الزبدة الفقهيّة - ج ٢

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-55-8
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٥٥٢

لما مر (١) ولرواية زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام فيمن صلّى بغير طهور ، أو نسي صلوات ، أو نام عنها ، قال : «يصلّيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ، ليلا ، أو نهارا» ، وغيرها من الأخبار الدالة عليه صريحا (٣). وقيل لا يجب لعدم وجوب الأداء (٤) ، وأصالة البراءة (٥) وتوقف القضاء على أمر جديد (٦).

ودفع الأول واضح لانفكاك كل منهما عن الآخر وجودا وعدما (٧)

______________________________________________________

ـ وردّ بأن الفوت متحقق لتفويت الملاك لا لتفويت فعل الصلاة ، وهو ضعيف لأن الملاك الفائت لم يكن بحد الإلزام حتى يجب قضاؤه وإلا فيجب الأداء ولو من غير طهور.

(١) من عموم دليل القضاء على من فاتته فريضة.

(٢) وهي صحيحة (١) ، ووجه الاستدلال بها كما قال الشارح في الروض : «فإنه يشمل بإطلاقه القادر على تحصيل الطهور والعاجز عنه ، ومتى وجب القضاء على تارك الطهور مع كونه قد صلى فوجوبه عليه لو لم يصل بطريق أولى» وفيه : إن تارك الطهور مع قدرته عليه يصدق الفوت بحقه فيما لو صلى بغير طهور بخلاف العاجز كما هو واضح.

(٣) لا يوجد خبر صريح يدل على وجوب القضاء على فاقد الطهورين نعم ذكر الشارح في الروض خبرين.

أحدهما : صحيح زرارة المتقدم.

والثاني : صحيح زرارة الآخر عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص منه) (٢) وهو صريح في عدم القضاء لأن قوله عليه‌السلام : (فليقض الذي وجب عليه) ظاهر في وجوب قضاء ما فات مما يجب أداؤه.

(٤) بناء على أن القضاء تابع للأداء.

(٥) عن وجوب القضاء.

(٦) وهو غير ثابت.

(٧) إذ قد يجب الأداء ولا يجب القضاء في الكافر الأصلي ، وقد يجب القضاء مع عدم وجوب الأداء كالصوم بالنسبة للحائض.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات حديث ١.

٤٤١

والأخيرين (١) بما ذكر (٢).

(وأوجب ابن الجنيد الإعادة على العاري إذا صلّى كذلك) (٣) لعدم الساتر (ثم وجد الساتر في الوقت) (٤) لا في خارجه ، محتجا بفوات شرط الصلاة. وهو الستر فتجب الإعادة كالمتيمّم (٥) (وهو بعيد) ، لوقوع الصلاة مجزية بامتثال الأمر (٦) ، فلا يستعقب القضاء ، والستر شرط مع القدرة لا بدونها.

نعم روى عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل ليس عليه إلّا ثوب ، ولا تحلّ الصلاة فيه ، وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال : «يتيمّم ويصلّي ، وإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة» (٧). وهو. مع ضعف سنده (٨). لا يدلّ على مطلوبه ، لجواز استناد الحكم إلى التيمّم (٩).

(ويستحب قضاء النوافل الراتبة) اليومية استحبابا مؤكدا (١٠) ، وقد روي أن

______________________________________________________

(١) من أصالة البراءة وتوقف القضاء على أمر جديد.

(٢) من عموم وجوب قضاء ما فات ، ومن صريح الأخبار ، وفيه : إن الأخبار غير صريحة بل صريحة على عكسه وأما دليل وجوب القضاء فهو متوقف على صدق الفوت ، ولا فوت مع عدم وجوب الأداء.

(٣) أي عاريا.

(٤) بناء على جواز البدار لذوي الأعذار وعليه فإن تبين ارتفاع العذر لوجود الساتر في داخل الوقت فتجب الإعادة.

(٥) فيما لو جوزنا له التيمم أول الوقت بناء على جواز البدار وعليه فدليله متين بناء على جواز البدار ولكن الكلام في هذا الجواز.

(٦) أي أمر الصلاة وقد عرفت أن دليل ابن الجنيد مبني على جواز البدار فكان على الشارح مناقشته في هذا المبنى.

(٧) الوسائل الباب ٣٠٠. من أبواب التيمم حديث ١.

(٨) ضعفه بعمار لأنه فطحي ، مع أنه قد نص على وثاقته النجاشي والعلامة.

(٩) أي الحكم بالإعادة لأنه كان متيمما ثم وجد الماء هذا مع أن دليل ابن الجنيد على ما تقدم لم يعتمد على هذه الرواية فضلا عن أنها ظاهرة في أنه صلى بالثوب النجس لا أنه صلى عريانا حتى تصلح دليلا لقول ابن الجنيد.

(١٠) بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح عبد الله بن سنان : (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ـ

٤٤٢

من يتركه تشاغلا بالدنيا لقي الله مستخفّا متهاونا مضيّعا لسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (فإن عجز عن القضاء تصدّق) عن كل ركعتين بمدّ ، فإن عجز فعن كل أربع ، فإن عجز فعن صلاة الليل بمدّ ، وعن صلاة النهار بمدّ ، فإن عجز فعن كل يوم بمدّ ، والقضاء أفضل من الصدقة.

(ويجب على الولي) (١) وهو الولد الذكر الأكبر. وقيل : ...

______________________________________________________

ـ يقول : إن العبد يقوم فيقضي النافلة فيعجب الرب ملائكته منه فيقول : ملائكتي عبدي يقضي ما لم افترضه عليه) (١).

وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قلت له : أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري هو. من كثرتها. كيف يصنع؟ قال عليه‌السلام : فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها ، فيكون قد قضى بقدر علمه من ذلك. قلت له : فإنه لا يقدر على القضاء ، فقال عليه‌السلام : إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي‌ء عليه ، وإن كان شغله لجمع الدنيا والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء ، وإلا لقي الله وهو مستخف متهاون مضيّع لسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قلت : فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزئ أن يتصدق؟ فسكت مليا ثم قال : فليتصدق بصدقة ، قلت : فما يتصدق؟ قال عليه‌السلام : بقدر طوله ، وأدنى ذلك مد لكل مسكين مكان لكل صلاة ، قلت : وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ قال عليه‌السلام : لكل ركعتين من صلاة الليل مد ، ولكل ركعتين من صلاة النهار مدّ ، فقلت : لا يقدر ، فقال : مدّ. إذا.

