بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بنو جذيمة السلاح ، فقال خالد : اخلعوا السلاح(١) فإن الناس قد أسلموا ، فوضعوا فأمربهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف ، فقتل من قتل منهم ، فلما انتهى الخبر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع يديه ثم قال : « اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد » ثم أرسل عليا عليه‌السلام ومعه مال ، وأمره أن ينظر في أمرهم فودى لهم النساء والاموال حتى أنه ليدي ميلغة(٢) الكلب ، ففضل معه من المال فضلة فقال لهم علي عليه‌السلام : هل بقي لكم مال أودم لم يؤد؟ قالوا : لا ، قال : إني أعطيكم هذه البقية احتياطا لرسول الله (ص) ، ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره فقال : أصبت وأحسنت(٣).

٤ ـ ل : بإسناده عن عامر بن واثلة قال : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام يوم الشورى نشدتكم بالله هل علمتم أن رسول الله عليه‌السلام بعث خالد بن الوليد إلى بني خزيمة(٤) ففعل ما فعل ، فصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر فقال : « اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد » ثلاث مرات ، ثم قال : « اذهب يا علي » فذهبت فوديتهم ، ثم ناشدتهم بالله هل بقي شئ؟ فقالوا : إذا نشدتنا بالله فميلغة كلابنا ، وعقال بعيرنا فأعطيتهم لهما ، وبقي معي ذهب كثير فأعطيتهم إياه وقلت : وهذا لذمة رسول الله (ص) ولما تعملون ولما لا تعملون ، ولروعات النساء والصبيان ، ثم جئت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته فقال : « والله لا يسرني(٥) يا علي أن لي بما صنعت حمر النعم » قالوا : اللهم نعم(٦).

____________________

(١) في المصدر : ضعوا السلاح.

(٢) الميلغ والميلغة : الاناء يلغ فيه الكلب أو يسقى فيه.

(٣) الكامل ٢ : ١٧٣ وفيه : وكان بين عبدالرحمن بن عوف وخالد كلام في ذلك ، فقال له : علمت بأمرالجاهلية في الاسلام ، فقال خالد : إنما ثأرت بأبيك ، فقال عبدالرحمن : كذبت قد قتلت انا قاتل ابى ، ولكنك انما ثأرت بعمك الفاكه ، حتى كان بينهما شر ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : مهلا يا خالد دع عنك اصحابى ، فوالله لوكان لك احد ذهبا ثم انفقته في سبيل الله ما ادركت غدوة احدهم ولا روحته.

(٤) كذا في الكتاب ومصدره والصحيح كما استظهره المنصف في الهامش وتقدم : جذيمة.

(٥) في المصدر : ما يسرنى. (٦) الخصال ٢ : ١٢٥.

١٤١

٥ ـ ل ، لى : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار ، عن فضالة ، عن أبان ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خالد بن الوليد إلى حي يقال لهم : بنو المصطلق من بني جذيمة ، وكان بينهم وبينه وبين بني مخزوم إحنة في الجاهلية [ فلما ورد عليهم ] كانوا قد أطاعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذوا منه كتابا ، فلما ورد عليهم خالد أمر مناديا فنادى بالصلاة فصلى وصلوا ، فلما كان صلاة الفجر أمر مناديه فنادى فصلى وصلوا ، ثم أمر الخيل فشنوا فيهم الغارة فقتل وأصاب ، فطلبوا كتابهم فوجدوه فأتوا به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله و حدثوه بما صنع خالد بن الوليد ، فاستقبل صلى‌الله‌عليه‌وآله القبلة ثم قال : « اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد » قال : ثم قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تبرو متاع فقال لعلي عليه‌السلام : « يا علي ائت بني جذيمة من بني المصطلق فأرضهم مماصنع خالد » ثم رفع عليه‌السلام قدميه فقال : « يا علي اجعل قضاء أهل الجاهلية تحت قدميك » فأتاهم علي عليه‌السلام فلما انتهى إليهم حكم فيهم بحكم الله ، فلما رجع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يا علي أخبرني بما صنعت » فقال : يا رسول الله عمدت فأعطيت لكل دم دية ولكل جنين غرة ، ولكل مال مالا ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لميلغة كلابهم وحبلة رعاتهم ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لما يعلمون ولما لايعلمون ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أعطيتهم ليرضوا عني ، رضي الله عنك ، يا علي إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي(١).

بيان : قال الجزري : في حديث علي عليه‌السلام إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه ليدي قوما قتلهم خالد بن الوليد فأعطاهم ميلغة الكلب ، هي الاناء الذي يلغ فيه الكلب يعني أعطاهم قيمة كل ما ذهب لهم حتى قيمة الميلغة انتهى. والحبلة : هنا الرسن أو بالتحريك ، أي الجنين الساقط من دوابهم ومواشيهم ، والاول أظهر.

____________________

(١) امالي الصدوق : ١٠٤ و ١٠٥.

١٤٢

٦ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن القاسم بن زكريا(١) عن محمد بن تسنيم الحضرمي ، عن عمرو بن معمر ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام عن أبيه جعفر ، عن أبيه محمد بن علي عليهم‌السلام عن جابر بن عبدالله قال : بعث النبي (ص) خالد بن الوليد على صدقات بني المصطلق حي من خزاعة ، وكان بينه وبينهم في الجاهلية ذحل فأوقع بهم خالد فقتل منهم ، واستاق أموالهم ، فبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فعل فقال : « اللهم أبرأ إليك(٢) مما صنع خالد » وبعث إليهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام بمال وأمره أن يؤدي إليهم ديات رجالهم(٣) وما ذهب من أموالهم ، وبقيت معه من المال زعبة ، فقال لهم : هل تفقدون شيئا من متاعكم(٤)؟ فقالوا : ما نفقد شيئا إلا ميلغة كلابنا ، فدفع إليهم ما بقي من المال ، فقال : هذا لميلغة كلابكم وما أنيستم من متاعكم ، وأقبل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ما صنعت؟ فأخبره بخبره حتى أتى على حديثه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرضيتني رضي الله عنك يا علي أنت هادي أمتي ، ألا إن السعيد كل السعيد من أحبك وأخذ بطريقتك ، ألا إن الشقي كل الشقي من خالفك ورغب عن طريقك إلى يوم القيامة(٥).

