بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وأكثره لاحد له ، وأكثر أيام النفساء التي تقعد فيها عن الصلاة ثمانية عشر يوما ، و تستظهر بيوم أو يومين إلا أن تطهر قبل ذلك.(١)

والزكاة على تسعة أشياء : على الحنطة والشعير والتمر والزبيب والابل و البقر والغنم والذهب والفضة ، وعفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عما سوى ذلك.

ولا يجوز دفع الزكاة إلا إلى أهل الولاية ، ولا يعطى من أهل الولاية الابوان و الولد والزوج والزوجة والمملوك وكل من يجبر الرجل على نفقته.

والخمس واجب في كل شئ بلغ قيمته دينارا ، من الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ، وهو لله عزوجل ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولذي القربى من الاغنياء والفقراء واليتامى والمساكين وابن السبيل من أهل الدين.

وصيام السنة ثلاثة أيام في كل شهر : خميس في أوله ، وأربعاء في وسطه ، وخميس في آخره ، وصيام شهر رمضان فريضة وهو بالرؤية ، وليس بالرأي ولا التظني ، ومن صام قبل الرؤية أو أفطر قبل الرؤية فهو مخالف لدين الامامية.

ولا تقبل شهادة النساء في الطلاق ، ولا في رؤية الهلال ، والصلاة في شهر رمضان كالصلاة في غيره من الشهور ، فمن أحب أن يزيد فليصل كل ليلة عشرين ركعة : ثماني ركعات بين المغرب والعشاء الآخرة ، واثنتا عشرة ركعة بعد العشاء الآخرة إلى أن يمضي عشرون ليلة من شهر رمضان ، ثم يصلي كل ليلة ثلاثين ركعة : ثمان ركعات منها بين المغرب والعشاء ، واثنين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة ، ويقرء في كل ركعة منها الحمد وماتيسر له من القرآن ، إلا في ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث و عشرين فإنه يستحب إحياؤهما وأن يصلي الانسان في كل ليلة منهما مائة ركعة ، يقرء في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد عشر مرات ، ومن أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل ، وينبغي للرجل إذا كان ليلة الفطر أن يصلي المغرب ثلاثا ثم يسجد ويقول في سجوده : « ياذا الطول ، ياذا الحول ، يا مصطفي محمد وناصره. صل على محمد وآل محمد واغفرلي كل ذنب أذنبته ونسيته وهو عندك في كتاب مبين »

__________________

(١) قد تقدم الكلام فيه وسيأتى ايضا في محله.

٤٠١

ثم يقول مائة مرة : ( أتوب إلى الله عزوجل ) ويكبر بعد المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة والعيد والظهر والعصر كما يكبر أيام التشريق ، ويقول : ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد والله أكبر على ما هدانا والحمدلله على ما أبلانا ) ولا يقول فيه : ( ورزقنا من بهيمة الانعام ) فان ذلك في أيام التشريق.

وزكاة الفطرة واجبة تجب على الرجل أن يخرجها عن نفسه وعن كل من يعول من صغير وكبير وحر وعبد وذكر وانثى صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من بر ، أو صاعا من شعير ، وأفضل ذلك التمر ، والصاع أربعة أمداد ، والمدوزن مائتين واثنين وتسعين درهما ونصف ، يكون ذلك ألفاومائة وسبعين وزنة(١) ولا بأس بأن يدفع قيمته ذهبا أو ورقا ، ولا بأس بأن يدفع عن نفسه وعمن يعول إلى واحد ، ولا يجوز أن يدفع ما يلزم واحدا إلى نفسين ، ولا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره ، (٢) وهي زكاة إلى أن يصلي العيد ، (٣) فإن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة ، وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان ، ومن كان له مملوك مسلم أو ذمي فليدفع عنه الفطرة ، ومن ولد له مولود يوم الفطرة قبل الزوال فليدفع عنه الفطرة ، وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذلك إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعده فعلى هذا.

والحاج على ثلاثة أوجه : قارن ، ومفرد ، ومتمتع بالمعرة إلى الحج ، ولا يجوز لاهل مكة وحاضريها التمتع بالعمرة إلى الحج ، وليس لهم إلا الاقران والافراد لقول الله عزوجل : « ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام » وحد حاضري المسجد الحرام أهل مكة وحواليها على ثمانية وأربعين ميلا ، ومن كان خارجا من هذا الحد(٤) فلا يحج إلا متمتعا بالعمرة إلى الحج ولا يقبل الله غيره. وأول الاحرام

__________________

(١) في المصدر : يكون ذلك الفا ومائة وسبعين درهما بالعراقى.

(٢) هذا خلاف المشهور ، وتحقيق المسألة يأتى في محله.

(٣) في نسخة : وهى زكاة إلى أن يصلى صلاة العيد.

(٤) في نسخة : ومن كان خارجا عن هذا الحد.

٤٠٢

المسلخ ، وآخره ذات عرق ، (١) وأوله أفضل ، فإن رسول الله وقت لاهل العراق العقيق ، ووقت لاهل الطائف قرن المنازل ، ووقت لاهل اليمن يلملم ، ووقت لاهل الشام المهيعة وهي الجحفة ، ووقت لاهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة ، ولايجوز الاحرام قبل بلوغ الميقات ، ولايجوز تأخيره عن الميقات إلا لعلة أوتقية. وفرائض الحج سبعة : الاحرام ، والتلبيات الاربع ، وهي : ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك لبيك ) وغير ذلك من التلبية سنة. وينبغي للملبي أن يكثر من قوله : ( لبيك ذا المعارج لبيك ) فإنها تلبية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و الطواف بالبيت فريضة ، والركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام فريضة ، والسعي بين الصفا والمروة فريضة.(٢)

والوقوف بالمشعر فريضة ، وهدي التمتع فريضة ، وماسوى ذلك من مناسك الحج سنة ، ومن أدرك يوم التروية عند زوال الشمس إلى الليل فقد أدرك المتعة ، ومن أدرك يوم النحر مزدلفة وعليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج.

