بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

١٩ ـ أقول : قال الطبرسي ـ رحمه‌الله ـ في مجمع البيان : ذكر أهل التفسير و أصحاب السير أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما افتتح مكة خرج منها متوجها إلى حنين لقتال هوازن وثقيف في آخر شهر رمضان ، أو في شوال سنة ثمان من الهجرة ، و ذكر القصة نحوا مما مر إلى أن ذكر هزيمة المسلمين ونداء العباس ، ثم قال : فلما سمع المسلمون سوت العباس تراجعوا وقالوا : لبيك لبيك ، وتبادر الانصار خاصة ، ونزل النصر من عندالله ، وانهزمت هوازن هزيمة قبيحة ، فمروا في كل وجه ، ولم يزل المسلمون في آثارهم ، ومر مالك بن عوف فدخل حصن الطائف ، و قتل منهم زهاء مائة رجل ، وأغنم الله المسلمين أموالهم ونساءهم ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالذراري والاموال أن تحدر إلى الجعرانة ، وولى على الغنائم بديل بن ورقاء الخزاعي ، ومضى عليه‌السلام في أثر القوم فوافى الطائف في طلب مالك بن عوف وحاصر أهل الطائف بقية الشهر ، فلما دخل ذوالقعدة انصرف إلى(١) الجعرانة و قسم بها غنائم حنين ، وأوطاس.

قال سعيد بن المسيب : حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقفوا لنا حلب شاة ، فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتلقانا رجال بيض الوجوه فقالوا لنا : شاهت الوجوه ارجعوا ، فرجعنا وركبوا أكتافنا ، فكانوا إياها ، يعني الملائكة.

قال الزهري : وبلغني أن شبية بن عثمان قال : استدبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حنين وأنا أريد أن أقتله بطلحة بن عثمان وعثمان بن طلحة ، وكانا قد قتلا يوم أحد ، فأطلع الله رسوله على ما في نفسي فالتفت إلي وضرب في صدري ، وقال : « أعيذك بالله يا شيبة » فأرعدت فرائصي ، فنظرت إليه وهو أحب إلي من سمعي و بصري ، فقلت : أشهد أنك رسول الله ، وأن الله أطلعك على ما في نفسي.

____________________

(١) واتى خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

١٨١

وقسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الغنائم بالجعرانة وكان معه من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن الابل والشاء مالايدرى عدته.

قال أنس بن مالك : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر مناديا فنادى يوم أوطاس : ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ، ولا الحيالى(١) حتى يستبرأن بحيضة(٢). ثم أقبلت وفود هوازن وقدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجعرانة مسلمين ، وقام خطيبهم فقال : يا رسول الله : أن مافي الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك فلو أنا ملحنا ابن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عائدتهما وعطفهما ، وأنت خير المكفولين ، ثم أنشد أبياتا(٣) ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أي(٤) الامرين أحب إليكم : السبي أم الاموال؟ قالوا : يا رسول الله خيرتنا بين الحسب وبين الاموال ، والحسب أحب إلينا ، ولا نتكلم في شاة ولا بعير فقال رسول الله : أما الذي لبني هاشم فهولكم ، وسوف أكلم لكم المسلمين ، وأشفع لكم. فكلموهم وأظهروا إسلامكم ، فلما صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الهاجرة قاموا فتكلموا فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : قد رددت الذي لبني هاشم والذى بيدي عليهم ، فمن أحب منكم أن يعطي غير مكره فليفعل ، ومن كره أن يعطي فليأخذ الفداء وعلي فداؤهم فأعطى الناس ما كان بأيديهم إلا قليلا من الناس سألوا الفداء(٥).

____________________

(١) في المصدر : ولا غير الحبالى.

(٢) في الامتاع : واصاب المسلمون سبايا فكانوا يكرهون ان يقعوا عليهن ولهن ازواج ، فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك فانزل الله : والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم كتاب الله عليكم واحل لكم ماوراء ذلكم ان تبتغوا باموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ان الله كان عليما حكيما « وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ : « لا توطأ حامل من السبى حتى تضع حملها ، ولا غير ذات حمل حتى تحيض « وسألوه يومئذ عن العزل فقال : ليس من كل الماء يكون الولد ، واذا اراد الله ان يخلف شيئالم يمنعه شئ.

(٣) ستمربك فيما يأتى. (٤) واى خ ل.

(٥) مجمع البيان ٥ : ١٨ ـ ٢٠.

١٨٢

بيان : قال الجوهري : قولهم : هم زهاء مائة : قدر مائة.

٢٠ ـ قب : عن الصادق عليه‌السلام سبا رسول الله (ص) يوم حنين أربعة آلاف رأس واثنى عشر ألف ناقة ، سوى مالا يعلم من الغنائم. وقال الزهري : ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن البهائم ما لا يحصى ولا يدرى(١).

٢١ ـ أقول : قال الكازروني في المنتقى بعد تلك الغزوات : وفي تلك السنة يعني الثامنة تزوج رسول الله مليكة الكندية ، وكان قتل أباها يوم الفتح ، فقالت لها بعض أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا تستحين؟ تزوجين(٢) رجلا قتل أباك؟ فاستعاذت منها ففارقها.