بيان : الدخل : العدواة ، وطلب المكافاة بالجناية ، والزعبة بفتح الزاي المعجمة وضمها : القطعة من المال.

٧ ـ أقول : قال الكازروني : كان فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من شهر رمضان ، فأقام بها خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين ، ثم خرج إلى حنين ، وقال في حوادث السنة الثامنة : وفي هذه السنة أسلم عكرمة بن أبي جهل ، روي عن عبدالله ابن الزبير قال : لما كان يوم فتح مكة هرب عكرة بن أبي جهل ، إلى اليمن ، و خاف أن يقتله رسول الله (ص) ، وكانت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة

____________________

(١) في المصدر : محمد بن القاسم بن زكريا المحاربى.

(٢) في المصدر : اللهم انى ابرأ إليك.

(٣) في المصدر : وامره ان يؤدى اليهم ديات من قتل من رجالهم ، وانطلق على فأدى اليهم ديات رجالهم.

(٤) في المصدر : من اموالكم وامتعتكم.

(٥) مجالس ابن الشيخ : ٣١٧ و ٣١٨.

١٤٣

لها عقل ، وكانت قد اتبعت رسول الله (ص) فجاءت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : إن ابن عمي عكرمة قد هرب منك إلى اليمن ، وخاف أن تقتله فآمنه ، قال : « قد آمنته بأمان الله ، فمن لقيه فلا يتعرض له » فخرجت في طلبه فأدركته في ساحل من سواحل تهامة وقد ركب البحر ، فجعلت تلوح إليه وتقول : يا ابن عم جئتك من عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس ، لا تهلك نفسك وقد استأمنت لك فآمنك ، فقال : أنت فعلت ذلك؟ قلت : (١) نعم أنا كلمة فآمنك ، فرجع معها فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاصحابه : « يأتيكم عكرمة مهاجرا(٢) فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ » قال : فقدم عكرمة فانتهى إلى باب رسول الله (ص) وزوجته معه متنقبة قالت : فاستأذنت على رسول الله (ص فدخلت فأخبرت رسول الله بقدوم عكرمة فاستبشر ، وقال : أدخليه ، فقال : يا محمد إن هذه أخبرتني أنك آمنتني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « صدقت(٣) فأنت آمن » قال عكرمة : فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أنك عبده ورسوله ، وقلت : أنت أبر الناس وأوفى الناس ، أقول ذلك وإني لمطأطئ الرأس استحياء منه ، ثم قلت : يا رسول الله استغفرلي كل عداوة عاديتكها أو مركب أوضعت فيه أريد به إظهار الشرك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها ، أو منطق تكلم به ، أو مركب أوضع فيه يريد أن يصد عن سبيلك » فقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرني بخيرما تعلم فأعمله(٤) ، قال : « قل : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وجاهد في سبيل الله » ثم قال عكرمة : أما والله(٥) لا أدع نفقة كنت أنفقها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله ، ولا قتالا كنت أقاتل في صد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله ، ثم اجتهد في القتال حتى قتل في خلافة أبي بكر.

____________________

(١) قالت خ ل. (٢) في المصدر : مؤمنا مهاجرا.

(٣) زاد في المصدر : واصدق الناس. (٤) في المصدر. فأعلمه.

(٥) في المصدر : اما والله يا رسول الله.

١٤٤

وعن أبي مليكة قال : لما كان يوم الفتح ركب عكرمة البحر هاربا فخب(١) بهم البحر ، فجعل من في السفينة يدعون الله عزوجل ويوحدونه ، فقال : ما هذا؟ قالوا : هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله عزوجل ، قال : فهذا إله محمد الذي يدعونا إليه ، فارجعوا بنا فرجع فأسلم. وكانت امرإته أسلمت قبله ، فكانا على نكاحهما.

وفيها بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خالد بن الوليد إلى العزى لخمس بقين من رمضان ليهدمها فخرج حتى انتهى إليها في ثلاثين فهدمها ، ثم رجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره فقال : هل رأيت شيئا؟ قال : لا ، قال : فإنك لم تهدمها(٢) فرجع متغيظا فجرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس ، فجعل السادن يصيح بها فضربها خالد فقطعها(٣) باثنين ، ورجع ، فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « تلك العزى وقديئست أن تعبد ببلادكم أبدا » وكانت بنخلة ، وكانت لقريش وجميع بني كنانة وكانت أعظم أصنامهم ، وسدنتها بنوشيبان ، وقد اختلف في العزى فقيل : إنها شجرة كانت لغطفان يعبدونها ، وقيل : إنها صنم.

وفيها بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عمر وبن العاص إلى سواع وهو صنم هذيل ليهدمه ، وقال عمرو : فانتهيت إليه وعنده السادن فقال : ما تريد؟ قلت : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أهدمه ، قال : لا تقدر. قلت : لم؟ قال : تمنع ، قلت : ويحك هل يسمع أويبصر؟ فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته ، فقلت للسادن : كيف رأيت(٤)؟ قال : أسلمت لله.

وفيها بعث سعد بن زيد إلى مناة بالمشلل ليهدمها ، وكانت للاوس والخزرج وسنان(٥) فخرج في عشرين ذلك حين فتح مكة فقال السادن : ما تريد؟ قال :

____________________

(١) أى هاج واضطراب. (٢) في المصدر : فارجع اليها فاهد مها فرجع.

(٣) في المصدر : فجزلها. (٤) في المصدر : كيف رأيته؟

(٥) في المصدر : وغسان.

١٤٥

هدمها قال أنت وذاك ، فأقبل يمشي إليها وخرجت امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها ، فضربها سعد فقتلها ، وهدموا الصنم(١).