لكل أربع ركعات من صلاة النهار ، ومدّ لكل أربع ركعات من صلاة الليل.

قلت : لا يقدر ، قال : فمد ، إذا. لصلاة الليل ومد لصلاة النهار ، والصلاة أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل) (٢).

(١) فعن الشيخ وأكثر المتأخرين أنه الولد الأكبر ، وعن المفيد إن لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من أهله وإن لم يكن فمن النساء.

ومستند المشهور صحيح حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال عليه‌السلام : يقضي عنه أولى الناس بميراثه ، قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال عليه‌السلام : لا إلا الرجال) (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب إعداد الفرائض حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب إعداد الفرائض حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث ٥.

٤٤٣

كلّ وارث (١) مع فقده (قضاء ما فات أباه) (٢) من الصلاة ...

______________________________________________________

ـ ومرسل حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان من يقضي عنه؟ قال : أولى الناس به ، قلت : وإن كان أولى الناس به امرأة؟

قال : لا إلا الرجال) (١).

والمراد منه هو الولد الأكبر بسبب اختصاصه بالحباء ولذا قال الشهيد في الذكرى بأن الأكثر قد قرنوا بين الحبوة وبين قضاء الصلاة ولعله هو المراد من خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه ، قال : يقضيه أفضل أهل بيته) (٢).

هذا وصريح صحيح حفص والمرسل اختصاص الوجوب بالنساء ، وعدم اختصاص الوجوب بالولد الأكبر بل تعلقه بالأولى بالميراث من الذكور مطلقا ولكن لم يعمل به إلا ابن الجنيد وابنا بابويه وجماعة كما في المدارك.

وأما مستند المفيد فليس له إلا ما في الدروس بعد أن حكى قول المفيد قال : «وهو ظاهر القدماء والأخبار والمختار» وهو غير جيد لصريح صحيح حفص المتقدم بنفيه عن النساء.

(١) أي كل وارث من الرجال مع نقد الأكبر وإن لم يكن فمن النساء وكما عن المفيد.

(٢) كما هو المشهور بين الأصحاب وعن جماعة منهم ابن إدريس والمحقق والشهيد الثانيين إلحاق المرأة به.

مستند المشهور اختصاص أكثر النصوص بالرجل كما في صحيح حفص ومرسل حماد المتقدمين. ومستند غيرهم إطلاق بعض النصوص كخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميت يقضي عنه أولى الناس به) (٣) ولفظ الميت يشمل الرجل والمرأة ، وهذا الإطلاق لا يقتضي تقييده بالرجل الوارد في الأخبار السابقة لأنه لم يكن ذكره من باب التقييد ويؤيده بل يدل عليه ما دل على وجوب قضاء الصوم عن المرأة كما في خبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ فقال : أما الطمث والمرض فلا ، وأما السفر فنعم) (٤). وإذا تم في الصوم فيتم في الصلاة لعدم الفرق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث ١١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قضاء الصلوات حديث ١٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث ٤.

٤٤٤

(في مرضه) (١) الذي مات فيه. (وقيل) : ما فاته (مطلقا وهو أحوط) ، وفي الدروس قطع بقضاء مطلق ما فاته ، وفي الذكرى (٢) نقل عن المحقق وجوب قضاء ما فاته لعذر كالمرض ، والسفر والحيض ، لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه ، ونفي عنه البأس. ونقل عن شيخه عميد الدين نصرته. فصار للمصنّف في المسألة ثلاثة أقوال (٣) ، والروايات تدلّ بإطلاقها على الوسط (٤) والموافق للأصل (٥) ما اختاره هنا.

______________________________________________________

(١) المشهور على أنه يقضى جميع ما فات عن الميت ، وعن المحقق والشهيدين يقضى ما فاته لعذر ، وعن الحلي وابن سعيد لا يقضى إلا ما فاته في مرض الموت ومستند المشهور إطلاق الأخبار وقد تقدم بعضها.

ودليل القول الثاني انصراف النصوص إليه لندرة الترك العمدي من المسلم وبأن المتعمد للترك مؤاخذ بذنبه فلا يناسب مؤاخذة الولي به لقوله تعالى : (وَلٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ) (١) ، وفيه : أما الندرة فممنوعة بالإضافة إلى أن ندرة الوجود لا توجب الانصراف وأما عدم الناسبة فهو استحسان محض.

ودليل القول الثالث خبر ابن سنان المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميت يقضي عنه أولى الناس به) (٢) وفيه إنه لا يدل على اختصاص القضاء بما فاته في مرض الموت.

(٢) قال الشهيد فيها : (وقال الشيخ نجم الدين بن سعيد. إلى أن قال. : وفي البغدادية له المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم الشغري (رحمه‌الله) : الذي ظهر لي أن الولد يلزمه قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة لعذر كالمرض والسفر والحيض ، لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه ، وقد كان شيخنا عميد الدين (قدس الله لطيفه) ينصر هذا القول ولا بأس به ، فإن الروايات تحمل على الغالب من الترك وهو إنما يكون على هذا الوجه ، أما تعمد ترك الصلاة فإنه نادر).

(٣) قول في اللمعة بقضاء ما فات حال مرض الموت ، وقول في الدروس بقضاء مطلق ما فاته ، وقول في الذكرى بقضاء ما فاته لعذر.

(٤) وهو قضاء مطلق ما فاته.

(٥) أصالة البراءة.

__________________

(١) فاطر الآية : ١٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قضاء الصلوات حديث ١٨.

٤٤٥

وفعل الصلاة على غير الوجه المجزي شرعا كتركها عمدا للتفريط واحترز المصنف بالأب عن الأم ونحوها من الأقارب ، فلا يجب القضاء عنهم على الوراث في المشهور (١) ، والروايات مختلفة ، ففي بعضها ذكر الرجل وفي بعض الميت.

