسية ، وفيها يقول ابن خفاجة حينئذ : [الكامل]
عاثت بساحتك
الظّبا يا دار
|
|
ومحا محاسنك
البلى والنّار
|
فإذا تردّد في
جنابك ناظر
|
|
طال اعتبار فيك
واستعبار
|
أرض تقاذفت
الخطوب بأهلها
|
|
وتمخّضت بخرابها
الأقدار
|
كتبت يد الحدثان
في عرصاتها
|
|
لا أنت أنت ولا
الدّيار ديار
|
وكان استيلاء
القبنطور ـ لعنه الله تعالى! ـ عليها سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ،
وقيل : في التي قبلها ، وبه جزم ابن الأبار قائلا : فتم حصار القبنطور إياها عشرين شهرا ، وذكر أنه
__________________
دخلها صلحا ، وقال
غيره : إنه دخلها عنوة ، وحرقها ، وعاث فيها ، وممن أحرق فيها الأديب أبو جعفر البنّي الشاعر المشهور رحمه الله تعالى وعفا عنه ، فوجه أمير
المؤمنين يوسف بن تاشفين الأمير أبا محمد مزدلي ففتحها الله تعالى على يديه سنة
خمس وتسعين وأربعمائة ، وتوالى عليها أمراء الملثمين ، ثم صارت ليحيى بن غانية
الملثم حين ولي جميع شرق الأندلس ، فقدم عليها أخاه عبد الله بن غانية ، ولما ثارت
الفتنة في المائة السادسة أخرجه منها مروان بن عبد العزيز ، إلى أن قام عليه جيش
بلنسية سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، وبايعوا لابن عياض ملك شرق الأندلس ، ففر مروان
إلى المرية ، ثم رجعت بلنسية إلى أبي عبد الله بن مردنيش ملك شرق الأندلس بعد ابن
عياض ، وقدم عليه أخاه أبا الحجاج يوسف بن سعد بن مردنيش ، إلى أن رجع أبو الحجاج
إلى جهة بني عبد المؤمن ، إلى أن ولي عليها السيد أبو زيد عبد الرحمن بن السيد أبي
عبد الله بن أبي حفص ابن أمير المسلمين عبد المؤمن بن علي ، فلما ثار العادل
بمرسية تمنع واعتز ، وأظهر طاعة في باطنها معصية ، ودام على ذلك مع أبي العلاء
المأمون ، وكان قائد الأعنة المشار إليه في الدفاع عن بلنسية الأمير زياد بن أبي
الحملات بن أبي الحجاج بن مردنيش ، فأخرجه من بلنسية ، وملكها ، وفر السيد إلى
النصارى ، ولم يزل أمر بلنسية يضعف باستيلاء العدو على أعمالها إلى أن حصرها ملك
برشلونة النصراني ، فاستغاث زيان بصاحب إفريقية أبي زكريا بن أبي حفص ، وأوفد عليه
في هذه الرسالة كاتبه الشهير أبا عبد الله بن الأبار القضاعي صاحب كتاب «التكملة» و
«إعتاب الكتاب» وغير هما ، فقام بين يدي السلطان منشدا قصيدته السينية الفريدة
التي فضحت من باراها ، وكبا دونها من جاراها ، وهي : [البسيط]
أدرك بخيلك خيل
الله أندلسا
|
|
إنّ السّبيل إلى
منجاتها درسا
|
وهب لها من عزيز
النّصر ما التمست
|
|
فلم يزل منك عزّ
النّصر ملتمسا
|
وحاش ممّا
تعانيه حشاشتها
|
|
فطالما ذاقت
البلوى صباح مسا
|
يا للجزيرة أضحى
أهلها جزرا
|
|
للحادثات وأمسى
جدّها تعسا
|
في كلّ شارقة
إلمام بارقة
|
|
يعود مأتمها عند
العدا عرسا
|
__________________
وكلّ غاربة
إخجال شائبة
|
|
تثني الأمان
حذارا والسّرور أسى
|
تقاسم الروم لا
نالت مقاسمهم
|
|
إلّا عقائلها
المحجوبة الأنسا
|
وفي بلنسية منها
وقرطبة
|
|
ما ينسف النفس
أو ما ينزف النفسا
|
مدائن حلّها
الإشراك مبتسما
|
|
جذلان ، وارتحل
الإيمان مبتئسا
|
وصيّرتها
العوادي العائثات بها
|
|
يستوحش الطرف
منها ضعف ما أنسا
|
فمن دساكر كانت
دونها حرسا
|
|
ومن كنائس كانت
قبلها كنسا
|
يا للمساجد عادت
للعدا بيعا
|
|
وللنّداء غدا
أثناءها جرسا
|
لهفي عليها إلى
استرجاع فائتها
|
|
مدارسا للمثاني
أصبحت درسا
|
وأربعا نمنمت
أيدي الرّبيع لها
|
|
ما شئت من خلع
موشية وكسا
|
كانت حدائق
للأحداق مونقة
|
|
فصوّح النضر من
أدواحها وعسا
|
وحال ما حولها
من منظر عجب
|
|
يستجلس الرّكب
أو يستركب الجلسا
|
سرعان ما عاث
جيش الكفر وا حربا
|
|
عيث الدّبا في
مغانيها التي كبسا
|
وابتزّ بزّتها
مما تحيّفها
|
|
تحيّف الأسد
الضّاري لما افترسا
|
فأين عيش جنيناه
بها خضرا
|
|
وأين عصر جليناه
بها سلسا
|
محا محاسنها طاغ
أتيح لها
|
|
ما نام عن هضمها
حينا ولا نعسا
|
ورجّ أرجاءها
لمّا أحاط بها
|
|
فغادر الشّمّ من
أعلامها خنسا
|
خلا له الجوّ
فامتدّت يداه إلى
|
|
إدراك ما لم تطأ
رجلاه مختلسا
|
وأكثر الزّعم
بالتّثليث منفردا
|
|
ولو رأى راية
التّوحيد ما نبسا
|
__________________
صل حبلها أيّها
المولى الرّحيم فما
|
|
أبقى المراس لها
حبلا ولا مرسا
|
وأحي ما طمست
منها العداة كما
|
|
أحييت من دعوة
المهديّ ما طمسا
|
أيّام صرت لنصر
الحقّ مستبقا
|
|
وبتّ من نور ذاك
الهدي مقتبسا
|
وقمت فيها بأمر
الله منتصرا
|
|
كالصارم اهتزّ
أو كالعارض انبجسا
|
تمحو الذي كشف
التّجسيم من ظلم
|
|
والصبح ماحية
أنواره الغلسا
|
وتقتضي الملك
الجبّار مهجته
|
|
يوم الوغى جهرة
لا ترقب الخلسا
|
هذي رسائلها
تدعوك من كثب
|
|
وأنت أفضل مرجوّ
لمن يئسا
|
وافتك جارية
بالنّجح راجية
|
|
منك الأمير
الرضا والسيد النّدسا
|
خاضت خضارة
يعليها ويخفضها
|
|
عبابه فتعاني
اللين والشّرسا
|
وربّما سبحت
والريح عاتية
|
|
كما طلبت بأقصى
شدّه الفرسا
|
تؤم يحيى بن عبد
الواحد بن أبي
|
|
حفص مقبّلة من
تربه القدسا
|
ملك تقلّدت
الأملاك طاعته
|
|
دينا ودنيا
فغشّاها الرضا لبسا
|
من كلّ غاد على
يمناه مستلما
|
|
وكلّ صاد إلى
نعماه ملتمسا
|
مؤيد لو رمى
نجما لأثبته
|
|
ولو دعا أفقا
لبّى وما احتبسا
|
تالله إنّ الذي
تزجى السعود له
|
|
ما جال في خلد
يوما ولا هجسا
|
إمارة يحمل
المقدار رايتها
|
|
ودولة عزّها
يستصحب القعسا
|
يبدي النّهار
بها من ضوئه شنبا
|
|
ويطلع اللّيل من
ظلمائه لعسا
|
ماضي العزيمة
والأيام قد نكلت
|
|
طلق المحيّا
ووجه الدّهر قد عبسا
|
كأنّه البدر
والعلياء هالته
|
|
تحفّ من حوله
شهب القنا حرسا
|
تدبيره وسع
الدّنيا وما وسعت
|
|
وعرف معروفه
واسى الورى وأسا
|
__________________
قامت على العدل
والإحسان دولته
|
|
وأنشرت من وجود
الجود ما رمسا
|
مبارك هديه باد
سكينته
|
|
ما قام إلّا إلى
حسنى وما جلسا
|
قد نوّر الله
بالتقوى بصيرته
|
|
فما يبالي طروق
الخطب ملتبسا
|
برى العصاة وراش
الطائعين فقل
|
|
في الليث مفترسا
والغيث مرتجسا
|
ولم يغادر على
سهل ولا جبل
|
|
حيّا لقاحا إذا
وافيته بخسا
|
فربّ أصيد لا
تلفى به صيدا
|
|
وربّ أشوس لا
تلقى له شوسا
|
إلى الملائك
ينمي والملوك معا
|
|
في نبعة أثمرت
للمجد ما غرسا
|
من ساطع النور
صاغ الله جوهره
|
|
وصان صيقله أن
يقرب الدنسا
|
له الثّرى
والثريّا خطّتان فلا
|
|
أعزّ من خطّتيه
ما سما ورسا
|
حسب الذي باع في
الأخطار يركبها
|
|
إليه محياه أنّ
البيع ما وكسا
|
إن السّعيد امرؤ
ألقى بحضرته
|
|
عصاه محتزما
بالعدل محترسا
|
فظلّ يوطن من
أرجائها حرما
|
|
وبات يوقد من
أضوائها قبسا
|
بشرى لعبد إلى
الباب الكريم حدا
|
|
آماله ومن العذب
المعين حسا
|
كأنّما يمتطي
واليمن يصحبه
|
|
من البحار طريقا
نحوه يبسا
|
فاستقبل السّعد
وضاحا أسرّته
|
|
من صفحة فاض
منها النور وانعكسا
|
وقبّل الجود طفّاحا
غواربه
|
|
من راحة غاص
فيها البحر وانغمسا
|
يا أيّها الملك
المنصور أنت لها
|
|
علياء توسع
أعداء الهدى تعسا
|
وقد تواترت
الأنباء أنّك من
|
|
يحيي بقتل ملوك
الصّفر أندلسا
|
طهّر بلادك منهم
إنّهم نجس
|
|
ولا طهارة ما لم
تغسل النّجسا
|
__________________
وأوطىء الفيلق
الجرار أرضهم
|
|
حتى يطأطئ رأسا
كلّ من رأسا
|
وانصر عبيدا
بأقصى شرقها شرقت
|
|
عيونهم أدمعا
تهمي زكا وخسا
|
هم شيعة الأمر
وهي الدار قد نهكت
|
|
داء متى لم
تباشر حسمه انتكسا
|
فاملأ هنيئا لك
التأييد ساحتها
|
|
جردا سلاهب أو
خطّية دعسا
|
واضرب لها موعدا
بالفتح ترقبه
|
|
لعلّ يوم
الأعادي قد أتى وعسى
|
فبادر السلطان
بإعانتهم ، وشحن الأساطيل بالمدد إليهم ، من المال والأقوات والكسى
، فوجدوهم في هوّة الحصار ، إلى أن تغلب الطاغية على بلنسية ، ورجع ابن الأبار بأهله
إلى تونس ، وكان تغلب العدو على بلنسية صلحا يوم الثلاثاء ، السابع عشر لصفر من
سنة ست وثلاثين وستمائة ، فهزّت هذه القصيدة من الملك عطف ارتياح ، وحركت من جنانه
أخفض جناح ، ولشغفه بها وحسن موقعها منه أمر شعراء حضرته بمجاوبتها ، فجاوبها غير
واحد ، وحال العدو بين بلنسية وبينه ، وتعاهد أهلها مع النصراني على أن يسلمهم في
أنفسهم ، وذلك سنة سبع وثلاثين وستمائة ، أعادها الله تعالى للإسلام.
وكانت وقعة كتندة على المسلمين قبل هذا التاريخ بمدة ، وكتندة ـ يقال «قتندة»
بالقاف ـ من حيز دورقة من عمل سرقسطة من الثغر الأعلى ، وكانت الهزيمة على
المسلمين جبرهم الله تعالى ، قتل فيها من المطوّعة نحو من عشرين ألفا ، ولم يقتل
فيها من العسكر أحد ، وكان على المسلمين الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين الذي
ألّف الفتح باسمه «قلائد العقيان» وكانت سنة أربع عشرة وخمسمائة ، وممن حضرها الشيخ
أبو علي الصدفي السابق الذكر ، وقرينه في الفضل أبو عبد الله بن الفراء خرجا
غازيين ، فكانا ممن فقد فيها.
وقال غير واحد :
إن العسكر انصرف مفلولا إلى بلنسية ، وإن القاضي أبا بكر بن العربيّ كان ممن حضرها
، وسئل مخلصه منها عن حاله ، فقال : حال من ترك الخباء والعباء ، وهذا مثل عند
المغاربة معروف ، يقال لمن ذهبت ثيابه وخيامه ، بمعنى أنه ذهب جميع ما لديه.
__________________
ودخل العدو لوشة
سنة اثنتين وعشرين وستمائة ، مع السيد أبي محمد البياسي في الفتنة التي كانت بينه
وبين العادل ، فعاثوا فيها أشد العيث ، ثم ردها المسلمون إلى أن أخذت بعد ذلك كما
يأتي.
ودخل العدو مدينة
المريّة يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ،
عنوة.
وحكى أبو زكريا
الجعيدي عن أبي عبد الله بن سعادة الشاطبي المعمر أن أبا مروان بن ورد أتاه في
النوم شيخ عظيم الهيئة فرمى يديه في عضديه من خلفه ، وهزه هزا عنيفا حتى أرعبه ،
وقال له قل : [الطويل]
ألا أيّها
المغرور ويحك لا تنم
|
|
فلله في ذا
الخلق أمر قد انبهم
|
فلا بدّ أن
يرزوا بأمر يسوءهم
|
|
فقد أحدثوا جرما
على حاكم الأمم
|
قال : وكان هذا في
سنة أربعين وخمسمائة ، فلم يمض إلا يسير حتى تغلب الروم على المرية في سنة اثنتين
وأربعين وخمسمائة ، بعد تلك الرؤيا بعامين أو نحوهما.
وهو مما حكاه ابن
الأبار الحافظ في كتاب «التكملة» له.
وفي وقعة المرية
هذه استشهد الرّشاطي لإمام المشهور ، وهو أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله
بن علي بن خلف بن أحمد بن عمر ، اللخمي ، الرشاطي ، المريي ، وكانت له عناية كبيرة
بالحديث والرجال والرواة والتواريخ ، وهو صاحب كتاب «اقتباس الأنوار ،
والتماس الأزهار ، في أنساب الصحابة ورواة الآثار» أخذه الناس عنه ، وأحسن فيه ،
وجمع وما قصر ، وهو على أسلوب كتاب أبي سعد بن السمعاني الحافظ المسمى «بالأنساب».
وولد الرّشاطي سنة
٤٦٦ بقرية من أعمال مرسية يقال لها أوريوا له ـ بفتح الهمزة ، وسكون الواو ، وكسر
الراء ، وضم المثناة التحتية ، وبعد الألف لام مفتوحة ، وبعدها هاء ـ وتوفي شهيدا
بالمرية عند تغلب العدوّ عليها صبيحة الجمعة العشرين من جمادى الأولى سنة ٥٤٢.
والرشاطي ـ بضم
الراء ، وفتح الشين المخففة ـ وذكر هو أن أحد أجداده كان في جسمه
__________________
شامة كبيرة ،
وكانت حاضنته عجمية ، فإذا لاعبته قالت : رشاطة ، وكثر ذلك منها ، فقيل له : الرشاطي
، انتهى ملخصا من «وفيات الأعيان» ، وبعضه بالمعنى.
وبعد أخذ النصارى
المرية هذه المرة رجعت إلى ملك المسلمين ، واستنقذها الله تعالى على يد الموحدين ،
وبقيت بأيدي أهل الإسلام سنين ، وكان أول الولاة عليها حين استولى عليها أمير
المسلمين عبد المؤمن بن علي رجلا يقال له يوسف بن مخلوف فثار عليه أهل المرية ،
وقتلوه ، وقدموا على أنفسهم الرميمي ، فأخذها النصارى منه عنوة كما ذكرنا ، وأحصى
عدد من سبي من أبكارها فكان أربعة عشر ألفا.
وقال ابن حبيش آخر
الحفاظ بالأندلس : كنت في قلعة المرية لما وقع الاستيلاء عليها أعادها تعالى
للإسلام ، فتقدّمت إلى زعيم الروم السليطين ، وهو ابن بنت الأذفونش ، وقلت له :
إني أحفظ نسبك منك إلى هرقل ، فقال لي : قل ، فذكرته له ، فقال لي : اخرج أنت
وأهلك ومن معك طلقاء بلا شيء.
وابن حبيش شيخ ابن دحية وابن حوط الله وأبي الربيع الكلاعي ، رحمهم
الله تعالى!.
ولما أخذت المرية
أقبل إليها السيدان أبو حفص وأبو سعيد ابنا أمير المؤمنين فحصرا النصارى بها ، وزحف إليهما أبو عبد الله بن مردنيش ملك شرق الأندلس
محاربا لهما ، فكانا يقاتلان النصارى والمسلمين داخلا وخارجا ، ثم رأى ابن مردنيش
العار على نفسه في قتالهم مع كونهم يقاتلون النصارى ، فارتحل ، فقال النصارى : ما
رحل ابن مردنيش إلا وقد جاءهم مدد ، فاصطلحوا ودخل الموحدون المدينة ، وقد خربت
وضعفت ، إلى أن أحيا رمقها الرئيس أبو العباس أحمد بن كمال ، وذلك أن أخته أخذت سبيّة في
دخلة عبد المؤمن لبجانة ، فاختلت بقصره واعتنت بأخيها ، فولاه بلده ، فصلح به
حالها ، وكان جوادا حسن المحاولة كثير الرفق ، واشتهر من ولاتها في مدة بني عبد
المؤمن في المائة السابعة الأمير أبو عمران بن أبي حفص عم ملك إفريقية أبي زكريا.
ولما كانت سنة خمس
وعشرين وستمائة وثارت الأندلس على مأمون بني عبد المؤمن
__________________
بسبب قيام ابن هود
بمرسية قام في المرية بدعوة ابن هود أبو عبد الله محمد بن أبي يحيى بن الرميمي ،
وجده أبو يحيى هو الذي أخذها النصارى من يده ، ولما قام بدعوة ابن هود وفد عليه
بمرسية وولاه وزارته ، وصرف إليه سياسته ، وآل أمره معه إلى أن أغراه بأن يحصن
قلعة المرية ، ويجعلها له عدة ، وهو يبغي ذلك عدة لنفسه ، وترك ابن هود فيها جارية تعلق ابن الرميمي
بها ، واجتمع معها ، فبلغ ذلك ابن هود ، فبادر إلى المرية ، وهو مضمر الإيقاع بابن
الرميمي ، فتغدّى به قبل أن يتعشى به ، وأخرج من قصره ميتا ، ووجّهه في تابوت إلى مرسية في
البحر ، واستبدّ ابن الرميمي بملك المرية ، ثم ثار عليه ولده ، وآل الأمر بعد
أحوال إلى أن تملكها ابن الأحمر صاحب غرناطة ، وبقيت في يد أولاده بعده إلى أن
أخذها العدوّ الكافر عندما طوى بساط بلاد الأندلس كما سننبه عليه ، والله غالب على
أمره.
وما أحسن قول أبي
إسحاق إبراهيم بن الدباغ الإشبيلي في هزيمة العقاب بإشبيلية : [الوافر]
وقائلة أراك
تطيل فكرا
|
|
كأنّك قد وقفت
لدى الحساب
|
فقلت لها أفكر
في عقاب
|
|
غدا سببا لمعركة
العقاب
|
فما في أرض
أندلس مقام
|
|
وقد دخل البلا
من كلّ باب
|
وقول القائد أبي
بكر ابن الأمير ملك شلب أبي محمد عبد الله ابن وزيرها يخاطب منصور بني عبد المؤمن وقد التقى هو وأصحابه مع جماعة
من الفرنج فتناصفوا ، ثم كان الظفر للمسلمين : [الطويل]
ولما تلاقينا
جرى الطعن بيننا
|
|
فمنّا ومنهم
طائحون عديد
|
وجال غرار الهند
فينا وفيهم
|
|
فمنّا ومنهم
قائم وحصيد
|
__________________
فلا صدر إلا فيه
صدر مثقّف
|
|
وحول الوريد
للحسام ورود
|
صبرنا ولا كهف
سوى البيض والقنا
|
|
كلانا على حرّ
الجلاد جليد
|
ولكن شددنا شدّة
فتبلّدوا
|
|
ومن يتبلّد لا
يزال يحيد
|
فولّوا وللسّمر
الطّوال بهامهم
|
|
ركوع وللبيض
الرّقاق سجود
|
وكان المذكور من
فرسان الأندلس ، وكان ابنه الفاضل أبو محمد غير مقصر عنه فروسية وقدرا وأدبا وشعرا
، وولاه ناصر بني عبد المؤمن مدينة قصر أبي دانس في الجهة الغربية ، وقتله ابن هود
بإشبيلية ، وزعم أنه يروم القيام عليه ، ومن شعره قوله في ابن عمرو صاحب أعمال
إشبيلية : [الكامل]
لا تيأسنّ من
الخلافة بعد ما
|
|
ولي ابن عمرو
خطّة الأشراف
|
تبّا لدهر هذه
أفعاله
|
|
يضع النوافج في
يدي كنّاف
|
رجع : ودخل العدو
كورة ماردة من محمد بن هود سنة ست وعشرين وستمائة ، وكان مفتتح المصائب على يده ،
أعادها الله تعالى للإسلام! وهي قاعدة بلاد الجوف في مدة العرب والعجم ، والحضرة
المستجدّة بعدها هي مدينة بطليوس ، وبين ماردة وقرطبة خمسة أيام.
وملك بطليوس
وماردة وما إليها المظفر محمد بن المنصور بن الأفطس مشهور ، وهو من رجال «القلائد»
و «الذخيرة» وهو أديب ملوك عصره بلا مدافع ولا منازع ، وله التصنيف الرائق ، والتأليف الفائق ،
المترجم ب «التذكر المظفري» خمسون مجلدا اشتمل على فنون وعلوم من مغاز وسير ومثل
وخبر وجميع علوم الأدب ، وقال يوما : والله ما يمنعني من إظهار الشعر إلا كوني لا
أقول مثل قول أبي العشائر بن حمدان : [الكامل]
أقرأت منه ما
تخطّ يد الوغى
|
|
والبيض تشكل
والأسنّة تنقط
|
وقول أبي فراس ابن
عمه : [الوافر]
وجرّرنا العوالي
في مقام
|
|
تحدّث عنه ربّات
الحجال
|
كأنّ الخيل تعلم
من عليها
|
|
ففي بعض على بعض
تعالي
|
فأين هذا من قولي
: [الوافر]
__________________
أنفت من المدام
لأنّ عقلي
|
|
أعزّ عليّ من
أنس المدام
|
ولم أرتح إلى
روض وزهر
|
|
ولكن للحمائل
والحسام
|
إذا لم أملك
الشّهوات قهرا
|
|
فلم أبغي
الشّفوف على الأنام
|
وله رحمه الله
تعالى : [الخفيف]
يا لحظه زد
فتورا
|
|
تزد عليّ
اقتدارا
|
فاللحظ كالسّيف
أمضا
|
|
ه ما يرقّ غرارا
|
وابنه المتوكل من
رجال «القلائد» و «المسهب» وكان في حضرة بطليوس كالمعتمد بن عباد بإشبيلية ، قد
أناخت الآمال بحضرتهما ، وشدّت رحال الآداب إلى ساحتهما ، يتردد أهل الفضائل
بينهما كتردد النواسم بين جنتين ، وينظر الأدب منهما عن مقلتين ، والمعتمد أشعر ،
والمتوكل أكتب.
رجع : وقال الفاضل
الكاتب أبو عبد الله محمد الفازازي ، وقيل : إنها وجدت برقعة في جيبه يوم موته : [الكامل]
الروم تضرب في
البلاد وتغنم
|
|
والجور يأخذ ما
بقى والمغرم
|
والمال يورد
كلّه قشتالة
|
|
والجند تسقط
والرّعيّة تسلم
|
وذوو التّعيّن
ليس فيهم مسلم
|
|
إلا معين في
الفساد مسلّم
|
أسفي على تلك
البلاد وأهلها
|
|
الله يلطف
بالجميع ويرحم
|
وقيل : إن هذه
الأبيات رفعت إلى سلطان بلده ، فلما وقف عليها قال بعد ما بكى : صدق رحمه الله
تعالى ، ولو كان حيا ضربت عنقه!.
وهذا الفازازي أخو
الشاعر الشهير الكاتب الكبير أبي زيد عبد الرحمن الفازازي صاحب الأمداح في سيد
الوجود محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو كما قال فيه بعضهم : صاحب القلم الأعلى ،
والقدح المعلّى ، أبرع من ألّف وصنف ، وأبدع من قرّط وشنف ، فقد طاع القلم لبنانه
، والنظم والنثر لبيانه ، كان نسيج وحده رواية وأخبارا ، ووحيد نسجه رواية وابتكارا ، وفريد وقته خبرا
وإخبارا ، وصدر عصره إيرادا وإصدارا ، صاحب فهوم ، ورافع ألوية علوم ، أما الأدب
فلا يسبق فيه مضماره ، ولا يشق غباره ، إن شاء إنشاء أنشى ووشّى ، سائل الطبع ،
عذب النّبع ، له في
__________________
مدح النبي صلى
الله عليه وسلم ، بدائع قد خضع لها البيان وسلم ، أعجز بتلك المعجزات نظما ونثرا ،
وأوجز في تحبير تلك الآيات البينات فجلا سحرا ، ورفع للقوافي راية استظهار تخير
فيها الأظهر ، فعجم وعشر وشفع وأوتر ، وأما الأصول فهي التي من فروعه ، في متفرق منظومه ومنثور مجموعه ، وأما النسب ، فإلى حفظه
انتسب ، وأما الأيام والدول ، ففي تاريخه الأواخر والأول ، وقد سبك من هذه العلوم
في منثوره وموزونه ، ما يشهد بإضافتها إلى فنونه ، وله سماع في الحديث ورواية ،
وفهم بقوانينه ودراية ، سمع من أبي الوليد اليزيد بن عبد الرحمن بن بقي القاضي ،
ومن أبي الحسن جابر بن أحمد القرشي التاريخي ، وهو آخر من حدّث عنه ، ومن أبي عبد
الله التّجيبي كثيرا وهو أول من سمع عنه في حياة الحافظ أبي الطاهر السّلفي إذ قدم
عليهم تلمسان ، وأجازه الحافظ السهيلي وابن خلف الحافظ وغيرهما ، وولد بعد الخمسين
والخمسمائة ، وتوفي بمراكش سنة ٦٣٧ ، رحمه الله تعالى!. انتهى ملخصا.
رجع : ولما ثارت
الأندلس على طائفة عبد المؤمن كان الوالي بجزيرة ميورقة أبو يحيى بن أبي عمران
التينملي فأخذها الفرنج منه ، كذا قال ابن سعيد ، وقال ابن الأبار :
إنها أخذت يوم الاثنين الرابع عشر من صفر سنة سبع وعشرين وستمائة ، وقال المخزومي
في تاريخ ميورقة : إن سبب أخذها من المسلمين أن أميرها في ذلك الوقت محمد بن علي
بن موسى كان في الدولة الماضية أحد أعيانها ، ووليها سنة ست وستمائة ، واحتاج إلى
الخشب المجلوب من يابسة ، فأنفذ طريدة بحرية وقطعة حربية ، فعلم بها والي طرطوشة ،
فجهز إليها من أخذها ، فعظم ذلك على الوالي ، وحدث نفسه بالغزو لبلاد الروم ، وكان
ذلك رأيا مشؤوما ، ووقع بينه وبين الروم ، وفي آخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين
وستمائة بلغه أن مسطحا من برشلونة ظهر على يابسة ، مركبا وآخر من طرطوشة انضم إليه
، فبعث ولده في عدة قطع إليه حتى نزل [في] مرسى يابسة ، ووجد فيه لأهل جنوة مركبا كبيرا ، فأخذه وسار
حتى أشرف على المسطح ، فقاتله وأخذه ، وظن أنه غالب الملوك ، وغاب عنه أنه أشأم من
عاقر الناقة ، وأن الروم لما بلغهم الخبر قالوا لملكهم وهو من ذرية
أذفونش : كيف يرضى الملك بهذا الأمر
__________________
ونحن نقاتل
بنفوسنا وأموالنا؟ فأخذ عليهم العهد بذلك ، وجمع عشرين ألفا من أهل البلاد ، وجهز
في البحر ستة عشر ألفا ، وشرط عليهم حمل السلاح ، وفي سنة ست وعشرين وستمائة اشتهر
أمر هذه الغزوة فاستعد لها الوالي ، وميز نيفا على ألف فارس من فرسان الحضر
والرعية مثلهم ، ومن الرجالة ثمانية عشر ألفا ، وذلك في شهر ربيع الأول من السنة ،
ومن سوء الاتفاق أن الوالي أمر صاحب شرطته أن يأتيه بأربعة من كبراء المصر ،
فساقهم وضرب أعناقهم ، وكان فيهم ابنا خاله ، وخالهما أبو حفص بن سيري ذو المكانة
الوجيهة ، فاجتمعت الرعية إلى ابن سيري ، فأخبروه بما نزل ، وعزوه فيمن قتل وقالوا : هذا أمر لا يطاق ، ونحن كل يوم إلى
الموت نساق ، وعاهدوه على طلب الثأر ، وأصبح الوالي يوم الجمعة منتصف شوال ، والناس
من خوفه في أهوال ، ومن أمر العدو في إهمال ، فأمر صاحب شرطته بإحضار خمسين من أهل
الوجاهة والنعمة فأحضرهم ، وإذا بفارس على هيئة النذير دخل إلى الوالي ، وأخبره
بأن الروم قد أقبلت ، وأنه عد فوق الأربعين من القلوع ، وما فرغ من إعلامه حتى ورد
آخر من جانب آخر وقال : إن أسطول العدو قد تظاهر ، وقال : إنه عد سبعين شراعا ،
فصح الأمر عنده ، فسمح لهم بالصفح والعفو ، وعرفهم بخبر العدو ، وأمرهم بالتجهز ،
فخرجوا إلى دورهم ، كأنما نشروا من قبورهم ، ثم ورد الخبر بأن العدو قرب من البلد
، فإنهم عدوا مائة وخمسين قلعا ، ولما عبر وقصد المرسى أخرج الوالي جماعة تمنعهم
النزول ، فباتوا على المرسى في الرجل والخيل ، وفي الثامن عشر من شوال ، وهو يوم الاثنين ، وقع المصافّ
، وانهزم المسلمون ، وارتحل النصارى إلى المدينة ، ونزلوا منها على الحربية الحزينة من جهة باب الكحل ، ولم يزل الأمر في شدة وقد
أشرفوا على أخذ البلد ، ولما رأى ابن سيري أن العدو قد استولى على البلد خرج إلى
البادية ، ولما كان يوم الجمعة الحادي عشر من صفر قاتلوا البلد قتالا شديدا ، ولما
كان يوم الأحد أخذ البلد ، وأخذ منه أربعة وعشرون ألفا قتلوا على دم واحد ، وأخذ
الوالي ، وعذب ، وعاش بعد ذلك خمسة وأربعين يوما ، ومات تحت العذاب ، وأما ابن
سيري فإنه صعد إلى الجبل ، وهو منيع لا ينال من تحصن فيه ، وجمع عنده سنة عشر ألف
مقاتل ، وما زال يقاتل إلى أن قتل يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين
__________________
وستمائة ، وجده من
آل جبلة بن الأيهم الغساني ، وأما الحصون فأخذت في آخر رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة ،
وفي شهر شعبان لحق من نجا من المسلمين إلى بلاد الإسلام ، انتهى ما ذكره ابن عميرة
المخزومي ملخصا.
وكان بميورقة
جماعة أعلام وشعراء ، ومن شعر ابن عبد الولي الميورقي : [الخفيف]
هل أمان من لحظك
الفتّان
|
|
وقوام يميل
كالخيزران
|
مهجتي منك في
جحيم ، ولكنّ
|
|
جفوني قد متّعت
في جنان
|
فتنتني لواحظ
ساحرات
|
|
لست أخشى من
فتنة الشّيطان
|
ولما استولى
النصارى على ميورقة في التاريخ المتقدم ثار بجزيرة منورقة ، وهي قريبة منها الجواد
العادل العالم أبو عثمان سعيد بن حكم القرشي ، وكان وليها من قبل الوالي أبي يحيى
المقتول ، وتصالح مع النصارى على ضريبة معلومة ، واشترط أن لا يدخل جزيرته أحد من
النصارى ، وضبطها أحسن ضبط ، قال أبو الحسن علي بن سعيد : أخبرني أحد من اجتمع به
أنه لقي منه برا حبب إليه الإقامة في تلك الجزيرة المنقطعة ، وذكر أنه ركب معه
فنظر إلى حمالة سيف ضيقة وقد أثرت في عنقه ، فأمر له بإحسان وغنباز ، وكتب معه : [البسيط]
حمّالة السيف
توهي جيد حاملها
|
|
لا سيّما يوم
إسراع وإنجاز
|
وخير ما استعمل
الإنسان يومئذ
|
|
لحسم علّتها
إلباس غنباز
|
والغنباز عند أهل
المغرب : صنف من الملبوس غليظ يستر العنق.