وفيها ولد إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مارية في ذي الحجة ، وكانت قابلتها مولاة(٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرجت إلى زوجها أبي رافع ، فأخبرته بأنها قد ولدت غلاما ، فجاء أبورافع إلى رسول الله (ص) فبشره بأنها قد ولدت غلاما ، فوهب له عبدا وسماه إبراهيم ، وعق عنه يوم سابعه ، وحلق رأسه ، فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين ، وأمره بشعره فدفنت في الارض ، وتنافست فيه نساء الانصار أيهن ترضعه ، فدفعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد ، وزوجها البراء بن أوس ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي أم بردة فيقيل عندها ، ويؤتى بأبراهيم ، وغارت نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اشتد عليهن حين رزق منها الولد ، وروي عن أنس قال : لما ولدت إبراهيم جاء جبرئيل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : السلام عليك يا أبا إبراهيم وروي عنه أيضا قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ولد الليلة لي غلام فسميته باسم أبي إبراهيم ، قال : ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة ، يقال له : أبويوسف(٤). وفيها ماتت زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت أكبر بناته ، وأول من تزوجت

____________________

(١) مناقب آل ابى طالب ١ : ١٨١.

(٢) في المصدر : الاتستحيين تتزوجن رجلا.

(٣) في المصدر : سلمى مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) في المصدر : ابوسيف.

١٨٣

منهن ، تزوجها ابن خالتها أبوالعاص بن الربيع قبل النبوة ، فولد له عليا وأمامة أما علي فمات في ولاية عمر ، وأما أمامة فماتت سنة خمسين(١).

٢٢ ـ وقال ابن الاثير في الكامل : وفيها بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عمرو بن العاص إلى جيفر وعمرو (٢) ابني الجلندي ، فأخذ الصدقة من أغنامهم وردها على فقرائهم.

وفيها بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كعب بن عمير إلى ذات أطلاع من الشام فأصيب هو وأصحابه.

وفيها بعث أيضا عيينة بن حصن الفراري إلى بني العنبر من تميم فأغار عليهم وسبا منهم نساء(٣).

٢٣ ـ وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي رحمه‌الله نقلا من خط الشيخ الشهيد قدس الله روحه من طرق العامة مرفوعا إلى أبي عمرو زياد بن طارق ، عن أبي جرول(٤) زهير الجشمي قال : لما أسرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم هوازن وذهب يفرق السبي والنساء أتيته فأنشدته :

امنن علينا رسول الله! في كرم

فإنك المرء نرجوه وننتظر(٥)

امنن على بيضة قد عاقها قدر

مشتت شملها في دهرها غير(٦)

أبقت لنا الدهر هتافا على حزن

على قلوبهم الغماء والغمر

إن لم تداركهم نعماء تنشرها

يا أرجح الناس حلما حين تختبر(٧)

امنن على نسوة قد كنت ترضعها

إذفوك يملؤه من مخضها الدرر

____________________

(١) المنتقى في مولد المصطفى : الباب الثامن فيما كان سنة ثمان من الهجرة.

(٢) هكذا في الكتاب وفي الامتاع ، واما في المصدر : وعياذ.

(٣) الكامل ٢ : ١٨٥.

(٤) الصحيح ابوصرد. وهو زهير بن صرد الجشمى السعدى. راجع سيرة ابن هشام ٤ : ١٣٤ والامتاع : ٤٢٧ والكامل ٢ : ١٨٢. (٥) في الكامل والامتاع : وندخر.

(٦) في الكامل :

امنن على نسوة قدعاقها قدر

ممزق شملها في دهرها غير

(٧) في هامش الكامل : حين يختبر.

١٨٤

إذ أنت(١) طفل صغير كنت ترضعها

وإذا يربيك(٢) ماتأتي وما تذر

لا تجعلنا كمن شالت نعامته

واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا لنشكر للنعماء إذا كفرت(٣)

وعندها بعد هذا اليوم مدخر

فألبس العفو من قد كنت ترضعه

من أمهاتك إن العفو منتشر(٤)

يا خير من مرحت كمت الجيادبه

عند الهياج إذا ما استوقد الشرر

إنا نؤمل عفوا منك تلبسه

هذي البرية إذ تعفو وتنتصر

فاعف(٥) عفى الله عما أنت راهبه

يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر(٦)

قال : فلما سمع هذا الشعر قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لهم « وقال قريش : ما كان لنا فهولله ولرسوله ، وقالت الانصار : ما كان لنا فهولله و لرسوله ، قال ابن عساكر ، هذا غريب تفرد به زياد بن طارق عن زهير ، وهو معدود في السباعيات.

٢٩

باب

*(غزوة تبوك وقصة العقبة)*

الآيات : التوبة(٩) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحر. مون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدوهم وهم صاغرون « ٢٩ ».

____________________

(١) في الامتاع : اللادت اذ كنت طفلا ، وفي الكامل : اذ كنت طفلا صغيرا.

(٢) في هامش الكامل والامتاع : واذ يزينك.

(٣) في الامتاع : « انا لنشكر آلاء وان قدمت » وفي هامش الكامل : انا لنشكر آلاء وان كفرت. وفيهما. وعندنا. (٤) في الامتاع : مشتهر.

(٥) في هامش الكامل : فاغفر. وفي الامتاع : عما انت واهبه.

(٦) وفي الابيات تقديم تأخير في الامتاع والكامل.

١٨٥

وقال سبحانه : يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غير كم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير * إلا تنصروه فقد نصره الله إذأ خرجه الذين كفروا.