٢٨

باب

*(غزوة حنين والطائف وأوطاس وسائر الحوادث)*

إلى غزوة تبوك

الايات : التوبة « ٩ » : لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين * ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم ٢٥ ـ ٢٧.

وقال تعالى : ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذاهم يسخطون « ٥٨ ».

تفسير : قوله : « في مواطن كثيرة » قال الطبرسي رحمه‌الله : وردعن الصادقين عليهم‌السلام أنهم قالوا : إنها كانت المواطن ثمانين « ويوم حنين » أي في يوم حنين « إذ

____________________

(١) المنتقى في مولد المصطفى : الباب الثامن فيما كان سنة ثمان من الهجرة. أقول : ذكر الكلبى في كتاب الاصنام : ١٤ و ١٥ : ومناة الثالثة الاخرى كانت لهذيل وخزاعة ، وكانت قريش وجميع العرب تعظمه فلم يزل على ذلك حتى خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة سنة ثمان من الهجرة وهو عام فتح الله عليه ، فلما سار من المدينة اربع ليال أو خمس ليال بعث عليا اليها فهدمها واخذ ما كان لها ، فاقبل به إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان فيما اخذ سفيان كان الحارث بن ابى شمر الغسانى ملك غسان اهداهما لها ، احدهما يسمى مخذما ، والاخر رسوبا فوهبهما النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلى عليه‌السلام ، ويقال ، ان عليا وجد هذين السيفين في الفلس ، وهو صنم طيئ حيث بعثه النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فهدمه.

١٤٦

أعجبتكم كثرتكم » أي سرتكم وصرتم معجبين بكثرتكم ، وكان سبب انهزام المسلمين يوم حنين أن بعضهم قال حين رأى كثرة المسلمين : لن نغلب اليوم من قلة فانهزموا بعد ساعة ، وكانوا اثني عشر ألفا ، وقيل : عشرة آلاف ، وقيل : ثمانية آلاف والاول أصح « فلم تغن عنكم شيئا » أي فلم تدفع عنكم كثرتكم سوءا « وضاقت عليكم الارض بما رحبت » أى برحبها(١) والباء بمعنى « مع » والمعنى لم تجدوا من الارض موضعا للفرار إليه « ثم وليتم مدبرين » أي وليتم عن عدوكم منهزمين « ثم أنزل الله سكينته » أي رحمة التي تسكن إليها النفس ويزول معها الخوف « على رسوله وعلى المؤمنين » حين رجعوا إليهم وقاتلوهم ، وقيل : على المؤمنين الذين ثبتوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي والعباس في نفر من بني هاشم عن الضحاك ، وروى الحسن بن علي بن فضال ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه قال : السكينة ريح من الجنة تخرج طيبة لها صورة كصورة وجه الانسان ، فتكون مع الانبياء أورده العياشي مسندا. « وأنزل جمودا لم تروها » أراد به جنودا من الملائكة ، وقيل : إن الملائكة نزلوا يوم حنين لتقوية قلوب المؤمنين وتشجيعهم ولم يباشروا القتال يومئذ ، ولم يقاتلوا إلا يوم بدر خاصة « وعذب الذين كفروا » بالقتل والاسرو سلب الاموال والاولاد « وذلك جزاء الكافرين » أي ذلك العذاب جزاؤهم على كفرهم « ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء » أي يقبل توبة من تاب عن الشرك ورجع إلى طاعة الله والاسلام ، وندم على ما فعل من القبيح ، أو توبة من انهزم من بعد هزيمته(٢).

وفي قوله تعالى : « ومنهم من يلمزك » قال : نزلت في قسمة غنائم حنين(٣) وذكر رواية أبي سعيد الخدري كما سيأتي بروايته في إعلام الورى ، وسيأتي تفسير الآية في باب جمل ماجرى بينه وبين أصحابه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١ ـ فس : « ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت

____________________

(١) في المصدر : برحبتها. (٢) مجمع البيان ٥ : ١٧ و ١٨.

(٣) مجمع البيان ٥ : ٤٠.

١٤٧

عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين » فإنه كان سبب غزات(١) حنين أنه لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فتح مكة أظهر أنه يريد هوازن ، وبلغ الخبر الهوازن(٢) فتهيؤا وجمعوا الجموع والسلاح واجتمع رؤساء هوازن إلى مالك بن عوف النضري(٣) فرأ سوه عليهم ، وخرجوا وساقوا معهم أموالهم ونساءهم و ذراريهم ، ومروا حتى نزلوا بأوطاس ، وكان دريد بن الصمة الجشمي في القوم ، و كان رئيس جشم ، وكان شيخا كبيرا قد ذهب بصره(٤) فلمس الارض بيده فقال : في أي واد أنتم؟ قالوا : بوادي أوطاس ، قال : نعم مجال خيل ، لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، مالي أسمع رغاء البعير ، ونهيق الحمار ، وخوار البقر ، وثغاء الشاة وبكاء الصبي؟ فقالوا(٥) : إن مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساءهم و ذراريهم ليقاتل كل امرئ عن نفسه وماله وأهله ، فقال دريد : راعي ضأن ورب الكعبة ، ماله وللحرب؟ ثم قال : ادعوا لي مالكا ، فلما جاء(٦) قال له : يا مالك ما فعلت؟ قال : سقت مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ليجعل كل رجل أهله وماله وراء ظهره فيكون أشد لحربه ، فقال : يا مالك إنك أصبحت رئيس(٧) قوم وإنك تقاتل رجلا كريما ، وهذا اليوم لما بعده(٨) ولم تصنع في تقدمة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ، ويحك وهل يلوي المنهزم على شئ؟ اردد بيضة هوازن إلى عليا بلادهم وممتنع محالهم ، والق الرجال على متون الخيل ، فإنه لا ينفعك إلا رجل بسيفه وفرسه ، فإن كان(٩) لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك لا تكون قد فضحت في أهلك وعيالك ، فقال له مالك : إنك قد كبرت وكبر

____________________

(١) غزوة خ ل.

