تهذيب الأحكام - ج ٦

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

تهذيب الأحكام - ج ٦

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٠٥

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الجهاد

وسيرة الامام عليه السلام

٥٤ ـ باب فضل الجهاد وفروضه

(٢٠٦) ١ ـ محمد بن أحمد بن يحيى عن ابي جعفر عن أبيه عن وهب عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان جبرئيل عليه‌السلام اخبرني بأمر قرت به عيني وفرح به قلبي قال : يا محمد من غزا غزوة في سبيل الله من امتك فما اصابته قطرة من السماء أو صداع إلا كانت له شهادة يوم القيامة.

(٢٠٧) ٢ ـ وعنه عن جعفر بن محمد عن بعض أصحابنا عن عبد الله ابن عبد الرحمن الاصم عن حيدرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الجهاد أفضل الاشياء بعد الفرائض.

(٢٠٨) ٣ ـ محمد بن الحسن الصفار عن عبد الله بن المنبه عن حسين ابن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : للشهيد سبع خصال من الله : أول قطرة من دمه

__________________

ـ ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ـ الكافي ج ١ ص ٣٢٨

١٢١

مغفور له كل ذنب ، والثانية : يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين وتمسحان الغبار عن وجهه تقولان مرحبا بك ويقول هو مثل ذلك لهما ، والثالثة : يكسى من كسوة الجنة ، والرابعة : يبتدره خزنة الجنة بكل ريح طيبة أيهم يأخذه معه ، والخامسة : ان يرى منزلته ، والسادسة : يقال لروحه اسرح في الجنة حيث شئت ، السابعة : ان ينظر في وجه الله وانها لراحة لكل نبي وشهيد.

(٢٠٩) ٤ ـ وعنه عن العباس بن معروف عن ابي همام عن محمد بن سعيد عن غزوان عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فوق كل ذي بر بر حتى يقتل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر ، وفوق كل ذي عقوق عقوق حتى يقتل احد والديه فإذا قتل احد والديه فليس فوقه عقوق.

(٢١٠) ٥ ـ عنه عن عبد الله بن المغيرة عن اسماعيل بن ابي زياد السكوني عن ضرار بن عمرو الشمشاطي (١) عن سعد بن مسعود الكناني (٢) عن عثمان بن مظعون قال : قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان نفسي تحدثني بالسياحة وان ألحق بالجبال قال : يا عثمان لا تفعل فان سياحة امتي الغزو والجهاد.

(٢١١) ٦ ـ الصفار عن محمد بن السندي عن علي بن الحكم عن ابان عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخير كله في السيف وتحت ظل السيف ولا يقيم الناس إلا السيف ، والسيوف مقاليد الجنة والنار.

(٢١٢) ٧ ـ ابان بن عثمان عن عيسى بن عبد الله القمي عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : ثلاثة دعوتهم مستجابة احدهم الغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفوه.

__________________

(١) نسخة (السميساطى)

(٢) نسخة (الكندي)

ـ ٢١١ ـ الكافي ج ١ ص ٣٢٧

١٢٢

(٢١٣) ٨ ـ محمد بن أحمد بن يحيى عن ابي جعفر عن أبيه عن وهب عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : للجنة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة تزجر ، فمن ترك الجهاد البسه الله ذلا وفقرا في معيشته ومحقا في دينه. ان الله اعز امتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها.

(٢١٤) ٩ ـ عنه عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من بلغ رسالة غاز كان كمن اعتق رقبة وهو شريكه في ثواب غزوته.

(٢١٥) ١٠ ـ البرقي عن سعد بن سعد الاشعري عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن قول أمير المؤمنين عليه‌السلام لألف ضربة بالسيف اهون من موت على فراش فقال : في سبيل الله.

(٢١٦) ١١ ـ أحمد بن محمد بن سعيد عن جعفر بن عبد الله المحمدي العلوي واحمد بن محمد الكوفي عن علي بن العباس عن اسماعيل بن اسحاق جميعا عن ابي روح فرج بن ابي فروة عن مسعدة بن صدقة قال : حدثني ابن ابي ليلى عن ابي عبد الرحمن السلمي قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ان الجهاد باب فتحه الله لخاصة اوليائه وسوغهم كرامة منه لهم ونعمة ذخرها ، والجهاد لباس التقوى ودرع الله الحصينة وحصنه (١) الوثيقة ، فمن تركه رغبة عنه البسه الله ثوب المذلة وشملة البلاء وفارق الرخاء وضرب عليه قلبه بالاشباه وديث بالصغار والقماء (٢) وسيم الخسف ومنع النصف

__________________

(١) نسخة (جنته)

(٢) القماء : ممدودا ، الحقارة والذل.