ويمكن حمل المطلق على المقيد (٢) خصوصا في الحكم المخالف (٣) للأصل ، ونقل في الذكرى عن المحقق وجوب القضاء عن المرأة ونفى عنه البأس ، أخذا بظاهر الروايات ، وحملا للفظ «الرجل» على التمثيل.

ولا فرق. على القولين (٤). بين الحر والعبد على الأقوى (٥) وهل يشترط كمال الولي عند موته (٦)؟ قولان (٧) ، واستقرب في الذكرى اشتراطه لرفع القلم عن الصبيّ والمجنون ، وأصالة البراءة بعد ذلك ، ووجه الوجوب عند بلوغه إطلاق النص وكونه (٨) في مقابلة الحبوة ولا يشترط خلوّ ذمته (٩) من صلاة واجبة لتغاير السبب فيلزمان معا.

وهل يجب تقديم ما سبق سببه؟ وجهان (١٠) اختار في الذكرى الترتيب وهل

______________________________________________________

(١) قد تقدم الكلام فيه.

(٢) فيما لو كان المقيد واردا في مقام بيان المراد من المطلق وقد عرفت أن المقيد هنا ليس كذلك.

(٣) لأن الأصل عدم الوجوب على الولي إلا ما ثبت بدليل.

(٤) القول بقضاء ما فات الأب أو الأعم منه ومن الأم.

(٥) على المشهور لإطلاق النصوص المتقدمة ، وفي القواعد : (في القضاء عن العبد إشكال) وعن فخر المحققين الجزم بالعدم بدعوى أن الأولى بالعبد سيده لا ولده الأكبر أو غيره من الذكور في طبقات الإرث ، ولا خلاف في عدم وجوب القضاء على السيد بالنسبة لما فات من عبده.

(٦) أي عند موت الأب.

(٧) قول بعدم اعتبار كمال الولي كما عن غير واحد وعليه فيجب على الولي القضاء بعد البلوغ والعقل لإطلاق النصوص المتقدمة ، وعن الذكرى والإيضاح وغيرهما الجزم بالعدم لحديث : (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يستفيق) ولاصالة البراءة.

(٨) أي قضاء الولي.

(٩) ذمة الولي وذلك لإطلاق النصوص المتقدمة.

(١٠) مبنيان على وجوب الترتيب وعدمه.

٤٤٦

له (١) استئجار غيره؟ يحتمله ، لأن المطلوب القضاء (٢) ، وهو مما يقبل النيابة بعد الموت ، ومن تعلّقها بحيّ ، واستنابته ممتنعة. واختار في الذكرى المنع ، وفي صوم الدروس الجواز ، وعليه يتفرّع تبرّع غيره به والأقرب اختصاص الحكم بالولي فلا يتحمّلها وليّه (٣) وإن تحمّل ما فاته عن نفسه. ولو أوصى الميت بقضائها على وجه تنفذ (٤) سقطت (٥) عن الولي ، وبالبعض (٦) وجب الباقي.

(ولو فات المكلّف) من الصلاة (ما لم يحصه) لكثرته (تحرّى) أي اجتهد في تحصيل ظن بقدر (ويبني على ظنه) (٧) ، وقضى ذلك القدر سواء كان الفائت متعددا كأيام كثيرة ، أم متحدا كفريضة مخصوصة (٨). ولو اشتبه الفائت في عدد منحصر عادة (٩) وجب قضاء ما تيقّن به البراءة كالشكّ بين عشر وعشرين ، وفيه

______________________________________________________

(١) للولي ، هل يسقط القضاء عن الولي فيما لو تبرع به الأجنبي قولان :

الأول : السقوط لحصول براءة ذمة الميت مما فاته لأن المطلوب هو تفريغ ذمته وهذا لا يفرق فيه بين الولي وغيره.

وذهب ابن إدريس والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى إلى المنع لأن المتبرع نائب عن الحي ولا تشرع النيابة عن الحي وفيه : إنه نائب عن الميت وليس عن الحي وإذا عرفت هذا فتعرف حكم استئجار الولي لغيره لأن الاستئجار متفرع على جواز التبرع.

(٢) بمعنى تفريغ ذمة الميت مما فاته.

(٣) أي ولي الولي لأن الواجب على الولي قضاء ما فات عن الميت من صلاة نفسه لا ما وجب عليه بالاستئجار أو لكونه وليا لانصراف النصوص إلى ذلك.

(٤) فيما لو كانت بالثلث من ماله.

(٥) أي فائتة الميت.

(٦) أي ولو أوصى بالبعض على نحو تنفذ الوصية فيسقط هذا البعض ويجب الباقي على الولي.

(٧) أي على الظن بالوفاء عند تعذر تحصيل العلم وإلا لوجب تحصيل العلم كما في الروض ، وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك ، لقاعدة الاشتغال.

وعن العلامة في التذكرة الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته خاصة لأن الأمر دائر بين الأقل والأكثر الارتباطيين فلا يجب إلا الأقل لجريان أصالة البراءة عن الأكثر وهو الأقوى.

(٨) كما لو فاتته صلاة الصبح ولم يدر عدد الأيام التي فاتته صلاة الصبح فيه.

(٩) كتردد الفائت بين العشرة والعشرين مثلا.

٤٤٧

وجه (١) بالبناء على الأقل وهو ضعيف.

(ويعدل إلى) الفريضة (السابقة لو شرع في) قضاء (اللاحقة) ناسيا مع إمكانه (٢) ، بأن لا يزيد عدد ما فعل عن عدد السابقة ، أن تجاوزه ولمّا يركع في الزائدة مراعاة للترتيب حيث يمكن. والمراد بالعدول أن ينوي بقلبه تحويل هذه الصلاة إلى السابقة. إلى آخر مميزاتها. متقرّبا. ويحتمل عدم اعتبار باقي المميزات ، بل في بعض الأخبار دلالة عليه (٣).