وأصل أبي عثمان من
مدينة طلبيرة من غرب الأندلس ، وقد ألفت باسمه التآليف المشهورة بالمغرب
ككتاب «روح الشحر ، وروح الشعر» وغيره.
وأخذ العدو منورقة
بعد مدة.
وأخذ العدو جزيرة
شقر صلحا سنة تسع وثلاثين وستمائة في آخرها.
وأخذ العدو ـ دمره
الله تعالى! ـ مدينة سرقسطة يوم الأربعاء لأربع خلون من رمضان سنة اثنتي عشرة
وخمسمائة.
__________________
وكان استيلاء
الإفرنج على شرق الأندلس شاطبة وغيرها وإجلاؤهم من يشاركهم من المسلمين فيما
تغلبوا عليه منها في شهر رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة.
وكان استيلاء
العدو ـ دمره الله تعالى! ـ على مدينة قرطبة يوم الأحد الثالث والعشرين لشوال من سنة ست وثلاثين وستمائة.
وكان تملك العدو
مرسية صلحا ظهر يوم الخميس العاشر من شوال قدم أحمد بن محمد بن هود ولد والي مرسية
بجماعة من وجوه النصارى ، فملكهم إياها صلحا ولا حول ولا قوة إلا بالله [العلي
العظيم!]. .
وحصر العدو
أشبيلية سنة خمس وأربعين وستمائة.
وفي يوم الاثنين
الخامس من شعبان للسنة بعدها ملكها الطاغية صاحب قشتالة صلحا بعد منازلتها حولا
كاملا وخمسة أشهر أو نحوها.
وقال ابن الأبار
في ترجمة أبي علي الشلوبين من «التكملة» ما صورته : وتوفي بين يدي منازلة الروم
إشبيلية ليلة الخميس منتصف صفر سنة خمس وأربعين وستمائة ، وفي العام القابل ملكها
الروم.
وكانت وقعة أنيجة التي قتل فيها الحافظ أبو الربيع الكلاعي رحمه الله تعالى
يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وستمائة ، ولم يزل رحمه الله
تعالى متقدما أمام الصفوف زحفا إلى الكفار مقبلا على العدو ينادي بالمنهزمين : أعن
الجنة تفرون؟ حتى قتل صابرا محتسبا برّد الله تعالى مضجعه! وكان دائما يقول : إن
منتهى عمره سبعون سنة لرؤيا رآها في صغره ، فكان كذلك ، ورثاه تلميذه الحافظ أبو
عبد الله بن الأبار بقصيدته الميمية الشهيرة التي أولها : [الطويل]
ألمّا بأشلاء
العلا والمكارم
|
|
تقدّ بأطراف
القنا والصّوارم
|
وعوجا عليها
مأربا ومفازة
|
|
مصارع خصّت
بالطلا والجماجم
|
__________________
نحيّي وجوها في
الجنان وجيهة
|
|
مجاسد من نسج
الظّبا واللهاذم
|
وهي طويلة.
ومن شعر الحافظ
أبي الربيع المذكور : [الطويل]
توالت ليال
للغواية جون
|
|
ووافى صباح
للرّشاد مبين
|
ركاب شباب أزمعت
عنك رحلة
|
|
وجيش مشيب
جهّزته منون
|
ولا أكذب الرحمن
فيما أجنّه
|
|
وكيف ولا يخفى
عليه جنين
|
ومن لم يخل أن
الرياء يشينه
|
|
فمن مذهبي أن
الرياء يشين
|
لقد ريع قلبي
للشّباب وفقده
|
|
كما ريع بالعلق
الفقيد ضنين
|
وآلمني وخط
المشيب بلمّتي
|
|
فخطّت بقلبي
للشجون فنون
|
وليل شبابي كان
أنضر منظرا
|
|
وآنق مهما لا
حظته عيون
|
فآها على عيش
تكدر صفوه
|
|
وأنس خلا منه
صفا وحجون
|
ويا ويح فودي أو
فؤادي كلّما
|
|
تزيّد شيبي كيف
بعد يكون
|
حرام على قلبي
سكون بغرّة
|
|
وكيف مع الشيب
الممضّ سكون
|
وقالوا شباب
المرء شعبة جنّة
|
|
فما لي عراني
للمشيب جنون
|
وقالوا شجاك
الشيب حدثان ما أتى
|
|
ولم يعلموا أن
الحديث شجون
|
وقال أيضا : [الطويل]
أمولى الموالي
ليس غيرك لي مولى
|
|
وما أحد يا ربّ
منك بذا أولى
|
__________________
تبارك وجه وجّهت
نحوه المنى
|
|
فأوزعها شكرا
وأوسعها طولا
|
وما هو إلا وجهك
الدائم الذي
|
|
أقلّ جلى عليائه
يخرس القولا
|
تبرأت من حولي
إليك وقوّتي
|
|
فكن قوّتي في
مطلبي وكن الحولا
|
وهب لي الرضا ما
لي سوى ذاك مبتغى
|
|
ولو لقيت نفسي
على نيله الهولا
|
وكان ـ رحمه الله
تعالى! ـ حافظا للحديث ، مبرّزا في نقده ، تام المعرفة بطرقه ، ضابطا لأحكام
أسانيده ، ذاكرا لرجاله ، ريّان من الأدب ، خطب ببلنسية ، واستقضى ، وكان مع ذلك
من أولي الحزم والبسالة ، والإقدام والجزالة ، حضر الغزوات وباشر القتال بنفسه ،
وأبلى بلاء حسنا ، وروى عن أبي القاسم بن حبيش وطبقته ، وصنف كتبا منها «مصباح
الظلم» في الحديث ، و «الأربعون» عن أربعين شيخا لأربعين من الصحابة ، و «الأربعون
السباعية» و «السباعيات» من حديث الصدفي ، و «حلية الأمالي في الموافقات والعوالي»
و «تحفة الورّاد ، ونجعة الرّوّاد» و «المسلسلات» و «الإنشادات» و «كتاب الاكتفاء
، في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازي الثلاثة الخلفاء» و «ميدان
السابقين ، وحلبة الصادقين ، المصدقين» في غرض كتاب الاستيعاب ، ولم يكمله ، «والمعجم»
فيمن وافقت كنيته زوجه من الصحابة ، و «الإعلام ، بأخبار البخاري الإمام» و «المعجم
، في مشيخة أبي القاسم بن حبيش» و «برنامج رواياته» و «جنى الرطب ، في سنى الخطب» و
«نكتة الأمثال ، ونفثة السحر الحلال» و «جهد النصيح ، في معارضة المعري في خطبة الفصيح» و «الامتثال لمثال
المبهج في ابتداع الحكم واختراع الأمثال» و «مفاوضة القلب العليل ، ومنابذة الأمل
الطويل ، بطريقة المعري في ملقى السبيل» و «مجازفتي اللحن ، لللاحن الممتحن» مائة
مسألة ملغزة ، «نتيجة الحب الصميم ، وزكاة المنثور والمنظوم ، في مثال النعل
النبوية على لابسها أفضل الصلاة والسلام» قال ابن رشيد : لو قال وزكاة النثير
والنظيم لكان أحسن ، وله كتاب «الصحف المنتشرة ، في القطع المعشرة» و «ديوان
رسائله» سفر ، و «ديوان شعره» سفر ، وكتب إلى الأديب الشهير أبي بحر صفوان بن
إدريس المرسي عقب انفصاله من بلنسية سنة ٥٨٧ : [الطويل]
أحنّ إلى نجد
ومن حلّ في نجد
|
|
وما ذا الذي
يغني حنيني أو يجدي
|
وقد أوطنوها
وادعين وخلّفوا
|
|
محبّهم رهن
الصّبابة والوجد
|
__________________
تبين بالبين
اشتياقي إليهم
|
|
ووجدي فساوى ما
أجنّ الذي أبدي
|
وضاقت عليّ
الأرض حتّى كأنّها
|
|
وشاح بخصر أو
سوار على زند
|
إلى الله أشكو
ما ألاقي من الجوى
|
|
وبعض الذي
لاقيته من جوى يردي
|
فراق أخلّاء
وصدّ أحبّة
|
|
كأنّ صروف الدهر
كانت على وعد
|
فيا سرحتي نجد ،
نداء متيّم
|
|
له أبدا شوق إلى
سرحتي نجد
|
ظمئت فهل طل
يبرّد لوعتي
|
|
ضحيت فهل ظلّ
يسكن من وجدي
|
ويا زمنا قد بان
غير مذمم
|
|
لعلّ لأنس قد
تصرّم من ردّ
|
ليالي نجني
الأنس من شجر المنى
|
|
ونقطف زهر الوصل
من شجر الصّدّ
|
وسقيا لإخوان
بأكناف حاجر
|
|
كرام السّجايا
لا يحولون عن عهد
|
وكم لي بنجد من
سريّ ممجّد
|
|
ولا كابن إدريس
أخي البشر والمجد
|
أخو همّة كالزهر
في بعد نيلها
|
|
وذو خلق كالزهر
غبّ الحيا العدّ
|
تجمّعت الأضداد
فيه حميدة
|
|
فمن خلق سبط ومن
حسب جعد
|
أيا راحلا أودى
بصبري رحيله
|
|
وفلّل من عزمي
وثلّم من حدّي
|
أتعلم ما يلقى
الفؤاد لبعدكم
|
|
ألا مذ نأيتم ما
يعيد ولا يبدي
|
فيا ليت شعري هل
تعود لنا المنى
|
|
وعيش كما نمنمت
حاشيتي برد
|
عسى الله أن
يدني السرور بقربكم
|
|
فيبدو ، ومنا
الشّمل منتظم العقد
|
وقال الحافظ
القاضي أبو بكر بن العربي في «أحكام القرآن» عند تفسير قوله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) [التوبة : ٤١] ما
صورته : ولقد نزل بنا العدوّ ـ قصمه الله تعالى! ـ سنة سبع وعشرين وخمسمائة ، فجاس
ديارنا ، وأسر جيرتنا ، وتوسط بلادنا في عدد حدد الناس عدده فكان كثيرا ، وإن لم
يبلغ ما حدوده ، فقلت للوالي والمولى عليه : هذا عدو الله قد حصل في الشّرك
والشبكة ، فلتكن عندكم بركة ، ولتكن منكم إلى نصرة الدين المتعينة
عليكم
__________________
حركة ، فليخرج
إليه جميع الناس حتى لا يبقى منهم أحد في جميع الأقطار ، فيحاط بهم ، فإنه هالك لا
محالة ، وإن يسركم الله له فغلبت الذنوب ، ورجفت بالمعاصي القلوب ، وصار كل أحد من
الناس ثعلبا يأوي إلى وجاره ، وإن رأى المكيدة بجاره ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ،
وحسبنا الله ونعم الوكيل!.
ولا خفاء أن هذا
كان قبل أخذ العدو الجزيرة وشرق الأندلس وسرقسطة وميورقة وغيرها مما قدمنا ذكره ،
والبدايات ، عنوان على النهايات.
وقال أبو جعفر
الوقشي البلنسي نزيل مالقة يمدح أمير المؤمنين يوسف ابن أمير المؤمنين عبد المؤمن
بن علي : [الطويل]
أبت غير ماء
بالنخيل ورودا
|
|
وهامت به عذب
الجمام برودا
|
وقالت لحاديها
أثمّ زيادة
|
|
على العشر في
وردي له فأزيدا
|
غلبتك ما هذا
القنوع وما أنا
|
|
عهدتك لا تثنين
عنه وريدا
|
أنونا إذا ما
كنت منه قريبة
|
|
وضبّا إذا ما
كان عنك بعيدا
|
ردي حضرة الملك
الظليل رواقه
|
|
لعمري ففيها
تحمدين ورودا
|
بحيث إمام الدين
يوسع فضله
|
|
جميع البرايا
مبدئا ومعيدا
|
أعاد إليها
الأنس بعد شروده
|
|
وأحيا لنا ما
كان منه أبيدا
|
وليّن أيّام
الزّمان بعدله
|
|
وكانت حديدا في
الخطوب حديدا
|
فلا ليلة إلا
يروقك حسنها
|
|
ولا يوم إلا عاد
يفضل عيدا
|
ومنها يصف حال
الأندلس ويبعث على الجهاد : [الجهاد]
ألا ليت شعري هل
يمدّ لي المدى
|
|
فأبصر شمل
المشركين طريدا
|
وهل بعد يقضي في
النّصارى بنصرة
|
|
تغادرهم
للمرهفات حصيدا
|
__________________
ويغزو أبو يعقوب
في شنت ياقب
|
|
يعيد عميد
الكافرين عميدا
|
ويلقي على
إفرنجهم عبء كلكل
|
|
فيتركهم فوق
الصّعيد هجودا
|
يغادرهم جرحى
وقتلى مبرّحا
|
|
ركوعا على وجه
الفلا وسجودا
|
ويفتك من أيدي
الطغاة نواعما
|
|
تبدّلن من نظم
الحجول قيودا
|
وأقبلن في خشن
المسوح وطالما
|
|
سحبن من الوشي
الرّقيق برودا
|
وغبّر منهن
التراب ترائبا
|
|
وخدّد منهنّ
الهجير خدودا
|
فحقّ لدمعي أن
يفيض لأزرق
|
|
تملّكها دعج
المدامع سودا
|
ويا لهف نفسي من
معاصم طفلة
|
|
تجاور بالقدّ الأليم
نهودا
|
ويا أسفي ما إن
يزال مردّدا
|
|
على شمل أعياد
أعيد بديدا
|
وآها بمد الصوت
منتحبا على
|
|
خلوّ ديار لو
يكون مفيدا
|
وقال في آخرها ،
وهو مما استحسنه الناس :
حملت إليه من
نظامي قلادة
|
|
يلقبها أهل
الكلام قصيدا
|
غدت يوم إنشاد
القريض وحيدة
|
|
كما قصدت في
المعلوات وحيدا
|
ولما تمهدت
الأندلس لعبد المؤمن وبنيه كان لهم فيها وقائع مع عدوّ الدين ، واجتاز إليها عبد
المؤمن ، ثم لما ولي بعده ملكه ابنه يوسف ، دخل الأندلس سنة ٥٦٦ ، وفي صحبته مائة
ألف فارس من المغرب والموحّدين ، فنزل بإشبيلية ، فخافه الأمير أبو عبد الله
محمد بن سعد بن مردنيش صاحب شرق الأندلس مرسية وأعمالها وما انضاف إليها ، فحمل
على قلبه ، فمرض ، فمات ، وشرع السلطان يوسف في استرجاع بلاد المسلمين من أيدي
الفرنج ، فاتسعت مملكته بالأندلس ، وأغارت سراياه على طليطلة إذ هي قاعدة ملكهم ،
ثم إنه حاصرها ، فاجتمعت طائفة الفرنج عليه ، واشتد الغلاء في عسكره ، فرحل عنها ،
وعاد إلى حضرة ملكه مراكش المحروسة.
__________________
ولم يزل أهل
الأندلس بعد ظهور النصارى ـ دمرهم الله تعالى! ـ على كثير منها يستنهضون عزائم
الملوك والسوقة لأخد الثار ، بالنظم والنثار ، فلم ينفعهم ذلك حتى اتسع الخرق ،
وأعضل الداء أهل الغرب والشرق ، فمن القصائد الموجهة في ذلك قول بعضهم لما أخذت
بلنسية يخاطب صاحب إفريقية أبا زكريا عبد الواحد بن أبي حفص : [الكامل]
نادتك أندلس
فلبّ نداءها
|
|
واجعل طواغيت
الصليب فداءها
|
صرخت بدعوتك
العلية فاحبها
|
|
من عاطفاتك ما
يقي حوباءها
|
واشدد بجلبك جرد
خيلك أزرها
|
|
تردد على
أعقابها أرزاءها
|
هي دارك القصوى
أوت لإيالة
|
|
ضمنت لها مع
نصرها إيواءها
|
وبها عبيدك لا
بقاء لهم سوى
|
|
سبل الضّراعة
يسلكون سواءها
|
خلعت قلوبهم
هناك عزاءها
|
|
لما رأت أبصارهم
ما ساءها
|
دفعوا لأبكار
الخطوب وعونها
|
|
فهم الغداة
يصابرون عناءها
|
وتنكرت لهم
الليالي فاقتضت
|
|
سرّاءها وقضتهم
ضرّاءها
|
تلك الجزيرة لا
بقاء لها إذا
|
|
لم يضمن الفتح
القريب بقاءها
|
رش أيها المولى
الرحيم جناحها
|
|
واعقد بأرشية
النجاة رشاءها
|
أشفى على طرف
الحياة ذماؤها
|
|
فاستبق للدين
الحنيف ذماءها
|
حاشاك أن تفنى
حشاشتها وقد
|
|
قصرت عليك
نداءها ورجاءها
|
طافت بطائفة
الهدى آمالها
|
|
ترجو بيحيى
المرتضى إحياءها
|
واستشرقت
أمصارها لإمارة
|
|
عقدت لنصر
المستضام لواءها
|
يا حسرتي لعقائل
معقولة
|
|
سئم الهدى نحو
الضلال هداءها
|
إيه بلنسية وفي
ذكراك ما
|
|
يمري الشؤون
دماءها لا ماءها
|
__________________
كيف السبيل إلى
احتلال معاهد
|
|
شب الأعاجم دونها
هيجاءها
|
وإلى ربا وأباطح
لم تعر من
|
|
حلل الربيع
مصيفها وشتاءها
|
طاب المعرّس
والمقيل خلالها
|
|
وتطلعت غرر
المنى أثناءها
|
بأبي مدارس
كالطلول دوارس
|
|
نسخت نواقيس
الصليب نداءها
|
ومصانع كسف
الضلال صباحها
|
|
فيخاله الرائي
إليه مساءها
|
ناحت بها
الورقاء تسمع شدوها
|
|
وغدت ترجّع
نوحها وبكاءها
|
عجبا لأهل النار
حلّوا جنة
|
|
منها تمدّ عليم
أفياءها
|
أملت لهم
فتعجلوا ما أملوا
|
|
أيامهم لا
سوّغوا إملاءها
|
بعدا لنفس أبصرت
إسلامها
|
|
فتوكفت عن حزبها
إسلاءها
|
أما العلوج فقد
أحالوا حالها
|
|
فمن المطيق
علاجها وشفاءها
|
أهدى إليها
بالمكاره جارح
|
|
للكفر كرّه
ماءها وهواءها
|
وكفى أسى أن
الفواجع جمة
|
|
فمتى يقاوم
أسوها أسواءها
|
هيهات في نظر
الإمارة كف ما
|
|
تخشاه ، ليت
الشكر كان كفاءها
|
مولاي هاك معادة
أنباءها
|
|
لتنيل منك سعادة
أبناءها
|
جرّد ظباك لمحو
آثار العدا
|
|
تقتل ضراغمها
وتسب ظباءها
|
واستدع طائفة
الإمام لغزوها
|
|
تسبق إلى
أمثالها استدعاءها
|
لا غرو أن يعزى
الظهور لملة
|
|
لم يبرحوا دون
الورى ظهراءها
|
إن الأعاجم
للأعارب نهبة
|
|
مهما أمرت
بغزوها أحياءها
|
تالله لو دبّت
لها دبابها
|
|
لطوت عليها
أرضها وسماءها
|
ولو استقلت
عوفها لقتالها
|
|
لاستقبلت
بالمقربات عفاءها
|
أرسل جوارحها
تجئك بصيدها
|
|
صيدا وناد
لطحنها أرحاءها
|
هبّوا لها يا
معشر التوحيد قد
|
|
آن الهبوب
وأحرزوا علياءها
|
__________________
إن الحفائظ من
خلالكم التي
|
|
لا يرهب الداعي
بهن خلاءها
|
هي نكتة المحيا
فحيّهلا بها
|
|
تجدوا سناها في
غد وسناءها
|
أولو الجزيرة
نصرة إن العدا
|
|
تبغي على
أقطارها استيلاءها
|
نقصت بأهل الشرك
من أطرافها
|
|
فاستحفظوا
بالمؤمنين نماءها
|
حاشاكم أن
تضمروا إلغاءها
|
|
في أزمة أو
تضمروا إقصاءها
|
خوضوا إليها
بحرها يصبح لكم
|
|
رهوا وجوبوا
نحوها بيداءها
|
وافى الصريخ
مثوّبا يدعو لها
|
|
فلتجملوا قصد
الثواب ثواءها
|
دار الجهاد فلا
تفتكم ساحة
|
|
ساوت بها
أحياؤها شهداءها
|
هذي رسائلها
تناجي بالّتي
|
|
وقفت عليها
ريثها ونجاءها
|
ولربما أنهت
سوالب للنهى
|
|
من كائنات حملت
أنهاءها
|
وفدت على الدار
العزيزة تجتني
|
|
آلاءها أو تجتلي
آراءها
|
مستسقيات من
غيوث غياثها
|
|
ما وقعه يتقدّم
استسقاءها
|
قد أمّنت في
سبلها أهواءها
|
|
إذ سوّغت في
ظلّها أهواءها
|
وبحسبها أن
الأمير المرتضى
|
|
مترقّب بفتوحها
آناءها
|
في الله ما
ينويه من إدراكها
|
|
بكلاءة يفدي أبي
أكلاءها
|
بشرى لأندلس
تحبّ لقاءه
|
|
ويحب في ذات
الإله لقاءها
|
صدق الرواة
المخبرون بأنه
|
|
يشفي ضناها أو
يعيد رواءها
|
إن دوّخ العرب
الصعاب مقادة
|
|
وأبى عليها أن
تطيع إباءها
|
فكأن بفيلقه
العرمرم فالقا
|
|
هام الأعاجم
ناسفا أرجاءها
|
أنذرهم بالبطشة
الكبرى فقد
|
|
نذرت صوارمه
الرقاق دماءها
|
لا يعدم الزمن
انتصار مؤيّد
|
|
تتسوّغ الدنيا
به سرّاءها
|
__________________
ملك أمدّ
النّيّرين بنوره
|
|
وأفاده لألاؤه
لألاءها
|
خضعت جبابرة
الملوك لعزه
|
|
ونضت بكف صغارها
خيلاءها
|
أبقى أبو حفص
أمارته له
|
|
فسما إليها
حاملا أعباءها
|
سل دعوة المهدي
عن آثاره
|
|
تنبيك أنّ ظباه
قمن إزاءها
|
فغزا عداها
واسترقّ رقابها
|
|
وحمى حماها
واسترد بهاءها
|
قبضت يداه على
البسيطة قبضة
|
|
قادت له في قدّه
أمراءها
|
فعلى المشارق
والمغارب ميسم
|
|
لهداه شرف وسمه
أسماءها
|
تطمو بتونسها
بحار جيوشه
|
|
فيزور زاخر
موجها زوراءها
|
وسع الزمان فضاق
عنه جلالة
|
|
والأرض طرّا
ضنكها وفضاءها
|
ما أزمع الإيغال
في أكنافها
|
|
إلا تصيّد عزمه
زعماءها
|
دانت له الدنيا
وشمّ ملوكها
|
|
فاحتلّ من رتب
العلا شمّاءها
|
ردت سعادته على
أدراجها
|
|
ليل الزمان
ونهنهت غلواءها
|
إن يعتم الدول
العزيزة بأسه
|
|
فالآن يولي جوده
إعطاءها
|
تقع الجلائل وهو
راس راسخ
|
|
فيها يوقّع
للسعود جلاءها
|
كالطود في عصف
الرياح وقصفها
|
|
لا رهوها يخشى
ولا هوجاءها
|
سامي الذّوائب
في أعزّ ذؤابة
|
|
أعلت على قمم
النّجوم بناءها
|
بركت بكل محلّة
بركاته
|
|
شفعا يبادر
بذلها شفعاءها
|
كالغيث صبّ على
البسيطة صوبه
|
|
فسقى عمائرها
وجاد قواءها
|
ينميه عبد
الواحد الأرضى إلى
|
|
عليا فتجنح
بأسها وسخاءها
|
في نبعة كرمت
وطابت مغرسا
|
|
وسمت وطالت نضرة
نظراءها
|
ظهرت لمحتدها
السماء وجاوزت
|
|
لسرادقات فخارها
جوزاءها
|
__________________
فئة كرام لا
تكفّ عن الوغى
|
|
حتى تصرّع حولها
أكفاءها
|
وتكبّ في نار
القرى فوق الذّرا
|
|
من عزة ألويها
وكباءها
|
قد خلّقوا
الأيام طيب خلائق
|
|
فثنت إليهم
حمدها وثناءها
|
ينضون في طلب
النفائس أنفسا
|
|
حبسوا على
إحرازها أمضاءها
|
وإذا انتضوا يوم
الكريهة بيضهم
|
|
أبصرت فيهم
قطعها ومضاءها
|
لا عذر عند
المكرمات لهم متى
|
|
لم تستبن
لعفاتهم عذراءها
|
قوم الأمير فمن
يقوم بمالهم
|
|
من صالحات أفحمت
شعراءها
|
صفحا جميلا أيها
الملك الرضي
|
|
عن محكمات لم
نطق إحصاءها
|
تقف القوافي
دونهن حسيرة
|
|
لا عيّها تخفي ولا
إعياءها
|
فلعل علياكم
تسامح راجيا
|
|
إصغاءها ومؤملا
إغضاءها
|
ومن ذلك قول بعضهم
يندب طليطلة أعادها الله تعالى للإسلام : [الوافر]
لثكلك كيف تبتسم
الثغور
|
|
سرورا بعد ما
بئست ثغور
|
أما وأبى مصاب
هدّ منه
|
|
ثبير الدين
فاتصل الثّبور
|
لقد قصمت ظهور
حين قالوا
|
|
أمير الكافرين
له ظهور
|
ترى في الدهر
مسرورا بعيش
|
|
مضى عنا لطيّته
السّرور
|
أليس بها أبيّ
النفس شهم
|
|
يدير على
الدوائر إذ تدور
|
لقد خضعت رقاب
كنّ غلبا
|
|
وزال عتوّها
ومضى النّفور
|
وهان على عزيز
القوم ذلّ
|
|
وسامح في الحريم
فتى غيور
|
طليطلة أباح
الكفر منها
|
|
حماها ، إن ذا
نبأ كبير
|
فليس مثالها
إيوان كسرى
|
|
ولا منها
الخورنق والسّدير
|
__________________
محصّنة محسّنة
بعيد
|
|
تناولها ومطلبها
عسير
|
ألم تك معقلا
للدّين صعبا
|
|
فذلله كما شاء
القدير
|
وأخرج أهلها
منها جميعا
|
|
فصاروا حيث شاء
بهم مصير
|
وكانت دار إيمان
وعلم
|
|
معالمها الّتي
طمست تنير
|
فعادت دار كفر
مصطفاة
|
|
قد اضطربت
بأهليها الأمور
|
مساجدها كنائس ،
أي قلب
|
|
على هذا يقرّ
ولا يطير؟
|
فيا أسفاه يا
أسفاه حزنا
|
|
يكرّر ما تكررت
الدّهور
|
وينشر كل حسن
ليس يطوى
|
|
إلى يوم يكون به
النشور
|
أديلت قاصرات
الطّرف كانت
|
|
مصونات مساكنها
القصور
|
وأدركها فتور في
انتظار
|
|
لسرب في لواحظه
فتور
|
وكان بنا
وبالقينات أولى
|
|
لو انضمت على
الكل القبور
|
لقد سخنت
بحالتهن عين
|
|
وكيف يصحّ مغلوب
قرير
|
لئن غبنا عن
الإخوان إنا
|
|
بأحزان وأشجان
حضور
|
نذور كان
للأيّام فيهم
|
|
بمهلكهم فقد وفت
النذور
|
فإن قلنا
العقوبة أدركتهم
|
|
وجاءهم من الله
النكير
|
فإنا مثلهم وأشد
منهم
|
|
نجور وكيف يسلم
من يجور
|
أنأمن أن يحل
بنا انتقام
|
|
وفينا الفسق
أجمع والفجور
|
وأكل للحرام ولا
اضطرار
|
|
إليه فيسهل
الأمر العسير
|
ولكن جرأة في
عقر دار
|
|
كذلك يفعل الكلب
العقور
|
يزول الستر عن قوم
إذا ما
|
|
على العصيان
أرخيت السّتور
|
يطول عليّ ليلي
، رب خطب
|
|
يطول لهوله
الليل القصير
|
خذوا ثار
الديانة وانصروها
|
|
فقد حامت على
القتلى النّسور
|
__________________
ولا تهنوا
وسلّوا كل عضب
|
|
تهاب مضاربا عنه
النّحور
|
وموتوا كلكم
فالموت أولى
|
|
بكم من أن
تجاروا أو تجوروا
|
أصبرا بعد سبي
وامتحان
|
|
يلام عليهما
القلب الصّبور
|
فأمّ الصبر
مذكار ولود
|
|
وأمّ الصقر
مقلات نزور
|
تخور إذا دهينا
بالرزايا
|
|
وليس بمعجب بقر
يخور
|
ونجبن ليس نزأر
، لو شجعنا
|
|
ولم نجبن لكان
لنا زئير
|
لقد ساءت بنا
الأخبار حتى
|
|
أمات المخبرين
بها الخبير
|
أتتنا الكتب
فيها كلّ شرّ
|
|
وبشّرنا بأنحسنا
البشير
|
وقيل تجمعوا
لفراق شمل
|
|
طليطلة تملّكها
الكفور
|
|
فقل في خطة فيها
صغار
|
|
يشيب لكربها
الطفل الصغير
|
لقد صم السميع
فلم يعوّل
|
|
على نبإ كما عمي
البصير
|
تجاذبنا الأعادي
باصطناع
|
|
فينجذب المخوّل
والفقير
|
فباق في الديانة
تحت خزي
|
|
تثبطه الشّويهة
والبعير
|
وآخر مارق هانت
عليه
|
|
مصائب دينه فله
السعير
|
كفى حزنا بأن
الناس قالوا
|
|
إلى أين التحول
والمسير
|
أنترك دورنا
ونفر عنها
|
|
وليس لنا وراء
البحر دور
|
ولا ثمّ الضياع
تروق حسنا
|
|
نباكرها فيعجبنا
البكور
|
وظلّ وارف وخرير
ماء
|
|
فلا قرّ هناك
ولا حرور
|
ويؤكل من
فواكهها طريّ
|
|
ويشرب من
جداولها نمير
|
__________________
يؤدي مغرم في كل
شهر
|
|
ويؤخذ كلّ صائفة
عشور
|
فهم أحمى
لحوزتنا وأولى
|
|
بنا وهم الموالي
والعشير
|
لقد ذهب اليقين
فلا يقين
|
|
وغر القوم بالله
الغرور
|
فلا دين ولا
دنيا ولكن
|
|
غرور بالمعيشة
ما غرور
|
رضوا بالرّقّ
لله ما ذا
|
|
رآه وما أشار به
مشير
|
مضى الإسلام
فابك دما عليه
|
|
فما ينفي الجوى
الدمع الغزير
|
ونح واندب رفاقا
في فلاة
|
|
حيارى لا تحطّ
ولا تسير
|
ولا تجنح إلى
سلم وحارب
|
|
عسى أن يجبر
العظم الكسير
|
أنعمى عن
مراشدنا جميعا
|
|
وما إن منهم إلا
بصير
|
ونلقى واحدا
ويفر جمع
|
|
كما عن قانص فرت
حمير
|
ولو أنا ثبتنا
كان خيرا
|
|
ولكن ما لنا كرم
وخير
|
إذا ما لم يكن
صبر جميل
|
|
فليس بنافع عدد
كثير
|
ألا رجل له رأي
أصيل
|
|
به مما نحاذر
نستجير
|
يكر إذا السيوف
تناولته
|
|
وأين بنا إذا
ولت كرور
|
ويطعن بالقنا
الخطّار حتى
|
|
يقول الرمح ما
هذا الخطير
|
عظيم أن يكون
الناس طرّا
|
|
بأندلس قتيل أو
أسير
|
أذكر بالقراع
الليث حرصا
|
|
على أن يقرع
البيض الذكور
|
يبادر خرقها قبل
اتساع
|
|
لخطب منه تنحسف
البدور
|
يوسّع للذي
يلقاه صدرا
|
|
فقد ضاقت بما
تلقى صدور
|
تنقّصت الحياة
فلا حياة
|
|
وودع جيرة إذ لا
مجير
|
__________________
فليل فيه همّ
مستكنّ
|
|
ويوم فيه شرّ
مستطير
|
ونرجو أن يتيح
الله نصرا
|
|
عليهم ، إنه نعم
النصير
|
ومن مشهور ما قيل
في ذلك قول الأديب الشهير أبي البقاء صالح بن شريف الرندي رحمه الله تعالى : [البسيط]
لكلّ شيء إذا ما
تم نقصان
|
|
فلا يغرّ بطيب
العيش إنسان
|
هي الأمور كما
شاهدتها دول
|
|
من سرّه زمن
ساءته أزمان
|
وهذه الدار لا
تبقي على أحد
|
|
ولا يدوم على
حال لها شان
|
يمزق الدهر حتما
كلّ سابغة
|
|
إذا نبت
مشرفيّات وخرصان
|
وينتضي كل سيف
للفناء ولو
|
|
كان ابن ذي يزن
والغمد غمدان
|
أين الملوك ذوو
التيجان من يمن
|
|
وأين منهم
أكاليل وتيجان
|
وأين ما شاده
شدّاد في إرم
|
|
وأين ما ساسه في
الفرس ساسان
|
وأين ما حازه
قارون من ذهب
|
|
وأين عاد وشداد
وقحطان
|
أتى على الكلّ
أمر لا مرد له
|
|
حتى قضوا فكأنّ
القوم ما كانوا
|
وصار ما كان من
ملك ومن ملك
|
|
كما حكى عن خيال
الطيف وسنان
|
دار الزمان على
دارا وقاتله
|
|
وأمّ كسرى فما
آواه إيوان
|
كأنما الصعب لم
يسهل له سبب
|
|
يوما ولا ملك
الدنيا سليمان
|
فجائع الدهر
أنواع منوّعة
|
|
وللزمان مسرّات
وأحزان
|
وللحوادث سلوان
يسهلها
|
|
وما لما حلّ
بالإسلام سلوان
|
دهى الجزيرة أمر
لا عزاء له
|
|
هوى له أحد
وانهدّ ثهلان
|
أصابها العين في
الإسلام فارتزأت
|
|
حتى خلت منه
أقطار وبلدان
|
__________________
فاسأل بلنسية ما
شأن مرسية
|
|
وأين شاطبة أم
أين جيّان
|
وأين قرطبة دار
العلوم ، فكم
|
|
من عالم قد سما
فيها له شان
|
وأين حمص وما
تحويه من نزه
|
|
ونهرها العذب
فيّاض وملآن
|
قواعد كنّ أركان
البلاد فما
|
|
عسى البقاء إذا
لم تبق أركان
|
تبكي الحنيفية
البيضاء من أسف
|
|
كما بكى لفراق
الإلف هيمان
|
على ديار من
الإسلام خالية
|
|
قد أقفرت ولها
بالكفر عمران
|
حيث المساجد قد
صارت كنائس ما
|
|
فيهن إلا نواقيس
وصلبان
|
حتى المحاريب
تبكي وهي جامدة
|
|
حتى المنابر
ترثي وهي عيدان
|
يا غافلا وله في
الدهر موعظة
|
|
إن كنت في سنة
فالدهر يقظان
|
وماشيا مرحا
يلهيه موطنه
|
|
أبعد حمص تغر
المرء أوطان
|
تلك المصيبة
أنست ما تقدمها
|
|
وما لها مع طول
الدهر نسيان
|
يا راكبين عتاق
الخيل ضامرة
|
|
كأنها في مجال
السبق عقبان
|
وحاملين سيوف
الهند مرهفة
|
|
كأنها في ظلام
النقع نيران
|
وراتعين وراء
البحر في دعة
|
|
لهم بأوطانهم عز
وسلطان
|
أعندكم نبأ من
أهل أندلس
|
|
فقد سرى بحديث
القوم ركبان
|
كم يستغيث بنا
المستضعفون وهم
|
|
قتلى وأسرى فما
يهتز إنسان
|
ما ذا التقاطع
في الإسلام بينكم
|
|
وأنتم يا عباد
الله إخوان
|
ألا نفوس أبيّات
لها همم
|
|
أما على الخير
أنصار وأعوان
|
يا من لذلة قوم
بعد عزهم
|
|
أحال حالهم كفر
وطغيان
|
بالأمس كانوا
ملوكا في منازلهم
|
|
واليوم هم في
بلاد الكفر عبدان
|
فلو تراهم حيارى
لا دليل لهم
|
|
عليهم من ثياب
الذل ألوان
|
ولو رأيت بكاهم
عند بيعهم
|
|
لهالك الأمر
واستهوتك أحزان
|
يا رب أم وطفل
حيل بينهما
|
|
كما تفرّق أرواح
وأبدان
|
__________________
وطفلة مثل حسن
الشمس إذ طلعت
|
|
كأنما هي ياقوت
ومرجان
|
يقودها العلج
للمكروه مكرهة
|
|
والعين باكية
والقلب حيران
|
لمثل هذا يذوب
القلب من كمد
|
|
إن كان في القلب
إسلام وإيمان
|
انتهت القصيدة
الفريدة ، ويوجد بأيدي [بعض] الناس زيادات فيها ذكر غرناطة وبسطة وغيرهما مما أخذ من
البلاد بعد موت صالح بن شريف ، وما اعتمدته منها نقلته من خط من يوثق به على ما
كتبته ، ومن له أدنى ذوق علم أن ما يزيدون فيها من الأبيات ليست تقاربها في
البلاغة ، وغالب ظني أن تلك الزيادة لما أخذت غرناطة وجميع بلاد الأندلس إذ كان
أهلها يستنهضون همم الملوك بالمشرق والمغرب فكأن بعضهم لما أعجبته قصيدة صالح بن
شريف زاد فيها تلك الزيادات ، وقد بينت ذلك في «أزهار الرياض» فليراجع.