ـ ٢١٣ ـ الكافي ج ١ ص ٣٢٧

ـ ٢١٤ ـ الكافي ج ١ ص ٣٢٨

ـ ٢١٥ ـ الكافي ج ١ ص ٣٤٢

ـ ٢١٦ ـ الكافي ج ١ ص ٣٢٨ بزيادة فيه

١٢٣

واديل الحق منه بتضييعه الجهاد وغضب الله عليه بتركه نصرته وقد قال الله عزوجل في محكم كتابه (ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم) (١).

٥٥ _ باب اقسام الجهاد

(٢١٧) ١ ـ محمد بن الحسن الصفار عن علي بن محمد القاساني عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال : سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الجهاد أسنة هو أم فريضة؟ فقال : الجهاد على اربعة اوجه : فجهادان فرض ، وجهاد سنة لا يقام إلا مع فرض ، وجهاد سنة. فاما أحد الفرضين فمجاهدة الرجل نفسه عن معاصي الله وهو من اعظم الجهاد ، ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض ، واما الجهاد الذي هو سنة لا يقام إلا مع فرض فان مجاهدة العدو فرض على جميع الامة ولو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب وهذا هو من عذاب الامة وهو سنة على الامام وحده ان يأتي العدو مع الامة فيجاهدهم ، واما الجهاد الذي هو سنة ، فكل سنة اقامها الرجل وجاهد في اقامتها وبلوغها فالعمل والسعي فيها من افضل الاعمال لأنها احياء سنة ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص اجورهم شئ.

__________________

(١) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الآية ٧

ـ ٢١٧ ـ الكافي ج ١ ص ٣٢٩

١٢٤

٥٦ ـ باب المرابطة في سبيل الله عزوجل

(٢١٨) ١ ـ محمد بن الحسن الصفار عن ابراهيم بن هاشم عن نوح ابن شعيب عن محمد بن ابي عمير عمن رواه عن حريز عن محمد بن مسلم وزرارة عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما‌السلام قال : الرباط ثلاثة ايام واكثره اربعون يوما فإذا جاوز ذلك فهو جهاد.

(٢١٩) ٢ ـ عنه عن محمد بن عيسى عن يونس قال : سأل ابا الحسن عليه‌السلام رجل وانا حاضر فقال له : جعلت فداك ان رجلا من مواليك بلغه ان رجلا يعطي سيفا وفرسا في سبيل الله فأتاه فاخذهما منه ثم لقيه اصحابه فاخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز وأمروه بردهما قال : فليفعل ، قال : قد طلب الرجل فلم يجده وقيل هل قد شخص الرجل قال : فليرابط ولا يقاتل قلت : مثل قزوين (١) وعسقلان (٢) والديلم (٣) وما اشبه هذه الثغور؟ قال : نعم قال : فان جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال : يقاتل عن بيضة الاسلام قال : يجاهد؟ قال : لا إلا أن يخاف على ذراري المسلمين ، قلت : ارأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم ان يمنعوهم؟ قال : يرابط ولا يقاتل فان خاف على بيضة الاسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه لا للسلطان لان في دروس الاسلام دروس ذكر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٢٢٠) ٣ ـ محمد بن أحمد بن يحيى عن ابراهيم بن هاشم عن علي بن

__________________

(١) قزوين : مدينة في ايران.

(٢) عسقلان : مدينة واقعة على ساحل فلسطين جنوبا

(٣) الديلم : القسم الجبلي من بلاد جيلان شمالي بلاد قزوين

ـ ٣١٩ ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٢

١٢٥

سعيد عن واصل عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك ما تقول في هؤلاء الذين يقتلون في هذه الثغور؟ قال : فقال : الويل يتعجلون قتلة في الدنيا وقتلة في الآخرة ، والله ما الشهيد إلا شيعتنا ولو ماتوا على فرشهم.

