الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥
إن الذين لقيتهم وصحبتهم |
|
صاروا جمعا في القبور ترابا |
وله عليهالسلام :
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها |
|
إن المقام بظل زائل حمق |
وله عليهالسلام :
لكسرة من خسيس الخبز تشعني |
|
وشربة من قراح الماء تكفيني |
وطمرة من رقيق الثوب تسترني |
|
حيا وإن مت تكفيني لتكفيني |
ومن سخائه عليهالسلام ما روي أنه سأل الحسن بن علي عليهماالسلام رجل فأعطاه فخمسين ألف درهم وخمس مائة دينار ، وقال : ائت بحمال يحمل لك فأتى بحملا فأعطى طيلسانه فقال : هذا كرى الحمال.
وجاءه بعض الاعراب فقال : أعطوه ما في الخزانة فوجد فيها عشرون ألف دينار فدفعها إلى الاعرابي فقال الاعرابي : يامولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي فأنشأ الحسن عليهالسلام :
نحن اناس نوالنا خضل |
|
يرتع فيه الرجاء والامل |
تجود قبل السؤال أنفسنا |
|
خوفا على ماء وجه من يسل |
لوعلم البحر فضل نائلنا |
|
لغاض من بعد فيضه خجل (١) |
بيان : قال الفيروز آبادي : الخضل ككتف وصاحب : كل شئ ند يترشف نداه وقال الجوهري : الخضل : النبات الناعم ، وقوله عليهالسلام « خجل » خبر مبتدأ محذوف.
١٥ ـ قب : أبوجعفر المدائني في حديث طويل : خرج الحسن والحسين و عبدالله بن جعفر حجاجا ففاتهم أثقالهم ، فجاعوا وعطشوا فرأوا في بعض الشعوب خباء رثا وعجوزا فاستسقوها فقالت : اطلبوا هذه الشويهة ، ففعلوا واستطعموها فقالت : ليس إلا هي فليقم أحدكم فليذبحها حتى أصنع لكم طعاما فذبحها أحدهم ثم شوت لهم من لحمها فأكلوا وقيلوا عندها فلما نهضوا قالوا لها : نحن نفر
____________________
(١) في النسخة المطبوعة : لفاض. وهو تصحيف راجع المصدر ج ٤ ص ١٦.
من قريش نريد هذا الوجه ، فإذا انصرفنا وعدنا فالممي بنافإنا صانعون بك خيرا ثم رحلوا.
فلما جاء زوجها وعرف الحال أو جعها ضربا ثم مضت الايام فأضرت بها الحال فرحلت حتى اجتازت بالمدينة فبصربها الحسن عليهالسلام فأمر لها بألف شاة وأعطاها ألف دينار ، وبعث معها رسولا إلى الحسين عليهالسلام فأعطاها مثل ذلك ثم بعثها إلى عبدالله ابن جعفر فأعطاها مثل ذلك.
البخاري : وهب الحسن بن علي عليهالسلام لرجل ديته وسأله عليهالسلام رجل شيئا فأمر له بأربعمائة درهم فكتب له بأربعمائة دينار فقيل له في ذلك فأخده ، وقال : هذا سخاؤه ، وكتب عليه بأربعة آلاف درهم.
وسمع عليهالسلام رجلا إلى جنبه في المسجد الحرام يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم ، فانصرف إلى بيته وبعث إليه بعشرة آلاف درهم.
ودخل عليه جماعة وهو يأكل فسلموا وقعدوا فقال عليهالسلام هلموا فانما وضع الطعام ليؤكل.
ودخل الغاضري عليه عليه السلا فقال : إني عصيت رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : بئس ما علمت كيف؟ قال : قال صلىاللهعليهوآله : لا يفلح قوم ملكت عليهم امرأة وقد ملكت علي امرأتي وأمرتني أن أشتري عبدا فاشتريته فأبق مني فقال عليهالسلام : اختر أحد ثلاثة إن شئت فثمن عبد فقال : ههنا ولا تتجاوز! قد اخترت ، فأعطاه ذلك.
فضائل العكبري بالاسناد ، عن أبي إسحاق أن الحسن بن علي عليهالسلام تزوج جعدة بنت الاشعث بن قيس على سنة النبي صلىاللهعليهوآله وأرسل إليها ألف دينار.
تفسير الثعلبي وحلية أبي نعيم قال محمد بن سيرين : إن الحسن بن علي عليهالسلام تزوج امرأة فبعث إليها مائة جارية مع كل جارية ألف درهم.
الحسن بن سعيد ، عن أبيه قال : كان تحت الحسن بن علي عليهالسلام امرأتان تميمية وجعفية فطلقهما جميعا وبعثني إليهما ، وقال : أخبرهما فليعتداوأخبرني بما تقولان ، ومتعهما العشرة الالاف وكل واحدة منهما بكذا وكذا من العسل
والسمن ، فأتيت الجعفية فقلت : اعتدي ، فتنفست الصعداء ثم قالت : متاع قليل من حبيب مفارق ، وأما التميمية فلم تدرما « اعتدي » حتى قال لها النساء فسكتت ، فأخبرته عليهالسلام بقوله الجعفية فنكت في الارض ثم قال : لو كنت مراجعا لا مرأة لراجعتها.
وقال أنس : حيت جارية للحسن بن علي عليهالسلام بطاقة ريحان فقال لها : أنت حرة لوجه الله فقلت له في ذلك فقال : أدبنا الله تعالى : فقال : « وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها » (١) الاية وكان أحسن منها إعتاقها.
وللحسن بن علي عليهالسلام :
إن السخاء على العباد فريضة |
|
لله يقرأ في كتاب محكم |
وعد العباد الاسخياء جنانه |
|
وأعد للبخلاء نار جهنم |
من كان لاتندى يداه بنائل |
|
للراغبين فليس ذاك بمسلم |
ومن همته عليهالسلام ماروي أنه قدم الشام إلى عند معاوية فأحضر بارنامجا بحمل عظيم ووضع قبله ثم إن الحسن عليهالسلام لما أراد الخروج خصف خادم نعله فأعطاه البارنامج.