وصالح بن شريف
الرندي صاحب القصيدة من أشهر أدباء الأندلس ، ومن بديع نظمه قوله : [السريع]
سلّم على الحي
بذات العرار
|
|
وحيّ من أجل
الحبيب الدّيار
|
وخلّ من لام على
حبهم
|
|
فما على العشاق
في الذّلّ عار
|
ولا تقصّر في
اغتنام المنى
|
|
فما ليالي الأنس
إلّا قصار
|
وإنما العيش لمن
رامه
|
|
نفس تداري وكؤوس
تدار
|
وروحه الراح
وريحانه
|
|
في طيبه بالوصل
أو بالعقار
|
لا صبر للشيء
على ضده
|
|
والخمر والهم
كماء ونار
|
مدامة مدنية
للمنى
|
|
في رقة الدمع
ولون النّضار
|
مما أبو ريق
أباريقها
|
|
تنافست فيها
النفوس الكبار
|
معلّلتي والبرء
من علتي
|
|
ما أطيب الخمرة
لولا الخمار
|
__________________
ما أحسن النار
التي شكلها
|
|
كالماء لو كف
شرار الشرار
|
وبي وإن عذّبت
في حبه
|
|
ببعده عن اقتراب
المزار
|
ظبي غرير نام عن
لوعتي
|
|
ولا أذوق النوم
إلّا غرار
|
ذو وجنة كأنها
روضة
|
|
قد بهر الورد
بها والبهار
|
رجعت للصبوة في
حبه
|
|
وطاعة اللهو
وخلع العذار
|
يا قوم قولوا
بذمام الهوى
|
|
أهكذا يفعل حب
الصغار
|
وليلة نبّهت
أجفانها
|
|
والفجر قد فجر
نهر النّهار
|
والليل كالمهزوم
يوم الوغى
|
|
والشهب مثل
الشهب عند الفرار
|
كأنما استخفى
السّها خيفة
|
|
وطولب النجم
بثار فثار
|
لذاك ما شابت
نواصي الدجا
|
|
وطارح النسر
أخاه فطار
|
وفي الثريا قمر
سافر
|
|
عن غرة غيّر
منها السفار
|
كأن عنقودا
تثنّى به
|
|
إذ صار كالعرجون
عند السّرار
|
كأنها تسبك
ديناره
|
|
وكفها يفتل منه
السوار
|
كأنما الظلماء
مظلومة
|
|
تحكم الفجر
عليها فجار
|
كأنما الصبح
لمشتاقه
|
|
عزّ غنى من بعد
ذلّ افتقار
|
كأنما الشمس وقد
أشرقت
|
|
وجه أبي عبد
الإله استنار
|
محمد محمد كاسمه
|
|
شخص له في كل
معنى يشار
|
أما المعالي فهو
قطب لها
|
|
والقطب لا شك
عليه المدار
|
مؤتّل المجد
صريح العلا
|
|
مهذب الطبع كريم
النّجار
|
تزهى به لخم
وساداتها
|
|
وتنتمي قيس له
في الفخار
|
__________________
يفيض من جود
يديه على
|
|
عافيه ما منه
تحار البحار
|
اليمن من يمناه
حكم جرى
|
|
واليسر من شيمة
تلك اليسار
|
أخ صفا منه لنا
واحد
|
|
فالدهر مما قد
جنى في اعتذار
|
فإن شكرنا فضله
مرة
|
|
فقد سكرنا من
نداه مرار
|
ونحن منه في
جوار العلا
|
|
تدور للسعد بنا
منه دار
|
الحافظ الله
وأسماؤه
|
|
لذلك الجار وذاك
الجوار
|
رجع : وقد رأيت أن
أثبت هنا رسالة خاطب بها الكاتب البارع القاضي أبو المطرف بن عميرة المخزومي الشيخ
الحافظ أبا عبد الله بن الأبار ، يذكر له أخذ العدو مدينة بلنسية وهي : [الطويل]
ألا فيئة للدهر
تدنو بمن نأى
|
|
وبقيا يرى منها
خلاف الذي رأى
|
ويا من عذيري
منه يغدر من أوى
|
|
إليه ولا يدري
سوى خلف من وأى
|
ذخائر ما في
البر والبحر صيده
|
|
فلا لؤلؤا أبقى
عليه ولا وأى
|
أيها الأخ الذي
دهش ناظري لكتابه ، بعد أن أدهش خاطري من إغبابه ، وسرني من بشره إيماض ، بعد أن
ساءني من جهته إعراض ، جرت على ذكره الصلة فقوّم قدح نبعتها ، وروى أكناف قلعتها ، وأحدث ذكرا من عهدنا الماضي فنقّط وجه عروسه ، وشعشع خمر
كؤوسه ، وسقى بماء الشبيبة ثراه ، وأبرز مثال مرآة الغريبة مرآه ، فبورك فيه أحوذيا وصل رحمه ، وكسا منظره من البهجة ما كان حرمه ، وحيا الله
تعالى منه وليا على سالف عهدي تمادى ، وبشعار ودي نادى ، وبين الإحسان شيمته ، وأبان والبيان لا تنجاب عنه ديمته ، ولا تغلو بغير قلمه
قيمته واعتذر عن كلمة تمني تبديلها ، ودعوة ذكر وجوم النادي لها ، ثم أرسلها ترجف
__________________
بوادرها من خيفة ،
وتوغر زعم صدور قلم وصحيفة ، وتنذر من ريحانة قريش أن تمنعه عرفها ، وتحدق إليه طرفها
، واتقى غارة على غرة ، من الناجي برأس طمرّة ، ولم يأمن هجران المهاجر بعد وصله ،
وعكر عكرمة المغطى بحلمه على أبي جهله ، وعند ذكر كتيبة خالد أحجم ، وذكر يوم أحاطت به فارس فاستلجم ، فاعتذر عما قال ، وأضمر الحذر إلا أن يقال ، فمهلا أيها
الموفى على علمه ، النافث بسحر قلمه ، أتظن منزلتك في البلاغة ومهيعها لاحب ، ومنزعها بالعقول لاعب ، تسفل وقد ترفعت ، أو تخفى وإن
تلفعت عرفناك يا سودة ، وشهرت حلّة عطارد الملاحة والجودة ، فلم حين تهيب الأخذ
الأوحد من قصيّ غطارفها ، ولو استثار من حفائظها تالدها وطارفها ، لم يذكر يد قومه عند أبيها ، وقد رام خطة أشرف على
تأبّيها ، حين أهاب بكم لمهمّة ، ودعا منكم أخاه لأمه ، ولو ذلك لما خلا له وجه
الكعبة ، ولا خلص من تلك المضايق الصعبة ، وبأن أعرتموه نجدتكم الموصوفة ، غلب على
ما كان بأيدي صوفه ، فكيف نجحد اليد عند عمنا ، أو نشحذ أسنة الألسنة لذمنا ، أو
كيف نلقاكم بحدنا ، وأبوكم بكر معدّنا ، وما تيامنكم إلى سبأ بن يشجب ، وإن أطلنا فيه
التعجب ، بالذي يقطع أرحامنا ، ويمنع اشتباكنا والتحامنا ، بعد أن شددنا فعالنا
بفعالكم ، ورأينا أقدامنا في نعالكم ، ولو شئتم توعدتم بأسود سؤددكم عند الإقدام ،
وإلحاح إلحافكم في ضرب الهام ، لكن نقول إن قومنا لكرام ، ولو شاؤوا كان لنا منهم
شرّة وعرام ، وأعود من حيث بدأ الأخ الذي أبثه شوقي ، وأتطعم حلاوة عشرته باقية في
حاسة ذوقي ، طارحني حديث مورد جف ، وقطين خفّ ، فيا لله لأتراب درجوا ، وأصحاب عن
الأوطان خرجوا ، قصت الأجنحة وقيل طيروا ، وإنما هو القتل أو الأسر أو تسيروا ،
فتفرقوا أيدي سبا ، وانتشروا ملء الوهاد والرّبا ، ففي كل جانب عويل وزفره ، وبكل
صدر غليل وحسره ، ولكل عين عبره ، لا ترقأ من أجلها عبره ؛ داء خامر بلادنا حين
أتاها ، وما زال بها حتى سجّى على موتاها ، وشجا ليومها
__________________
الأطول كهلها
وفتاها ، وأنذر بها في القوم بحران أنيجه ، يوم أثاروا أسدها المهيجة ، فكانت تلك الحطمة طلّ
الشؤبوب ، وباكورة البلاء المصبوب ، أثكلتنا إخوانا أبكانا نعيهم ،
ولله أحوذيّهم وألمعيّهم ، ذاك أبو ربيعنا ، وشيخ جميعنا ، سعد بشهادة يومه ، ولم
ير ما يسوءه في أهله وقومه ، وبعد ذلك أخذ من الأم بالمخنّق ، وهي بلنسية ذات
الحسن والبهجة والرونق ، وما لبث أن أخرس من مسجدها لسان الأذان ، وأخرج من جسدها
روح الإيمان ، فبرح الخفاء ، وقيل : على آثار منح ذهب العفاء ، وانعطفت النوائب
مفردة ومركبة كما تعطف الفاء ، فأودت الخفة والحصافة ، وذهب الجسر والرصافة ،
ومزقت الحلة والشملة ، وأوحشت الجرف والرملة ، ونزلت بالحارة وقعة الحرّة ، وحصلت
الكنيسة من جآذرها وظبائها على طول الحسرة ، فأين تلك الخمائل ونضرتها ، والجداول
وخضرتها ، والأندية وأرجها ، والأودية ومنعرجها ، والنواسم وهبوب مبتلّها ، والأصائل
وشحوب معتلها ، دار ضاحكت الشمس بحرها وبحيرتها ، وأزهار ترى من أدمع الطل في أعينها
تردّدها وحيرتها ، ثم زحفت كتيبة الكفر بزرقها وشقرها ، حتى أحاطت بجزيرة شقرها ،
فآها لمسقط الرأس هوى نجمه ، ولفادح الخطب سرى كلمه ، ويا لجنة أجرى الله تعالى النهر تحتها ، وروضة
أجاد أبو إسحاق نعتها ، وإنما كانت داره التي فيها دبّ ، وعلى أوصاف محاسنها
أكب ، وفيها أتته منيته كما شاء وأحب ، ولم تعدم بعده محبين قشيبهم إليها ساقوه ،
ودمعهم عليها أراقوه ، وقد أثبت من النظم ما يليق بهذا الموضع ، وإن لم يكن له ذلك
الموقع : [الطويل]
أقلّوا ملامي أو
فقولوا وأكثروا
|
|
ملومكم عما به
ليس يقصر
|
وهل غير صبّ ما
تني عبراته
|
|
إذا صعدت أنفاسه
تتحدّر
|
يحن وما يجدي
عليه حنينه
|
|
إلى أربع
معروفها متنكّر
|
ويندب عهدا
بالمشقّر فاللّوى
|
|
وأين اللوى منه
وأين المشقّر
|
__________________
تغير ذاك العهد
بعدي وأهله
|
|
ومن ذا على
الأيام لا يتغيّر
|
وأقفر رسم
الدّار إلا بقيّة
|
|
لسائلها عن مثل
حالي تخبر
|
فلم تبق إلا
زفرة إثر زفرة
|
|
ضلوعي لها تنقدّ
أو تتفطّر
|
وإلا اشتياق لا يزال يهزّني
|
|
فلا غاية تدنو
ولا هو يفتر
|
أقول لساري البرق
في جنح ليلة
|
|
كلانا بها قد
بات يبكي ويسهر
|
تعرض مجتازا
فكان مذكّرا
|
|
بعهد اللوى ،
والشيء بالشّيء يذكر
|
أتأوي لقلب مثل
قلبك خافق
|
|
ودمع سفوح مثل
دمعك يقطر
|
وتحمل أنفاسا
كومضك نارها
|
|
إذا رفعت تبدو
لمن يتنوّر
|
يقرّ لعيني أن
أعاين من نأى
|
|
لما أبصرته منك
عيناي تبصر
|
وأن يتراءاك
الخليط الذين هم
|
|
بقلبي وإن غابوا
عن العين حضّر
|
كفى حزنا أنا
كأهل محصّب
|
|
بكلّ طريق قد
نفرنا وننفر
|
وأنّ كلينا من
مشوق وشائق
|
|
بنار اغتراب في
حشاه تسعّر
|
ألا ليت شعري
والأماني ضلّة
|
|
وقولي ألا يا
ليت شعري تحيّر
|
هل النّهر عقد
للجزيرة مثل ما
|
|
عهدنا وهل
حصباؤه وهي جوهر
|
وهل للصّبا ذيل
عليه تجره
|
|
فيزورّ عنه موجه
المتكسّر
|
وتلك المغاني هل
عليها طلاوة
|
|
بما راق منها أو
بما رقّ تحسر
|
ملاعب أفراس
الصّبابة والصبا
|
|
تروح إليها تارة
وتبكر
|
وقبليّ ذاك
النهر كانت معاهد
|
|
بها العيش مطلول
الخميلة أخضر
|
بحيث بياض الصبح
أزرار جيبه
|
|
تطيب وأردان
النسيم تعطّر
|
ليال بماء الورد
ينضح ثوبها
|
|
وطيب هواء فيه
مسك وعنبر
|
وبالجبل الأدنى
هناك خطا لنا
|
|
إلى اللهو لا
نكبو ولا نتعثر
|
__________________
جناب بأعلاه
بهار ونرجس
|
|
فأبيض مفتر
الثنايا وأصفر
|
وموردنا في قلب
قلت كمقلة
|
|
حذارا علينا من
قذى العين تستر
|
وكم قد هبطنا
القاع نذعر وحشه
|
|
ويا حسنه
مستقبلا حين يذعر
|
نقود إليه طائعا
كلّ جارح
|
|
له منخر رحب
وخصر مضمّر
|
إذا ما رميناه
به عبثت به
|
|
مدلّلة الأطراف
عنهن تكشر
|
تضمّ لأروى
النّيق حزّان سهلها
|
|
وقد فقدت فيها
مهاة وجؤذر
|
كذاك إلى أن صاح
بالقوم صائح
|
|
وأنذر بالبيت
المشتت منذر
|
وفرّقهم أيدي
سبا وأصابهم
|
|
على غرّة منهم
قضاء مقدّر
|
ونعود إلى حيث كنا
من تبدد شمل الجيره ، وطيّ بساط الجزيرة :
أما شاطبة فكانت
من قصبتها شوساء الطرف ، وببطحائها عروسا في نهاية الظرف فتخلى عن الذروة من
أخلاها ، وقيل للكافر : شأنك وأعلاها ، فقبل أن تضع الحرب أوزارها ، كشط عنها
إزارها ، فاستحلّ الحرمة أو تأوّلها ، وما انتظر أقصر المدة ولا
أطولها ، وأما تدمير فجاد عودها على الهصر ، وأمكنت عدوها من القصر ، فداجى الكفر الإيمان ، وناجى
الناقوس الأذان ، وما وراءها من الأصقاع التي باض الكفر فيها وفرّخ ، وأنزل بها ما
أنسى التاريخ ومن أرخ ، فوصفكم على الحادثة فيها أتى ، وفي ضمان القدرة الانتصاف
من عدوّ عثا وعتا ، وإنا لنرجوها كرة تفك البلاد من أسرها ، وتجبرها بعد
كسرها ، وإن كانت الدولة العامرية منعت بالقراع ذمارها ، ورفعت على اليقاع نارها ، فهذه العمرية بتلك المنقبة
__________________
أخلق ، والعدوّ
لها أهيب ومنها أفرق ، وما يستوي نسب مع البقل نبت ، وبالمستفيض من النقل ما ثبت ،
وآخر علت سماؤه على اللمس ، ورسا ركنه في الإسلام رسوّ قواعده الخمس ، وكان كما
قال أبو حنيفة في خبر المسيح : جاءنا مثل الشمس ، والأيام العمرية هي أم الوقائع
المحكية ، ومن شاء عدها من اليرموكية إلى الأركية ، وهذه الأيام الزاهرة هي زبدة
حلاوتها ، وسجدة تلاوتها ، وإمامتها العظمى أيدها الله تعالى ، تمهل الكافر مدة
إملائه ، ثم تشفي الإسلام من دائه ، وتطهر الأرض بنجس دمائه ، بفضل الله تعالى ،
المرجو زيادة نعمه قبلها وآلائه ، راجعت سيدي مؤديا ما يجب أداؤه ، ومقتديا وما كل
أحد يحسن اقتداؤه ، وإنما ناضلت ثعليا ، وعهدي بالنضال قديم ، وناظرت جدليا ، وما عندي للمقال
تقديم ، وأطعته في الجواب ولقريحتي يعلم الله تعالى نكول ، ورويتي لو لا حق
المسألة بطير الحوادث المرسلة عصف مأكول ، أتم الله تعالى عليه آلاءه ، وحفظ مودته
وولاءه ، ومتع بخلّته الكريمة أخلاءه ، بمنه ، والسلام ، انتهت الرسالة.
ورأيت في رحلة ابن
رشيد لما ذكر أبا المطرف ما صورته : وأما الكتابة فقد كان حامل لوائها ، كما قال
بعض أصحابنا : ألان الله تعالى له الكلام ، كما ألان الحديد لداود عليه السلام ،
وأخبرني شيخنا أبو بكر أن شيخه أبا المطرف رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
النوم ، فأعطاه حزمة أقلام ، وقال : استعن بهذه على كتابتك ، أو كما قال صلى الله
عليه وسلم ، انتهى.
وبعد كتبي لهذه
الرسالة رأيت أن أذكر رسالة الحافظ ابن الأبار التي هذه جواب عنها ، وهي من غرض ما
نحن فيه فلنقتبس نور البلاغة منها ، وهي :
سيدي وإن وجم لها
النادي ، وجمجم بها المنادي ، ذلك لصغرها عن كبره في المعارف الأعلام ، وصدرها يوغر
صدور الصحائف والأقلام ، وأعيذ ريحانة قريش ، أن تروح من حفيظتها في جيش ، قد
هابتها مغاوير كل حي ، وأجابتها الغطاريف من قصي ، تدلف بين يديها كتيبة خالد ، وتحلف لا قدحت نار
الهيجاء بزند صالد ، أو تنصف من غامطها ، وتقذف به وسط غطامطها ، لا جرم أني من جريمتي حذر ، وعما وضحت به قيمتي
للمجد معتذر ، إلا
__________________
أن يصوح من الروض نبته وجنّاته ، ويصرح بالقبول حلمه وأناته ،
الحديث عن القديم شجون ، والشأن بتقاضي الغريم شؤون ، فلا غرو أن أطارحه إياه ،
وأفاتحه الأمل في لقياه ، ومن لي بمقالة مستقلة ، أو إخالة غير مخلة ، أبت البلاغة إلا عمادها ، ومع ذلك فسأنيىء
عمادها ، درجت اللّدات والأتراب ، وخرجت الروم بنا إلى حيث الأعراب ، أيام دفعنا
لأعظم الأخطار ، وفجعنا بالأوطان والأوطار ، فإلام نداري برح الألم ، وحتام نساري
النجم في الظلم ، جمع أوصاب ما له من انفضاض ، ومضض اغتراب شذ عن ابن مضاض ، فلو
سمع الأول بهذا الحادث ، ما ضرب المثل بالحارث ، يا لله من جلاء ليس به يدان ، وثناء قلما يسفر عن تدان ،
وعد الجدّ العاثر لقاءه فأنجز ، ورام الجلد الصابر انقضاءه فأعجز ، هؤلاء الأخوان
، مكثهم لا يمتع به أوان ، وبينهم كنبت الأرض ألوان ، بين هائم بالسّرى ، ونائم في
الثرى ، من كل صنديد بطل ، أو منطيق غير ذي خطأ ولا خطل ، قامت عليه النوادب ، لما
قعدت [به] النوائب ، وهجمت بيوتها لمنعاه الجماجم والذوائب ، وأما
الأوطان المحبّب عهدها بحكم الشباب ، المشبّب فيها بمحاسن الأحباب ، فقد ودعنا
معاهدها وداع الأبد ، وأخنى عليها الذي أخنى على لبد ، أسلمها الإسلام ، وانتظمها
الانتثار والاصطلام ، حين وقعت أنسرها الطائرة ، وطلعت أنحسها الغائرة ، فغلب على
الجذل الحزن ، وذهب مع المسكن السّكن : [البسيط]
كزعزع الريح صكّ
الدوح عاصفها
|
|
فلم يدع من جنى
فيها ولا غصن
|
وآها وواها يموت
الصّبر بينهما
|
|
موت المحامد بين
البخل والجبن
|
أين بلنسية
ومغانيها ، وأغاريد ورقها وأغانيها ، أين حلى رصافتها وجسرها ، ومنزلا عطائها ونصرها؟ أين
أفياؤها تندى غضارة ، وذكاؤها تبدو من خضارة ؟ أين جداولها
__________________
الطفّاحة وخمائلها؟
أين جنائنها النفاحة وشمائلها؟ شذ ما عطل من قلائد أزهارها نحرها ،
وخلعت شعشعانية ضحاها بحيرتها وبحرها ، فأية حيلة لا حيلة في صرفها مع صرف الزمان
، وهل كانت حتى بانت إلا رونق الحق وبشاشة الإيمان ، ثم لم يلبث داء عقرها ، أن
دبّ إلى جزيرة شقرها ، فأمر عذبها النّمير ، وذوى غصنها النّضير ، وخرست حمائم أدواحها
، وركدت نواسم أرواحها ، ومع ذلك اقتحمت دانية ، فنزحت قطوفها وهي دانية ، ويا
لشاطبة وبطحائها ، من حيف الأيام وإنحائها ، ولهفاه ثم لهفاه على تدمير وتلاعها ، وجيّان وقلاعها ، وقرطبة
ونوديها ، وحمص وواديها ، كلها رعي كلؤهأ ، ودهي بالتفريق والتمزيق ملؤها ، عض الحصار أكثرها ، وطمس الكفر عينها وأثرها ، وتلك البيرة بصدد البوار ، ورية في مثل
حلقة السّوار ، ولا مرية في المرية وخفضها على الجوار ، إلى بنيات ، لواحق بالأمهات
، ونواطق بهاك لأول ناطق بهات ، ما هذا النفخ بالمعمور؟ أهو النفخ في الصور؟ أم
النّفر عاريا من الحج المبرور؟ وما لأندلس أصيبت بأشرافها ، ونقصت من أطرافها؟
قوّض عن صوامعها الأذان ، وصمّت بالنواقيس فيها الآذان ، أجنت ما لم تجن الأصقاع؟
أعقّت الحقّ فحاق بها الإيقاع؟ كلا بل دانت للسّنّة ، وكانت من البدع في أحسن جنة
، هذه المروانية مع اشتداد أركانها ، وامتداد سلطانها ، ألقت حبّ آل النبوّة في
حبات القلوب ، وألوت ما ظفرت من خلعه ولا قلعه بمطلوب ، إلى المرابطة بأقاصي
الثغور ، والمحافظة على معالي الأمور ، والركون إلى الهضبة المنيعة ، والروضة
المريعة ، من معاداة الشيعة ، وموالاة الشريعة ، فليت شعري بم
استوثق تمحيصها؟ ولم تعلق بعموم البلوى تخصيصها ، اللهم غفرا طالما ضر ضجر ، ومن
الأنباء ما فيه مزدجر ، جرى بما لم نقدّره المقدور ، فما عسى أن ينفث به المصدور؟
وربنا الحكيم العليم ، فحسبنا التفويض له والتسليم ، ويا عجبا لبني الأصفر أنسيت
مرج الصفر ، ورميها يوم اليرموك بكل أغلب غضنفر ، دع ذا فالعهد به بعيد ، ومن اتّعظ بغيره فهو سعيد ، هلا
تذكرت العامرية وغزواتها ، وهابت العامرية وهبواتها ، أما الجزيرة بخيلها محدقة ، وبأحاديث فتحها مصدقة ، هذا
الوقت المرتقب ، والزمان الذي زجيت له الشهور والحقب ، وهذه الإمامة
__________________
أيدها الله تعالى
هي المنقذة من أسرها ، والمنفذة لسلطانها مراسم نصرها ، فيتاح الأخذ بالنار ، ويزاح عن الجنة أهل النار ، ويعلم الكافر
لمن عقبى الدار ، حاورت سيدي بمثار الفاجي الفاجع ، وحاولت برء الجوى من جوابه
بالعلاج الناجع ، وبودّي لو تقع في الأرجاء مصاقبة ، فترفع من الإزراء معاقبة ،
أليس لديه أسو المكلوم ، وتدارك المظلوم؟ وبيديه أزمّة المنثور والمنظوم
، خيال يختر في إقناع إياد ، وصوغ ما لم يخطر على قلب زيد ولا يخاطر زياد ، بسّت
الجبال الطوامح ، لما بست وأبو فتحها ، وغيضت البحار الطوافح فمن يعبأ
بالركايا ومتحها ، أين أبو الفضل بن العميد من العماد الفاضل؟ وصمصامة عمرو من
قلمه الفاضل ، هذا مدرهها الذي فعل الأفاعيل ، وأحمدها الذي سما على إبراهيم
وإسماعيل ، وهما إماما الصناعة ، وهماما البراعة واليراعة ، بهما
فخر من نطق بالضاد ، وبسببهما حسدت الحروف الصاد ، لكن دفعهم بالراح ، وأعرى
مدرّعهم من المراح ، وشرف دونهم ضعيف القصب على صمّ الرماح ، أبقاه الله تعالى
وبيانه صادق الأنواء ، وزمانه كاذب الأسواء ، ولا زال مكانه مجاوزا ذؤابة الجوزاء
، وإحسانه مكافئا بأحسن الجزاء ، والسلام.
وقد عرفت بابن
الأبار في «أزهار الرياض» بما لا مزيد عليه ، غير أني رأيت هنا أن أذكر فصولا
مجموعة من كلامه في كتابه المسمى «بدرر السمط ، في خبر السبط».
قال رحمه الله
تعالى : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ، فروع النبوة والرسالة ، وينابيع
السماحة والبسالة ، صفوة آل أبي طالب ، وسراة بني لؤي بن غالب ، الذين جاءهم الروح الأمين ، وحلّاهم الكتاب المبين ، فقل في قوم شرعوا
الدين القيّم ، ومنعوا اليتيم أن يقهر والأيّم ، ما قدّ من أديم آدم أطيب من أبيهم
طينة ، ولا أخذت الأرض أجمل من مساعيهم زينة ، لو لا هم ما عبد الرحمن ، ولا عهد
الإيمان ، وعقد الأمان ، ذؤابة غير أشابة ، فضلهم ما شانه نقص ولا شابه ، سراة محلتهم سر المطلوب ،
وقرار محبتهم حبّات القلوب ، أذهب الله
__________________
عنهم الرجس ، وشرف
بخلقهم الجنس ، فإن تميزوا فبشريعتهم البيضاء ، أو تحيزوا فلعشيرتهم الحمراء ، من
كل يعسوب الكتيبة ، منسوب لنجيب ونجيبة ، تجاره الكرم ، وداره الحرم ، نمته
العرانين من هاشم أبي النسب الأصرح الأوضح ، إلى نبعة فرعها في السماء ومغرسها
سرّة الأبطح ، أولئك السادة أحيّي وأفدي ، والشهادة بحبهم أوفي وأؤودي ، ومن
يكتمها فإنه آثم قلبه.
فصل : ما كانت
خديجة لتأتي بخداج ، ولا الزهراء لتلد إلا أزاهر كالسّراج ، مثل النحلة لا
تأكل إلا طيبا ، ولا تضع إلا طيبا ، خلدت بنت خويلد ليزكو عقبها من الحاشر العاقب ، ويسمو مرقبها على النجم الثاقب ، لم تجد بمثلها المهاري
، ولم يلد له غيرها من المهاري ، آمت من بعولتها قبله ، لتصل السعادة بحبلها حبله ، ملاك العمل
خواتمه ، ربّ ربّات حجال ، أنفذ من فحول رجال. [الوافر]
وما التّأنيث
لاسم الشّمس عيب
|
|
ولا التّذكير
فخر للهلال
|
هذه خديجة من
أخيها حزام أحزم ، ولشعار الصدق من شعارات القص ألزم ، ركنت إلى الركن الشديد ،
وسدّدت للهدى كما هديت للتسديد ، يوم نبىء خاتم الأنبياء ، وأنبئ بالنور المنزل
عليه والضياء.
فصل : وكان قبيل
المبعث بين يدي لم الشعث ، يثابر على كل حسنى وحسنة ، ويجاور شهرا من كل سنة ،
يتحرى حراء بالتعهد ، ويزجي تلك المدة في التعبد ، وذلك الشهر المقصور على التبرر ، المقدور فيه رفع التضرر ، شهر رمضان ، المنزل فيه القرآن
، فبيناه ، لا ينام قلبه وإن نامت عيناه ، جاءه الملك مبشرا بالنجح ، وقد كان لا
يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ، فغمره بالكلاءة ، وأمره بالقراءة ، وكلما تحبس له
غطّه ثم أرسله ، وإذا أراد الله بعبد خيرا عسله [الطويل].