(٢٢١) ٤ ـ علي بن مهزيار قال : كتب رجل من بني هاشم إلى ابي جعفر الثاني عليه‌السلام اني كنت نذرت نذرا منذ سنتين ان اخرج إلى ساحل من سواحل البحر إلى ناحيتنا مما يرابط فيه المتطوعة نحو مرابطهم بجدة وغيرها من سواحل البحر أفترى جعلت فداك انه يلزمني الوفاء به أو لا يلزمني؟ أو افتدي الخروج إلى ذلك الموضع بشئ من ابواب البر لأصير إليه ان شاء الله تعالى؟ فكتب إليه بخطه وقرأته : ان كان سمع منك نذرك احد من المخالفين فالوفاء به ان كنت تخاف شنعته ، وإلا فاصرف ما نويت من ذلك في ابواب البر ، وفقنا الله واياك لما يحب ويرضى.

٥٧ ـ باب من يجب عليه الجهاد

(٢٢٢) ١ ـ محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابي الجوزا عن الحسين بن علوان عن سعد بن ظريف عن الاصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كتب الله الجهاد على الرجال والنساء فجهاد الرجل ان يبذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله. وجهاد المرأة ان تصبر على ما ترى من اذى زوجها وغيرته.

(٢٢٣) ٢ ـ عنه عن علي عن أبيه عن ابن ابي عمير عن الحكم بن مسكين عن عبد الملك بن عمرو قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا عبد الملك مالي لا اراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها اهل بلادك؟ قال : قلت واين؟ قال : جدة

__________________

ـ ٢٢٢ ـ الكافي ج ١ ص ٣٢٩

ـ ٢٢٣ ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٢

١٢٦

وعبادان (١) والمصيصة (٢) وقزوين فقلت : انتظارا لامركم والاقتداء بكم فقال : إي والله (لو كان خيرا ما سبقونا إليه) (٣) قال : قلت فان الزيدية تقول ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلا انه لا يرى الجهاد فقال : اني لا ارى! بلى والله اني لأراه ولكني اكره ان ادع علمي إلى جهلهم.

(٢٢٤) ٣ ـ عنه عن أبيه عن بكر بن صالح عن القاسم بن بريد عن ابي عمرو الزبيري عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : اخبرني عن الدعاء إلى الله عزوجل والجهاد في سبيله أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم؟ أو هو مباح لكل من وحد الله تعالى وآمن برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن كان كذا فله ان يدعو إلى الله عزوجل والى طاعته وان يجاهد في سبيل الله تعالى؟ فقال : ذلك لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم قلت : ومن اولئك؟ قال : من قام بشرائط الله عزوجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل ، ومن لم يكن قائما بشرائط الله عزوجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدعاء إلى الله عزوجل حتى يحكم في نفسه بما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد ، قلت : فبين لي يرحمك الله؟ قال : ان الله تعالى اخبر في كتابه الدعاء إليه ووصف الدعاة إليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها ببعض ويستدل ببعضها على بعض فأخبر انه تعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته باتباع أمره فبدا بنفسه فقال عزوجل : (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط

__________________

(١) عبادان : مدينة على الخليج الفارسي ، مركز تكرير النفط الايراني ومرفأ تصديره.

(٢) المصيصة : مدينة على شاطئ نهر جيحان قرب طرسوس في سوريا.

(٣) سورة الاحقاف الآية : ١١.

ـ ٢٢٤ ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٠

١٢٧

مستقيم) (١) ثم ثنى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) (٢) يعني بالقرآن ، فلا يكون داعيا إلى الله عزوجل من خالف أمر الله ودعا إليه بغير ما امر الله عزوجل في كتابه الذي امر أن لا يدعى إلا به وقال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) (٣) يقول تدعو ، ثم ثلث بالدعاء إليه بكتابه ايضا فقال تعالى : (ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم) (٤) اي يدعو ويبشر المؤمنين ، ثم ذكر من اذن له في الدعاء إليه بعده وبعد رسوله عليه‌السلام في كتابه فقال : (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هو المفلحون) (٥) ثم اخبر من هذه الامة وممن هي ، وانها من ذرية ابراهيم ومن ذرية اسماعيل من سكان الحرم ممن لم يعبدوا غير الله قط ، الذين وجبت لهم دعوة ابراهيم واسماعيل من اهل المسجد ، الذين اخبر عنهم في كتابه أنه اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، الذين وصفناهم قبل هذا من صفة امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذين عناهم الله تعالى في كتابه بقوله تعالى (ادعو إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني) (٦) يعني اول من تبعه على الايمان والتصديق له وبما جاء من عند الله عزوجل من الامة التي بعث فيها ومنها واليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط ولم يلبس ايمانه بظلم وهو الشرك ، ثم ذكر اتباع نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله واتباع هذه الامة التي وصفها في كتابه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلها داعية إليه

