مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

ملكا له بالتبع موجب لقبول قوله على تقدير ادّعائه أو ادّعاء علمه بوجود شي‌ء في جوفه ، وعدم قصده بالبيع وإن كان بعيدا ، فيجب تعريفه لدى احتمال معرفته الموجبة لاستقلاله بالملكية وخروجه عن مرتبة التبعيّة.

ودعوى : أنّ هذا الاحتمال احتمال غير عقلائي بالنسبة إلى ما يوجد في جوف السمكة ، مدفوعة : بأنّ معنى إلحاقه بما يوجد في جوف الدابّة وجوب تعريف البائع لدى احتمال معرفته إيّاه احتمالا عقلائيّا ، كما في الدابّة ، غاية الأمر أنّ احتمال المعرفة في الثاني غالبا احتمال عقلائي ، وفي الأوّل بالعكس ، وهذا غير ضائر باتّحادهما في هذا الحكم ، فليتأمّل.

وقد ظهر بما ذكر أنّ ما أورده في الجواهر على كلام العلّامة بعد نقله بما لفظه : وفيه : أنّ المتّجه حينئذ الحكم بملكية الصيّاد لما في جوفها لا تعريفه إيّاها ، والظّاهر ـ إن لم يكن المقطوع به ـ خلافه ، بل قد يظهر ذلك من الأخبار أيضا.

كخبر أبي حمزة عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ : «أنّ رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا (١) ـ إلى أن قال ـ فأخذ غزلا فاشترى به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة ، فباعها بعشرين ألف درهم فجاء سائل فدقّ الباب ، فقال له الرجل : ادخل ؛ فقال له : خذ أحد الكيسين ، فأخذ أحدهما ، فانطلق ، فلم يكن أسرع من أن دقّ السائل الباب ، فقال له الرجل : ادخل ؛ فدخل فوضع الكيس مكانه ، ثمّ قال : كل هنيئا مريئا ، إنّما أنا ملك من ملائكة ربّك ، أراد ربّك أن يبلوك فوجدك عبدا شاكرا ، ثمّ ذهب» (٢).

__________________

(١) المحارف : الذي يقتر عليه في رزقه. الصحاح ٤ : ١٣٤٢.

(٢) الكافي ٨ : ٣٨٥ / ٥٨٥ ، الوسائل : الباب ١٠ من أبواب كتاب اللقطة ، الحديث ١.

٨١

وخبر حفص بن غياث عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ المروي عن الراوندي في (قصص الأنبياء) قال : «كان في بني إسرائيل رجل وكان محتاجا فألحّت عليه امرأته في طلب الرزق ، فابتهل إلى الله في الرزق فرأى في النوم أيّما أحبّ إليك ، درهمان من حلّ أو ألفان من حرام؟فقال : درهمان من حلّ ؛ فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه ، فأخذهما واشترى بدرهم سمكة وأقبل إلى منزله ، فلما رأته امرأته أقبلت عليه كاللائمة وأقسمت أن لا تمسّها ، فقام الرجل إليها ، فلمّا شقّ بطنها إذا بدرّتين فباعهما بأربعين ألف درهم» (١).

والمروي عن أمالي الصدوق عن علي بن الحسين ـ عليهما‌السلام ـ ، حديثا يشتمل على أنّ رجلا شكى إليه الحاجة فدفع إليه قرصتين ، قال له : «خذهما فليس عندنا غيرهما ، فإنّ الله يكشف بهما عنك» إلى أن قال : فلمّا شقّ بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين ، فباع اللؤلؤتين بمال عظيم فقضى منه دينه ، وحسنت بعد ذلك حاله (٢).

قيل : ونحوه المرويّ في (٣) تفسير العسكري ـ عليه‌السلام ـ (٤). انتهى (٥) ، لا يخلو (٦) عن نظر.

وأمّا الحكم بوجوب الخمس فيه : فيظهر ما فيه ممّا مرّ.

__________________

(١) قصص الأنبياء ١٨٤ / ٢٢٤ ، الوسائل : الباب ١٠ من أبواب كتاب اللقطة ، الحديث ٢.

(٢) أمالي الصدوق : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ / ٣ ، الوسائل : الباب ١٠ من أبواب كتاب اللقطة ، الحديث ٤.

(٣) في النسخة الخطية بدل «في» : «عن».

(٤) تفسير الإمام العسكري : ٦٠٣ / ٣٥٧ ، الوسائل : الباب ١٠ من أبواب كتاب اللقطة ، الحديث ٥.

(٥) جواهر الكلام ١٦ : ٣٨ ـ ٣٩.

(٦) خبر لقوله في ص ٨١ : «أن ما أورده في الجواهر ..».