تريدين إدراك
المعالي رخيصة
|
|
ولا بدّ دون
الشّهد من إبر النّحل
|
__________________
كذلك حتى عاذ
بالأرق من الفرق ، وقد علق فاتحة العلق ، فلا يجري غيرها على لسانه ، وكأنما كتبت
كتابا في جنانه .
فصل : ولما أصبح
يؤمّ الأهل ، وتوسط الجبل يريد السهل ، وقد قضى الأجل ، وما نضا الوجل ، نوجي بما في الكتاب المسطور ، ونودي كما نودي موسى من جانب
الطور ، فعرض له في طريقه ، ما شغله عن فريقه ، فرفع رأسه متأملا ، فأبصر الملك في
صورة رجل متمثلا ، يشرّفه بالنداء ، ويعرفه بالاجتباء ، وإنما عضد خبر الليلة بعيان اليوم ، وأري في اليقظة
مصداق ما أسمع في النوم ، ليحق الله الحق بكلماته ، وعلى ما ورد في الأثر ، وسرد
رواة السير ، فذلك اليوم كان عيد فطرنا الآن وغير بدع ولا بعيد ، أن يبدأ الوحي
بعيد كما ختم بعيد (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣]
فبهت عليه السلام لما سمع نداءه وراءه ، وثبت لا يتقدم أمامه ولا يرجع وراءه [الكامل].
توقف الهوى بي
حيث أنت ، فليس لي
|
|
متقدّم عنه ولا
متأخّر
|
ثم جعل في الخوف
والرجاء ، لا يقلب وجهه في السماء ، إلا تعرض له في تلك الصورة ، وعرض عليه ما
أعطاه الله سبحانه من السورة ، فيقف موقف التوكل ، ويمسك حتى عن التأمل. [الطويل]
تتوق إليك
النّفس ثمّ أردّها
|
|
حياء ، ومثلي
بالحياء حقيق
|
أذود سواد
الطّرف عنك ، وما له
|
|
إلى أحد إلا
إليك طريق
|
فصل : وفطنت خديجة
لاحتباسه ، فأمعنت في التماسه ، تزوّجوا الودود الولود ، ولفورها بل لفوزها بعثت
في طلبه رسلها ، وانبعثت تأخذ عليه شعاب مكة وسبلها. [البسيط]
إن المحب إذا لم يستزر زارا
طال عليها الأمد ،
فطار إليها الكمد ، والمحب حقيقه ، من لا يفيق فيقه ، بالنفس
__________________
النفيسة سماحه
وجوده ، وفي وجود المحبوب الأشرف وجوده . [الطويل]
كأنّ بلاد الله
ما لم تكن بها
|
|
وإن كان فيه الخلق
طرا بلاقع
|
أقضّي نهاري
بالحديث وبالمنى
|
|
ويجمعني والهمّ
باللّيل جامع
|
نهاري نهار
النّاس حتّى إذا دجى
|
|
لي اللّيل
هزّتني إليك المضاجع
|
لقد نبتت في
القلب منك محبّة
|
|
كما نبتت في
الرّاحتين الأصابع
|
فصل : وبعد لأي ما
ورد عليها ، وقعد مضيفا إليها ، فطفقت بحكم الإجلال تمسح أركانه ، وتفسح مجال
السؤال عما خلف له مكانه ، فباح لها بالسر المغيب ، وقد لاح وسم الكرامة على الطيب
المطيب ، فعلمت أنه الصادق المصدوق ، وحكمت بأنه السابق لا المسبوق ، اتقوا فراسة
المؤمن فإنه ينظر بنور الله ، وما زالت حتى أزالت ما به من الغمّة ، وقالت : إني
لأرجو تكون نبي هذه الأمة. [البسيط]
إن تفرّست فيك
الخير أعرفه
|
|
والله يعلم أن
ما خانني البصر
|
أنت النبيّ ومن
يحرم شفاعته
|
|
يوم الحساب فقد
أزرى به القدر
|
لا ترهب فسوف تبهر
، وسبيدو أمر الله تعالى ويظهر ، أنت الذي سجعت به الكهان ، ونزلت له من صوامعها
الرهبان ، وسارت بخبر كرامته الركبان ، أنت الذي ما حملت أخفّ منه حامل ، ودرّت
ببركته الشاة فإذا هي حافل . [المنسرح]
وأنت لمّا ولدت
أشرقت ال
|
|
أرض وضاءت بنورك
الأفق
|
فنحن في ذلك
الضياء وفي ال
|
|
نور وسبل الرّشاد
نخترق
|
فصل : وما لبثت أن
غلقت أبوابها ، وجمعت عليها أثوابها ، وانطلقت إلى ورقة بن نوفل ، تطلبه بتفسير
ذلك المجمل ، وكان يرجع إلى عقل حصيف ، ويبحث عمن يبعث بالدين الحنيف ، فاستبشر به ناموسا ، وأخبر أنه الذي كان يأتي موسى ، فازدادت إيمانا ،
__________________
وأقامت على ذلك
زمانا ، ثم رأت أن خبر الواحد قد يلحقه التنفيد ، ودرت أن المجتهد لا يجوز له التقليد ، طلب العلم فريضة
على كل مسلم ، فرجعت أدراجها في ارتياد الإقناع ، وألقى في روعها إلقاء الخمار
والقناع ، فهناك وضح لها البرهان ، وصحّ لها أن الآتي ملك لا شيطان. [الطويل]
تولى عليه الروح
من عند ربّه
|
|
ينزّل من جوّ
السّماء ويرفع
|
نشاوره فيما
نريد وقصدنا
|
|
إذا ما اشتهى
أنّا نطيع ونسمع
|
فصل : سبقت لها من
الله تعالى الحسنى ، فصنعت حسنا وقالت حسنا ، ومن يؤمن بالله يهد قلبه ، ما فتر
الوحي بعدها ، ولا مطل الحق الحي وعدها ، وعد الله لا يخلف الله وعده ، دانت لحب
ذي الإسلام ، فحياها الملك بالسّلام ، من الملك السّلام ، من كان لله كان الله له
، أغنت غناء الأبطال ، فغناها لسان الحال. [البسيط]
هل تذكرين فدتك
النفس مجلسنا
|
|
يوم التقينا فلم
أنطق من الحصر
|
لا أرفع الطّرف
حولي من مراقبة
|
|
بقّي عليّ ،
وبعض الحزم في الحذر
|
يسرت لاحتمال
الأذى والنصب ، فبشرت ببيت في الجنة من قصب ، هل أمنت إذ آمنت من الرعب ، حتى غنيت
عن الشبع بما في الشعب. [البسيط]
لا تحسب المجد
تمرا أنت آكله
|
|
لن تبلغ المجد
حتّى تلعق الصّبرا
|
واها لها احتملت
عض الحصار ، وما أطاقت فقد النبي المختار. [الوافر]
يطول اليوم لا
ألقاك فيه
|
|
وشهر نلتقي فيه
قصير
|
والحبيب سمع
المحبّ وبصره ، وله طول محياه وقصره. [الرمل]
أنت كلّ النّاس
عندي فإذا
|
|
غبت عن عيني لم
ألق أحد
|
مكثت للرياسة
مواسية وآسية ، فثلثت في بحبوحة الجنة مريم وآسية ، ثم ربعت البتول
__________________
فبرعت ، نطقت بذلك الآثار وصدعت ، خير نساء العالمين أربع.
فصل : إلى البتول
سير بالشرف التالد ، وسبق الفخر بالأم الكريمة والوالد حلت في الجيل الجليل ،
وتحلت بالمجد الأثيل ، ثم تولت إلى الظل الظليل [الوافر].
وليس يصح في
الأفهام شيء
|
|
إذا احتاج
النهار إلى دليل
|
وأبيها إن أم
أبيها ، لا تجد لها شبيها ، نثرة النبي ، وطلبة الوصي ، وذات الشرف المستولي على الأمد القصي ، كلّ ولد الرسول درج في حياته ، وحملت هي
ما حملت من آياته ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، لا فرع للشجرة المباركة من سواها
، فهل جدوى أوفر من جدواها ، والله أعلم حيث يجعل رسالاته ، حفت بالتطهير والتكريم
، وزفت إلى الكفؤ الكريم ، فوردا صفو العارفة والمنة ، وولدا سيدي شباب أهل الجنة
، عوضت من الأمتعة الفاخرة ، بسيدي الدنيا والآخرة ، ما أثقل نحوها ظهرا ، ولا بذل
غير درعه مهرا ، كان صفر اليدين من البيضاء والصفراء ، وبحالة لا حيلة معها في
إهداء الحلة السّيراء ، فصاهره الشارع وخالله.
وقال في بعض صعلوك
لا مال له ، نرفع درجات من نشاء.
فصل : [الطويل]
أتنتهب الأيام
أفلاذ أحمد
|
|
وأفلاذ من
عاداهم تتعدّد
|
ويضحى ويظما
أحمد وبناته
|
|
وبنت زياد وردها
لا يصرّد
|
أفي دينه في
أمنه في بلاده
|
|
تضيق عليهم فسحة
تتورّد
|
وما الدين إلا
دين جدّهم الذي
|
|
به أصدروا في
العالمين وأوردوا
|
انتهى ما سنح لي
ذكره من «درر السمط» وهو كتاب غاية في بابه ، ولم أورد منه غير ما ذكرته ، لأن في
الباقي ما تشم منه رائحة التشيع ، والله سبحانه يسامحه بمنه وكرمه ولطفه .
رجع إلى ما كنا
بصدده فنقول : قد ذكرنا في الباب الثاني رسالة أبي المطرف بن عميرة
__________________
إلى أبي جعفر بن
أمية ، وهي مشتملة على التلهف على الجزيرة الأندلسية ، حين أخذ العدوّ بلنسية ،
وظهرت له مخايل الاستيلاء على ما بقي من الأندلس ، فراجعها فيما سبق ، وإن كان
التناسب التام في ذكرها هنا فالمناسبة هناك حاصلة أيضا ، والله سبحانه الموفق.
وذكرنا هنالك أيضا
جملة غيرها من كلامه ـ رحمه الله تعالى! ـ تتعلق بهذا المعنى وغيره ، فلتراجع
ثمّة.
ورأيت أن أثبت هنا
ما رأيته بخط الأديب الكاتب الحافظ المؤرخ أبي عبد الله محمد بن الحداد الوادي آشي
نزيل تلمسان رحمه الله تعالى ما صورته : حدثني الفقيه العدل سيدي حسن ابن القائد
الزعيم الأفضل سيدي إبراهيم العراف أنه حضر مرة لإنزال الطّلسم المعروف بفروج
الرواح من العلية بالقصبة القديمة من غرناطة بسبب البناء والإصلاح ، وأنه عاينه من
سبعة معادن مكتوبا فيه : [البسيط]
إيوان غرناطة
الغرّاء معتبر
|
|
طلّسمه بولاة
الحال دوّار
|
وفارس روحه ريح
تدبّره
|
|
من الجماد ، ولكن
فيه أسرار
|
فسوف يبقى قليلا
ثمّ تطرقه
|
|
دهياء يخرب منها
الملك والدّار
|
وقد صدق قائل هذه
الأبيات ، فإنه طرقت الدهياء ذلك القطر الذي ليس له في الحسن مثال ، ونسل الخطب إليه من كل حدب وانثال ، وكل ذلك من اختلاف رؤسائه وكبرائه ، ومقدّميه وقضاته
وأمرائه ووزرائه ، فكلّ يروم الرياسة لنفسه ، ويجر نارها لقرصه ، والنصارى ـ لعنهم
الله تعالى! ـ يضربون بينهم بالخداع والمكر والكيد ، ويضربون عمرا منهم بزيد ، حتى
تمكنوا من أخذ البلاد ، والاستيلاء على الطارف والتلاد ، قال الرائس القاضي العلامة الكاتب الوزير أبو يحيى بن
عاصم رحمه الله تعالى في كتابه «جنة الرضا ، في التسليم لما قدر الله تعالى وقضى»
ما صورة محل الحاجة منه : ومن استقرأ التواريخ المنصوصة ، وأخبار الملوك المقصوصة
، علم أن النصارى ـ دمرهم الله تعالى! ـ لم يدركوا في المسلمين ثارا ، ولم يرحضوا عن أنفسهم عارا ، ولم يخربوا من الجزيرة منازل وديارا ،
ولم يستولوا عليها بلادا جامعة وأمصارا ، إلا بعد تمكينهم لأسباب الخلاف ،
واجتهادهم في وقوع الافتراق بين
__________________
المسلمين
والاختلاف ، وتضريبهم بالمكر والخديعة بين ملوك الجزيرة ، وتحريشهم بالكيد
والخلابة بين حماتها في الفتن المبيرة ، ومهما كانت الكلمة مؤتلفة ، والآراء لا مفترقة ولا
مختلفة ، والعلماء بمعاناة اتفاق القلوب إلى الله مزدلفة ، فالحرب إذ ذاك سجال ، ولله تعالى في إقامة الجهاد في سبيله رجال ، وللممانعة
في غرض المدافعة ميدان رحب ومجال ، وروية وارتجال.
إلى أن قال :
وتطاولت الأيام ما بين مهادنة ومقاطعة ، ومضاربة ومقارعة ، ومنازلة ومنازعة ،
وموافقة وممانعة ، ومحاربة وموادعة ، ولا أمل للطاغية إلا في التمرس بالإسلام
والمسلمين ، وإعمال الحيلة على المؤمنين ، وإضمار المكيدة للموحّدين ، واستبطان
الخديعة للمجاهدين ، وهو يظهر أنه ساع للوطن في العاقبة الحسنى ، وأنه منطو لأهله
على المقصد الأسنى ، ومهتم بمراعاة أمورهم ، وناظر بنظر المصلحة لخاصتهم وجمهورهم
، وهو يسرّ حسوا في ارتغائه ، ويعمل الحيلة في التماس هلك الوطن وابتغائه ، فتبّا
لعقول تقبل مثل هذا المحال ، وتصدق هذا الكذب بوجه أو بحال ، وليت المغرور الذي
يقبل هذا لو فكر في نفسه ، وعرض هذا المسموع على مدركات حسّه ، وراجع أوّليّات
عقله وتجربيات حدسه ، وقاس عدوه الذي لا ترجى مودته على أبناء جنسه ، فأنا أنا شده
الله هل بات قط بمصالح النصارى وسلطانهم مهتما ، وأصبح من خطب طرقهم مغتما ، ونظر
لهم نظر المفكر في العاقبة الحسنة ، أو قصد لهم قصد المدبر في المعيشة المستحسنة ،
أو خطر على قلبه أن يحفظ في سبيل القربة أربابهم وصلبانهم ، أو عمر ضميره من تمكين
عزهم بما ترضاه أحبارهم ورهبانهم ، فإن لم يكن ممن يدين بدينهم الخبيث ، ولم يشرب قلبه حب
التثليث ، ويكون صادق اللهجة ، منصفا عند قيام الحجة ، فسيعترف أن ذلك لم يخطر له
قط على خاطر ولا مر له ببال ، وأن عكس ذلك هو الذي كان به ذا اغتباط وبفعله ذا
اهتبال ، وإن نسب لذلك المعنى فهو عليه أثقل من الجبال ، وأشد على
قلبه من وقع النبال ، هذا وعقده التوحيد ، وصلاته التحميد ، وملته الغراء ،
وشريعته البيضاء ، ودينه الحنيف القويم ، ونبيه الرؤوف الرحيم ، وكتابه القرآن
الحكيم ، ومطلوبه بالهداية الصراط المستقيم ، فكيف نعتقد هذه المريبة الكبرى ،
والمنقبة الشهرى ، لمن
__________________
عقده التثليث ،
ودينه المليث ، ومعبوده التصليب ، وتسميته التصليب ، وملته المنسوخة ، وقضيته
المفسوخة ، وختانه التغطيس ، وغافر ذنبه القسّيس ، وربه عيسى المسيح ، ورأيه ليس البيّن ولا الصحيح ، وأن ذلك الرب قد ضرّج بالدماء ، وسقي
الخل عوض الماء ، وأن اليهود قتلته مصلوبا ، وأدركته مطلوبا ، وقهرته مغلوبا ،
وأنه جزع من الموت وخاف ، إلى سوى ذلك مما يناسب هذه الأقاويل السّخاف ، فكيف يرجي
من هؤلاء الكفرة ، من الخير مقدار الذرّة ، أو يطمع منهم في جلب المنفعة أو دفع
المضرة؟ اللهم احفظ علينا العقل والدين ، واسلك بنا سبيل المهتدين.
ثم قال بعد كلام
ما صورته : كانت خزانة هذه الدار النّصريّة مشتملة على كل نفيسة من الياقوت ،
ويتيمة من الجوهر ، وفريدة من الزمرد ، وثمينة من الفيروزج ، وعلى كل واق من الدروع ، وخام من العدّة ، وماض من الأسلحة ، وفاخر من
الآلة ، ونادر من الأمتعة ، فمن عقود فذة ، وسلوك جمة ،
وأقراط تفضل على قرطي مارية نفاسة فائقة وحسنا رائقا ، ومن سيوف شواذ في الإبداع غرائب في الإعجاب ، منسوبات الصفائح في الطبع ، خالصات
الحلى من التبر ، ومن دروع مقدّرة السّرد ، متلاحمة النسج ، واقية للناس
في يوم الحرب ، مشهورة النسبة إلى داود نبي الله ، ومن جواشن سابغة اللبسة ، ذهبية الحلية ، هندية الضرب ، ديباجية الثوب ، ومن بيضات
عسجدية الطرق ، جوهرية التنضيد ، زبرجدية التقسيم ، ياقوتية المركز ،
ومن مناطق لجينية الصّوغ ، عريضة الشكل ، مزججة الصفح ، ومن درق لمطية ، مصمتة المسام ، لينة المجسة ، معروفة المنعة ، صافية
الأديم ، ومن قسيّ ناصعة الصبغة ، هلالية الخلقة ، منعطفة الجوانب ، زارية
بالحواجب ، إلى آلات فاخرة من أوتار نحاسية ، ومنابر بلورية ، وطيافير دمشقية ، وسبحات زجاجية ، وصحاف صينية ، وأكواب عراقية ، وأقداح
طباشيرية ، وسوى ذلك مما لا يحيط به الوصف ، ولا يستوفيه العد ، وكل ذلك التهبه
شواظ الفتنة ، والتقمه تيار الخلاف والفرقة ، فرزئت الدار منه بما يتعذر إتيان
الدهور
__________________
بمثله ، وتقصر
ديار الملوك المؤثلة النعمة عن بعضه فضلا عن كله ، انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
رجع : ولما أخذت
قواعد الأندلس مثل قرطبة وإشبيلية وطليطلة ومرسية وغيرها انحاز أهل الإسلام إلى
غرناطة والمرية ومالقة ونحوها ، وضاق الملك بعد اتساعه ، وصار تنين العدوّ يلتقم
كل وقت بلدا أو حصنا ، ويهصر من دوح تلك البلاد غصنا ، وملك هذا النزر اليسير
الباقي من الجزيرة ملوك بني الأحمر ، فلم يزالوا مع العدوّ في تعب وممارسة كما
ذكره ابن عاصم قريبا ، وربما أثخنوا في الكفار كما علم في أخبارهم ، وانتصروا
بملوك فاس بني مرين ، في بعض الأحايين.
ولما قصد ملوك
الإفرنج السبعة في المائة الثامنة غرناطة ليأخذوها اتفق أهلها على أن يبعثوا لصاحب
المغرب من بني مرين يستنجدونه ، وعينوا للرسالة الشيخ أبا إسحاق بن أبي العاص
والشيخ أبا عبد الله الطنجالي والشيخ ابن الزيات البلشي. نفع الله تعالى بهم! ثم
بعد سفرهم نازل الإفرنج غرناطة بخمسة وثلاثين ألف فارس ونحو مائة ألف راجل مقاتل ،
ولم يوافقهم سلطان المغرب ، فقضى الله تعالى ببركة المشايخ الثلاثة أن كسر النصارى
في الساعة التي كسر خواطرهم فيها صاحب المغرب ، وظهرت في ذلك كرامة لسيدي أبي عبد الله الطنجالي رحمه
الله تعالى!.
ثم إن بني الأحمر
ملوك الأندلس الباقية بعد استيلاء الكفار على الجل كانوا في جهاد وجلاد في غالب
أوقاتهم ، ولم يزل ذلك شأنهم حتى أدرك دولتهم الهرم الذي يلحق الدول ، فلما كان
زمان السلطان أبي الحسن علي بن سعد النّصري الغالبي الأحمري ، واجتمعت الكلمة عليه
بعد أن كان أخوه أبو عبد الله محمد بن سعد المدعوّ بالزّغل قد بويع بمالقة ، بعد أن جاء به [بعض] القوّاد من عند النصارى وبقي بمالقة برهة من الزمان ، ثم ذهب إلى أخيه ، وبقى من بمالقة من القوّاد والرؤساء فوضى ، وآل الحال إلى أن قامت مالقة بدعوة
السلطان أبي الحسن ، وانقضت الفتنة ، واستقلّ السلطان أبو الحسن بملك ما بقي بيد
المسلمين من بلاد الأندلس ، وجاهد المشركين ، وافتتح عدّة أماكن ، ولاحت له بارقة
الكرة على العدوّ الكافر ، وخافوه ، وطلبوا هدنته ، وكثرت جيوشه ، فأجمع على عرضها
كلها بين يديه ، وأعدّ لذلك
__________________
مجلسا أقيم له
بناؤه خارج الحمراء قلعة غرناطة ، وكان ابتداء هذا العرض يوم الثلاثاء تاسع عشر
الحجة عام اثنين وثمانين وثمانمائة ، ولم تزل الجنود تعرض عليه كل يوم إلى الثاني
والعشرين من محرم السنة التي تليها ، وهو يوم ختام العرض ، وكان معظم المتنزهين
والمتفرجين بالسبيكة ، وما قارب ذلك ، فبعث الله تعالى سيلا عرما على وادي حدرة
بحجارة وماء غزير كأفواه القرب ، عقابا من الله سبحانه وتأديبا لهم لمجاهرتهم
بالفسق والمنكر ، واحتمل الوادي ما على حافتيه من المدينة من حوانيت ودور ومعاصر
وفنادق وأسواق وقناطر وحدائق ، وبلغ تيار السيل إلى رحبة الجامع الأعظم ، ولم يسمع
بمثل هذا السيل في تلك البلاد ، وكان بين رؤساء الإفرنج في ذلك الوقت اختلاف ،
فبعضهم استقل بملك قرطبة ، وبعض بإشبيلية ، وبعض بشريش ، وعلى ذلك كان صاحب غرناطة
السلطان أبو الحسن قد استرسل في اللذات ، وركن إلى الراحات ، وأضاع الأجناد ،
وأسند الأمر إلى بعض وزرائه ، واحتجب عن الناس ، ورفض الجهاد والنظر في الملك ،
ليقضي الله تعالى ما شاء ، وكثرت المظالم والمغارم ، فأنكر الخاصة والعامة ذلك منه ، وكان أيضا قد قتل كبار
القواد وهو يظن أن النصارى لا يغزون بعد البلاد ، ولا تنقضي بينهم الفتنة ولا ينقطع الفساد ، واتفق
أن صاحب قشتالة تغلب على بلادها بعد حروب ، وانقاد له رؤساء الشرك المخالفون ،
ووجدت النصارى السبيل إلى الإفساد ، والطريق إلى الاستيلاء على البلاد ، وذلك أن
كان للسلطان أبي الحسن ولدان محمد ويوسف وهما من بنت عمه السلطان أبي عبد الله
الأيسر ، وكان قد اصطفى على أمهما رومية كان لها منه بعض ذرية ، وكان حظية عنده مقدمة في كل قضية ، فخيف أن يقدم أولاد الرومية ، على
أولاد بنت عمه السنية ، وحدث بين خدّام الدولة التنافر والتعصب ، لميل بعضهم إلى
أولاد الحرة ، وبعض إلى أولاد الرومية ، وكان النصارى أيام الفتنة بينهم هادنوا
السلطان لأمد حدّوه وضربوه ، ولما تم أمد الصلح وافق وقته هذا الشأن بين أولياء
الدولة بسبب الأولاد ، وتشكى الناس مع ذلك بالوزراء والعمال لسوء ما عاملوا به الناس من
__________________
الحيف والجور ، فلم يصغ إليهم ، وكثر الخلاف واشتدّ الخطب ، وطلب الناس
تأخير الوزير ، وتفاقم الأمر ، وصح عند النصارى ـ لعنهم الله تعالى! ضعف الدولة
واختلاف القلوب ، فبادروا إلى الحامة فأخذوها غدرا آخر أيام الصلح على يد صاحب قادس سنة سبع
وثمانين وثمانمائة ، وغدوا للقلعة ، وتحصنوا بها ، ثم شرعوا في أخذ البلد ، فملؤوا
الطرق خيلا ورجالا ، وبذلوا السيف فيمن ظهر من المسلمين ، ونهبوا الحريم ، والناس
في غفلة نيام من غير استعداد كالسكارى ، فقتل من قضى الله تعالى بتمام أجله ، وهرب
البعض ، وترك أولاده وحريمه ، واحتوى العدوّ على البلد بما فيه ، وخرج العامة
والخاصة من أهل غرناطة عند ما بلغهم العلم ، وكان النصارى عشرة آلاف بين ماش وفارس
، وكانوا عازمين على الخروج بما غنموه ، وإذا بالسرعان من أهل غرناطة وصلوا ، فرجع العدو إلى البلد ، فحاصرهم
المسلمون ، وشدّدوا في ذلك ، ثم تكاثر المسلمون خيلا ورجالا من جميع بلاد الأندلس
، ونازلوا الحامة ، وطمعوا في منع الماء عن العدوّ ، وتبين للعامة أن الجند لم
ينصحوا ، فأطلقوا ألسنتهم بأقبح الكلام فيهم وفي الوزير ، وبينما هم كذلك وإذا بالنذير جاء أن النصارى أقبلوا في جميع عظيم لإغاثة من بالحامة من النصارى ، فأقلع جند المسلمين من
الحامة ، وقصدوا ملاقاة الواردين من بلاد العدو ، ولما علم بهم العدو ولّوا
الأدبار من غير ملاقاة محتجين بقلتهم ، وكان رئيسهم صاحب قرطبة.
ثم إن صاحب
إشبيلية جمع جندا عظيما من جيش النصارى الفرسان والرجالة ، وأتى لنصرة من في الحامة من النصارى ، وعند ما صح هذا
عند العسكر اجتمعوا ، وأشاعوا عند الناس أنهم خرجوا بغير زاد ولا استعداد ، والصلاح الرجوع إلى
غرناطة ليستعد الناس ويأخذوا ما يحتاج إليه الحصار من العدة والعدد ، فعندما أقلع
المسلمون عنها دخلتها النصارى الواردون ، وتشاوروا في إخلائها أو سكناها ،
واتفقوا على الإقامة بها ، وحصنوها ، وجعلوا فيها جميع ما يحتاج إليه ، وانصرف
صاحب إشبيلية ، وترك أجناده ، وفرق فيهم
__________________
الأموال ، ثم عاد
المسلمون لحصارها ، وضيقوا عليها ، وطمعوا فيها من جهة موضع كان النصارى في غفلة
عنه ، ودخل على النصارى جملة وافرة من المسلمين ، وخاب السعد بذلك بأن شعر بهم
النصارى ، فعادوا عليهم ، وتردّى بعضهم من أعلى الجبل ، وقتل أكثرهم ، وكانوا من
أهل بسطة ووادي آش ، فانقطع أمل الناس من الحامة ، ووقع الإياس من ردها.
وفي جمادى الأولى
من السنة تواترت الأخبار أن صاحب قشتالة أتى في جنود لا تحصى ولا تحصر ، فاجتمع
الناس بغرناطة ، وتكلموا في ذلك ، وإذا به قد قصد لوشة ونازلها قصدا أن يضيفها إلى
الحامة ، وجاء بالعدة والعدد ، وأغارت على النصارى جملة من المسلمين ، فقتلوا من
لحقوه ، وأخذوا جملة من المدافع الكبار ، ثم جاءت جماعة أخرى من أهل غرناطة ،
وناوشوا النصارى ، فالجؤوهم إلى الخروج عن الخيام ، وأخذوها وغيرها
، فهرب النصارى ، وتركوا طعاما كثيرا وآلة ثقيلة ، وذلك في السابع والعشرين
من جمادى الأولى من السنة المذكورة.
وفي هذا اليوم
بعينه هرب الأميران أبو عبد الله محمد وأبو الحجاج يوسف خوفا من أبيهما أن يفتك
بها بإشارة حظيته الرومية ثريّا ، واستقرا بوادي آش ، وقامت بدعوتهما ، ثم
بايعتهما تلك البلاد المرية وبسطة وغرناطة ، وهب أبوهما السلطان أبو الحسن إلى
مالقة.
وفي صفر سنة ثمان
وثمانين وثمانمائة اجتمع جميع رؤساء النصارى ، وقصدوا قرى مالقة وبلش ، في نحو
الثمانية آلاف ، وفيهم صاحب إشبيلية وصاحب شريش وصاحب إستجة وصاحب أنتقيرة وغير هم ، فلم يتمكنوا من أخذ حصن ، ونشبوا في أوعار ومضايق وخنادق وجبال ، واجتمع عليهم أهل بشل ومالقة ، وصار
المسلمون ينالون منهم في كل محل ، حتى بلغوا مالقة ، ففر كبيرهم ، ومن بقي أسر أو
قتل ، وكان السلطان أبو الحسن في ذلك الوقت قد تحرك لنواحي المنكب ، وبقي أخوه أبو
عبد الله بمالقة ومعه بعض الجند ، وقتل من النصارى في هذه الوقعة نحو ثلاثة آلاف ،
وأسر نحو ألفين من جملتها خال السلطان وصاحب إشبيلية وصاحب شريش وصاحب أنتقيرة وغيرهم ، وهم نحو الثلاثين من الأكابر ، وغنم المسلمون
غنيمة وافرة من الأنفس والأموال والعدة والذهب والفضة ، وبعقب ذلك سافر أهل مالقة
لبلاد النصارى ، فكسروا هنالك كسرة شنيعة قتل فيها أكثر قواد غرب الأندلس.
__________________
ولما استقر
السلطان أبو عبد الله بن السلطان أبي الحسن بغرناطة وطاعت له البلاد غير مالقة
والغربية تحرك السلطان أبو الحسن على المنكب ونواحيها ، وأتى ابنه السلطان أبو عبد
الله في جند غرناطة والجهة الشرقية ، والتقوا في موضع يعرف بالدب ، فكسر السلطان
أبو عبد الله.
ولما سمع السلطان
أبو عبد الله صاحب غرناطة بأن عمه بمالقة غنم من النصارى أعمل السفر للغزو بأهل
بلاده من غرناطة والشرقية ، وذلك في ربيع الأول من السنة ، إلى أن بلغ نواحي لشانة
، وقتل وأسر وغنم ، فتجمعت عليه النصارى من جميع تلك النواحي ومعه كبير قبرة ، وحالوا بين المسلمين وبلادهم في جبال وأوعار ، فانكسر
الجند ، وأسر من الناس كثير وقتل آخرون ، وكان في جملة من أسر السلطان أبو عبد
الله ، ولم يعرف ، ثم علم به صاحب لشانة ، وأراد صاحب قبرة أن يأخذه منه ، فهرب به
ليلا ، وبلغه إلى صاحب قشتالة ، ونال بذلك عنده رفعة على جميع القواد ، وتفاءل به
، فقلما توجه لجهة أو بعث سريّة إلا وبعثه فيها.
ولما أسر السلطان
أبو عبد الله اجتمع كبراء غرناطة وأعيان الأندلس ، وذهبوا لمالقة للسلطان أبي
الحسن ، وذهبوا به لغرناطة ، وبايعوه ، مع أنه كان أصابه مثل الصّرع إلى أن ذهب
بصره ، وأصابه ضرر ، ولما تعذر أمره قدم أخاه أبا عبد الله ، وخلع له نفسه ، ونزل
بالمنكب ، فأقام بها إلى أن مات ، واستقل أخوه أبو عبد الله المعروف بالزّغل
بالملك بعده.
وأما أبو عبد الله
ابن السلطان أبي الحسن فهو في أسر العدو.
وفي شهر ربيع
الآخر من سنة تسعين وثمانمائة خرج العدو في قوة إلى نواحي مالقة ، بعد أن كان في
السنة قبلها استولى على حصون ، فاستولى هذه السنة على بعض الحصون ، وقصد ذكوان ، فهد أسوارها ، وكان بها جملة من أهل الغربية ،
ورندة ، ودخل ألف مدرع ذكوان عنوة ، فأظفر الله تعالى بهم أهل ذكوان ، فقتلوهم جميعا ، ثم
طلبوا الأمان وخرجوا.
ثم انتقل في جمادى
الأولى إلى رندة وحاصرها ، وكان أهلها خرجوا إلى نصرة ذكوان وسواها ، فحاصر رندة
وهدّ أسوارها ، وخرج أهلها على الأمان ، وطاعت له جميع تلك البلاد ، ولم يبق بغربي
مالقة إلا من دخل في طاعة الكافر وتحت ذمته ، وضيق بمالقة ، وفرق
__________________
حصصه على بعض الحصون ليحاصروا مالقة ، وعاد إلى بلاده.