ولا يجوز في الاضاحي من البدن إلا الثني ، وهو الذي تم له خمس سنين ودخل في السادسة ، ويجزي في المعز والبقر الثني ، وهو الذي تم له سنة ودخل في الثانية ، ويجزي من الضأن الجذع لسنة ، ولايجزي في الاضحية ذات عوار ، ويجزي البقرة عن خسمة نفرإذا(٣) كانوا من أهل بيت ، والثور عن واحد ، والبدنة عن سبعة والجزور عن عشرة متفرقين ، والكتبش عن الرجل وعن أهل بيته ، وإذا عزت الاضاحي أجزأت شاة عن سبعين. ويجعل الاضحية(٤) ثلاثة أثلاث : ثلث يؤكل ، وثلث يهدى ، وثلث يتصدق به.

ولايجوز صيام أيام التشريق فإنها أيام أكل وشرب وبعال ، وجرت

__________________

(١) في المصدر وفى نسخة من الكتاب : وأول الاحرام المسلخ ، وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق.

(٢) في المصدر هنا زيادة وهى هكذا : والوقوف بعرفة فريضة.

(٣) في نسخة : عن سبعة وسبعين إذا.

(٤) في نسخة : ويجعل الضحية ثلاثة.

٤٠٣

السنة في الافطار يوم النحر بعد الرجوع الصلاة ، وفي الفطر قبل الخروج إلى الصلاة. والتكبير في أيام التشريق بمنى وفي دبر خمس عشر صلاة : من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الغداة يوم الرابع ، وبالامصار في دبر عشر صلوات : من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الغداة يوم الثالث.

وتحل الفروج بثلاثة وجوه : نكاح بميراث ، ونكاح بلاميراث ، ونكاح بملك اليمين ، ولا ولاية لاحد على المرأة إلا لابيها مادامت بكرا ، فإذا كانت ثيبا فلاولاية لاحد عليها ، ولايزو جها أبوها ولاغيره إلا بمن ترضى بصداق مفروض ، ولايقع الطلاق إلا على الكتاب والسنة ، ولا يمين في طلاق ولافي عتق ، ولاطلاق قبل نكاح ، ولاعتق قبل ملك ، ولا عتق إلا ما اريد به وجه الله عزوجل.

والوصية لايجوز إلا بالثلث ، ومن أوصى بأكثر من الثلث رد إلى الثلث ، و ينبغي للمسلم أن يوصي لذوي قرابته ممن لايرث بشئ من ماله قل أم كثر ، ومن لم يفعل ذلك فقد ختم عمله بمعصية.

سهام المواريث لاتعول على ستة ، ولايرث مع الولد والابوين أحد إلا زوج أوزوجة ، والمسلم يرث الكافر ولايرث الكافر المسلم ، وابن الملاعنة لايرثه أبوه ولا أحد من قبل أبيه ، وترثه امه ، فإن لم تكن له ام فأخواله وأقرباؤه من قبل امه ومتى أقر الملاعن بالولد بعد الملاعنة الحق به ولده ، ولم ترجع إليه امرأته ، فإن مات الاب ورثه الابن وإن مات الابن لم يرثه الاب.

ومن شرائط دين الامامية اليقين والاخلاص والتوكل والرضا والتسليم و الورع والاجتهاد والزهد والعبادة والصدق والوفإ وأداء الامانة إلى البر والفاجرولو إلى قاتل الحسين عليه‌السلام ، والبر بالوالدين واستعمال المروة والصبر والشجاعة واجتناب المحارم وقطع الطمع عما في أيدي الناس والامر بالمعروف والنهي عن المنكروالجهاد في سبيل الله بالنفس والمال على شرائطه ، ومواساة الاخوان والمكافات على الصنائع ، وشكرالمنعم ، والثناء على المحسن ، والقناعة ، وصلة الرحم ، وبرالآباء والامهات ، وحسن المجاورة ، والايثار ، ومصاحبة الاخيار ، ومجانبة الاشرار ، ومعاشرة الناس

٤٠٤

بالجميل ، والتسليم على جميع الناس مع الاعتقاد بأن سلام الله لاينال الظالمين ، وإكرام المسلم ذي الشيبة ، وتوقير الكبير ، ورحمة الصغير وإكرام كريم كل قوم ، والتواضع ، والتخشع ، وكثرة ذكرالله عزوجل ، وتلاوة القرآن والدعاء ، والاغضاء ، والاحتمال ، والمجاملة ، (١) والتقية ، وحسن الصحابة ، وكظم الغيظ ، والتعطف على الفقراء و المساكين ومشاركتهم في المعيشة ، وتقوى الله في السر والعلانية ، والاحسان إلى النساء وماملكت الايمان ، وحفظ اللسان إلا من خير ، وحسن الظن بالله عزوجل ، والندم على الذنب ، واستعمال السخاء والجود ، والاعتراف بالتقصير ، واستعمال جميع مكارم الافعال والاخلاق للدين والدنيا واجتناب مذامها في الجملة والتفصيل ، واجتناب الغضب والسخط والحمية والعصبية والكبر ، وترك التجبر واحتقار الناس و الفخر والعجب والبذاء والفحش والبغي وقطيعة الرحم والحسد والحرص والشره والطمع والخرق والجهل والسفه والكذب والخيانة والفسق والفجور واليمين الكاذبة وكتمان الشهادة والشهادة بالزور والغيبة والبهتان والسعاية والسباب واللعان والطعان والمكر والخديعة والغدر والنكث والقتل بغير حق والظلم والقساوة والجفاء والنفاق والرياء والزناء واللواط والرباء ، والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة ، وعقوق الوالدين ، والاحتيال على الناس ، وأكل مال اليتيم ظلما ، وقذف المحصنة.

هذا ما اتفق إملاؤه على العجلة من وصف دين الامامية. وقال : وساملي شرح ذلك وتفسيره إذا سهل الله عزاسمه لي العود من مقصدي إلى نيسابور إن شاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على محمد وآله وسلم.(٢)

أقول : سيأتي بيان مايخالف المشهور من عقائده وبسط القول في كل منها في أبوابها إن شاء الله تعالى ، وإنما أوردناها لكونه من عظماء القدماء التابعين لآثار الائمة النجباء الذين لايتبعون الآراء والاهواء ، ولذا ينزل أكثر أصحابنا كلامه وكلام أبيه رضي الله عنهما منزلة النص المنقول والخبر المأثور.

__________________

(١) المجاملة : المعاملة بالجميل. في نسخة : والمحاملة.

(٢) المجالس : ٣٧٩ ـ ٣٨٨.