(ولو تجاوز محلّ العدول) بأن ركع في زائدة عن عدد السابقة (أتمّها (٤) ثم تدارك السابقة لا غير) لاغتفار الترتيب (٥) مع النسيان ، وكذا لو شرع في اللاحقة ثم علم (٦) أن عليه فائتة ، ولو عدل إلى السابقة ثم ذكر سابقة أخرى عدل إليها (٧) ، وهكذا ، ولو ذكر بعد العدول براءته من المعدول إليها عدل إلى اللاحقة

______________________________________________________

(١) أي في الأخير. وهو فيما دار في عدد منحصر. على ما هو الظاهر من العبارة مع أن مناط الاكتفاء بالأقل جار في الجميع.

(٢) أي مع إمكان العدول إذا شرع في اللاحقة نسيانا ، وجواز العدول مما لا خلاف فيه كما في الجواهر ويدل عليه النصوص الكثيرة وقد تقدم بعضها في بحث ترتيب الفائتة على الحاضرة خصوصا صحيح زرارة الطويل عن أبي جعفر عليه‌السلام ، نعم على القول بوجوب الترتيب يجب العدول وإلا استحب.

(٣) كصحيح زرارة الطويل عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : (فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة ، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى وفي الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة) (١).

(٤) كما يدل عليه صحيح زرارة الطويل عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢) وتقدم ذكره في بحث وجوب الترتيب.

(٥) حتى على القول بوجوبه فضلا عن استحبابه.

(٦) بخلاف الفرع السابق فإنه كان عالما ثم نسي حتى دخل في اللاحقة.

(٧) النصوص التي تعرضت للعدول من الحاضرة إلى الفائتة وقد تقدم ذكر بعضها في بحث ترتيب الفوائت لم تذكر إلا العدول من حاضرة إلى فائتة ولكن ذهب الشهيدان في البيان ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

٤٤٨

المنوية أولا ، أو فيما بعده ، فعلى هذا يمكن ترامي العدول ودوره.

وكما يعدل من فائتة إلى مثلها فكذا من حاضرة إلى مثلها كالظهرين لمن شرع في الثانية ناسيا (١) ، وإلى فائتة استحبابا على ما تقدّم (٢) ، أو وجوبا على القول الآخر ، ومن الفائتة إلى الأداء أو ذكر براءته منها (٣) ، ومنهما (٤) إلى النافلة في موارد (٥) ، ومن النافلة إلى مثلها (٦) ، لا إلى فريضة (٧) ، وجملة صوره (٨) ست

______________________________________________________

ـ والروضة إلى جواز ترامي العدول لعدم خصوصية مورد تلك النصوص.

(١) بالاتفاق ويدل عليه الأخبار منها : صحيح زرارة الطويل عن أبي جعفر عليه‌السلام : (وإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الأولى ، ثم صل الركعتين الباقيتين ، وقم فصل العصر. إلى أن قال : وإن كنت ذكرتها.

أي المغرب. وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة) (١).

(٢) من عدم وجوب الترتيب بين الفائتة والحاضرة.

(٣) أي من الفائتة.

(٤) أي من الفائتة والحاضرة.

(٥) مثل العدول من الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة سورة الجمعة فيها كما في خبر صباح بن صبيح : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ ب (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) قال عليه‌السلام : يتمها ركعتين ثم يستأنف) (٢). ومثل العدول من فريضة حاضرة أو فائتة إلى نافلة لإدراك الجماعة كما في صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي إذا أذّن المؤذن وأقام الصلاة قال : فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام وليكن الركعتان تطوعا) (٣).

(٦) كما لو عدل من نافلة غير موقتة إلى نافلة موقتة لإسقاط خصوصية ما دل على العدول في الفرائض بل في النوافل أولى.

(٧) لأن الأصل هو عدم جواز العدول إلا بدليل والمفروض عدمه في المقام.

(٨) صور العدول.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة حديث ١.

٤٤٩

عشرة ، وهي الحاصلة من ضرب صور المعدول عنه وإليه (١) وهي أربع نفل ، وفرض ، أداء وقضاء في الآخر (٢).

(مسائل)

(الأولى. ذهب المرتضى وابن الجنيد وسلّار إلى وجوب تأخير أولي الأعذار (٣) إلى آخر الوقت) محتجين بإمكان إيقاع الصلاة تامة بزوال العذر ، فيجب كما يؤخّر المتيمم بالنصّ (٤) ، وبالإجماع على ما ادّعاه المرتضى ، (وجوّزه الشيخ أبو جعفر الطوسي) (رحمه‌الله) (أول الوقت) وإن كان التأخير أفضل. (وهو الأقرب) لمخاطبتهم بالصلاة من أول الوقت بإطلاق الأمر (٥) فتكون (٦) مجزئة للامتثال.

وما ذكروه من الإمكان (٧) معارض بالأمر (٨) ، واستحباب المبادرة إليها في أول الوقت (٩). ومجرد الاحتمال لا يوجب القدرة على الشرط ، ويمكن فواتها بموت وغيره فضلا عنه (١٠) ، والتيمّم خرج بالنصّ ، وإلا لكان من جملتها (١١).

______________________________________________________

(١) أي وصور المعدول إليه.

(٢) إلا أن العدول لا يصح في أربع صور وهي صور العدول من النافلة الموقتة وغيرها إلى الفريضة أداء وقضاء وفي الباقي يصح.

(٣) كمن لم يجد لباسا يستر به عورته.

(٤) متعلق بقوله : (كما يؤخر المتيمم) ويدل عليه أخبار منها : موثق ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (فإذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض) (١).

(٥) أمر الصلاة.

(٦) أي الصلاة في أول الوقت مجزئة لامتثال هذا الأمر.

(٧) أي إمكان إيقاع الصلاة تامة بزوال العذر.

(٨) بالأمر بالصلاة.

(٩) تقدم الدليل على استحباب المبادرة.

(١٠) (أي عن استمرار العذر المانع) كما علّقه الشارح.

(١١) أي من جملة الأعذار.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب التيمم حديث ٣.

٤٥٠

نعم يستحبّ التأخير مع الرجاء خروجا من خلافهم ، ولولاه لكان فيه نظر.