وفي تاسع عشر
شعبان من العام سافر صاحب غرناطة لتحصين بعض البلاد ، وبينما هو كذلك إذا بالخبر
جاءه أن محلة العدو خارجة لذلك الحصن.
وفي صبيحة الثاني
والعشرين من شعبان أصبحت جنود النصارى على الحصن ، كانوا قد سروا إليه ليلا ، وأصبحوا عند الفجر مع جند المسلمين ، فقاتلهم
المسلمون من غير تعبية ، فاختل نظام المسلمين ، ووصل النصارى إلى خباء السلطان ،
ثم التحم القتال واشتد ، وقوّى الله تعالى المسلمين فهزموا النصارى شرّ هزيمة ،
وقتل منهم خلائق ، وقصر المسلمون خوفا من محلة سلطان النصارى إذ كانت قادمة في أثر
هذه ، ولما رجعت إليهم الفلول رجعوا القهقرى ، واستولى المسلمون على غنائم كثيرة وآلات ،
وجعلوا ذلك كله بالحصن ، ولم يحدث شيء بعد إلى رمضان ، فتوجه الكافر لحصن قنبيل ونازله وهدّ أسواره ، ولما رأى المسلمون أن الحصن قد دخل
طلبوا الأمان ، وخرجوا بأموالهم وأولادهم مؤمنين ، وفر الناس من تلك المواضع من
البراجلة هاربين ، واستولى العدو على عدة حصون مثل مشاقر وحصن اللوز ، وضيق العدو
بجميع بلاد المسلمين ، ولم يتوجه لناحية إلا استأصلها ، ولا قصد جهة إلا أطاعته
وحصلها ، ثم إن العدوّ دبّر الحيلة مع ما هو عليه من القوة ، فبعث إلى السلطان أبي
عبد الله الذي تحت أسره وكساه ووعده بكل ما يتمناه ، وصرفه لشرقي بسطة ، وأعطاه
المال والرجال ، ووعده أن من دخل تحت حكمه من المسلمين وبايعه من أهل البلاد فإنه
في الهدنة والصلح والعهد والميثاق الواقع بين السلاطين ، وخرج لبلش فأطاعه أهلها ، ودخلت بلش في طاعته ، ونودي
بالصلح في الأسواق ، وصرخت به في تلك البلاد الشياطين ، وسرى هذا الأمر حتى بلغ
أرض البيازين من غرناطة ، وكانوا من التعصب وحمية الجاهلية والجهل بالمقام الذي لا
يخفى ، وتبعهم بعض المفسدين المحبين تفريق كلمة المسلمين ، وممن مال إلى الصلح عامة غرناطة لضعف
الدولة ، ووسوس للناس شياطين الفتنة وسماسرتها بتقبيح وتحسين ، إلى أن قام ربض
البيازين بدعوة السلطان الذي كان مأسورا عند المشركين ، ووقعت فتنة عظيمة في
غرناطة نفسها بين المسلمين لما أراده الله تعالى من استيلاء العدو على تلك
__________________
الأقطار ، ورجموا
البيازين بالحجارة من القلعة ، وعظم الخطب ، وكانت الثورة ثالث شهر ربيع الأول عام أحد وتسعين
وثمانمائة ، ودامت الفتنة إلى منتصف جمادى الأولى من العام ، وبلغ الخبر أن
السلطان الذي قاموا بدعوته قدم على لوشة ودخلها على وجه رجاء الصلح بينه وبين عمه
الزّغل صاحب قلعة غرناطة ، بأن العم يكون له الملك ، وابن أخيه تحت إيالته بلوشة
أو بأي المواضع أحب ، ويكونون يدا واحدة على عدوّ الدين ، وبينما هم كذلك إذا بصاحب قشتالة قد خرج بجند عظيم ومحلة قوية وعدد وعدد ،
ونازل لوشة حيث السلطان أبو عبد الله الذي كان أسيرا ، وضيق عليها الحصار ، وقد كان دخلها جماعة من أهل البيازين بنية الجهاد
والمعاضدة وليهم ، وخاف أهل غرناطة وسواها من أن يكون ذلك حيلة ، فلم يأت
لنصرتهم غير البيازين ، واشتد عليهم الحصار ، وكثرت الأقاويل ، وصرحت الألسن بأن
ذلك باتفاق بين السلطان المأسور وصاحب قشتالة ، ودخل على أهل لوشة في ربضهم ،
وخافوا من الاستئصال ، فطلبوا الأمان في أموالهم وأنفسهم وأهليهم ، فوفى لهم صاحب
قشتالة بذلك ، وأخذ البلد في السادس والعشرين لجمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وثمانمائة
، وهي ـ أعني لوشة ـ كانت بلد سلف الوزير لسان الدين بن الخطيب ، كما ذكرناه
مستوفى في غير هذا الموضع ، وهاجر أهل لوشة إلى غرناطة ، وبقي السلطان أبو عبد
الله الذي كان مأسورا مع النصراني بلوشة ، فصرح عند ذلك أهل غرناطة بأنه ما جاء
للوشة إلا ليدخل إليها العدو الكافر ، ويجعلها فداء له ، وقيل : إنه سرّح له حينئذ ابنه إذ كان مرهونا في الفداء ، وكثر القيل
والقال بينهم وبين أهل البيازين في ذلك ، وظهر بذلك ما كان كامنا في القلوب ، ثم
رجع صاحب قشتالة إلى بلاده ومعه السلطان المذكور.
وفي نصف جمادى
الثانية خرج إلى إلبيرة فهد بعض الأسوار ، وتوعد الناس ، فأعطاه أهله الحصن على
الأمان ، فخرجوا وقدموا على غرناطة ، ثم فعل بحصن التلين مثل ذلك ، وقاتلوا قتالا شديدا ، ولما ضاقوا ذرعا أعطوه
بالمقادة على الأمان ، فخرجوا إلى غرناطة وأطاع أهل قلنبيرة من غير قتال ، فخرجوا
إلى غرناطة ثم وصل العدو إلى منت فريد ، فرمى عليهم بالمحرقات وغيرها ، وأحرق دار العدة ، فطلبوا
الأمان وخرجوا إلى غرناطة ، وانتقل للصخرة فأخذها ، وحصّن هذه الحصون كلها ،
وشحنها بالرجال والعدة ، ورتب فيها الخيل لمحاصرة
__________________
غرناطة ، ثم عاد
الكافر لبلاده ، وتعاهد مع السلطان الذي في أسره بأن من دخل في حكمه وتحت أمره فهو
في الأمان التام ، وأشاعوا أن ذلك بسبب فتنة وقعت بينه وبين صاحب إفرنسية ، فخرج
لبلش وأطاعته ، ثم بعث لمن والاه من البلاد أنه أتى بصلح صحيح وعقد وثيق ، وأن من
دخل تحت أمره أمن من حركة النصارى عليه ، وأن معه وثائق بخطوط السلاطين ، فلم يقبل
الناس ذلك ، إلا القليل منهم مثل أهل البيازين ، فلهجوا بهذا الصلح ، وأقاموا على
صحته الدلائل ، وتكلموا في أهل غرناطة بالكلام القبيح ، مع تمكن الفتنة والعداوة
في القلوب ، فبعث له أهل البيازين أنه إذا قدم بهذه الحجج لتلك الجهات اتبعه الناس
، وقاموا بدعوته من غير التباس ، فأتى على حين غفلة ، ولم يكن يظن إتيانه بنفسه ،
فأتى البيازين ودخلها ونادى في أسواقها بالصلح التام الصحيح ، فلم يقبل ذلك منه
أهل غرناطة ، وقالوا : ما بعهد لوشة من قدم ، ودخل ربض البيازين بالرجال سادس شوال سنة إحدى وتسعين وثمانمائة ، وعمه بالحمراء ،
وانتقل للقلعة ، واشتد أمر الفتنة ، ثم إن صاحب قشتالة أمدّ صاحب البيازين بالرجال
والعدة والمال والقمح والبارود وغيرها ، واشتد أمره بذلك ، وعظمت أسباب الفتنة ،
وفشا في الناس القتل والنهب ، ولم يزل الأمر كذلك إلى السابع والعشرين من محرم سنة
اثنتين وتسعين وثمانمائة ، فعزم أهل غرناطة مع سلطانهم على الدخول على البيازين
عنوة ، وتكلم أهل العلم فيمن انتصر بالنصارى ووجوب مدافعته ، ومن أطاعه عصى الله
ورسوله ، ودخلوا على أهل البيازين دخول فشل ، ثم إن صاحب غرناطة بعث إلى الأجناد
والقواد من أهل بسطة ووادي آش والمرية والمنكب وبلش ومالقة وجميع الأقطار ، وتجمعوا بغرناطة ، وتعاهدوا ، وتحالفوا على أن يدهم
واحدة على أعداء الدين ، ونصرة من قصده العدوّ من المسلمين ، وخاف صاحب البيازين
فبعث لصاحب قشتالة في ذلك فخرج بمحلته قاصدا نواحي بلش ، وكان صاحب البيازين بعث وزيره إلى ناحية
مالقة وإلى حصن المنشأة يذكر ويخوف ، ومعه النسخة من عقود الصلح ، فقامت مالقة
وحصن المنشأة بدعوته ، ودخلوا في إيالته خوفا من صاحب قشتالة وصولته ، وطمعا في
الصلح وصحته ، ثم اجتمع كبار مالقة مع أهل بلش وذكروا لهم سبب دخولهم في هذه الدعوة
، والسبب الحامل لهم على ذلك ، فلم
__________________
يرجع أهل بلش عما
عاهدوا عليه أهل غرناطة وسائر الأندلس من العهود والمواثيق.
وخرج صاحب قشتالة
قاصدا بلش مالقة ، ونزل عليها في ربيع الثاني سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وحاصرها
، ولما صح عند صاحب غرناطة ذلك اجتمع بالناس ، فأشاروا بالمسير لإغاثة بلش للعهد الذي عقدوه ، وأتى أهل وادي آش وغيرها وحشود البشرات
، وخرج صاحب غرناطة منها في الرابع والعشرين لربيع الثاني من السنة ، ووصل بلش ،
فوجد العدو نازلا عليها برا وبحرا ، فنزل بجبل هنالك ، وكثر لغط الناس ، وحملوا على النصارى من غير تعبية ، وحين حركتهم للحملة بلغ الزّغل أن غرناطة بايعت صاحب البيازين ، فالتقوا مع النصارى فشلين
وقبل الالتحام انهزموا ، وتبددت جموعهم مع كون النصارى خائفين وجلين منهم ولا حول
ولا قوة إلا بالله ، فرجعوا منهزمين ، وقد شاع عند الخواص ثورة غرناطة على السلطان
، فقصدوا وادي آش ، وعاد النصارى إلى بلش بعد أن كانوا رتبوا جيوشهم للقاء السلطان
، وأهل غرناطة ، فلما عادوا إلى بلش دخلوا عنوة ربضها ، وضيقوا بها ، وكانت ثورة
غرناطة خامس جمادى الأولى.
ولما رأى أهل بلش
تكالب العدو عليهم وإدبار جيوش المسلمين عنهم طلبوا الأمان ، فخرجوا يوم الجمعة
عاشر جمادى الأولى من السنة ، وأطاعت النصارى جميع البلاد التي بشرقي مالقة وحصن
قمارش.
ثم انتقل العدو
إلى حصار مالقة ، وكان أهل مالقة قد دخلوا في الصلح وأطاعوا صاحب البيازين ، وأتى
إليها النصارى بالميرة ، ولما نزل بلش بعثوا هدية لصاحب قشتالة مع قائدهم وزير
صاحب البيازين وقائد شريش الذي كان مأسورا عندهم ، فلم يلتفت إليهم صاحب قشتالة
لقيام جبل فاره وهو حصن مالقة بدعوة صاحب وادي آش ، وارتحل صاحب قشتالة إلى مالقة
ونازلها برا وبحرا ، وقاتله أهلها قتالا عظيما بمدافعهم وعدتهم وخيلهم ورجلهم ، وطال الحصار حتى أداروا على مالقة من البر الخنادق
والسور والأجفان من البحر ، ومنع الداخل إليها ولم يدخلها غير جماعة من المرابطين
حال الحصار ، وحاربوا حربا شديدا ، وقربوا المدافع ودخلوا الأرباض ، وضيقوا عليهم
بالحصار إلى أن فني ما عندهم من الطعام فأكلوا المواشي
__________________
والخيل والحمير ،
وبعثوا الكتب للعدوتين وهم طامعون في الإغاثة فلم يأت إليهم أحد ، وأثر فيهم الجوع
، وفشا في أهل نجدتهم القتل ، ولم يظهروا مع ذلك هلعا ولا ضعفا ، إلى أن ضعف حالهم ، ويئسوا من ناصر أو مغيث من
البر والبحر فتكلموا مع النصارى في الأمان كما وقع ممن سواهم ، فعوتبوا على ما صدر
منهم وما وقع من الجفاء ، وقيل لهم لما تحقق العدو التجاءهم : تؤمّنون من الموت ،
وتعطون مفتاح القلعة والحصن ، والسلطان ما يعاملكم إلا بالخير إذا
فعلتم ، وهذا خداع من الكفار ، فلما تمكن العدو منهم أخذهم أسرى ، وذلك أواخر
شعبان سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة ، ولم يبق في تلك النواحي موضع إلا وملكه
النصارى.
وفي عام ثلاثة
وتسعين وثمانمائة خرج العدوّ الكافر إلى الشرقية وبلش التي كانت في الصلح ،
فاستولى عليها ، واحتجوا بالصلح ، فلم يلتفت إليهم ، وأخذ تلك البلاد كلها صلحا ،
ثم رجع لبلاده.
وفي عام أربعة
وتسعين [وثمانمائة] خرج لبعض حصون بسطة فأخذها بعد حرب ، واستولى على ما هنالك
من الحصون ، ثم نازل بسطة ، وكان صاحب وادي آش لما تعين العدوّ بمحلته بعث جميع
جنده وقوّاده ، وحشد أهل نجدة تلك البلاد من وادي آش والمرية والمنكّب والبشرات ، فلما نزل العدوّ بسطة أتت الحشود المذكورة
ودخلوها ووقعت بين المسلمين والنصارى حروب عظيمة حتى تقهقر العدوّ عن قرب بسطة ،
ولم يقدر على منع الداخل والخارج ، وبقي الأمر كذلك رجبا وشعبان ورمضان ، ومحلات
المسلمين نازلة خارج البلد ، ثم إن العدوّ شدّ الحصار وجدّ في القتال ، وقرب
المدافع والآلات من الأسوار حتى منع الداخل والخارج بعض منع ، واشتد الحال في
القعدة والحجة وقل الطّعام ، وفي آخر الحجة اختبروا الطعام في خفية فلم يجدوا إلا القليل ، وكانوا
طامعين في إقلاع العدوّ عند دخول فصل الشتاء ، وإذا بالعدو بنى وعزم على الإقامة ،
وقوي اليأس على المسلمين ، فتكلموا في الصلح على ما فعل غير هم من الأماكن ، وظن
العدوّ أن الطعام لم يبق منه شيء ، وأن ذلك هو
__________________
الملجئ لهم للكلام
، وفهموا عنه ذلك ، فاحتالوا في إظهار جميع أنواع الطعام بالأسواق ، وأبدوا للعدوّ
القوّة مع كونهم في غاية الضعف ، والحرب خدعة ، فدخل بعض كبار النصارى للتكلم معهم وهو عين ليرى ما عليه
البلد وما صفة الناس ، وعند تحققهم بقاء الطعام والقوّة أعطوهم الأمان على أنفسهم
دون من أعانهم من أهل وادي آش والمنكب والمرية والبشرات ، فإن دفعوا هؤلاء عنهم صح
لهم الأمان ، وإلا فلا ، فلم يوافق أهل البلد على هذا ، وطال الكلام ، وخاف أهل
البلد من كشف الستر ، فاتفقوا على أن تكون العقدة على بسطة ووادي آش والمرية
والمنكب والبشرات ، ففعلوا ذلك ، ودخل جميع هؤلاء في طاعة العدوّ على شروط شرطوها
وأمور أظهروا بعضها للناس وبعضها مكتوم ، وقبض الخواص مالا ، وحصلت لهم فوائد.
وفي يوم الجمعة
عاشر محرم سنة خمس وتسعين وثمانمائة دخل النصارى قلعة بسطة ، وملكوها ، ولم يعلم
العوام كيفية ما وقع عليه الشرط والالتزام ، وقالوا لهم : من بقي بموضعه فهو آمن ،
ومن انصرف خرج بماله وسلاحه سالما ، ثم أخرج العدوّ الملسمين؟؟؟؟؟ من البلد ،
وأسكنهم بالرّبض خوف الثورة ، ثم ارتحل العدوّ للمرية ، وأطاعته جميع تلك البلاد ،
ونزل صاحب وادي آش للمرية ليلقاه بها فلقيه وأخذ الحصون والقلاع والبروج ، وبايع
له السلطان أبو عبد الله على أن يبقى تحت طاعته في البلاد التي تحت حكمه كما أحب ،
فوعده بذلك ، وانصرف معه إلى وادي آش ، ومكنه من قلعتها أوائل صفر من العام
المذكور ، وأطاعته جميع البلاد ، ولم يبق غير غرناطة وقراها ، وجميع ما كان في حكم
صاحب وادي آش صار للنصارى في طرفة عين ، وجعل في كل قلعة قائدا نصرانيا ، وكان
قائد من المسلمين أصحاب هذه البلاد دفع لهم الكفار مالا من عند صاحب قشتالة إكراما
منه لهم بزعمهم ، فتبّا لعقولهم ، وما ذلك منه إلا توفير لرجاله وعدّته ودفع بالتي هي أحسن
، ثم أخذ برج الملاحة وغيره ، وبناه وحصنه ، وشحن الجميع بالرجال والذخيرة ، وأظهر
الصحبة والصلح مع صاحب وادي آش ، وأباح الكلام بالسوء في حق صاحب غرناطة مكرا منه
وخداعا ودهاء ، ثم بعث في السنة نفسها رسلا لصاحب غرناطة أن يمكنه من الحمراء كما
مكنه عمه من القلاع والحصون ، ويكون تحت
__________________
إيالته ، ويعطيه
مالا جزيلا على ذلك ، وأي بلاد شاء من الأندلس يكون فيها تحت حكمه ، قالوا :
وأطعمه صاحب غرناطة في ذلك ، فخرج العدو في محلاته لقبض الحمراء والاستيلاء على
غرناطة ، وهذا في سر بين السلطانين ، فجمع صاحب غرناطة الأعيان والكبراء والأجناد
والفقهاء والخاصة والعامة وأخبرهم بما طلب منه العدو ، وأن عمه أفسد عليه الصلح
الذي كان بينه وبين صاحب قشتالة بدخوله تحت حكمه ، وليس لنا إلا إحدى خصلتين :
الدخول في طاعته ، أو القتال ، فاتفق الرأي على الجهاد والوفاء بما عقده من
صلح ، وخرج بمحلته. ثم إن صاحب قشتالة نزل على مرج غرناطة ، وطلب من أهل غرناطة
الدخول في طاعته ، وإلا أفسد عليهم زروعهم ، فأعلنوا بالمخالفة ، فأفسد الزرع ،
وذلك في رجب سنة خمس وتسعين ، وثمانمائة ووقعت بين المسلمين والعدو حروب كثيرة ،
ثم ارتحل العدو عند الإياس منهم ذلك الوقت ، وهدم بعض حصون ، وأصلح برج همدان
والملاحة ، وشحنهما بما ينبغي ، ثم رجع إلى بلاده ، وعند انصرافه نزل صاحب غرناطة
بمن معه إلى بعض الحصون التي في يد النصارى ففتحها عنوة ، وقتل من فيها من النصارى ، وأسكنها المسلمين ، ورجع
لغرناطة ، ثم أعمل الرحلة إلى البشرات في رجب المذكور ، فأخذ بعض القرى ، وهرب من
بها من النصارى والمرتدين أصحابهم ، ثم أتى حصن أندرش فتمكن منه ، وأطاعته البشرات
، وقامت دعوة الإسلام بها ، وخرجوا عن ذمة النصارى ، وهنالك عمه أبو عبد الله محمد
بن سعد بجملة وافرة ، فقصدهم في شعبان من غرناطة ، واستقر عمه بالمرية ، وأطاعت
صاحب غرناطة جميع البشرات إلى برجة ، ثم تحرك عمه مع النصارى إلى أندرش فأخذها
لرمضان ، وخرج صاحب غرناطة لقرية همدان ، وكان برجها العظيم مشحونا بالرجال والعدة
والطعام ، فحاصره أهل غرناطة ، ونصبوا عليه أنواعا من الحرب ، ومات به خلق كثير
منهم ، ونقبوا البرج الأول والثاني والثالث ، وألجؤوهم للبرج الكبير ، وهو القلعة
، فنقبوها ثم أسروا من كان بها ، وهم ثمانون ومائة ، واحتووا على ما هنالك من عدة
وآلات حرب.
وفي آخر رمضان خرج
صاحب غرناطة بقصد المنكب ، فلما وصل حصن شلوبانية نزله ، وأخذه عنوة بعد حصاره ،
وامتنعت القلعة ، وجاءتهم الأمداد من مالقة بحرا فلم
__________________
تقدر على شيء ،
وضيقوا بالقلعة ، فوصلهم الخبر أن صاحب قشتالة خرج بمحلته لمرج غرناطة ، فارتحل صاحب غرناطة عن
قلعة شلوبانية ، وجاء غرناطة ثالث شوال ، وبعد وصولهم غرناطة وصل العدو إلى المرج
ومعه المرتدون والمدجنون ، وبعد ثمانية أيام ارتحل العدو لبلاده بعد هدم برج
الملاحة وإخلائه وبرج آخر ، وتوجه إلى وادي آش ، فأخرج المسلمين منها ، ولم يبق
بها مسلم في المدينة ولا الرّبض ، وهدم قلعة أندرش ، وحاف على البلاد ، ولما رأى ذلك السلطان الزّغل وهو أبو عبد الله محمد بن
سعد عم سلطان غرناطة همّ بالجواز لبر العدوة فجاز لوهران ، ثم لتلمسان ، واستقر بها
، وبها نسله إلى الآن يعرفون ببني سلطان الأندلس ، ودخل صاحب قشتالة لأقاصي مملكته
بسبب فتنة بينه وبين الإفرنج ثم تحرك صاحب غرناطة على برشانة وحاصرها وأخذها ؛
وأسر من كان بها من النصارى وأرادت فتيانه القيام على النصارى ، فجاء صاحب وادي آش
ففتك فيهم.
وفي ذي القعدة من
السنة رفع صاحب غرناطة من السند وخلت تلك الأوطان من الأنس.
وفي ثاني عشري جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وثمانمائة خرج العدو بمحلاته
إلى مرج غرناطة ، وأفسد الزرع ، ودوخ الأرض ، وهدم القرى ، وأمر ببناء موضع بالسور
والحفير ، وأحكم بناءه ، وكانوا يذكرون أنه عزم على الانصراف فإذا به صرف الهمة
إلى الحصار والإقامة ، وصار يضيق على غرناطة كل يوم ، ودام القتال سبعة أشهر ،
واشتد الحصار بالمسلمين ، غير أن النصارى على بعد ، والطريق بين غرناطة والبشرات
متصلة بالمرافق والطعام من ناحية جبل شلير ، إلى أن تمكن فصل الشتاء ، وكلب البرد ، ونزل الثلج ، فانسد باب المرافق ، وانقطع الجالب ، وقل الطعام ، واشتد الغلاء ، وعظم البلاء ، واستولى
العدو على أكثر الأماكن خارج البلد ، ومنع المسلمين من الحرث والسبب ، وضاق الحال ، وبان الاختلال ، وعظم الخطب ، وذلك أول عام
سبعة وتسعين وثمانمائة ، وطمع العدو في الاستيلاء
__________________
على غرناطة بسبب
الجوع والغلاء دون الحرب ، ففر ناس كثيرون من الجوع إلى البشرات ، ثم اشتد الأمر
في شهر صفر من السنة ، وقل الطعام ، وتفاقم الخطب ، فاجتمع ناس مع من يشار إليه من أهل العلم ، وقالوا
: انظروا في أنفسكم وتكلموا مع سلطانكم ، فأحضر السلطان أهل الدولة وأرباب المشورة
، وتكلموا في هذا المعنى ، وأن العدو يزداد مدده كل يوم ، ونحن لا مدد لنا ، وكان
ظنّنا أنه يقلع عنا في فصل الشتاء فخاب الظن ، وبنى وأسّس ، وأقام ، وقرب منا ،
فانظروا لأنفسكم وأولادكم ، فاتفق الرأي على ارتكاب أخف الضررين ، وشاع أن الكلام
وقع بين النصارى ورؤساء الأجناد قبل ذلك في إسلام البلد خوفا على نفوسهم وعلى
الناس ، ثم عددوا مطالب وشروطا أرادوها ، وزادوا أشياء على ما كان في صلح وادي آش
: منها أن صاحب رومة يوافق على الالتزام والوفاء بالشرط إذا مكنوه من حمراء غرناطة والمعاقل والحصون ، ويحلف على عادة
النصارى في العهود ، وتكلم الناس في ذلك ، وذكروا أن رؤساء أجناد المسلمين لما
خرجوا للكلام في ذلك امتنّ عليهم النصارى بمال جزيل وذخائر ، ثم عقدت بينهم
الوثائق على شروط قرئت على أهل غرناطة ، فانقادوا إليها ، ووافقوا عليها ، وكتبوا
البيعة لصاحب قشتالة ، فقبلها منهم ، ونزل سلطان غرناطة من الحمراء.
وفي ثاني ربيع
الأول من السنة ـ أعني سنة سبع وتسعين وثمانمائة ـ استولى النصارى على الحمراء
ودخلوها بعد أن استوثقوا من أهل غرناطة بنحو خمسمائة من الأعيان رهنا خوف الغدر ، وكانت الشروط سبعة وستين منها تأمين
الصغير والكبير في النفس والأهل والمال وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم ورباعهم
وعقارهم ، ومنها إقامة شريعتهم على ما كانت ولا يحكم على أحد منهم إلا بشريعتهم وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك ، وأن لا يدخل
النصارى دار مسلم ولا يغصبوا أحدا ، وأن لا يولي على المسلمين نصراني أو يهودي ممن يتولى عليهم من قبل سلطانهم قبل ، وأن يفتكّ
جميع من أسر في غرناطة من حيث كانوا ، وخصوصا أعيانا نصّ عليهم ، ومن هرب من أسارى
المسلمين ودخل غرناطة لا سبيل عليه لمالكه ولا سواه ، والسلطان يدفع ثمنه لمالكه ،
ومن أراد الجواز للعدوة لا يمنع ، ويجوزون في مدة عينت في مراكب السلطان لا يلزمهم
إلا الكراء ، ثم بعد تلك المدة يعطون عشر مالهم
__________________
والكراء ، وأن لا
يؤخذ أحد بذنب غيره ، وأن لا يقهر من أسلم على الرجوع للنصارى ودينهم ، وأن من تنصر من المسلمين يوقف أياما حتى يظهر حاله ويحضر له حاكم من
المسلمين وآخر من النصارى ، فإن أبى الرجوع إلى الإسلام تمادى على ما أراد ، ولا
يعاتب على من قتل نصرانيا أيام الحرب ، ولا يؤخذ منه ما سلب من النصارى أيام
العداوة ، ولا يكلف المسلم بضيافة أجناد النصارى ، ولا بسفر لجهة من الجهات ، ولا يزيدون على المغارم المعتادة ، وترفع
عنهم جميع المظالم والمغارم المحدثة ، ولا يطلع نصراني للسور ، ولا يتطلع على دور المسلمين ، ولا يدخل مسجدا من مساجدهم ، ويسير
المسلم في بلاد النصارى آمنا في نفسه وماله ، ولا يجعل علامة كما يجعل اليهود وأهل
الدجن ، ولا يمنع مؤذن ولا مصلّ ولا صائم ولا غيره من أمور دينه ، ومن ضحك منهم يعاقب ، ويتركون من المغارم سنين معلومة ، وأن يوافق على
كل الشروط صاحب رومة ويضع خط يده ، وأمثال هذا مما تركنا ذكره.
وبعد انبرام ذلك
ودخول النصارى للحمراء والمدينة جعلوا قائدا بالحمراء وحكاما مقدّمين بالبلد ،
ولما علم ذلك أهل البشرات دخلوا في هذا الصلح ، وشملهم حكمه على هذه الشروط ، ثم
أمر العدو الكافر ببناء ما يحتاج إليه في الحمراء وتحصينها ، وتجديد بناء قصورها
وإصلاح سورها ، وصار الطاغية يختلف إلى الحمراء نهارا ويبيت بمحلته ليلا إلى أن
اطمأن من خوف الغدر ، فدخل المدينة ، وتطوّف بها ، وأحاط خبرا بما يرومه ، ثم أمر
سلطان المسلمين أن ينتقل لسكنى البشرات وأنها تكون له في سكناه بأندرش ، فانصرف إليها وأخرج الأجناد منها ، ثم احتال في ارتحاله
لبر العدوة ، وأظهر أن ذلك طلبه منه المذكور ، فكتب لصاحب المرية أنه ساعة وصول
كتابي هذا لا سبيل لأحد أن يمنع مولاي أبا عبد الله من السفر حيث أراد من بر
العدوة ، ومن وقف على هذا الكتاب فليصرفه ويقف معه وفاء بما عهد له ، فانصرف في
الحين بنص هذا الكتاب ، وركب البحر ، ونزل بمليلة ، واستوطن فاسا ، وكان قبل طلب
الجواز لناحية مراكش ، فلم يسعف بذلك وحين جوازه لبر العدوة لقي شدة وغلاء وبلاء .
__________________
ثم إن النصارى
نكثوا العهد ، ونقضوا الشروط عروة عروة ، إلى أن آل الحال لحملهم المسلمين على التنصر سنة أربع
وتسعمائة ، بعد أمور وأسباب أعظمها وأقواها عليهم أنهم قالوا : إن القسيسين كتبوا
على جميع من كان أسلم من النصارى أن يرجعوا قهرا للكفر ، ففعلوا ذلك ، وتكلم الناس
ولا جهد لهم ولا قوة ، ثم تعدوا إلى أمر آخر ، وهو أن يقولوا للرجل المسلم : إن
جدك كان نصرانيا فأسلم فترجع نصرانيا ، ولما فحش هذا الأمر قام أهل البيازين على
الحكام وقتلوهم ، وهذا كان السبب للتنصر ، قالوا : لأن الحكم خرج من السلطان أن من
قام على الحاكم فليس إلا الموت إلا أن يتنصر فينجو من الموت ، وبالجملة فإنهم
تنصروا عن آخرهم بادية وحاضرة ، وامتنع قوم من التنصر ، واعتزلوا النصارى ، فلم ينفعهم ذلك ، وامتنعت قرى وأماكن كذلك منها بلفيق
وأندرش وغيرهما ، فجمع لهم العدو الجموع ، واستأصلهم عن آخرهم قتلا وسبيا ، إلا ما
كان من جبل بللنقة فإن الله تعالى أعانهم على عدوهم ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة مات
فيها صاحب قرطبة ، وأخرجوا على الأمان إلى فاس بعيالهم وما خف من أموالهم دون
الذخائر ، ثم بعد هذا كله كان من أظهر التنصر من المسلمين يعبد الله في خفية ويصلي
، فشدد عليهم النصارى في البحث ، حتى إنهم أحرقوا منهم كثيرا بسبب ذلك ، ومنعوهم
من حمل السكين الصغيرة فضلا عن غيرها من الحديد ، وقاموا في بعض الجبال على
النصارى مرارا ولم يقيض الله لهم ناصرا ، إلى أن كان إخراج النصارى إياهم بهذا العصر القريب أعوام
سبعة عشر وألف ، فخرجت ألوف بفاس ، وألوف أخر بتلمسان من وهران ، وجمهورهم خرج
بتونس ، فتسلط عليهم الأعراب ومن لا يخشى الله تعالى في الطرقات ، ونهبوا أموالهم
، وهذا ببلاد تلمسان وفاس ، ونجا القليل من هذه المضرة ، وأما الذين خرجوا بنواحي تونس فسلم أكثرهم ، وهم لهذا
العهد عمروا قراها الخالية وبلادها ، وكذلك بتطاون وسلا وفيجة الجزائر ، ولما استخدم سلطان المغرب الأقصى منهم عسكرا
جرارا وسكنوا سلا كان منهم من الجهاد في البحر ما هو مشهور الآن ، وحصنوا قلعة سلا
، وبنوا بها القصور والحمامات والدور ، وهم الآن بهذا الحال ، ووصل جماعة إلى
__________________
القسطنطينية
العظمى وإلى مصر والشام وغيرها من بلاد الإسلام ، وهم لهذا العهد على ما وصف ،
والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
والسلطان المذكور
الذي أخذت على يده غرناطة هو أبو عبد الله محمد الذي انقرضت بدولته مملكة الإسلام
بالأندلس ، ومحيت رسومها ، ابن السلطان أبي الحسن ابن السلطان سعد ابن الأمير علي
ابن السلطان يوسف ابن السلطان محمد الغني بالله ، واسطة عقدهم ، ومشيد مبانيهم
الأنيقة ، وسلطان دولتهم على الحقيقة ، وهو المخلوع الوافد على الأصقاع المرينية
بفاس ، العائد منها لملكه في أرفع الصنائع الرحمانية العاطرة الأنفاس ، وهو سلطان
لسان الدين ابن الخطيب ، وقد ذكرنا جملة من أخباره في غير هذا الموضع ، ابن
السلطان أبي الحجاج يوسف ابن السلطان إسماعيل قاتل سلطان النصارى دون بطرة بمرج
غرناطة ابن فرج [بن إسماعيل] بن يوسف بن نصر بن قيس ، الأنصاري ، الخزرجي ، رحمهم الله
تعالى جميعا!.