٤٠٥

(باب ٢٦)

*(نوادر الاحتجاجات والمناظرات من علمائنا رضوان الله عليهم)*

*(في زمن الغيبة)*

١ ـ ج : دخل أبوالعلاء المعري الدهري على السيد المرتضى قدس الله سره فقال له : أيها السيد ماقولك في الكل؟ فقال السيد : ماقولك في الجزء؟ فقال : ماقولك في الشعرى؟ فقال ما قولك في التدوبر؟ قال : ماقولك في عدم الانتهاء فقال : ماقولك في التحيز والناعورة؟ فقال : ماقولك في السبع؟ فقال : ماقولك في الزائد البري من السبع؟ فقال : ما قولك في الاربع؟ فقال : ماقولك في الواحد والاثنين؟ فقا ماقولك في المؤثر؟ فقال ماقولك في المؤثرات؟(١) فقال : ماقولك في النحسين؟ فقال : ماقولك في السعدين؟ فبهت أبوالعلاء ، فقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه عند ذلك : ألاكل ملحد ملهد.

وقال أبوالعلاء : (٢) أخذته من كتاب الله عزوجل « يابني لاتشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم » وقام وخرج ، فقال السيد رضي‌الله‌عنه : قد غاب عنا الرجل وبعد هذا لايرانا.

فسئل السيد رضي‌الله‌عنه عن شرح هذه الرموز والاشارات فقال : سألني عن الكل وعنده الكل قديم ، ويشير بذلك إلى عالم سماه العالم الكبير ، فقال : لي ماقولك فيه؟ أراد أنه قديم ، وأجبته عن ذلك وقلت له : ماقولك في الجزء؟ لان عندهم الجزء محدث وهو المتولد عن العالم الكبير ، وهذا الجزء هو العالم الصغير عندهم ، وكان مرادي بذلك أنه إذا صح أن هذا العالم محدث فذلك الذي أشار إليه إن صح فهو محدث أيضا ، لان هذا من جنسه على زعمه ، والشئ الواحد والجنس الواحد لايكون بعضه قديما وبعضه محدثا ، فسكت لما سمع ماقلته.

__________________

(١) في نسخة : ماقولك في المؤثر؟.

(٢) في المصدر : فقال أبوالعلاء : من أين؟ قال : من كتاب الله. والصحيح مافى المتن.

٤٠٦

وأما الشعرى أراد أنها ليست من الكواكب السيارة ، (١) فقلت له : ماقولك في التدوير؟ أردت أن الفلك في التدوير والدوران ، فالشعرى لايقدح في ذلك.

وأما عدم الانتهاء أراد بذلك أن العالم لاينتهي لانه قديم ، فقلت له : قدصح عندي التحيز والتدوير وكلاهما يد لان على الانتهاء.

وأما السبع أراد بذلك النجوم السيارة التي هي عندهم ذوات الاحكام ، فقلت له هذا باطل بالزائد البري الذي يحكم فيه بحكم لايكون ذلك الحكم منوطا بهذه النجوم السيارة التي هي الزهرة والمشتري والمريخ وعطارد والشمس والقمر وزحل.

وأما الاربع أراد بها الطبائع ، فقلت له : ماقولك في الطبيعة الواحدة النارية يتولد منها دابة بجلدها تمس الايدي ، ثم تطرح ذلك الجلد على النار فيحترق الزهومات ويبقى الجلد صحيحا ، لان الدابة خلقها الله على طبيعة النار ، والنار لا تحرق النار ، والثلج أيضا يتولد فيه الديدان وهو على طبيعة واحدة ، والماء في البحر على طبيعتين تتولد عنه السموك والضفادع والحيات والسلاحف وغيرها ، وعنده لا يحصل الحيوان إلا بالاربع فهذا مناقض لهذا.

وأما المؤثر أراد به الزحل فقلت له : ماقولك في المؤثر؟(٢) أردت بذلك أن المؤثرات كلهن عنده مؤثرات ، فالمؤثر القديم كيف يكون مؤثرا؟

وأما النحسين أراد بهما أنهما من النجوم السيارة إذا اجتمعا يخرج من بينهما سعد ، فقلت له : ماقولك في السعدين إذا اجتمعا خرج من بينهما نحس؟ هذا حكم أبطله الله تعالى ليعلم الناظر أن الاحكام لا تتعلق بالمسخرات ، لان الشاهد يشهد على أن العسل والسكر إذا اجتمعا لا يحصل منهما الحنظل والعلقم ، والحنظل والعلقم إذا اجتمعا لايحصل منهما الدبس والسكر ، هذا دليل على بطلان قولهم.

وأما قولي : ألاكل ملحد ملهد أردت أن كل مشرك ظالم ، لان في اللغة :

__________________

(١) في نسخة زيادة وهى : لانه قديم.

(٢) في المصدر : ماقولك في المؤثرات.

٤٠٧

ألحد الرجل عن الدين : إذا عدل عن الدين ، وألهد : إذا ظلم ، فعلم أبوالعلاء ذلك وأخبرني عن علمه بذلك فقرأ : ( يابني لاتشرك بالله ) الآية.

وقال : إن المعري لما خرج من العراق سئل عن السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه فقال :

ياسائلي عنه لما جئت أسأله

ألا هوالرجل العاري من العار

لوجئته لرأيت الناس في رجل

والدهر في ساعة والارض في دار(١)

بيان : الناعورة : الدولاب ، واستعير هنا للفلك الدوار.

٢ ـ أقول : قال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في كتاب الفصول : اتفق للشيخ أبي عبدالله المفيد رحمة الله عليه اتفاق مع القاضي أبي بكر أحمدبن سيار في دار الشريف(٢) أبي عبدالله محمدبن محمدبن طاهر الموسوي رضي‌الله‌عنه ، وكان بالحضرة جمع كثير يزيد عددهم على مائة إنسان ، وفيهم أشراف من بني علي وبني العباس ومن وجوه الناس والتجار حضروا في قضاء حق الشريف رحمه‌الله ، فجرى من جماعة من القوم خوض في ذكر النص على أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، وتكلم الشيخ أبوعبدالله أيده الله في ذلك بكلام يسير على ما اقتضته الحال ، فقال له القاضي أبوبكر ابن سيار : خبرني ما النص في الحقيقة؟ وما معنى هذه اللفظة؟ فقال الشيخ أيده الله : النص هو الاظهار والابانة ، من ذلك قولهم : فلان قدنص قلوصه : (٣) إذا أبانها بالسير ، وأبرزها من جملة الابل ، ولذلك سمي المفرش العالي « منصة » لان الجالس عليه يبين بالظهور من الجماعة ، فلما أظهره المفرش سمي منصة على ماذكرناه ، ومن ذلك أيضا قولهم : قدنص فلان مذهبه : إذا أظهره وأبانه ، ومنه قول الشاعر :

وجيد كجيدالريم ليس بفاحش(٤)

إذا نصته ولا بمعطل

يريد إذاهي أظهرته ، وقد قيل : نصبته ، والمعنى في هذا يرجع إلى الاظهار ، فأما

__________________

(١) الاحتجاج : ٢٨٠ ٢٨٢.