بيان : « بارنامج » معرب بارنامه أي تفصيل الامتعة.
١٦ ـ قب : وقدم معاوية المدينة فجلس في أول يوم يجيز من يدخل عليه من خمسة آلاف إلى مائة ألف ، فدخل عليه الحسن بن علي عليهالسلام في آخر الناس فقال : أبطأت يا أبا محمد فلعلك أردت تبخلني عند قريش ، فانتظرت يفنى ماعندنا ، يا غلام أعط الحسن مثل جميع ما أعطينا في يومنا هذا ، يا أبا محمد وأنا ابن هند فقال الحسن عليهالسلام : لا حاجة لي فيها يا أبا عبدالرحمان ورددتها وأنا ابن فاطمة بنت محمد رسول الله صلىاللهعليهوآله.
المبرد في الكامل : قال مروان بن الحكم : إني مشغوف ببغلة الحسن بن علي عليهماالسلام فقال له ابن أبي عتيق : إن دفعتها إليك تقضي لي ثلاثين حاجة؟ قال :
____________________
(١) النساء : ٨٥.
نعم ، قال : إذا اجتمع القوم فاني آخذ في مآثر قريش وأمسك عن مآثر الحسن فلمني على ذلك.
فلما حضر القوم أخذ في أولية قريش ، فقال مروان : ألا تذكر أولية أبي محمد وله في هذا ماليس لاحد ، قال : إنما كنا في ذكر الاشراف ، ولو كنا في ذكر الانبياء لقد منا ذكره.
فلما خرج الحسن عليهالسلام ليركب ، اتبعه ابن أبي عتيق ، فقال له الحسن و تبسم : ألك حاجة؟ قال : نعم ركوب البغلة ، فنزل الحسن عليهالسلام ودفعها إليه.
إن الكريم إذا خادعته انخذعا.
ومن حلمه ماروى المبرد وابن عائشة أن شاميا رآه راكبا فجعل يلعنه و الحسن لايرد فلما فرغ أقبل الحسن عليهالسلام فسلم عليه وضحك فقال : أيها الشيخ أظنك غريبا ، ولعلك شبهت ، فلو استعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا أحملناك ، وإن كنت جائعا أشبعناك ، وإن كنت عريانا كسوناك ، وإن كنت محتاجا أغنياك ، وإن كنت طريدا آويناك ، وإن كان لك حاجة قضينا هالك ، فلو حركت رحلك إلينا ، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك ، لان لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا.
فلما سمع الرجل كلامه ، بكى ثم قال : أشهد أنك خليفة الله في أرضه ، الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلى والان أنت أحب خلق الله إلي وحول إليه ، وكان ضيفه إلى أن ارتحل ، وصار معتقدا لمحبتهم.
بيان : تقوم : استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني.
١٧ ـ قب : المناقب عن أبي إسحاق العدل في خبر أن مروان بن الحكم خطب يوما فذكر علي بن أبي طالب عليهالسلام فنال منه والحسن بن علي عليهالسلام جالس فبلغ ذلك الحسين عليهالسلام فجاء إلى مروان فقال : يابن الزرقاء! أنت الواقع في علي ـ في كلام له ـ ثم دخل على الحسن عليهالسلام فقال : تسمع هذا يسب أباك فلا تقول
له شيئا فقال : وما عسيت أن أقول لرجل مسلط ، يقول ماشاء ، ويفعل ماشاء.
وروى أن الحسن عليهالسلام لم يسمع قط منه كلمة فيها مكروه إلا مرة واحدة فانه كان بينه وبين عمرو بن عثمان ، خصومة في أرض ، فقال له الحسن عليهالسلام : ليس لعمرو عندنا إلا مايرغم أنفه.
دعا أميرالمؤمنين عليهالسلام محمد بن الحنفية يوم الجمل فأعطاه رمحه وقال له : اقصد بهذا الرمح قصد الجمل ، فذهب فمنعوه بنوضبة فلما رجع إلى والده انتزع الحسن رمحه من يده ، وقصد قصد الجمل ، وطعنه برمحه ، ورجع إلى والده ، و على رمحه أثر الدم ، فتمغر وجه محمد من ذلك فقال أميرالمؤمنين : لا تأنف فانه ابن النبي وأنت ابن علي.
بيان : تمغر وجهه : احمر مع كدورة ، وأنف منه : استنكف.
١٨ ـ قب : طاف الحسن بن علي عليهالسلام بالبيت فسمع رجلا يقول : هذا ابن فاطمة الزهراء ، فالتفت إليه فقال : قل علي بن أبي طالب فأبي خير من امي.
ونادى عبدالله بن عمر الحسن بن علي عليهالسلام في أيام صفين وقال : إن لي نصيحة ، فلما برز إليه ، قال : إن أباك بغضة لعنة وقد خاض في دم عثمان فهل لك أن تخلعه نبايعك ، فأسمعه الحسن عليهالسلام ماكرهه فقال معاوية : إنه ابن أبيه.
١٩ ـ كشف : قال كمال الدين ابن طلحة : روى أبوالحسن علي بن أحمد الواحدي في تفسيره الوسيط مايرفعه بسنده أن رجلا قال : دخلت مسجد المدينة فاذا أنا برجل يحدث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله والناس حوله ، فقلت له : أخبرني عن « شاهد ومشهود » (١) فقال : نعم ، أما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم عرفة فجزته إلى آخر يحدث فقلت : أخبرني عن « شاهد ومشهود » فقال : نعم أما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم النحر فجزتهما إلى غلام كأن وجهه الدينار ، وهو يحدث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله فقلت : أخبرني عن « شاهد ومشهود » فقال : نعم أما الشاهد فمحمد صلىاللهعليهوآله وأما المشهود فيوم القيامة أما سمعته يقول : « يا أيها النبي
____________________
(١) البروج : ٣.
إنا أرسلناك شاهدا » (١) وقال تعالى : « ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود » (٢).