إلى قوله تعالى : انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لا تبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون * عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين * لايستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليهم بالمتقين * إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون * ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين * لو خرجوا فيكم مازادوا كم إلا خبالا ولا وضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين * لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الامور حتى جاء الحق وظهر أمرالله وهم كارهون * ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين * إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون * قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون * قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون * قل أنفقوا طوعا أوكرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين * وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون * فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم أنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون * ويحلفون بالله إنهم لمنكم وماهم

١٨٦

منكم ولكنهم قوم يفرقون * لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون « ٣٧ ـ ٥٧ ».

إلى قوله سبحانه : ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين « ٦١ ».

إلى قوله : يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين « ٦٣ ».

إلى قوله : يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزؤا إن الله مخرج ما تحذرون * ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين « ٦٦ ».

إلى قوله : يحلفون بالله ماقالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بمالم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فان يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الارض من ولي ولا نصير « ٧٤ ».

وقال تعالى : فرح المخلصون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نارجهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون * فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسون * فان رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين * ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله ومانوا وهم فاسقون * ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون * وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنانكن مع القاعدين * رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون * لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم

١٨٧

وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون * أعدالله لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم * وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم * ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوالله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور ورحيم * ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون * إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون * يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخبار كم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون * سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون * يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين « ٨١ ـ ٩٦ ».

إلى قوله سبحانه : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم « ١٠٢ ».

إلى قوله تعالى : وآخرون مرجون لامرالله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم « ١٠٦ ».

إلى قوله سبحانه : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد تزيغ (١) قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم « ١١٨ ».

____________________

(١) هكذا في نسخة المصنف ، وهو من سهو قلمه الشريف ، أو من كاتب المصحف الذى كان بيده ، والصحيح : « من بعد ما كاد يزيغ قلوب فزيق منهم ».

١٨٨

إلى قوله : ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤن موطا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح أن الله لا يضيع أجر المحسنين * ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزي الله أحسن ما كانوا يعلمون « ١٢١ ».

تفسير : قال الطبرسي رحمة الله في قوله تعالى : « قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر » : قيل : نزلت هذه الآية حين أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحرب الروم فغزا بعد نزولها غزوة تبوك عن مجاهد ، وقيل : هي على العموم. « ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله » أي موسى وعيسى من كتمان بعث محمد(١) (ص) ، أو ما حرمه محمد (ص) « ولا يدينون دين الحق » أي دين الله ، أو لا يعترفون بالاسلام الذي هو الدين الحق « من الذين أوتوا الكتاب » وصف الذين ذكرهم بأنهم من أهل الكتاب(٢) « حتى يعطوا الجزية عن يد » أي نقدا من يده إلى يد من يدفعه إليه من غير نائب أو عن قدرة لكم عليهم وقهر لهم ، أويد لكم عليهم ونعمة تسدونها إليهم بقبول الجزية منهم » وهم صاغرون » أي ذليلون مقهورون(٣).

وقال في قوله تعالى : « انفروا في سبيل الله » أي اخرجوا إلى مجاهدة المشركين قال المفسرون : لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الطائف أمر بالجهاد لغزوة الروم ، و ذلك في زمان إدراك الثمرات(٤) فأحبوا المقام في المسكن والمال ، وشق عليهم الخروج إلى القتال ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله قل ما خرج في غزوة إلا كنى عنها وورى بغيرها إلا غزوة تبوك لبعد شقتها ، وكثرة العدو ليتأهب الناس فأخبرهم بالذي يريد

____________________

(١) في المصدر : من كتمان نعت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٢) زاد في المصدر : وهم اليهود والنصارى ، وقال اصحابنا : ان المجوس حكمهم حكم اليهود والنصارى.

(٣) مجمع البيان ٥ : ٢١ و ٢٢ وزاد فيه بعد ذلك : يجرون إلى الموضع الذى يقبض منهم بالعنف حتى يؤدوها ، وقيل : هوان يعطوا الجزية قائمين والاخذ جالس عن عكرمة.

(٤) في المصدر : ادراك الثمار.

١٨٩

فلما علم الله سبحانه تثاقل الناس أنزل الآية وعاتبهم على التثاقل. « أرضيتم » استفهام إنكار ، أي آثرتم الحياة الدنيا الفانية على الحياة في الآخرة الباقية « فما متاع » أي فما فوائد الدنيا ومقاصدها في فوائد الآخرة ومقاصدها « إلا قليل » لا نقطاع هذه ودوام تلك « يعذبكم » أي في الآخرة أو في الدنيا « ويستبدل » بكم « قوما غيركم » لا يتخلفون عن الجهاد ، قيل : هم أبناء فارس ، وقيل : أهل اليمن ، و قيل : هم الذين أسلموا بعد نزول هذه الآية « ولا تضروه » أي ولا تضروا الله بهذا القعود شيئا لانه غني ، أولا تضروا الرسول ، لان الله عاصمه وناصره بالملائكة أو بقوم آخرين(١) « انفروا » أي اخرجوا إلى الغزو « خفافا وثقالا » أي شبانا و شيوخا ، وقيل : نشاطا وغير نشاط ، أو مشاغيل وغير مشاغيل ، أو أغنياء وفقراء وقيل : أراد بالخفاف أهل العسرة من المال وقلة العيال ، وبالثقال أهل الميسرة في المال وكثرة العيال وقيل : ركبانا ومشاة ، وقيل : ذاضيعة وغير ذي ضيعة(٢) وقيل : عزابا ومتأهلين ، والوجه أن يحمل على الجميع « وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله » وهذا يدل على أن الجهاد بالنفس والمال واجب على من استطاع بهما ، ومن لم يستطع على الوجهين فعليه أن يجاهد بما استطاع « ذلكم خير لكم » من التثاقل « إن كنتم تعلمون » أن الله صادق في وعده ووعيده ، قال السدي : لما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس فنسخها الله بقوله : « ليس على الضعفاء » الآية.

