الزبدة الفقهيّة - ج ٢

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-55-8
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٥٥٢

(ومع إمكان الافتراق فرقتين) لكثرة المسلمين أو قوتهم ، بحيث يقاوم كلّ فرقة العدوّ حالة اشتغال الأخرى بالصلاة ، وإن لم يتساويا عددا ، (و) كون (العدوّ في خلاف) جهة (القبلة) إما في دبرها أو عن أحد جانبيها ، بحيث لا يمكنهم القتال مصلّين إلا بالانحراف عنها ، أو في جهتها مع وجود حائل يمنع من قتالهم ، واشترط ثالث وهو كون العدوّ ذا قوة يخاف هجومه عليهم حال الصلاة : فلو أمن صلّوا بغير تغيير يذكر هنا (١) وتركه اختصارا ، وإشعارا به من الخوف. ورابع وهو عدم الاحتياج إلى الزيادة على فرقتين ، لاختصاص هذه الكيفية (٢) بإدراك كلّ فرقة ركعة (٣) ، ويمكن الغنى عنه في المغرب (٤).

ومع اجتماع الشروط (يصلّون صلاة ذات الرقاع) سمّيت بذلك لأن القتال كان في سفح جبل فيه جدد (٥) ، حمر ، وصفر ، وسود كالرّقاع ، أو لأن الصحابة كانوا حفاة فلفوا على أرجلهم الرّقاع من جلود ، وخرق لشدة الحر ، أو لأن الرّقاع كانت في ألويتهم ، أو لمرور قوم به حفاة فتشقّقت أرجلهم فكانوا يلفّون عليها الخرق ، أو لأنها اسم شجرة كانت في موضع الغزوة. وهي (٦) على ثلاثة أميال من المدينة عند بئر أروما. وقيل : موضع من نجد ، وهي أرض غطفان.

(بأن يصلّي الإمام بفرقة ركعة) في مكان لا يبلغهم سهام العدو ، ثم

______________________________________________________

ـ مع قصورهم عن ذلك لا يجوز لهم الجماعة حينئذ لاستلزامها الإخلال بالحراسة.

الثاني : أن يكون في العدو كثرة يحصل معها الخوف وإلا لانتفى المسوّغ لصلاة الخوف.

الثالث : أن يكون العدو في خلاف جهة القبلة ، وعن المدارك أن هذا الشرط مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب ، واستدلوا عليه بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما صلّاها كذلك فتجب متابعته ، وذهب العلامة في التذكرة إلى عدم اعتباره لأن ما وقع حال صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما وقع اتفاقا لا أنه كان شرطا ، ورجحه الشهيد واستحسنه الشارح في الروض.

(١) أي من ناحية الكيفية وإن كان أصل الخوف أوجب التقصير في الكمية.

(٢) كيفية صلاة ذات الرقاع.

(٣) مع الإمام.

(٤) حيث يفترقون ثلاث فرق فتدرك كل فرقة مع الإمام ركعة.

(٥) بضم الجيم جمع جده بمعنى العلامة.

(٦) أي الغزوة.

٤٦١

ينفردون بعد قيامه (ثم يتمّون) ركعة أخرى مخففة ويسلمون ويأخذون موقف الفرقة المقاتلة ، (ثم تأتي) الفرقة (الأخرى) والإمام في قراءة الثانية ، (فيصلّي بهم ركعة) إلى أن يرفعوا من سجود الثانية فينفردون ، ويتمّون صلاتهم ، (ثم ينتظرهم) الإمام (حتى يتمّوا ويسلّم بهم) (١).

______________________________________________________

(١) هذه الكيفية متفق عليها بين الأصحاب ويدل عليها أخبار منها : صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأصحابه في غزاة ذات الرقاع صلاة الخوف ففرق أصحابه فرقتين ، أقام فرقة بإزاء العدو وفرقة خلفه ، فكبر وكبروا فقرأ وأنصتوا فركع وركعوا وسجد وسجدوا ، ثم استتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائما فصلوا لأنفسهم ركعة ، ثم سلم بعضهم على بعض ، ثم خرجوا إلى أصحابهم ، وأقاموا بإزاء العدو وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى بهم ركعة ثم تشهد وسلّم عليهم فقاموا فصلوا لأنفسهم ركعة وسلم بعضهم على بعض) (١).

وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن صلاة الخوف قال : يقوم الإمام ويجي‌ء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه وطائفة بإزاء العدو فيصلي بهم الإمام ركعة ، ثم يقوم ويقومون معه فيمثل قائما ويصلون هم الركعة الثانية ، ثم يسلم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ، ويجي‌ء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية ، ثم يجلس الإمام فيقومون هم فيصلون ركعة أخرى ثم يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمة قال : وفي المغرب مثل ذلك يقوم الإمام فتجي‌ء طائفة فيقومون خلفه ثم يصلي بهم ركعة ثم يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائما ويصلّون الركعتين ويتشهدون ويسلّم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم ويجي‌ء الآخرون ويقومون خلف الإمام فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس فيتشهد ثم يقوم ويقومون معه فيصلي بهم ركعة أخرى ثم يجلس ويقومون فيتمون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم) (٢).

فالظاهر من الأخبار أن الإمام ينتظر الطائفة الثانية عند التسليم فيسلم عليهم كما في صحيح الحلبي الأخير ، ويجوز له التسليم عند مفارقتهم إياه ولا يجب عليه الانتظار كما في صحيح عبد الرحمن المتقدم كما يجوز له انتظارهم عند التشهد فيتشهدون معه ثم يسلم ويسلمون كما هو صريح خبر الحميري عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام الوارد في صلاة الخوف : (فإذا قعد في التشهد قاموا فصلوا الثانية لأنفسهم ثم يقعدون ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الخوف حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من صلاة الخوف حديث ٤.

٤٦٢

وإنما حكمنا بانفرادهم مع أن العبارة لا تقتضيه ، بل ربّما دلّ سلامه بهم على بقاء القدوة ، تبعا للمصنف حيث ذهب في كتبه إلى انفرادهم ، وظاهر الأصحاب ، وبه صرح كثير منهم بقاء القدوة ، ويتفرّع عليه (١) تحمل الإمام أوهامهم على القول به (٢). وما اختاره المصنف (٣) لا يخلو من قوة.

(وفي المغرب يصلّي بإحداهما ركعتين) وبالأخرى ركعة مخيرا في ذلك (٤).

______________________________________________________

ـ فيتشهدون معه ثم يسلم وينصرفون معه) (١).