وانتهى السلطان
المذكور بعد نزوله بمليلة إلى مدينة فاس بأهله وأولاده معتذرا عما أسلفه ، متلهفا
على ما خلفه ، وبنى بفاس بعض قصور على طريق بنيان الأندلس ، رأيتها ودخلتها ،
وتوفي رحمه الله تعالى بفاس عام أربعين وتسعمائة ، ودفن بإزاء المصلّى خارج باب
الشريعة ، وخلف ولدين اسم أحدهما يوسف والآخر أحمد ، وعقب هذا السلطان إلى الآن
بفاس ، وعهدي بذريته بفاس [إلى الآن] سنة ١٠٣٧ ، يأخذون من أوقاف الفقراء والمساكين ، ويعدّون من جملة
الشحاذين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد رأيت أن أذكر
هنا الرسالة التي كتب بها المخلوع المذكور إلى سلطان فاس الشيخ الوطاسي ، وهي من
إنشاء الكاتب المجيد البارع البليغ أبي عبد الله محمد بن عبد الله العربي العقيلي
رحمه الله تعالى وسماها «بالروض العاطر الأنفاس ، في التوسل إلى المولى الإمام
سلطان فاس» ونصها بعد الافتتاح : [البسيط]
مولى الملوك
ملوك العرب والعجم
|
|
رعيا لما مثله
يرعى من الذّمم
|
بك استجرنا ونعم
الجار أنت لمن
|
|
جار الزمان عليه
جور منتقم
|
__________________
حتّى غدا ملكه
بالرغم مستلبا
|
|
وأفظع الخط ما
يأتي على الرّغم
|
حكم من الله حتم
لا مردّ له
|
|
وهل مردّ لحكم
منه منحتم
|
وهي اللّيالي
وقاك الله صولتها
|
|
تصول حتّى على
الآساد في الأجم
|
كنّا ملوكا لنا
في أرضنا دول
|
|
نمنا بها تحت
أفنان من النّعم
|
فأيقظتنا سهام
للرّدى صبب
|
|
يرمي بأفجع حتف
من بهنّ رمي
|
فلا تنم تحت ظل
الملك نومتنا
|
|
وأيّ ملك بظلّ
الملك لم ينم
|
يبكي عليه الّذي
قد كان يعرفه
|
|
بأدمع مزجت
أمواهها بدم
|
كذلك الدهر لم
يبرح كما زعموا
|
|
يشمّ بوّ
الصّغار الأنف ذا الشّمم
|
وصل أواصر قد
كانت لنا اشتبكت
|
|
فالملك بين ملوك
الأرض كالرّحم
|
وابسط لنا الخلق
المرجوّ باسطه
|
|
واعطف ولا تنحرف
واعذر ولا تلم
|
لا تأخذنا
بأقوال الوشاة ولم
|
|
نذنب ولو كثرت
أقوال ذي الوخم
|
فما أطقنا دفاعا
للقضاء ، ولا
|
|
أرادت انفسنا ما
حلّ من نقم
|
ولا ركوبا
بإزعاج لسابحة
|
|
في زاخر بأكفّ
الموج ملتطم
|
والمرء ما لم
يعنه الله أضيع من
|
|
طفل تشكّى بفقد
الأمّ في اليتم
|
وكلّ ما كان غير
الله يحرسه
|
|
فإنّ محروسه لحم
على وضم
|
كن كالسّموأل إذ
سار الهمام له
|
|
في جحفل كسواد
الليل مرتكم
|
فلم يبح أدرع
الكنديّ وهو يرى
|
|
أن ابنه البرّ
قد أشفى على الرّجم
|
أو كالمعلى مع
الضّليل الأروع إذ
|
|
أجاره من أعاريب
ومن عجم
|
وصار يشكره شكرا
يكافىء ما
|
|
أسدى إليه من
الآلاء والنّعم
|
__________________
ولا تعاتب على
أشياء قد قدرت
|
|
وخطّ مسطورها في
اللوح بالقلم
|
وعدّ عمّا مضى
إذ لا ارتجاع له
|
|
وعدّ أحرارنا في
جملة الخدم
|
إيه حنانيك يا
ابن الأكرمين على
|
|
ضيف ألمّ بفاس
غير محتشم
|
فأنت أنت ، ولو
لا أنت ما نهضت
|
|
بنا إليها خطا
الوخّادة الرّسم
|
رحماك يا راحما
ينمى إلى رحما
|
|
في النّفس
والأهل والأتباع والحشم
|
فكم مواقف صدق
في الجهاد لنا
|
|
والخيل عالكة
الأشداق للّجم
|
والسيف يخضب
بالمحمر من علق
|
|
ما ابيضّ من سبل
واسود من لمم
|
ولا ترى صدر عضب
غير منقصف
|
|
ولا ترى متن لدن
غير منحطم
|
حتى دهينا بدهيا
لا اقتدار بها
|
|
سوى على الصون
للأطفال والحرم
|
فقال من لم
يشاهدها فربّتما
|
|
يخال جامحها
يقتاد بالخطم
|
هيهات لو زبنته
الحرب كان بها
|
|
أعيى يدا من يد
جالت على رخم
|
تالله ما أضمرت
غشا ضمائرنا
|
|
ولا طوت صحّة
منها على سقم
|
لكن طلبنا من
الأمر الذي طلبت
|
|
ولاتنا قبلنا في
الأعصر الدّهم
|
فخاننا عنده
الجدّ الخؤون ، ومن
|
|
تقعد به نكبات
الدّهر لم يقم
|
فاسودّ ما اخضرّ
من عيش دهته عدا
|
|
بالأسمر اللّدن
أو بالأبيض الخذم
|
وشتّت البين
شملا كان منتظما
|
|
والبين أقطع
للموصول من جلم
|
فربّ مبنى شديد
قد أناخ به
|
|
ركب البلا فقرته
أدمع الدّيم
|
قمنا لديه
أصيلانا نسائله
|
|
أعيا جوابا وما
بالرّبع من إرم
|
وما ظننّا بأن
نبقى إلى زمن
|
|
نرى به غرر
الأحباب كالحمم
|
لكن رضا بالقضا
الجاري وإن طويت
|
|
منّا الضلوع على
برح من الألم
|
لبّيك يا من
دعانا نحو حضرته
|
|
دعاء إبراهيم
الحجّاج للحرم
|
__________________
واعط الأمان
الّذي وصّت قواعده
|
|
على أساس وفاء غير
منهدم
|
خليفة الله
وافاك العبيد فكن
|
|
في كل فضل وطول
عند ظنّهم
|
وبين أسلافنا ما
قد علمت به
|
|
من اعتقاد بحكم
الإرث مقتسم
|
وأنت منهم كأصل
مطلع غصنا
|
|
أو كالشّراك
الّذي قد قدّ من أدم
|
وقد خطوت خطاهم
في مآثرهم
|
|
فلم يذمّوا إذن
فيها ولم تذم
|
وصيت مولى الورى
الشيخ الإمام غدا
|
|
في الناس أشهر
من نار على علم
|
سلالة الأمراء
الجلّة الكبرا
|
|
ء العليّة
الظّهراء القادة البهم
|
بنو مرين ليوث
في عرين أبوا
|
|
رؤيا قرين لهم
في البأس والكرم
|
النازلين من
البيضاء وسط حمى
|
|
أحمى من الأبلق
السامي ومن إرم
|
والجائسين بدهم
الخيل كلّ ذرا
|
|
والدّاعسين بسمر
الخط كل كمي
|
يريك فارسهم إن
هز عامله
|
|
في مارق بلظى
الهيجاء مضطرم
|
ليثا على أجدل
عار من اجنحة
|
|
يسطو بأرقم
لدّاغ بغير فم
|
في اللام يدغم
من عسّاله ألفا
|
|
ولم نجد ألفا
أصلا بمدّغم
|
أهل الحفيظة يوم
الرّوع يحفظهم
|
|
من عصمة الله ما
يربي على العصم
|
يا من تطير شرار
منه محرقة
|
|
لكلّ مدّرع
بالحزم محتزم
|
هم بطائفة
التثليث قد فتكوا
|
|
كمثل ما يفتك
السّرحان بالغنم
|
وإن يلثّمهم يوم
الوغى رهج
|
|
أنسوك ما ذكروه
عن ذوي اللّثم
|
تضيء آراؤهم في
كلّ معضلة
|
|
إضاءة السّرج في
داج من الظّلم
|
هذا ولو من حياء
ذاب محتشم
|
|
لذاب منهم حياء
كلّ محتشم
|
|
طابت مدائجهم إذ
طابت انفسهم
|
|
فاشتقّت النسمات
اسما من النّسم
|
لله درّهم
والسّحب باخلة
|
|
بدرّهنّ على
الأنعام والنّعم
|
__________________
بحيث الافق يرى
من لون حمرته
|
|
كالشيب يخضب
بالحناء والكتم
|
هناك تنهلّ
أيديهم بصوب حيا
|
|
يحيا بالاحداث
ما فيها من الرّمم
|
وأن بيتي زياد
طالما ذكروا
|
|
إذا ألمّت
أحاديث بذكرهم
|
أحلام عاد
وأجسام مطهرة
|
|
من المعقّة
والآفاق والأثم
|
يرون حقّا عليهم
حفظ جارهم
|
|
فلم يضر نازل
فيهم ولم يضم
|
فروعهم بالدواهي
لا يراع ، ولا
|
|
يغمّ منها بما
يعرو من الغمم
|
هم البحار سماحا
غير أن بها
|
|
ما قد أناف على
الأطواد من همم
|
وليس يسلم من
حتف محاربهم
|
|
حتى يكون إليهم
ملقي السّلم
|
كم فيهم من أمير
أوحد ندس
|
|
يقرطس الغرض
المقصود بالفهم
|
ولا كسبط أبي
حسون من حسنت
|
|
أمداحه حسن ما
فيه من الشّيم
|
هذا كم ابن أبي
ذكرى الهمام فقل
|
|
في أصله المنتقى
من مجده العمم
|
خليفة الله حقا
في خليقته
|
|
كنائب ناب في
حكم عن الحكم
|
مهما تنر قسمات
منه نيّرة
|
|
تنل بنازله ما
جل من نعم
|
فوجهه بدجا أو
كفه بجدى
|
|
أبهى من الزهر
أو أندى من الدّيم
|
وفضله وله الفضل
المبين جرى
|
|
كجري الأمثال في
الأقطار والأمم
|
وجوده المتوالي
للبريّة ما
|
|
وجوده بينها
طرّا بمنهدم
|
إذا ابتغت نعما
منه العفاة له
|
|
لم يسمعوا كلمة
منه سوى نعم
|
وإن يعبس زمان
في وجوههم
|
|
لم يبصروا غير
وجه منه مبتسم
|
وجه تبين سمات
المكرمات به
|
|
كما تبين سمات
الصدق في الكلم
|
__________________
وراحة لم تزل في
كل آونة
|
|
في نيلها راحة
الشّاكي من العدم
|
لله ما التزمته
من نوافله
|
|
أيام لا فرض
مفروض بملتزم
|
أنسى الخلائف في
حلم وفي شرف
|
|
وفي سخاء وفي
علم وفي فهم
|
فجاز معتمدا
منهم ومعتضدا
|
|
وامتاز عن واثق
منهم ومعتصم
|
وناصر الدين في
الإقبال فاق ، وفي
|
|
محبة العلم أزرى
بابنه الحكم
|
أفعال أعدائه
معتلة أبدا
|
|
متى يرم جزمها
بالحذف تنجزم
|
فويل أهل القلى
من حيّة ذكر
|
|
للمتلئبّ اللهام
المجر ملتقم
|
راموا عداوة من
شاء غادرهم
|
|
مثل الأحاديث عن
عاد وعن إرم
|
فسوف يأكلهم من
جيشه لجب
|
|
بكل قرم إلى
لحمانهم قرم
|
وإن الاعراب إذ
ساروا لغايته
|
|
لسائرون إلى لقم
على لقم
|
وهم كما قاله
ماض «أرى قدمي
|
|
بسعيه نحو حتفي
قد أراق دمي»
|
فقل إذن للمناوي
الناولان أذى
|
|
يا غر غرك ما
أبصرت في الحلم
|
له صوارم لو
ناجتك ألسنها
|
|
لبشرتك بعمر منك
منصرم
|
وأن روحك عن قرب
سيقبضه
|
|
قبض المسلم ما
قد حاز من سلم
|
فهو الذي ما له
ندّ يشابهه
|
|
من كل متصف
بالدّهي متّسم
|
يدبر الأمر
تدبيرا يخلصه
|
|
مما عسى أن يرى
فيه من الوهم
|
ويبصر الغيب لحظ
الذهن منه إذا
|
|
تعمى عن ادراكه
ألحاظ كل عمي
|
وينعم النظر
المفضي بناظره
|
|
لصوب وجه صواب
واضح اللقم
|
ذو منطق لم تزل
تجلو نتائجه
|
|
عن مبطل بخصام
المبطل الخصم
|
ومسمع ليس يصغي
للوشاة فلم
|
|
ينفق لديه الذي
عنهم إليه نمي
|
__________________
فعقله لا توازيه
العقول ، وهل
|
|
يوازن الطود ما
قد طال من أكم؟
|
إيه جميع الورى
من بدو او حضر
|
|
نداء مرتبط
بالنصر مرتسم
|
شدّوا وجدّوا
ولا تعنوا ولا تهنوا
|
|
قد لفّها الليل
بالسّوّاقة الحطم
|
هذا الإمام
المرينيّ السعيد له
|
|
سعد يؤيده في كل
مصطدم
|
قد أقسمت أنه
المنصور ألسنة
|
|
من نخبة الأوليا
مبرورة القسم
|
فشيّعوه ووالوه
تروا عجبا
|
|
وتظفروا معه
بالأجر والغنم
|
والحمد لله إذ
أبقى خلافته
|
|
كهفا لنا من
يخيم فيه لم يرم
|
حرز حريز وعزّ
قائم وندى
|
|
غمر دراك بلا
منّ ولا سأم
|
دامت ودام لها
سعد يساعدها
|
|
في كل مبتدإ منه
ومختتم
|
فالله عز اسمه
قد زانها بحلى
|
|
من غرّ أمداحه
كالدّرّ في النّظم
|
الواهب الألف
بعد الألف من ذهب
|
|
كالجمر يلمع في
مستوقد الضّرم
|
والفاعل الفعل
لم يهمم به أحد
|
|
والقائل القول
فيه حكمة الحكم
|
ذاكم هو الشيخ
فاعجب إنه هرم
|
|
جودا وحاشاه أن
يعزى إلى هرم
|
وحسبنا أن
أيدينا به اعتصمت
|
|
من حبله بوثيق
غير منفصم
|
فما محالفه يوما
بمضطهد
|
|
ولا مؤالفه يوما
بمهتضم
|
ولا موافيه في
جهد بمطّرح
|
|
ولا مصافيه في
ودّ بمتّهم
|
ولا محيّا
محبّيه بمنكسف
|
|
ولا رجاء مرجّيه
بمنخرم
|
وما تكرّمه سرا
بمنكشف
|
|
ولا تنكّره جهرا
بمكتتم
|
وليس لامح مرآه
بمكتئب
|
|
وليس راضع جدواه
بمنفطم
|
__________________
ولا مقبل يمناه
الكريمة في
|
|
محلّ ممتهن بل
دست محترم
|
وما وسيلتنا
العظمى إليه سوى
|
|
ما ليس ينكر ما
فيها من العظم
|
وإنّما هي وما
أدراك ما هي من
|
|
وسيلة ردّها
أدهى من الوخم
|
نبيّنا المصطفى
الهادي بخير هدى
|
|
محمد خير خلق
الله كلّهم
|
داعي الورى من
أولي خيم وأهل قرى
|
|
إلى طريق رشاد
لاحب أمم
|
عليه منا صلاة
الله ما ذكرت
|
|
(أمّن تذكّر جيران بذي سلم)
|
وما تشفّع فيها
بالشّفيع له
|
|
دخيل حرمته
العلياء في الحرم
|
ربنا ظلمنا أنفسنا
وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت
خير الغافرين ، ربنا عليك توكلنا ، وإليك أنبنا ، وإليك المصير ، ذلك بأن الله
مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ، نعم المولى ونعم النصير.
أما بعد حمد الله
الذي لا يحمد على السراء والضراء سواه ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد
الذي طلع طلوع الفجر بل البدر فلاح ، يدعو إلى سبيل كل فلاح ، أولي قلوب غافلة
ونفوس سواه ، والرضا عن آله وأصحابه وعترته الأكرمين وأحزابه الذين تلقوا بالقبول
ما أورده عليهم من أوامر ونواه وعزروه ونصروه في حال قربه ونواه ، فيا مولانا الذي أولانا من النعم ما أولانا لا حطّ الله
تعالى لكم من العزة أرواقا ، ولا أذوى لدوحة دولتكم أغصانا ولا أوراقا ، ولا زالت
مخضرة العود ، مبتسمة عن زهرات البشائر متحفة بثمرات السعود ، ممطورة بسحائب
البركات المتداركات دون برق ولا رعود ، هذا مقام العائذ بمقامكم ، المتعلق بأسباب
ذمامكم ، المترجّي لعواطف قلوبكم وعوارف إنعامكم المقبل الأرض تحت أقدامكم ،
المتلجلج اللسان عند محاولة مفاتحة كلامكم ، وما الذي يقول من وجهه خجل ، وفؤاده وجل ، وقضيته المقضية عن
التنصل والاعتذار تجلّ ، بيد أني أقول لكم ما أقوله لربي
__________________
واجترائي عليه
أكثر ، واجترامي إليه أكبر : اللهم لا برىء فأعتذر ، ولا قوي فأنتصر ، لكني
مستقيل ، مستنيل مستعتب مستغفر وما أبرئ نفسي ، (إِنَّ النَّفْسَ
لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف : ٥٣] ، هذا
على طريق التنزل والإنصاف ، بما تقتضيه الحال ممن يتحيز إلى حيز الإنصاف ، وأما
على جهة التحقيق ، فأقول ما قالته الأم ابنة الصديق : والله إني لأعلم أني إن أقررت بما يقوله الناس والله
يعلم أني منه بريئة لأقول ما لم يكن ، ولئن أنكرت ما تقولون لا تصدقوني ، فأقول ما
قاله أبو يوسف : صبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، على أني لا أنكر عيوبي فأنا معدن العيوب ، ولا أجحد
ذنوبي فأنا جبل الذنوب ، إلى الله أشكو عجري وبجري ، وسقطاتي وغلطاتي ، نعم كل شيء
ولا ما يقوله المتقول ، المشنع المهوّل ، الناطق بفم الشيطان المسوّل ، ومن
أمثالهم «سبّني واصدق ، ولا تفتر ولا تخلق» أفمثلي كان يفعل أمثالها ، ويحتمل من
الأوزار المضاعفة أحمالها؟ ويهلك نفسه ويحبط أعمالها ، عياذا بالله من خسران الدين
، وإيثار الجاحدين والمعتدين ، قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ، وايم الله لو
علمت شعرة في فوديّ تميل إلى تلك الجهة لقطعتها ، بل لقطفت ما تحت عمامتي من هامتي
وقطّعتها ، غير أن الرعاع في كل وقت وأوان ، للملك أعداء وعليه أحزاب وأعوان ، كان
أحمق أو أجهل من أبي ثروان ، أو أعقل أو أعلم من أشجّ بني مروان ، ربّ متّهم بري ، ومسربل بسربال وهو منه عري ،
وفي الأحاديث صحيح وسقيم ، ومن التراكيب المنطقية منتج وعقيم ، ولكن ثم ميزان عقل
، تعتبر به أوزان النقل ، وعلى الراجح الاعتماد ، ثم إشاعة الأحماد ، المتصل
المتماد ، وللمرجوح الاطراح ، ثم التزام الصراح ، بعد النّفض من الراح ، وأكثر ما
تسمعه الكذب ، وطبع جمهور الخلق إلا من عصمه الله تعالى إليه منجذب ، ولقد قذفنا
من الأباطيل بأحجار ، ورمينا بما لا يرمى به الكفار ، فضلا عن الفجار ، وجرى من
الأمر المنقول على لسان زيد وعمرو ، ما لديكم منه حفظ الجار وإذا عظم الإنكاء ،
فعلى تكاءة التجلد الاتكاء ، أكثر المكثرون ، وجهد في تعثيرنا المتعثرون ، ورمونا
عن قوس واحدة ، ونظمونا في سلك
__________________
الملاحدة ، أكفرا
أيضا كفرا ، غفرا اللهم غفرا ، أعد نظرا يا عبد قيس ، فليس الأمر على ما خيل لك
ليس ، وهل زدنا على أن طلبنا حقنا ، ممن رام محقه ومحقنا ، فطاردنا في سبيله عداة
كانوا لنا غائظين ، فانفتق علينا فتق ، لم يمكنا له رتق (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) [يوسف : ٨١] ،
وبعد فاسأل أهل الحل والعقد ، والتمييز والنقد ، فعند جهينتهم تلقى الخبر يقينا ، وقد رضينا بحكمهم يؤثمنا فيوبقنا أو يبرئنا فيقينا ، إيه يا من اشرأبّ إلى ملامنا ، وقدح حتى في إسلامنا ،
رويدا رويدا ، فقد وجدت قوة وأيدا ، ويحك إنما طال لسانك علينا ، وامتد بالسوء إلينا ، لأن
الزمان لنا مصغر ولك مكبر ، والأمر عليك مقبل وعنا مدبر ، كما قال كاتب الحجاج
الموبر ، وعلى الجملة فهبنا صرنا إلى تسليم مقالك جدلا ، وذهبنا فأقررنا بالخطإ في
كل ورد وصدر ، فلله در القائل : [الرجز]
إن كنت أخطأت فما أخطا القدر
وكأنا بمعتسف إذا
وصل إلى هنا ، وعدم إنصافه يعلمه إلهنا ، قد ازورّ متجانفا ، ثم افتر متهانفا ،
وجعل يتمثل بقولهم : إذا عيروا قالوا مقادير قدرت ، وبقولهم : المرء يعجزه المحال
، فيعارض الحق بالباطل ، والحالي بالعاطل ، ومنزع بقول القائل : رب مسمع هائل ،
وليس تحته من طائل ، وقد فرغنا أول أمس من جوابه ، وتركنا الضغن يلصق حرارة الجوي
به وسنلم الآن بما يوسعه تسكيتا ، ويقطعه تبكيتا ، فنقول له : ناشدناك الله تعالى
، هل اتفق لك قط وعرض ، خروج أمر ما عن القصد منك فيه والغرض؟ مع اجتهادك أثناءه
في إصدارك وإيرادك ، في وقوعه على وفق اقتراحك ومرادك ، أو جميع ما تزاوله بإدارتك
، لا يقع إلا مطابقا لإرادتك ، أو كل ما تقصده وتنويه ، تحرزه كما تشاء وتحويه؟
فلا بد أن يقر اضطرارا ، بأن مطلوبه يشذّ عنه مرارا ، بل كثيرا ما يفلت صيده من
أشراكه ، ويطلبه فيعجز عن إدراكه ، فنقول : ومسألتنا من هذا القبيل ، أيها النبيه
النبيل ، ثم نسرد له من الأحاديث النبوية ماشينا ، مما يسايرنا في غرضنا منه ويماشينا ، كقوله صلى الله
عليه وآله وسلم «كل شيء بقضاء وقدر ، حتى العجز والكيس»
«لو اجتمع أهل
السماوات والأرض على أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه ، ولو
__________________
اجتمعوا على أن
يضروك بشيء لم يقضه الله عليك لم يقدروا عليه» أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فأخلق به
أن يلوذ بأكناف الإحجام ، ويزمّ على نفثة فيه كأنما ألجم بلجام ، حينئذ نقول له والحق قد أبان وجهه
وجلاه ، وقهره بحجته وعلاه : ليس لك من الأمر شيء قل إن الأمر كله لله ، وفي
محاجّة آدم وموسى ما يقطع لسان الخصم ، ويرخض عن أثواب أعراضنا ما عسى أن يعلق بها من درن الوصم ،
وكيفما كانت الحال ، وإن ساء الرأي والانتحال ، ووقعنا في أوجال وأوحال ، فثلّ
عرشنا ، وطويت فرشنا ، ونكس لوانا ، وملك مثوانا ، فنحن أمثل من سوانا ، وفي الشر
خيار ، ويد اللطائف تكسر من صولة الأغيار ، فحتى الآن لم نفقد من اللطيف تعالى
لطفا ، ولا عدمنا أدوات أدعية تعطف بلا مهلة على جملتنا المقطوعة جمل النعم
الموصولة عطفا ، وإلا فتلك بغداد دار السلام ، ومتبوّأ الإسلام ، المحفوف بفرسان
السيوف والأقلام ، مثابة الخلافة العباسية ، ومقر العلماء والفضلاء أولي السير
الأويسيّة ، والعقول الإياسية ، قد نوزلت بالجيوش ونزلت ، وزوولت بالزحوف وزلزلت ، وتحيف
جوانبها الحيف ، ودخلها كفار التّتار عنوة بالسيف ، ولا تسل إذ ذاك عن
كيفية أيام تجلت عروس المنية كاشفة عن ساقها مبدية ، وجرت الدماء في الشوارع والطرق
كالأنهار والأودية ، وقيد الأئمة والقضاة تحت ظلال السيوف المنتضاة بالعمائم في
رقابهم والأردية ، وللنجيع سيول ، تخوضها الخيول ، فتخضبها إلى أرساغها ، وتهم ظماؤها
بوردها فتنكل عن تجرعها ومساغها ، فطاح عاصمها ومستعصمها ، وراح ولم يغد ظالمها ومتظلمها ، وخربت مساجدها وديارها ، واصطلم بالحسام
أشرارها وخيارها ، فلم يبق من جمهور أهلها عين تطرف ، حسبما عرفت أو حسبما تعرف ،
فلا تك متشككا متوقفا ، فحديث تلك الواقعة الشنعاء أشهر عند المؤرخين من قفا ، فأين تلك الجحافل ، والآراء المدارة في المحافل؟ حين
أراد الله تعالى بإدالة الكفر ، لم تجد
__________________
ولا قلامة ظفر ،
إذن فمن سلمت له نفسه التي هي رأس ماله ، وعياله وأطفاله اللذان هما من أعظم آماله
، وكلّ أو جلّ أو أقل رياشه ، وأسباب معاشه الكفيلة بانتهاضه وانتعاشه ، ثم وجد مع
ذلك سبيلا إلى الخلاص ، في حال مياسرة ومساهلة دون تصعب واعتياص ، بعد ما ظن كل الظن أن لا محيد ولا مناص ، فما أحقّه
حينئذ وأولاه ، أن يحمد خالقه ورازقه ومولاه ، على ما أسداه إليه من رفده وخيره ،
ومعافاته مما ابتلي به كثير من غيره ، ويرضى بكل إيراد وإصدار ، تتصرف فيهما الأحكام الإلهية والأقدار ، فالدهر غدّار ، والدنيا دار
مشحونة بالأكدار ، والقضاء لا يرد ، ولا يصدّ ، ولا يغالب ، ولا يطالب ، والدائرات
تدور ، ولا بدّ من نقص وكمال للبدور ، والعبد مطيع لا مطاع ، وليس يطاع إلا
المستطاع ، وللخالق القدير جلت قدرته في خليقته علم غيب للأذهان عن مداه انقطاع.
وما لي والتكلف
لما لا أحتاج إليه من هذا القول ، بين يدي ذي الجلال والمجادة والفضل والطّول ؟ فله من العقل الأرجح ، ومن الخلق الأسجح ، ما لا تلتاط
معه تهمتي بصفره ، ولا تنفق عنده وشاية الواشي لا عدّ من نفره ، ولا فاز
قدحه بظفره ، والمولى يعلم أن الدنيا تلعب باللاعب ، وتجر براحتها إلى المتاعب ،
وقديما للأكياس من الناس خدعت ، وانحرفت عن وصالهم أعقل ما كانوا وقطعت ، وفعلت
بهم ما فعلت بيسار الكواعب تلك التي جبّت وجدعت ، ولئن رهصت وهصرت ، فقد نبهت وبصّرت ، ولئن قرعت ومعضت ، لقد أرشدت ووعظت ، ويا ويلنا من تنكرها لنا بمرة ،
ورميها لنا في غمرة أيّ غمرة ، أيام قلبت لنا ظهر المجنّ ، وغيم أفقها المصحي
وأدجن ، فسرعان ما عاينا حبالها منبتّة ، ورأينا منها ما لم نحتسب كما تقوم الساعة
بغتة ، فمن استعاذ من شيء فليستعذ مما صرنا إليه من الحور بعد الكور ، وانحطاط من النجد إلى الغور. [الطويل]
فبينا نسوس
النّاس والأمر أمرنا
|
|
إذا نحن فيهم
سوقة نتنصّف
|
__________________
فتبا لدينا لا
يدوم نعيمها
|
|
تقلّب تارات بنا
وتصرّف
|
وأبيها لقد
أرهقتنا إرهاقا ، وجرعتنا من صاب الأوصاب كأسا دهاقا ، ولم نفزع إلى غير بابكم المنيع الجناب ، المنفتح حين سدت
الأبواب ، ولم نلبس غير لباس نعمائكم حين خلعنا ما ألبسنا الملك من الأثواب ، وإلى
أمه يلجأ الطفل لجأ اللهفان ، وعند الشدائد تمتاز السيوف من الأجفان ، ووجه الله تعالى يبقى وكلّ من عليها فان ، وإلى هنا
ينتهي القائل ثم يقول : حسبي هذا وكفان.
ولا ريب في اشتمال
العلم الكريم ، على ما تعارفته الملوك بينها في الحديث والقديم ، من الأخذ باليد
عن زلّة القدم ، وقرع الأسنان وعض البنان من الندم ، دينا تدينت [حتى] مع اختلاف الأديان ، وعادة أطردت [فيهم]
على تعاقب الأزمان والأحيان.