(الثانية. المروي في المبطون) وهو من به داء البطن. بالتحريك. من ريح ، أو غائط (١) على وجه لا يمكنه منعه مقدار الصلاة (الوضوء) لكل صلاة (٢)

______________________________________________________

(١) فإن كان من بول فهو المسلوس.

(٢) ذهب المشهور إلى تجديد الوضوء لكل صلاة بالنسبة للمسلوس ، لأن الأصل في الحدث الطارئ بعد الطهارة إيجاب الطهارة لكن عفي بمقدار الضرورة وهو فعل الصلاة الواحدة فيبقى الباقي على الأصل.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى جعله كالمستحاضة بالنسبة للغسل فكما تجمع صلوات اليوم أو صلاتين بغسل واحد فكذا المسلوس يجوز له الجمع مطلقا من غير وضوء لموثق سماعة : (سألته عن رجل أخذه تقطيره من فرجه إما دم وإما غيره قال : فليضع خريطة وليتوضأ وليصل فإنما ذلك بلاء أبتلي به ، فلا يعيدنّ إلا من الحدث الذي يتوضأ منه) (١) وذهب العلامة إلى الجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد وكذا بين المغرب والعشاء لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثم علقه عليه وادخل ذكره فيه ، ثم صلى يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر ، يؤخر الظهر ويعجل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح) (٢) هذا كله إذا لم يكن له فترة تسع الطهارة والصلاة وإلا فيجب الانتظار إلى تلك الفترة وتحصيل الصلاة بطهارة.

ثم هذا كله في المسلوس وأما المبطون فعن المشهور أنه إذا توضأ لكل صلاة وتجدد حدثه في الصلاة يتوضأ ويبني على ما مضى من صلاته ، أما الوضوء لكل صلاة لما تقدم في المسلوس ، وأما الوضوء في أثناء الصلاة والبناء على ما مضى منها لموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي) (٣) وهو موثق لاشتمال طريقه على عبد الله بن بكير وهو فطحي.

وذهب العلامة في المختلف إلى عدم وجوب الطهارة في داخل الصلاة أو قبلها بعد الوضوء لكل صلاة ، لأن الحدث المذكور وهو الواقع في أثناء الصلاة لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة لأن شرط الصلاة استمرار الطهارة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٤.

٤٥١

(والبناء) على ما مضى منها (إذا فجأه الحدث) في أثنائها بعد الوضوء (١) واغتفار هذا الفعل (٢) وإن كثر ، وعليه جماعة من المتقدمين ، (وأنكره بعض الأصحاب) المتأخرين ، وحكموا باغتفار ما يتجدّد من الحدث بعد الوضوء (٣) ، سواء وقع في الصلاة أم قبلها إن لم يتمكن من حفظ نفسه مقدار الصلاة ، وإلا استأنفها ، محتجين بأن الحدث المتجدّد لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة (٤) ، لأن المشروط عدم عند عدم شرطه ، وبالأخبار الدالة على أن الحدث يقطع الصلاة (٥).

(والأقرب الأول لتوثيق رجال الخبر) الدالّ على البناء على ما مضى من الصلاة بعد الطهارة (عن الباقر عليه‌السلام) ، والمراد توثيق رجاله على وجه يستلزم صحة الخبر ، فإن التوثيق أعمّ منه عندنا ، والحال أن الخبر الوارد في ذلك صحيح باعتراف الخصم (٦) ، فيتعين العمل به لذلك (وشهرته بين الأصحاب) خصوصا

______________________________________________________

(١) بعد الوضوء في أثناء الصلاة.

(٢) أي الوضوء في أثناء الصلاة.

(٣) أي بعد الوضوء لكل صلاة.

(٤) لأن من شرطها استمرار الطهارة على ما تقدم بيانه.

(٥) كخبر أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليهما‌السلام : (لا يقطع الصلاة إلا أربعة : الخلاء والبول والريح والصوت) (١).

(٦) قال العلامة في المختلف في الفصل الرابع في بقايا أحكام الوضوء : (قال بعض علمائنا يتطهر ويبني على صلاته لما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام قال : صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني على صلاته) (٢).

ومن باب الفائدة اعلم أن هذا الخبر قد أورده الشيخ في التهذيب بإسناده عن العياشي أبي النضر عن محمد بن نصير عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن عبد الله بن بكير عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : (صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي) (٣) وهو موثق وهو غير الخبر الذي رواه الصدوق في ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٢.

(٢) المختلف ص ٢٨ طبع طهران مكتبة نينوى الحديثة.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٣٥٠ ح ١٠٣٦ وقد أخرجه في الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٤

٤٥٢

المتقدمين ، ومن خالف حكمه أوّله (١) بأن المراد بالبناء الاستئناف.

وفيه : أن البناء على الشي‌ء يستلزم سبق شي‌ء منه يبنى عليه ، ليكون الماضي بمنزلة الأساس لغة وعرفا ، مع أنهم (٢) لا يوجبون الاستئناف ، فلا وجه لحملهم عليه (٣). والاحتجاج بالاستلزام مصادرة (٤) ، وكيف يتحقق ...

______________________________________________________

ـ الفقيه بسند صحيح عن محمد بن مسلم (١) وقد تقدم عند نقل كلام المختلف ، ولذا في الخبر الأول قال : (ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي) وفي الثاني : (ويبني على صلاته) ، فالماتن نظر إلى خبر التهذيب فحكم بتوثيقه ، والشارح تبعا للعلامة في المختلف نظر إلى خبر الفقيه وبهذا تبين لا داعي للقول بأن التوثيق عندنا أعم منه عنده.