ثم هل يجب على الفرقة الأولى نية الانفراد عند القيام؟ قيل : نعم لعدم جواز مفارقة الإمام بدون هذه النية لأن المأموم مأمور بمتابعة الإمام.

وقيل : لا لأن قضية الائتمام في صلاة الخوف بالنسبة للفرقة الأولى إنما هي في الركعة الأولى فقط وقد انتهت وقواه في الذكرى واستحسنه الشارح في الروض. وإن كان الأول أحوط.

ثم هل يجب على الفرقة الثانية نية الانفراد عند قيامهم للركعة الثانية لأنفسهم؟ قيل : نعم كما عن جماعة وهو الظاهر من كلام الشيخ لعين الدليل المتقدم.

وظاهر الأكثر العدم لبقاء الائتمام حكما وإن استقلوا بالقراءة بدليل أن الإمام سيسلم بهم كما في صحيح الحلبي المتقدم.

(١) على بقاء القدوة والائتمام.

(٢) أي على القول بتحمل الإمام أوهامهم بتفسير أنه لا سهو على المأموم كما تقدم ، وهو المنسوب للشيخ.

(٣) من الانفراد.

(٤) نسب العلامة في المنتهى التخيير إلى علمائنا ، لورود الأخبار بكل من الكيفيتين والجمع بينهما يقتضي التخيير.

ففي صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (صلاة الخوف : المغرب يصلي بالأولين ركعة ويقضون ركعتين ، ويصلي بالآخرين ركعتين ويقضون ركعة) (٢) ومثله غيره وفي صحيح زرارة الآخر عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إذا كانت صلاة المغرب في الخوف فرقهم فرقتين ، فيصلي بفرقة ركعتين ثم جلس بهم ثم أشار إليهم بيده فقام كل إنسان منهم فيصلي ركعة ثم سلّموا ، فقاموا مقام أصحابهم وجاءت الطائفة الأخرى فكبروا ودخلوا في الصلاة ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الخوف حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الخوف حديث ٣ و ٢.

٤٦٣

والأفضل تخصيص الأولى بالأولى ، والثانية بالباقي ، تأسيا بعلي عليه‌السلام ليلة الهرير ، وليتقاربا في إدراك الأركان (١) والقراءة المتعيّنة (٢).

وتكليف الثانية (٣) بالجلوس للتشهد الأول (٤) مع بنائها (٥) على التخفيف (٦) ، يندفع (٧) ...

______________________________________________________

ـ وقام الإمام فصلّى بهم ركعة ثم سلم ثم قام كل رجل منهم فصلى ركعة فشفعها بالتي صلى مع الإمام ثم قام فصلى ركعة ليس فيها قراءة ، فتمت للإمام ثلاث ركعات وللأولين ركعتان جماعة وللآخرين وجدانا ، فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين التسليم) (١).

نعم الأفضل الكيفية الأولى لكثرة الروايات الواردة فيها وللتأسي بأمير المؤمنين عليه‌السلام عند ما صلاها ليلة الهرير كما عن الخلاف والتذكرة ، ولاعتبار هو : أن تدرك الفرقة الثانية القراءة المتعينة في الركعة الثانية كما أدركت الفرقة الأولى القراءة في الركعة الأولى ، وحيازة الأولى لفضيلة تكبيرة الإحرام والتقدم تتساوى مع إحراز الثانية للركعتين.

وقيل كما عن العلامة في القواعد إنّ الكيفية الثانية أفضل لئلا تتكلف الفرقة الثانية زيادة جلوس عند تشهد الإمام عقيب الركعة الثانية مع أن صلاة الخوف مبنية على التخفيف.

(١) ففي الركعة ثلاثة أركان : القيام والركوع والسجود إلا في الركعة الأولى ففيها خمسة أركان بإضافة النية وتكبيرة الإحرام.

فإذا اختصت الفرقة الأولى بالأولى كان لها خمسة أركان مع الإمام وكان للثانية ستة أركان في الركعتين مع الإمام وهي متقاربان بخلاف ما لو اختصت الفرقة الأولى بالركعتين فيكون لها ثمانية أركان مع الإمام ويبقى للثانية ثلاثة أركان وهذا موجب للتفاوت الفاحش.

(٢) أي الواجبة بحيث تكون قراءة الركعة الأولى للفرقة الأولى ، وقراءة الركعة الثانية للفرقة الثانية بخلاف العكس فتكون القراءة المتعينة في الركعتين للفرقة الأولى فقط.

(٣) أي الفرقة الثانية.

(٤) أي التشهد الأول للإمام.

(٥) أي بناء صلاة الخوف.

(٦) كما هو دليل العلامة في القواعد لترجيح الكيفية الثانية.

(٧) بأن الجلوس للتشهد أمر لا بد منه على الكيفيتين ، أما الكيفية الأولى فيتشهد الإمام ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الخوف حديث ٣ و ٢.

٤٦٤

باستدعائه (١) زمانا على التقديرين ، فلا يحصل بإيثار الأولى تخفيف ، ولتكليف الثانية بالجلوس للتشهد الأول على التقدير الآخر (٢).

(ويجب على) المصلين أخذ السلاح ، للأمر به (٣) المقتضي له ، وهو آلة القتال والدفع ، من السيف ، والسكين ، والرمح ، وغيرها وإن كان نجسا (٤) ، إلا أن يمنع (٥) شيئا من الواجبات ، أو يؤذي غيره (٦) فلا يجوز اختيارا (٧).

(ومع الشدة) (٨) ...

______________________________________________________

ـ والفرقة الثانية منتظرة له حتى يقوم الإمام للثالثة له ويقومون هم للثانية لهم ، وعلى الكيفية الثانية فيتشهد الإمام التشهد الأوسط مع الفرقة الأولى لكن عقيب ثالثته وإن تشهد تشهده الأخير حين قيام الفرقة الثانية للركعة الثانية لكن عليهم الجلوس للتشهد الأخير زمانا كزمان التشهد الأوسط للإمام وعليه فعلى كلا الحالين لا تقويت على الجند.

(١) أي باستدعاء التشهد سواء كان وسطا للإمام على الكيفية الأولى أو أخيرا للمأمومين من الفرقة الثانية على الكيفية الثانية.

(٢) أي على الكيفية الثانية فتكلف الفرقة الثانية بالجلوس للتشهد الأول مع أن الإمام غير جالس له وهذا نوع تطويل لأنه على الكيفية الأول فالفرقة الثانية تجلس للتشهد الأول عند التشهد الأخير للإمام.