ولقد عرض علينا
صاحب قشتالة مواضع معتبرة خير فيها ، وأعطى من أمانه المؤكد فيه خطه بأيمانه ما
يقنع النفوس ويكفيها ، فلم نر ونحن من سلالة الأحمر مجاورة الصّفر ، ولا سوّغ لنا
الإيمان الإقامة بين ظهراني الكفر ، ما وجدنا عن ذلك مندوحة ولو شاسعة ، وأمنا من
المطالب المشاغب حمة شرّ لنا لاسعة ، وادّكرنا أيّ ادكار ، قول الله تعالى
المنكر لذلك غاية الإنكار (ألم تكن أرض الله واسعة) وقول الرسول عليه الصلاة
والسلام ، المبالغ في ذلك بأبلغ الكلام «أنا بريء من مؤمن مع كافر لا تتراءى
ناراهما» وقول الشاعر الحاث على حث المطية ، المتثاقلة عن السير في طريق منجاتها
البطيّة : [الوافر]
وما أنا
والتّلدّد نحو نجد
|
|
وقد غصّت تهامة
بالرّجال
|
ووصلت أيضا من
الشرق إلينا ، كتب كريمة المقاصد لدينا ، تستدعي الانحياز إلى تلك الجنبات ،
وتتضمن ما لا مزيد عليه من الرغبات ، فلم نختر إلا دارنا التي كانت دار آبائنا من
قبلنا ، ولم نرتض الانضواء إلا لمن بحبله وصل حبلنا ، وبريش نبله ريش نبلنا ،
إدلالا على
__________________
محل إخاء متوارث
لا عن كلالة ، وامتثالا لوصاة أجداد لأنظارهم وأقدارهم أصالة وجلالة ،
إذ قد روينا عمن سلف من أسلافنا ، في الإيصاء لمن يخلف بعدهم من أخلافنا ، أن لا
يبتغوا إذا دهمهم داهم بالحضرة المرينية بدلا ، ولا يجدوا عن طريقها في التوجه إلى
فريقها معدلا ، فاخترقنا إلى الرياض الأريضة الفجاج ، وركبنا إلى البحر الفرات ظهر البحر الأجاج فلا غرو أن نرد
منه على ما يقر العين ، ويشفي النفس الشاكية من ألم البين ، ومن توصل هذا التوصل ،
وتوسل بمثل ذلك التوسل ، تطارحا على سدة أمير المؤمنين ، المحارب للمحاربين ،
والمؤمّن للمستأمنين ، فهو الخليق الحقيق بأن يسوغ أصفى مشاربه ، ويبلغ أوفى مآربه
، على توالي الأيام والشهور والسنين ، ويخلص من الثبور إلى الحبور ، ويخرج من
الظلمات إلى النور ، خروج الجنين ، ولعل شعاع سعادته يفيض علينا ، ونفحة قبول
إقباله تسري إلينا ، فتخامرنا أريحية تحملنا على أن نبادر ، لإنشاد قول الشريف
الرضي في الخليفة القادر : [الكامل]
عطفا أمير
المؤمنين فإنّنا
|
|
في دوحة العليا
لا نتفرّق
|
ما بيننا يوم
الفخار تفاوت
|
|
أبدا ، كلانا في
المعالي معرق
|
إلا الخلافة
ميّزتك ، فإنني
|
|
أنا عاطل منها
وأنت مطوّق
|
لا بل الأحرى بنا
والأحجى ، والأنجح لسعينا والأرجى ، أن نعدل عن هذا المنهاج ، ويقوم وافدنا بين
يدي علاه مقام الخاضع المتواضع الضعيف المحتاج ، وينشد ما قال في الشيرازي ابن
حجّاج : [مخلع البسيط]
الناس يفدونك
اضطرارا
|
|
منهم ، وأفديك
باختياري
|
وبعضهم في جوار
بعض
|
|
وأنت حتّى أموت
جاري
|
فعش لخبزي وعش
لمائي
|
|
وعش لداري وأهل
داري
|
__________________
ونستوهب من الوهاب
تعالى جلت أسماؤه ، وتعاظمت نعماؤه ، رحمة تجعل في يد الهداية أعنّتنا ، وعصمة
تكون في مواقف المخاوف جنّتنا ، وقبولا يعطف علينا نوافر القلوب ، وصنعا يسنّي لنا كلّ مرغوب ومطلوب ، ونسأله وطالما بلّغ السائل سؤلا
ومأمولا ، متابا صادقا على موضوع الندم محمولا ، ثم عزاء حسنا وصبرا جميلا ، عن
أرض أورثها من شاء من عباده معقبا لهم ومديلا ، وسادلا عليهم من ستور الإملاء
الطويلة سدولا (سُنَّةَ اللهِ
الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الفتح : ٢٣]
فليطر طائر الوسواس المرفوف مطيرا ، كان ذلك في الكتاب مسطورا لم نستطع عن مورده
صدورا ، وكان أمر الله قدرا مقدورا ، ألا وإن لله سبحانه ، في مقامكم العلي الذي
أيده وأعانه ، سرا من النصر يترجم عنه لسان من النصل ، وترجع فروع البشائر الصادقة
، بالفتوحات المتلاحقة ، من قاعدته المتأصلة ، إلى أصل ، فبمثله يجب اللّياذ ، والعياذ ، ولشبهه يحق الالتجاء ، والارتجاء ، ولأمر ما
آثرناه واخترناه ، بعد أن استرشدنا الله سبحانه واستخرناه ، ومنه جل جلاله نرغب أن
يخير لنا ولجميع المسلمين ، ويؤب بنا من حمايته ووقايته إلى معقل منيع وجناب رفيع آمين آمين
آمين ، ونرجو أن يكون ربنا ، الذي هو في جميع الأمور حسبنا ، قد خار لنا حيث
أرشدنا وهدانا ، وساقنا توفيقه وحدانا ، إلى الاستجارة بملك حفي ، كريم وفي ، أعز
جارا من أبي دواد ، وأحمى أنفا من الحارث بن عباد ، يشهد بذلك الداني والقاصي والحاضر والباد ، إن أغاث
ملهوفا فما الأسود بن قنان يذكر ، وإن أنعش حشاشة هالك فما كعب بن مامة على فعله وحده يشكر ، جليسه كجليس القعقاع بن شور ، ومذاكره كمذاكر سفيان المنتسب من الرباب ، إلى ثور ، إلى التحلي بأمهات الفضائل ، التي أضدادها
أمهات الرذائل ، وهي الثلاث الحكمة والعدل والعفة التي تشملها الثلاثة الأقوال
والأفعال ، والشمائل ، وينشأ منها ما شئت من عزم وحزم ، وعلم وحلم ، وتيقظ ، وتحفظ
، واتقاء ، وارتقاء ، وصول ، وطول ، وسماح ونائل ، فبنور حلاه المشرق ،
__________________
يفتخر المغرب على
المشرق ، وبمحتده السامي خطره في الأخطار ، وبيته الذي ذكره في النباهة
والنجابة قد طار ، يباهي جميع ملوك الجهات والأقطار ، وكيف لا وهو الرفيع المنتمى
والنّجار ، الراضع من الطهارة صفو ألبان ، الناشىء من السراوة وسط
أحجار ، في ضئضىء المجد وبحبوح الكرم ، وسراوة أسرة المملكة التي أكنافها
حرم ، وذؤابة الشرف التي مجاذتها لم ترم ، من معشر أيّ معشر بخلوا إن وهبوا ما دون
أعمارهم ، وجبنوا إن لم يحموا سوى ذمارهم ، بنو مرين ، وما أدراك ما بنو مرين :
سمّ العداة وآفة
الجزر
|
|
النّازلون بكلّ
معترك
|
والطيبون
معاقد الأزر
|
لهم من الهفوات
انتفاء ، وعندهم من السير النبوية اكتفاء ، انتسبوا إلى بر بن قيس ، فخرجوا في
البرّ عن القيس ، ما لهم القديم المعروف ، قد نفد في سبيل المعروف ، وحديثهم الذي
نقلته رجال الزحوف ، من طريق القنا والسيوف ، على الحسن من المقاصد موقوف ، تحمد
من صغيرهم وكبيرهم ذابلهم ولدنهم ، فلله آباء أنجبوهم وأمهات ولدنهم ، شم الأنوف
من الطراز الأول ، إليهم في الشدائد الاستناد وعليهم في الأزمات المعوّل ،
ولهم في الوفاء والصفاء والاحتفاء والعناية والحماية والرعاية الخطو الواسع والباع
الأطول ، كأنما عناهم بقوله جرول : [الطويل]
أولئك قوم إن
بنوا أحسنوا البنا
|
|
وإن عاهدوا
أوفوا وإن عقدوا شدّوا
|
وإن كانت
النّعماء فيهم جزوا بها
|
|
وإن أنعموا لا
كدّروها ولا كدّوا
|
وتعذلني أبناء
سعد عليهم
|
|
وما قلت إلّا
بالّتي علمت سعد
|
وبقوله الوثيق
مبناه ، البليغ معناه : [البسيط]
قوم إذا عقدوا
عقدا لجارهم
|
|
شدّوا العناج
وشدّوا فوقه الكربا
|
__________________
يزيحون عن النزيل
كل نازح قاصم ، وليس لهم منهم عائب ولا واصم ، فهو أحق بما قاله في منقر قيس بن
عاصم : [الكامل]
لا يفطنون لعيب
جارهم
|
|
وهمو لحفظ جوارهم
فطن
|
حلاهم هذه الغريزة
التي ليست باستكراه ولا جعل ، وأمير المؤمنين دام نصره قسيمهم فيها حذو النعل
بالنعل ، ثم هو عليهم وعلى من سواهم بالأوصاف الملوكية مستعل ، ارفضّ مزنهم منه
غيث ملثّ يمحو آثار اللزبة ، وانشق غيلهم منه عن ليث ضار متقبض على براثنه للوثبة ،
فقل لسكان الفلا : لا تغرنكم أعدادكم وأمدادكم ، فلا يبالي السرحان المواشي سواء
مشى إليها النّقرى أو الجفلى ، بل يصدمهم صدمة تحطم منهم كل عرنين ، ثم يبتلع بعد أشلاءهم المعفرة ابتلاع التنين ، فهو هو
كما عرفوه ، وعهدوه وألفوه ، أخو المنايا ، وابن جلا وطلّاع الثنايا ، مجتمع أشده ، قد احتنكت سنه وبان رشده ، جاد مجدّ ،
محتزم بحزام الحزم مشمر عن ساعد الجد : [البسيط]
لا يشرب الماء
إلا من قليب دم
|
|
ولا يبيت له جار
على وجل
|
أسديّ القلب آدميّ
الرواء ، لابس جلد النمر يزوي العناد والنواء : [الطويل]
وليس بشاويّ
عليه دمامة
|
|
إذا ما سعى يسعى
بقوس وأسهم
|
ولكنّه يسعى
عليه مفاضة
|
|
دلاص كأعيان
الجراد المنظّم
|
فالنجاء النجاء
سامعين له طائعين ، والوجل الوجل لاحقين به خاضعين ، قبل أن تساقوا إليه مقرّنين
في الأصفاد ، ويعيا الفداء بنفائس النفوس والأموال على الفاد ، حينئذ يعض ذو الجهل
والفدامة ، على يديه حسرة وندامة ، إذا رأى أبطال الجنود ، تحت خوافق الرايات
والبنود ، قد لفحتهم نار ليست بذات خمود ، وأخذتهم صاعقة مثل صاعقة الذي من قبلهم
عاد وثمود ، زعقات تؤز الكتائب أزّا ، وهمزا محققا للخيل بعد المد المشبع للأعنة
همزا ، وسلّا للهندية سلّا وهزّا للخطّية هزا ، حتى يقول النسر للذئب (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ
تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) [مريم : ٩٨] ثق
خليفة الله بذاك ، في كل من رام أذى رعيتك أو أذاك ، فتلك عادة الله سبحانه وتعالى
في ذوي الشقاق والنفاق ، الذين يشقون عصا المسلمين ويقطعون طريق الرفاق ،
__________________
وينصبون حبائل
البغي والفساد في جميع النواحي والآفاق ، فلن يجعلهم الله عز وجل من الآمنين ،
أنّى وكيف وقد أفسدوا وخانوا وهو سبحانه لا يصلح عمل المفسدين ، ولا يهدي كيد
الخائنين ، وها نحن قد وجّهنا إلى كعبة مجدكم وجوه صلوات التقديس والتعظيم ، بعد
ما زينا معاطفها باستعطافكم بدرّ ثناء أبهى من در العقد النظيم ، منتظمين في سلك
أوليائكم ، متشرفين بخدمة عليائكم ، ولا فقد عزة ولا عدمها ، من قصد مثابتكم العزيزة وخدمها ، وإن المترامي على سنائكم ، لجدير بحرمتكم
واعتنائكم ، وكل ملهوف تبوّأ من كنفكم حصنا حصينا ، عاش بقية عمره محروسا من الضّيم
مصونا ، وقد قيل في بعض الكلام : من قعدت به نكاية الأيام ، أقامته إغاثة الكرام ،
ومولانا أيده الله تعالى ولي ما يزفه إلينا من مكرمة بكر ، ويصنعه لنا من صنيع
حافل يخلد في صحائف حسن الذكر ، ويروى معنعن حديث حمده وشكره طرس عن قلم عن بنان
عن لسان عن فكر ، وغيره من ينام عن ذلك فيوقظ ، ويسترسل مع الغفلة حتى يذكر ويوعظ
، وما عهد منذ وجد إلا سريعا إلى داعي الندى والتكرم ، بريئا من الضجر بالمطالبة
والتبرم ، حافظا للجار الذي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بحفظه ، مستفرغا وسعه
في رعيه المستمر ولحظه ، آخذا من حسن الثناء في جميع الأوقات والآناء بحظه : [الخفيف]
فهو من دوحة
السّنا فرع عزّ
|
|
ليس يحتاج
مجتنيه لهزّ
|
كفّه في الأمحال
أغزر وبل
|
|
وذراه في الخوف
أمنع حرز
|
حلمه يسفر اسمه
لك عنه
|
|
فتفهم يا مدّعي
الفهم لغزي
|
لا تسل شيئا ولا
تستنله
|
|
نظرة منه فيك
تغني وتجزي
|
فنداه هو الفرات
الّذي قد
|
|
عام فيه الأنام
عوم الأوزّ
|
وحماه هو المنيع
الّذي تر
|
|
جع عنه الخطوب
مرجع عجز
|
فدعوا ذهنه
يزاول قولي
|
|
فهو أدرى بما
تضمّن رمزي
|
دام يحيى بكلّ
صنع ومنّ
|
|
ويعافى من كلّ
بؤس ورجز
|
وكأنا به قد عمل
على شاكلة جلاله ، من مد ظلاله ، وتمهيد خلاله ، وتلقى ورودنا
__________________
بحسن تهلله
واستهلاله ، وتأنيسنا بجميل قبوله وإقباله ، وإيرادنا على حوض كوثره المترع بزلاله
، والله سبحانه يسعد مقامه العلي ويسعدنا به في حله وارتحاله ، ومآله وحاله ،
ويؤيد جنده المظفر ويؤيدنا بتأيده على نزال عدوه واستنزاله ، وهز الذّوابل لإطفاء ذباله ،
وهو سبحانه وتعالى المسؤول أن يريه قرة العين في نفسه وأهله وخدامه وأمواله ،
وأنظاره وأعماله ، وكافة شؤونه وأحواله ، وأحق ما نصل بالسلام وأولى على المقام
الجليل مقام الخليفة المولى ، أزكى الصلاة والسلام على خاتمة أنبيائه وأرساله ،
سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع أصحابه وآله ، صلاة وسلاما
دائمين أبدا موصولين بدوام الأبد واتّصاله ، ضامنين لمجددهما ومرددهما صلاح فساد أعماله
، وبلوغ غاية آماله ، وذلك بمشيئة الله تعالى وإذنه وفضله وإفضاله ، انتهى.
وكاتب هذه الرسالة
على لسان السلطان المخلوع ، قال الوادي آشي في حقه : إنه إمام [هذه] الصناعة ، وفارس حلبة القرطاس واليراعة ، وواسطة عقد البلاغة والبراعة ، الذي قطف الكمال لما نوّر
، ورتّب محاسن البديع في درر فقره وطوّر وغرف من بحر عجاج ، واقتطف من خاطر وهّاج
، أبو عبد الله محمد بن عبد الله العربي العقيلي ، وما أحسن قوله فيمن قد ظفر به
المسلمون : [الطويل]
ألا ربّ مغرور
تنصّر ضلّة
|
|
فحاق به شؤم
الضلال وشرّه
|
فإن يرتفع عند
النّصارى بالابتدا
|
|
فكم عندنا من
حرف حبل يجرّه
|
وقال الوادي آشي
أيضا في موضع آخر ما نصه : ولشاعر العصر ، ومالك زمامي النظم والنثر ، والفقيه
العالم المتقن المتفنن العارف الأوحد النبيه النبيل ، سيدي محمد العربي وصل الله
تعالى رفعة قدره ، وحرس من غير الأيام أشعة بدره : [السريع]
الحبّ في جمهور
أنواره
|
|
فأين الاخوان
والأحباب
|
وأين أين
الاجتماعات ، قد
|
|
تهيّأت لهنّ
الاسباب
|
__________________
وأين بنت الجبن؟
لما بدت
|
|
طارت إليها شوقا
الباب
|
وأين الالبان
لأكوابها
|
|
في برم الأرزّ
تسكاب
|
واللحم بالبسباس
قد ألفت
|
|
لطبخه في القدر
الاحطاب
|
والعود ذو دندنة
يطّبي
|
|
آثارها للطار
دبداب
|
وملح الأصوات قد
طورحت
|
|
وجاء معبد
وزرياب
|
وفضّ للهو ختام
ولم
|
|
يسدّ في وجه
الهوى باب
|
وقيل للوقار قم
قبل أن
|
|
تسلب عنك الآن
الاثواب
|
وكلّ إنسان وما
يشتهي
|
|
ليس على مناه
حجّاب
|
مسترسلا ليس له
عذّل
|
|
كلّا ولا عليه
رقّاب
|
في راحة خلعت
ارسانها
|
|
لمثلها تعصر
الاعناب
|
فكلّ بستان قد
استأسدت
|
|
فيه النواوير
والاعشاب
|
وأطلع التراب
أدواحه
|
|
كأنها العرب
الاتراب
|
لما تحلّت بحلى
زهرها
|
|
داخلها بالحسن
الاعجاب
|
عرائس ليس لها
في سوى
|
|
مائه إذ ينبه
خطّاب
|
إمام تبدى ثمرات
بدا
|
|
في جنباتهنّ
الارطاب
|
كأنّه في العين
ياقوت أو
|
|
كأنّه في الفم
جلّاب
|
هيهات هيهات
أمان لها
|
|
خلّب برق لك
خلّاب
|
ما حوت الرءوس
أمثالها
|
|
فكيف تحويهن
الاذناب
|
قد عاق عن ذلك
دهر به
|
|
تعدم الافراح
والاطراب
|
يروم الإنسان غلابا
له
|
|
والدهر للإنسان
غلّاب
|
__________________
وقال رحمه الله
تعالى لما نزل النصارى لمحاصرة غرناطة : [المجتث]
بالطّبل في كلّ
يوم
|
|
وبالنّفير نراع
|
وليس من بعد هذا
|
|
وذاك إلّا
القراع
|
يا ربّ جبرك
يرجو
|
|
من هيض منه
الذراع
|
لا تسلبنّي صبرا
|
|
منه لقلبي
ادّراع
|
وله رحمه الله
تعالى في الموشحات اليد الطولى ، فمن ذلك قوله :
بدر أهل الزمان
الرفيع القدر
|
|
لا تزل في أمان
من كسوف البدر
|
وله من أخرى :
هل يصحّ الأمان
|
|
من شبيه البدر
|
وهو مثل الزمان
|
|
منتم للغدر
|
لم يغرّ الأغرّ
|
|
غير غمر جاهل
|
عيشه الحلو مرّ
|
|
وهو فيه ناهل
|
والصبا الغض مرّ
|
|
وهو عنه ذاهل
|
مرشف البهرمان
|
|
فوق ثغر الدّرّ
|
مطمع للأمان
|
|
باقتراب الدّرّ
|
وعارض رحمه الله
تعالى بهاتين الموشحتين الموشحة المشهورة :
ضاحك عن جمان
|
|
سافر عن بدر
|
ضاق عنه الزّمان
|
|
وحواه صدري
|
وممن عارض هذه
الموشحة ابن أرقم إذ قال :
مبسم البهرمان
|
|
في المحيّا
الدّرّي
|
صاد قلبي وبان
|
|
وأنا لم أدر
|
والإنصاف أن
معارضة العربي أحسن من هذه.
وله أيضا معارضتان
غير ما تقدم : الأولى قوله :
__________________
بان لي ثمّ بان
|
|
ذا خدود حمر
|
ينثني مثل بان
|
|
في ثياب خضر
|
والثانية قوله :
هل لمرآك ثان
|
|
في سناه الدّرّي
|
أو لحوبائي ثان
|
|
عن هواها العذري
|
يا مليحا جلا
|
|
عن محيّا جميل
|
همت فيه ولا
|
|
هيمان جميل
|
مل قليلا إلى
|
|
من إليك يميل
|
عاشق فيك فان
|
|
كاتم للسّرّ
|
لك منه مكان
|
|
في صميم الصّدر
|
ومن نظم العربي
المذكور لما عرض عليها السلطان رياسة كتابه من قصيدة : [السريع]
أوجه سعدي انحطّ
عنه اللّثام
|
|
أم بدر أفقي فضّ
عنه الغمام
|
أم أنا في حالي
لا عقل لي
|
|
أم حلم قد لاح
لي في المنام
|
يا لك مرأى من
رأى حسنه
|
|
هاج لقلبه غراما
فهام
|
كأنما أقبس نور
البها
|
|
من وجه مولانا
الإمام الهمام
|
ابن أبي الحسن
الأسرى الذي
|
|
قد كان للأملاك
مسك الختام
|
ضرغام قد أنجب
شبها له
|
|
في صدق بأس
ومضاء اعتزام
|
حامي وسامي
فأفاعيله
|
|
تنقلها أبناء
سام وحام
|
دام له النّصر
الّذي جاءه
|
|
والسيف من طلى
أعاديه دام
|
فيا أمير
المؤمنين الذي
|
|
له بعروة اليقين
اعتصام
|
أبشر بجدّ مقبل
لم يؤل
|
|
إلى انصراف لا
ولا لانصرام
|
وعزة لم يفض
بنيانها
|
|
إلى انهداد لا
ولا لانهدام
|
__________________
لله منك ملك
جنده
|
|
زهر النجوم وهو
بدر التّمام
|
ومنها :
يطرب من مادحه
مثل ما
|
|
يطرب قلب الصّبّ
سجع الحمام
|
فيفعل الشعر
بأعطافه
|
|
ما ليس تفعل بهن
المدام
|
وإن حكى في مدحه
يوسفا
|
|
فحسنه يشبه زهر
الكمام
|
ومنها :
فداره ليست
ببغدادهم
|
|
مع أنّها تدعى
بدار السّلام
|
ومنها :
أسأله الإعفاء
من كلّ ما
|
|
أعجز عن حمل له
والتزام
|
ومنها :
مستشفعا له بخير
الورى
|
|
محمد عليه أزكى
السّلام
|
ومنها :
وكلّ إنسان وما
اختاره
|
|
وربّ ذي عذر قد
اضحى يلام
|
وآخرها :
فالحمد لله على
أن غدا
|
|
للشّمل بعد
الانصداع التئام
|
ولنختم هذه
الترجمة بقوله : [المنسرح]
جز بالبساتين
والرّياض فما
|
|
أبهج مرئيّها
وأحلاه
|
واعجب بها
للنّبات ولتك في
|
|
أسفله ناظرا
وأعلاه
|
وقدّس الله عند
ذاك وقل
|
|
سبحانه لا إله
إلّا هو
|
سبحان وارث الأرض
ومن عليها وهو خير الوارثين والحمد لله رب العالمين.
تم الجزء الخامس
من كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وبه تم القسم الأول من الكتاب ويليه
الجزء السادس مفتتحا بالقسم الثاني من الكتاب في التعريف بلسان الدين بن الخطيب.
__________________
فهرس الرسائل والخطب والاجازات للجزء الخامس
من كتاب نفح الطيب
ابن الأبار
: رسالة منه إلى أبي المطرف ابن عميرة.................................................................. ٥
/ ٣٨٢
ابن حبيش ، أبو بكر : إجازة من إنشائه........................................................................ ٥
/ ٢٢٦
قطعة
من إجازة أخرى.................................................. ٥
/ ٢٢٧
رسالة في ما ذا التكثيرية................................................. ٥
/ ٢٢٦
ابن
العربي العقيلي : رسالة على لسان المخلوع النصري إلى الشيخ الوطاسي........................................ ٥
/ ٤١٠
أبو
المطرف : رسالته إلى ابن الأبار عند سقوط بلنسية............................................................ ٥
/ ٣٧٧
أبو
الحسن المريني : رسالة منه إلى الملك الصالح (لم يذكر منشؤها)................................................. ٥
/ ٢٨٧
الصفدي
، خليل بن أبيك................................................................................................
رسالة عن الملك الصالح إلى أبي الحسن
المريني............................... ٥
/ ٢٩٤
إجازة برواية رسالته السابقة والواردة من أبي الحسن.......................... ٥ / ٢٩٨
لسان الدين بن الخطيب :.................................................................................................
رسالة على لسان السلطان إلى السلطان
المريني............................. ٥
/ ٣٠٣
رسالة في استنهاض السلطان المريني....................................... ٥
/ ٢٠٨
رسالة إلى سلطان فارس................................................. ٥
/ ٣١٢
رسالة في الاعتذار عن فرار أبي الفضل
المريني............................... ٥
/ ٣١٥
رسالة عن الغني إلى الأمير السعيد........................................ ٥
/ ٣٢٣
رسالة إلى أبي عنان عن أبي الحجاج....................................... ٥
/ ٣٢٥
رسالة في حاجة الأندلس إلى بر العدوة.................................... ٥ /
٣٣١
رسالة عن أبي الحجاج إلى الرعايا......................................... ٥
/ ٣٣٤
رسالة توضح ضيق الحال بالأندلس....................................... ٥
/ ٣٣٦
قطعة من رسالة طويلة.................................................. ٥
/ ٣٣٧
ابن
زيدون ، أبو الوليد : من رسالة له إلى ولادة.................................................................. ٥
/ ١٣٣
ابن
سعيد ، عبد الملك : رسالته إلى أبيه حين سجن.............................................................. ٥
/ ١٢٠
رسالته يعتذر عن مجلس أنس............................................ ٥
/ ١٢١
جواب على رسالة وصلته من اللص....................................... ٥ / ١٥٣
ابن
سيد ، اللص : رسالته إلى عبد الملك بن سعيد............................................................... ٥
/ ١٢٢
الأعلم
الشنتمتري : رسالة في لفظ «المسهب»..................................................................... ٥
/ ٢٤
رسالة في المسألة الزنبورية.................................................. ٥ / ٢٦
فهرس موضوعات الجزء الخامس
من كتاب نفح الطيب
من غصن الأندلس الرطيب للمقري
أبو عبد الله بن عائشة : ترجمته وبعض
شعره
|
٣
|
القرموني
|
١٢
|
من شعر أبي عمرو
يزيد بن عبد الله اللخمي الإشبيلي
|
٥
|
من شعر أبي
الحسن بن لبال
|
١٣
|
من شعر ابن الحداد
|
٦
|
من شعر أبي
العباس الشريشي
|
١٣
|
من شعر أبي
الحسن بن حريق
|
٦
|
من شعر أبي جعفر
الشريشي
|
١٣
|
من شعر علي بن
محمد الإيادي التونسي
|
٧
|
من شعر عمرو بن
غياث
|
١٣
|
من شعر أبي عمر
القسطلي
|
٨
|
من شعر الوزير
أبي بكر بن أبي مروان
|
١٤
|
من شعر ابن
خفاجة
|
٨
|
من شعر أبي
القاسم بن أبي بكر
|
١٤
|
من شعر ابن
الأبار
|
٨
|
من شعر عبد الله
الجزيري
|
١٤
|
من شعر أبي
العباس الأعمى
|
٩
|
من شعر عبد
الملك الجزيري
|
١٥
|
من شعر عبيد
الجليل بن وهبون
|
٩
|
من شعر أبي
الحسن علي بن حفص الجزيري
|
١٦
|
من شعر ابن
خفاجة
|
١٠
|
من شعر أبي
الحسن بن سعيد
|
١٧
|
من شعر عبيد
الله بن جعفر الإشبيلي
|
١٠
|
من شعر أحمد بن
بلال
|
١٧
|
من شعر أبي
الحسن علي بن جحدر الزجال
|
١٠
|
من شعر أبي
الوليد القسطلي
|
١٨
|
من شعر أحمد
المعروف بالكساد
|
١١
|
من شعر أبي كثير
الطريفي
|
١٨
|
من شعر أبي
القاسم الحضرمي المنيشي
|
١١
|
من شعر أبي عامر
بن الجد
|
١٨
|
من شعر أبي زيد
عبد الرحمن العثماني
|
١١
|
من شعر أبي عبد
الله الشلبي
|
١٨
|
من شعر أبي
زكريا يحيى بن محمد الأركشي
|
١٢
|
من شعر أبي بكر
محمد بن الملح
|
١٩
|
من شعر أبي
عمران الطرياني
|
١٢
|
من شعر أبي بكر
محمد بن عبد القادر الشلبي
|
٢٠
|
من شعر أبي عمرو
بن الحكم
|
١٢
|
من شعر أبي
الحسن علي ابن السيد البطليوسي
|
٢٠
|
من شعر أبي
الحسن علي بن الجعدي
|
١٢
|
من شعر أبي بكر
محمد بن الروح الشلبي
|
٢٠
|
|
|
من شعر أبي بكر
بن المنخل
|
٢١
|
من شعر أبي بكر
بن عمار
|
٢١
|
من تطير الرشيد
بن المعتمد
|
٣٩
|
من شعر ابن صارة
في ابن الأعلم
|
٢١
|
من شعر المعتمد
|
٤٠
|
من شعر الرمادي
|
٢٢
|
بين المعتمد
وابن اللبانة
|
٤١
|
من شعر أبي
الفضل بن الأعلم وترجمته وترجمة أبيه
|
٢٢
|
من شعر ابن
اللبانة
|
٤١
|
من شعر أبي علي
إدريس بن اليماني العبدري
|
٢٣
|
من شعر لسان
الدين بن الخطيب
|
٤٢
|
مهاجاة بين ابن
طيفور والحافظ الهيثم
|
٢٣
|
ابن زيدون يمدح
المعتمد بن عباد
|
٤٣
|
من شعر الحجاري
صاحب المسهب
|
٢٤
|
من شعر أبي
القاسم أسعد يمدح المعتصم
|
٤٤
|
بحث في ضبط كلمة
المسهب
|
٢٤
|
من شعر ابن خلصة
المكفوف
|
٤٤
|
أخبار تتعلق
بسيبويه وكتابه في النحو
|
٢٧
|
من شعر ابن
الحداد
|
٤٥
|
نسب سيبويه
وتفسير لقبه
|
٣٠
|
من شعر ابن
وهبون
|
٤٦
|
من شعر الإلبيري
|
٣٢
|
من شعر ابن أبي
وهب
|
٤٦
|
من شعر ابن صارة
|
٣٢
|
من شعر ابن
اللبانة
|
٤٦
|
من شعر ابن
هانىء الأندلسي
|
٣٢
|
من شعر القزاز
|
٤٦
|
من شعر القسطلي
|
٣٣
|
من شعر أبي
الحسن بن الحاج
|
٤٧
|
من شعر أبي
العباس الجراوي
|
٣٣
|
من شعر ابن
خفاجة
|
٤٩
|
من شعر أبي بحر
صفوان بن إدريس
|
٣٣
|
من شعر ابن
الرفاء
|
٥١
|
من شعر أبي بكر
بن مجبر
|
٣٤
|
من شعر أبي محمد
بن عبد البر
|
٥١
|
من شعر بعضهم في
الباذنجان
|
٣٤
|
من شعر أبي
القاسم السميسر
|
٥١
|
من شعر ابن خروف
في وصف دمشق
|
٣٤
|
من شعر ابن شاطر
السرقسطي
|
٥٢
|