فسألت عن الاول فقالوا : ابن عباس ، وسألت عن الثاني فقالوا : ابن عمر وسألت عن الثالث فقالوا : الحسن بن علي بن أبيطالب وكان قول الحسن أحسن.
ونقل أنه عليهالسلام اغتسل وخرج من داره في حلة فاخرة ، وبزة طاهرة ، و محاسن سافرة ، وقسمات ظاهرة ، ونفخات ناشرة ، ووجهة يشرق حسنا ، وشكله قدكمل صورة ومعنى ، والاقبال يلوح من أعطافه ، ونضرة النعيم تعرف في أطرافه وقاضي القدر قد حكم أن السعادة من أوصافه ، ثم ركب بغلة فارهة غير قطوف ، وسار مكتنفا من حاشيته وغاشيته بصفوف ، فلو شاهده عبد مناف لارغم بمفاخرته به معاطس انوف ، وعده وآباءه وجده في إحراز خصل الفخار يوم التفاخر بالوف.
فعرض له في طريقه من محاويج اليهود هم في هدم قد أنهكته العلة ، وارتكبته الذلة ، وأهلكته القلة ، وجلدة يستر عظامه وضعفه يقيد أقدامه ، وضره قد ملك زمامه ، وسوء حاله قد حبب إليه حمامه ، وشمس الظهيرة تشوي شواه ، وأخمصه يصافح ثرى ممشاه ، وعذاب عرعريه قد عراه ، وطول طواه قد أضعف بطنه وطواه وهو حامل جر مملوء ماء على مطاه ، وحاله تعطف عليه القلوب القاسية عند مرآه.
فاستوقف الحسن عليهالسلام وقال : يا ابن رسول الله : أنصفني ، فقال عليهالسلام : في أي شئ؟ فقال : جدك يقول : « الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر » وأنت مؤمن وأنا كافر فماأرى الدنيا إلا جنة تتنعم بها ، وتستلذ بها ، وما أراها إلا سجنا لي قد أهلكني ضرها ، وأتلفني فقرها.
فلما سمع الحسن عليهالسلام كلامه أشرق عليه نور التأييد ، واستخرج الجواب بفهمه من خزانة علمه ، وأوضح لليهودي خطاء ظنه وخطل زعمه ، وقال : ياشيخ لو نظرت إلى ما أعد الله لي وللمؤمنين في الدار الاخرة مما لاعين رأت ، ولا
____________________
(١) الاحزاب : ٤٥.
(٢) هود : ١٠٤.
اذن سمعت ، لعلمت أني قبل انتقالي إليه في هذه الدنيا في سجن ضنك ، ولو نظرت إلى ما أعد الله لك ولكل كافر في الدار الاخرة من سعير نار الجحيم ، ونكال العذاب المقيم ، لرأيت أنك قبل مصيرك إليه الان في جنة واسعة ، ونعمة جامعة.
بيان : سفر الصبح : أضاء وأشرق كأسفر ، والمرأة كشفت عن وجهها فهي سافر ، والقسمة بكسر السين وفتحها : الحسن ، والاعطاف : الجوانب ، والغاشية : السؤال يأتونك والزوار والاصدقاء ينتابونك ، والهم بالكسر الشيخ الفاني ، والهدم بالكسر : الثوب البالي أو المرقع أو خاص بكساء الصوف ، والجمع أهدام وهدم والشوى : اليدان والرجلان والرأس من الادميين : والعر بالضم : قروح مثل القوباء تخرج بالابل متفرقة في مشافرها وقوائمها ، يسيل منها مثل المآء الاصفر وبالفتح : الجرب ، ويحتمل أن يكون « عرعرته » وعرعرة الجبل والسنام وكل شئ ـ بضم العينين ـ رأسه. الطوى بالفتح : الجوع ، ولعل المراد بالطوى ثانيا ما انطوى عليه بطنه من الاحشاء والامعاء ، والمطا. الظهر.
٢٠ ـ كشف : روى صاحب كتاب صفة الصفوة بسنده عن علي بن زيد بن جذعان أنه قال : حج الحسن عليهالسلام خمس عشرة حجة ماشيا وإن الجنائب لتقادمعه.
ومن كرمه وجوده عليهالسلام مارواه سعيد بن عبدالعزيز قال : إن الحسن سمع رجلا يسأل ربه تعالى أن يرزقه عشرة آلاف درهم ، فانصرف الحسن إلى منزله فبعث بها إليه.
ومنها أن رجلا جاء إليه عليهالسلام وسأله حاجة فقال له : يا هذا حق سؤالك يعظم لدي ، ومعرفتي بما يجب لك يكبر لدي ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله ، والكثير في ذات الله عزوجل قليل ، ومافي ملكي وفاء لشكرك ، فان قبلت الميسور ، ورفعت عني مؤنة الاحتفال والاهتمام بما أتكلفه من واجبك فعلت.
فقال : يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله أقبل القليل ، وأشكر الطعية ، وأعذر على المنع ، فدعا الحسن عليهالسلام بوكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها [ فـ ] قال :
هات الفاضل من الثلاثمائة ألف درهم ، فأحضر خمسين ألفا قال : فما فعل الخمسمائة دينار؟ قال : [ هي ] عندي قال : أحضرها فأحضرها فدفع الدراهم والدنانير إلى الرجل وقال : هات من يحملها لك فأتاه بحمالين ، فدفع الحسن عليهالسلام إليه رداءه لكرى الحمالين ، فقال مواليه : والله ماعندنا درهم فقال عليهالسلام : لكني أرجو أن يكون لي عندالله أجر عظيم.