(٣) أي بالأخذ لقوله تعالى : (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) والأمر المطلق يدل على الوجوب وهو قول الشيخ وأكثر الأصحاب كما عن المدارك ، وعن ابن الجنيد استحباب الأخذ حملا للأمر على الإرشاد لما في أخذ السلاح من إظهار القوة وإظهار التحفظ أمام العدو.

ثم على القول بالوجوب لا تبطل الصلاة بالإخلال به لأنه متعلق بأمر خارج عن ماهية الصلاة.

(٤) للإطلاق ، وعلى قول ضعيف لا دليل عليه معتد به كما في الجواهر. لا يجوز إذا كان متنجسا.

(٥) لثقله.

(٦) كالرمح في وسط الصفوف.

(٧) لترجيح حرمة الأذية ووجوب مراعاة الصحة في الصلاة عليه ، وأما عند الاضطرار والضرورة فجائز.

(٨) أي شدة الخوف اعلم أن ما تقدم هو المسمى بصلاة ذات الرقاع وأما صلاة بطن النخل ـ

٤٦٥

المانعة من الافتراق كذلك (١) ، والصلاة جميعا بأحد الوجوه المقرّرة في هذا الباب

______________________________________________________

ـ فهي أن يصلي الإمام صلاته بطائفة ثم يصلي ندبا بطائفة أخرى وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاها بأصحابه بهذا الوضع كما عن الشيخ في المبسوط (١).

وأما صلاة عسفان فقد أرسلها الشيخ في المبسوط عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إرسال دراية لا رواية فقال : (ومتى كان العدو في جهة القبلة ويكونون في مستوى الأرض لا يسترهم شي‌ء ولا يمكنهم أمر يخاف منه ويكون في المسلمين كثرة لا يلزمهم صلاة الخوف ولا صلاة شدة الخوف ، وإن صلوا كما صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعسفان جاز ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام مستقبل القبلة والمشركون أمامه فصف خلفه صفا ، وصفّ بعد ذلك الصف صفا آخر ، فركع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وركعوا جميعا وسجد وسجد الصف الذين يلونه ، وقام الآخرون يحرسونه ، فلما سجد الأولون السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ، ثم تأخر الصف الذين يلونه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف الآخر إلى مقام الصف الأول ، ثم ركع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وركعوا جميعا ، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونه فلما جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصف الذي يليه سجد الآخرون ، ثم جلسوا جميعا وسلّم بهم جميعا ، وصلى بهم جميعا هذه الصلاة يوم بني سليم) (٢).

(١) أي فرقتين بحيث تصلي فرقة وتحرس أخرى ، شروع في صلاة شدة الخوف وتسمى بصلاة المطاردة وذلك عند ما ينتهي حال القتال بين الصفين إلى المعانقة والمسايفة فيصلي كل واحد منهم على حسب إمكانه واقفا أو راكبا أو ماشيا ويأتي بما أمكن من الركوع والسجود ومع التعذر يومئ إليهما ، ويستقبل القبلة بما أمكن من صلاته وإلا فيكفيه استقبال القبلة بتكبيرة الإحرام وإلا فيصلي إلى أي جهة أمكن له.

هذا كله إذا تمكن من النزول إلى الأرض وإن لم يتمكن صلى راكبا وسجد على قربوس سرجه وإن لم يتمكن أومأ إيماء.

ثم إن الجميع تكون بالقراءة المتعينة من الحمد والسورة مع أذكار الركوع والسجود والتشهد والتسليم وإن لم يتمكن صلى بالتسبيح ويسقط الركوع والسجود ويقول بدل كل ركعة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وهذا الحكم بشقوقه الأربعة متفق عليه بين الأصحاب ويدل عليه جملة من الأخبار منها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قلت له : صلاة الموافقة؟ فقال : إذا لم يكن النصف من عدوك صليت إيماء ـ

__________________

(١) المبسوط الجزء الأول ص ١٦٧.

(٢) المبسوط الجزء الأول ص ١٦٦ ـ ١٦٧.

٤٦٦

(يصلّون بحسب المكنة) ركبانا ومشاة جماعة وفرادى ، ويغتفر اختلاف الجهة هنا ،

______________________________________________________

ـ راجلا كنت أو راكبا ، فإن الله يقول : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجٰالاً أَوْ رُكْبٰاناً). إلى أن قال. أينما توجهت بك دابتك غير أنك تتوجه إذا كبرت أول تكبيرة) (١).

وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك وتكبير ، والمسايفة تكبير بغير إيماء ، والمطاردة إيماء يصلي كل رجل على حياله) (٢).

وصحيح الفضلاء. زرارة والفضيل ومحمد بن مسلم. عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال فإنه يصلي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه ، فإذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال فإن أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة صفين. وهي ليلة الهرير. لم يكن صلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتمجيد والتحميد والدعاء ، فكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة) (٣).

وخبر عبد الله بن المغيرة عن الصادق عليه‌السلام : (أقل ما يجزي في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة ، إلا المغرب فإن لها ثلاثا) (٤).

وخبر ابن عذافر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا جالت الخيل تضطرب السيوف أجزأه تكبيرتان فهذا تقصير آخر) (٥).

وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة الموافقة إيماء على دابته ، قلت : أرأيت إن لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال : يتيمم من لبد سرجه أو عرف دابته فإن فيها غبارا ، ويصلي ويجعل السجود أخفض من الركوع ولا يدور إلى القبلة ، ولكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه) (٦).

ومقتضى الجمع بين هذه الأخبار والنصوص التي تقدمت في ماهية الصلاة أنه مع المكنة على فعل شي‌ء لا يسقط ومع عدمها يسقط إلى أن يجزؤه عن كل ركعة تكبيرة واحدة ولو إلى غير القبلة وهذا أدنى مرتبة للصلاة ، ثم إن هذا كما يجري في صلاة الخوف من الأعداء عند القتال يجري في صلاة الخوف كيفية وكمية من لص أو سبع كما في صحيح زرارة المتقدم ومثله غيره.

ثم إن الغريق والموتحل صلاته محكومة بحسب القواعد المقررة إلا في الكمية فلا تقصير ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الخوف حديث ١١ و ٢ و ٨ و ٣ و ٧.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الخوف حديث ٨.

٤٦٧

بخلاف المختلفين في الاجتهاد لأن الجهات قبلة في حقهم هنا ، نعم يشترط عدم تقدم المأموم على الإمام (١) نحو مقصده ، والأفعال الكثيرة المفتقرة إليها (٢) مغتفرة هنا.

ويومئون (إيماء مع تعذر الركوع والسجود) ولو على القربوس بالرأس ، ثم بالعينين فتحا وغمضا كما مر (٣) ، ويجب الاستقبال بما أمكن ولو بالتحريمة ، فإن عجز سقط (٤).