من شعر أبي
القاسم بن هشام
|
٣٥
|
من شعر الحصري
|
٥٢
|
من شعر أبي
الوليد الوقشي
|
٣٥
|
من شعر عبد
الصمد
|
٥٢
|
من شعر أبي
الحسن بن عيسى
|
٣٥
|
من شعر ابن عبد
الحميد البرجي
|
٥٢
|
من شعر أبي ذر
الخشني
|
٣٥
|
من شعر عبادة
|
٥٢
|
من شعر محمد بن
أبي خالص الرندي
|
٣٦
|
من شعر ابن
المطرف المنجم
|
٥٣
|
من شعر عبد
الملك بن مفوز
|
٣٦
|
من شعر أبي
الحسن بن اليسع
|
٥٣
|
من شعر ابن
زيدون
|
٣٦
|
بين المستنصر
وابن سيد الناس
|
٥٣
|
من شعر الهيثم
فيمن أصابه جرب
|
٣٦
|
من شعر أبي
العباس الرصافي
|
٥٣
|
من شعر أبي
الحسين النفزي
|
٣٦
|
من شعر أبي
الربيع بن سالم
|
٥٤
|
من شعر ابن صارة
|
٣٧
|
من شعر أبي
القاسم بن الأبرش
|
٥٤
|
من شعر المعتمد
بن عباد
|
٣٧
|
من شعر أبي
الحسن بن حريق
|
٥٤
|
من شعر ابن
زيدون
|
٣٩
|
من شعر أبي
القاسم بن العطار الإشبيلي
|
٥٤
|
من شعر المعتمد
بن عباد
|
٣٩
|
من شعر أبي
العباس اللص
|
٥٥
|
|
|
من شعر أبي
إسحاق الإلبيري
|
٥٥
|
|
|
من شعر الوزير
أبي الوليد بن مسلمه
|
٥٥
|
من شعر أبي الطاهر إسماعيل الخشني
|
٥٥
|
محمد بن أحمد القرموطي المرسي
|
٦٩
|
من شعر أبي المعالي الإشبيلي
|
٥٦
|
من شعر أبي عبد الله محمد بن سالم
القيسي
|
٦٩
|
من شعر أبي القاسم بن الأنقر السرقسطي
|
٥٦
|
من شعر أبي عبد الله الإشبيلي الخطيب
|
٦٩
|
من شعر أبي وهب الزاهد
|
٥٦
|
من شعر أبي زيد العثماني
|
٦٩
|
من شعر أبي عبد الله بن محمد بن فتح
|
٥٦
|
من صاحب دانية إلى المنصور بن أبي
عامر الأصغر
|
٧٠
|
من شعر أبي القاسم محمد بن نصير
|
٥٦
|
من شعر بعض الهجائين في رندة
|
٧١
|
بين محمد بن ميمون وأبيه في جارية
|
٥٧
|
من شعر حبلاص الشاعر الرندي
|
٧١
|
من شعر المعتمد بن عباد
|
٥٧
|
من شعر أبي بكر الرندي
|
٧٢
|
من شعر أبي عامر البرياني
|
٥٨
|
من شعر أرقم أحد بني ذي النون
|
٧٢
|
من شعر السمسير
|
٥٨
|
من شعر أبي محمد بن سفيان
|
٧٢
|
من شعر أبي بكر بن منخل
|
٥٨
|
من شعر ابن أرفع رأسه
|
٧٣
|
من شعر محمد بن عبد الحق الإشبيلي
|
٥٩
|
من شعر أحمد عبد المؤمن الطليطلي
|
٧٣
|
من شعر أبي محمد بن صارة
|
٥٩
|
من شعر أبي محمد عبد الله بن العسال
|
٧٣
|
من شعر أبي محمد الطائي
|
٥٩
|
من شعر الوزير أبي جعفر الوقشي
|
٧٤
|
من شعر الحافظ ابن حزم
|
٥٩
|
من شعر أبي الوليد هشام الوقشي
|
٧٥
|
من شعر أبي عبد الله الجبلي الطبيب
|
٥٩
|
من شعر أبي الحسين بن أبي جعفر الوزير
|
٧٥
|
من شعر محمد بن عبد الله الحضرمي
|
٥٩
|
من شعر أبي الحسين علي بن الحمارة
|
٧٧
|
من شعر ابن الأبار
|
٦٠
|
تبحر اهل الاندلس فى العلوم
|
٧٨
|
من شعر التجاني
|
٦١
|
بين ابن حبيش واليفرنى فى استعمال ما
ذا
|
٧٨
|
من شعر أبي الحسين بن مفوز
|
٦٢
|
أبو زكريا يحيى بن علي بن سلطان
اليفرني
|
٨٢
|
من شعر أبي العباس بن مكنون
|
٦٢
|
من شعر صالح بن شريف الرندي
|
٨٣
|
أول اتصال الحجاري بابن سعيد
|
٦٣
|
نقد جماعة لكتاب المقرب لابن عصفور
|
٨٤
|
من شعر ابن مرزقان في وصف شمعة
|
٦٤
|
من شعر أبي جعفر بن صفوان المالقي
|
٨٥
|
من شعر ابن الأصبغ الإشبيلي
|
٦٥
|
من شعر محمد بن إدريس الأصطبوني
|
٨٥
|
من شعر ابن حجاج الغافقي
|
٦٥
|
من شعر محمد التطيلي الهذلي
|
٨٦
|
من شعر أبي وهب النحوي
|
٦٦
|
بين يحيى السرقسطي وابن حسداي الوزير
|
٨٧
|
من شعر محمد بن يحيى القلفاط
|
٦٦
|
من شعر أبي الحسن بن الحداد
|
٨
|
من شعر أحمد بن المبارك الحبيبي
|
٦٦
|
من شعر أبي زكريا بن مطروح
|
٨٨
|
من شعر إبراهيم بن إدريس العلوي
|
٦٧
|
من شعر أبي البركات بن الحاج البلفيقي
|
٨٩
|
من شعر أبي محمد المرواني
|
٦٧
|
من شعر أبي الحجاج يوسف الفهري
|
٨٩
|
البازي الأشهب أحد اللصوص في عصر
المعتمد بن عباد
|
٦٨
|
من شعر بعضهم في الرثاء
|
٨٩
|
منصور بن عبد المؤمن وشيخ مغفل بناء
|
٦٨
|
من شعر أبي جعفر البغيل
|
٨٩
|
أحمد المقريني المعروف بالكساد
|
٦٨
|
|
|
من شعر أبي جعفر أحمد بن أيوب المالقي
|
٩٠
|
أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن سعيد
العنسي
|
١١٠
|
من شعر أبي جعفر أحمد بن طلحة
|
٩٠
|
بين أبي جعفر وابن سيد المعروف باللص
|
١٢٣
|
من شعر أبي جعفر الغساني
|
٩٠
|
من شعر ابن سيد المعروف باللص
|
١٢٩
|
من شعر أبي بكر يحيى بن بقي
|
٩٠
|
بين أبي الحكم بن هرودس وأبي جعفر
|
١٣٠
|
من شعر المتوكل بن الأفطس
|
٩٠
|
من نظم أبي الحكم بن هرودس
|
١٣٠
|
من شعر أبي عبد الله بن خلصة
|
٩١
|
من نظم أخيل بن إدريس
|
١٣١
|
من شعر ابن اللبانة
|
٩١
|
من أخبار أحمد بن سيد المعروف باللص
|
١٣٢
|
من شعر أبي علي بن اليماني
|
٩١
|
عود إلى أخبار أبي جعفر بن سعيد
|
١٣٢
|
من شعر أبي جعفر بن الدودي
|
٩٢
|
ولادة بنت المستكفي
|
١٣٣
|
من شعر ابن أبي الخصال
|
٩٢
|
اعتماد جارية المعتمد بن عبا
|
١٣٨
|
من شعر غالب الحجام
|
٩٢
|
حديث عن المعتمد بن عباد عن الفتح
|
١٤٠
|
من شعر ابن عائشة
|
٩٢
|
حديث آخر عن المعتمد
|
١٤٢
|
من شعر أبي محمد بن سفيان
|
٩٣
|
ثورة عبد الجبار بن المعتمد بن عباد
|
١٤٤
|
من شعر ابن الزرقاني
|
٩٣
|
زيارة لسان الدين لقبر المعتمد
|
١٥٠
|
من شعر يحيى السرقسطي
|
٩٣
|
من شعر ابن عبدون
|
١٥٢
|
من شعر الرصافي
|
٩٤
|
من شعر الورقي يهجو آل عباد
|
١٥١
|
من شعر أبي بكر الصابوني
|
٩٤
|
الفتح يتحدث عن أولية بني عباد
|
١٥٢
|
من شعر ابن أبي ركب
|
٩٤
|
الأديب أبو جعفر بن البني
|
١٥٣
|
من شعر الرصافي
|
٩٥
|
من شعر اللورقي يهجو آل عباد
|
١٥٣
|
بين ابن حزم وبعض الأدباء
|
٩٥
|
الفتح يتحدث عن أولية بني عباد
|
١٥٦
|
من شعر أبي بكر بن مجبر
|
٩٦
|
الأديب أبو جعفر بن البني
|
١٥٩
|
بين شعر أبي بكر بن مجبر
|
٩٦
|
أبو الحسن بن لسان
|
١٥٦
|
بين الوقشي وابن سراج
|
٩٧
|
الأديب أبو بكر عبد المعطي
|
١٥٩
|
من شعر أبي الحسن بن أضحى
|
٩٧
|
أبو بكر يحيى بن بقي
|
١٦١
|
الوزيرة أبو الحسن بن أضحى وبعض
أخباره
|
٩٧
|
لأبي عبد الله الحوضي يمدح سلطان
تلمسان
|
١٦٥
|
أم السعد بنت عصام الحميري (سعدونة)
|
١٠٠
|
عود إلى بني عباد
|
١٦٥
|
حسانة التميمية
|
١٠٠
|
وصف ابن اللبانة للمعتضد
|
١٦٦
|
أم العلاء بنت يوسف الحجارية
|
١٠٢
|
ابن جاخ يرد على المعتضد
|
١٦٧
|
أمة العزيز
|
١٠٢
|
المعتمد على الله بن المعتضد بن عباد
|
١٦٨
|
أم الكرام بنت المتعصم بن صمادح
|
١٠٣
|
ترجمة الفتح للراضي بالله بن المعتمد
|
١٧٢
|
الشاعرة الغسانية البجانية
|
١٠٣
|
ألولاد المعتد
|
١٧٨
|
العروضية مولاة عبد الرحمن بن غلبون
|
١٠٣
|
من مدائح الداني في بني عباد مقتل بني
المعتد ورثاء ابن حمديس
|
١٧٨
|
حفصة الركونية
|
١٠٤
|
من شعر الداني في المعتمد
|
١٧٩
|
|
|
رئاء أبي بحر عبد الصمد للمعتمد
|
١٨١
|
بين الداني وابن عمار
|
١٨٢
|
المعتمد
|
١٩٧
|
امرأة تلقى المعتمد وابن عمار بغير
حياء
|
١٨٢
|
من حكايات مجالس أنس المعتمد ما حدث
به الفتح بن خاقان عن ذخر الدولة
|
١٩٨
|
ابن وهبون والمعتمد
|
١٨٣
|
ومنها ما حكاه الفتح أيضا عن ابن
اللبانة
|
١٩٩
|
أبو العرب الصقلي والمعتمد
|
١٨٣
|
حديث مجلس آخر يحكيه الفتح عن ذخر
الدولة
|
١٩٩
|
بحث المعتمد في بيت للمتنبي
|
١٨٣
|
حديث مجلس آخر بالسند السابق
|
٢٠٠
|
كلام للصفدي في بيت المتنبي
|
١٨٤
|
حديث مجلس آخر يحكيه الفتح عن إقبال
الدولة بن مجاهد
|
٢٠١
|
المعتمد وجارية من جواريه
|
١٨٤
|
للمعتمد في غلام رآه طالعا من ثنيات
الوغى
|
٢٠٢
|
لابن وهبون في وصف فيل من الفضة في
قصر المعتمد
|
١٨٥
|
وله فيه أيضا
|
٢٠٢
|
من شعر العزيز ابن الملح
|
١٨٥
|
رجع إلى أخبار النساء
|
٢٠٢
|
لابن زيدون يرثي المعتضد ويمدح
المعتمد
|
١٨٦
|
العبادية جارية المعتضد عباد
|
٢٠٢
|
من ابن زيدون إلى المعتمد بن عباد
|
١٨٩
|
للمعتضد في العبادية وقد سهر هو ليلة
وهي نائمة
|
٢٠٣
|
أهدى ابن زيدون تفاحا إلى المعتمد
وكتب معه
|
١٨٩
|
العبادية تجيب المعتضد بديها
|
٢٠٣
|
وكتب إليه أيضا
|
١٨٩
|
بثينة بنت المعتمد بن عباد
|
٢٠٣
|
ابن زيدون يعمّي ببيت فيفكه المعتمد
|
١٩٠
|
حفصة بنت حمدون الحجارية
|
٢٠٤
|
مما كتب به ابن زيدون إلى المعتمد
|
١٩٠
|
زينب المرية
|
٢٠٥
|
بين ابن حمديس والمعتمد بن عباد
|
١٩٢
|
غاية المنى ، جارية أندلسية قدمت
للمعتصم بن صمادح
|
٢٠٥
|
من شعر ابن حمديس
|
١٩٢
|
حمدة (ويقال حمدونة) بنت زياد المؤدب
من وادي آش
|
٢٠٦
|
عود إلى ذكر اعتماد الرميكية حظية
المعتمد
|
١٩٣
|
نسب بعض الأدباء لحمدة بنت زياد
أبياتا تنسب في المشرق إلى المنازي
|
٢٠٧
|
بنات المعتمد يزرنه في سجنه بأغمات
يوم عيد ، كاسفات البال ، فيقول فيهن شعرا
|
١٩٤
|
كلمة عن المنازي الشاعر وقدومه على
أبي العلاء المعري
|
٢٠٧
|
المعتمد يحمل في السفين من الأندلس
إلى العدوة ، وشعر له في ذلك
|
١٩٥
|
عودة إلى حمدة بنت زياد وأختها زينب
بنت زياد الوادي آشي
|
٢٠٨
|
وفي هذا يقول ابن اللبانة
|
١٩٥
|
عائشة بنت أحمد القرطبية
|
٢٠٨
|
القصر الزاهي من قصور المعتمد ، وشعر
له يشتاقه فيه وهو أسير بسجن أغمات
|
١٩٥
|
مريم بنت أبي يعقوب الأنصاري
|
٢٠٩
|
الحجاري يحدث عن جارية أهداها ابن
تاشفين إلى المعتمد بن عباد
|
١٩٦
|
أسماء العامرية ، من أهل إشبيلية
|
٢٠٩
|
أم الهناء بنت عبد الحق بن عطية
القاضي
|
٢١٠
|
لأبي عبد الله بن الصفار ، وهو من بيت
القضاء والعلم بقرطبة
|
٢٢٢
|
مهجة القرطبية ، صاحبة ولادة بنت
المستكفي بالله
|
٢١٠
|
لأبي مروان الجزيري
|
٢٢٢
|
هند جارية أبي محمد عبد الله بن مسلمة
الشاطبي
|
٢١١
|
أبيات لأبي عمرو بن مهيب في حمود بن
إبراهيم الهرغي رواها محيي الدين بن عربي
|
٢٢٣
|
الشلبية ، وكانت في عهد السلطان يعقوب
المنصور
|
٢١١
|
أبيات لعبد الله الجذامي ، وشيء من
ترجمته عن «الإحاطة» للسان الدين
|
٢٢٣
|
زوجة لبعض قضاة لوشة فاقت علماء عصرها
في معرفة الأحكام
|
٢١١
|
لعبد الله بن أحمد المالقي ، أبيات
كتبها إلى أبي نصر الفتح بن خاقان صاحب «قلائد العقيان» و «مطمح الأنفس»
|
٢٢٣
|
نزهون الغرناطية
|
٢١٢
|
لمحمد بن الحسن المذحجي
|
٢٢٤
|
بينها وبين الوزير أبي بكر بن سعيد
|
٢١٢
|
لمحمد بن عبد الرحمن الغرناطي
|
٢٢٤
|
بينها وبين المخزومي الهجاء
|
٢١٢
|
لأبي محمد الكلاعي الجياني وقد دخل
على القاضي ابن رشد فقام له
|
٢٢٤
|
حديث لابن سعيد عن اجتماع نزهون وابن
قزمان وما جرى بينهما
|
٢١٣
|
لأبي عبد الرحمن بن حجاف البلنسي
|
٢٢٥
|
بين نزهون وأبي بكر الكتندي
|
٢١٤
|
لأبي محمد بن برطلة
|
٢٢٥
|
من شعر ابن الزقاق
|
٢١٥
|
لابن وضاح ، وأنشده أبو بكر بن حبيش
|
٢٢٥
|
من شعر الخفاجي
|
٢١٧
|
ترجمة أبي بكر محمد بن الحسن بن يوسف
بن حبيش ، وبعض أخباره
|
٢٢٦
|
لابن صارة
|
٢١٧
|
للوزير الكاتب أبي بكر بن القبطرنة
يستجدي بازيا من المنصور بن الأفطس
|
٢٢٧
|
للأديب أبي القاسم بن العطار
|
٢١٨
|
بين ابن عمار والمعتمد بن عباد وقد
أهديت للمعتمد باكورة نرجس ، فكتب يستدعي حضوره لمجلس أنس
|
٢٢٨
|
لأبي جعفر بن خاتمة
|
٢١٩
|
ابن عمار يكتب للمعتمد وقد أصطبح مع
أم الربيع في يوم غيم واحتجب عن الندماء
|
٢٢٨
|
للوزير ابن جزي
|
٢١٩
|
بين ابن عمار وبعض إخوانه ، وقد كتبوا
له يستدعون منه شرابا
|
٢٢٩
|
لأبي الحجاج النصري (السلطان)
|
٢١٩
|
بين ذي الوزارتين القائد أبي عيسى بن
لبون ، وابن اليسع
|
٢٢٩
|
لأبي القاسم بن حاتم
|
٢٢٠
|
|
|
للفقيه ابن سعيد يخاطب الفقيه الفخار
|
٢٢٠
|
|
|
لابن جبير اليحصبي فيمن أهدى له تفاحا
|
٢٢٠
|
|
|
لقاضي مالقة إبراهيم البدوي
|
٢٢٠
|
|
|
حديث عن مصحف بجامع العدبس بإشبيلية
|
٢٢٠
|
|
|
من شعر ابن عبدون
|
٢٢١
|
|
|
لأبي عبد الله بن المناصف قاضي بلنسية
|
٢٢١
|
|
|
للوزير ابن عمار ردا على أبي المطرف
بن الدباغ وقد شفع عنده في غلام طر عذاره
|
٢٢١
|
|
|
من شعر ابي الوليد الوقشي قاضي طليطلة
|
٢٢٢
|
|
|
للحجاري في وصف زيه البدوي
|
٢٢٩
|
الأزدي
|
٢٤٠
|
لأبي العباس بن خليل
|
٢٢٩
|
لأبي إسحاق بن خفاجة وقد أربى على
الثمانين
|
٢٤٠
|
لأبي محمد عبد الحق الإشبيلي
|
٢٣٠
|
لأبي محمد عبد الوهاب بن محمد القيسي
المالقي
|
٢٤٠
|
لأبي عبد الله محمد بن صالح الكناني
|
٢٣٠
|
لعبد الحق الإشبيلي الأزدي
|
٢٤٠
|
لأبي العباس أحمد بن الغماز البلنسي
|
٢٣٠
|
لأبي الفضل عبد المنعم بن عمر الغساني
الجلياني
|
٢٤٠
|
لأبي إسحاق الإلبيري الغرناطي
|
٢٣١
|
لعبد العليم بن عبد الملك بن حبيب
القضاعي الطرطوشي
|
٢٤١
|
لأبي عبد الله بن العريف
|
٢٣٢
|
لأبي الحكم عبد المحسن البلنسي
|
٢٤١
|
لأبي القاسم بن الأبرش
|
٢٣٢
|
لأبي حاتم عمر بن محمد بن فرج يمدح
كتاب «الشهاب» للقضاعي
|
٢٤١
|
لأبي العباس بن صقر الغرناطي
|
٢٣٢
|
لأبي محمد غانم بن الوليد المخزومي
المالقي
|
٢٤١
|
لأبي عبد الله محمد بن الأبار القضاعي
|
٢٣٣
|
لأبي العباس أحمد بن العريف
|
٢٤٢
|
من ترجمة ابن الأبار عن الغبريني في
كتابه «عنوان الدراية»
|
٢٣٣
|
لأبي محمد المحاربي
|
٢٤٣
|
ابن علوان يحدث عن اتصال سنده به
|
٢٣٣
|
لأبي عبد الله غريب الثقفي القرطبي
|
٢٤٣
|
المؤلف يحدث عن اتصال سنده به
|
٢٣٤
|
لأبي الحسن سليمان بن الطراوة النحوي
المالقي
|
٢٤٣
|
لابن عبد ربه
|
٢٣٤
|
لأبي الربيع بن سالم
|
٢٤٤
|
للصدر أبي العلاء بن قاسم القيسي
|
٢٣٤
|
لأبي الحسن سلام بن عبد الله بن سلام
الباهلي الإشبيلي
|
٢٤٤
|
للأعمى التطيلي
|
٢٣٤
|
لأبي بكر الزبيدي اللغوي
|
٢٤٤
|
للقاضي أبي العباس بن الغماز البلنسي
|
٢٣٤
|
لأبي الوليد هشام بن محمد ، القيسي ،
الشلبي ، المعروف بابن الطلا
|
٢٤٤
|
لأبي إسحاق الإلبيري
|
٢٣٥
|
لابن حوط الله
|
٢٤٥
|
لأبي الطاهر الجياني المعروف بابن أبي
ركب
|
٢٣٥
|
ترجمة أبي محمد عبد الله بن سليمان بن
داود بن عمر بن حوط الله عن «الإحاطة»
|
٢٤٥
|
بين ابن ركب وابن زرقون
|
٢٣٦
|
لأبي المتوكل الهيثم بن أحمد السكوتي
الإشبيلي ، ورد وهم في نسبة أبياته
|
٢٤٥
|
لأبي عبد الله بن خميس الجزائري
|
٢٣٦
|
لأبي محمد القاسم بن الفتح الحجاري
المعروف بابن أفريولة
|
٢٤٦
|
لأبي محمد بن هارون القرطبي
|
٢٣٧
|
|
|
للأستاذ أبي محمد بن صارة
|
٢٣٧
|
|
|
لأبي عبد الله بن الحاج البكري
الغرناطي
|
٢٣٨
|
|
|
لأبي الربيع سليمان بن موسى الكلاعي
|
٢٣٨
|
|
|
لأبي بكر يحيى التطيلي
|
٢٣٩
|
|
|
بين بعض المغاربة والملك الكامل بن
العادل بن أيوب
|
٢٣٩
|
|
|
لأبي عمر بن عبد البر النمري القرطبي
أبيات يرويها أبو الوليد المعروف بابن الخليع
|
٢٣٩
|
|
|
لأبي بكر يحيى بن عبد الجليل بن مجبر
|
٢٤٦
|
لأبي بكر مالك بن جبير
|
٢٥٧
|
لأبي الحجاج يوسف بن أحمد الأنصاري
المنصفي البلنسي
|
٢٤٦
|
لأبي عبد الله محمد بن جبير اليحصبي
|
٢٥٧
|
لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن
محمد بن الصائغ القرشي الأموي ، مخمسا أبيات عز الدين بن جماعة قاضي القضاة
|
٢٤٧
|
لأبي زكريا يحيى بن سعد بن مسعود
القلني
|
٢٥٨
|
لأبي عبد الله الحميدي
|
٢٤٧
|
تذييل المؤلف عليه
|
٢٥٨
|
بين الحميدي ومن ذم أهل الحديث
|
٢٤٨
|
الباب الثامن من القسم الأول في خروج
الأندلس عن يد المسلمين
|
|
لأبي بكر محمد بن محرز الزهري البلنسي
|
٢٤٩
|
أول من جمع فلول النصارى
|
٢٥٩
|
لأحمد بن سعيد بن حزم
|
٢٤٩
|
رواية عيسى بن أحمد الرازي
|
٢٦٠
|
للقاضي أبي العباس أحمد بن الغماز
|
٢٤٩
|
رواية المسعودي صاحب مروج الذهب
|
٢٦٠
|
لابن الزقاق
|
٢٥٠
|
أول ما استرد الفرنج من بلادهم ، وما
قيل في ذلك من الشعر
|
٢٦٠
|
لأبي عبد الله محمد بن صالح الكناني
الشاطبي
|
٢٥٠
|
وصف طليطلة
|
٢٦١
|
لأيمن به محمد الغرناطي
|
٢٥٠
|
وصف قصر بناه يحيى بن ذي النون في
طليطلة ، عن ابن بدرون
|
٢٦٢
|
لأبي بكر الزبيدي اللغوي
|
٢٥١
|
تاريخ أخذ طليطلة ، عن ابن خلكان
وغيره
|
٢٦٢
|
لبعض فقهاء طلبيرة
|
٢٥٢
|
وقعة الزلاقة التي نشأت عن أخذ طليطلة
|
٢٦٢
|
لأبي بكر بن مفاوز أبيات أوصى أن تكتب
على قبره
|
٢٥٢
|
كتب دارت بين ملوك الأندلس وابن
تاشفين
|
٢٦٣
|
لابن صفوان الخطيب
|
٢٥٢
|
رواية ابن الأثير في كتابه «الكامل»
|
٢٦٤
|
لبعض قدماء الأندلس
|
٢٥٢
|
رواية أبي عبد الله الحميري في «الروض
المعطار»
|
٢٦٥
|
تذييل لآخر على هذا الشعر
|
٢٥٣
|
رواية ابن خلكان
|
٢٦٨
|
لأبي جعفر أحمد السياسي القيسي المري
|
٢٥٣
|
عود إلى رواية صاحب «الروض المعطار»
|
٢٦٩
|
لأبي إسحاق بن أبي العاصي
|
٢٥٣
|
كتاب من ابن عباد إلى ابنه بإشبيلية
|
٢٧٤
|
لأبي جعفر أحمد بن الزيات المالقي
|
٢٥٣
|
مبدأ غدر ابن تاشفين بابن عباد وغيره
|
٢٧٥
|
لأبي محمد عبد الله بن محمد بن صارة البكري
الشنتريني
|
٢٥٤
|
بعض أخبار المعتمد بن عباد ، عن ابن
القطاع
|
٢٧٧
|
لأبي محمد بن صاحب الصلاة ، الداني
|
٢٥٤
|
وعن ابن بسام في «الذخيرة»
|
٢٧٧
|
لأبي الحكم عبيد الله الأموي مولاهم
|
٢٥٤
|
من غدر ابن تاشفين
|
٢٧٨
|
لأبي إسحاق إبراهيم بن مسعود الإلبيري
|
٢٥٥
|
فتوى علماء الأندلس لابن تاشفين بجواز
خلع المعتمد بن عباد
|
٢٧٨
|
لأبي جعفر بن خاتمة
|
٢٥٥
|
حديث الفتح بن خاقان عما صنع مع
المعتمد بن عباد وأهله
|
٢٧٨
|
للحافظ أبي عبد الله الحميدي
|
٢٥٧
|
|
|
ابن تاشفين في ابن عباد
|
٢٧٨
|
السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون
برواية الخطيب أبي عبد الله بن مرزوق
|
٣٠١
|
رجل يدخل على المعتمد ينصحه في شأن
ابن تاشفين
|
٢٧٩
|
رواية المقريزي مؤرخ مصر لهذه الهدية
|
٣٠١
|
ملك علي بن يوسف بن تاشفين ، والثورة
عليه
|
٢٨١
|
ومن إنشاء لسان الدين بن الخطيب على
لسان سلطانه إلى أحد السلاطين من بني السلطان أبي الحسن المريني
|
٣٠٣
|
ملك عبد المؤمن بن علي بالأندلس
|
٢٨١
|
ومن إنشاء لسان الدين على لسان سلطانه
في استنهاض عزم السلطان المريني صاحب فاس لنصرة الأندلس
|
٣٠٨
|
يوسف بن عبد المؤمن بن علي
|
٢٨٢
|
ومن إنشاء لسان الدين في مخاطبة سلطان
فاس أيضا ، في المعنى السابق
|
٣١٢
|
لمطرف التجيبي في أبي إسحاق بن يوسف
بن عبد المؤمن بن علي
|
٢٨٣
|
ومن إنشاء لسان الدين عن سلطان
الأندلس إلى السلطان المريني صاحب فاس ، يعتذر عن فرار الأمير أبي الفضل المريني
الذي كان معتقلا بغرناطة
|
٣١٥
|
ملك يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن
|
٢٨٣
|
ومن إنشاء لسان الدين على لسان الفتى
مخاطبا لسلطان فاس والمغرب أبي عنان
|
٣١٨
|
ملك محمد الناصر بن يعقوب
|
٢٨٥
|
تهنئة من إنشاء لسان الدين على لسان
سلطانه إلى الأمير أبي بكر السعيد بن أبي عنان سلطان المغرب وقد ولاه أبوه جبل
الفتح
|
٣٢٣
|
المستنصر بن الناصر
|
٢٨٥
|
ومن إنشاء لسان الدين على لسان سلطانه
أبي الحجاج يخاطب أبا عنان سلطان المغرب
|
٣٢٥
|
عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن
|
٢٨٦
|
ومن إنشاء لسان الدين على لسان سلطانه
أمير المسلمين عبد الله يوسف بن أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر إلى سلطان
المغرب
|
٣٢٩
|
العادل بن المنصور يعقوب بن يوسف بن
عبد المؤمن ، ومن بعده من بني تاشفين
|
٢٨٦
|
|
|
بنو الأحمر
|
٢٨٦
|
|
|
بنو مرين
|
٢٨٧
|
|
|
كتاب من السلطان أبي الحسن المريني
إلى الملك الصالح بن السلطان الناصر محمد بن قلاوون سلطان مصر
|
٢٨٧
|
|
|
جواب سلطان مصر على هذا الكتاب من
إنشاء خليل بن أيبك
|
٢٩٤
|
|
|
الصفدي شارح لامية العجم
|
٢٩٨
|
|
|
صورة إجازة من الصفدي لعز الدين أبي
يعلى حمزة بن موسى بن أحمد بن شيخ السلامية برواية كتاب السلطان أبي الحسن
المريني وجواب سلطان مصر عليه
|
٢٩٨
|
|
|
السلطان أبو الحسن المريني يكتب بيده
ثلاثة مصاحف ويهديها للمساجد الثلاثة
|
٢٩٩
|
|
|
وصف بعض المشارقة للسلطان أبي الحسن
المريني هدية من السلطان أبي الحسن المريني إلى
|
٢٩٩
|
|
|
ومن إنشاء لسان الدين من جملة رسالة
على لسان سلطانه أبي الحجاج يخاطب الرعايا
|
٣٣٤
|
أخذ مدينة قرطبة
|
٣٥٩
|
ومن إنشاء لسان الدين فيما يتعلق بضيق
حال المسلمين ببلاد الأندلس
|
٣٣٦
|
أخذ مدينة مرسية
|
٣٥٩
|
ومن رسالة أخرى من إنشاء لسان الدين
في المعنى السابق
|
٣٣٧
|
حصار إشبيلية
|
٣٥٩
|
أخذ الكفار قواعد بلاد الأندلس
|
٣٣٨
|
واقعة أنيجة
|
٣٥٩
|
أخذهم طليطلة
|
٣٣٨
|
لابن الأبار يرثي شيخه أبا الربيع
الكلاعي ، وقد مات في حصار أنيجة
|
٣٥٩
|
أخذهم بلنسية
|
٣٣٩
|
من شعر الحافظ أبي الربيع الكلاعي
|
٣٦٠
|
أخذهم بربشتر قصبة بلد برطانية
|
٣٤٠
|
ترجمة الحافظ الكلاعي وذكر تصانيفه
|
٣٦١
|
ذكر بعض فظائع الإفرنج التي كانوا
يعملونها حين يستولون على البلاد
|
٣٤١
|
من قصيدة له أرسل بها إلى الأديب أبي
بحر صفوان بن إدريس المرسي عقب انفصاله من بلنسية
|
٣٦١
|
أخذ الإفرنج مدينتي تطيلة وطرشونة
|
٣٤٥
|
عبارة للقاضي أبي بكر بن العربي عن
نزول العدو الكافر بلاد الأندلس
|
٣٦٢
|
القصيدة السينية التي ألقاها ابن
الأبار القضاعي بين يدي أبي زكريا بن أبي حفص سلطان إفريقية وقد أقبل عليه
يستغيثه
|
٣٤٦
|
قصيدة لأبي جعفر الوقشي البلنسي يمدح
يوسف بن تاشفين ويصف حال الأندلس ويحث على الجهاد
|
٣٦٣
|
تغلب الإفرنج على بلنسية
|
٣٥٠
|
عبد المؤمن وبنوه في الأندلس
|
٣٦٤
|
وقعة كتندة
|
٣٥٠
|
من القصائد الموجهة إلى أبي زكريا عبد
الواحد بن أبي حفص ليغيث بلاد الأندلس من الإفرنج
|
٣٦٥
|
الاستيلاء على لوشة
|
٣٥١
|
قصيدة لبعض الشعراء يندب طليطلة
|
٣٦٩
|
الاستيلاء على المرية
|
٣٥١
|
القصيدة النونية الشهيرة التي أنشأها
الأديب الشهير أبو البقاء صالح بن شريف الرندي يرثي فيها بلاد الأندلس
|
٣٧٣
|
أبو محمد بن عبد الله بن علي الرشاطي
|
٣٥١
|
من بديع نظم صالح بن شريف الرندي
|
٣٧٥
|
عودة المرية إلى المسلمين ثم فقدانها
|
٣٥٢
|
رسالة كتبها القاضي أبو المطرف بن
عميرة المخزومي إلى الحافظ أبي عبد الله بن الأبار ، يذكر فيها أخذ الفرنج
بلنسية
|
٣٧٧
|
أخذ الإفرنج كورة ماردة
|
٣٥٤
|
قصيدة ختم بها أبو المطرف رسالته لابن
الأبار
|
٣٧٨
|
الملك المظفر محمد بن المنصور بن
الأفطس ملك بطليوس وماردة
|
٣٥٤
|
عود إلى الحديث عن تبدد شمل الجيرة ،
وطي بساط الجزيرة (الأندلس)
|
٣٨١
|
أبو عبد الله محمد الفازازي (ترجمة)
|
٣٥٥
|
|
|
أخذ الإفرنج جزيرة ميورقة
|
٣٥٦
|
|
|
شعر بعض أهل جزيرة ميورقة
|
٣٥٨
|
|
|
أخذ جزيرة شقر
|
٣٥٨
|
|
|
أخذ مدينة سرقسطة
|
٣٥٨
|
|
|
خذ شرق الأندلس شاطبة وغيرها
|
٣٥٩
|
|
|
وصف شاطبة وضياعها (لأبي المطرف)
|
٣٨١
|
اشتداد المعارك بين الإفرنج والمسلمين
|
٣٩٩
|
لابن رشيد في رحلته يصف أبا المطرف
|
٣٨٢
|
موقعة «البيرة»
|
٤٠١
|
رسالة الحافظ ابن الأبار التي أجابه
عنها القاضي أبو المطرف برسالته السابقة
|
٣٨٣
|
عود إلى «مالقة وبلش»
|
٤٠٢
|
من إنشاء ابن الأبار في كتابه المسمى
«درر السمط ، في خبر السبط»
|
٣٨٥
|
سقوط «بسطة» وغيرها
|
٤٠٣
|
للأديب الكاتب الحافظ المؤرخ أبي عبد
الله محمد بن الحداد الوادي آشي نزيل تلمسان ، في ضياع بلاد الأندلس
|
٣٩١
|
موقعة «شلوبانية»
|
٤٠٦
|
وصف ابن الحداد لخزانة الدار النصرية
وما كان فيها من المتاع والتحف
|
٣٩٣
|
موقعة مرج غرناطة
|
٤٠٦
|
انحياز المسلمين إلى غرناطة بعد
استيلاء الفرنج على قواعد بلاد الأندلس
|
٣٩٤
|
استيلاء النصارى على الحمراء وصورة من
شروط الصلح
|
٤٠٧
|
قصد ملوك الإفرنج غرناطة
|
٣٩٤
|
نقض النصارى للعهد
|
٤٠٩
|
بنو الأحمراء وحروبهم وجهادهم إلى
نهاية ملك المسلمين بالأندلس
|
٣٩٤
|
ذكر السلطان الذي ضاعت على عهده بلاد
الأندلس
|
٤١٠
|
موقعة «الحامة»
|
٣٩٦
|
نص رسالة كتبها أبو عبد الله محمد بن
عبد الله العربي العقيلي على لسان سلطان الأندلس المخلوع إلى سلطان فاس ، وتسمى
هذه الرسالة «الروض العاطر الأنفاس ، وفي التوسل إلى الإمام سلطان فاس»
|
٤١٠
|
موقعة «لوشة»
|
٣٩٧
|
كلمة عن أبي عبد الله العقيلي ، منشئ
الرسالة المذكورة
|
٤٢٨
|
موقعة «مالقة وبلش»
|
٣٩٧
|
من شعر أبي عبد الله العربي
|
٤٢٩
|
موقعة «رندة»
|
٣٩٨
|
نموذج من موشحاته
|
٤٣٠
|
حصار «مالقة»
|
٣٩٨
|
ومن شعره أيضا
|
٤٣١
|
|