« لو كان عرضا قريبا » أي لوكان مادعوتهم إليه غنيمة حاضرة « وسفرا قاصدا » أي قريبا هينا ، وقيل : أي ذا قصد ، وقيل : سهلا متوسطا غير شاق « لاتبعوك » طمعا في المال « ولكن بعدت عليهم الشقة » أي المسافة ، يعني غزوة تبوك ، أمروا فيها بالخروج إلى الشام « وسيحلفون بالله » فيه دلالة على صحة نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ

____________________

(١) في المصدر : لان الله عصمه من جميع الناس ، وينصره بالملائكة ، او بقوم آخرين من المؤمنين.

(٢) في المصدر : ذا صنعة وغير ذى صنعة.

١٩٠

أخبر بحلفهم قبل وقوعه « يهلكون أنفسهم » بما أسروه من الشرك(١) وقيل : باليمين الكاذبة ، والعذر الباطل « والله يعلم إنهم لكاذبون » في هذا الاعتذار والحلف « عفا الله عنك لم أذنت لهم » في التخلف عنك « حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين » أي حتى تعرف من له العذر منهم في التخلف ، ومن لا عذر له ، فيكون إذنك لمن أذنت له على علم ، قال ابن عباس وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يعرف المنافقين يومئذ ، وقيل : إنه إنما خيرهم بين الظعن والاقامة متوعدا لهم ولم يأذن لهم ، فاغتنم القوم ذلك ، وفي هذا إخبار من الله سبحانه أنه كان الاولى أن يلزمهم الخروج معه حتى إذا لم يخرجوا ظهر نفاقهم ، لانه متى أذن لهم ثم تأخروا لم يعلم أن للنفاق(٢) كان تأخرهم أم لغيره. وكان الذين استأذنوه منافقين ، ومنهم الجد بن قيس ومعتب بن قشير ، وهما من الانصار(٣).

أقول : قد مر الكلام في هذه الآية في باب عصمتة صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقال في قوله تعالى : « لا يستأذنك » أي في القعود ، وقيل : في الخروج لانه مستغن عنه بدعائك ، بل يتأهب له « أن يجاهدوا » أي في أن يجاهدوا « وارتابت قلوبهم » أي اضطربت وشكت « فهم في ريبهم يترددون » أي في شكهم يذهبون و يرجعون ويتحيرون ، وأراد به المنافقين ، أي يتوقعون الاذن لشكهم في دين الله وفيما وعد المجاهدون ، ولو كانوا مخلصين لوثقوا بالنصر وبثواب الله فبادروا إلى الجهاد ولم يستأذونك فيه « ولو أرادوا الخروج » في الجهاد كالمؤمنين « لاعدوا له عدة » أي أهبة الحرب(٤) من الكراع والسلاح « ولكن كره الله انبعاثهم » أي خروجهم إلى الغزو العلمه إنهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنميمة بين المسلمين ، وكانوا عيونا للمشركين. وكان الضرر في خروجهم أكثر من الفائدة « فثبطهم » عن

____________________

(١) في المصدر : بما آثروه من الشرك.

(٢) في المصدر. ألنفاق كان. (٣) مجمع البيان ٥ : ٣٠ ـ ٣٤.

(٤) اهبة الحرب : عدته ولوازمه والكراع : الدواب ، كالفرس والخيل والبغال والحمير.

١٩١

الخروج الذي عزموا عليه ، لا عن الخروج الذي أمرهم به ، لان الاول كفر ، الثاني طاعة « وقيل اقعدوا مع القاعدين » أي مع النساء والصبيان والقائلون أصحابهم الذين نهوهم عن الخروج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للجهاد أو النبي (ص) على وجه التهديد والوعيد ، لا على وجه الاذن ، ويجوز أن يكون على وجه الاذن لهم في العقود الذي عاتبه الله عليه ، إذ كان الاولى أن لايأذن لهم ليظهر للناس نفاقهم ، ثم بين سبحانه وجه الحكمة في كراهية انبعاثهم وتثبيطهم عن الخروج فقال : « لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا » أي شرا وفسادا ، وقيل : غدرا ومكرا ، و قيل : عجزا وجبنا ، أي أنهم كانوا يجبنونكم عن لقاء العدو بتهويل الامر عليكم « ولاوضعوا خلالكم » أي لاسرعوا في الدخول بينكم بالتضريب والافساد والنميمة يريد ولسعوا فيما بينكم بالتفريق بين المسلمين ، وقيل : أي لاوضعوا إبلهم خلالكم يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما فيقول ما لا ينبغي « يبغونكم الفتنة » بعدو الابل وسطكم ، ومعنى يبغونكم لكم أو فيكم ، أي يطلبون لكم المحنة باختلاف الكلمة والفرقة ، وقيل أي يبغونكم أن تكونوا مشركين ، والفتنة : الشرك ، وقيل : أي يخو فونكم بالعدو ، ويخبر ونكم أنكم منهزمون(١) وأن عدوكم سيظهر عليكم » وفيكم سماعون لهم « أي وفيكم عيون للمنافقين ينقلون إليهم ما يسمعون منكم ، وقيل : معناه وفيكم قابلون منهم عند سماع قولهم ، يريد ضعفة المسلمين » والله عليم بالظالمين « أي بهؤلاء المنافقين الذين ظلموا أنفسهم ، لما أضمروا عليه من الفساد ، منهم عبدالله بن أبي ، وجد بن قيس ، وأوس بن قبطي(٢) ثم أقسم الله سبحانه فقال : » لقد ابتغوا الفتنه من قبل » الفتنة اسم يقع على كل سوء و شر ، والمعنى لقد طلب هؤلاء المنافقون اختلاف كلمتكم ، وتشتيت أهوائكم ، و افتراق آرائكم من قبل غزوة تبوك ، أي في يوم أحد حين انصرف عبدالله بن أبي بأصحابه ، وخذل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصرف الله سبحانه عن المسلمين فتنتهم ، وقيل : أراد