(٢) هكذا في نسخة المنصف معرفا باللام ، والصحيح بالاحرف تعريف.

(٣) هكذا في الكتاب ومصدره ، والصحيح : النصرى بالصاد المهملة ، نسبة إلى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن. (٤) قد ذهب بصره من الكبر خ.

(٥) فقالوا له خ ل. (٦) فلما جاءه خ ل.

(٧) رئيس قومك خ ل. أقول : ذلك في المصدر.

(٨) في المصدر : وهذا يوم له ما بعده. (٩) فان كانت خ ل.

١٤٨

علمك(١) فلم يقبل من دريد ، فقال دريد : ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا : لم يحضر منهم أحد ، قال : غاب الجد والحزم ، لو كان يوم علاء وسعادة ما كانت تغيب كعب ولا كلاب ، فمن حضرها من هوازن؟ قال : (٢) عمرو بن عامر وعوف ابن عامر ، قال : ذينك الجذعان(٣) لا ينفعان ولا يضران ، ثم تنفس دريد وقال : حرب عوان.

ليتني(٤) فيها جذع * أخب فيها وأضع أقود واطفاء(٥) الزمع * كأنها شاة صدع وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اجتماع هوازن بأوطاس فجمع القبائل ورغبهم في الجهاد ، ووعدهم النصر ، وأن الله قد وعده أن يغنمه أموالهم ونساءهم وذراريهم فرغب الناس وخرجوا على رآياتهم ، وعقد اللواء الاكبر ، ودفعه إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، وكل من دخل مكة براية أمره أن يحملها ، وخرج في اثني عشر ألف رجل ، عشرة آلاف ممن كانوا معه.

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : وكان معه من بني سليم ألف رجل رئيسهم عباس بن مرداس السلمي ، ومن مزينة ألف رجل ، قال : فمضوا حتى كان من القوم على مسيرة بعض ليلة ، قال : وقال مالك بن عوف لقومه : ليصير كل رجل منكم أهله وماله خلف ظهره واكسروا جفون سيوفكم ، واكمنوا(٦) في شعاب هذا الوادي وهذا الوادي وفي الشجر ، فإذا كان في غبش الصبح(٧) فاحملوا حملة رجل واحد ، وهدوا القوم ، فإن محمدا لم يلق أحدا يحسن الحرب ، قال : فلما صلى

____________________

(١) في المصدر : وذهب علمك وعقلك. (٢) قالوا خ ل.

(٣) في المصدر : ذانك الجذعان. أقول : الجذعان. يريد انهما ضعيفان بمنزلة الجذع في ضعفه.

(٤) في المصدر : يا ليتنى.

(٥) واطفى خ ل. أقول : يوجد في المصدر ، وفى السيرة : اقود وطفاء الزم والوطفاء : الطويلة الشعر. والزمع : الشعر الذى فوق مربط قيد الدابة : يريد فرسا هذه صفتها.

(٦) وامكثوا خ.

(٧) غلس الفجر خ ل أقول : الغلس والغبش : الظلمة. وفي المصدر : غلس الفجر.

١٤٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الغداة انحدر في وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد ، وكانت بنو سليم على مقدمته فخرج عليهم(١) كتائب هوازن من كل ناحية ، فانهزمت بنو سليم ، وانهزم من وراءهم ، ولم يبق أحد إلا انهزم ، وبقي أميرالمؤمنين عليه‌السلام يقاتلهم في نفر قليل(٢) ومر المنهزمون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يلوون على شئ ، وكان العباس آخذا بلجام بلغة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمينه ، وأبوسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب عن يساره ، فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينادي ، « يا معشر الانصار أين إلي(٣) ، أنا رسول الله » فلم يلو أحد عليه ، وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو في وجوه المنهزمين التراب ، وتقول ، أين(٤) تفرون؟ عن الله وعن رسوله؟ ومر بها عمر فقالت له : ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها : هذا أمر الله ، فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الهزيمة ركض نحو علي بلغته فرآه(٥) قد شهر سيفه فقال : (٦) يا عباس اصعد هذا الظرب ، وناد : يا أصحاب البقرة(٧) ويا أصحاب الشجرة ، إلى أين تفرون؟ هذا رسول الله ، ثم رفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده فقال : « اللهم لك الحمد إليك المشتكى وأنت المستعان » فنزل(٨) جبرئيل فقال : يا رسول الله دعوت بما دعا به موسى حيث فلق له البحر ، ونجاه من فرعون ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاني سفيان بن الحارث : ناولني كفا من حصى ، فناوله فرماه في وجوه المشركين ثم قال : « شاهت الوجوه » ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد

____________________

(١) فخرجت خ ل. أقول : في المصدر : فخرجت عليها.

(٢) قال اليعقوبى : وانهزم المسلمون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى بقى عشرة من بنى هاشم : وقيل : تسعة ، وهم على بن ابى طالب والعباس بن عبدالمطلب وابوسفيان بن الحارث ونوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث وعتبة ومعتب ابنا ابى لهب والفضل بن العباس وعبدالله بن الزبير بن عبدالمطلب ، وقيل ، ايمن بن ام ايمن أقول : ذكره المفيد ايضا على ما يأتى قريبا.

(٣) في المصدر : إلى اين؟ ألا أنا.

(٤) إلى اين خ. (٥) المصدر خال عن قوله : فرآه.

(٦) يحوم على بغلته وقال خ ل. (٧) سورة البقرة خ ل.

(٨) فنزل عليه خ.

١٥٠

وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد » فلما سمعت الانصار نداء العباس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون : لبيك ، ومروا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستحيوا أن يرجعوا إليه ولحقوا بالراية ، فقال رسول الله ، للعباس : من هؤلاء يا أبا الفضل؟ فقال : يا رسول الله هؤلاء الانصار ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الآن حمي الوطيس(١) » ونزل النصر من السماء ، وانهزمت هوازن ، وكانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو و انهزموا(٢) في كل وجه وغنم الله(٣) رسوله أموالهم ونساءهم وذراريهم ، وهو قول الله تعالى : « لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين(٤) ».