٨٢

(تفريع إذا وجد كنزا في أرض موات من دار الإسلام ، فإن لم يكن عليه سكّة أو كان عليه سكّة عاديّة) أي قديمة سابقه على زمن الإسلام كأنّه نسبة إلى عاد قوم هود (أخرج خمسه ، وكان له الباقي.

و إن كان عليه سكّة الإسلام ، قيل : يعرّف كاللقطة. وقيل : يملكه الواجد وعليه الخمس.)

وقد تقدّم شرح حاله في ما سبق (و) ظهر أنّ (الأوّل) ضعيف ، والثاني (أشبه) إلّا أن يكون ما وجده محفوفا بأمارات (١) الحدوث ، ككونه مصرورا في صرّة ونحوها بحيث عدّ عرفا من المال المجهول المالك ، فيلحقه حينئذ حكم هذا العنوان ، ويخرج عمّا ينصرف إليه إطلاق كلماتهم في هذا الباب ، فراجع.

(الرابع) ممّا يجب فيه الخمس : (كلّ ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر والدرر) ونحوهما بلا خلاف فيه على الظّاهر ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له ـ مضافا إلى عموم الآية (٢) بالتقريب المتقدّم في صدر المبحث ـ خصوص صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن العنبر وغوص اللؤلؤ ، فقال : «عليه الخمس» (٣).

__________________

(١) في الطبعة الحجرية : بأمارة.

(٢) الأنفال ٨ : ٤١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢١ / ٣٤٦ ، الوسائل : الباب ٧ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١.

٨٣

وخبر عمّار بن مروان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول :«في ما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز ـ الخمس» (١).

ومرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «الخمس على خمسة أقسام : على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة» ونسي ابن أبي عمير الخامس (٢).

ومرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح ـ عليه‌السلام ـ قال :«الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم والغوص والكنوز والمعادن والملاحة» (٣).

وخبر محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة هل فيها زكاة؟ فقال :» إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» (٤).

وعن الصدوق مرسلا نحوه (٥).

فلا ينبغي الارتياب في أصل الحكم ، ولا في عمومه بالنسبة إلى سائر أنواع ما يخرج من البحر بالغوص.

فما في المدارك من الاقتصار على ذكر صحيحة الحلبي ، والخدشة فيها :

__________________

(١) الخصال : ٢٩٠ / ٥١ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٦.

(٢) الخصال : ٢٩١ / ٥٣ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٧.

(٣) الكافي ١ : ٥٣٩ / ٤ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٤.

(٤) التهذيب ٤ : ١٢٤ / ٣٥٦ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٥.

(٥) الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٢ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ذيل الحديث ٥.

٨٤

بقصورها عن إفادة عموم المدّعى (١) ؛ ممّا لا ينبغي الالتفات إليه ، وإن لا يخلو عن وجه بناء على أصله من عدم التعويل إلّا على الأخبار الموصوفة بالصحّة ، ولكن المبنى عندنا فاسد ؛ لأنّا لا نرى جواز طرح مثل هذه الأخبار المعتبرة ، المعمول بها لدى الأصحاب ، خصوصا مع استفاضتها ، وكون بعضها بحكم الصحيح ، ولكنّ الإشكال في أنّه وقع في أغلبها التعبير عمّا يتعلّق به الخمس بالغوص ، وفي بعضها ـ كخبري عمّار بن مروان ومحمد بن علي ـ بما يخرج من البحر ، وبين العنوانين بحسب الظاهر عموم من وجه ؛ فإنّ الأوّل (٢) يصدق على ما يستخرج بالآلة من غير غوص في الماء ، بل خبر عمّار قد يشمل مثل صيد السمك ونحوه بشبكة ونحوها ، إلّا أن يدّعى انصرافه إلى جواهر البحر ، كما ليس بالبعيد.

والثاني (٣) يشمل ما يخرج من الشطوط بالغوص ، فهل العبرة بصدق عنوان الإخراج من البحر ، أو عنوان الغوص ولو في الشطوط ، أو العبرة بصدق كلّ من العنوانين ، أو بصدق كليهما ، كما هو ظاهر المتن ، أو بالعنوان المشترك بين الأمرين ، الصادق على كلّ منهما ، أي : إخراج شي‌ء من الماء مطلقا ، سواء كان بالغوص أم بآلة ونحوها ، وسواء كان من البحر أم الشط ونحوه؟ وجوه : من إمكان دعوى أنّ التعبير بالغوص الواقع في جملة من الأخبار للجري مجرى الغالب حيث إنّ الغوص الذي من شأنه الاستفادة لا يكون غالبا إلّا في البحر ، كما أنّ الإخراج من جواهر البحر لا يكون غالبا إلّا بالغوص.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٣٧٥.