(١) أي أول الخبر قال الشارح في روض الجنان : «واحتمل بعض المحققين في الرواية الأولى أن يراد بالبناء فيها الاستئناف إذ لا امتناع في أن يراد بالبناء على الشي‌ء فعله ، وفيه نظر ، بل البناء على الشي‌ء يستلزم سبق شي‌ء منه حتى يبنى عليه ، كأنّ الماضي منه بمنزلة الأساس الذي يترتب عليه ، وأورد على الروايتين معا معارضتهما لغيرهما من الأخبار الدالة على أن الحدث يقطع الصلاة وهو ضعيف ، لأن عام تلك الأخبار أو مطلقها مخصص أو مقيد إجماعا بالمستحاضة والسلس ، فلا وجه لعدم إخراج هذا الفرد مع النص عليه بالتعيين» (٢) ومراده من الروايتين هو : صحيح ابن مسلم المروي في الفقيه وقد تقدم ، وصحيح الفضيل بن يسار : (قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إني أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا ، فقال : انصرف ثم توضأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الكلام متعمدا ، وإن تكلمت ناسيا فلا شي‌ء عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا ، قلت : وإن قلّب وجهه عن القبلة ، قال : نعم وإن قلّب وجهه عن القبلة) (٣).

هذا من جهة ومن جهة أخرى فمراده من بعض المحققين هو المحقق الثاني.

(٢) كالعلامة والمحقق الثاني اللذين لم يأخذا بخبر البناء على ظاهره ، والمعنى فلو حملنا البناء على الاستئناف كما عن المحقق الثاني لوجب أن يستأنف الصلاة من رأس إذا أحدث في أثناء الصلاة وتوضأ ، مع أنهما يكتفيان بالوضوء لكل صلاة.

(٣) أي لحمل البناء على الاستئناف.

(٤) توضيح ذلك : أن العلامة في المختلف كما تقدم استدل على عدم الوضوء للحدث ـ

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٢٣٧ باب صلاة المريض ح ١١.

(٢) روض الجنان ص ٤٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٩.

٤٥٣

التلازم (١) مع ورود النصّ الصحيح (٢) بخلافه ، والأخبار الدالة (٣) على قطع مطلق الحدث لها (٤) مخصوصة بالمستحاضة والسلس اتفاقا ، وهذا الفرد يشاركهما (٥) بالنص الصحيح ، ومصير جمع إليه ، وهو كاف في التخصيص. نعم هو غريب (٦) لكنه ليس بعادم للنظير ، فقد ورد صحيحا قطع الصلاة والبناء عليها في غيره (٧) ...

______________________________________________________

ـ المتجدد في أثناء الصلاة بأن الحدث المتكرر في أثناء الصلاة لو أفسد الطهارة لأبطل الصلاة لأن شرط صحة الصلاة استمرار الطهارة ، وقال الشهيد في الذكرى «هذا من العلامة مصادرة» وتبعه على ذلك الشارح في الروض حيث قال : «وهو مصادرة على المطلوب كما ذكره الشهيد (رحمه‌الله)» وكذلك سيد المدارك ، وتوضيح المصادرة أننا لا نسلم بالتلازم بين صحة الصلاة وبين استمرار الطهارة إذ تبقى الصلاة صحيحة وإن انتفت الطهارة كما في المسلوس والمستحاضة إلا أن المحقق الثاني ذهب (إلى أن الطهارة شرط الصلاة إجماعا والمشروط عدم عند عدم شرطه ، والحدث مانع اتفاقا لإخلاله بالشرط ، وليس في هذا مصادرة بوجه) كما نقله الشارح عنه في الروض.

إلا أنه رده بقوله : (وهو ضعيف جدا فإن المصادرة نشأت من ادعاء الملازمة بين نقض الطهارة وبطلان الصلاة مع ورود النص الصحيح على فساد هذه الملازمة ، فلا معنى حينئذ لدفعها بدعوى الإجماع على أن الطهارة شرط الصلاة مع تخلفها في مواضع كثيرة.

ثم قال : وأجيب بأن الاحتجاج ليس هو بانتقاض الطهارة هنا الذي هو محل النزاع حتى تكون مصادرة بل الأدلة الدالة بعمومها على إعادة الصلاة بالحدث وقد عرفت أن الأدلة التي تدعيها مخصوصة أو مقيدة إجماعا فاندفع الجواب أيضا) انتهى.

(١) بين نقض الطهارة وبطلان الصلاة.

(٢) وهو صحيح محمد بن مسلم المتقدم.

(٣) كخبر أبي بكر الحضرمي المتقدم.

(٤) للصلاة.

(٥) أي المبطون يشارك المستحاضة والمسلوس.

(٦) بأن يقطع الطهارة ولا يقطع الصلاة.

(٧) كما في إنقاذ الفريق وأخذ المال من الغريم ففي موثق سماعة : (سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه قال : يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة ، قلت : فيكون في الفريضة فتغلب عليه دابة أو تغلب دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب فيها عنت ، فقال : لا بأس بأن يقطع صلاته ـ

٤٥٤

مع أن الاستبعاد غير مسموع (١).

(الثالثة. يستحبّ تعجيل القضاء) استحبابا مؤكدا (٢) ، سواء الفرض والنفل ، بل الأكثر على فورية (٣) قضاء الفرض ، وأنه لا يجوز الاشتغال عنه (٤) بغير الضروري من أكل ما يمسك الرمق ، ونوم يضطر إليه ، وشغل يتوقف عليه (٥) ، ونحو ذلك (٦) وأفرده (٧) بالتصنيف جماعة ، وفي كثير من الأخبار (٨) دلالة عليه ، إلا أن حملها على الاستحباب المؤكّد طريق الجميع بينها وبين ما دلّ على التوسعة.

(ولو كان) الفائت (نافلة لم ينتظر بقضائها مثل زمان فواتها) من ليل أو نهار ، بل يقضي نافلة الليل نهارا وبالعكس (٩) ، لأن الله تعالى جعل كلا منهما

______________________________________________________

ـ ويتحرز ويعود إلى صلاته) (١) وخبر إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام : (في رجل يصلي ويرى الصبي يحبو إلى النار ، أو الشاة تدخل البيت لتفسد الشي‌ء فقال : فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبني على صلاته ما لم يتكلم) (٢).

(١) لورود النص وعمل جمع من الأصحاب به.

(٢) قد تقدم حمل أخبار المضايقة على الاستحباب جمعا بينها وبين أخبار المواسعة.

(٣) أي المضايقة وتقدم الكلام فيه.

(٤) عن القضاء.

(٥) أمر معاشه.

(٦) حتى ادعى المفيد والحلي الإجماع عليه كما تقدم.