(٢) في المصدر : في دار السلام بدار الشريف.

(٣) القلوص من الابل : الطويلة القوائم. الشابة منها او الباقية على السير.

(٤) الريم : الظبى الخالص البياض.

٤٠٨

هذه اللفظة فإنها قد جعلت مستعملة في الشريعة على المعنى الذي قدمت ، ومتى أردت حد المعنى منها قلت : حقيقة النص هوالقول المنبئ عن المقول فيه على سبيل الاظهار.

فقال القاضي : ما أحسن ما قلت! ولقد أصبت فيما أو ضحت وكشفت ، فخبرني الآن إذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نص على إمامة أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقد أظهر فرض طاعته ، وإذا أظهره استحال أن يكون مخفيا ، فما بالنا لانعلمه إن كان الامر على ما ذكرت في حد النص وحقيقته؟ فقال الشيخ أيده الله : أما الاظهار من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد وقع ولم يك خافيا في حال ظهوره ، وكل من حضره فقد علمه ولم يرتب فيه ولا اشتبه عليه ، وأما سؤالك عن علة فقدك العلم به الآن وفي هذا الزمان فإن كنت لا تعلمه على ما أخبرت به عن نفسك فذلك لدخول الشبهة عليك في طريقه ، لعدولك عن وجهه النظر في الدليل المفضي بك إلى حقيقته ، ولو تأملت الحجة فيه بعين الانصاف لعلمته ، ولو كنت حاضرا في وقت إظهار النبي له صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أخللت بعلمه ، ولكن اللعة في ذهابك عن اليقين فيه وما وصفناه.

فقال : وهل يجوز أن يظهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا في زمانه فيخفى عمن ينشأ بعد وفاته حتى لا يعلمه إلا بنظر ثاقب واستدلال عليه؟ فقال الشيخ أيده الله تعالى : نعم يجوز ذلك ، بل لابد منه لمن غاب عن المقام في علم ما كان منه إلى النظر والاستدلال وليس يجوز أن يقع له به علم الاضطرار لانه من جملة الغائبات ، غير أن الاستدلال في هذا الباب يختلف في الغموض والظهور والصعوبة والسهولة على حسب الاسباب المعترضات في طرقه ، وربما عرى طريق ذلك من سبب فيعلم بيسير من الاستدلال على وجه يشبه الاضطرار ، (١) إلا أن طريق النص حصل فيه من الشبهات للاسباب التي اعترضته ما يتعذر معها العلم بهإلا بعد نظر ثاقب وطول زمان في الاستدلال.(٢)

فقال : فإذا كان الامر على ما وصفت فما أنكرت أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نص

__________________

(١) أى على وجه يشبه العلم الضرورى والبديهى.

(٢) وأهم الاسباب شدة إخفاء الخلفاء ومنبيدهم السلطة والقدرة ذلك ، وشدة النكير على من كان يظهره ، وخوف الناقلين منهم ، ولولا قيض الله سبحانه رجال لم تأخذهم لومة لائم لكان يجب عادة أن لا يكون من ذلك عين ولا أثر ، ويكون ذلك نسيا منسيا ، ويكون الاضطرار بخلافه.

٤٠٩

على نبي آخر معه في زمانه ، أو نبي يقوم من بعده مقامه ، وأظهر ذلك وشهره على حد ما أظهر به إمامة أميرالمؤمنين عليه‌السلام فذهب عنا علم ذلك لكما ذهب عنا عم النص وأسبابه؟

فقال له الشيخ أيده الله : أنكرت ذلك من قبيل أن العالم حاصل لي ولكل مقر بالشرع(١) ومنكر له بكذب من ادعى ذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو كان ذلك حقا لما عم الجميع على بطلانه وكذب مدعيه ومضيفه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، (٢) ولوتعرى بعض العقلاء من سامعي الاخبار عن علم ذلك لا حتجت في إفساده إلى تكلف دليل غير ما وصفت ، لكن الذي ذكرت يغنيني عن اعتماد غيره فإن كان النص على الامامة نظيره فيجب أن يعمالعلم ببطلانه جميع سامعي الاخبار حتى لا يختلف في اعتقاد ذلك اثنان ، وفي تنازع الامة فيه واعتقاد جماعة صحته والعلم به واعتقاد جماعة بطلانه دليل على فرق ما بينه وبين ما عارضت به.

ثم قال له الشيخ أدام الله حراسته : ألا أنصف القاضي من نفسه والتزم ما ألزمه خصومه(٣) فيما شاركهم فيه من نفي ما تفردوا به؟ ففصل بينه وبين خصومه في قوله : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نص على رجم الزاني وفعله ، وموضع قطع السارق وفعله ، وعلى صفة الطهارة والصلاة وحدود الصوم والحج والزكاة وفعل ذلك وبينه وكرره و شهره ، ثم التنازع موجود في ذلك ، وإنما يعلم الحق فيه وما عليه العمل من غيره بضرب من الاستدلال ، بل في قوله : إن انشقاق القمر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانظاهرا في حياته ومشهورا في عصره وزمانه ، وقد أنكر ذلك جماعة من المعتزلة وغيرهم من أهل لملل والملحدة ، وزعموا أن ذلك من توليد أصحاب السير ومؤلفى المغازي وناقلي الآثار ، وليس يمكننا أن ندعي على من خالفنا فيما ذكرنا علم الاضطرار وإنما نعتمد على غلطهم في الاستدلال ، فما يؤمنه أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قدنص على نبي

__________________

(١) في المصدر : العلم حاصل لى ولك ولكل مقر بالشرع.

(٢) والحاصل أن العلم ببطلان ذلك ضرورى من الامة ، وحصل العلم الضرورى لهم في ذلك دون مسألة الامامة لعدم الدواعى على الاخفاء والكتمان فيه.

(٣) في المصدر : هلا أنصف القاضى من نفسه والتزم ما التزمه خصومه؟.