__________________

(١) سورة يونس الآية : ٢٥

(٢) سورة النحل الآية : ١٢٥

(٣) سورة الشورى الآية : ٥٢

(٤) سورة بني اسرائيل الآية : ٩٨

(٥) سورة آل عمران الآية : ١٠٤

(٦) سورة يوسف الآية : ١٠٨

١٢٨

فاذن له في الدعاء إليه فقال : (يا ايها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) (١) ثم وصف اتباع نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله من المؤمنين فقال : (محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل) (٢) وقال : (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين ايديهم وبايمانهم) (٣) يعني اولئك المؤمنين وقال : (قد افلح المؤمنون) (٤) ثم حلاهم ووصفهم لئلا يطمع في اللحوق بهم إلا من كان منهم فيما حلاهم ووصفهم : (الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون) إلى قوله تعالى : (اولئك هو الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) (٥) وقال في وصفهم وحليتهم ايضا : (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق اثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (٦) ثم اخبر انه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم : (انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن) (٧) ثم ذكر وفاءهم بعده بعهده ومبايعته فقال : (ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (٨) فلما نزلت هذه الآية : (ان الله

__________________

(١) سورة الانفال الآية : ٦٤

(٢) سورة الفتح الآية : ٢٩

(٣) سورة التحريم الآية : ٨

(٤) سورة المؤمنون الآية : ١

(٥) سورة المؤمنون الآية : ١١

(٦) سورة الفرقان الآية : ٦٨ و ٦٩

(٧ و ٨) سورة التوبة الآية : ١١٢

١٢٩

اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة) قام رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا نبي الله ارأيتك الرجل ياخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا انه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو؟ فانزل الله تعالى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) (١) فبشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة ، فقال التائبون من الذنوب ، العابدون الذين لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئا ، الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في الشدة والرخاء ، السائحون وهم الصائمون ، الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصلوات الخمس ، الحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي اوقاتها ، الآمرون بالمعروف بعد ذلك والعاملون به ، والناهون عن المنكر والمنتهون عنه قال : فبشرهم من قتل وهو قائم بهذه الشرائط بالشهادة والجنة ، ثم اخبر تعالى انه لم يأمر بالقتال إلا اصحاب هذه الشروط فقال تعالى : (اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير ، الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا ان يقولوا ربنا الله) (٢) وذلك ان جميع ما بين السماء والارض لله ولرسوله ولاتباعه من المؤمنين من أهل هذه الصفة ، فما كان من الدنيا في ايدي المشركين والكفار والظلمة والفجار واهل الخلاف لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمولي عن طاعتهما مما كان في ايديهم ظلموا المؤمنين من اهل هذه الصفات وغلبوهم عليه مما افاء الله عزوجل على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو حقهم افاء الله عليهم ورده عليهم ، وانما معنى الفئ كلما صار إلى المشركين ثم رجع إلى ما قد كان عليه أو فيه ، فما