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفرواً وهو القتل « وذلك جزاء الكافرين(٥) » قال : وقال رجل من بني نضر بن معاوية يقال له شجرة بن ربيعة ، للمؤمنين وهو أسير في أيديهم : أين الخيل البلق ، والرجال عليهم الثياب البيض؟ فإنما كان قتلنا بأيديهم ، وما كنا نراكم فيهم إلا كهيئة الشامة(٦) قالوا : تلك الملائكة(٧).

بيان : أوطاس : موضع على ثلاث مراحل من مكة. والحزن : ما غلظ من الارض. والضرس بالكسر : الاكمة الخشنة. والدهس بالفتح : المكان السهل اللين. والرغاء بالضم : صوت البعير. والثغاء بالفتح : صوت الشاة والمعز وما شاكلهما. وبيضة القوم : مجتمعهم وموضع سلطانهم. ويقال : لا يلوي أحد على أحد ، أي لا يلتفت ولا يعطف عليه. وقوله : وكبر علمك أي ضعف علمك وأصابه ضعف الكبر ، وفي بعض النسخ : وساخ علمك ، أي غار ، وفي مجمع البيان : و ذهب علمك(٨) وقال الجزري : فيه : ليتني فيها جذعا ، أي ليتني كنت شابا عند

____________________

(١) الوطيس ، التنور ، واراد ههنا الحرب. اى اشتدت الحرب.

(٢) وتفرقواخ. (٣) واغنم الله خ.

(٤ و ٥) تقدم ذكر محلهما في اول الباب.

(٦) الشامة : الخال. اراد بذلك قلتهم وكثرة الملائكة.

(٧) تفسير القمى : ص ٢٦١ ـ ٢٦٣. (٨) وفي سيرة ابن هشام : كبر عقلك.

١٥١

ظهور النبوة حتى أبالغ في نصرتها(١). وقال الجوهري : الخبب : ضرب من العده ، تقول : خب الفرس يخب خبا وخبيبا : إذا راوح بين يديه ورجليه ، و أخبه صاحبه ، وقال : وضع البعير وغيره : أسرع في سيره ، وقال دريد :

يا ليتني فيها جذع

أخب فيها وأضع

وقال الفيروز آبادي : الزمع محركة : شبه الرعدة تأخذ الانسان ، والدهش والخوف ، وقال : الصدع محركة من الاوعال والظباء والحمر والابل : المتى الشاب القوي ، وتسكن الداب. والغبش محركة : بقية الليل ، أو ظلمة آخره. والكتائب جمع كتيبة وهي الجيش. والظرب ككتف : الجبل المنبسط أو الصغير. ٢ ـ ما : جماعة عن أبي المفضل ، عن الحسن بن موسى بن خلف ، عن جعفر بن محمد بن فضل ، عن عبدالله(٢) بن موسى العبسي ، عن طلحة بن خير(٣) المكي ، عن المطلب بن عبدالله ، عن مصعب بن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه قال : لما افتتح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة انصرف إلى الطائف ، يعني إلى حنين فحاصرهم ثم إلى عشرة أو سبع عشرة ، فلم يفتحها ، ثم أوغل روحة أو غدوة(٤) ثم نزل ثم هجر ، فقال : « أيها الناس إني لكم فرط ، وإن موعدكم الحوض ، وأوصيكم بعترتي خيرا » ثم قال : « والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة أو لابعثن إليكم رجلا مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتليكم وليسبين ذراريكم » فرأى أناس أنه يعني أبابكر أو عمر ، فأخذ بيد علي عليه‌السلام فقال : هو هذا ، قال المطلب بن عبدالله : فقلت لمعصب بن عبدالرحمن : فما حمل أباك على ما صنع؟ قال : أنا والله أعجب من ذلك(٥).

وأخبرنا جماعة أبي المفضل ، عن محمد بن إسحاق بن فروخ ، عن محمد بن

____________________

(١) هذا معنى كلام ورقة بن نوفل الاسدى.

(٢) في نسختى : عبيدالله. (٣) في نسختى من المصدر : جبر.

(٤) في المصدر : فحاصرهم ثمانى عشر او تسع ( سبع خ ) عشر فلم يفتحها. وفي نسختى : فحاصرهم ثم اتى غرة فلم اوغل غدوة اوروحة.

(٥) امالى ابن الشيخ : ٣٢١.

١٥٢

عثمان بن كرامة في مسند عبيدالله بن موسى قال : وحدثني محمد بن أحمد بن عبدالله ابن صفوة الضرير ، وكتبه من أصل كتابه عن يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي عن عبيدالله بن موسى ، عن علي بن خير(١) عن المطلب بن عبدالله ، عن مصعب ، عن أبيه وذكر نحوه(٢).

٣ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن إبراهيم بن حفض العسكري ، عن عبيد ابن الهيثم عن عباد بن صهيب الكلبي عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام عن جابر بن عبدالله الانصاري قال : لما أوقع ـ وربما قال : فزع ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هوازن سار حتى نزل الطائف فحصر أهل وج(٣) أياما فسأله القوم أن يبرح(٤) عنهم ليقدم عليه وفدهم فيشترط له ويشترطون لانفسهم ، فسار صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نزل مكة فقدم عليه : نفر منهم بإسلام قومهم ، ولم يبخع القوم له بالصلاة ولا الزكاة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنه لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود ، أما والذي نفسي بيده ليقيمن الصلاة و ليؤتن الزكاة أو لابعثن إليهم رجلا هو مني كنفسي فليضرب(٥) أعناق مقاتليهم وليسبين ذراريهم ، هو هذا » وأخذ بيد علي عليه‌السلام فأشالها(٦) فلما صار القوم إلى قومهم بالطائف أخبروهم بما سمعوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإقر واله بالصلاة ، وأقروا له بما شرط عليهم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما استعصى علي أهل مملكة ولا أمة إلا رميتهم بسهم الله عزوجل » قالوا : يا رسول الله وما سهم الله؟ قال : علي بن أبي طالب ما بعثه في سريه إلا رأيت جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وملكا أمامه وسحابة تظله حتى يعطي الله عزوجل حبيبي النصر والظفر(٧).