____________________

(١) مهزومون خ ل.

(٢) هكذا في الكتاب ومصدره ، وفي السيرة : اوس بن قيظى.

١٩٢

بالفتنة صرف الناس عن الايمان ، وإلقاء الشبهة إلى ضعفاء المسلمين ، وقيل : أراد بالفتنة الفتك بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك ليلة العقبة ، وكانوا اثني عشر رجلا من المنافقين ، وقفوا على الثنية ليفتكوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ابن جبير وابن جريح(١) « وقلبوا لك الامور » أي احتالوا في توهين أمرك ، وإيقاع الاختلاف بين المؤمنين وفي قتلك بكل ما أمكنهم فيه فلم يقدروا عليه ، وقيل : إنهم كانوا يريدون في كيده وجها من التدبير فإذا لم يتم ذلك فيه تركوه وطلبوا المكيدة في غيره ، فهذا تقليب الامور « حتى جاء الحق » أي النصر والظفر « وظهر أمر الله » أي دينه ، و هو الاسلام وظفر المسلمين « وهو كارهون » أي في حال كراهتهم لذلك « ومنهم من يقول ائذن لي » إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما استنفر الناس إلى تبوك قال : انفروا لعلكم تغنمون بنات الاصفر ، فقام جد بن قيس أخو بني سلمة من بني الخزرج فقال : يا رسول الله ائذن لي ولا تفتني ببنات الاصفر فإني أخاف أن أفتن(٢) بهن ، فقال : قد أذنت لك فنزلت ، عن ابن عباس ومجاهد ، فلما نزلت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبني سلمة : من سيدكم؟ قالوا : جد بن قيس غير أنه بخيل جبان ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : وأي داء أدوى من البخل؟! بل سيدكم الفتى الابيض الجعد : بشربن براء بن معرور(٣) « ولا تفتني » أي ببنات الاصفر ، قال الفراء : سميت الروم أصفر لان حبشيا غلب على ناحية الروم ، فكان له بنات قد أخذن من بياض الروم وسواد الحبشية ، فكن صفرا لعسا(٤) وقيل : معناه لا تؤثمني بمخالفة أمرك في الخروج

____________________

(١) في المصدر : وابن جريج وهو الصحيح ، والرجل هو عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج الاموى المكى.

(٢) في المصدر : افتتن.

(٣) في المصدر : بشر بن البراء بن المعرور.

(٤) اللعس : سواد مستحسن. وقال الجزرى : هوادنى سواد وشربة من الحمرة. واللعس جمع اللعساء. وقال : بنات الاصفر يعنى الروم لان اباهم الاول كان اصفر اللون وهو رؤم بن عيصو بن اسحاق بن ابراهيم.

١٩٣

وذلك غير متيسرلي(١) « ألا في الفتنة سقطوا » أي في العصيان والكفر وقعوا بمخالفتهم أمرك(٢) وقيل : معناه لا تعذبني بتكليف الخروج في شدة الحر. ألا قد سقطوا في حر أعظم من ذلك وهو حر جهنم « وإن جهنم لمحيطة بالكافرين » أي ستحيط بهم فلا مخلص لهم منها « إن تصبك حسنة » أي نعمة من الله وفتح وغنيمة « تسؤهم » يحزن المنافقون بها « وإن تصبك مصيبة » أي شدة ونكبة « يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل » أي أخذنا حذرنا واحترزنا بالقعود من قبل هذه المصيبة « و يتولوا وهم فرحون » بما أصاب المؤمنين « قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا » أي كل ما يصيبنا من خير أو شر فهو مما كتبه الله لنا في اللوح المحفوظ من أمرنا ، وليس على ما تظنون من إهمالنا ، وقيل : لن يصيبنا في عاقبة أمرنا إلا ما كبته الله لنا في القرآن من النصر الذي وعدنا ، وإنا نظفر بالاعداء فتكون النصرة حسنى لنا ، أو نقتل فتكون الشهادة حسنى لنا أيضا فقد كتب الله لنا ما يصيبنا وعملنا(٣) ما لنا فيه الحظ « هو مولانا » أي ما لكنا ونحن عبيده ، أو ولينا وناصرنا « وعلى الله فليتوكل كل المؤمنون » أمر من الله تعالى بالتوكل « قل هل تربصون بنا » أي هل تنتظرون لنا « إلا إحدى الحسنيين » أي إحدى الخصلتين الحميدتين : إما الغلبة والغنيمة في العاجل ، وإما الشهادة والثواب الدائم في الآجل « ونحن نتربص بكم » أي نتوقع لكم « أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا » أي يوقع الله بكم عذابا من عنده يهلككم به ، أوبأن ينصرنا عليكم فيقتلكم بأيدينا « فتربصوا » أمر للتهديد « إنا معكم متربصون » أي منتظرون إما الشهادة والجنة ، وإما الغنيمة والاجر لنا ، وإما البقاء في الذل والخزي وإما الموت والقتل(٤) مع المصير إلى النار لكم.