ومنها ما رواه أبوالحسن المدائني قال : خرج الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر عليهمالسلام حجاجا ففاتهم أثقالهم ، فجاعوا وعطشوا فمروا بعجوز في خباء لها فقالوا : هل من شراب؟ فقالت : نعم ، فأنا خوابها وليس لها ألا شويهة في كسر الخيمة ، فقالت : احلبوها ، وامتذقوا لبنها ، ففعلوا ذلك وقالوا لها : هل من طعام؟ قالت : لا إلا هذه الشاة ، فليذبحنها أحدكم حتى أهيئ لكم شيئا تأكلون. فقام إليها أحدهم فذبحها وكشطها ثم هيأت لهم طعاما فأكلوا ثم أقاموا حتى أبردوا فلما ارتحلوا قالوا لها : نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه ، فاذا رجعنا سالمين فألمي بنا فانا صانعون إليك خيرا ، ثم ارتحلوا. وأقبل زوجها وأخبرته عن القوم والشاة فغضب الرجل ، وقال : ويحك تذبحين شاتي لاقوام لا تعرفينهم ثم تقولين : نفر من قريش ، ثم بعد مدة ألجأتهم الحاجة إلى دخول المدينة ، فدخلاها وجعلا ينقلان البعير إليها ويبيعانه ويعيشان منه ، فمرت العجوز في بعض سكك المدينة فاذا الحسن عليهالسلام على باب داره جالس فعرف العجوز وهي له منكرة. فبعث غلامه فردها فقال لها : يا أمة الله تعرفيني؟ قالت : لا ، قال : أنا ضيفك يوم كذا ، فقالت العجوز بأبي أنت وامي ، فأمر الحسن عليهالسلام فاشترى لها من شاء الصدقة ألف شاة وأمر لها بألف دينار وبعث بها مع غلامه إلى أخيه الحسين عليهالسلام فقال : بكم وصلك أخي الحسن فقالت : بألف شاة وألف دينار ، فأمر لها بمثل ذلك ، ثم بعث بها مع غلامه إلى عبدالله بن جعفر عليهالسلام فقال : بكم وصلك الحسن والحسين عليهماالسلام؟ فقالت : بألفي دينار وألفي شاة فأمرلها عبدالله بألفي شاة وألفي دينار ، وقال : لو بدأت بي لاتعبتهما ، فرجعت العجوز إلى زوجها بذلك.
قب : أبوجعفر المدائني مثله ، إلا أن فيه : فأعطاها عبدالله بن جعفر مثل ذلك.
٢١ ـ كشف : قلت : هذه القصة مشهورة وفي دواوين جودهم مسطورة وعنهم عليهمالسلام مأثورة ، وكنت نقلتها على غير هذه الرواية ، وأنه كان معهم رجل آخر من أهل المدينة وأنها أتت عبدالله بن جعفر فقال : ابدئي بسيدي الحسن والحسين فأتت الحسن فأمر لها بمائة بعير وأعطاها الحسين ألف شاة ، فعادت إلى عبدالله فسألها فأخبرته فقال : كفاني سيداي أمر الابل والشاة ، وأمر لها بمائة ألف درهم ، وقصدت المدني الذي كان معهم فقال لها : أنا لا اجاري اولئك الاجواد في مدى ، ولا أبلغ عشر عشيرهم في الندى ، ولكن اعطيك شيئا من دقيق وزبيب فأخذت وانصرفت.
رجع الكلام إلى ابن طلحة رحمهالله قال : وروى عن ابن سيرين قال : تزوج الحسن عليهالسلام امرأة فأرسل إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم وروى الحافظ في الحلية عن أبي نجيح أن الحسن بن علي عليهماالسلام حج ماشيا وقسم ماله نصفين.
وعن شهاب بن أبي عامر أن الحسن بن علي عليهماالسلام قاسم الله ماله مرتين حتى تصدق بفرد نعله.
وعن علي بن زيد بن جذعان ، قال : خرج الحسن بن علي من ماله مرتين وقاسم الله ثلاث مرات حتى أنه كان يعطي من ماله نعلا ويمسك نعلا ، ويعطي خفا ويمسك خفا.
وعن قرة بن خالد قال : أكلت في بيت محمد بن سيرين طعاما فلما أن شبعت أخذت المنديل ، ورفعت يدي فقال محمد إن الحسن بن علي عليهماالسلام قال : إن الطعام أهون من أن يقسم فيه.
وعن الحسن بن سعيد ، عن أبيه قال : متع الحسن بن علي عليهماالسلام امرأتين بعشرين ألفا وزقاق من عسل فقالت إحداهما وأراها الحنفية : متاع قليل من حبيب مفارق (١).
____________________
(١) هكذا نقل الخبر في النسخ المطبوعة والمصدر ج ٦ ص ١٤٢. وفيه سقط ظاهر واختلال فاحش. وقد مر صحيح الخبر عن كتاب المناقب تحت الرقم ١٥ ص ٣٤٢ فراجع.
وأتاه رجل فقال : إن فلانا يقع فيك فقال : ألقيتني في تعب اريد الان أن أستغفر الله لي وله.
٢٢ ـ د : قيل : وقف رجل على الحسن بن علي عليهماالسلام فقال : يا ابن أميرالمؤمنين بالذي أنعم عليك بهذه النعمة التي ما تليها منه بشفيع منك إليه ، بل إنعاما منه عليك ، إلا ما أنصفتني من خصمي فانه غشوم ظلوم ، لا يوقر الشيخ الكبير ، ولايرحم الطفل الصغير ، وكان متكئا فاستوى جالسا وقال له : من خصمك حتى أنتصف لك منه؟ فقال له : الفقر ، فأطرق عليهالسلام ساعة ثم رفع رأسه إلى خادمه وقال له : أحضر ما عندك من موجود ، فأحضر خمسة آلاف درهم فقال : ادفعها إليه ، ثم قال له : بحق هذه الاقسام التي أقسمت بها علي متى أتاك خصمك جائرا إلا ما أتيتني منه متظلما.
٢٣ ـ فر : أحمد بن القاسم معنعنا عن أبي الجارود قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : قال علي بن أبي طالب عليهالسلام للحسن : قم اليوم خطيبا وقال لامهات أولاده : قمن فاسمعن خطبة ابني ، قال : فحمد الله تعالى وصلى على النبي صلىاللهعليهوآله ثم قال ماشاء الله أن يقول ثم قال : إن أميرالمؤمنين في باب ومنزل من دخله كان آمنا ، ومن خرج منه كان كافرا ، أقول قولي وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، ونزل فقام على فقبل رأسه وقال : بأبي أنت وامي ثم قرأ : « ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم » (١)
٢٤ ـ فر : أبوجعفر الحسني والحسن بن حباش (٢) معنعنا عن جعفر بن محمد عليهماالسلام قال : قال علي بن أبي طالب عليهالسلام للحسن : يا بني قم فاخطب حتى أسمع كلامك ، قال : يا أبتاه كيف أخطب وأنا أنظر إلى وجهك أستحيي منك ، قال : فجمع علي بن أبي طالب عليهالسلام امهات أولاده ثم توارى عنه ، حيث يسمع كلامه.