(٢) كذا في النسخة الخطية والطبعة الحجرية ، والصحيح : «الثاني» بدل «الأول».

(٣) كذا ، والصحيح : والأول.

٨٥

ومن إمكان دعوى العكس من أنّ العبرة بعنوان الغوص ، والتعبير عنه بما يخرج من البحر جار مجرى الغالب بالتقريب المذكور ، كما أنّه يمكن دعوى جري كلّ من الخصوصيّتين ، أي : البحريّة والغوصيّة مجرى الغالب ، وأنّ المدار على مطلق إخراج شي‌ء من الماء ، ومقتضاه الالتزام بالوجه الأخير.

ومن أنّ كلّا منهما عنوان مستقلّ يتعلّق به الخمس بمقتضى ظاهر دليله ، ولا مقتضي لإرجاع أحدهما إلى الآخر ؛ إذ لا تنافي بينهما ، فيتّجه حينئذ الوجه الثالث.

ولكن يتوجه عليه : أنّ مقتضى ظواهر كلمات الأصحاب ، بل صريحها ـ كظواهر النصوص ، خصوصا الأخبار الحاصرة للخمس في خمسة ـ عدم كون كلّ من العنوانين بحياله موضوعا مستقلا يناط به الحكم ، فيجب إرجاع بعضها إلى بعض بشي‌ء من الدعاوي المزبورة ، أو بتقييد كلّ من العنوانين بالآخر ، والالتزام بأنّ الخمس لا يجب إلّا في ما اخرج من البحر بالغوص.

وهذا أشبه بالقواعد ؛ لا لأنّ التقييد من أهون التصرّفات ؛ كي يتوجّه عليه أنّه ليس بأهون من إهمال القيد الوارد مورد الغالب ، بل لأنّ مقتضى القاعدة عند دوران الأمر بين كون الإطلاق جاريا مجرى الغالب ، أو القيد كذلك : إهمال الإطلاق ، لا إلغاء الخصوصيّة المعلّق عليها الحكم في عنوان دليله الأخصّ.

هذا ، مع أنّ مقتضى الأصل ـ بعد فرض تكافؤ الاحتمالات ، وعدم إمكان الالتزام باستقلال كلّ من العنوانين بالموضوعيّة ، كما تقدّمت الإشارة إليه ـ هو الرجوع في ما عدا القدر المتيقّن ـ وهو مورد تصادق العنوانين ـ إلى أصالة البراءة عن وجوب الخمس.

٨٦

هذا كلّه بعد الإغماض عن إمكان دعوى انصراف كلّ من الإطلاقين خصوصا إطلاق الغوص إلى الأفراد المتعارفة الشائعة التي هي مورد الإجماع.

فالأظهر ما يظهر من المتن وغيره من اختصاص وجوب الخمس بما يخرج من البحر بالغوص (بشرط أن يبلغ قيمته دينارا فصاعدا) على المشهور شهرة كادت تبلغ الإجماع ، كما في الجواهر (١) ، بل عن غير واحد من الأصحاب دعوى الإجماع عليه.

ويشهد له : خبر محمد بن علي المتقدّم (٢).

فما عن عزّيّة المفيد من اعتبار عشرين دينارا (٣) ؛ ضعيف لم نعرف له مأخذا كما اعترف به في الجواهر (٤).

وممّا تقدّم سابقا في المعدن يظهر لك البحث هنا في اعتبار اتّحاد الإخراج والمخرج والنوع وتعدّد الشركاء ونحو ذلك ، وكذلك الكلام في الكنز ؛ لاتّحاد مناط البحث في الجميع من هذه الجهات ، كما لا يخفى.

(و) قد ظهر ممّا ذكر أنّه (لو أخذ منه شي‌ء) سواء كان على وجه الماء أو على الساحل أو بالآلات (من غير غوص لم يجب الخمس) من هذه الجهة وإن وجب باعتبار كونه من الأرباح عند حصول شرائطه.

وحكي عن الشهيدين أنّهما استقربا مساواة ما يؤخذ من غير غوص لما

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٤٠.

(٢) تقدّم في صفحة ٨٤.

(٣) كما في مدارك الأحكام ٥ : ٣٧٥ وحكاه عنه العلّامة الحلّي في المختلف ٣ : ١٩١ ، المسألة ١٤٨.

(٤) جواهر الكلام ١٦ : ٤٠ ـ ٤١.

٨٧

يؤخذ بالغوص (١).

وفيه : ما عرفت.

نعم قد يقوى تعلّق الخمس في ما لو غاص وشدّة بآلة مثلا ثمّ اخرج ، فإنّه يصدق عليه أنّه أخرجه بالغوص ، كما اعترف به في الجواهر (٢).