__________________

(١) سورة التوبة الآية : ١١٣

(٢) سورة الحج الآية : ٣٩ و ٤٠

١٣٠

رجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فاء مثل قول الله عزوجل (للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة اشهر فان فاؤوا فان الله غفور رحيم) (١) اي رجعوا ، ثم قال : (وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم) (٢) وقال : (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصحلوا بينهما فان بغت احديهما على الآخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى امر الله) أي ترجع (فان فاءت) اي رجعت : (فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين) (٣) يعني بقوله تفئ ترجع فدل الدليل على ان الفئ كل راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه ، ويقال للشمس إذا زالت فاءت الشمس حين يفئ الفئ وذلك عند رجوع الشمس إلى زوالها ، وكذلك ما افاء الله على المؤمنين من الكفار فانما هي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفار اياهم فكذلك قوله : (اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا) ما كان المؤمنون احق به منهم وانما اذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الايمان التي وصفناها ، وذلك انه لا يكون مأذونا له في القتال حتى يكون مظلوما ، ولا يكون مظلوما حتى يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الايمان التي شرطها الله على المؤمنين والمجاهدين ، فإذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل كان مؤمنا ، فإذا كان مؤمنا كان مظلوما ، وإذا كان مظلوما كان مأذونا له في الجهاد لقوله عزوجل : (اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) فان لم يكن مستكملا لشرائط الايمان فهو ظالم ممن ينبغي (٤) ويجب جهاده حتى يتوب ، وليس مثله مأذونا له في الجهاد والدعاء إلى الله عزوجل ، لانه ليس من المؤمنين المظلومين الذين اذن الله لهم في القرآن بالقتال ، فلما نزلت هذه الآية (اذن للذين يقاتلون بانهم

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ٢٢٦

(٢) سورة البقرة الآية : ٢٢٧

(٣) سورة الحجرات الآية : ٩

(٤) نسخة (يبغي)

١٣١

ظلموا) في المهاجرين الذين اخرجوهم اهل مكة من ديارهم واموالهم احل لهم جهادهم بظلمهم اياهم واذن لهم في القتال ، فقلت : هذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي اهل مكة لهم فيما نالهم؟ أو في قتال كسرى وقيصر ومن دونهما من مشركي قبائل العرب؟ فقال : لو كان انما اذن لهم في قتال من ظلمهم من اهل مكة فقط لم يكن لهم إلى قتال جموع كسرى وقيصر وغير اهل مكة من قبائل العرب سبيل ، لأن الذين ظلموهم غيرهم وانما اذن لهم في قتال من ظلمهم من اهل مكة لاخراجهم اياهم من ديارهم واموالهم بغير حق ، ولو كانت الآية انما عنت المهاجرين الذين ظلمهم اهل مكة كانت الآية مرتفعة الفرض عمن بعدهم إذ لم يبق من الظالمين والمظلومين احد ، وكان فرضها مرفوعا عن الناس بعدهم إذ لم يبق من الظالمين والمظلومين احد ، وليس كما ظننت ولا كما ذكرت ، ولكن المهاجرين ظلموا من وجهين ظلمهم اهل مكة باخراجهم من ديارهم واموالهم فقاتلوهم باذن الله عزوجل لهم في ذلك ، وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في ايديهم مما كان المؤمنون احق به منهم ، فقد قاتلوهم باذن الله عزوجل لهم في ذلك ، وبحجة هذه الآية يقاتل مؤمنوا كل زمان ، وانما اذن الله للمؤمنين الذين قاموا بما وصف الله عزوجل من الشرائط التي شرطها الله على المؤمنين في الايمان والجهاد ، ومن كان قائما بتلك الشرائط فهو مؤمن وهو مظلوم مأذون له في الجهاد بذلك المعنى ، ومن كان على خلاف ذلك فهو ظالم وليس من المظلومين وليس بمأذون له في القتال ولا بالنهي عن المنكر والامر بالمعروف ، لأنه ليس من اهل ذلك ولا مأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل ولا يكون مجاهدا من قد امر المؤمنين بجهاده وحظر الجهاد عليه ومنعه منه ، ولا يكون داعيا إلى الله عزوجل من امر بدعاء مثله إلى التوبة والحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يأمر بالمعروف