« قل أنفقوا طوعا أو كرهاً » أي طائعين أو مكرهين « لن يتقبل منكم إنكم

____________________

(١) في المصدر : لا تؤثمنى اى لا توقعنى في الاثم بالعصيان لمخالفته امرك بالخروج إلى الجهاد وذلك غير متيسرلى.

(٢) في المصدر : بمخالفتهم امرك في الخروج والجهاد.

(٣) في المصدر : وعلمنا (٤) في المصدر أوالقتل.

١٩٤

كنتم قوما فاسقين » أي إنما لم يتقبل منكم لانكم كنتم متمردين عن طاعة الله « وما منعهم » أي ما يمنع هؤلاء المنافقين أن يثابوا على نفقاتهم إلا كفرهم بالله و برسوله ، وذلك مما يحبط الاعمال « ولا يأنون الصلاة إلا وهم كسالى » أي متثاقلين « ولا ينفقون إلا وهم كارهون » لذلك لانهم إنما يصلون وينفقون للرياء والتستر بالاسلام ، لا لابتغاء مرضاة الله « فلا تعجبك أموالهم ولا أولادكم » الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد جميع المؤمنين ، وقيل : لا تعجبك إيها السامع ، أي لا تأخذ(١) بقلبك ما تراه من كثرة أموال هؤلاء المنافقين وأولادهم(٢) ولا تنظر إليهم بعين الاعجاب « إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا » فيه وجوه : أحدها أن فيه تقديما وتاخيرا ، أي لا نسرك أموالهم(٣) وأولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة ، عن ابن عباس وقتادة.

وثانيها : إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بالتشديد عليهم في التكليف وأمرهم بالانفاق في الزكاة والغزو فيؤدونها على كره منهم ، ومشقة ، إذ لايرجون به ثوابا في الآخرة فيكون ذلك عذابا لهم.

وثالثها : أن معناه إنما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا ، أي بسبي الاولاد وغنيمة الاموال عند تمكن المؤمنين من أخذها وغنمها فيتحسرون عليها ، ويكون ذلك جزاء على كفرهم.

ورابعها : أن المراد : يعذبهم بجمعها وحفظها وحبها والبخل بها والحزن عليها وكل هذا عذاب ، وكذلك خروجهم عنها بالموت ، لانهم يفارقونها ولا يدرون إلى ما ذا يصيرون.

وخامسها : إنما يريد الله ليعذبهم بحفظها والمصائب فيها مع حرمان المنفعة بها(٤) واللام في قوله : « ليعذبهم » يحتمل أن تكون لام العاقبة(٥) والتقدير إنما

____________________

(١) في المصدر : اى لا يأخذ.

(٢) في المصدر : وكثرة اولادهم.

(٣) في المصدر : اى لا يسرك أموالهم.

(٤) راجع المصدر ففيه تقديم وتأخير.

(٥) في المصدر : واللام في قوله : « ليعذبهم » يحتمل ان يكون بمعنى أن ، ويحتمل ان يكون لام العاقبة.

١٩٥

يريد الله أن يملي لهم فيها ليعذبهم « وتزهق أنفسهم » أي تهلك « وهم كافرون » في موضع الحال « ويحلفون بالله إنهم لمنكم » أي يقسم هؤلاء المنافقون إنهم من جملتكم أي مؤمنون أمثالكم « وما هم منكم » أي ليسوا مؤمنين بالله « ولكنهم قوم يفرقون » أي يخافون القتل والاسر إن لم يظهروا الايمان « لو يجدون ملجأ » أي حرزا أو حصنا « أو مغارات » أي غيرانا في الجبال أو سراديب « أو مدخلا » أي موصع دخول يأوون إليه ، وقيل : نفقا كنفق اليربوع ، وقيل : أسرابا في الارض عن ابن عباس وأبي جعفر عليه‌السلام ، وقيل : وجها يدخلونه على خلاف رسول الله (ص) « لولوا إليه » أي لعدلوا إليه ، وقيل : لاعرضوا عنكم إليه « وهم يجمحون » أي يسرعون في الذهاب إليه(١) « ومنهم الذين » قيل : إنها نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك ، فلما رجع رسول الله أنوا المؤمنين يعتذرون إليهم من تخلفهم ويعتلون ويحلفون فنزلت(٢).

أقول : سيأتي تفسير الآيات في باب جمل ماجرى بينه وبين أصحابه صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقال رحمه‌الله في قوله تعالى : « يحذر المنافقون » قيل : نزلت في اثني عشر رجلا وقفوا على العقبة ليفتكوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند رجوعه من تبوك ، فأخبر جبرئيل عليه‌السلام رسول الله بذلك ، وأمره أن يرسل إليهم ويضرب وجوه رواحلهم ، و عمار كان يقود دابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحذيفة يسوقها ، فقال لحذيفة : اضرب وجوه رواحلهم ، فضربها حتى نحاهم ، فلما نزل قال لحذيفة : من عرفت من القوم فقال : لم أعرف منهم أحدا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنه فلان وفلان حتى عدهم كلهم ، فقال حذيفة : ألا تبعث إليهم فتقتلهم؟ فقال : أكره أن تقول العرب : لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم عن ابن كيسان ، وروي عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله إلا أنه قال : ائتمروا بينهم ليقتلوه ، وقال بعضهم لبعض : إن فطن نقول : إنما كنا نخوض ونلعب ، وإن لم يفطن نقتله ، وقيل : إن جماعة من المنافقين قالوا في غزوة تبوك :

____________________

(١) مجمع البيان ٥ : ٣٤ ـ ٤٠.