وانصراف لفظ «ما اخرج بالغوص» عنه إن سلّم فبدويّ لا يلتفت إليه.

ولو فرض تحت الماء معدن فأخرج منه شيئا بالغوص بلغ نصاب الغوص دون المعدن ، وجب فيه خمس الغوص ؛ لإطلاق دليله ، كما هو واضح.

ثمّ إنّ المتبادر من «ما اخرج بالغوص» إرادة الأموال الأصليّة التي يستخرج من البحر بالغوص دون الأموال الغارقة في البحر ، وكذا الحيوانات التي توجد في البحر من السمك ونحوه.

فما عن بعض من جعله من قبيل الغوص (٣) ؛ ضعيف.

وهل يعتبر أن تكون الاستفادة مقصورة بالغوص ، فلو غاص لا بقصد الاغتنام ، بل لغرض آخر كالغسل مثلا فصادف شيئا فلا خمس؟ فيه تردّد من إطلاق النصوص والفتاوى. ومن إمكان دعوى انصرافهما إلى الأوّل ، كما ليس بالبعيد.

__________________

(١) حكاه عنهما العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٣٧٦ ، وراجع : البيان : ٢١٦ ، ومسالك الأفهام ١ : ٤٦٣.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ٤١.

(٣) حكاه الشهيد في البيان : ٢١٦.

٨٨

(تفريع) لا خلاف بين الأصحاب ـ على الظاهر ـ في أنّه يجب الخمس في العنبر ، بل في المدارك (١) وغيره (٢) دعوى الإجماع عليه ، ويشهد له صحيحة الحلبي المتقدّمة (٣). ولكنّهم اختلفوا في نصابه على أقوال : فقيل ـ بل ربّما نسب (٤) إلى الأكثر ـ :) إنّ (العنبر إن اخرج بالغوص روعي فيه مقدار دينار ، وإن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن.)

وعن المفيد في العزّيّة القول بأنّ نصابه عشرون دينارا مطلقا (٥).

وعن ظاهر جماعة أنّه لا نصاب له ، بل يجب الخمس في قليله وكثيره.

وقوّاه في المدارك ، فإنّه قال في شرح عبارة الكتاب ما لفظه :ويشكل بانتفاء ما يدلّ على اعتبار الدينار في مطلق المخرج بالغوص ، وبالمنع من إطلاق اسم المعدن على ما يجني من وجه الماء.

وأطلق المفيد في المسائل العزيّة أنّ نصابه عشرون دينارا كالكنز والمعدن ؛ وهو ضعيف.

ولو قيل بوجوب الخمس فيه مطلقا كما هو ظاهر اختيار الشيخ في

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٣٧٧.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٤٥.

(٣) تقدّمت في صفحة ٨٣.

(٤) الناسب هو العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٣٧٧.

(٥) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٣٧٨.

٨٩

النهاية ، كان قويّا (١). انتهى.

أقول : أمّا المناقشة في إطلاق اعتبار الدينار في ما يخرج بالغوص ؛ فلعلّه في غير محلّها ؛ إذ الظاهر أنّ ما وقع في كلام السائل بعد «من» البيانيّة حيث سأل عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد (٢) ؛ أريد به التمثيل ، ولذا فهم الأصحاب منه اعتبار النصاب في سائر ما يخرج من البحر ، لا في خصوص ما ورد في هذا الخبر.

وأمّا مناقشته في إطلاق اسم المعدن على ما يجني من وجه الماء فهي بحسب الظاهر في محلّها ، بناء على كونه روث دابّة بحريّة ، كما هو أحد محتملاته الآتية ، فإنّه على هذا التقدير لا يعدّ من المعادن عرفا.

ولكن من ألحقه بها نظر إلى دلالة النصّ والإجماع على ثبوت الخمس فيه ، وظاهرهما تعلّق الخمس به لا من حيث اندراجه في الأرباح ، ولذا لم يشترط فيه الزيادة عن مئونة السنة ، فيجب أن يكون العنبر إمّا بنفسه موضوعا مستقلا خارجا عن الأقسام السبعة التي يجب فيها الخمس ، أو ملحقا ببعض هذه السبعة ، والأوّل باطل ؛ لظهور كلماتهم في التسالم على انحصار ما يجب الخمس فيه في السبعة ، فتعيّن الثاني ، وحينئذ إلحاقه بالمعادن أولى ؛ لشباهته بها حيث إنّ له مكانا مخصوصا ولا يوجد في غير ذلك المكان ، وكلّ ما كان كذلك يطلق على المكان الذي يوجد ذلك الشي‌ء فيه أنّه معدنه ، ويقال لدى أخذه منه : إنّه أخذ من معدنه توسّعا ، مع أنّه بناء على كونه في الأصل نبع عين في البحر ، كما هو أحد محتملاته التي ستسمعها من المعادن حقيقة.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٣٧٨ ، وراجع : النهاية : ١٩٧.