١٣٢

من قد أمر أن يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من قد امر ان ينهى عنه ، فمن كان قد تمت فيه شرائط الله عزوجل التي قد وصف بها اهلها من اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد كما اذن لهم ، لان حكم الله عزوجل في الاولين والآخرين وفرائضة عليهم سواء ، الا من علة أو حادث يكون ، والاولون والآخرون ايضا في منع الحوادث شركاء ، والفرائض عليهم واحدة. يسئل الآخرون عن اداء الفرائض كما يسئل عنه الاولون ويحاسبون به كما يحاسبون ، ومن لم يكن على صفة من اذن الله عزوجل له في الجهاد من المؤمنين فليس من اهل الجهاد وليس بمأذون له فيه حتى يفئ بما شرط الله عليه ، فإذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل على المؤمنين والمجاهدين فهو من المأذونين لهم في الجهاد ، فليتق الله عبد ولا يغتر بالاماني التي نهى الله عزوجل عنها في هذه الاحاديث الكاذبة على الله تعالى التي يكذبها القرآن ويتبرأ منها ومن حملتها ورواتها ، ولا يقدم على الله بشبهة ولا يعذر بها ، فانه ليس وراء المتعرض للقتل في سبيل الله منزلة يؤتى الله من قبلها وهي غاية الاعمال في عظم قدرها ، فليحكم امرؤ من نفسه وليرها كتاب الله عزوجل ويعرضها عليه ، فانه لا احد أعلم بامرئ من نفسه ، فان وجدها قائمة بما شرط الله عليها في الجهاد فليقدم على الجهاد فان علم تقصيرها فليقمها على ما فرض الله عزوجل عليها في الجهاد ، ثم ليقدم بها وهي طاهرة مطهرة من كل دنس يحول بينها وبين جهادها ، ولسنا نقول لمن اراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفناه من شرائط الله على المؤمنين والمجاهدين أن لا يجاهدوا ، ولكنا نقول قد علمناكم ما شرط الله على اهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم انفسهم واموالهم بالجنان ، فليصلح امرؤ ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك ، وليعرضها على شرائط الله فان رأى انه قد وفى بها وتكاملت فيه فانه ممن اذن الله عزوجل له في الجهاد ، فان ابى الا أن يكون على ما فيه من الاصرار على المعاصي والمحارم ، والاقدام على الجهاد بالتخبط والعمى ،

١٣٣

والقدوم على الله عزوجل بالجهل والروايات الكاذبة ، فقد لعمري جاء الاثر فيمن فعل هذا الفعل ان الله عزوجل ينصر هذا الدين باقوام لا خلاق لهم ، فليتق الله امرؤ وليحذر ان يكون منهم ، فقد بين لكم ولا عذر بعد البيان في الجهل ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله وعليه توكلنا واليه المصير.

٥٨ ـ باب من يجب معه الجهاد

(٢٢٥) ١ ـ محمد بن الحسن الصفار عن الحسن بن موسى الخشاب عن ابي طاهر الوراق عن ربيع بن سليمان الخزاز عن رجل عن ابي حمزة الثمالي قال : قال رجل لعلي بن الحسين عليهما‌السلام اقبلت على الحج وتركت الجهاد فوجدت الحج ألين عليك؟! والله يقول : (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم) الآية قال : فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام اقرأ ما بعدها قال : فقرأ (التائبون العابدون الحامدون) إلى قوله : (والحافظون لحدود الله) قال : فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : إذا ظهر هؤلاء لم نؤثر على الجهاد شيئا.

(٢٢٦) ٢ ـ محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن علي بن النعمان عن سويد القلا عن بشير عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : رأيت في المنام اني قلت لك أن القتال مع غير الامام المفروض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فقلت : نعم هو كذلك فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هو كذلك هو كذلك.

__________________

ـ ٢٢٥ ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٣ بتفاوت

ـ ٢٢٦ ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٣ بتفاوت

١٣٤

(٢٢٧) ٣ ـ الهيثم بن ابي مسروق عن عبد الله بن المصدق عن محمد ابن عبد الله السمندري قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اني اكون بالباب يعني باب الابواب فينادون السلاح فاخرج معهم قال : فقال لي ارأيتك ان خرجت فأسرت رجلا فاعطيته الأمان وجعلت له من العقد ما جعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للمشركين أكانوا يفون لك به؟ قال : قلت لا والله جعلت فداك ما كانوا يفون لي به قال : فلا تخرج قال : ثم قال لي : أما ان هناك السيف.

(٢٢٨) ٤ ـ أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن ابي عمرة السلمي عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : سأله رجل فقال : اني كنت اكثر الغزو وابعد في طلب الاجر واطيل الغيبة فحجر ذلك علي قيل لي لا غزو إلا مع إمام عادل فما ترى اصلحك الله؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ان شئت ان اجمل لك اجملت ، وان شئت ان ألخص لك لخصت قال : بل اجمل قال : ان الله يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة ، قال : فكأنه اشتهى أن يلخص له قال : فلخص لي اصلحك الله قال : هات قال الرجل : غزوت فواقعت المشركين فينبغي قتالهم قبل ان أدعوهم؟ فقال : ان كانوا غزوا وقتلوا فانك تجتزي بذلك ، وان كانوا قوما لم يغزوا ولم يقاتلوا فلا يسعك قتالهم حتى تدعوهم ، قال الرجل : فدعوتهم فأجابني مجيب فأقر بالاسلام في قلبه وكان في الاسلام فجير عليه في الحكم فانتهكت حرمته واخذ ماله واعتدي عليه فكيف بالخروج وانا دعوته؟ فقال : انكما مأجوران على ما كان من ذلك ، وهو معك يحفظك من وراء حرمتك ويمنع قبلتك ويدفع عن كتابك ويحفظ دمك خير من ان يكون عليك يهدم قبلتك وينتهك حرمتك ويسفك دمك ويحرق كتابك.