(٢) مجمع البيان ٥ : ٤٤.

١٩٦

ظن(١) هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها ، هيهات هيهات ، فأطلع الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك فقال : « احبسوا علي الركب » فدعاهم فقال لهم : قلتم كذا وكذا ، فقالوا ، يا نبي الله إنما نخوض ونلعب ، وحلفوا على ذلك فنزلت الآية « ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب » عن الحسن وقتادة ، و قيل : كان ذلك عند منصرفه من تبوك إلى المدينة ، فكان بين يديه أربعة نفر أو ثلاثة نفر يستهزؤن ويضحكون ، واحدهم يضحك ولا يتكلم ، فنزل جبرئيل وأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، فدعا عمار بن ياسر وقال : إن هؤلاء يستهزؤن بي وبالقرآن أخبرني جبرئيل بذلك ، ولئن سألتهم ليقولن : كنا نتحدث بحديث الركب.

فاتبعهم عمار وقال لهم : لم تضحكون؟(٢) قالوا : نتحدث بحديث الركب ، فقال عمار : صدق الله وصدق رسوله ، احترقتم ، أحرقكم الله ، فأقبلوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يعتذرون ، فأنزل الله الآيات ، عن الكلبي وعلي بن إبراهيم وأبي حمزة ، وقيل : إن رجلا قال في غزوة تبوك : ما رأيت أكذب لسانا ولا أجبن عند اللقاء من هؤلاء يعني رسول الله وأصحابه ، فقال له عوف بن مالك : كذبت ، ولكنك منافق ، و أراد أن يخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك فجاءه وقد سبقه الوحي ، فجاء الرجل معتذرا وقال : إنما كنا نخوض ونلعب ، ففيه نزلت الآية ، عن ابن عمر وزيد بن أسلم و محمد بن كعب ، وقيل : إن رجلا من المنافقين قال : يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا ، أو ما يدريه ما أمر الغيث(٣) فنزلت الآية ، عن مجاهد ، وقيل : نزلت في عبدالله بن أبي ورهطه عن الضحاك « أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم » فيه قولان : أحدهما : أنه إحبار بأنهم يخافون أن يفشوا(٤) سرائرهم ، وقيل : إن ذلك الحذر أظهروه على وجه الاستهزاء.

____________________

(١) يظن خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٢) في المصدر : مم تضحكون.

(٣) من الغيب خ ل. أقول : في المصدر : وما يدريه ما الغيب.

(٤) هكذا في الكتاب ومصدرة ، والانسب : « ان يفشو » بصيغة المفرد.

١٩٧

والثاني : أن لفظه الخبر ومعناه الامر ، « قل استهزؤا » أمر على الوعيد « إن الله مخرج ما تحذرون » أي مبين لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله باطن حالكم ونفاقكم « ولئن سألتهم » عن طعنهم في الدين واستهزائهم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالمسلمين « ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب » اللام للتأكيد والقسم ، أي لقالوا كنا نخوض خوض الركب في الطريق لا على طريق الجد « قل أبالله وآياته » أي حججه وبيناته وكتابه ورسوله « كنتم تستهزؤن » ثم أمر الله نبيه أن يقول لهم : « لا تعتذروا » بالمعاذير الكاذبة « قد كفرتهم بعد إيمانكم » أي بعد إظهاركم الايمان « إن نعف عن طائفة منكم » إذا تابوا « نعذب طائفة » لم يتوبوا « بأنهم كانوا مجرمين » أي كافرين مصرين على النفاق(١).

قوله تعالى : « يحلفون بالله ما قالوا » أقول : قد مر في باب إعجاز القرآن أنها نزلت في غزوة تبوك وقصصها ، قال : يعني أنهم حلفوا كاذبين : ما قالوا ما حكي عنهم ، ثم حقق عليهم وأقسم بأنهم قالوا ذلك « وكفروا بعد إسلامهم » يعني ظهر كفرهم بعد أن كانا باطنا. « وهموا بمالم ينالوا » فيه أقوال.

أحدها أنهم هموا بقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة العقبة والتنفير بناقته. وثانيها : أنهم هموا بإخراج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة فلم يبلغوا ذلك. وثالثها : أنهم هموا بالفساد والتضريب بين أصحابه. ونقم منه شيئا ، أي أنكروعاب. « فرح المخلفون » أي المنافقون الذين خلفهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يخرجهم معه إلى تبوك لما استأذنوه في التأخر « بمقعدهم » أي بقعودهم عن الجهاد « خلاف رسول الله » أي بعده ، وقيل : بمخالفتهم(٢) « وقالوا » أي للمسلمين ، أو بعضهم لبعض : « لا تنفروا » أي لا تخرجوا إلى الغزو « في الحر قل نار جهنم » التي وجبت لهم بالتخلف عن أمر الله « أشد حرا » من هذا الحر « لو كانوا يفقهون » أوامر الله وعده ووعيده « فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا » هذا تهديد لهم في

____________________

(١) مجمع البيان ٥ : ٤٦ و ٤٧.