(٢) تقدّم الحديث في صفحة ٨٤.

٩٠

وأخذه من وجه الماء أو الساحل القريب من معدنه الذي جرت العادة بانتقاله من معدنه إليه لا ينافي صدق أخذه من معدنه ، كما تقدّم تحقيقه في محلّه ، مع أنّ مقتضى الأصل براءة الذمّة عن الخمس في ما دون ذلك إلّا أن يدفع ذلك : بإطلاق الصحيحة (١) ، ولكنّ قضيّة إطلاقها كونه قسما ثامنا لا يعتبر فيه النصاب ، ولا الزيادة عن مئونة السنة ، وقد عرفت أنّ الالتزام به لا يخلوا عن إشكال.

هذا ، مع إمكان الخدشة في إطلاقها من هذه الجهة ، ولذا لم يشترط النصاب في الغوص أيضا ، مع أنّه شرط فيه ، كما عرفت ، فليتأمّل.

فالإنصاف أنّ الالتزام بما في المتن من مراعاة مقدار الدينار إن اخرج بالغوص ، وحكم المعادن إن جني من وجه الماء أو الساحل لا يخلو عن قوّة ، ولكن بشرط أن لا يكون وجه الماء أو الساحل أجنبيّا عن المكان الذي يتكوّن فيه العنبر ، بل قريبا منه بحيث صدق على الأخذ منه عرفا أخذه من معدنه ، بخلاف ما لو قذفه البحر إلى البلاد النائية التي لا يصدق على الأخذ منها أخذه من معدنه ، فهو حينئذ من قسم الأرباح ، ولعلّ هذا الفرض خارج عن منصرف النصّ وإطلاق كلماتهم ، ولكن القول بأنّه لا نصاب له بناء على عدم كونه حقيقة من المعادن إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

وأمّا ما حكي عن المفيد من أنّ نصابه مطلقا عشرون دينارا ؛ فهو ضعيف وإن قلنا بأنّه من المعادن ؛ لما عرفت من أنّه لو أخرج شي‌ء من المعادن بالغوص روعي فيه نصاب الغوص.

وأضعف منه ما حكي (٢) عن ظاهر كاشف الغطاء من أنّ نصابه

__________________

(١) أي : صحيحة الحلبي المتقدّمة في صفحة ٨٣.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٤٤ وراجع : كشف الغطاء : ٣٦٠ ـ ٣٦١.

٩١

دينار مطلقا ؛ لشهادة سوق صحيحة الحلبي (١) باتّحاد حكمه مع ما يخرج بالغوص.

وفيه ما لا يخفي ؛ إذ الصحيحة إن كان لها إطلاق يجب الاقتصار في تقييدها على مقدار دلالة الدليل ، وهو في خصوص الغوص ، وإلّا فلا دلالة فيها على النصاب لا نفيا ولا إثباتا ، فيرجع في ما عدا القدر المتيقّن ـ وهو ما لم يبلغ قيمته دينارا ـ إلى حكم الأصل ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

وأمّا العنبر ، فعن المبسوط والاقتصاد : أنّه نبات في البحر (٢).

وفي المدارك قال : اختلف كلام أهل اللّغة في حقيقة العنبر ، فقال في القاموس : العنبر من الطيب روث دابّة بحريّة أو نبع عين فيه.

ونقل ابن إدريس في سرائره عن الجاحظ في كتاب الحيوان أنّه قال : يقذفه البحر إلى جزيرة فلا يأكل منه شي‌ء إلّا مات ، ولا ينقره طائر بمنقاره إلّا نصل (٣) فيه منقاره ، وإذا وضع رجليه فيه نصلت أظفاره.

وحكى الشهيد في البيان عن أهل الطب أنّهم قالوا : جماجم تخرج من عين في البحر أكبرها وزنه ألف مثقال (٤). انتهى.

وفي مجمع البحرين : العنبر هو ضرب من الطيب معروف.

وفي حياة الحيوان : إنّ العنبر سمكة بحريّة يتّخذ من جلدها التراس ، والعنبر المشموم. قيل : إنّه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابّه لدسومته

__________________

(١) تقدّمت صحيحة الحلبي في صفحة ٨٣.

(٢) كما في جواهر الكلام ١٦ : ٤٥ ، وحكاه ابن إدريس في السرائر ١ : ٤٨٥.