(٢٢٩) ٥ ـ أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن

__________________

ـ ٢٢٨ ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٢ بتفاوت

١٣٥

المغيرة عن طلحة بن زيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل دخل ارض الحرب بامان فغزا القوم الذين دخل عليهم قوم آخرون قال : على المسلم ان يمنع نفسه ويقاتل على حكم الله وحكم رسوله ، واما أن يقاتل الكفار على حكم الجور وسنتهم فلا يحل له ذلك.

٥٩ ـ باب اصناف من يجب جهاده

(٢٣٠) ١ ـ محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن محمد القاساني عن القاسم ابن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : سأل رجل ابي عن حروب أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان السائل من محبينا قال له أبو جعفر عليه‌السلام : بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة اسياف ، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى ان تضع الحرب اوزارها ولن تضع الحرب اوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فيومئذ (لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل) (١) وسيف منها مكفوف ، وسيف منها مغمود سله إلى غيرنا وحكمه الينا ، فاما السيوف الثلاثة الشاهرة فسيف على مشركي العرب قال الله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (٢) فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام والسيف الثاني على اهل الذمة قال الله تعالى : (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) (٣) الآية فهؤلاء لا يقبل منهم إلا الجزية أو القتل ، والسيف الثالث سيف على مشركي العجم يعني الترك والخزر والديلم قال الله تعالى : (فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم) (٤) فهؤلاء لا يقبل منهم

__________________

(١) سورة الانعام الآية : ١٥٨

(٢) سورة التوبة الآية : ٦

(٣) سورة التوبة الآية : ٣٠

(٤) سورة محمد ص الآية : ٤ – ٢٣٠

ـ هكذا : الكافي ج ١ ص ٣٢٩

١٣٦

إلا القتل أو الدخول في الاسلام ولا يحل لنا نكاحهم ما داموا في الحرب ، واما السيف المكفوف على اهل البغي والتأويل قال الله تعالى : (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما) إلى قوله تعالى : (حتى تفئ إلى امر الله) (١) فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فسئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من هو؟ فقال : هو خاصف النعل يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال عمار بن ياسر : قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثا وهذه الرابعة. والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر لعلمنا انا على الحق وانهم على الباطل ، وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه‌السلام ما كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في اهل مكة يوم فتح مكة ، فانه لم يسب لهم ذرية وقال : من اغلق بابه والقى سلاحه أو دخل دار ابي سفيان فهو آمن ، وكذلك قال أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم البصرة فيهم : لا تسبوا هلم ذرية ولا تتموا على جريح ولا تتبعوا مدبرا ، ومن اغلق بابه والقى سلاحه فهو آمن ، واما السيف المغمود : فالسيف الذي يقام به القصاص قال الله تعالى : (النفس بالنفس) (٢) الآية فسله إلى اولياء المقتول وحكمه الينا ، فهذه السيوف التي بعث الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بها ، فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها واحكامها فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) سورة الحجرات الآية : ٤٩

(٢) سورة المائدة الآية : ٤٨

١٣٧

٦٠ ـ باب ما ينبغي لوالي الامام ان يفعله

إذا سرى في سرية

(٢٣١) ١ ـ محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن ابي عمير عن معاوية بن عمار قال : أظنه عن ابي حمزة الثمالي عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول : سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة ولا تقطعوا شجرا إلا ان تضطروا إليها ، وايما رجل من أدنى المسلمين وافضلهم نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله فان تبعكم فاخوكم في دينكم وان ابى فأبلغوه مأمنه ثم استعينوا بالله عليه.