____________________
(١) آل عمران : ٣٤.
(٢) في النسخة المطبوعة : « الحسن بن عياش » وهو تصحيف وما في الصلب هو الصحيح المطابق للمصدر ص ٢٠ ، قال الفيروز آبادى : وكغراب حباش الصورى والحسن بن حباش الكوفي محدثان.
فقام الحسن عليهالسلام فقال : الحمد لله الواحد بغير تشبيه ، الدائم بغير تكوين القائم بغير كلفة ، الخالق بغير منصبة ، الموصوف بغير غاية ، المعروف بغير محدودية العزيز لم يزل قديما في القدم ، ردعت القلوب لهيبته ، وذهلت العقول لعزته وخضعت الرقاب لقدرته ، فليس يخطر على قلب بشر مبلغ جبروته ، ولايبلغ الناس كنه جلاله ، ولا يفصح الواصفون منهم لكنه عظمته ، ولا تبلغه العلماء بألبابها ، ولا أهل التفكر بتدبير امورها ، أعلم خلقه به الذي بالحد لا يصفه ، يدرك الابصار ولايدركه الابصار ، وهو اللطيف الخبير أما بعد فان عليا باب من دخله كان مؤمنا ، ومن خرج منه كان كافرا أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
فقام علي بن أبي طالب عليهالسلام وقبل بين عينيه ثم قال : « ذريية بعضها من بعض والله سميع عليم ».
٢٥ ـ كا : العدة ، عن البرقي ، عن محمد بن علي ، عن علي بن أسباط عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : لقي الحسن بن علي عليهماالسلام عبدالله بن جعفر فقال : يا عبدالله كيف يكون المؤمن مؤمنا وهو يسخط قسمه ، ويحقر منزلته والحاكم عليه الله ، وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له.
٢٦ ـ كا : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال وابن محبوب ، عن يونس ابن يعقوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن ناسا بالمدينة قالوا : ليس للحسن مال فبعث الحسن إلى رجل بالمدينة فاستقرض منه ألف درهم فأرسل بها إلى المصدق وقال : هذه صدقة مالنا فقالوا : ما بعث الحسن هذه من تلقاء نفسه إلا وعنده مال.
٢٧ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : كان الحسن بن علي عليهماالسلام يحج ماشيا وتساق معه المحامل والرحال.
٢٨ ـ قب : كتاب الفنون عن أحمد المؤدب ، ونزهة الابصار عن ابن مهدي
أنه مر الحسن بن علي عليهماالسلام على فقراء وقد وضعوا كسيرات على الارض وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها فقالوا له : هلم يا ابن بنت رسول الله إلى الغداء قال : فنزل وقال : إن الله لايحب المستكربين ، وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا والزاد على حاله ببركته عليهالسلام ثم دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم.
وروى الحاكم في أماليه للحسن عليهالسلام : من كان يباء بجد فان جدي الرسول صلىاللهعليهوآله أو كان يباء بام فان امي البتول ، أو كان يباء بزور فزور نا جبرئيل.
بيان : « يباء » بالباء فيما عند نا من النسخ ولعلة يباء (١) من « البأو » بمعنى الكبر والفخر ، يقال : بأوت على القوم أبأى بأوا ، أو بالنون من نأى بمعنى بعد كناية عن الرفعة ، أو من النوء بمعنى العطاء ، أو من المناواة بمعنى المفاخرة ، ويحتمل أن يكون نباء من النباء بمعنى الخبر على صيغة المبالغة أو نثاء كذلك من النثاء (٢).
٢٩ ـ من بعض كتب المناقب المعتبرة بإسناده عن نجيح قال : رأيت الحسن ابن علي عليهماالسلام يأكل وبين يديه كلب كلما أكل لقمة طرح للكلب مثلها فقلت له : يا ابن رسول الله ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك؟ قال : دعه إني لاستحيي من الله عزوجل أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وأنا آكل ثم لا اطعمه.
وذكر الثقة : أن مروان بن الحكم عليه اللعنة شتم الحسن بن علي عليهماالسلام فلما فرغ قال الحسن : إني والله لا أمحوا عنك شيئا ولكن مهدك الله فلئن كنت صادقا فجزاك الله بصدقك ، ولئن كنت كاذبا فجزاك الله بكذبك والله أشد نقمة مني.
وروي أن غلاما له عليهالسلام جنى جناية توجب العقاب فأمر به أن يضرب فقال : يامولاي « والعافين عن الناس » قال : عفوت عنك ، قال : يا مولاي « والله يحب المحسنين » قال : أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت اعطيك.
٣٠ ـ كا : العدة ، عن البرقي ، عن أبيه وعمرو بن عثمان جميعا ، عن هارون
____________________
(١) كأنه يريد « يبأ » مجزوم « يبأي ».
(٢) ولكن الصحيح أنه من « باء يباء » بمعنى تكبر وافتخر ، وهو مقلوب من « بأي » كقولهم « راء » في « رأى ».
ابن الهجم ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبدالله عليهماالسلام يقولان : بينا الحسن بن علي عليهماالسلام في مجلس أميرالمؤمنين صلوات الله عليه إذ أقبل قوم فقالوا : يابا محمد أردنا أمير المؤمنين قال : وما حاجتكم؟ قالوا : أردنا أن نسأله عن مسألة قال : وماهي تخبر ونابها ، فقالوا : امرأة جامعها زوجها ، فلما قام عنها قامت بحموتها فوقعت على جارية بكر فساحقتها فألقت النطقة فيها فحملت ، فما تقول في هذا؟ فقال الحسن عليهالسلام : معضلة وأبوالحسن لها وأقول فان أصبت فمن الله ثم من أميرالمؤمنين وإن أخطأت فمن نفسي فأرجو أن لا اخطئ إنشاء الله.
يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة لان الولد لا يخرج منهاحتى يشق فتذهب عذرتها ، ثم ترجم المرأة لانها محصنة وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها ، ويرد إلى أبيه صاحب النطفة ثم تجلد الجارية الحد.
قال : فانصرف القوم من عند الحسن فلقوا أميرالمؤمنين عليهالسلام فقال : ما قلتم لابي محمد وما قال لكم؟ فأخبروه فقال : لو أنني المسؤل ماكان عندي فيها أكثر مما قال ابني.
٣١ ـ ج : روي أن عمرو بن العاص قال لمعاوية : ابعث إلى الحسن بن علي عليهماالسلام فمره أن يصعد المنبر يخطب الناس لعله يحصر ، فيكون ذلك مما نعيره به في كل محلف ، فبعث إليه معاوية فأصعده المنبر ، وقد جمع له الناس ورؤساء أهل الشام فحمد الله الحسن بن علي صلوات الله عليه وأثنى عليه ، ثم قال :
أيها الناس من عرفني فأنا الذي يعرف ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله أول المسلمين إسلاما ، وامي فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله وجدي محمد بن عبدالله نبي الرحمة أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين ، أنا ابن من بعث إلى الجن و الانس أجمعين.
فقال معاوية : يا با محمد خذبنا (١) في نعت الرطب ـ أراد تخجيله ـ فقال الحسن :
____________________
(١) حدثنا ، خ.
الريح تنفخه ، والحر ينضجه ، والليل يبرده ويطيبه ، ثم أقبل الحسن عليهالسلام فرجع في كلامه الاول فقال :
أنا ابن مستجاب الدعوة ، أنا ابن الشفيع المطاع ، أنا ابن أول من ينفض عن الرأس التراب ، أنا ابن من يقرع باب الجنة : فيفتح له ، أنا ابن من قاتل معه الملائكة وأحل له المغنم ، ونصر بالرعب من مسيرة شهر.
فأكثر في هذا النوع من الكلام ، ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية وعرف الحسن عليهالسلام من لم يكن يعرفه من أهل الشام وغيرهم ، ثم نزل فقال له معاوية : أما إنك يا حسن قد كنت ترجو أن تكون خليفة ولست هناك ، فقال الحسن عليهالسلام : أما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله وعمل بطاعة الله عزو جل ليس الخليفة من سار بالجور وعطل السنن واتخذ الدنيا اما وأبا ، ولكن ذلك ملك أصاب ملكا فتمتع منه قليلا وكان قد انقطع عنه فاتخم لذته وبقيت عليه تبعته ، وكان كما قال الله تبارك وتعالى : « وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين » (١) فأومأبيده إلى معاوية ثم قام فانصرف ، فقال معاوية لعمرو : والله ما أردت إلا شيني حين أمرتني بما أمرتني ، والله ماكان يرى أهل الشام أن أحدا مثلي في حسب ولا غيره ، حتى قال الحسن ما قال ، قال عمرو : هذا شئ لايستطاع دفنه ولا تغييره لشهرته في الناس واتضاحه ، فسكت معاوية لعنه الله.
بيان : الاتخام : الثقل الحاصل من كثرة أكل الطعام أي اتخم من لذته.
٣٢ ـ قب : القاضي النعمان في شرح الاخبار بالاسناد ، عن عبادة بن الصامت ورواه جماعة ، عن غيره أنه سأل أعرابي أبابكر فقال : إني أصبت بيض نعام فشويته وأكلته وأنا محرم فما يجب علي؟ فقال له : يا أعرابي أشكلت علي في قضيتك ، فدله على عمر ، ودله عمر على عبدالرحمان فلما عجزوا قالوا : عليك بالاصلع فقال أميرالمؤمنين عليهالسلام : سل أي الغلامين شئت ، فقال الحسن : يا أعرابي ألك إبل؟ قال : نعم ، قال : فاعمد إلى عدد ما أكلت من البيض نوقا فاضربهن بالفحول
____________________
(١) الانبياء : ١١١.
فما فضل منها فأهده إلى بيت الله العتيق الذي حججت إليه ، فقال أميرالمؤمنين : إن من النوق السلوب ، ومنها مايزلق ، فقال : إن يكن من النوق السلوب وما يزلق فان من البيض مايمرق ، قال : فسمع صوت معاشوالناس : إن الذي فهم هذا الغلام هو الذي فهمها سليمان بن داود.
بيان : السلوب من النوق التي القت ولدها بغير تمام ، وأزلقت الناقة : أسقطت والمراد هنا ما تسقط النطقة ، ومرقت البيضة : فسدت.
أقول : قد اورد كثير من قضاياه عليهالسلام في الفقيه والكافي في كتاب الحدود وكتاب القضايا وكتاب الديات ، تركناها لو ضوح الامر وخوف الاطناب.
٣٣ ـ قب : ابن سنان ، عن رجل من أهل الكوفة أن الحسن بن علي عليهماالسلام كلم رجلا فقال : من أي بلد أنت؟ قال : من الكوفة قال : لو كنت بالمدينة لاريتك منازل جبرئيل عليهالسلام من ديارنا.
محمد بن سيرين أن عليا عليهالسلام قال لابنه الحسن : أجمع الناس فاجتمعوا فأقبل فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال : أيها الناس إن الله اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه ، وأنزل علينا كتابه ووحيه ، وأيم الله لا ينقصنا أحد من حقنا شيئا إلا انتقصه الله من حقه في عاجل دنياه وآخرته ، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة ، ولتعلمن نبأه بعد حين.