(٣) نصل السهم فيه : أي ثبت. القاموس المحيط ٤ : ٥٧.

(٤) مدارك الأحكام ٥ : ٣٧٧ ، وراجع : القاموس المحيط ٢ : ٩٦ ، والسرائر ١ : ٤٨٥ ـ ٤٨٦ ، والحيوان ٥ : ٣٦٢ ، والبيان : ٢١٦.

٩٢

فيقذفه رجيعا فيطفو على الماء فتلقيه الريح إلى الساحل (١). انتهى.

أقول : قضيّة ما قيل من أنّه يخرج من قعر البحر ؛ إلى آخره : عدم التنافي بين تفسيره بأنّه روث دابّة بحريّة ، وبين غيره من التفاسير ، إلّا أنّه ربّما يستشعر من قوله : إنّه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابّه :كونه في الأصل نباتا.

وكيف كان ، فهذا الاختلاف غير قادح في ما نحن فيه من تعلّق الخمس به ، إلّا أنّه على تقدير كونه في الأصل نبع عين في البحر أو خروجه من قعر البحر لو لم يندرج عرفا في مسمّى النبات يكون من المعادن ، فيقوى حينئذ القول بأنّه إن جني من وجه الماء أو الساحل كان له حكم المعادن ، وإلّا فيشكل إلحاقه بها بعد فرض كونه نباتا أو روث دابّة بحريّة ، إلّا أنّ عدم ثبوت كونه كذلك يكفي في إلحاقه بالمعادن بواسطة الأصل ، إلّا أن يناقش فيه : بإطلاق الدليل وإن لا يخلو عن تأمّل ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

(الخامس) ممّا يجب الخمس فيه : (ما يفضل عن مئونة السنّة له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات) على المعروف بين الأصحاب ، بل عن الخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى وغيرها دعوى الإجماع عليه (٢) ، وادّعى غير واحد تواتر الأخبار به ، ولعلّه كذلك ، كما ستعرفه.

وفي الجواهر : هو الذي استقرّ عليه المذهب والعمل في زماننا هذا ، بل وغيره من الأزمنة السابقة التي يمكن دعوى اتّصالها بزمان أهل

__________________

(١) مجمع البحرين ٣ : ٤١٥ ـ ٤١٦ ، وراجع : حياة الحيوان ٢ : ٧٩.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٤٥ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١١٨ ، المسألة ١٣٩ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٧ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٤٢١ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٤٨.

٩٣

العصمة (١). انتهى.

وحكي عن ابن الجنيد في مختصره الأحمدي أنّه قال : فأمّا ما استفيد من ميراث أو كدّ يد أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه ؛ لاختلاف الرواية في ذلك ، ولو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها (٢). انتهى.

وربّما استظهر من كلامه العفو عن هذا النوع ، وكونه محلّا للخلاف ، ولكن لا يبعد أن يكون مراده بالخلاف من حيث الرواية ، لا من حيث الفتوى.

وأمّا استظهار القول بالعفو من كلامه مع إمكان أن يكون تردّده في أصل ثبوته لا في العفو عنه : فلأنّه جعل إخراجه موردا لاختلاف الرواية لا أصل ثبوته ، كما أنّ الأمر كذلك في الواقع ، كما ستعرفه.

وعن الشهيد في البيان أنّه نسب القول بالعفو إلى ابن أبي عقيل أيضا ، فقال : وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع ، وأنّه لا خمس فيه ، والأكثر على وجوبه ، وهو المعتمد ؛ لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما واشتهار الروايات فيه (٣). انتهى.

أقول : ثبوت الخمس بحسب أصل الشرع في هذا القسم ممّا لا مجال للارتياب فيه ، والأخبار الدالّة عليه فوق حدّ التواتر ، كما ستسمع جملة منها.

ويدلّ عليه أيضا : عموم الآية (٤) الشريفة بالتقريب الذي عرفته في صدر

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٤٥.

(٢) حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٣ : ١٨٥ ، المسألة ١٤١ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٣٧٨.

(٣) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩ ، وراجع : البيان : ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٤) الأنفال ٨ : ٤١.

٩٤

المبحث ، ولكن الإشكال يقع في مواقع :

الأوّل : في أنّه هل أبيح ذلك للشيعة بإذن صاحب أمره ، ومن له الولاية عليه ، أي الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، كما يظهر من جملة من الأخبار الآتية ، فلا يجب عليهم بالفعل صرفه إلى مستحقّيه ، كما حكي عن ظاهر القديمين (١) ، ومال إليه بعض المتأخّرين (٢) ، بل عن المنتهى الجزم بسقوط خمس المكاسب في زمن الغيبة من هذه الجهة (٣) ؛ أم لا؟ كما يدلّ عليه أخبار أخر معتضدة بالشهرة والإجماعات المحكيّة وغيرهما من المؤيّدات العقلية والنقلية التي سنشير إليها.