(٢٣٢) ٢ ـ عنه عن علي بن ابراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة ابن صدقة عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا اراد ان يبعث أميرا على سرية أمره بتقوى الله عزوجل في خاصة نفسه ثم في اصحابه عامة ثم يقول : اغزوا بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولا تغدروا ، ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ، ولا متبتلا في شاهق ، ولا تحرقوا النخل ، ولا تغرقوه بالماء ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تحرقوا زرعا لانكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه ، ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلا ما لا بد لكم من اكله ، وإذا لقيتم

__________________

ـ ٢٣١ ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٤

ـ ٢٣٢ ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٥

١٣٨

عدوا من المشركين فادعوهم إلى احدى ثلاث فان هم اجابوكم إليها فاقبل منهم وكف عنهم ادعوهم إلى الاسلام وكف عنهم ، وادعوهم إلى الهجرة بعد الاسلام فان فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم ، وان أبوا أن يهاجروا واختاروا ديارهم وأبوا أن يدخلوا في دار الهجرة كانوا بمنزلة اعراب المؤمنين يجري عليهم ما يجري على اعراب المؤمنين ولا تجري لهم في الفئ من القسمة شيئا إلا ان يجاهدوا (١) في سبيل الله ، فان أبوا هاتين فادعوهم إلى اعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون ، فان اعطوا الجزية فاقبل منهم وكف عنهم ، وان أبوا فاستعن بالله عليهم وجاهدهم في الله حق جهاده ، فإذا حاصرت اهل حصن فارادوك أن ينزلوا على حكم الله فلا تنزلهم ، ولكن انزلهم على حكمي ثم اقض فيهم بعد بما شئتم ، فانكم ان انزلتموه لم تدروا هل تصيبون حكم الله فيهم ام لا ، فإذا حاصرتم اهل حصن فارادوك على ان تنزلهم على ذمة الله وذمة رسوله فلا تنزلهم ولكن أنزلهم على ذممكم وذمم آبائكم واخوانكم ، فانكم ان تخفروا ذممكم وذمم آبائكم واخوانكم كان أيسر عليكم يوم القيامة من ان تخفروا ذمة الله وذمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٢٣٣) ٣ ـ أحمد بن محمد عن الوشا عن محمد بن حمران وجميل بن دراج كليهما عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا بعث سرية دعا اميرها فاجلسه إلى جنبه واجلس اصحابه بين يديه ثم قال : سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجرة إلا ان تضطروا إليها ، ولا تقتلوا شيخا ولا صبيا ولا امرأة ، فايما رجل من ادنى المسلمين وافضلهم نظر إلى احد من المشركين فهو جار له حتى يسمع كلام الله ، فان تبعكم فاخوكم في دينكم وان ابى فاستعينوا بالله عليه وابلغوه مأمنه.

__________________

(١) نسخة (يهاجروا)

ـ ٢٣٢ ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٥

١٣٩

٦١ ـ باب اعطاء الامان

(٢٣٤) ١ ـ محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن النوفلي عن السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت ما معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (يسعى بذمتهم ادناهم)؟ قال : لو أن جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل فقال : اعطوني الامان حتى القى صاحبكم فأناظره فاعطاه الامان ادناهم وجب على افضلهم الوفاء به.

(٢٣٥) ٢ ـ عنه عن علي بن ابراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة ابن صدقة عن ابي عبد الله عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام أجاز امان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون وقال : هو من المؤمنين.

(٢٣٦) ٣ ـ عنه عن علي عن ابيه عن يحيى بن ابي عمران عن يونس عن ابي عبد الله بن سليمان قال : سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يقول : ما من رجل آمن رجلا على ذمة ثم قتله إلا جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر.

(٢٣٧) ٤ ـ عنه عن علي عن ابيه عن ابن ابي عمير عن محمد بن حكيم عن ابي عبد الله عليه‌السلام أو ابي الحسن عليه‌السلام قال : لو ان قوما حاصروا مدينة فسألوهم الامان فقالوا لا فظنوا انهم قالوا نعم فنزلوا إليهم كانوا آمنين.

(٢٣٨) ٥ ـ أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليهما‌السلام قال : قرأت في كتاب علي عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كتب كتابا بين المهاجرين والانصار ومن لحق بهم من اهل يثرب

__________________

ـ ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٥

ـ ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ـ الكافي ج ١ ص ٣٣٦

١٤٠