بيان : قال الجوهري : بخع بالحق بخوعا : أقر به وخضع له.

____________________

(١) في نسختى : على بن جبر. (٢) امالى ابن الشيخ : ٣٢١.

(٣) وج : موضع بناحية الطائف ، اواسم جامع حصونها ، اواسم واحد منها.

(٤) في المصدر : ان ينزاح وفي نسخة : ان ينتزح والمعنى فسأله أن يبعد.

(٥) فليضربن : خ. (٦) اى رفعها وحملها.

(٧) امالى ابن الشيخ : ص ٣٢١ و ٣٢٢.

١٥٣

٤ ـ يج : روي أن شبية بن عثمان بن أبي طلحة قال : ما كان أحد أبغض إلي من محمد ، وكيف لا يكون وقد قتل منا ثمانية ، كل منهم يحمل اللواء ، فلما فتح مكة آيست مما كنت أتمناه من قتله ، وقلت في نفسي : قد دخلت العرب في دينه ، فمتى أدرك ثأري منه؟ فلما اجتمعت هوازن بحنين قصدتهم لآخذ(١) منه غرة فأقتله ودبرت في نفسي كيف أصنع ، فلما انهزم الناس وبقي محمد وحده ، و النفر الذين معه جئت من ورائه ورفعت السيف حتى إذا كدت أحطه غشي فؤادي فلم أطق ذلك ، فعلمت أنه ممنوع.

وروي أنه قال : رفع إلي شواظ من نار حتى كاد أن يمحيني(٢) ثم التفت إلي محمد فقال لي : ادن يا شيبة فقاتل ، ووضع يده في صدري ، فصار أحب الناس إلي ، وتقدمت(٣) وقاتلت بين يديه ، فلو عرض لي أبي لقتلته في نصرة رسول الله فلما انقضى القتال دخلنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : « الذي أراد الله بك خير مما أردته لنفسك » وحدثني بجميع ما رويته(٤) في نفسي ، فقلت : ما اطلع على هذا إلا الله وأسلمت(٥).

بيان : قوله : أن يمحيني ، أي يبطلني ويذهب بأثري ، يقال : محاه يمحوه محوا ، ويمحيه محيا ويمحاه وفي بعض النسخ : يحمسني بالحاء المهملة أي يقليني و يحرقني ، وهو أظهر ، وفي بعضها يمحشني كما سيأتي.

٥ ـ يج : روي أنه لما حاصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل الطائف قال(٦) عتبة بن الحصين : ائذن لي حتى آتي حصن الطائف فأكلمهم ، فأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاءهم فقال : أدنو منكم وأنا آمن؟ قالوا : نعم ، وعرفه أبومحجن فقال : ادن(٧) فدخل

____________________

(١) لا جد خ ل.

(٢) يمحسنى خ ل. أقول : في المصدر : يمحقى وفي الامتاع : يمحشنى.

(٣) وتقدمت إلى محمد. خ ل. (٤) زورته خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٥) الخرائج والجرائح : ص ١٨٥ و ١٨٦.

(٦) عيينة بن الحصن خ ل. أقول : هو عيينة بن حصن بن حذيفة الفزارى ابومالك ، كان من المؤلفة قلوبهم ومن الاعراب الجفاة. (٧) ادنه خ ل.

١٥٤

عليهم ، فقال : فداكم أبي. أمي لقد سرني ما رأيت منكم ، وما في العرب أحد غيركم ، والله ما في محمد مثلكم ، ولقد قل المقام وطعامكم كثير ، وماؤكم وافر لا تخافون قطعه ، فلما خرج قال ثقيف لابي محجن : فإنا قد كرهنا دخوله ، و خشينا أن يخبر محمدا بخلل إن رآه فينا أو في حصننا ، فقال أبومحجن : أنا كنت أعرف به ، ليس أحد منا أشد على محمد منه وإن كان معه ، فلما رجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قلت لهم : ادخلوا في الاسلام ، فوالله لا يبرح محمد من عقر داركم حتى تنزلوا ، فخذوا لانفسكم أمانا فخذلتهم ما استطعت ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد كذبت ، لقد قلت لهم : كذا وكذا ، وعاتبه جماعة من الصحابة ، وقال : أستغفر الله وأتوب إليه ولا أعود أبدا.

بيان : عقد الدار باضم : وسطها وأصلها قد يفتح.

٦ ـ شا : ثم كانت غزاة(١) حنين استظهر رسول الله فيها بكثرة الجمع فخرج صلى‌الله‌عليه‌وآله متوجها إلى القوم في عشرة آلاف من المسلمين ، فظن أكثرهم أنهم لم يغلبوا(٢) لما شاهدوه من جمعهم وكثرة عدتهم(٣) وسلاحهم ، وأعجب أبابكر الكثرة يومئذ فقال : لن نغلب اليوم من قلة ، وكان الامر في ذلك بخلاف ما ظنوا(٤) وعانهم أبوبكر بعجبه بهم ، فلما التقوا مع المشركين لم يلبثوا حتى انهزموا بأجمعهم ، ولم يبق منهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا عشرة أنفس : (٥) تسعة من بني هاشم خاصة ، وعاشرهم أيمن بن أم أيمن ، فقتل أيمن رحمة الله عليه ، وثبتت التسعة(٦) الهاشميون حتى ثاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كان انهزم ، فرجعوا أولا فأولا حتى تلاحقوا ، وكانت لهم الكرة على المشركين ، وفي ذلك أنزل الله تعالى وفي إعجاب أبي بكر بالكثرة : « ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على

____________________

(١) غزوة خ ل. (٢) لن يغبلوا خ ل.

(٣) عددهم خ ل. (٤) ما ظنوه خ ل.