ثم نزل فجمع بالناس ، وبلغ أباه ، فقبل بين عينيه ثم قال : بأبي وامي ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
العقد عن ابن عبد ربه والاندلسي وكتاب المدائني أيضا أنه قال عمرو بن العاص لمعاوية : لو أمرت الحسن بن علي يخطب على المنبر ، فلعله حصر فيكون ذلك وضعا له عند الناس فأمر الحسن بذلك ، فلما صعد المنبر تكلم وأحسن ثم قال :
أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبيطالب أنا ابن أول المسلمين إسلاما ، وامي فاطمة بنت رسول الله ، أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين. وفي رواية ابن
عبدربه ـ لو طلبتم ابنا لنبيكم مابين لابتيها (١) لم تجدوا غيري وغير أخي ، فناداه معاوية يا أبامحمد حدثنا بنعت الرطب أراد بذلك يخجله ، ويقطع بذل كلامه فقال : نعم تلقحه الشمال ، وتخرجه الجنوب ، وتنضجه الشمس ويطيبه القمر ـ وفي رواية المدائني : الريح تنفخه ، والحر تنضجه والليل يبرده ويطيبه ـ وفي رواية المدائني فقال عمرو : أبا محمد! هل تنعت الخرأة قال : نعم ، تبعد الممشى في الارض الصحصح حتى تتوارى من القوم ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تمسح باللقمة ، والرمة ، يريد العظم والروث ـ ولا تبل في الماء الراكد.
توضيح : الخرء بالفتح دفع الخروء بالضم ، والصحصح المكان المستوي ولا يخفى مافي إدخال الروث في تفسير الرمة من الاشتباه.
٣٤ ـ قب : المنهال بن عمرو أن معاوية سأل الحسن عليهالسلام أن يصعد المنبر وينتسب ، فصعد فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني : ومن لم يعرفني فسا بين له نفسي ، بلدي مكة ومني ، وأنا ابن المروة والصفا ، وأنا ابن النبي المصطفى ، وأنا ابن من علا الجبال الرواسي ، وأنا ابن كسا محاسن وجهه الحيا ، أنا ابن فاطمة سيدة النساء ، أنا ابن قليلات العيوب ، نقيات الجيوب ـ وأذن المؤذن ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ـ فقال : يا معاوية محمد أبي أم أبوك؟ فان قلت : ليس بأبي فقد كفرت ، وإن قلت : نعم ، فقد أقررت ثم قال : أصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمدا منها ، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمدا منها ، وأصبحت العجم تعرف حق العرب بأن محمدا منها يطلبون حقنا ولايردو ن إلينا حقنا.
بيان : قال الجوهري : رجل ناصح الجيب أي أمين انتهى ، فقوله عليهالسلام : « نقيات الجيوب » كناية عن عفتهن كما أن طهارة الذيل في عرف العجم كناية عنها.
____________________
(١) اللابة : الحرة من الارض ، يقال : « مابين لا تبيها مثل فلان » وأصله في المدينة وهى حرتاها المكتنفتان بها ، ثم جرى في كل بلدة فيقولون : « مابين لابتيها مثل فلان » من دون اظهار صاحب الضمير.
٣٥ ـ قب : كتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن ثلاث : عن مكان بمقدار وسط السماء ، وعن أول قطرة دم وقعت على الارض ، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرة ، فلم يعلم ذلك ، فاستغاث بالحسن بن علي عليهماالسلام فقال : ظهر الكعبة ، ودم حوا ، وأرض البحر حين ضربه موسى.
وعنه عليهالسلام في جواب ملك الروم : مالا قبلة له فهي الكعبة ، ومالا قرابة له فهو الرب تعالى.
وسأل شامي الحسن بن علي عليهالسلام فقال : كم بين الحق والباطل؟ فقال : أربع أصابع : فما رأيت بعينك فهو الحق وقد تسمع باذنيك باطلا كثيرا ، وقال : كم بين الايمان واليقين؟ فقال : أربع أصابع : الايمان ما سمعناه واليقين ما رأيناه قال : وكم بين السماء والارض؟ قال : دعوة المظلوم ، ومد البصر ، قال : كم بين المشرق والمغرب؟ قال : مسيرة يوم للشمس.
أبوالمفضل الشيباني في أماليه وابن الوليد في كتابه بالاسناد عن جابر بن عبدالله قال : كان الحسن بن علي قد ثقل لسانه ، وأبطأ كلامه ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله في عيد من الاعياد وخرج معه بالحسن بن علي فقال النبي صلىاللهعليهوآله : الله أكبر يفتتح الصلاة قال الحسن : الله أكبر قال : فسر بذلك رسول الله فلم يزل رسول الله يكبر والحسن معه يكبر حتى كبر سبعا فوقف الحسن عند السابعة فوقف رسول الله صلىاللهعليهوآله عندها ، ثم قام رسول الله إلى الركعة الثانية فكبر الحسن حتى إذا بلغ رسول الله خمس تكبيرات فوقف الحسن عند الخامسة ، ووقف رسول الله عند الخامسة ، فصار ذلك سنة في تكبير العيدين ، وفي رواية أنه كان الحسين عليهالسلام.
كتاب إبراهيم : قال بعض أصحاب الحسن عليهالسلام مرفوعا : الطلق للنساء إنما يكون سرة المولود متصلة بسرة امه فتقطع فيؤلمها.
أقول : قال عبدالحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : روى محمد بن حبيب في أماليه أن الحسن عليهالسلام حج خمس عشرة حجة ماشيا تقاد الجنائب معه وخرج من ماله مرتين ، وقاسم الله عزوجل ثلاث مرات ماله ، حتى أنه كان يعطي نعلا
ويمسك نعلا ويعطي خفا ويمسك خفا.
وروى أيضا أن الحسن عليهالسلام أعطى شاعرا فقال له رجل من جلسائه : سبحان الله شاعرا يعصي الرحمن ويقول البهتان؟ فقال : يا عبدالله إن خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك ، وإن من ابتغاء الخير اتقاء الشر.