٤١٠

من بعده وإن عرى من العلم على سبيل الاضطرار ، وبم يدفع أن يكون قد حصلت شبهات حالت بينه وبين العلم بذلك كما حصل لخصومه فيما عددناه ووصفناه ، وهذا ما لافصل فيه.

فقال له : ليس يشبه النص على أميرالمؤمنين عليه‌السلام جميع ماذكرت ، لان فرض النص عندك فرض عام ، وما وقع فيه الاختلاف فيما قدمت فروض خاصة ، ولو كانت في العموم كهو لما وقع فيها الاختلاف.

فقال الشيخ أيده الله : فقد انتقض الآن جميع ما اعتمدته ، وبان فساده ، و احتجت في الاعتماد إلى غيره ، وذلك أنك جعلت موجب العلم وسبب ارتفاع الخلاف ظهور الشئ في زمان ما واشتهاره بين الملا ، ولم تضم إلى ذلك غيره ولا شرطت فيه موصوفا سواه ، فلما نقضناه عليك ووضح عندك دماره عدلت إلى التعلق بعموم الفرض وخصوصه ، ولم يك هذا جاريا فيما سلف ، والزيادة في الاعتلال انقطاع ، والانتقال من اعتماد إلى اعتماد أيضا انقطاع ، على أنه ما الذي يؤمنك أن ينص على نبي يحفظ شرعه فيكون فرض العمل(١) به خاصا في العبادة كما كان الفرض فيما عددناه خاصا ، فهل فيها من فصل يعقل؟ فلم يأت بشئ تجب حكايته.(٢)

٣ ـ قال : وروى الشيخ أنه قال بعض الشيعة لبعض الناصبة في محاورته له في فضل آل محمد عليهم‌السلام : أرأيت لو بعث الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أين ترى كان يحط رحله وثقله؟ قال : فقال له الناصب : كان يحطه في أهله وولده ، قال : فقال له الشيعي : فإني قد حططت هو اي حيث يحط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رحله وثقله.(٣)

٤ ـ ومن كلام الشيخ أدام الله كفايته في إبطال إمامة أبي بكر من جهة الاجماع سأله المعروف بالكتبي فقال له : ما الدليل على فساد إمامة أبي بكر؟ فقال له : الدلالة على ذلك كثيرة ، فأنا أذكر لك منها دليلا يقرب من فهمك ، وهو أن الامة مجتمعة

__________________

(١) في نسخة : فيكون فرض العلم به خاصا في العبادة.

(٢) الفصول المختارة ١ : ١ ـ ٤.

(٣) الفصول المختارة ١ : ٢١.

٤١١

على أن الامام لايحتاج إلى إمام ، وقد أجمعت الامة على أن أبابكر قال على المنبر : ( وليتكم ولست بخيركم ، فإن استقمت فاتبعوني ، وإن اعوججت فقوموني ) فاعترف بحاجته إلى رعيته وفقره إليهم في تدبيره ، ولا خلاف بين ذوى العقول أن من احتاج إلى رعيته فهو إلى الامام أحوج ، وإذا ثبت حاجة أبي بكر إلى الامام بطلت إمامته بالاجماع المنعقد على أن الامام لا يحتاج إلى الامام ، فلم يدر الكتبي بم يعترض ، و كان بالحضرة من المعتزلة رجل يعرف بعرزالة(١) فقال : ما أنكرت على من قال لك : إن الامة أيضا مجتمعة على أن القاضي لا يحتاج إلى قاض ، والامير لايحتاج إلى أمير ، فيجب على هذا الاصل أن يوجب عصمة الامراء ، (٢) أو يخرج من الاجماع.

فقال له الشيخ : إن سكوت الاول أحسن من كلامك هذا ، وما كنت أظن أنه يذهب عليك الخطأ في هذا الفصل ، أو تحمل نفسك عليه مع العلم بوهنه ، وذلك أنه لا إجماع في ما ذكرت ، بل الاجماع في ضده ، لان الامة متفقة على أن القاضي الذي هو دون الامام يحتاج إلى قاض هو الامام ، (٣) وذلك يسقط ماتعلقت به ، اللهم إلا أن تكون أشرت بالامير والقاضي إلى نفس الامام ، فهو كما وصفت غير محتاج إلى قاض يتقدمه أو أمير عليه ، وإنما استغنى عن ذلك لعصمته وكماله ، فأين موضوع إلزامك عافاك الله؟ فلم يأت بشئ.(٤)

٥ ـ ومن كلام الشيخ أدام الله نعماه أيضا : سأله رجل من المعتزلة يعرف بأبي عمرو الشوطي(٥) فقال له : أليس قد اجتمعت الامة(٦) على أن أبابكر وعمر كان ظاهر هما الاسلام؟ فقال له الشيخ : نعم قد أجمعوا على أنهما كانا على ظاهر الاسلام زمانا ، فأما أن يكونوا مجمعين على أنهما كانافي سائر أحوالهما على ظاهر الاسلام فليس

__________________

(١) في نسخة : يعرف بغزالة.

(٢) في المصدر : يوجب عصمة الامراء والقضاة.

(٣) في المصدر هنا زيادة وهى هذه : والامير من قبل الامير يحتاج إلى أمير هو الامام.

(٤) الفصول المختارة ١ : ٧.

(٥) في المصدر : الشطوى.

(٦) في المصدر : أليس قد أجمعت الامة.