(ومع عدم الإمكان) أي إمكان الصلاة بالقراءة ، والإيماء للركوع والسجود (يجزيهم عن كلّ ركعة) بدل القراءة ، والركوع والسجود ، وواجباتهما (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) مقدّما عليهما (٥) النية والتكبير ، خاتما بالتشهد ، والتسليم. قيل : وهكذا (٦) صلّى عليّ عليه‌السلام وأصحابه ليلة الهرير الظهرين ، والعشاءين.

ولا فرق في الخوف الموجب لقصر الكمية ، وتغير الكيفية ، بين كونه من عدوّ ، ولصّ وسبع ، لا من وحل وغرق بالنسبة إلى الكمية (٧) ، أما الكيفية فجائز حيث لا يمكن غيرها مطلقا (٨). وجوّز في الذكرى لهما (٩) قصر الكمية مع خوف التلف بدونه (١٠) ، ورجاء السلامة به (١١) ، وضيق الوقت. وهو (١٢) يقتضي

______________________________________________________

ـ فيها إلا إذا كان هناك خوف من عدو أو غيره فتقصر في الكمية كما تقصر في الكيفية.

(١) إن كانت صلاتهم جماعة ومع الضرورة تبطل الجماعة.

(٢) أي التي تفتقر إليها الصلاة.

(٣) في بحث الركوع والسجود.

(٤) أي الاستقبال.

(٥) أي على التسبيحتين.

(٦) أي بالتكبير والتسبيح والتحميد.

(٧) فتبقى صلاة الغريق والموتحل كصلاة الآمن رباعية للظهرين والعشاء.

(٨) أي أبدا.

(٩) للغريق والموتحل.

(١٠) أي بدون القصر بحيث لو أتما الصلاة رباعية لخافا التلف واستولى الفرق عليهما مع رجاء السلامة عند قصر العدد وضيق الوقت.

(١١) أي بالقصر.

(١٢) أي دليل الشهيد في الذكرى لقصر العدد.

٤٦٨

جواز الترك (١) لو توقف عليه (٢) ، أما سقوط القضاء بذلك فلا لعدم الدليل (٣).

(الفصل العاشر. في صلاة المسافر)

التي يجب قصرها كمية (٤) (وشرطها قصد المسافة) (٥) ...

______________________________________________________

(١) أي ترك الصلاة من رأس.

(٢) أي لو توقف رجاء السلامة على الترك.

(٣) أي أنه لو توقف رجاء السلامة على الترك وترك فلا يسقط القضاء لعدم الدليل عليه بعد فوات الفريضة في وقتها ، وهذا مبني على كون الغريق والموتحل قد مضى عليه زمان يقدر فيه الإتيان بالصلاة أداء لكنه أخّر وقع غريقا أو موتحلا وإلا فيسقط وجوب الأداء ومعه يسقط القضاء لأن القضاء تابع لعنوان الفوت وهو غير متحقق هنا.

(٤) لا إشكال في وجوب القصر على المسافر بالاتفاق منا وحكي عن أكثر العامة ويدل عليه أخبار منها : صحيح زرارة ومحمد : (قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في الصلاة في السفر ، كيف هي وكم هي؟ فقال : إن الله (عزوجل) يقول : (وَإِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ) ، فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر.

قلنا : إنما قال الله (عزوجل) : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ) ولم يقل افعلوا ، فكيف أوجب ذلك؟ فقال : أوليس قد قال الله (عزوجل) في الصفا والمروة : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا) ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض ، لأن الله (عزوجل) ذكره في كتابه وضعه نبيه ، وكذلك التقصير في السفر شي‌ء صنعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكره الله في كتابه) (١).

(٥) أجمع العلماء كافة على أن المسافة شرط في القصر وإنما اختلفوا في تقديرها إلا داود الظاهري من العامة إذ اكتفى بمجرد الضرب في الأرض وتدفعه النصوص المتواترة التي سيمر عليك بعضها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٢.

٤٦٩

وهي ثمانية فراسخ (١) ...

______________________________________________________

(١) للأخبار منها : موثق سماعة : (في كم يقصر الصلاة؟ فقال : في مسيرة يوم وذلك بريدان وهما ثمانية فراسخ) (١).

وخبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام : (إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر ، لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال ، فوجب التقصير في مسيرة يوم ، ولو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة ، وذلك لأن كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم ، فلو لم يجب في هذا اليوم فما وجب في نظيره ، إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما) (٢).

وصحيح يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام سمعه يقول : (في التقصير في الصلاة بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا ، ثم قال : كان أبي يقول : إن التقصير لم يوضع على البغلة السفواء والدابة الناجية وإنما وضع على سير القطار) (٣).

هذا وقد حددت المسافة بمسير يوم في جملة من الأخبار كصحيح أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن التقصير فقال : في بريدين أو بياض يوم) (٤) وخبر أبي بصير : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في كم يقصر الرجل؟ قال : في بياض يوم أو بريدين) (٥) وصحيح علي بن يقطين : (سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام يخرج في سفره وهو في مسيرة يوم قال : يجب عليه التقصير في مسيرة يوم) (٦).

وعليه فهل المدار على ثمانية فراسخ أو على السير بياض يوم أو على أحدهما بحيث إذا قطع أحدهما قصّر وإن لم يقطع الآخر أو على قطعها معا فإذا قطع أحدهما فلا يقصر إلا إذا قطع الآخر أو أن المدار على أحدهما والآخر طريق إليه فقد يختلفان وقد يتفقان والظاهر هو الأخير لخبر الفضل بن شاذان المتقدم حيث قال عليه‌السلام : (إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر) فيكون مسير اليوم من باب حكمة التشريع التي على ضوئها وضع الشارع التقصير على ثمانية فراسخ وهذا ما صرح به في ذيل خبر الفضل المتقدم وأشار إليه صحيح الكاهلي المتقدم أيضا ، نعم قد جعل السير في بياض يوم طريقا لمعرفة قطع الثمانية فراسخ ويدل عليه وخبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قلت له : كم أدنى ما يقصّر فيه الصلاة؟ قال : جرت السنة ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٨.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١ و ٣.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٧ و ١١ و ١٦.

٤٧٠

كلّ فرسخ ثلاثة أميال (١) ، كلّ ميل أربع آلاف ذراع (٢) ، فتكون المسافة (ستة وتسعين ألف ذراع) حاصلة من ضرب ثلاثة في ثمانية ، ثم المرتفع في أربعة ،

______________________________________________________

ببياض يوم ، فقلت له : إن بياض يوم يختلف يسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم ، ويسير الآخر أربعة فراسخ وخمسة فراسخ في يوم قال : إنه ليس إلى ذلك ينظر ، أما رأيت سير هذه الأثقال بين مكة والمدينة ثم أومأ بيده أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ) (١).