وتحقيق المقام يتوقّف على نقل الروايات الدالّة على وجوبه بالفعل ، وعدم جواز منعه عن مستحقّيه ، كما هو مقتضى الأصل بعد ثبوت شرعيّته ، ثم التكلّم في ما يقتضيه الجمع بينها وبين الأخبار المنافية لها.

فأقول مستعينا بالله : وممّا يدلّ على الوجوب : ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الأشعري ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني ـ عليه‌السلام ـ : أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع (٤) ، وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه «الخمس بعد المئونة» (٥).

__________________

(١) حكاه الشهيد في البيان : ٢١٨.

(٢) راجع : مدارك الأحكام ٥ : ٣٨٤.

(٣) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٦٣ ، ولم نعثر عليه في المنتهى. ويحتمل أن تكون كلمة «المنتهى» تصحيف «المنتقى» راجع : الحدائق الناضرة ١٢ : ٤٤٣.

(٤) في المصادر : الصناع.

(٥) التهذيب ٤ : ١٢٣ / ٣٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٥٥ / ١٨١ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١.

٩٥

ولا يخفى عليك أنّ المنساق إلى الذهن من السؤال والجواب في مثل هذه الرواية إنّما هو إرادة الحكم الفعلي المنجّز على شيعتهم العاملين بأحكامهم ـ عليهم‌السلام ـ ، لا مجرّد ثبوته في أصل الشرع ؛ كي تكون الثمرة علمية.

وأوضح منه دلالة عليه : ما رواه أيضا بإسناده عن عليّ بن محمّد بن شجاع النيسابوري (١) أنّه سأل أبا الحسن الثالث ـ عليه‌السلام ـ عن رجل أصاب من ضيعته مائة كرّ من الحنطة ما يزكّي ، فأخذ منه العشر عشرة أكرار ، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا وبقي في يده ستّون كرّا ، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك شي‌ء؟ فوقّع لي «منه الخمس ممّا يفضل من مئونته» (٢).

وعن علي بن مهزيار قال ، قال لي أبو علي بن راشد : قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك ، فأعلمت مواليك بذلك ، فقال بعضهم :وأيّ شي‌ء حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه ، فقال : «يجب عليهم الخمس» فقلت :ففي أيّ شي‌ء؟ فقال : «في أمتعتهم وصنائعهم» قلت : والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال : «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» (٣).

وعن محمّد بن عيسى عن يزيد (٤) قال : كتبت جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة؟ وما حدّها؟ رأيك أبقاك الله أن تمنّ عليّ ببيان

__________________

(١) في التهذيب والاستبصار : محمد بن علي بن شجاع النيسابوري.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦ / ٣٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧ / ٤٨ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٣ / ٣٥٣ ، الإستبصار ٢ : ٥٥ / ١٨٢ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٣.

(٤) في الكافي : محمد بن عيسى بن يزيد.

٩٦

ذلك لكي لا أكون مقيما على حرام لا صلاة لي ولا صوم ، فكتب «الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها ، وحرث بعد الغرام ، وجائزة» (١).

وعن محمد بن يزيد الطبري قال : كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ يسأله الإذن في الخمس ، فكتب «بسم الله الرحمن الرحيم إنّ الله واسع كريم ، ضمن على العمل الثواب ، وعلى الخلاف العذاب (٢) ، لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه الله ، إنّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا وعلى موالينا وما نبذله ونشتري به أعراضنا ممّن نخاف سطوته ، فلا تزووه عنّا ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه ، فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهّدون لأنفسكم ليوم فاقتكم ، والمسلم من يفي لله بما عهد إليه ، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب ، والسلام» (٣).

وبإسناده أيضا عن محمّد بن يزيد قال : قدم قوم من خراسان إلى أبي الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ فسألوه بأن يجعلهم في حلّ من الخمس ، فقال : «ما أمحل هذا تمحضونا المودّة بألسنتكم ، وتزوون حقّا جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس ، لا نجعل أحدكم في حلّ» (٤).

وما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، قال : كنت عند أبي جعفر الثاني ـ عليه‌السلام ـ ، إذ دخل عليه صالح بن

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٥ / ١٢ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٧.

(٢) في الكافي وهامش النسخة الخطية : وعلى الضيق الهم. وفي التهذيب : وعلى الخلاف العقاب.