٤١٢

في هذا إجماع ، لاتفاق أنهما كانا على الشرك ، ولوجود طائفة كثيرة العدد تقول : إنهما كانا بعدإظهارهما الاسلام على ظاهر كفر بجحد النص ، وإنه قد كان يظهر منهما النفاق في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال الشوطي : (١) قد بطل ما أردت أن اورده على هذا السؤال بما أوردت ، وكنت أظن أنك تطلق القول على ما سألتك. فقال له الشيخ : قد سمعت ما عندي ، وقد علمت ما الذي أردت فلم امكنك منه ، ولكني أنا أضطرك إلى الوقوع فيما ظننت أنك توقع خصمك فيه ، أليس الامة مجتمعة على أنه من اعترف بالشك في دين الله عزوجل والريب في نبوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد اعترف بالكفر وأقربه؟(٢) فقال : بلى ، فقال له الشيخ : فإن الامة مجتمعة لاخلاف بينها على أن عمر بن الخطاب قال : ما شككت منذ أسلمت إلا يوم قاضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل مكة ، فإني جئت إليه فقلت له : يا رسول الله ألست بنبي؟ فقال : بلى ، فقلت : ألسنا بالمؤمنين؟ قال : بلى ، فقلت له : فعلام تعطي هذه الدنية من نفسك؟ فقال : إنها ليست بدنية ، ولكنها خير لك ، فقلت له : أفليس وعدتنا أنك تدخل مكة؟(٣) قال : بلى ، قلت : فما بالنالا ندخلها؟ قال : وعدتك أن تدخلها العام؟(٤) قلت : لا ، قال : فستدخلها إن شاء الله تعالى : فاعترف بشكه في دين الله عزوجل ونبوة رسوله ، وذكر مواضع شكوكه وبين عن جهاتها ، وإذا كان الامر على ما وصفناه فقد حصل الاجماع على كفره بعد إظهار الايمان واعترافه بموجب ذلك على نفسه ، ثم ادعى خصوم من الناصبة(٥) أنه تيقن بعد الشك ورجع إلى الايمان بعد الكفر ، فأطر حناقولهم لعدم البرهان منهم ، (٦) واعتمدنا على الاجماع فيما ذكرناه ، فلم يأت بشئ أكثر من أن قال :

__________________

(١) في المصدر : الشطوى.

(٢) في المصدر : وأقر به على نفسه.

(٣) في المصدر : أفليس وعدتنا أن ندخل مكة؟.

(٤) في المصدر : أو وعدتك أن تدخلها العام؟.

(٥) في المصدر : ثم ادعى خصومنا من الناصبة.

(٦) في المصدر : لعدم البرهان عليه.

٤١٣

ما كنت أظن أن أحدا يدعي الاجماع على كفر عمر بن الخطاب حتى الآن ، فقال الشيخ : فالآن قد علمت ذلك وتحققته ، ولعمري أن هذا مما لم يسبقني إلى استخراجه أحد ، فإن كان عندك شئ فأورده ، فلم يأت بشئ.(١)

٦ ـ ومن كلام الشيخ أدام الله علوه أيضا : حضر في دارالشريف أبي عبدالله محمد بن محمد بن طاهر رحمه‌الله وحضر رجل من المتفقهة يعرف بالورثاني وهو من فهمائهم ، فقال له الورثاني أليس من مذهبك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان معصوما من الخطاء ، مبرءا من الزلل ، مأمونا عليه السهور والغلط ، كاملا بنفسه ، غنيا عن رعيته؟ فقال له الشيخ : بلى كذلك كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فما تصنع في قول الله عزوجل : « وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله » أليس قد أمره الله تعالى بالاستعانة بهم في الرأي ، و أفقره إليهم؟ فكيف يصح لك ما ادعيت مع ظاهر القرآن وما فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال الشيخ : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يشاور أصحابه لفقر منه إلى رأيهم ، ولا حاجة دعته إلى مشورتهم من حيث ظننت وتوهمت بل لامر آخر إنا نذكره لك بعدالايضاح عما خبرتك به ، وذلك أنا قد علمنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان معصوما من الكبائر ، (٢) وإن خالفت أنت في عصمته من الصغائر ، وكان أكمل الخلق باتفاق أهل الملة وأحسنهم رأيا ، وأوفرهم عقلا ، وأحكمهم تدبيرا ، وكانت المواد بينه وبين الله تعالى متصلة ، و الملائكة تتواتر عليه بالتوقيف(٣) عن الله سبحانه والتهذيب ، والانباء له عن المصالح ، وإذا كان بهذه الصفات لم يصح أن يدعوه داع إلى اقتباس الرأي من رعيته ، لانه ليس أحد منهم إلا وهو دونه في سائر ما عددناه ، وإنما يستشير الحكيم غيره على طريق الاستفادة والاستعانة برأيه إذا تيقن أنه أحسن رأيا منه ، وأجود تدبيرا ، وأكمل عقلا ، أو ظن ذلك ، فأما إذا أحاط علما بأنه دونه فيما وصفناه لم يكن لاستعانته في تدبيره برأيه معنى ، لان الكامل لايفتقر إلى الناقص فيما يحتاج فيه إلى الكمال ، كما

__________________

(١) الفصول المختارة ١ : ٧ ـ ٩.

(٢) في المصدر : كان معصوما من الكبائر والصغائر.

(٣) في المصدر : والملائكة تتواتر عليه بالتوفيق عن الله.

٤١٤

لايفتقر العالم إلى الجاهل فيما يحتاج فيه إلى العلم ، والآية ينبه متضمنها على ذلك ، ألاترى إلى قوله عزوجل : « وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله » فعلق وقوع الفعل بعزمه دون رأيهم ومشورتهم؟ ولو كان إنما أمره بمشورتهم للاستضاءة برأيهم(١) لقال له : فإذا أشاروا عليك فاعمل ، وإذا اجتمع رأيهم على أمر فأمضه ، فكان تعلق فعله بالمشورة دون العزم الذي يختص به ، فلما جاء الذكر بما تلوناه سقط ما توهمته. وأما وجه دعائه لهم إلى المشورة عليه صلوات الله عليه فإن الله عزوجل أمره بتألفهم بمشهورتهم وتعلمهم ما يصنعونه عند عزماتهم ليتأد بوابأدب الله عزوجل فاستشار هم لذلك لا لحاجة إلى رأيهم ، على أن ههنا وجها آخر بينا : وهو أن الله سبحانه أعلمه أن في امته من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر ، (٢) ويسر خلافه ، ويبطن مقته ، ويسعى في هدم أمره ، وينافقه في دينه ، ولم يعرفه أعيانهم ولا دله عليهم بأسمائهم فقال جل جلاله : « ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن تعلمهم سنعذ بهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ».(٣)

وقال جل اسمه : « وإذا ما انزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يرتكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون » (٤) وقال تبارك اسمه : « يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين » (٥) وقال تعالى : « ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون » (٦)

وقال عزوجل : « وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون » (٧) وقال جل جلاله : « ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون » (٨)

__________________

(١) في المصدر : لاستقفاء برأيهم.

(٢) الغوائل جمع الغائلة : الداهية. الفساد. المهلكة. الشر. ( ويتربص به الدوائر ) اى ينتظر به النائبة من صروف الدهر.

(٣) التوبة : ١٠٢.

(٤) التوبة : ١٢٧.

(٥) التوبة : ٩٦.

(٦) التوبة : ٥٦.