هذا فضلا عن أن التقدير بالفراسخ مقدّر على نحو التحقيق والتقدير بالسير بياض يوم تقدير تقريبي فالمناسب للاعتبار أن يكون الأول هو الأصل وقد جعل الثاني دليلا عليه عند عامة الناس وقت صدور الأخبار لسهولته بالإضافة إلى أنه هو حكمة تشريع القصر في الفراسخ المحددة ولكن الحكم بالتقصير يدور عليها لا على الحكمة.

(١) وفي المدارك أنه اتفق العلماء كافة عليه ، ويدل عليه جملة من الأخبار منها : خبر عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم : (ثم أومأ بيده أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ) (٢).

وخبر سليمان بن حفص المروزي قال الفقيه عليه‌السلام : (التقصير في الصلاة بريدان ، أو بريد ذاهبا وجائيا ، والبريد ستة أميال ، وهو فرسخان ، والتقصير في أربعة فراسخ) (٣).

(٢) على المشهور وفي المدارك وغيرها أنه مما قطع به الأصحاب ، وهو المشهور المعروف بين أهل اللغة والعرف ، وفي السرائر عن مروج الذهب للمسعودي : (الميل أربعة آلاف ذراع بذراع الأسود ، وهو الذراع الذي وضعه المأمون لذرع الثياب ومساحة البناء وقسمة المنازل ، والذراع أربع وعشرون إصبعا) انتهى. وعن الأزهري : «أن الميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع والخلاف لفظي ، فإنهم اتفقوا على أن مقداره ستة وتسعون ألف إصبع ، والإصبع ست شعيرات بطن كل واحدة إلى ظهر الأخرى ، ولكن القدماء يقولون : الذراع اثنتان وثلاثون إصبعا ، والمحدثون : أربع وعشرون إصبعا» وفي القاموس «الميل قدر مدّ البصر ، ومنار يبنى للمسافر ، أو مسافة من الأرض متراخية بلا حدّ ، أو مائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف إصبع ، أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو اثنا عشر ذراع بذراع المحدثين».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٤.

٤٧١

وكلّ ذراع أربع وعشرون إصبعا (١) وكلّ إصبع سبع شعيرات (٢) متلاصقات بالسطح الأكبر (٣) وقيل : ست. عرض كلّ شعيرة سبع شعرات (٤) من شعر البرذون ، ويجمعها (٥) مسير يوم (٦) معتدل الوقت والمكان والسير لأثقال الإبل ، ومبدأ التقدير (٧) من آخر خطّة البلد المعتدل ، وآخر محلته في المتسع عرفا.

______________________________________________________

(١) عند المحدثين.

(٢) لا داعي لتحديد الذراع بالأصابع ثم الإصبع بالشعيرات لأن المراد من الذراع هو المتعارف اليوم الذي هو من المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى ، نعم وهو ست قبضات ، كل قبضة أربع أصابع ، فالمجموع أربع وعشرون إصبعا هذا وقد تقدم عن الأزهري أن الإصبع هو ست شعيرات ، وإن كان المعروف بينهم أنه سبع شعيرات.

(٣) أي بطن كل واحدة منها إلى ظهر الأخرى ، لا أن التلاصق من ناحية رأس الشعيرة.

(٤) كما هو المعروف بينهم.

(٥) أي المسافة المقدرة بما ذكر.

(٦) والمراد مسير بياض يوم وقد تقدم بعض الأخبار الدالة على ذلك. هذا ولو أراد الإنسان الاعتماد على السير في بياض يوم لتعذر تقدير المسافة بالفراسخ فعليه أن يلاحظ السير المعتدل للأثقال في اليوم المعتدل في المكان المعتدل كما عن الشهيدين حملا لنصوص السير على المتعارف.

(٧) اختلف الفقهاء في تعيين مبدأ المسافة ، فعن المشهور أن المبدأ هو سور البلد إن وجد وإلا آخر البيوت في البلدان الصغيرة أو المتوسطة ، وآخر المحلة في البلدان الكبيرة الخارقة للعادة ، وعن الصدوق : المبدأ هو المنزل أو الدار ، وعن الشهيد هو الخروج عن حد الترخص ، وقيل : هو آخر البلد مطلقا سواء كان كبيرا أم لا.

هذا والنصوص خالية عن تعيين مبدأ المسافة وكأنه إيكال الأمر الى العرف ، والعرف لا يرى الإنسان مسافرا ما لم يخرج عن بلده الذي هو فيه فالأقوى هو القول الأخير ، لأن المدار في احتساب المسافة من حين صدق اسم السفر عليه.

واستدل للصدوق بخبر المروزي عن الفقيه عليه‌السلام : (فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا وذلك أربعة فراسخ ثم بلغ فرسخين ونيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصر) (١) وخبر صفوان عن الرضا عليه‌السلام في حديث : (لو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا كان عليه أن ينوي من الليل سفرا والإفطار) (٢) وخبر عمار عن أبي ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٤ و ٨.

٤٧٢

(أو نصفها (١) لمريد الرجوع ليومه) أو ليلته أو الملفّق منهما (٢) ، مع اتصال السير عرفا ، دون الذهاب في أول أحدهما ، والعود في آخر الأخر ، ونحوه في المشهور (٣)، ...

______________________________________________________

ـ عبد الله عليه‌السلام في حديث : (لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ) (١) ومثلها غيرها ، وفيه : إن الأخبار ليست في مقام بيان تعيين مبدأ المسافة بالإضافة إلى أن المراد من المنزل هو البيت الذي لا عمران هو له بقرينة عطف القرية عليه في خبر عمار المتقدم.

واستدل للشهيد بأن المسافر لا يصير مسافرا شرعا إلا بالخروج عن حد الترخص ولذا يبقى على التمام حتى يتجاوز حد الترخص.

وفيه : إن حد الترخص مبدأ لحكم السفر وليس لموضوعه.

(١) نصف المسافة المذكورة سابقا.

(٢) من اليوم والليلة.

(٣) اختلف الأصحاب في حكم من سافر أربعة فراسخ ، فذهب العماني وهو المشهور في عصورنا تعيّن التقصير سواء أراد الرجوع ليومه أم لا ، وذهب السيد وابن إدريس والمحقق والمصنف في جملة من كتبه إلى تعين القصر إذا أراد الرجوع ليومه ، وتعيّن التمام إذا لم يرد ذلك.