(٥) نفر خ ل. (٦) النفر خ ل.

١٥٥

رسوله وعلى المؤمنين(١) » يعني أميرالمؤمنين عليا عليه‌السلام ومن ثبت معه من بني هاشم ، وهم يومئذ ثمانية ، أميرالمؤمنين عليه‌السلام تاسعهم : العباس(٢) بن عبدالمطلب عن يمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والفضل بن العباس عن يساره ، وأبوسفيان بن الحارث ممسك بسرجه عند نفر بغلته(٣) وأميرالمؤمنين عليه‌السلام بين يديه يضرب بالسيف ، و نوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث وعبدالله بن الزبير بن عبدالمطلب وعتبة و معتب ابنا أبي لهب حوله ، وقد ولت الكافة مدبرين سوى من ذكرناه ، وفي ذلك يقول مالك بن عبادة الغافقي :

لم يواس النبي غير بني هاشم

عند السيوف يوم حنين

هرب الناس غير تسعة رهط

فهم يهتفون بالناس أين(٤)

ثم قاموا مع النبي على الموت

فآتوا زينا لنا غير شين

وسوى أيمن الامين من القوم

شهيدا فاعتاض قرة عين

وقال العباس بن عبدالمطلب في هذا المقام :

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة

وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا

وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه

على القوم أخرى يا بني ليرجعوا

وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه

لما ناله في الله لم يتوجع(٥)

يعني به أيمن بن أم أيمن رحمه‌الله ، ولما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هزيمة القوم عنه قال للعباس وكان رجلا جهوريا صيتا : ناد بالقوم ، وذكرهم العهد ، فنادى العباس بأعلى صوته : يا أهل بيعة الشجرة ، يا أصحاب سورة البقرة ، إلى أين تفرون؟ اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول اله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والقوم على وجوههم قد ولوا مدبرين ، وكانت ليلة ظلماء ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الوادي ، والمشركون قد خرجوا عليه من شعاب الوادي ، وجنباته ومضايقه مصلتين سيوفهم(٦) وعمدهم وقسيهم

____________________

(١) اشرنا إلى موضع الاية في صدر الباب.

(٢) في المصدر : والعباس. (٣) في المصدر : عند ثفر بغلته.

(٤) أين أين خ ل. (٥) لا يتوجع خ ل.

(٦) بسيوفهم خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

١٥٦

قال : فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الناس ببعض وجهه في الظلماء فأضاء كأنه القمر ليلة البدر(١) ثم نادى المسلمين : « أين ما عاهدتم الله عليه؟ » فأسمع أولهم وآخرهم فلم يسمعها رجل إلا رمى بنفسه إلى الارض فانحدروا(٢) إلى حيث كانوا من الوادي حتى لحقوا بالعدو فقاتلوه.

قال : (٣) وأقبل رجل من هوازن(٤) على جمل(٥) أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم ، إذا أدرك ظفرا من المسلمين أكب عليهم ، وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه(٦) من المشركين فاتبعوه وهو يرتجز ويقول :

أنا أبوجرول لا براح

حتى نبيح القوم(٧) أو نباح

فصمد له أميرالمؤمنين عليه‌السلام فضرب عجز بعيره فصرعه ثم ضربه فقطره ثم قال :

قد علم القوم لدى الصباح

إني في الهيجاء(٨) ذونصاح

فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول لعنه الله ، ثم التأم الناس(٩) وصفوا للعدو ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم إنك أذقت أول قريش نكالا ، فأذق آخرها نوالا » وتجالد المسلمون والمشركون ، فلما رآهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قام في ركابي سرجه حتى أشرف على جماعتهم ، قال : الآن حمي الوطيس.

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبدالمطلب

فما كان بأسرع من أن ولى القوم أدبارهم(١٠) وجئ بالاسرى(١١) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكتفين(١٢) ولما قتل أميرالمؤمنين عليه‌السلام أبا جرول وخذل القوم بقتله (١٣)

____________________

(١) في ليلة البدر خ ل (٢) وانحدروا خ ل.

(٣) في المصدر : قالوا. (٤) من بنى هوازن خ ل.

(٥) في المصدر : على جمل له. (٦) لمن رآه خ ل.

(٧) اليوم خ ل. (٨) لدى الهيجاء خ ل.

(٩) المسلمون خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(١٠) على ادبارهم خ ل. (١١) بالا سارى خ ل.

(١٢) مكتوفين خ ل. (١٣) لقتله خ ل.

١٥٧

وضع القوم(١) سيوفهم فيهم ، وأميرالمؤمنين عليه‌السلام يقدمهم حتى قتل بنفسه أربعين رجلا من القوم ، ثم كانت الهزيمة والاسر حينئذ ، وكان أبوسفيان صخر بن حرب ابن أمية في هذه الغزاة فانهزم في جملة من انهزم من المسلمين.

وروي(٢) عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال : لقيت أبي منهزما مع بني أمية من أهل مكة ، فصحت به يا ابن حرب والله ما صبرت(٣) من ابن عمك ، ولا قاتلت عن دينك ، ولا كففت هؤلاء الاعراب عن حريمك ، فقال : من أنت؟ قلت : معاوية ، قال : ابن هند؟ قلت : نعم ، قال : بأبي وأمي ثم وقف ، واجتمع(٤) معه الناس من أهل مكة وانضمت إليهم ، ثم حملنا على القوم فضعضعناهم ومازال المسلمون يقتلون المشركين ويأسرون منهم حتى ارتفع النهار ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالكف(٥) ونادى أن لايقتل أسير من القوم ، وكانت هذيل بعث رسولا (٦) يقال له : ابن الاكوع(٧) أيام الفتح عينا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى علم علمه فجاء إلى هذيل بخبره ، وأسر يوم حنين فمر به عمر بن الخطاب ، فلما رآه أقبل على رجل من الانصار وقال : هذا عدو الله الذي كان علينا عينا ، هاهو أسير ، فاقتله فضرب الانصاري عنقه ، وبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكره ذلك ، وقال : « ألم آمركم أن لا تقتلوا أسيرا؟ » وقتل بعده جميل بن معمر بن زهير وهو أسير ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الانصار وهو مغضب فقال : « ما حملكم على قتله وقد جاءكم الرسول أن لا تقتلوا أسيرا؟ » فقالوا : إنما قتلناه بقول عمر ، فأعرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى كلمه عمير بن وهب في الصفح عن ذلك ، وقسم رسول الله (ص) غنائم حنين في قريش خاصة ، وأجزل القسم(٨) للمؤلفة قلوبهم كأبي سفيان صخر بن حرب ، عكرمة

____________________

(١) المسلمون خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٢) فروى خ ل. (٣) ضربت خ ل.