(٣) الكافي ١ : ٥٤٧ / ٢٥ ، التهذيب ٤ : ١٣٩ ـ ١٤٠ / ٣٩٥ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ١٤٠ / ٣٩٦ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب الأنفال ، ذيل الحديث ٣.

٩٧

محمد بن سهل وكان يتولّى له الوقف بقم ، فقال : يا سيّدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ ، فإنّي قد أنفقتها ، فقال له : «أنت في حلّ» فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ : «أحدهم يثب على أموال (١) آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، فيأخذه ثمّ يجي‌ء فيقول : اجعلني في حلّ ، أتراه ظنّ أنّي أقول : لا أفعل ، والله ليسألنّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا» (٢).

وعدم وضوح كون مورده من هذا القسم من الخمس غير قادح في المدّعى ؛ فإنّه صريح في عدم كونه راضيا بمنع آل محمد حقوقهم.

وخبر الريّان بن الصلت ، المصحّح ، قال : كتبت إلى أبي محمد ـ عليه‌السلام ـ : ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك ، وبردي (٣) وقصب أبيعه من أجمة (٤) هذه القطيعة؟

فكتب «يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله» (٥).

وحمل الخمس في الرواية على الخمس الثابت في أرض الخراج ؛ لكونها من الغنائم ، لا الخمس المتعلّق بالأرباح ـ كما حكي (٦) عن المحقّق جمال الدين في حاشية الروضة ـ يدفعه ـ مضافا إلى ما أشرنا إليه في صدر الكتاب من أنّ خمس أرض الخراج لا يجب على من تقبّلها إمّا لكونها بالنسبة إليهم بحكم الأنفال التي أبيح لهم التصرّف فيها ، أو غير ذلك من

__________________

(١) هامش النسخة الخطية : حق خ ل.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٨ / ٢٧ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب الأنفال ، الحديث ١.

(٣) البردي : نبات. القاموس المحيط ١ : ٢٧٧.

(٤) الأجمة : الشجر الملتف الكثير. القاموس المحيط ٤ : ٧٣.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٩ / ٣٩٤ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٩.

(٦) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٣٠.

٩٨

المحامل التي تقدّمت الإشارة إليها ـ أنّه ينافي الحكم بإخراج خمس غلّة الرحى المبنيّة على تلك الأرض ؛ فإنّ أرض الخراج لا يجب تخميس الغلّة الحاصلة من الأبنية الموجودة فيها ، غاية الأمر وجوب تخميس طسق الأرض ، كما نبّه على ذلك شيخنا المرتضى (١) ـ رحمه‌الله ـ فتأمّل.

وصحيحة علي بن مهزيار ، قال : كتب إليه أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة ، قال : «إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه ـ وهذه سنة عشرين ومائتين ـ فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفا من الانتشار ، وسأفسّر لك بعضه إن شاء الله ، إنّ موالي ـ أسأل الله صلاحهم ـ أو بعضهم قصّروا في ما يجب عليهم ، فعلمت ذلك ، فأحببت أن أطهّرهم وأزكّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا ، قال الله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ. وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢) ولم أوجب عليهم ذلك في كلّ عام ، ولا أوجب عليهم إلّا الزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول ، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلّا في ضيعة سأفسّر لك أمرها تخفيفا منّي عن مواليّ ومنّا مني عليهم ؛ لما يغتال السلطان من أموالهم ، ولما

__________________

(١) كتاب الخمس : ٥٣٠.

(٢) التوبة ٩ : ١٠٣ ـ ١٠٥.

٩٩

ينوبهم في ذاتهم ، فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام ، قال الله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ» (١).

والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء ، والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان الّتي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ما له ، ومثل مال يوجد ولا يعرف له صاحب ، ومن ضرب ما صار إلى موالي من أموال الخرميّة (٢) الفسقة فقد علمت أنّ أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي ، فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصله إلى وكيلي ، ومن كان نائيا بعيد الشقة فليتعمّد لإيصاله ولو بعد حين ، فإنّ نيّة المؤمن خير من عمله ، فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلّات في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمئونته ، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك» (٣).

وناقش صاحب المدارك في هذه الرواية بما لفظه : وأمّا رواية علي بن مهزيار فهي معتبرة السند ، ولكنّها متروكة الظاهر من حيث اقتضائها وجوب الخمس في ما حال عليه الحول من الذهب والفضة ، ومع ذلك فمقتضاها اندراج الجائزة الخطيرة ، والميراث ممّن لا يحتسب ، والمال الذي

__________________

(١) الأنفال ٨ : ٤١.

(٢) الخرمية : أصحاب التناسخ والإباحة كما في الصحاح للجوهري ٥ : ١٩١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٤١ / ٣٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٦٠ / ١٩٨ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٥.

١٠٠