وعن المشهور تعين القصر لمريد الرجوع ليومه ، والتخيير بين القصر والتمام إذا لم يرد ذلك وعن الشيخ في التهذيب والاستبصار التخيير بين القصر والتمام لمريد الرجوع ليومه ، وتعين التمام إذا لم يرد ذلك ، وعن الشيخ في النهاية وكذا عن المفيد تعين التقصير لمريد الرجوع وإلا فالتخيير بين القصر والتمام بخصوص الصلاة وأما الصوم فلا يجوز الإفطار ، وعن الذكرى والروض والمدارك من التخيير بين القصر والتمام في الأربعة سواء أراد الرجوع ليومه أم لا.

وعن ابن زهرة وأبي الصلاح تعين التمام في الأربعة سواء أراد الرجوع ليومه أم لا وعن الكليني الاكتفاء بالأربعة مطلقا في تعيّن التقصير وإن لم يرجع مثلها.

ومنشأ هذا الخلاف هو اختلاف الأخبار حيث هي على طوائف :

الأولى : ما دل على أن المسافة هي ثمانية فراسخ وهي ظاهرة في الامتدادية ، وقد تقدم بعضها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٣.

٤٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ الثانية : ما دل على أن المسافة هي أربعة فراسخ كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (التقصير في بريد والبريد أربعة فراسخ) (١) وصحيح إسماعيل بن الفضل : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التقصير فقال : في أربعة فراسخ) (٢) وصحيح زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلا) (٣) وصحيح أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن أدنى ما يقصر فيه المسافر؟ قال : بريد) (٤).

فالكليني أخذ بظاهر هذه الطائفة الثانية فلذا حكم بتعيّن القصر في الأربعة وإن لم يرد الرجوع مطلقا ، وفيه : إنه لا بدّ من تقييدها ببقية الطوائف الآتية ، وابن زهرة وأبو الصلاح حكما بتعين التمام في الأربعة مطلقا بدعوى التعارض بين الطائفتين مع ترجيح طائفة الثمانية ، وفيه : إنه لا تعارض بين الطائفتين لما سيأتي من وجه الجمع بينهما ، والشهيدان في الذكرى والروض وسيد المدارك ذهبوا إلى الجمع بين الطائفتين بعد فرض التعارض بينهما بحمل أخبار الثمانية على وجوب القصر وبحمل أخبار الأربعة على جواز القصر ، وفيه : إنه جمع بلا شاهد.

الطائفة الثالثة من الأخبار : الدالة على أن المسافة أربعة فراسخ مع ضم الإياب إليه منها صحيح معاوية بن وهب : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدنى ما يقصر فيه المسافر؟ فقال عليه‌السلام : بريد ذاهبا وبريد جائيا) (٥) وصحيح زرارة : (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التقصير فقال : بريد ذاهب وبريد جائي ، قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتى ذبابا قصّر ، وذباب على بريد ، وإنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ) (٦) وخبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون (لأن ما تقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا ، أو بريد ذاهبا وبريد جائيا ، والبريد أربعة فراسخ) (٧).

وخبر سليمان بن حفص المروزي. عن الفقيه عليه‌السلام : (التقصير في الصلاة بريدان ، أو بريد ذاهبا وجائيا ، والبريد ستة أميال وهو فرسخان ، والتقصير في أربعة فراسخ) (٨).

ومشهور السابقين حملوا هذه الطائفة على من أراد الرجوع ليومه لموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (سألته عن التقصير؟ قال : في بريد ، قلت : بريد؟ قال : إنه ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه) (٩).

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١ و ٥ و ٣ و ١١.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٢ و ١٤ و ١٨ و ٤.

(٨ و ٩) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٩ و ١٤.

٤٧٤

وفي الأخبار الصحيحة الاكتفاء به مطلقا (١) ، وعليه جماعة مخيّرين في القصر والإتمام جمعا (٢) ، وآخرون في الصلاة خاصة ، وحملها (٣) الأكثر على مريد الرجوع ليومه فيتحتّم القصر أو يتخير (٤) ، وعليه المصنف في الذكرى. وفي الأخبار ما يدفع هذا الجمع بمعنييه (٥) ...

______________________________________________________

وفيه : إن شغل يومه ليس واردا في مقام تحديد موضوع السفر التلفيقي بل وارد مورد التعليل باعتبار ما تقدم أن سبب التقصير في الفراسخ الثمانية هو أن من سارها فقدّ شغل بياض يومه. ولذا ورد التعليل تارة بشغل اليوم كما في الموثق السابق وأخرى بأنه قد سافر ثمانية فراسخ كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (عن التقصير فقال : بريد ذاهب وبريد جائي قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتى ذبابا قصر ، وذباب على بريد ، وإنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ، ثمانية فراسخ) (١) مع أن هذا الصحيح لم يشترط الرجوع ليومه.

وأوضح منه في عدم الاشتراط صحيح معاوية بن عمار : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات فقال : ويلهم أو ويحهم وأي سفر أشدّ منه ، لا تتم) (٢) وعرفات على أربعة فراسخ من مكة كما نص عليه الأصحاب ، ومن الواضح أن خروج أهل مكة إلى عرفات إنما هو للحج وهذا لا يتحقق معه الرجوع ليومه ، ومثله خبر إسحاق بن عمار : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في كم التقصير؟ فقال : في بريد ، ويحهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقصّروا) (٣) بل التعليلان الواردان في موثق ابن مسلم : (فقد شغل يومه) وفي صحيح زرارة : (لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ) يقتضيان أن الذهاب سواء كان بريدا أو أكثر أو أقل وكذا الإياب ما دام الجميع ثمانية فراسخ موجب للتقصير ومنه تعرف ضعف بقية الأقوال فلا نطيل.

(١) من غير تقييد بمن يريد الرجوع ليومه أو ليلته.

(٢) بين ما دل على الأربعة وبين ما دل على اشتراط السفر في الثمانية.

(٣) أي الأخبار الصحيحة.

(٤) جمعا.

(٥) بمعنى التخيير بين القصر والإتمام وبمعنى التقييد بالرجوع ليومه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٩ و ١٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٦.

٤٧٥

وخرج بقصد المقدر (١) السفر إلى المسافة بغيره (٢) ، كطالب حاجة يرجع متى وجدها إلّا أن يعلم عادة توقفه على المسافة. وفي إلحاق الظن القوي به (٣) وجه قوي وتابع متغلب (٤) يفارقه (٥) متى قدر (٦) مع إمكانه (٧) عادة ، ومثله (٨) الزوجة والعبد يجوّزان (٩) الطلاق والعتق مع ظهور أمارتهما (١٠). ولو ظن التابع بقاء

______________________________________________________

(١) وهو ثمانية فراسخ.