(٧) أي الغور في قضاء الفرض.

(٨) وهي أخبار المضايقة وقد تقدم عرض أكثرها.

(٩) لطائفة من الأخبار منها : مرسل الصدوق : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار ، فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه ، أشهدكم أني قد غفرت له) (٣).

وخبر عنبسة العابد : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله (عزوجل) : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهٰارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرٰادَ شُكُوراً) قال : قضاء الليل بالنهار وقضاء النهار بالليل) ٤. ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٢ و ٣.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت حديث ٥ و ٢.

٤٥٥

خلفة للآخر ، وللأمر بالمسارعة إلى أسباب المغفرة (١) وللأخبار.

وذهب جماعة من الأصحاب إلى استحباب المماثلة استنادا إلى رواية (٢) إسماعيل الجعفي عن الباقر عليه‌السلام : «أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل ، وصلاة النهار بالنهار» ، وغيرها. وجمع بينهما بالحمل على الأفضل والفضيلة ، إذ عدم انتظار مثل الوقت فيه مسارعة إلى الخير وهو فضل. كذا أجاب في الذكرى ، وهو يؤذن بأفضلية المماثلة ، إذا لم يذكر الأفضل إلا في دليلها (٣). وأطلق في باقي كتبه استحباب التعجيل ، والأخبار به كثيرة (٤) إلا أنها خالية عن الأفضلية.

(وفي جواز النافلة لمن عليه فريضة قولان ، أقربهما الجواز) (٥) للأخبار

______________________________________________________

ـ وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن علي بن الحسين عليه‌السلام كان إذا فاته شي‌ء من الليل قضاه بالنهار) (١).

(١) لقوله تعالى : (وَسٰارِعُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (٢).

(٢) وهي موثقة (٣) ومثلها خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار ، وما فاتك من صلاة الليل بالليل) (٤) ذهب إليه المفيد وابن الجنيد.

(٣) أي دليل المماثلة وهو موثق إسماعيل الجعفي المتقدم في الشرح. وكذا في صحيح بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر عليه‌السلام : (أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر الليل ، وليس بأس أن يقضيها بالنهار وقبل أن تزول الشمس) (٥).

(٤) أي بالتعجيل كخبر عنبسة العابد المتقدم.

(٥) كما عن الصدوق والإسكافي والشهيدين والأردبيلي وسيد المدارك وجماعة خلافا للفاضلين وجماعة على المنع بل قيل إن المنع هو المشهور بل مذهب علمائنا.

واستدل للمنع بمرسل المبسوط والخلاف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا صلاة لمن عليه صلاة) (٦) وفي الذكرى قال : «للمروي عنهم عليهم‌السلام : لا صلاة لمن عليه صلاة» (٧).

وصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة) (٨) وصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن الرجل ينام عن الغداة ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت حديث ٨.

(٢) آل عمران الآية : ١٣٣.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت حديث ٦ و ٧ و ٣.

(٦ و ٧) أورده في المستدرك أيضا عن المفيد الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت حديث ٢.

(٨) الوسائل الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت حديث ٣.

٤٥٦

الكثيرة الدالة عليه (وقد بيّنا مأخذه في كتاب الذكرى) (١) بإيراد ما ورد فيه من الأخبار ، وحرّرنا نحن ما فيه في شرح الإرشاد (٢).

واستند المانع أيضا إلى أخبار دلّت على النهي ، وحمله على الكراهة طريق الجمع. نعم يعتبر عدم إضرارها بالفريضة ، ولا فرق بين ذوات الأسباب وغيرها (٣).

______________________________________________________

ـ حتى تبزغ الشمس أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال عليه‌السلام : يصلي حين يستيقظ ، قلت : يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال عليه‌السلام : بل يبدأ بالفريضة) (١) وصحيح زرارة المروي في الروض والمدارك : (قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلي النافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال عليه‌السلام : لا ، لأنه لا تصلي نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك أن تتطوع حتى تقضيه؟ قلت : لا ، قال عليه‌السلام : فكذلك الصلاة) (٢).

وهي معارضة بأخبار تدل على الجواز منها : موثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس فقال عليه‌السلام : يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة) (٣).

وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قلت له : رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فيخاف أن يدركه الصبح ولم يصل صلاة ليلته تلك ، قال عليه‌السلام : يؤخر القضاء ويصلي صلاة ليلته تلك) (٤) والأخبار المشتملة على رقود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صلاة الصبح ونافلتها وأنه قضاهما مقدما للنافلة على الفريضة (٥).

والجمع بينهما يقتضي حمل المنع على الكراهة.

(١) المسألة ١١ من الفصل الثالث في أحكام الرواتب ص ١٣٠.

(٢) وهو روض الجنان ص ١٨٣.

(٣) وهي المبتدئة للإطلاق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت حديث ٤.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت حديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت حديث ٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت حديث ٦ والمستدرك باب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

٤٥٧

(الفصل التاسع. في صلاة الخوف) (١)

______________________________________________________

(١) مشروعيتها غير مختصة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بالاتفاق منا ومن الجمهور ولم يخالف إلا أبو يوسف فخصها به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وضعفه ظاهر للأخبار التي سيمر عليك بعضها. هذا فضلا عن صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام لها في ليلة الهرير بعد انتقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الرفيق الأعلى كما في صحيح الفضلاء. زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم. عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال فإنه كان يصلي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه ، فإذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال فإن أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة صفين ، وهي ليلة الهرير ، لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلا التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء ، فكانت تلك صلاتهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة) (١).

وفي مرسل الطبرسي في مجمع البيان : (روي أن عليا عليه‌السلام صلى ليلة الهرير خمس صلوات بالإيماء) (٢).

واستدل له بظاهر الآية : (وَإِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكٰافِرِينَ كٰانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً وَإِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلٰاةَ فَلْتَقُمْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذٰا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرٰائِكُمْ وَلْتَأْتِ طٰائِفَةٌ أُخْرىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (٣). بدعوى أن قوله تعالى : (وَإِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ) دليل على الاشتراط لأن المفهوم فإذا لم تكن فيهم فلا صلاة.