(٤) فاجتمع خ ل. (٥) ونادى بالكف خ ل.

(٦) بعثت رجلا خ ل. أقول : في المصدر : بعثت رسولا.

(٧) الانوع خ ل. وفي المصدر : الاكوع وفي نسخة منه : الانزع.

(٨) القسمة خ ل.

١٥٨

ابن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وزهير ابن أبي أمية ، وعبد الله بن أبي اُميّة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وهشام بن المغيرة والاقرع بن حابس ، وعبينة بن حصن في أمثالهم ، وقيل : إنه جعل للانصار شيئا يسيرا ، وأعطى الجمهور لمن سميناة ، فغضب قوم من الانصار لذلك ، وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم مقال أسخطه ، فنادى فيهم فاجتمعوا وقال(١) لهم : اجلسوا ولا يقعد معكم أحد من غيركم ، فلما قعدوا جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يتبعه أميرالمؤمنين صلوات الله عليهما حتى جلس(٢) وسطهم وقال لهم : إني سائلكم عن أمر فأجيبوني عنه فقالوا : قل : يا رسول الله ، قال : « ألستم كنتم ضالين فهداكم الله بي؟ » فقالوا : بلى(٣) فلله المنة ولرسوله ، قال : « ألم تكونوا على شفا حفرة من النار فأنقذكم الله بي؟ » قالوا : بلى فلله المنة ولرسوله ، قال : « ألم تكونوا قليلا فكثركم الله بي؟ » قالوا : بلى فلله المنة ولرسوله ، قال : « ألم تكونوا أعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟ » قالوا : بلى فلله المنة ولرسوله ، ثم سكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هنيئة(٤) ثم قال : « ألا تجيبوني بما عندكم؟ » قالوا : بم نجيبك فداؤك آباؤنا وأمها تناقد أجبناك بأن لك الفضل والمن والطول علينا ، قال : « أما لو شئتم لقلتم : وأنت قد كنت جئتنا طريدا فآويناك ، وجئتنا خائفا فآمناك ، وجئتنا مكذ با فصد قناك » فارتفعت(٥) أصواتهم بالبكاء ، وقام شيوخهم وساداتهم إليه فقبلوا(٦) يديه ورجليه ثم قالوا : رضينا بالله وعنه ، وبرسوله وعنه ، وهذه أموالنا بين يديك ، فإن شئت فاقسمها على قومك ، وإنما قال من قال منا على غير وغر(٧) صدر وغل في قلب ولكنهم ظنوا سخطا عليهم وتقصيرا(٨) لهم ، وقد استغفروا الله من ذنوبهم فاستغفر لهم يا رسول الله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم اغفر للانصار ولابناء الانصار ، و

____________________

(١) فقال خ ل. (٢) جلسا في وسطهم خ ل. (٣) والله خ.

(٤) رسول الله هنيهة خ ل. (٥) قال : فارتفعت خ ل.

(٦) وقبلوا خ ل. (٧) الوغر : الحقد والضغن والعداوة.

(٨) بهم خ ل.

١٥٩

لابناء أبناء الانصار ، يا معشر الانصار أما ترضون أن يرجع غيركم بالشاء والنعم وترجعون(١) أنتم وفي سهمكم رسول الله؟ » قالوا : بلى رضينا ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حنيئذ : « الانصار كرشي وعيبتي ، لوسلك الناس واديا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار ، اللهم اغفر للانصار ».

وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى العباس بن مرداس أربعا(٢) من الابل فسخطها وأنشأ يقول :

أتجعل نهبي ونهب العبيد

بين عيينة والاقرع

فما كان حصن ولا حابس

يفوقان شيخي في المجمع

وما كنت دون امرئ منهما

ومن تضع اليوم لم يرفع(٣)

فبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله فاستحضره وقال له : أنت القائل : أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الاقرع وعيينة؟ فقال له أبوبكر : بأبي أنت وأمي لست بشاعر ، فقال : وكيف؟ قال : قال : بين عيينة والاقرع ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاميرالمؤمنين عليه‌السلام : قم يا علي واقطع لسانه ، قال : فقال العباس بن مرداس : والله(٤) لهذه الكلمة كانت أشد علي من يوم خثعم حين أتونا في ديارنا ، فأخذ بيدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام فانطلق بي واوأدري(٥) أن أحدا يخلصني منه لدعوته ، فقلت : يا علي إنك لقاطع لساني؟ قال : إني لممض فيك ما أمرت ، قال : ثم مضى بي فقلت : يا علي إنك لقاطع لساني؟ قال إني لممض فيك ما أمرت قال : فما زال بي حتي أدخلني الحظاير فقال لي اعقل(٦) ما بين أربع إلى مائة ، قال : فقلت : بأبي أنت وأمي ما أكرمكم وأحلمكم وأعلمكم؟ قال : فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاك أربعا وجعلك مع المهاجرين ، فإن شئت فخذها ، وإن شئت فخذ المائة و

____________________

(١) ورجعتم خ ل. اقول : يوجد ذلك في المصدر. (٢) اربعة خ ل.

(٣) لا يرفع خ ل. أقول : يوجد ذلك في سيرة ابن هشام.

(٤) في المصدر : فوالله. (٥) ارى خ ل.

(٦) اعتد خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

١٦٠