٣٦ ـ د : حدث الزبير بن بكار ، وابن عون ، عن عمير بن إسحاق قال : ماتكلم أحد أخب إلى أن لا يسكت من الحسن بن علي عليهماالسلام وما سمعت منه كلمة فحش قط وإنه كان بين الحسن بن علي وعمرو بن عثمان خصومة في أرض فعرض الحسين أمرا لم يرضه عمرو ، فقال الحسن عليهالسلام : ليس له عندنا إلا ما أرغم أنفه ، فان هذه أشد وأفحش كلمة سمعتها منه قط.
٣٧ ـ د : قيل : طعن أقوام من أهل الكوفة في الحسن بن علي عليهماالسلام فقالوا : إنه عي لا يقوم بحجة ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام فدعا الحسن فقال : يا ابن رسول الله إن أهل الكوفة قد قالوا فيك مقالة أكرهها؟ قال : وما يقولون يا أميرالمؤمنين؟ قال : يقولون : إن الحسن بن علي عي اللسان لايقوم بحجة ، وإن هذه الاعواد فأخبر الناس فقال : يا أميرالمؤمنين لا أستطيع الكلام وأنا أنظر إليك ، فقال أميرالمؤمنين عليهالسلام إني متخلف عنك فناد أن الصلاة جامعة ، فاجتمع المسلمون فصعد عليهالسلام المنبر فخطب خطبة بليغة وجيزة فضج المسلمون بالبكاء ثم قال :
أيها الناس اعقلوا عن ربكم إن الله عزوجل اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم و آل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ، فنحن الذرية من آدم والاسرة من نوح ، والصفوة من إبراهيم ، والسلالة من إسماعيل ، وآل من محمد صلىاللهعليهوآله نحن فيكم كالسماء المرفوعة ، والارض المدحوة ، والشمس الضاحية ، وكالشجرة الزيتونة ، لاشرقية ولا غربية التي بورك زيتها ، النبي أصلها ، وعلي فرعها ، ونحن والله ثمرة تلك الشجرة ، فمن تعلق بغصن من أغصانهانجا ، ومن تخلف عنها فإلى النار هوى ، فقام أميرالمؤمنين من أقصى الناس يسحب رداءه من خلفه حتى علا المنبر مع الحسن عليهالسلام فقبل بين عينيه ، ثم قال : يا ابن رسول الله أثبت على القوم حجتك وأوجبت عليهم طاعتك ، فويل لمن خالفك.
١٧
* ( باب ) *
* ( خطبة بعد شهادة أبيه صلوات الله عليهما ) *
« وبيعة الناس له »
١ ـ لى : أبي ، عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الثمالي ، عن حبيب بن عمرو قال : لما توفي أميرالمؤمنين عليهالسلام وكان من الغد قام الحسن عليهالسلام خطيبا على المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال :
أيها الناس في هذه الليلة نزل القرآن وفي هذه الليلة رفع عيسى بن مريم ، و في هذه الليلة قتل يوشع بن نون ، وفي هذه الليلة مات أبي أميرالمؤمنين والله لايسبق أبي أحد كان قبله من الاوصياء إلى الجنة ولا من يكون بعده ، وإن كان رسول الله صلىاللهعليهوآله ليبعثه في السرية ، فيقاتل جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره وماترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، كان يجمعها ليشتري بها خادما لاهله.
٢ ـ جا ، ما : المفيد ، عن إسماعيل بن محمد الانباري ، عن إبراهيم بن محمد الازدي ، عن شعيب بن أيوب ، عن معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن هشام ابن حسان قال : سمعت أبا محمد الحسن بن علي عليهماالسلام يخطب الناس بعد البيعة له بالامر فقال : نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسول الاقربون ، وأهل بيته الطيبون ، الطاهرون ، وأحد الثقلين الذين خلفهما رسول الله صلىاللهعليهوآله في امته والتالي كتاب الله ، فيه تفصيل كل شئ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فالمعول علينا في تفسيره لانتظنى تأويله بل نتيقن حقائقه ، فأطيعونا فان طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله عزوجل ورسوله مقرونة ، قال الله عزوجل : « يا ـ
أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول (١) » « ولورد وه إلى الرسول وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم » (٢) واحذركم الاصغاء لهتاف الشيطان فإنه لكم عدو مبين ، فتكونوا أولياءه الذين قال لهم : لاغالب لكم اليوم من الناس وإني جارلكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال : « إني برئ منكم إني أرى مالا ترون » (٣) فتلقون إلى الرماح وزرا ، وإلى السيوف جزرا ، وللعمد حطما ، وللسهام غرضا ، ثم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا.
بيان : قال الجوهري : التظني إعمال الظن وأصله التظنن ابدل من إحدى النونات ياء قوله عليهالسلام « وزراء » الوزر محركة : الجبل المنيع ، وكل معقل والملجأ ، والمعتصم ، والوزر بالكسر : الاثم والثقل والكارة الكبيرة والسلاح ، والحمل الثقيل ، ووزر الرجل : غلبه وأوزره : أحزره وذهب به كاستوزره ، وجعل له وزرا وأوثقه وخبأه كل ذلك ذكره الفيروز آبادي والاظهر أنه الوزر بالتحريك أي تكونون معاقل للرماح تأوي إليكم ، ويحتمل أن يكون بالكسر أي لوزركم وإثمكم أو الحال أنكم كالحمل الثقيل.
وقال الجوهري : الجزور من الابل يقع على الذكر والانثى والجمع الجزر وجزرالسباع : اللحم الذي تأكله ، يقال : تركوهم جزرا بالتحريك إذا قتلوهم. والجزر أيضا : الشاة السمينة وقال الجزري فيه : أبشر بجزرة سمينة أي شاة صالحة لان تجزر أي تذبح للاكل ومنه حديث الضحية فانما هي زجرة أطعمها أهله وتجمع على جزر بالفتح ومنه حديث موسى والحسرة : حتى صارت حبالهم للثعبان جزرا وقد تكسر الجيم انتهى والاظهر أنه بالتحريك. والحطم : الكسر أو خاص باليابس ، وصعدة حطم ككسر ما تكسر من اليبيس ، ذكره
____________________
(١) و (٢) النساء : ٥٨ و ٨٣.
(٣) الانفال : ٤٨.