(٧) المنافقون : ٤٠.

(٨) التوبة : ٥٤.

٤١٥

وقال تبارك وتعالى : « وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا »(١).

وقال سبحانه بعد أن نبأه عنهم في الجملة : « لو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ».(٢)

فدل عليهم بمقالهم ، وجعل الطريق له إلى معرفتهم مايظهر من نفاقهم في لحن قولهم ، ثم أمره بمشورتهم ليصل ما يظهر منهم إلى علم باطنهم ، فإن الناصح يبدو نصيحته في مشورته ، والغاش المنافق يظهر ذلك في مقاله ، فاستشارهم صلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك ، ولان الله جل جلاله جعل مشورتهم الطريق إلى معرفتهم ، ألاترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الاسرى فصدرت مشورتهم عن نيات مشوبة في نصيحته كشف الله ذلك له ، وذمهم عليه ، وأبان عن إدغالهم فيه ، فقال جل اسمه : « ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم » (٣) فوجه التوبيخ إليهم ، والتعنيف على رأيهم ، وأبان لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن حالهم ، فيعلم أن المشورة لهم لم يكن للفقر إلى رأيهم ، ولكن كانت لما ذكرناه.

فقال شيخ من القوم يعرف بالجراحي(٤) وكان حاضرا : ياسبحان الله أترى أن أبابكر وعمر كانا من أهل نفاق؟ كلاما نظنك أيدك الله تطلق هذا ، ومارأينا صلى‌الله‌عليه‌وآله استشار ببدر غيرهما ، (٥) فإن كانا هما من المنافقين فهذا مالانصبر عليه ولانقوى على استماعه ، وإن لم يكونا من جملة أهل النفاق فاعتمد على الوجه الاول ، وهوأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يتألفهم بالمشورة ، ويعلمهم كيف يصنعون في امورهم.

فقال له الشيخ أدام الله نعماءه : ليس هذا من الحجاج أيها الشيخ في شئ ، و إنما هو في استكبار واستعظام معدول به عن الحجة والبرهان ، ولم نذكر إنسانا بعينه وإنما أتينا بمجمل من القول ففصله الشيخ وكان غنيا عن تفصيله.

__________________

(١) النساء : ١٤٢.

(٢) محمد : ٣٠.

(٢) الانفال : ٦٧. ٦٨.

(٤) في نسخة : يعرف بالحرانى.

(٥) في المصدر : وما رأينا ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله استشار ببدر غيرهما.

٤١٦

وصاح الورثاني وأعلى صوته بالصياح يقول : الصحابة أجل قدرا من أن يكونوا من أهل النفاق ولاسيما الصديق والفاروق! وأخذ في كلام نحو هذا من كلام السوقة والعامة وأهل الشغب(١) والفتن.

فقال له الشيخ أيده الله : دع عنك الضجيج وتخلص مما أوردته عليك من البرهان واحتل لنفسك وللقوم ، فقد بان الحق وزهق الباطل بأهون سعي ، والحمدلله رب العالمين.(٢)

٧ ـ ومن كلام الشيخ أدام الله تأييده أيضا : سأله بعض أصحابه فقال له : إن المعتزلة والحشوية يدعون أن جلوس أبي بكروعمر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في العريش كان أفضل من جهاد أميرالمؤمنين عليه‌السلام بالسيف ، لانهما كانامع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مستقره يدبران الامرمعه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولولا أنهما أفضل الخلق عنده ما اختصهما بالجلوس معه ، (٣) فبأي شئ تدفع هذا؟.

فقال له الشيخ : سبيل هذا القول أن يعكس وهذه القضية أن تقلب ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لو علم أنهما لوكانا من جملة المجاهدين بأنفسهما يبارزان الاقران ويقتلان الابطال ويحصل لهما جهاد يستحقان به الثواب لما حال بينهما وبين هذه المنزلة التي هي أجل وأشرف وأعلى وأسنى من القعود على كل حال بنص الكتاب ، حيث يقول الله سبحانه. « لايستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعدالله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما » (٤) فلما رأينا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد منعهما هذه الفضيلة وأجلسهما معه علمنا أن ذلك لعلمه بأنهما لو تعرضا للقتال أو عرضاله لافسدا ، إما بأن ينهزما ، أويوليا الدبر كما صنعا يوم احد وخيبر وحنين ، وكان يكون في ذلك عظيم الضرر على المسلمين ، ولا يؤمن وقوع الوهن

__________________

(١) الشغب : كثرة الجلبة واللغط المؤدى إلى الشر.

(٢) الفصول المختارة ١ : ١١ ١٤.

(٣) في نسخة : ما اختصهما بالجلوس عنده. وفى المصدر : لما اختصهما بالجلوس معه.

(٤) النساء : ٩٥.

٤١٧

فيهم بهزيمة شيخين من جملتهم ، أوكانا من فرط ما يلحقهما من الخوف والجزع يصيران إلى أهل الشرك مستأمنين ، أوغير ذلك من الفساد الذي يعلمه الله تعالى ، ولعله لطف للامة بأن أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحبسهما عن القتال ، فأما ماتوهموه من أنه حبسهما للاستعانة برأيهما فقدثبت أنه كان كاملا وكانا ناقصين عن كماله ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله معصوما وكانا غير معصومين ، وكان مؤيدا بالملائكة وكانا غير مؤيدين ، وكان يوحى إليه و ينزل القرآن عليه ولم يكونا كذلك ، فأي فقر بحصل له مع ماوصفناه إليهما لولاعمى القلوب وضعف الرأي وقلة الدين؟! والذي يكشف لك عن صحة ما ذكرته آنفافي وجه إجلاسهما معه في العريش قول الله سبحانه : « إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التورية والانجيل والفرقان(٢) » فلايخلو الرجلان من أن يكونا مؤمنين أو غير مؤمنين ، فقد اشترى الله(٣) عزوجل أنفسهما منهما بالجنة على شرط القتال المؤدي إلى القتل منهما لغيرهما أوقتل غيرهما لهما ، ولوكان ذلك كذلك(٤) لما حال النبي بينهما وبين الوفاء بشرط الله عليهما من القتل ، وفي منعهما من ذلك دليل على أنهما بغير الصفة التي يعتقدها فيهما الجاهلون ، فقد وضح بما بيناه أن العريش وبال عليهما ، ودليل على نفصهما ، وأنه بالضد مما توهموه ، والمنة لله تعالى.(٥)

٨ ـ وقال الشيخ أدام الله عزه : قال أبوالحسن الخياط جاءني رجل من أصحاب الامامة عن رئيس لهم زعم أنه أمره أن يسألني عن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لابي بكر : « لاتحزن » (٦) أطاعة خوف أبي بكر(٧) أم معصية؟ قال : فإن كان طاعة فقد نهاه عن الطاعة ، وإن كان معصية فقد عصى أبوبكر.