(٢) في المصدر : لمخالفتهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٩٨

صورة الامر أي فليضحك هؤلاء المنافقون في الدنيا قليلا ، لان ذلك يفنى ، وإن دام إلى الموت ، ولان الضحك في الدنيا قليل لكثرة أحزانها وهمومها ، و ليبكوا كثيرا في الآخرة لان ذلك يوم مقداره خمسون ألف سنة « فإن رجعك الله » أي ردك الله عن غزوتك هذه وسفرك هذا « إلى طائفة منهم » أي من المنافقين الذين تخلفوا عنك وعن الخروج معك « فاستأذنوك للخروج » معك إلى غزوة أخرى « فقل » لهم « لن تخرجوا معي أبدا » إلى غزوة « ولن تقاتلوا معي عدوا » ثم بين تعالى سبب ذلك فقال : « إنكم رضيتم بالقعود أول مرة » أي عن غزوة تبوك فاقعدوا مع الخالفين « في كل غزوة.

وواختلف في المراد بالخالفين فقيل : معناه مع النساء والصبيان ، وقيل : مع الرجال الذين تخلفوا من غير عذر ، وقيل : مع المخالفين ، قال الفرآء : يقال : فلان عبد خالف ، وصاحب خالف : إذا كان مخالفا ، وقيل : مع الخساس والادنيآء ، يقال : فلان خالفة أهله : إذا كان أدونهم ، وقيل : مع أهل الفساد ، من قولهم : خلف الرجل على أهله خلوفا : فسد(١) وقيل : مع المرضى والزمنى وكل من تأخر لنقص « ولا تصل علي أحد منهم » أي من المنافقين « مات أبدا » أي بعد موته ويدعو له ، فما صلى بعد ذلك على منافق حتى قبض.

وروي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى على عبدالله بن أبي وألبسه قميصه قبل أن ينهى عن الصلاة على المنافقين ، وقيل أراد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصلي عليه فأخذ جبرئيل بثوبه وتلا عليه « لا تصل(٢) على أحد منه مات أبدا » وروي أنه قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لم وجهت بقميصك إليه يكفن فيه وهو كافر؟! فقال : « إن قميصي لن يغني عنه من الله شيئا وإني أؤمل من الله أن يدخل بهذا السبب في الاسلام خلق كثير » فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب الاستشفاع(٣) بثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ذكره الزجاج

____________________

(١) زاد في المصدر : ونبيذ خالف اى فاسد ، وخلف فم الصائم : اذا تغيرت ريحه.

(٢) في المصدر : ولا تصل.

(٣) الاستشفاء خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

١٩٩

وقال الاكثر في الرواية أنه لم يصل عليه « ولا تعجبك » إنما كرر للتذكير في موطنين مع بعد أحدهما من الآخر ، ويجوز أن تكون الآيتان في فريقين من المنافقين استأذنك « أي في العقود » أولوا الطول « أي أولوا المال والقدرة » منهم « أي من المنافقين » مع القاعدين « أي المتخلفين عن الجهاد من النساء والصبيان » مع الخوائف « أي النساء والصبيان والمرضى والمقعدين » وجاء المعدرون من الاعراب » أي المقصرون الذين يعتذرون وليس لهم عذر ، وقيل : هم المعتذرون الذين لهم عذر وهم نفر من بني غفار عن ابن عباس « ليؤذن لهم » في التخلف « وقعد الذين كذبوا الله ورسوله » أي وقعدت طائفة من المنافقين من غير اعتذار « ليس على الضعفاء » قيل : نزلت في عبدالله بن زائدة وهو ابن أم مكتوم ، وكان ضرير البصر ، جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا نبي الله إنى شيخ ضرير(١) ضعيف الحال ، نحيف الجسم وليس لي قائد ، فهل لي رخصة في التخلف عن الجهاد؟ فسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنزل الله الآية ، وقيل : نزلت في عائذ بن عمرو وأصحابه ، والضعفاءهم الذين قوتهم ناقصة بالزمانة والعجز عن ابن عباس : وقيل هم الذين لا يقدرون على الخروج « ولا على المرضى » وهم أصحاب اللعلل المانعة من الخروج « ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون » أي من ليست معه نفقة الخروج وآلة السفر « حرج » أي ضيق وجناح في التخلف و ترك الخروج « إذا نصحوالله ورسوله » بأن يخلصوا العمل من الغش « ما على المحسنين من سبيل » أي ليس على من يفعل(٢) الحسن الجميل في التخلف عن الجهاد أو مطلقا طريق للتقريع في الدنيا والعذاب في الآخرة « ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم » أي يسألونك مركما يركبونه فيخرجون معك « قلت لا أجد ما أحملكم عليه » أي مركبا ، ولا ما أسوي به أمركم « حزنا أن لا يجدوا » أي لحزنهم على أن لا يجدوا « يعتذرون إليكم » من تأخرهم عنكم بالاباطيل والكذب « إذا رجعتم إليهم » من غزوة تبوك « لن نؤمن لكم » أي لا نصدقكم على ما تقولون « قد نبأنا الله من أخباركم » ما علمنا به كذبكم ، وقيل : أراد به قوله : « لو خرجوا فيكم ما زادوكم

____________________

(١) ضرير البصر خ ل.

(٢) في المصدر : ليس على من فعل.



٢٠٠