(٢) بغير قصد ، وهذا الحكم من اشتراط قصد المسافة في التقصير متفق عليه بلا خلاف ويدل عليه خبر صفوان قال : (سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان ، فقال : لا يقصر ولا يفطر ، لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ ، وإنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه) (١) وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستة فراسخ ويأتي قرية فينزل فيها ، ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو ستة فراسخ لا يجوز ذلك ثم ينزل في ذلك الموضع قال : لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة) (٢).

(٣) بالعلم بحيث يظن قطع المسافة مع احتمال العود قبل الوصول إلى المسافة ، ووجه الإلحاق قيام الظن مقام العلم في الكثير من الموارد فليكن هذا منها ، ووجه العدم أن القصر مشروط بقصد المسافة قطعا حتى يخرج عن أدلة التمام والظانّ لم يتحقق منه ذلك.

(٤) عطف على قوله : (كطالب حاجة) والمتغلب هو الظالم وتابعه كالأسير الواقع بين أيدي المشركين ، فهذا الأسير إن علم قصد متبوعه وقصده يقصر ولو ظنّ ففي الإلحاق وجه قوي ، وإلا فيتمّ لعدم قصده المسافة لأنه يريد المفارقة عند ظهور الفرصة لذلك.

(٥) فلا يكون قاصدا للمسافة فيخرج كخروج طالب الحاجة.

(٦) على المفارقة.

(٧) مع إمكان الفراق.

(٨) أي ومثل تابع المتغلب.

(٩) أي يحتملان.

(١٠) فلا يكونان قاصدين للمسافة فيخرجان كخروج طالب الحاجة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١ و ٣.

٤٧٦

الصحبة قصّر مع قصد المسافة ولو تبعا (١) ، وحيث يبلغ المسافة (٢) يقصّر في الرجوع مطلقا (٣) ، ولا يضم إليه ما بقي من الذهاب بعد القصد (٤) متصلا (٥) به (٦) ممّا يقصر (٧) عن المسافة.

(وأن لا يقطع السفر بمروره على منزله) (٨) وهو ملكه من العقار الذي قد

______________________________________________________

(١) لأنه لا فرق في قصد المسافة بين القصد الاستقلالي أو القصد التبعي.

(٢) أي من لم يقصد المسافة فلو بلغها فلا بد من التقصير حال الرجوع لأنه قاصد لقطع المسافة.

(٣) سواء أمكن له المفارقة أم لا ، وسواء بقي على التبعية أم لا.

(٤) أي بعد قصد الرجوع.

(٥) حال لما بقي.

(٦) بالعدد.

(٧) أي من العود الذي يقصر عن المسافة ، ووجه عدم الضم هو أن الذهاب والإياب لكل منهما حكم بانفراده كما صرح بذلك في روض الجنان ، وفيه : إن المدار على قصد المسافة من دون التفصيل بين الذهاب والإياب والمفروض أنه قاصد للمسافة المؤلفة من بقية الذهاب وتمام العود إلا أن يقال : إن عدم الضم لأن قصد المسافة فعلا لا يتحقق إلا حين الشروع في العدد وهو خروج عن محل البحث كما هو واضح.

(٨) ينقطع سفره بالمرور على وطنه بلا خلاف فيه بين الأصحاب ويدل عليه أخبار منها : صحيح إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن رجل سافر من أرض إلى أرض وإنما ينزل قراه وضيعته ، قال : إذا نزلت قراك وضيعتك فأتم الصلاة ، فإذا كنت في غير أرضك فقصّر) (١).

وصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول : (عن الرجل يتخذ المنزل فيمرّ به أيتم أم يقصر؟ قال : كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل وليس لك أن تتم فيه) (٢).

وصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل له في الطريق أيتم الصلاة أم يقصر؟ قال : يقصر ، إنما هو المنزل الذي توطنه) (٣).

هذا وإنما الكلام في معنى الوطن ، فاعلم أنه ما قبل العلامة اقتصروا في تحديد الوطن على الوطن الذي له فيه ملك وقد استوطنه ستة أشهر وهو المسمى بالوطن الشرعي لصحيح ابن بزيع عن الإمام الرضا عليه‌السلام : (عن الرجل يقصّر في ضيعته قال

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٢ و ٦ و ٨.

٤٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ عليه‌السلام : لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه ، قلت : وما الاستيطان؟ قال عليه‌السلام : أن يكون له منزل يقيم فيه ستة أشهر ، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى دخلها) (١).

واختلفوا في شيئين :

الأول : هل يشترط في الملك أن يكون منزلا كما هو صريح الصحيح المتقدم وكما هو صريح الشيخ في النهاية وابن بابويه وابن البراج وأبي الصلاح والمحقق في النافع أو يكفي مطلق الملك ولو كان شجرة وهذا ما صرح به العلامة في المنتهى والتحرير والتبصرة وتبعه عليه من تأخر عنه كما في المدارك لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الرجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها؟ قال : يتم الصلاة ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة ولا يقصّر وليصم إذا حضره الصوم) (٢).

الثاني : هل يعتبر في الاستيطان ستة أشهر أن يكون ذلك قد تم منه فعلا في سنة كما ذكره الأصحاب أو يشترط في الاستيطان الإقامة الفعلية ستة أشهر من كل سنة كما ذهب إليه سيد المدارك وابن بابويه باعتبار أن قوله عليه‌السلام في صحيح ابن بزيع : (أن يكون له منزل يقيم فيه ستة أشهر) ظاهر في الحدوث والتجدد باعتبار فعل المضارع وليس ظاهرا في الماضوية كما فهمه الأصحاب.

وعلى كل تقدير فالستة أشهر لا يشترط فيها التوالي للإطلاق بل يجب إقامتها بنية الإقامة. كما هو ظاهر الخبر. فلو أقام مترددا فلا يشمله الحكم ، ثم لا يجب أن يكون الاستيطان في نفس المنزل ، بل لو أقام ستة أشهر في البلد التي فيها منزله لكفى للإطلاق في موثق عمار ، نعم يشترط أن لا يخرج عن حدودها الشرعية وهي حد الترخص فلو خرج لا يحسب له يوم الخروج ، ويشترط في الاستيطان أن يكون بعد التملك كما هو ظاهر صحيح ابن بزيع المتقدم.