قال فقلت له : دع الجواب اليوم ولكن ارجع إليه واسأله عن قول الله تعالى

__________________

(١) في نسخة : أجلسهما.

(٢) التوبة : ١١١.

(٣) في المصدر : أوغير مؤمنين ، فان كانا مؤمنين فقد اشترى الله اه.

(٤) في المصدر : ولو كانا كذلك.

(٥) الفصول المختارة ١ : ١٤ و ١٥.

(٦) التوبة : ٤١.

(٧) في المصدر : أطاعة خزن أبى بكر؟.

٤١٨

لموسى عليه‌السلام : « لاتخف » (١) أيخلو خوف موسى عليه‌السلام من أن يكون طاعة أم معصية؟ فإن يك طاعة فقد نهاه عن الطاعة ، وإن يك معصية فقد عصى موسى عليه‌السلام ، قال : فمضى ثم عاد إلي فقلت له : رجعت إليه؟ قال : نعم ، فقلت له : ما قال؟ قال : قال لي : لاتجلس إليه.

قال الشيخ أدام الله عزه : ولست أدري صحة هذه الحكاية ، ولا ابعد أن يكون من تخرص الخياط ، ولو كان صادقا في قوله : إن رئيسا من الشيعة أنفذ مسألة عن هذا السؤال لماقصر الرئيس عن إسقاط ما أورده من الاعتراض ، (٢) ويقوى في النفس أن الخياط أراد التقبيح على أهل الامامة في تخرص هذه الحكاية ، غير أني أقول له ولاصحابه : الفصل بين الامرين واضح ، وذلك أني لوخليت وظاهر قوله تعالى لموسى عليه‌السلام : « لاتخف » وقوله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لايحزنك قولهم(٣) » وما أشبه هذا مما توجه إلى الانبياء عليهم‌السلام لقطعت على أنه نهي لهم عن قبيح يستحقون عليه الذم ، لان في ظاهره حقيقة النهي من قوله : « لاتفعل » كما أن في ظاهر خلافه ومقابله في الكلام حقيقة الامر إذا قال له : « افعل » لكنني عدلت عن الظاهر لدلالة عقلية أوجبت علي العدول ، (٤) كما يوجب الدلالة على المرورمع الظاهر عند عدم الدليل الصارف عنه ، وهي ماثبت من عصمة الانبياء عليهم‌السلام التي ينبئ عن اجتنابهم الآثام ، وإذا كان الاتفاق حاصلا على أن أبابكر لم يكن معصوما كعصمة الانبياء عليهم‌السلام وجب أن يجري كلام الله تعالى فيما ضمنه من قصته على ظاهر النهي وحقيقته وقبح الحال التي كان عليها فتوجه النهي إليه عن استدامتها ، إذلا صارف يصرف عن ذلك من عصمته ، ولاخبر عن الله سبحانه فيه ، ولا عن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد بطل ما أورده الخياط وهو في الحقيقة رئيس المعتزلة ، وبان وهي اعتماده ، (٥) ويكشف عن صحة ما ذكرناه ما تقدم به

__________________

(١) طه : ٢١ و ٦٨ النمل : ١٠ القصص : ٢٥ و ٣١.

(٢) في المصدر : أنفذ يسأله عن هذا السؤال لما سكت عن إسقاط ما أورده من الاعتراض.

(٣) يونس : ٦٥.

(٤) في المصدر : لكنى عدلت عن الظاهر في مثل هذا لدلالة عقلية أوجبت على العدول عنه.

(٥) الوهى : الضعف ، وفى المصدر : وبان وهن اعتماده.

٤١٩

مشائخنا رحمهم‌الله وهو أن الله سبحانه لم ينزل السكينة قط على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله في موطن كان معه فيه أحد من أهل الايمان إلا عمهم بنزول السكينة وشملهم بها ، بذلك جاء القرآن قال الله سبحانه : « ويوم حنين إذ أعجبتكم كثر تكم فلن تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين(١)» ولمالم يكن مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار إلا أبوبكر أفرد الله سبحانه نبيه بالسكينة دونه ، وخصه بها ولم يشركه معه ، فقال عزاسمه : « فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها(٢) » فلو كان الرجل مؤمنا لجرى مجرى المؤمنين في عموم السكينة لهم ، ولولا أنه أحدث بحزنه في الغار منكرا لاجله توجه النهي إليه عن استدامته لماحرمه الله تعالى من السكينة ما تفضل به على غيره من المؤمنين الذين كانوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المواطن الاخر على ماجاء في القرآن ونطق به محكم الذكر بالبيان ، (٣) وهذا بين لمن تأمله.

قال الشيخ أيده الله : وقد حير هذا الكلام جماعة من الناصبة وضيق صدورهم فتشعبوا واختلفوا في الحيلة في التخلص منه ، (٤) فما اعتمد منهم أحد إلا على مايدل على ضعف عقله وسخف رأيه وضلاله عن الطريق ، فقال قوم منهم : إن السكينة إنما نزلت على أبي بكر واعتلوا في ذلك بأنه كان خائفا رعبا ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان آمنا مطمئنا ، قالوا : والآمن غني عن السكينة ، وإنما يحتاج إليها الخائف الوجل.

قال الشيخ أيده الله : فيقال لهم : قد جنيتم بجهلكم على أنفسكم بطعنكم في كتاب الله بهذا الضعيف الواهي من استدلالكم ، (٥) وذلك أنه لوكان ما اعتللتم به

__________________

(١) التوبة : ٢٥ ٢٦.

(٢) التوبة : ٤١.

(٣) كقوله سبحانه في سورة الفتح : ( هو الذى انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانامع إيمانهم ) وكقوله : ( لقدرضى الله عن المؤمنين إذيبا يعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل الله السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ).

(٤) في المصدر : للتخلص منه.

(٥) في المصدر : جنيتم على انفسكم وطعنتم على كتاب الله عزوجل بهذا الضعيف الواهى من استدلالكم.

٤٢٠