وفيه : إن غاية ما يستفاد من الآية بيان كيفية الصلاة جماعة إذا كان معهم ولا تدل على اشتراط مشروعية الحكم بحضوره صلوات الله عليه وآله.

هذا وعن المزني من علماء العامة أن الآية منسوخة بتأخير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الخندق أربع صلوات اشتغالا بالقتال ولم يصل صلاة الخوف.

ويرده ما عن غير واحد أن الحكم في حال الخوف قبل نزول الآية هو تأخير الصلاة إلى ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الخوف حديث ٨ و ١٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الخوف حديث ٨ و ١٠.

(٣) النساء الآية : ١٠١ ـ ١٠٢.

٤٥٨

(وهي مقصورة (١) سفرا) (٢) إجماعا ، (وحضرا) على الأصح للنص وحجة

______________________________________________________

ـ حين حصول الأمن فيقضي فنسخ هذا لصلاة الخوف عند نزول هذه الآية ، فلذا أخر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الخندق أربع صلوات ثم قضاها ، فالآية ناسخة لحكم وليست منسوخة به.

(١) من حيث الكمية فترد الرباعية إلى ركعتين وتبقى الثلاثية والثنائية على حالهما كما تدل عليه الأخبار الكثيرة المتضمنة لصلاة الخوف منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قلت له : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جميعا؟ قال : نعم وصلاة الخوف أحقّ أن تقصّر من صلاة السفر لأن فيها خوفا) (١).

وعن ابن الجنيد أن التقصير في صلاة الخوف هو رد الركعتين إلى ركعة ، بمعنى أن صلاة الخوف إنما تكون عند السفر على قول سيأتي ، فصلاة السفر ركعتان وصلاة الخوف ركعة واحدة ويشهد له صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في قول الله (عزوجل) : (وَإِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقال عليه‌السلام : هذا تقصير ثان ، وهو أن يردّ الرجل الركعتين إلى ركعة) (٢).

وخبر إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (فرض الله على المقيم أربع ركعات ، وفرض على المسافر ركعتين تمام ، وفرض على الخائف ركعة ، وهو قول الله (عزوجل) : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، يقول : من الركعتين فتصير ركعة) (٣). فلا بد من تأويلهما أو حملهما على التقية لعدم مقاومتهما على ما دل على أن التقصير في صلاة الخوف كالتقصير في صلاة الخوف ولما ورد في كيفية صلاة الخوف وسيأتي التعرض لبعضه.

(٢) اتفق الجميع على تقصير صلاة الخوف في السفر جماعة وفرادى ، وفي الحضر كذلك على رأي جماعة منهم الشيخ والمرتضى وابن إدريس بل قيل إنه الأكثر ، وفي المعتبر عن بعض الأصحاب أنها تختص بالسفر خاصة لظاهر الآية : (وَإِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ إِنْ خِفْتُمْ) (٤).

وفيه : إن ذكر السفر قد جرى مجرى الغالب لأن الخوف إنما يكون في السفر غالبا ، وإلا ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الخوف حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الخوف حديث ٢ و ٤.

(٤) النساء الآية : ١٠١.

٤٥٩

مشترط السفر بظاهر الآية حيث اقتضت الجمع (١) مندفعة بالقصر للسفر المجرد عن الخوف (٢) ، والنصّ (٣) محكّم فيهما (٤) (جماعة) إجماعا ، (وفرادى) على الأشهر لإطلاق النص (٥). واستناد مشترطها (٦) إلى فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها جماعة لا يدلّ على الشرطية ، فيبقى ما دلّ على الإطلاق سالما وهي أنواع كثيرة (٧) تبلغ العشرة أشهرها صلاة ذات الرقاع ، فلذا لم يذكر غيرها ، ولها شروط أشار إليها بقوله (٨).

______________________________________________________

ـ فلو كانت صلاة الخوف مشروطة بالسفر لكان ذكر الخوف لغوا ما دام التقصير واحدا في الاثنين فضلا عن صحيح زرارة. المتقدم. عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قلت له : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصّران جميعا؟ قال : نعم وصلاة الخوف أحق أن تقصّر من صلاة السفر لأن فيها خوفا) (١) وهو مطلق يشمل صلاة الخوف في الحضر وهذا وإطلاق الآية والخبر يقتضي صحة صلاة الخوف جماعة وفرادى.

وذهب الشيخ في المبسوط وابن إدريس إلى اشتراط الجماعة في تقصيرها حضرا لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما صلاها جماعة وفيه : إن إيقاعها جماعة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدل على الاشتراط بالإضافة إلى ظاهر الآية والخبر المتقدمين.

(١) أي حيث اقتضت الآية الجمع بين السفر والخوف في صلاة السفر.

(٢) فيكون ذكر الخوف في الآية لغوا وهذا ما لا يمكن الالتزام فيتعين أن يكون المدار على الخوف وقد ذكر السفر من باب الغالب لأن الخوف غالبا إنما يكون في السفر.

(٣) وهو صحيح زرارة المتقدم.

(٤) أي في الخوف المجرد عن السفر ، وفي السفر المجرد عن الخوف.

(٥) وهو صحيح زرارة.

(٦) أي استناد من اشترط الجماعة في صلاة الخوف كالشيخ في المبسوط نعم كان على الشارح أن يقيد بالحضر.

(٧) اعلم أن المهم منها خمسة لأن صلاة الخوف إن صليت جماعة فلها ثلاث كيفيات صلاة ذات الرقاع وصلاة عسفان وصلاة بطن النخل ومع اشتداد الخوف عند تلاحم الصفين في القتال فتسمى بصلاة المطاردة وصلاة شدة الخوف فهي إما بالإيماء للركوع والسجود مع القراءة عند الإمكان وإما بالتسبيح بدل القراءة مع سقوط الإيماء للركوع والسجود.

(٨) شروطها ثلاثة :

الأول : إمكان تقسيم المسلمين فرقتين ، فرقة تحرس وفرقة تصلي ، والدليل عليه ظاهر إذ ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الخوف حديث ١.

٤٦٠