ثم إن العلامة ومن تأخر عنه الحق بالوطن الشرعي المستفاد من هذين الخبرين الوطن العرفي وهو ما لو اتخذ بلدا دار إقامة له على الدوام ، ونفى عنه البأس في المدارك بدليل خروجه عن عنوان المسافر إذا دخل إليه.

ثم إن الشهيد في الذكرى اشترط في الوطن العرفي الاستيطان ستة أشهر أيضا ، لأن الاستيطان بهذه المدة شرط في الوطن الشرعي مع وجود الملك ، فالاستيطان بهذه المدة في الوطن العرفي عند عدم وجود الملك من باب أولى. وللبحث تتمة فانتظره.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١١ و ٥.

٤٧٨

استوطنه ، أو بلده (١) الذي لا يخرج عن حدودها الشرعية ستة أشهر فصاعدا بنية الإقامة الموجبة للإتمام ، متوالية ، أو متفرقة ، أو منوي الإقامة (٢) على الدوام مع استيطانه المدة (٣) وإن لم يكن له به ملك (٤) ...

______________________________________________________

(١) معطوف على ضمير المفعول من لفظ (استوطنه).

(٢) وهو الوطن العرفي.

(٣) أي ستة أشهر.

(٤) قد عرفت رأي القدماء والمتأخرين في الوطن الشرعي والعرفي ، وعرفت أن الشرعي عندهم هو الأصل ، بل الكثير منهم اقتصر عليه إذ لم يتكلم عن العرفي إلا العلامة ومن تأخر عنه.

وأما مشهور متأخري المتأخرين فقد التزموا بوجود وطنين عرفي وشرعي مع جعل العرفي هو الأصل ، باعتبار أن كل إنسان لا يخلو من دار إقامة ، وليس الشرعي هو الأصل لعدم تملك كل إنسان لمنزل سكنه أو يسكنه ستة أشهر.

وجعلهم العرفي أصلا في محله لكن الالتزام بوجود وطن شرعي في قبال العرفي ليس في محله. إذ عمدة الوطن الشرعي هو صحيح ابن بزيع وموثق عمار المتقدمين وهما غير دالين عليه ، لأن صحيح ابن بزيع صدرا ليس في مقام بيان مفهوم الوطن عند الشارع بل في مقام بيان انقطاع السفر إذا مرّ على ضيعة له فيها منزل يستوطنه ، ومن الواضح أن السائل قد فرض له وطنا آخر غير الضيعة وقد أنشأ سفرا منه إلى هذه الضيعة ثم سأل الإمام عن حكم السفر فأجابه الإمام بأنه ينقطع إذا كانت الضيعة وطنا له ، ولا تكون وطنا ثانيا له إلا إذا استوطن فيها منزلا ستة أشهر فصاعدا ، والاستيطان هو المقوم للوطن العرفي كما عرفت والإمام لم يزد عليه شيئا ليكون وطنا شرعيا بل أشار إليه.

إن قلت : كيف لم يزد عليه وقد اشترط في وطنية الضيعة أمرين : الملك والاستيطان ستة أشهر.

قلت : أما اشتراط الملك فهو مبني على كون اللام تمليكية في قوله عليه‌السلام (إلا أن يكون له فيها منزل) ، مع أن اللام للاختصاص كما هو الأصل فيها فيكون المعنى : إلا أن يكون هناك منزل يقيم فيه وعليه فليس المدار على وجود الملك ، بل المدار على الاستيطان في منزل خاص به سواء كان ملكه أم لا كما في كل مقيم في وطنه العرفي ويدل عليه فضلا عن هذا الظهور أخبار منها : صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام : (كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير) (١). ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١.

٤٧٩

ولو خرج (١) ...

______________________________________________________

ـ وخبره الآخر عنه عليه‌السلام : (عن الرجل يتخذ المنزل فيمرّ به أيتم أم يقصر؟ قال عليه‌السلام : كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل وليس لك أن تتم فيه) (١) وهو أصرح خبر يدل على ما قلنا ، لأن السائل قد فرض اتخاذ المنزل وهو أعم من التملك والإجارة بعد تمهيده وجعله صالحا للسكن ، وأجابه الإمام أن المدار على الاستيطان ومع عدمه فهو ليس لك بمنزل وإن كان ملكا له. وهو عين الوطن العرفي المتقدم بالاستيطان وإن لم يكن له فيه ملك.

وخبره الثالث عنه عليه‌السلام : (عن رجل يمرّ ببعض الأمصار وله بالمصر دار ، وليس المصر وطنه أيتم صلاته أم يقصّر؟ قال : يقصر الصلاة ، والصيام مثل ذلك ، إذا مرّ بها) (٢).

وخبره الرابع عنه عليه‌السلام : (عن الدار تكون للرجل بمصر والضيعة فيمر بها؟ قال : إن كان مما قد سكنه أتم فيه الصلاة وإن كان مما لم يسكنه فليقصر) (٣).

وخبره الخامس عنه عليه‌السلام : (إن لي ضياعا ومنازل بين القرية والقريتين الفرسخ والفرسخان والثلاثة فقال : كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير) (٤).

وصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال : يقصر إنما هو المنزل الذي توطنه) (٥).

بقي شي‌ء هل الاستيطان المقوّم للوطن العرفي محدود بمدة معينة أو لا. ذهب الشهيد في الذكرى وسيد المدارك إلى ذلك لأن الاستيطان مقيد بالستة أشهر في الشرعي مع وجود الملك ففي العرفي مع عدم وجود الملك من باب أولى.

وعن العروة وغيرها اعتبار الإقامة بمقدار يصدق أنه وطنه عرفا سواء كانت في ستة أشهر أو أقل أو أكثر بعد حمل الستة أشهر الواردة في صحيح ابن بزيع على أنها قضية في واقعة لأن الصدق العرفي يختلف باختلاف الأشخاص والأمكنة والأزمنة فلعل في زمن المعصوم عليه‌السلام لا يتحقق الاستيطان إلا في ستة أشهر خصوصا في الضياع.

واكتفى كاشف الغطاء في بقية الطالب بمجرد النية في تحقق الاستيطان وقواه في الجواهر وهو ضعيف لعدم مساعدة العرف عليه.

وبعد هذا البيان تعرف إمكان تعدد الوطن العرفي لإمكان أن يتخذ مكانا ما دار إقامته في الشتاء مثلا ويتخذ دارا أخرى في الصيف وهكذا.

(١) بناء على تعدد الوطن فانقضاء الوطنية عن العرفي إنما هو بالإعراض وانقضاء الوطنية عن ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٦ و ٧ و ٩ و ١٠ و ٨.

٤٨٠